الأفلاج ل - مكتبة أهل الحق والإستقامة

أحدث المشاركات

Post Top Ad

Post Top Ad

الاثنين، 10 يناير 2022

الأفلاج ل

 





الكتاب: الأعمال الكاملة لبدر العبري ج6
ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع
ملف
أعمال الواعظ
بدر بن سالم العبري
الجزء السّادس
من رجب وحتى ذي الحجة 1431هـ
تقدمة
ونحن نقطف ثمار ستة الأشهر الثانية {من رجب وحتى ذي الحجة لعام 1431هـ}، يسرني أن أتحفكم بالجزء السادس مما ألقت به اليراع من مقالات وخطب وبحوث، راجيا من الله القبول والثواب، وعما قريب سيكون إن شاء الله تعالى الجزء السابع، والحمد لله رب العالمين.
أولا
المقالات
الأحجار الكريمة هل تنفع وتضر؟
من البديهي عقلا أنّ المتصرف في الكون هو الله سبحانه وتعالى، وقد جعل فيه من السنن التي لا تتغير ولا تتبدل، وأمر الإنسان بالنظر فيه، واكتشاف مكنوناته، ليسخر هذه السنن في النفع البشري، قال سبحانه واصفا عباده: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
ومما لا شك فيه أنّ الله خص بعض مخلوقاته بمزايا لا توجد في غيرها من المخلوقات، فالإنسان مثلا مع أنه في جملته حيوان يتمتع بنعمة الحياة والحركة، إلا أنه مُيِزَ عن غيره من الحيوانات بنعمة العقل.
والأحجار الكريمة كالألماس والياقوت والزفير والزمرد هي نوع من الحجر، إلا أنّ لها خصائص كيميائية وفيزيائية خاصة بها كالمتانة، والندرة، واللون، والصلابة أو القساوة، مما جعل لها قيمة نفسية تهدأ لجمالها أنفس المتأملين، وتتلذذ بجمالها أعين الناظرين، فتنافس الناس لاقتنائها والتفنن بها، مم علت قيمتها السوقية، وتنوعت مجالات استخدامها.
إلا أنّ مع مرور الأيام ألصقت حولها الأساطير، ونسجت بين جنباتها الخرافات، فأصبحت مصدر سعادة، وطرق جذب، واستحضار للجان، والشفاء من الأمراض، فاعتقدوا أنها أساس للشفاء، وفي الوقت نفسه تضر وتنفع.
(1/1)
من هنا اختلط على الناس، ونظرا لبعض آثارها، تصوروا قدرتها المطلقة في الضر والنفع، فتوجهوا إليها من دون الله تعالى، فوقعوا في الشرك من حيث لا يشعرون، قال تعالى: قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
فالله تعالى وحده الذي يملك النفع والضر لا شريك معه أحد غيره، وهذا لا ينفي وجود خصائص في بعض المخلوقات، ولكن أن تنسب إليها فهذا خطأ كبير، لأن الذي أوجد فيها هذه الخصائص هو الله تعالى وحده، فإليه الأمر كله، وبيده النفع والضر، قال سبحانه: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ.
وعليه نجيب عن الأسئلة المرسلة:
1 - هل الاعتقادات السائدة بأنه بعض فصوص الخواتم تجلب الرزق والسعادة وتبعد الحسد؟
مما تقدم ندرك أنّ لبعض المخلوقات خصائص فيزيائية وكيميائية لها تأثير عجيب مع نفسية الإنسان، وهذا باتفاق العلم الحديث، ولكن لا يعني هذا أنّ ذات الحجر الذي صنعت منه فصوص الخواتم يجلب الرزق أو السعادة أو يبعد الحسد، فهذه من خواص الله تعالى لا يشرك معه أحد سبحانه.
(1/2)
أما الرزق فهو بيد الله، يعطيه من يشاء، ويرفعه عمن يشاء، مع وضعه لأسباب الرزق في الكون، ولو لبس الإنسان ألف فص من ماس، لما جلب له رزقا، ولكن قد يلبس الإنسان يوما ما فصًا فيرزق بولد ذكر، فيصور له الشيطان أنّ الفص له دور في ذلك، وهذه كلها من تخيلات النفس الكاذبة، قال تعالى: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ.
أما السعادة فمصدرها رباني، وهي ناتجة عن الرضا بأمر الله، واتباع نهجه، فهؤلاء اليابانيون، والذين يحافظون على لبس فصوص الخواتم، لاعتقادهم البوذي المنحرف، إلا أنّ معدلات الانتحار عندهم تنتشر بقوة رهيبة، يأسا من هذه الفانية، ففي كل ربع ساعة ينتحر شخص في اليابان، وصدق الله حين قال: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى.
أما الحسد فرفعه بيد الله وحده، لذا قال في سورة الحسد في بدايتها: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، أي ألتجئ إلى فالق الأصباح، وهو الله سبحانه، ومن اللجوء إليه قوله: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ، أي رفع الحسد مختص به سبحانه، لذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تعليق التمائم والحروز حيث قال: من علّق تميمة فقد أشرك، أي لأنه جعل التميمة أو الحرز في مصاف الله تعالى في دفع البلاء وهذا عين الشرك.
نخلص مما سبق أنّ للأحجار الكريمة تأثير نفسي بجمالها وبهائها، شأنها شأن اللباس الجميل، والعطر الفواح البهي، أما كونها مشاركة لله تعالى في الرزق أو جلب السعادة أو دفع الحسد ونحوه؛ فهذا عين الخرافة والشرك به سبحانه.
(1/3)
2 - هناك من يقرأ شخصية الإنسان وما يدور في داخله من مشاكل وصحة وعافية، حيث يقومون بانتقاء الفص المناسب لهم، وبالفعل تكون قراءتهم صحيحة بشكل تام مثل الذي التقينا معه، وأجرينا معه حوارا في هذا الموضوع، ما قولكم في هذا؟
هذا نوع من التخمين والدجل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، فما يدور في خلجات الإنسان لا يعلمه إلا الله تعالى، وقد يكون أخبرك عن أمور مشتركة فتتصور أنها من علمه للغيب، ولو وضع هذا الشخص في امتحان لكي يجيب عن أسئلة خاصة عن طريق الفص لما استطاع، لأنه سينكشف بذلك دجله، وتظهر حقيقته، والله تعالى يقول: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ.
3 - بعض الناس تتعدد أصابعهم بالخواتم، فهل يجوز الصلاة بها؟
من المعلوم أنّ لبس الخاتم مما هو مباح فعله للرجال والنساء، فعن صدقة بن يسار قال: سألت سعيد بن المسيب عن لبس الخاتم فقال البسه وأخبر الناس أني قد أفتيتك به؛ بل هو من السنة المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يلبس خاتما من ذهب ثم نهى عنه، وجعله خاصا بالنساء، واتخذ بدلا عنه خاتما من فضه، فقد روى مالك وأبو داود وغيره أن أَنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- كان يلبس خاتما من ذهب، ثم قام رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، فنبذهُ، وقال: لا أَلبسه أَبدا، قال: فنبذ الناس خواتيمهم، ثم اتخذ خاتما من فضة، ثم قال: نقش فيه: محمد رسول الله، ثم لبس الخاتم بعده أبو بكر، ثم لبسه بعد أبي بكر عمرُ، ثم لبسه عثمانُ، حتى وقع في بئر أريسَ.
(1/4)
والأولى أن يكون الخاتم في اليسار، ويصح في اليمين، كما أنه من المستحب والأولى أن يكون الخاتم في الخنصر، ويصح في الإبهام والبنصر، وقيل يكره في السبابة والوسطى، وقيل يباح ذلك.
وإن قصد من تختمه مباهاة أو رياء منع، وكذلك إذا تعلق به اعتقاد باطل، والأصل الجواز كان بخاتم أو أكثر، والأولى الاقتصار على خاتم واحد اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام.
أما لبس الخاتم في الصلاة لكونه من جملة الآنك وهو النحاس فيقول سماحة الشيخ أحمد الخليلي عن ذلك: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بالآنك والشبه، وقيست بقية المعادن عليها بجامع الانطباع، واختلف في هذا النهي قيل للتحريم لأنّ الأصل فيه النهي وهو الذي رجحه الإمام السالمي رحمه الله تعالى، وقيل للتكريه، انتهى، ولعل الصواب الثاني، إذ لا يصل للتحريم، وإنما نهي حتى لا يشغله عن صلاته والله أعلم.
4 - كلمة موجزة ما ترونه مناسبا للمنفعة العامة ..
إن كان ثمة كلمة فأوجهها إلى فريقين: الفريق الأول إلى عموم الناس بأن يتقوا الله تعالى، وأن يعلموا أنّ النافع الضار هو وحده جلّ جلاله، وأن لا يشركوا معه أحدا، فالله غني عن الشرك وأهله، وإن كان ثمة خواص جعلها الله في مخلوقاته، فليعلموا أنها بسبب من الله، فلا يرفعوا السبب إلى درجة المسبب، كذلك عليهم أن لا يفتحوا المجال للمشعوذين، ليلبسوا عليهم دينهم، ويغلقوا عقولهم، ويشوهوا حضارتهم وبلدانهم.
أما نصيحتي للطرف الثاني، وهم الذين يلبسون الحقائق على الناس، لترتفع تجارتهم، ويشتهر اسمهم، فليعلموا أنما هذا متاع فاني، والآخرة قريبة منا أقرب من فواق الناقة، فلا ينفعكم ما كسبتم من أموال، ولا ما اشتهر من أسماء، إن كان من قبل الكذب والتدجيل، فما عند الله خير وأبقى لذوي العقول والألباب، والله المستعان.
أم المؤمنين أم سلمة (رضي الله عنها)
مقدمة:
(1/5)
أخرج التأريخ الإسلامي نماذج رائعة مثلت الإسلام خير تمثيل، وعلى رأس هؤلاء ممن شرب من نهر القرآن، وارتوى من مائه العذب زوجات النبي – صلى الله عليه وسلم -، ممن جعلهن الله أمهات للمؤمنين إلى يوم الدين، وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ، ذوات التطهير الرباني، والتربية المحمدية، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا.
وهنا نأخذ نموذجا للعالمة الفقيهة، والمفتية النبيهة، لمعلمة العلماء، وتلميذة خير خلق الله من الأنبياء، مع أم سلمة بنت سهيل المخزومية، مستلهمين العبر من مواقفها النبيلة.
أولا: جوانب تأريخية من حياة أم سلمة:
أ/ نسبها:
هي هند بنت سهيل المعروف بأبي أمية بن المغيرة، أم سلمة، ويقال إنّ اسم جدها المغيرة هو حذيفة، ويعرف بزاد الركب، وهي قرشية مخزومية، وكان جدها المغيرة يقال له: زاد الركب، وذلك لجوده، حيث كان لا يدع أحدا يسافر معه حامل زاده، بل كان هو الذي يكفيهم.
وقد تزوجها أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي.
وأمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن جذيمة من معد بن عدنان.
ينظر: معجم أعلام النبلاء للذهبي، ترجمة أم سلمة.
ب/ ولادتها ووفاتها:
لا يُعلم تأريخ ولادتها، أما وفاتها فقد توفيت سنة 62 هـ على الأصح، وقيل 61 هـ، و قيل قبل ذلك، توفيت عن عمر يناهز التسعين عاما في خلافة يزيد بن معاوية، وهي آخر من مات من أمهات المؤمنين.
ينظر: برنامج الموسوعة الشاملة {رواة التهذيبين}.
ج/ زواجها:
(1/6)
تزوجها أبو سلمة ابن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب، السيد الكبير، أخو رسول الله – صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة، وابن عمته برة بنت عبد المطلب، وأحد السابقين الأولين، هاجر إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرا، ومات بعدها بأشهر، حيث مات كهلا في سنة ثلاث من الهجرة - رضي الله عنه -، وقيل: إنه شهد أحدا، وأصيب في المعركة بسهم في عضده، ومع أنه ظنّ أنه التأم، عاد وانفض جرحه فأخلد إلى فراشه، وتوفي على أثره.
ولما انقضت عدتها بعث إليها أبو بكر يخطبها فلم تتزوجه، وخطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - إشفاقا عليها، ورحمة بأيتامها أبناء وبنات أخيه من الرضاعة، فقالت له: مثلي لا يصلح للزواج، فإني تجاوزت السن، فلا يولد لي، وأنا امرأة غيور، وعندي أطفال، فأرسل إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - خطابا يقول فيه: أما السن فأنا أكبر منكِ، وأما الغيرة فيذهبها الله، وأما الأولياء فليس أحد منهم شاهد ولا غائب إلا أرضاني، فأرسلت أم سلمة ابنها عمر بن أبي سلمة ليزوجها بالرسول - صلى الله عليه و سلم-.
ينظر: معجم أعلام النبلاء للذهبي/ ترجمة أبي سلمة بن أبي الأسود؛ موقع الصحابة http://www.khayma.com.
د/ أولادها:
كان لأم سلمة أربعة من الأولاد: سَلَمَةَ، وَعُمَرَ، وَدُرَّةَ، وَزَيْنَب، وكلهم من أبي سلمة، ولم تلد من رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، وترجمتهم:
- سلمة بن أبي سلمة: ربيب النبي - صلى الله عليه وسلم -، يقول أهل العلم بالنسب: إنه الذي عقد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - على أمه أم سلمة، فلما زوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب أقبل على أصحابه فقال: تروني كافأته!، وكان سلمة أسن من أخيه عمر بن أبي سلمة، وعاش إلى خلافة عبد الملك ابن مروان. (الاستيعاب في معرفة الأصحاب 1/ 193).
(1/7)
- عمر بن أبي سلمة: ربيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، يكنى أبا حفص، ولد في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة، وقيل: إنه كان يوم قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن تسع سنين، وشهد مع علي الجمل، واستعمله علي على فارس والبحرين، وتوفي بالمدينة في خلافة عبد الملك بن مروان سنة ثلاث وثمانين، حفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وروى عنه أحاديث، وروى عنه سعيد بن المسيب وأبو أمامة بن سهل بن حنيف وعروة بن الزبير. (الاستيعاب في معرفة الأصحاب 1/ 359).
- درة بنت أبي سلمة: ربيبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، معروفة عند أهل العلم بالسير والخبر والحديث في بنات أم سلمة ربائب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (الاستيعاب في معرفة الأصحاب 2/ 92).
- زينب بنت أبي سلمة: ربيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان اسم زينب برة، فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب، ولدتها أمها بأرض الحبشة، وقدمت بها، وحَفَظَت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت من أفقه نساء أهل زمانها. (الاستيعاب في معرفة الأصحاب 2/ 99).
هـ/ إسلامها:
أسلم أبو سلمة زوج أم سلمة قبل الجهر بالدعوة، ويعتبر من أوائل من دخلوا في الإسلام، والظاهر أنّ أم سلمة أسلمت بعد الجهر بالدعوة، إذا لم أجد – حسب نظري - ما يدل على أنها أسلمت قبل الجهر بالدعوة، ومع هذا تعدّ من السابقات في الإسلام دخولا ونصرة.
ينظر: السيرة لابن حبان 1/ 63.
و/ هجرتها:
- أول من خرج من المسلمين إلى الحبشة مهاجرا من بني مخزوم أبو سلمة بن عبد الأسد، ومعه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية، وولدت له بأرض الحبشة زينب بنت أبي سلمة، وتعود أم سلمة مع زوجها إلى مكة مستخفية عن أنظار الظالمين، وتصبر في سبيل الله وتوحيده، حتى آذن الله لهم بالهجرة إلى المدينة المنورة.
(1/8)
- تروي أم سلمة -رضي الله عنها- قصة هجرتها إلى المدينة فتقول: لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحّل بعيراً له، وحملني وحمل معي ابني سلمة، ثم خرج يقود بعيره، فلما رآه رجال بني المغيرة قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذ، على مَا نتركك تسير بها في البلاد؟ ونزعوا خطام البعير من يده، وأخذوني، فغضب عند ذلك بنو عبد الأسد، وأهووا إلى سلمة وقالوا: والله، لا نترك ابننا عندها، إذا نزعتموها من صاحبنا، فتجاذبوا ابني سلمة حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد ورهط أبي سلمة، وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة حتى لحق بالمدينة، ففرق بيني وبين زوجي وابني، فكنت أخرج كلّ غداة، وأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسي سبعاً أو قريبها، حتى مرّ بي رجل من بني عمي فرأى ما في وجهي، فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرَّقتم بينها وبين زوجها وبين ابنها؟ فقالوا: الحقي بزوجك إن شئت، وردّ علي بنو عبد الأسد عند ذلك ابني، فرحلّت بعيري، ووضعت ابني في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة، وما معي من أحد من خلق الله، فكنت أبلغ من لقيت، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة أخا بني عبد الدار، فقال: أين يا بنت أبي أمية؟ قلت: أريد زوجي بالمدينة، فقال: هل معك أحد؟ فقلت: لا والله إلا الله وابني هذا؟ فقال: والله ما لك من منزل، فأخذ بخطام البعير، فانطلق معي يقودني، فوالله ما صحبت رجلاً من العرب أراه أكرم منه، وإذا نزل المنزل أناخ بي ثم تنحى إلى الشجرة، فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه ورحلّه، ثم استأخر عني وقال: اركبي، فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه، فقادني حتى نزلت، فلم يزل يصنع ذلك حتى قدم بي المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء، قال: إن زوجك في هذه القرية، وكان أبو سلمة نازلاً بها، فيستقبل أبو سلمة أم سلمة وابنه معها، بكل
(1/9)
بهجة وسرور، وتلتقي الأسرة المهاجرة بعد تفرّق وتشتّت وأهوال.
ينظر: الروض الأنف 2/ 290، وموقع الصحابة، رابط: http://www.khayma.com
ز/ جهادها:
هاجرت أم سلمة الهجرتين الحبشة والمدينة، واشتركت في الحديبية وخيبر وحنين، وكانت تسقى الماء، وتداوى الجرحى.
ينظر: مقال التمريض في العصر الإسلامي، موقع طبيبك، رابط: http://www.tabebak.com.
ثانيا: جوانب تربوية من حياة أم سلمة:
أ/ رجاحة عقل أم سلمة:
- كان لأم سلمة يوم الحديبية رأي صائب يدل على وفور عقلها ورجاحته، فعندما عقد الصلح مع مشركي مكة كان كثير من المسلمين غير راضين عن بعض شروطه، فلما أمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتحلل تأخروا في الاستجابة، فشق ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودخل على أم سلمة، وذكر لها الأمر فقالت: يا نبي الله، اخرج ثم لا تكلّم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فقام صلى الله عليه وسلم ونحر وحلق، فقام أصحابه ينحرون ويحلقون.
ب/ أم سلمة المربية:
كانت أم سلمة نعم المربية، ومما يدل على ذلك:
- صلاح أولادها.
- عدم رغبتها بداية في الزواج لتتفرغ لتربية وتنشئة أبنائها.
- دور أبنائها في المجتمع الجديد، ونشر الدعوة الإسلامية.
- الجانب العلمي الذي وصل إليه أبناؤها خاصة عمر وزينب.
ج/ أم سلمة الزوجة الصالحة:
كانت أم سلمة نعم الزوجة الصالحة، وقد روت عن زوجها رسول الله –صلى الله عليه وسلم – قوله: "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة" (رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم في المستدرك، وقال السيوطي في الجامع الصغير: حسن)، ومما يدل على هذا:
- تضحيتها في بداية الدعوة لإعانة زوجها على الصبر وتحمل المشاق، فهاجرت معه إلى الحبشة، وواسته من أذى كفار مكة، وتبعته في الهجرة إلى المدينة، بعد ما بكته عاما كاملا.
- مواساتها لزوجها أبي سلمة بعد ما أصيب في أحد وحتى فارق الحياة.
(1/10)
- رفضها للزواج من أبي بكر، وقيل أيضا عن عمر، اعترافا بفضل زوجها الأول، وحبا أن تكون معه في الجنة، وتفرغا لتربية أولاده، ولكنها في النهاية تزوجت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكونه أفضل من أبي سلمة، واستجابة من الله لدعاء أبي سلمة قبيل موته: اللهم اخلفني في أهلي بخير، فأخلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على زوجته أم سلمة، فصارت أماً للمؤمنين، وصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربيب بنيه: عمر وسلمة وزينب ودرة.
- إعانتها للنبي - صلى الله عليه وسلم - في بناء المجتمع الجديد، ومشاركتها له في غزواته وحروبه.
- كانت نعم المرأة الصالحة مع أزواجه صلى الله عليه وسلم، ومراعاته لبيته عليه السلام، وتخفيف العبء عليه في الدعوة الجديدة.
د/ أم سلمة الداعية المجاهدة:
كانت أم سلمة نعم الداعية المجاهدة، ويدل على هذا:
- أخلاقها العالية، وعفافها الطاهر، مما يدل على دعوة صامتة تميزت به.
- دعوتها في عشيرتها وفي الحبشة والمدينة.
- تأييدها ودعمها لزوجها الأول، ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بعد، في دعوتهما وجهادهما.
- مشاركتها في الغزوات في تضميد الجرحى وعلاجهم، ومساندتهم في الخدمة والتغذية.
- القيام بواجب التعليم وتبليغ ما تعلمته من زوجها رسول الله من أحكام، خاصة فيما يتعلق بمسائل النساء.
هـ/ أم سلمة الصابرة:
مما تتميز به أم أسلمة من أزواج النبي خصوصا الصبر الذي يقل مثيله في النساء، وقد روت عن زوجها أبي سلمة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قوله: "مَا مِنْ عَبْدٍ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللهُمَّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِيبَتِي، فَأَجِرْنِي فِيهَا، وَأَبْدِلْنِي مِنْهَا، خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَبْدَلَهُ اللهُ خَيْرًا مِنْهَا" (ذكره أبو نعيم في معرفة الصحابة 3/ 1694)، ويظهر صبر أم سلمة في المشاهد التالية:
(1/11)
- الدخول في الإسلام مبكرا، مع علمها بالأذى الذي سيلحقها جراء ذلك.
- فراق وطنها الحبيب، وأموالها وأهليها، والهجرة إلى الحبشة والمدينة.
- دخولها مع زوجها في جوار أبي طالب بعد الرجوع من الحبشة، وتحملها المشاق الناتج عن ذلك.
- صبرها على منعها من الهجرة إلى المدينة مع زوجها أبي سلمة، وإصرارها في الهجرة، مع محاولة منع ابنها فلذة كبدها سلمة من أخذه معها، حتى استطاعت الفرار بولدها، واللحوق بزوجها بعد عام من هجرته.
- صبرها على وفاة زوجها أبي سلمة، ومن ثم وفاة زوجها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
و/ أم سلمة الراوية:
تعدّ أم سلمة لملازمتها النبي –صلى الله عليه وسلم- ثاني راوية من النساء بعد عائشة الصديقة من حيث العدد، وقد كما ذكر الذهبي في مسندها ثلاثمائة وثمانين حديثًا، اتَّفق البخاري ومسلم على ثلاثة عشر، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بثلاثة عشر، وقد روت -رضي الله عنها- الأحاديث الخاصَّة بمعشر النساء بغرض التعليم والتوجيه.
وقد روى لها الربيع بن حبيب في صحيحه سبعة أحاديث.
ينظر: محب الدين الطبري: السمط الثمين ص142، 143، وأمينة الخراط: أم سلمة ص54، 55، مسند الإمام الربيع بن حبيب، وموقع: قصة الإسلام، رابط: http://www.islamstory.com
ز/ أم سلمة العالمة المفتية:
- تعد من فقهاء الصحابة ممن كان يفتي، وقد عدّها ابن حزم ضمن الدرجة الثانية، أي متوسطي الفتوى بين الصحابة.
ينظر: موقع ويكبيديا wikipedia.org
ح/ أم سلمة المعلمة:
(1/12)
جمعت أم سلمة بين الرواية والدراية، فكما أنها عاصرت النبي - صلى الله عليه وسلم- عهدا من حياته، كانت في الوقت نفسه خير التلميذة له عليه السلام، مما بوأها لصدارة الفتوى والتعليم، لذا تخرج على يديها تلامذة نجباء من الصحابة وكبار التابعين، منهم على سبيل المثال: سعيد بن المسيب، وشقيق بن سلمة، والأسود بن يزيد، والشعبي، وأبو صالح السمان، ومجاهد، ونافع بن جبير بن مطعم، ونافع مولاها، ونافع مولى ابن عمر، وعطاء بن أبي رباح، وشهر ابن حوشب، وابن أبي مليكة.
ينظر: سير أعلام النبلاء 2/ 201.
فقه الهبة
أولا: تعريف الهبة
- الهبة في اللغة: وَهَبَ له شيئا يهب وَهْباً بوزن وضع يضع وضعا، ووَهَباً أيضا بفتح الهاء، وهِبَةً بكسر الهاء، والاسم المَوْهِبُ، والمَوْهِبَةُ بكسر الهاء فيهما، والاتِّهَابُ قبول الهِبَة، والاسْتِيهاب سؤال الهبة، ورجل وَهَّابٌ و وَهّابة كثير الهِبَة والهاء للمبالغة.
ينظر: مختار الصحاح مادة وهب.
- وفي الاصطلاح: هي تبرع بمال لمصلحة الغير حال الحياة.
ثانيا: المصطلحات المتعلقة بالهبة
1. الهبة والصدقة:
- الصدقة يراد بها خالصة لوجه الله تعالى لا يخالطها شيء آخر.
- الهبة يدخل فيها أغراض أخرى كالتودد والتقرب ونحوه من الموهوب له.
- الدليل: ورد وفد لثقيف من أهل الطائف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أهدية أم صدقة؟ فإن كانت هدية فإنما يبتغى بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاء الحاجة، وإن كانت صدقة فإنما يبتغى بها وجه الله، فقالوا: لا بل هدية، فقبلها منهم. رواه النسائي من طريق عبد الرحمن بن علقمة الثقفي.
2. الهبة والهدية:
- المقصد من الهدية إكرام المهدى إليه.
- أما الهبة فالمقصد منها مع إكرام الموهوب له إلا أنه يراعى فيها وجه الواهب، فالهبة أعم معنى من الهدية.
3. الهبة والنحلة:
(1/13)
- يستخدم بعض الفقهاء النحلة في بيان الهبة للأولاد، وهي تدخل عموما في الهبة.
4. الدليل: عن النعمان بن بشير، قال: إنّ أباه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أكلّ ولدك نحلته مثل هذا؟ قال: لا، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: فارجعه. أخرجه الستة عن النعمان بن بشير.
الهبة والعمرى:
- العمرى هي أن يهب إنسان آخر شيئا مدى عمره.
- مثاله: يقول الواهب: هذا المال لك عمرك، أو مدة حياتك، أي أنه إذا مات الموهوب له عاد المال للواهب أو لورثته.
- حكمها: ذهب الجمهور أنّ العمرى هبة في الذوات لا المنافع، فلا ترجع لصاحبها الواهب، بل تورث لورثة الموهوب له ولعقبه، وذهب البعض على أنها في المنافع حيث ترجع إلى صاحبها الواهب بعد موت الموهوب له.
- الصحيح ما قاله الجمهور والدليل:
أ/ عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيُّما رجلٍ أُعمرَ عُمرى لهُ ولعقبهِ، فإنها للَّذي يُعطاها، لا ترجعُ إلى الَّذي أَعطاها، لأنَّهُ أعطى عطاءً وقعتْ فيهِ المواريثُ". رواه الترمذي من طريق جابر بن عبد الله.
ب/ عن أبي سلمة عن جابر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: العمرى لمن وهبت له. رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن جابر.
ثالثا: حكم الهبة والحكمة منها ودليل مشروعيتها:
1. حكم الهبة:
- الهبة في الجملة مستحبة لما فيها من الود والإحسان وزيادة المحبة.
- الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر"، أي الحقد. رواه أحمد في مسنده والترمذي عن أبي هريرة.
- تحرم الهبة إذا كانت لغرض خسيس كاستغلال أو استباحة فرج بالحرام أو رشوة.
- الدليل: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من قوم يظهر فيهم الربا، إلا أخذوا بالسنة، وما من قوم يظهر فيهم الرشا، إلا أخذوا بالرعب". رواه أحمد في مسنده عن عمرو بن العاص.
2. الحكمة منها:
(1/14)
- الإحسان إلى الآخرين ومكافأتهم، " هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ". الرحمن/60.
- توثيق عرى المحبة والترابط بين أبناء المجتمع، " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ". الحجرات /10.
3. دليل مشروعيتها:
من الكتاب:
- قال تعالى: "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب"البقرة/ 177.
- قال تعالى: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا" النساء/4.
من السنة:
- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا" رواه البخاري.
- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحقرن جارة أن تهدي لجارتها ولو فرسن شاة" أي ظلفها، رواه الشيخان و الترمذي.
- قبل عليه السلام هدية كسرى وقيصر والمقوقس، كما أنه أعطى غيره الهدايا والهبات.
رابعا: شروط الهبة:
1. أن يكون الموهوب موجودا وقت الهبة، وذلك لأن الهبة تمليك للحال، وتمليك المعدوم محال، مثاله: أن يهب ثمرة نخله إذا أثمرت.
2. أن يكون الموهوب مملوكا للواهب، وذلك لأنّ الهبة تمليك، ولا يستطيع الواهب أن يملّك غيره ما ليس مملوكا له.
3. أن يكون الموهوب معلوما، نحو الحد في الأرض، والعدد في المال ونحوه.
4. أن يكون الموهوب مباحا، فلا يجوز شرعا أن يهب الخمر أو الدخان ونحوه من المحرمات.
خامسا: أركان الهبة
- الواهب: وهو الشخص الذي يملك الشيء الموهوب، ويقوم ببذله وإعطائه للغير، ويشترط فيه: أن يكون جائز التصرف، وذلك يتحقق بملكيته للشيء الذي يريد هبته، ويأذن له الشرع بالبذل والهبة وبناءً على ذلك يكون: مالكاً، حراً، رشيداً، بالغاً، عاقلاً.
- الشيء الموهوب: فيُشترط فيه أن يكون مالاً قابلاً للتمليك.
(1/15)
- الموهوب له فهو الطرف الثالث الذي تصرف الهبة إليه، وهذا الطرف يشمل الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والأمر في الموهوب له أوسع من الواهب.
- للصيغة وهي: الإيجاب والقبول، والإيجاب قوله: وهبتُك سيارتي أو داري أو أرض، وأما القبول: أن يقول: قبلتُ الهبة.
سادسا: من أحكام الهبة
1. حكم أخذ الهبة:
- يستحب أخذ الهبة وقبولها.
- الدليل:
أ/ حديث النبي عليه الصلاة والسلام: "من بلغه معروف من أخيه، من غير مسألة، ولا إشراف نفس - أي تطلع – فليقبله، ولا يرده، فإنما هو رزق ساقه الله إليه". أخرجه ابن حبان والطبراني وابن عساكر عن زيد بن خالد الجهني.
ب/ قوله صلى الله عليه وسلم: "لو أهدي إلي كراع - وهو ما دون الكعب من الدابة – لقبلت، ولو دعيت إليه لأجبت". رواه أحمد و الترمذي.
2. المكافأة على الهبة:
يستحب المكافأة على الهبة فهو من رد الإحسان والجميل بمثله.
الدليل:
- أ/ قوله تعالى: " هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ". الرحمن/60.
ب/ عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها. رواه أحمد والترمذي.
ج/ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعطي عطاء فوجد - أي سعة من المال – فليجزه، ومن لم يجد فليثن، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلى بما لم يعط كان كلابس ثوبي زور. رواه أبو داود و الترمذي.
3. هبة الثواب:
- وهي أن يشترط فيها الواهب أن يحصل على عوض من الموهوب له مقابل ما وهب له.
- مثالها: أن يقول الواهب: وهبت لك هذا القلم على أن تعوضني هذا الثوب.
- أجاز الجمهور هذا النوع من الهبة، واعتبرها البعض بيعا، والبعض منعها وكرّهها.
4. التسوية بين الأولاد في الهبة:
(1/16)
- ذهب الجمهور على استحباب التسوية بين الأولاد، ولا بأس بتفضيل أحدهم إذا كان أكثر خدمة لأبويه من غيره ولو بنتا، وذهب البعض إلى وجوب التسوية، لما للتفضيل من أثر سلبي في النفوس، فقد يصدر منه تصرفات شاذة على الأسرة.
- الدليل:
أ/ عن النعمان بن بشير قال: تصدق أبي علي ببعض ماله، فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفعلت هذا بولدك كلهم؟ قال: لا، قال: اتقوا الله، واعدلوا في أولادكم. رواه مسلم.
ب/ قوله صلى الله عليه وسلم: سووا بين أولادكم في العطية، ولو كنت مؤثرا لآثرت النساء على الرجال. رواه البيهقي.
5. هبة المريض مرض الموت:
- وذلك إذا كان المرض خطيرا جدا بتقرير الخبرة الطبية، أو استقرت على خطورته العادة، ويدخل فيه إذا تحقق موته عما قليل في الغالب عند الحكم بالإعدام مثلا ولو صحيحا.
- حكم هذه الهبة: تنفذ كالوصية في الثلث فقط.
6. هبة المفلس:
- المفلس هو الذي أحاط الدين بماله أي الذي ساوت ديونه موجوداته، أو زادت عليها.
- حكم هبته: لا تنفذ وتعتبر ملغاة.
7. إعطاء الهبة لغير المسلم:
- يصح إعطاء الهبة لغير المسلم من قبل المسلم، كتابيا كان أم مشركا، تأليفا لقبله، وإقرارا للتجانس البشري.
- الدليل:
أ/ قوله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" الممتحنة/ 8.
ب/ إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم لغير المسلمين من الهدايا كما في كتب السير.
8. قبول هبة غير المسلم للمسلم:
- يجوز قبول هبة غير المسلم كتابيا كان أم مشركا، شريطة أن لا يكون حربيا، وذلك من باب التجانس البشري، وما يتعلق به من هبات وهدايا.
- الدليل:
(1/17)
أ/ قوله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" الممتحنة/ 8.
ب/ قبول عليه السلام هدية كسرى وقيصر والمقوقس وكانوا كفارا.
9. رد الهبة:
- يجوز رد الهبة إذا كان الواهب ممن لا يرتضى، أو يخشى الموهوب له مكروها من قبولها من قبل الواهب.
10. الرجوع في الهبة:
- يرى جمهور العلماء حرمة الرجوع في الهبة، باستثناء هبة الوالد لولده عند البعض بشروط، وذهب بعض العلماء إلى كراهة ذلك ولا يصل إلى الحرمة.
- الدليل: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه". رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي.
11. الاشتراط في الهبة:
- لا يجوز الاشتراط في الهبة أو إضافتها لأمر مستقبل كأن يقول الشخص: أهبك عند بداية السنة، وهبتك كذا، ومثال الاشتراط: إن ربحت الصفقة وهبتك مبلغ كذا، وذلك لأنّ الهبة تمليك في الحال، وهذا ينافي الإضافة للمستقبل، كما ينافي التعليق.
12. هبة جميع المال:
- يصح عند الجمهور هبة جميع المال لأنه حر في تصرفه.
- وذهب بعض العلماء إلى منع ذلك لأن في ذلك إسرافا وتضييعا لنفس الواهب ولأهله.
- والصحيح منع ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت". رواه أحمد في مسنده وأبو داود والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن عن ابن عمرو.
13. هدايا الأطفال:
- صورتها: أن يُهدى الطفل هدايا في يوم ميلاده، أو بعد سنة أو أكثر.
- هذه الهدايا في الأصل للطفل، ويجوز للوالدين التصرف فيها لمصلحة الطفل.
- إذا كان العرف يقضي بالتسامح في جواز تصرف الوالدين ولو في غير مصلحة الطفل فالعرف هنا محكم.
14. هبة المقترض للمقرض:
(1/18)
- إن كانت الهبة مشروطة في أصل العقد فغير جائز لأنه قرض جرّ نفعا.
- وإن كانت غير مشروطة الأولى تركها مع جواز أخذها.
- الدليل: الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند ضعيف: "كل قرض جرّ نفع فهو ربا"، والإجماع يعضدها ويقويها. رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" عن علي.
سابعا: أحكام معاصرة في الهبة
1. جوائز الودائع الادخارية:
- تعريفها: تقبل المصارف حسابات الودائع الجارية وحسابات ودائع الادخار، والتي يمكن سحبها متى شاء المودع بإشعار مسبق أو بدونه، وهذه الودائع لها أرباح معينة في المصارف أو البنوك العادية، بينما لا تستحق أية أرباح في البنوك المطبقة للنظام الشرعي.
- حكمها:
أ/ تعتبر ودائع الادخار من سبيل الأمانة، ولا يجوز للمودع عنده التلاعب أو التصرف بها إلا بإذن صاحبها، فإن تصرف بها صارت قرضا، فإن كانت الهبة أو الفائدة غير مشروطة فهذه جائزة، شريطة أن لا تكون محددة جنسا وزمنا، وإن كانت مشروطة أصبحت ربا، لأن القرض هنا جرّ منفعة.
ب/ أما الحساب الجاري فيجوز تخصيص أصحاب الحسابات الجارية من فئة معينة أو إطلاقا ببعض المزايا على سبيل الجوائز أو الهدايا، على أن لا يكون ذلك مشروطا ولا ملحوظا عند فتح الحساب.
2. التهادي في عيد الميلاد:
- لا يجوز شرعا لأنه من تقليد غير المسلمين.
- والأصل في الأمة الاستقلال بمبادئها وعاداتها وأفكارها، وعدم التبعية لغيرها.
3. الهدايا التشجيعية لأصحاب المحلات والمشترين:
- إذا كانت هذه الهدايا ليست عن استغلال وغش للمشترين، فهي جائزة، وإلا كانت من اليانصيب والميسر المحرم.
الصرف
أولا: تعريف الصرف
(1/19)
- الصَّرْفُ لغة: من صرف، التوبة يقال لا يقبل منه صرف ولا عدل، قال يونس: الصرف الحيلة، ومنه قولهم إنه ليتصرف في الأمور، وقال الله تعالى: {فما يستطيعون صَرْفا ولا نصرا}، و صَرْفُ الدهر حدثانه ونوائبه، وشراب صِرْفٌ أي بحت غير ممزوج، وصَرِيفُ البكرة صوتها عند الاستقاء، وقد صَرَفَت تصريف بالكسر صَريفاً، وكذلك صَريفُ الباب، وناب البعير والصَّيْرَفِيُّ الصَّرَّافُ من المُصَارَفةِ، وقوم صَيارِفةٌ، والهاء للنسبة، وقد جاء في الشعر: الصَّيَارِيفُ يقال صرَفْتُ الدراهم بالدنانير، وبين الدرهمين صَرْفٌ أي فضل لجودة فضة أحدهما.
انظر: مختار الصحاح مادة صرف.
- الصرف اصطلاحا: هو بيع النقد بالنقد، والمراد بالنقد: ما خلق للثمنية، وهو الذهب والفضة، وكذا ما يلحق به في الحكم من الأوراق النقدية كالريال السعودي والدولار الأمريكي وغيرها.
ينظر: بحث الصرف منشور في موقع الإسلام.
- ويعرف في الاصطلاح أيضا ببيع النقد بالنقد جنساً بجنس أو بغير جنس: أي بيع الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة أو الذهب بالفضة، مصوغاً أو نقداً.
ينظر: الفقه الإسلامي وأدلته لوهبة الزحيلي 5/ 317.
ثانيا: حكمة والحكمة منه
- حكمه: الأصل في الصرف أنه مشروع على سبيل الإباحة ولكن قد يصير محرما إذا اشترط فيه تأجيل قبض أحد البدلين، أو مندوبا لقضاء حاجة المضطر إلى الحصول على جنس آخر من النقد.
- الأدلة:
- من الكتاب: قوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الرباْ} (البقرة: 275)، والصرف نوع من البيع، فيأخذ حكمه في الجملة.
- من السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح: مثلا بمثل يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، والآخذ والمعطي سواء" رواه أحمد في مسنده وصحيح مسلم والنسائي عن أبي سعيد.
(1/20)
- الحكمة من جوازه: وذلك لحاجة الناس إليه، فمن الناس من عنده نقد فيريد صرفه إلى عملة أخرى لغرض السفر من بلد إلى آخر للعلاج أو طلبا للعلم أو السياحة وما إلى ذلك من حاجات مهمة وحيوية.
ينظر: فقه المعاملات 1/ 803 - 804.
ثالثا: أقسامه
من أقسام الصرف:
- بيع أحد النقدين (الذهب والفضة) بجنسه.
- بيع أحد النقدين بالآخر.
- بيع النقد بالنقد ومع أحدهما أو كليهما شيء آخر.
- الصرف في الذمة.
1. بيع أحد النقدين بجنسه:
يجب أن يكون يدا بيد، مثلا بمثل، في المقدار والوزن.
الدليل: قوله - صلى الله عليه وسلم-: "الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل، والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل، فمن زاد أو استزاد فهو ربا". رواه أحمد ومسلم والنسائي عن أبي هريرة.
2. بيع أحد النقدين بالآخر:
اتفق الفقهاء على جواز التفاضل بينهما، ويشترط فيه التقابض في المجلس قبل الافتراق
الدليل: قوله - صلى الله عليه وسلم-: "إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم إلا ما نهيتكم عنه"، وعنه أيضا عليه السلام أنه ابتاع بعيرا ببعيرين وأجاز بيع عبد بعبدين إلا أن هذا يدا بيد. رواه الربيع عن ابن عباس.
3. بيع النقد بالنقد ومع أحدهما أو كليهما شيء آخر:
ويشترط فيه التقابض أيضا عند الحنفية الذين أجازوه بشرط أن يزيد الثمن على النقد المضموم إليه، أو أن يكون مع كل واحد منهما شيء من غير جنسه، وذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جوازه.
4. الصرف في الذمة
وهو أن يكون البدلان المختلفان في ذمة العاقدين، واختلف في جوازه، والأحوط تركه، وصورته الثانية أن يكون في ذمة أحدهما نقد من جنس فيتفقا على أدائه بجنس آخر، وقد أجازه الجمهور.
ينظر: فقه المعاملات 1/ 805 - 825.
رابعا: أركانه
أ: الصيغة
صيغة الصرف هي الإيجاب والقبول بأي لفظ يدل على مبادلة النقد بالنقد.
ب/ صفات العاقدين
(1/21)
لما كانت عقود المعاوضات المالية كالبيع والسلم والاستصناع والصرف تنشأ بين متعاقدين بإرادتهما، اشترط الفقهاء في كل واحد من العاقدين أن يكون أهلا لصدور العقد عنه، وأن يكون له ولاية إذا كان يعقد لغيره.
فالصرف هو عقد معاوضة مالية ينشأ بين طرفين متعاقدين بإرادتهما الحرة، فلا بد لانعقاد الصرف ونفاذه أن يكون عاقداه من أهل العبارة المعتبرة في إنشاء العقود، والالتزام بآثارها.
ج/ محل العقد
محل العقد في الصرف يشمل ما يقدمه كل عاقد من الأثمان المراد مبادلتها كالذهب والفضة والعملات النقدية لأن الصرف هو بيع الثمن بالثمن.
د/ تقابض البدلين
يشترط لصحة الصرف التقابض في البدلين قبل التفرق، فإذا تفرق العاقدان عن المجلس قبله بطل العقد، ولو تقابضا البعض ثم افترقا صح الصرف في القدر المقبوض وبطل فيما سواه، ولو كل أحدهما وكيلا في القبض، فقبض الوكيل البدل قد تفرقهما صح الصرف، أما إذا تفرقا قبل قبضه بطل ولا يشترط التقابض الفوري عقب العقد، ولا يضر طول لبثهما في الجلوس ولا طول مصاحبتهما إذا وقع القبض قبل التفرق بالأبدان عند جمهور الفقهاء، وخالفهم المالكية فاشترطوا الفورية فيه.
ينظر: فتاوى المعاملات ص 129، بحث الصرف منشور في موقع الإسلام.
خامسا: شروطه
أ/ الحلول
يشترط لصحة الصرف الحلول، أي خلو العقد عن اشتراط الأجل، فإن اشترطاه لأحدهما أو لكليهما فسد الصرف.
وذلك أن الفقهاء اتفقوا على أنه لا يجوز في الصرف اشتراط الأجل للعاقدين أو لأحدهما، فإن اشترطاه لهما أو لأحدهما فسد الصرف؛ لأن قبض البدلين مستحق قبل الافتراق، والأجل يفوت القبض

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

تواصل معنا

أكثر من 600,000+ يتابعون موقعنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي إنظم إلينا الآن

عن الموقع

author مكتبة أهل الحق والإستقامة <<   مكتبة أهل الحق والإستقامة..موقع يهتم بنشر الكتب القيمة في مختلف الجوانب (فقه..عقيدة..تاريخ...الخ) عند المذهب الإباضية من نتاج فكري.

أعرف أكثر ←

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *