الكتاب : الأجرة في عقد الإجارة وأحكامها لبدر التوبي - ب تخرج
ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع
سلطنة عمان
وزارة الأوقاف والشؤون الدينية
معهد العلوم الشرعية
بحث بعنوان:-
الأجرة في عقد الإجارة وأحكامها
إعداد الطالب:- بدر بن خليفة بن سعيد التوبي
مشرف البحث:-أ.د. سليمان محمد أحمد
السنة الرابعة
(1425 / 1426هـ - 2004 / 2005م)
بسم الله الرحمن الرحيم
إهداء
? إلى والدي العزيزين اللذين بذلا جهد هما في تربيتي وتعليمي والارتقاء بي إلى معالي الأمور.
? إلى كل من ساهم في إنجاح هذا البحث بالمعلومة والكلمة الطيبة والنصح الخالص والإرشاد والتوجيه السديد.
? إلى مشرف هذا البحث الذي بذل جهده في توجيهي وتعليمي فلم يبخل علي بوقته الثمين وتوجيهه السليم ونصحه الصادق وكلمته المعبرة.
? إلى معهدي الميمون " معهد العلوم الشرعية " متمثلا في كل من ينتمي إليه من مشايخ وطلاب وموظفين .
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي شرح صدورنا بالإسلام وطرح عنا بالاستغفار أعباء الآثام ومنح سويداء قلوبنا جواهر العلم التي تقذفها الأقلام فتنشرح لها الأفهام وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له شرع لنا الدين ليحقق به مصالح العالمين وينير به دروب السالكين فتستقيم بذلك أمورهم وتسهل معاملاتهم وتقضى حوائجهم وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله خير قدوة لمن أراد السعادة والعزة وحسن العافية صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد
(1/1)
فإن الله تعالى قد شاء أن تكون الشريعة الإسلامية وما فيها من أحكام ومقاصد خالدة إلى يوم الدين لأن الله تعالى أراد أن لا يترك الناس تتضارب مصالحهم وتختلف مقاصدهم لذلك نجد أنها ما جاءت إلا لتحقيق مصالح الناس وقضاء حوائجهم وحفظ حقوقهم وممتلكاتهم ومن الأمور التي شرعها الدين الإسلامي لتحقيق هذه الأهداف النبيلة والمقاصد الشريفة ( عقد الإجارة وأحكامها) ، ذلك أنه ليس لكل إنسان دار يسكنها أو دابة أو سيارة يركبها أو أرض يزرعها ونحو ذلك فهم في حاجة ماسة إلى الإجارة في الغالب من أمرهم فالفقير محتاج إلى المال والغني محتاج إلى الأعمال لذلك شرعت الإجارة لتحقيق مصالح الناس والتيسير عليهم ، ولابد للإجارة من أجرة؛ لذلك لا بد من الناس معرفة أحكام ( الأجرة في عقد الإجارة ) .
ومما دفعني للبحث في هذه الموضوع ما يلي :
(1) أهمية هذا الموضوع لحاجة الناس الملحة لمعرفة أحكامه لتعاملهم به في كل لحظة فأردت من بحثي إيضاح الطريق أمام الناس ليكونوا على بينة من أمرهم عند الأجرة والاستئجار خصوصاً أنني لم أجد بحثا مستقلا في معهدنا الميمون يتعلق بهذا الموضوع .
(2) دراستي لهذا الموضوع في المقرر الدراسي بشيء من الإيجاز والاختصار فأردت أن أتوسع في هذا الموضوع وأحيط بما أستطيع من أحكامه ومسائله .
(3) حاجة المكتبة الإسلامية المعاصرة إلى موضوع يلم المسائل المتعلقة بالأجور .
(4) صلة هذا الموضوع بالحياة العملية وخصوصاً أن هناك فكراً دخيلا ومبادئ مستوردة بدأت تغزو العالم الإسلامي فأردت أن أبين أحكام ومبادئ الشريعة المتعلقة بهذا الموضوع .
وكانت خطة البحث على النحو الآتي
? مقدمة : في أهمية الموضوع وسبب اختياره .
? الفصل الأول : الإجارة تعريفها ومشروعيتها .
- المبحث الأول : تعريف الإجارة لغةً وشرعاً .
- المطلب الأول : تعريف الإجارة لغة .
- المطلب الثاني : تعريف الإجارة شرعاً.
(1/2)
- المبحث الثاني : حكم الإجارة وأدلة مشروعيتها .
- المطلب الأول : أدلة المجيزين .
- المطلب الثاني : أدلة المانعين .
- المطلب الثالث : حكمة مشروعيتها .
? الفصل الثاني : تعريف الأجرة وبيان أنواعها وشروطها .
- المبحث الأول :تعريف الأجرة لغة وشرعاً .
- المطلب الأول : تعريف الأجرة لغة .
- المطلب الثاني : تعريف الأجرة شرعاً.
- المبحث الثاني :شروط الأجرة وأنواعها .
- المطلب الأول : شروط الأجرة .
- المطلب الثاني : الأجرة بالنقد .
- المطلب الثالث: الأجرة بالعين .
- المطلب الرابع : الأجرة بالمنفعة .
? الفصل الثالث وقت وجوب الأجرة وضمانات الوفاء بها .
المبحث الأول : وقت وجوب الأجرة .
- المطلب الأول :وجوب الأجرة بالشرط .
- المطلب الثاني : وجوب الأجرة بالعقد أو بانتهاء المدة .
- المطلب الثالث: وجوب الأجرة بأخذالمنفعة.
المبحث الثاني :ضمانات الوفاء بالأجرة .
- المطلب الأول : حبس العين لأجل الأجرة .
- المطلب الثاني : تقديم العامل على غيره من المستحقين عند إفلاس المستأجر على رأي البعض .
? الخاتمة في نتائج البحث .
هذا وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا العمل خالصاً لوجه الكريم وأن يجعله في ميزان الحسنات يوم لقائه وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الفصل الأول :- الإجارة تعريفها ومشروعيتها
* المبحث الأول :- تعريف الإجارة لغةً وشرعاً .
المطلب الأول :- تعريف الإجارة لغة.
المطلب الثاني :- تعريف الإجارة شرعاً.
* المبحث الثاني :- حكم الإجارة وأدلة مشروعيتها ، وحكمتها .
المطلب الأول :- أدلة المجيزين .
المطلب الثاني :- أدلة المانعين .
المطلب الثالث :- حكمة مشروعيتها .
الفصل الأول : تعريف الإجارة ومشروعيتها
المبحث الأول : تعريفها لغة وشرعا .
وفيه مطلبان :-
المطلب الأول : تعريفها لغة :
(1/3)
أَجَرَ يأْجِر ، وهو ما أعطيت من أجر في عمل ، تقول : استأجرت الرجلَ فهو يأجرني ثمان حِجَج أي يصير أجيري .
والأجرة والإجارة " ما أعطيت من أجر " (1)
ومنه قوله تعالى " على أن تأجرني ثماني حجج " (2) أي تكون أجيرا عندي .
وتقول آجره إيجاراً:آجَرَه. ومنه حديث أم سلمة: ( اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها ) (3)
كما يقال:أعظم الله أجرك أي أثابك على فعلك.
وتقول استأجرت العامل أي اتخذته أجيرا.
والإجارة "تثلث":الأجر (4) فالإجارة بكسر الهمزة مصدر أجره يأجره أجرا وإجارة فهو مأجور ،فهي مثلثة الهمزة والكسر أشهر من ضمها وفتحها.
يقول النووي: " قال المبرد:- يقال : أجرت داري ، ومملوكي ، غير ممدود ، وآجرت ممدوداً
قال المبرد: " والأول أكثر " (5)
و لفظ الإجارة أكثر استعمالا في عرف الفقهاء، وقلما يستخدم الفقهاء لفظ (الإيجار).
فالإجارة اسم للأجرة على وزن ( فعللة ) من أجر يأجر من باب طلبَ وضربَ، فالإجارة لغة:-
اسم للأجرة لذلك يقال :- { الأجر من الله والإجارة من الإنسان } ، ثم اشتهرت في الفقه.
ونخلص من هذا أن معنى الإجارة هو اسم للأجرة وهو جزاء العمل.
المطلب الثاني :-تعريف الإجارة شرعاً:
عرفها الإباضية بأنها : " بدل مال بعناء أو بدل عناء بمال " (6)
__________
(1) لسان العرب،لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، دار المعارف، القاهرة،مادة أجر،ج1 ص31-32 .
(2) القصص:27
(3) أخرجه مسلم (2/631) حديث رقم (918)، ومالك في الموطأ(1/236) حديث رقم(560)
(4) معجم متن اللغة – أحمد رضا ، منشودات دار مكتبة الحياة . بيروت لبنان 1377هـ- 1958 م .
ج1 ، ص 147
(5) تحرير ألفاظ التنبيه ، محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي ،تحقيق عبد الفني الدقي،دار القلم –دمشق،(ط1998 م)،ص219
(6) شرح النيل وشفاء العليل، محمد يوسف أطفيش، مكتبة الإرشاد، جده، ح4/ ص10.
(1/4)
وعرفها الحنفية بأنها : " عقد على المنافع بعوض " (1)
وعرفها الشافعية بأنها : " عقد على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم " (2)
وعرفها المالكية بأنها:" تمليك منافع الشيء مباحة مدة معلومة بعوض "
والبعض من المالكية يفرق بين الإجارة والكراء في الغالب (3) ويطلقون لفظ
( الإجارة ) على العقد الوارد على عمل الإنسان، و( الكراء ) على العقد الوارد على منافع الدور والأراضي والحيوان وغير ذلك.
ولعل هذا من سبيل المجاز كما ذكر ذلك ابن عرفه (4) ، فكثيراً ما يستخدمون أحد اللفظين مكان الآخر.
وعرفها الحنابلة بأنها: " عقد على منفعة مباحة معلومة مدة معلومة من عين معينة أو موصوفة في الذمة أو عمل معلوم بعوض معلوم (5) .
وخلاصة القول أني أرى أن كل مذهب قد انفرد في تعريفه ببعض القيود التي لا يرى الآخرون حاجة لذكرها.
وكذلك أرى أن جمهور الفقهاء قد ذكروا تعريفاًَ اتفقوا عليه وهي أن الإجارة
__________
(1) اللباب في شرح الكتاب، عبد الغني بن طالب الغنيمي الميداني الدمشقي الحنفي، دار الكتاب العربي،بيروت ط1،ج2 ص87.
(2) أسنى المطالب شرح روضة الطالب،أبو يحيى زكريا بن محمد الأنصاري الشافعي، دار الكتاب الإسلامي، ج2، ص403،انظر مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، محمد بن محمد الخطيب الشربيني، دراسة وتحقيق ويتعلق)، علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط1، (1415 هـ-1994 م)، ج2/332، كتاب الإجارة.
(3) الشرح الكبير، لأبي البركات أحمد بن محمد الدر دير، بهامش حاشيةالدسوقي، دار الفكر، بيروت لبنان ج4، ص2، باب الإجارة.
(4) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير محمد بن عرفة الدسوقي، دار الفكر، ط2، ج4 ص2، باب الإجارة.
(5) مواهب الجليل شرح مختصر خليل أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالخطاب، دار الفكر ط3 (1412 هـ-1992 م)، ج5، ص389، باب الإجارة.
(1/5)
" عقد على منفعة معلومة بعوض معلوم "، ثم زاد كل فقيه ما يراه ضروريا أو يستبدل قيداً بآخر ويظهر من هذا أن معاني هذه التعاريف متقاربة .
المبحث الثاني: حكم الإجارة وأدلة مشروعيتها، وحكمتها، وفيه ثلاثة مطالب:-
اتفق جمهور الفقهاء على جواز الإجارة،و لم يخالف في جوازها إلا طائفة من المتأخرين ،كأبي بكر الأصم ،وإسماعيل بن علية، والحسن البصري ،والقاشاني،والنهرواني،وابن كيسان فإنهم قالوا بعدم جواز الإجارة كما حكي عنهم.
المطلب الأول: أدلة المجيزين..
استدل الجمهور على جواز الإجارة بأدلة كثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع.
أولاً:الأدلة من القرآن.
1- يقول الله تعالى" وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملٍ فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن" (1) .
ووجه الاستدلال في هذه الآية أن الله تعالى أمر بإيتاء الأجر إذا أرضعت المرأة الطفل، وهذا دليل على مشروعية الإجارة.
2- ويقول سبحانه وتعالى"...وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف" (2)
ووجه الاستدلال في هذه الآية الكريمة أن الله تعالى قد نفى الجناح عن من يستأجر امرأة ترضع ولده بالأجر (3)
فدل ذلك على جواز الإجارة في الإرضاع فكان في غيره أولى بالجواز.
3- يقول سبحانه وتعالى"أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في
الحياة الدنيا ورفعنا بغضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا" (4)
__________
(1) سورة الطلاق :6
(2) سورة البقرة : 233
(3) المراد من الآية الإسترضاع بالأجر دليله قوله تعالى"... إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف". قيل أي الأجر الذي قلتم،انظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع،علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني،ط 1 ، ج4،ص173
(4) سورة الزخرف:32.
(1/6)
قال ابن كثير في هذه الآية): ليسخر بعضهم بعضا في الأعمال لاحتياج هذا إلى هذا) (1)
فكان هذا دليلاً على جواز الإجارة.
4- يقول الله تعالى: (... قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج...) (2)
ووجه الاستدلال بالآية الكريمة هو أن الله سبحانه و تعالى أخبرنا عن سيدنا شعيب أنه استأجر موسى عليه السلام مدة ثمان سنوات ليعمل عنده.
5- ويقول الله تعالى: (... لو شئت لاتخذت عليه أجرا (3)
ووجه الاستدلال أن الله سبحانه و تعالى يخبرنا عن موسى عليه السلام أنه قال للخضر عليه السلام: لو شئت لاتخذت أجرا على إقامة الجدار المنهدم.
قال في الحاوي الكبير ( فدل ذلك من قول موسى و إمساك الخضر على جواز الإجارة و استباحة الأجرة) (4) .
فدل ذلك على جواز الإجارة.
ثانياً:-الأدلة من السنة النبوية
1- ما رواه أبو هريرة –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:-(قال تعالى:- ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة:رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره (5)
__________
(1) تفسير القرآن العظيم ،عماد الدين أبو الفداء اسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي درا المعرفة، بيروت- لبنان، ط1: 13888ه/1969م، ج: 09/ص257.
(2) سورة القصص:26-27.
(3) الكهف: 77.
(4) الحاوي الكبير، أبو الحسن علي بن محمد البصري المارودي، دراسة وتحقيق تعليق علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العربية، بيروت –لبنان- ط1، (1414هـ-1994 م ) ج9، ص257.
(5) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإجارة باب إثم من منع أجر الأجير، (2/792) حديث برقم(2150)، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى(6/121)حديث برقم (11437)..وابن ماجه في سننه (2/816) حديث برقم (2442)، وأحمد في مسنده (2/358)حديث برقم (8677).
(1/7)
وجه الإستدلال بهذا الحديث هو أن فيه تهديداً لمن منع أجرة الأجير الذي عمل عنده لمخاصمة الله له. لهذا فيه حرص على إعطاء الأجير أجره مقابل وفائه العمل، وهو دليل واضح على جواز الإجارة.
2- ما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:- (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً
كتاب الله ). (1)
3-عن عروة بن الزبير –رضي الله عنهما- أن عائشة –رضي الله عنها –زوج النبيصلى الله عليه وسلم قالت:-(استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر-رضي الله عنه-رجلاً من بني الديل هادياً خِريتاً (2) .وهو على دين كفار قريش،فدفعا إليه راحلتيهما،وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليالٍ، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ثلاثٍ) (3) .
فهذا الحديث دليل على جواز الإجارة لأن الرسول استأجر رجلاً يدلهما إلى الطريق الموصل إلى المدينة المنورة.
ثالثاً:- الإجماع
فقد أجمع على جواز الإجارة السلف الصالح من الصحابة، والتابعين وجميع الفقهاء ولا عبرة بخلاف الأصم وغيره ممن خالف هذا الإجماع؛ لأنه يخالف النصوص الصحيحة التي استدل بها الجمهور على جواز الإجارة من القرآن الكريم والسنة المطهرة والإجماع على ذلك.
يقول الكاساني:-"أجمعت الأمة قبل وجود الأصم، حيث يعتقدون الإجارة من زمن الصحابة –رضي الله عنهم – إلى يومنا هذا من غير نكير، فلا يعبأ بخلافه
__________
(1) أخرجه ابن حيان في صحيحه، كتاب الإجارة (11/546) حديث برقم(5146) وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى باب أخذ الأجرة على كتاب الله،(7/243) حديث برقم (14182).
(2) خِريتاً:- ماهراً بمعرفة الطريق.انظر لسان العرب، إبن منظور مادة" خرت" ج4ص52.
(3) أخرجه البخاري في صحيحه- كتاب الإجارة- باب إذا استأجر أجيراً ليعمل له بعد ثلاث (1/536)حديث برقم (2104).
(1/8)
إذ هو خلاف الإجماع ". (1)
قال ابن المنذر:-"الإجارة بكتاب الله تعالى، وبالإيجارات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، واتفق على إجارتها كل من نحفظ من العلماء... " (2)
وهكذا فقد أجمع على جواز الإجارة السلف الصالح من خلال أدلة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة .
المطلب الثاني:-أدلة المانعين
استدل من قال بعدم جواز الإجارة من المجتهدين بالأدلة الآتية:-
1-أن الإجارة تتضمن الغرر، والغرر منهي عنه، والغرر يدخل عقد الإجارة من وجوه شتى منها:-
الأول:- أنها عقد على منفعة معدومة فتكون باطلة قياساً على البيع، وتبطل الإجارة كما يبطل البيع؛ لأنها عقد على معدوم (3)
وناقش الجمهور هذا الدليل، وقالوا أن الإجارة منها الأغلب حال السلامة، وأن كان هناك غرر قليل، فلحاجة الناس إلى الإجارة، والضرورة إليها كان ذلك جائزاً. (4)
الثاني:- إن منافع الأجير مختلفة فلا يمكن معرفتها لأنها تختلف حسب نشاطه وكسله وقوته وضعفه وتضمنت الجهالة والغرر. (5)
وناقش الجمهور ذلك وقالوا أن المنافع تعرف بالمدة أو المنفعة. (6)
__________
(1) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، أبو بكر علاء الدين بن مسعود الكاساني الحنفي، دار الكتب العلمية- بيروت- (1401 هـ -1981 م)، ج4، ص174، كتاب الإجارة.
(2) شرح منتهى الإرادات، منصور بن يونس البهوتي، عالم الكتب، دار الفكر، بيروت – لبنان- ط1، (1414 هـ-1993م)،ج2،ص350 .
(3) ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين الكاساني الحنفي، دار الكتب العلمية، ج4، ص14
(4) الحاوي الكبير، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، دار الكتب العربية، تحقيق وتعليق:علي محمد عوض وعادل أحمد عبد الموجود، بيروت- لبنان- ط1(1414 هـ-1994 م)ج7، ص390
(5) ينظر نفس المرجع السابق نفس الصفحة.
(6) الحاوي الكبير، علي بن محمد بن حبيب الماوردي، دار الكتب العربية، ج7، ص391(بتصرف)
(1/9)
2-العقد لا يصح إلا إذا كان محله قابلا لحكمه ،وحكم الإجارة وهو تسليم المنافع غير ممكن وقت العقد ،لأنها توجد شيئاً فشيئاًَ فكان العقد عليها باطلاًُ. (1)
وناقش الجمهور الدليل وقالوا أن قياسهم الإجارة على البيع في بطلانه قياس مع الفارق؛ لأن الإجارة وإن كانت منافعها معروفة معدومة فالعين موجودة معلومة (2) .
وبهذا يتضح ما قاله الجمهور من الفقهاء بجوازها من الأدلة السابقة التي استدلوا بها من القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع.
المطلب الثالث:- حكمة مشروعيتها
الحكمة من مشروعية الإجارة هي تحقيق مصالح الناس، والتيسير عليهم، وليس لكل إنسان دار يسكنها أو دابة أو سيارة يركبها، أو أرض يزرعها، فكل إنسان محتاج إلى غيره، فهم في حاجة ماسة إلى الإجارة في الغالب من أمرهم، فالفقير محتاج إلى المال، والغني محتاج إلى الأعمال، والله تعالى أمر في كتابه العزيز بالتعاون بين المسلمين على البر والتقوى، قال تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى " (3)
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:-" والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه " (4)
الفصل الثاني :- تعريف الأجرة وبيان أنواعها ، وشروطها .
*المبحث الأول :- تعريف الأجرة لغة و شرعا .
المطلب الأول :- تعريف الأجرة لغة .
المطلب الثاني :- تعريف الأجرة شرعا .
* المبحث الثاني :- شروط الأجرة ، وأنواعها .
المطلب الأول :- شروط الأجرة .
المطلب الثاني :- الأجرة بالنقد .
المطلب الثالث :- الأجرة بالعين .
المطلب الرابع :- الأجرة بالمنفعة .
__________
(1) المرجع السابق نفس الصفحة
(2) المرجع السابق نفس الصفحة
(3) المائدة:2
(4) أخرجه مسلم في الزهد، (4/2074)،حديث رقم (2699)، وأبو داوود في الأدب(4/288)، حديث رقم (4946)، والترمذي في الحدود (4/34)، حديث رقم (1425)، وابن ماجه في المقدمة (1/82)، حديث رقم (225)، والإمام أحمد في مسنده(5/88)حديث رقم (20722)
(1/10)
الفصل الثاني: تعريف الأجرة وبيان أنواعها وشروطها
المبحث الأول: تعريف الأجرة لغة وشرعاً
وفيه مطلبان :-
المطلب الأول: تعريف الأجرة لغة
جاء في الصحاح للجوهري "الأجر: الثواب، تقول آجره الله يأجره ويأجره أجراً، والأجرة: الكراء ". (1)
وفي لسان العرب:-"الأجر:الجزاء على العمل، والجمع أجور ". (2)
ومن خلال ما جاء في الصحاح ولسان العرب أقول:إن الأجر هو الجزاء على العمل، سواء أكان العمل دنيويا أم أخرويا غير أن الثواب الأخروي يسمى أجرا، والعوض المادي أجرة.
وقد استخدم القرآن الكريم الأجر في معانٍ عدة منها:الأجر بمعنى الثواب، قال تعالى: {ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعلمون } (3)
- الأجر بمعنى: المهر، قال تعالى: {فآتوهن أجورهن فريضة} (4)
- الأجر بمعنى:العوض المادي، قال تعالى:{فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا} (5)
- الأجر بمعنى:نفقة الرضاع، قال تعالى: {فإن ارضعن لكم فآتوهن أجورهن} (6)
المطلب الثاني:- تعريف الأجرة شرعاً.
عرفها الماوردي بقوله:- "وأما الأجرة فهي العوض الذي في مقابله المنفعة،كالثمن في مقابلة المبيع" (7)
وعرفها الدسوقي بقوله :-"العوض الذي يدفعه المستأجر للمؤجر في مقابلة المنفعة ، التي يأخذها منه" (8)
__________
(1) الصحاح، إسماعيل بن حماد الجوهري، دار الكتاب-القاهرة- مادة أجر ج2، ص576
(2) لسان العرب، جمال الدين محمد بن مكرم(ابن منظور)، دار صادر بيروت، ج1، ص31
(3) سورة النحل:96
(4) سورة النساء:23
(5) سورة القصص:25
(6) سورة الطلاق:6
(7) الحاوي الكبير، علي بن محمد الماوردي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1
( 1996م)، ج4، ص174
(8) حاشية الدسوقي، محمد بن أحمد ابن عرفة الدسوقي، دار الفكر، ج1، ص2
(1/11)
وقد ذكر القطب تعريفاً للأجرة فقال:"ما يجازى به على العمل " (1)
المبحث الثاني: شروط الأجرة وأنواعها
وفيه أربعة مطالب :-
المطلب الأول: شروط الأجرة
الأجرة هي :"العوض الذي يدفعه المستأجر للمؤجر مقابل المنفعة التي يأخذها منه" (2)
ولما كانت الأجرة ركنأً من أركان عقد الإجارة، فقد اشترط فيها الفقهاء شروطا لمنع الغرر، ورفع النزاع.
وهذه الشروط تكون للأجرة بأنواعها كما سنوضحه في هذة النقاط:
أولاً:أن تكون الأجرة مباحة شرعاًُ.
فيشترط أن تكون الأجرة مالاً متقوماً شرعاً، طاهراً، منتفعاً به، مملوكا للمستأجر وقت العقد.
وقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة:"أن الله ورسوله حرما بيع الخمر والخنزير والأصنام. (3)
ثانياً:-أن تكون الأجرة معلومة
لا خلاف بين الفقهاء في اشتراط العلم بمحل العقد، وتعيينه، ولما كانت الأجرة محلاً للعقد في عقد الإجارة، فإنه يشترط قيها ما يشترط في محل كل عقد وهو العلم بها، وتحديدها تحديداً ينفي الجهالة والغرر، ويدفع النزاع.
والأصل في اشتراط العلم بالأجرة السنة والقياس.
أولاً:- السنة
1- عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن استئجار الأجير حتى يبين أجره. (4)
__________
(1) شرح النيل وشفاء العليل، محمد بن يوسف أطفيش، مكتبة الإرشاد جدة، ج10، ص9
(2) حاشية الدسوقي، محمد بن أحمد الدسوقي، دار الفكر، بيروت، ج1، ص2
(3) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الميتة والأصنام (2/779)حديث رقم (2121)
(4) أخرجه أحمد في مسنده(3/68)حديث رقم (11676)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/121)حديث رقم(11432)
(1/12)
2-عن أبي هريرة –رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا يساوم الرجل على سوم أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تناجشوا ولا تبايعوا بإلقاء الحجر، ومن استأجر أجيراً فليعلمه أجره " (1)
ثانياً:- القياس
القياس على الثمن في المبيع، بجامع أن كلا من الأجرة والثمن عوض في عقد معاوضة، فلما كان العلم بالثمن من شروط صحة البيع كان العلم بالأجرة من شروط صحة الإجارة. (2)
ثالثاً:-أن تكون الأجرة مقدوراً على تسليمها حال العقد. (3)
فيشترط في الأجرة أن يكون المستأجر قادراً على تسليمها حال العقد لأن ما لا يقدر على تسليمه شبيه بالمعدوم ،والمعدوم لا يصح أن يكون محلاً للعقد سواءً أكان ثمناً أو مبيعاً أو أجرة. لقوله: صلى الله عليه وسلم -"لا تبع ما ليس عندك" (4)
ففي الحديث نهي عن بيع ما ليس عند الشخص ،فكذا الثمن ، والأجرة مثله لأنها مال .
وقد مثل الفقهاء بغير المقدور على تسليمه بالجمل الشارد، والطير في الهواء، والسمك في الماء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ما فيه غرر.
__________
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/120)حديث رقم(11431)، باب لا تجوز الإجارة حتى معلومة.
(2) شرح منتهى الإرادات، البهوتي، ج2، ص352
(3) مغنى المحتاج،الشربيني ،دار الفكر ،ج2،ص12 ،الكافي ،لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ،تحقيق زهير الشاويش ،المكتب الإسلامي ،بيروت،ط5(1988هـ-1408 م)،ج2،ص31،انظر شرح النيل وشفاء العليل ،أطفيش ،ج10،ص71
(4) أخرجه الترمذي في سننه (3/534)حديث رقم (1232)، أخرجه أبو داوود في سننه (6/283)حديث رقم (3503)، و رواه الربيع في مسنده مرسلاً من طريق جابر بن زيد –كتاب البيوع – باب ما ينهى عنه من البيوع ص225 حديث رقم (563)
(1/13)
ولا يجوز أن يكون المال المغضوب أجره لأنه ليس مملوكاً للمؤجر وشرط القدرة على تسليم الأجرة يكون تبعاً لنوع الأجرة ،"فإن كانت الأجرة من النقود فلا يشترط فيها القدرة على التسليم في العقد ؛لأن النقد يثبت في الذمة ،ولأنه باتفاق الفقهاء يجوز تأجيل الأجرة إن كانت من النقود إذا اتفق المؤجر والمستأجر على ذلك" (1)
وإن كانت الأجرة منفعة مقابل منفعة أخرى، "فإنه يشترط فيها القدرة على التسليم عند العقد " (2)
رابعاً:- أن تكون الأجرة مملوكة ملكاً تاماً للمستأجر وقت العقد.
وهذا الشرط يكون قياساً على المبيع فكما لا يصح بيع ما لا يملك فكذلك لا يصح جعل ما لا يملك أجرة، فإن دفع ملك غيره أجره لمنفعة استوفاها الغير لا المالك كالعاصب أو غير ذلك فقد اختلف الفقهاء في صحة هذا التصرف بين مانع ومجيز.
القول الأول: ذهب الإمام الشافعي في القول الجديد (3) والإمام أحمد (4) في إحدى الروايتين عنه وقول عند الإباضية (5) إلى المنع.
__________
(1) بدائع الصنائع ،الكاساني ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،ج4،ص202.
(2) نفس المرجع السابق ص 127.
(3) مغني المحتاج ، الشربيني ،ج2،ص15
(4) كشاف القناع ،البهوتي ،ج3، ص152 ،الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل ،أبو النجا شرف الدين موسى الحجازي المقدسي ،دار المعرفة ،بيروت ،ج3،ص383
(5) انظر شرح النيل، أطفيش، ج1، ص46
(1/14)
القول الثاني: ذهب الإمام مالك (1) و الرواية الثانية عند الحنابلة (2) والإمام الشافعي في القديم (3) وقول عند الإباضية وهو المختار عند القطب (4) إلى أنه يصح تصرفه ،ويوقف على إجازة المالك وبه قال أبو حنيفة في البيع (5)
وهذا الشرط لا يشمل الأجرة إذا كانت معلومة بالوصف ببيان جنسها ونوعها وقدرها لأنها حينئذ تثبت في الذمة ولا تكون معنية فيصح العقد ولو صعب الحصول على النقد الموصوف .
المطلب الثاني:-الأجرة بالنقد
الأصل في الأجرة أن تكون من النقود، لأن النقود وسيلة لتبادل السلع والخدمات في المجتمع ، فهي وسيط التبادل ،وأداة الحساب ،بها تقدر السلع والمنافع على مختلف أنواعها ،فالعامل يستطيع أن يشتري بالنقد ما يحتاج إليه ويقضي بها ديونه ،ويتصرف فيها كما يشاء.
وقد أشار الإمام الغزالي إلى أهمية النقد ودوره في تسهيل عملية التبادل ،فقال :" من نعم الله خلق الدراهم والدنانير ،ويهما قوام الحياة ،وهما حجران لا منفعة في أعيانهما ،ولكن يضطر الخلق إليهما من حيث أن كل إنسان محتاج إلى أعيان كثيرة في مطعمه وملبسه وسائر حاجته، وقد يعجز عما يحتاج إليه ويملك ما يستغنى عنه فخلق الله الدنانير والدراهم حاكمين ومتوسطين بين سائر الأموال، حتى تقدر الأموال بهما" (6)
__________
(1) الشرح الصغير على متن أقرب المسالك، أحمد بن محمد بن أحمد (الدر دير)، دار الفكر، ج2، ص7
(2) كشاف القناع، البهوتي، ج3، ص152، الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل المقدسي، ج3، ص383
(3) مغني المحتاج، المحتاج ، الشر بيني، ج2 ، ص16
(4) انظر شرح النيل، أطفيش، ج1، ص46
(5) بدائع الصنائع، الكاساني، ج64، ص2087، 3019، 3020
(6) إحياء علوم الدين أبي حامد الغزالي،دار الخير،دمشق ،ط2
(1993 م)،ج4،ص347
(1/15)
ولا خلاف بين الفقهاء في جواز أن تكون الأجرة نقداً (1) بشرط أن تكون معلومة علماً يمنع المنازعة والخصومة لقوله صلى الله عليه وسلم:"من استأجر أجيراً فليعلمه أجره ". (2)
والعمل بالنقد يكون بمعرفة قدره وجنسه ،ونوعه.
وقد عرف الوسيط في نظام العمل الأجر النقدي بأنه هو:"المبلغ الذي يدفع للعامل من النقود، سواء على أساس وحدة زمنية، كالساعة أو اليوم أو الأسبوع، أو الشهر، أو على أساس مقدار الإنتاج، أو بالقطعة التي ينتجها العامل ". (3)
والمتتبع لأقوال الفقهاء يجد أنهم يشترطون في النقد الذي يصح أن يكون أجرة في عقد العمل أن يكون متداولاً بين الناس ،فلو باع بنقد انقطع من أيدي الناس بطل فعلى هذا لا يصح أن يكون أجرة استعمال عملة لم يعد لها حق التداول.
__________
(1) الضياء، سلمة بن مسلم بن إبراهيم العوتبي ،وزارة التراث القومي والثقافة (ط1416 هـ-1996م)،ج18 ،ص288، إعانة الطالبين ،أبو بكر المشهور بالسيد البكري بن السيد محمد شطا الرمياطي ،دار الفكر ،بيروت ،ج3،ص109 ،بلغة السالك لأقرب المسالك على الشرح الصغير،أحمد محمد الصادي المالكي،دار الكتب العلمية بيروت (ط1) ،ج2،ص264، المغني ،أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ،دار الكتاب العربي ،بيروت-لبنان- (ط1392 هـ)،ج6،ص12، المبسوط ،محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي ،دار المعرفة،بيروت –لبنان- ج15 ،ص117
(2) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ،(6/120) حديث برقم (11431)
(3) الوسيط شرح نظام العمل ، نزار عبد الرحمن الكيالي، ط1، (1393 هـ)، مطبعة دار النظر،
ج1، 1، ص155، 156
(1/16)
"ويشترط في النقود بيان قدرها كعشرة ريالات مثلاً، وبيان صفتها كجيدة أو مخلوطة، فإذا لم يكن في البلد إلا نقداً واحداً يتعامل به يصرف التعاقد إليه وإن لم ينص عليه في العقد فإذا لم يبين القدر والوصف عند اختلاف العقد فسد العقد، ولا يشترط في النقد بيان الأجل فيصح تأجيله وتعجيله وإذا كان مؤجلاً يكون ديناً كالثمن ". (1)
ومن خلال ما سبق ينضح أن المقصود بالأجرة بالنقد هو المبلغ الذي يدفع للأجير من النقود، مقابل عملٍ ما أو خدمة معينة
المطلب الثالث :- الأجرة بالعين
الأجرة بالعين نوع من أنواع الأجرة التي هي ما قابل النقد والمنفعة ،كأن تكون الأجرة هذه السيارة أو هذا المقدار المعين من الأرز أو القمح أو على الطعام ،أو الملابس .
وقد اتفق الفقهاء على جواز أن تكون الأجرة عيناً (2) معينة برؤية أو صفة (3) مضبوطة تنفي الجهل وترفع الغرر ،واشترطوا في الأجرة إذا كانت عيناً مثل ما اشترطوا في العين المبيعة من شروط .
وقد تتضمن الأجرة بالعين نقوداً أو عروضاً لكنها لا تعد من نوع أحدهما؛ نظراً لصيغة الإتفاق القائمة على جهالة يجعل الأجرة ما يحتاج إليها الأجير من طعام ولباس ،أو ما تحتاج إليه الدار من عمارة أو ترميم .
__________
(1) الجوهرة النيرة شرح مختصر القدودي، أبو بكر بن علي المعروف بالحدادي العبادي، تعليق محمد عارف،بدون رقم طبعة ج1، ص334
(2) بداية المجتهد ونهاية المقتصد ،محمد بن أحمد ابن رشد القرطبي ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت،ط1،ج6 ،ص190.الدلائل اللوازم والوسائل ،درويش بن جمعة بن عمر المحروقي ،(ط1414 هـ-1993م)،مسقط،ص258، المغني ،أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ،دار الكتاب العربي ،بيروت-لبنان- (ط1392 هـ)،ج6،ص12. مغني المحتاج ،الشربيني، ج2،ص235.المبسوط،السرخسي ،ج15 ،ص119 .
(3) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير،محمد عرفة الدسوقي ،دار الفكر ،بيروت ،ج4،ص3.
(1/17)
وقد عرف نظام العمل الأجر العيني بأنه:"ما يعطى للعامل من غير النقود، سواء كان نسبة مئوية من القطع التي ينتجها، أو مقداراً معيناً من القمح أو الزيت أو القماش أو المؤونة، وقد أجاز النظام أن يكون الأجر عينياً، وأن يكون مبلغاً من النقود بالإضافة إلى الأجر العيني". (1)
وعلى هذا اتفق الفقهاء ولكنهم اختلفوا في حكم استئجار الأجير مقابل طعامه وكسوته إلى ثلاثة أقوال :
القول الأول: ذهب الجمهور إلى القول بالجواز مطلقاً (2) واستدل أصحابه بما يلي :
1- قوله تعالى :" وعلى المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف" (3)
يقول ابن كثير "أي وعلى والد الطفل نفقة الوالدات وكسوتهن بالمعروف، أي بما جرت به عادة أمثالهن في بلدهن من غير إسراف ولا إقتار، بحسب
قدرته في يساره وتوسطه وإقتاره ". (4)
ففي هذه الآية دليل على جواز الإطعام ،والكسوة للظئر في مقابل قيامها بالإرضاع ،ويقاس عليها غيرها من الإجراء لإتحاد العلة ،وعدم المانع من القياس .
2- قوله تعالى:" وعلى الوارث مثل ذلك " (5)
بعد قوله تعالى:-" وعلى المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف" (6)
__________
(1) الوسيط في شرح نظام العمل ،نزار الكيالي، ص156 .
(2) انظر المبسوط ،السرخسي ،ج15،ص119 .المدونة ،الإمام ملك بن أنس الأصبحي ،دار الفكر ،بيروت-لبنان-(1411 هـ-1991م)،ج3،ص451.كشاف القناع ،البهوتي ،ج3،ص551،592 .غاية المأمول في علم الفروع والأصول، محمد بن شامس البطاشي،وزارة التراث القومي والثقافية (ط1405هـ - 1985)، ج2 ص 399 وما بعدها.
(3) سورة البقرة:233 .
(4) تفسير القرآن العظيم ،ابن كثير ،ج1،ص283.
(5) سورة البقرة:233.
(6) سورة البقرة:233.
(1/18)
استدل الجمهور بهذه الآية على جواز استئجار الظئر (1) بطعامها وكسوتها، لأن الوارث ليس بزوج. (2)
فدل ذلك على أنه لا فرق بين أن يكون طعام المطلقة وكسوتها المجهولان، من زوجها أو من غيره فدل ذلك على جواز إعطاء كل ظئر الطعام والكسوة بالمعروف أجرة لإرضاعها.
3- ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قرأ"طس" حتى بلغ قصة موسى عليه السلام
فقال صلى الله عليه وسلم :"إن موسى أجر نفسه ثمان سنين أو عشر سنين على عفة فرجه وطعام بطنه ". (3)
ففي الحديث دليل على جواز استئجار الأجير بالإطعام وغيره ،وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما يخالفه .
4- ولأن مسألة الظئر مستثناة من الأصل العام، إذ المنفعة في الحضانة والرضاعة غير معلومة، واللبن الذي هو عين يستحق بهذه الإجارة دون غيرها، فجاز أن يكون العوض غير معلوم. (4)
القول الثاني: ذهب الشافعية (5) والصاحبان (6) من الحنفية إلى القول بعدم الجواز واستدلوا بأن الأجرة مجهولة جهالة فاحشة تفضي إلى المنازعة ،وتمنع من تنفيذ العقد فيؤدي إلى فساد العقد.
__________
(1) الظئر : العاطفة على غير ولديها ، المرضعة له ، أنظر لسان العرب ، إبن منظور ، مادة ظأر ، ج2ص114
(2) المغني،عبد الله بن أحمد (ابن قدامة)،دار الكتاب العربي ،بيروت-لبنان-،ج6،ص68 انظر كشاف القناع ،البهوتي،ج3،ص551 ،552 .
(3) أخرجه ابن ماجه في سننه (2/817)حديث برقم (2444)والطبراني في المعجم الكبير
(17/135)حديث رقم (333).
(4) المبسوط ،السرخسي،ج15،ص120 .
(5) مغني المحتاج، الشربيني، ج2، ص235.
(6) المبسوط، السرخسي، ج15، ص119.
(1/19)
القول الثالث: وذهب بعض العلماء (1) إلى جواز ذلك في الظئر وحدها واستدلوا بنص الآية لورود ذلك فيها وهي قوله تعالى :"وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " (2) فهذا النص يجعل الإطعام والكسوة للظئر في مقابل عملها وهو الإرضاع ،ولأن احتمال المنازعة في ذلك بعيد ؛لأن العادة جرت بالتساهل فيما تعطى الظئر وإجابة طلباتها شفقة عليها لمكانة الرضيع منها .
الراجح من الأقوال
الراجح من الأقوال الذي تؤيده الأدلة هو الجواز لورود النص في ذلك ،ولأن العرف كالشرط ،فالمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً فيقوم العرف في الطعام والكساء مقام العلم والتسمية .
ولأن هذه الجهالة لا تودي إلى النزاع فلا يتحقق مناط المنع وهو المختار،والله تعالى أعلم .
المطلب الرابع:- الأجرة بالمنفعة
الأجرة بالمنفعة نوع من أنواع الأجرة.
والمنفعة لغة من النفع، والنفع :الخير وهو ما يتوصل به الإنسان إلى
مطلوبه . (3)
والمنفعة اصطلاحاً:يمكن أن يقال بأنها "الخدمة أو الحاجة التي يمكن أن تؤخذ من إنسان أو عين ".
قد يتفق المتعاقدان على أن تكون الأجرة منفعة يقدمها صاحب العمل للعامل مقابل عمله ،كمن يصلح سيارة إنسان مقابل أن يصلح الآخر مذياعه وقد تكون المنفعة أجرة تامة ،وقد تكون جزء من الأجرة .
وقد اتفق الفقهاء على جواز أن تكون الأجرة منفعة إلا أنهم اختلفوا بعد ذلك في شرط اختلاف المنافع إلى قولين :-
__________
(1) بدائع الصنائع ، الكساني ، ج4، ص193، المغني ، الشربيني ، ج6، ص68 .
(2) سورة البقرة:233 .
(3) المصباح المنير، أحمد بن محمد بن علي الفيومي المقريء ـ مادة نفع ـ مكتبة لبنان، ج2، ص849.
(1/20)
القول الأول: ذهب إليه جمهور الفقهاء . (1)
فإنهم لم يشترطوا هذا الشرط فجاز عندهم أن تكون الأجرة منفعة من جنس المنفعة التي يلتزم بأدائها العامل أو من غير جنسها.
وقد استدل الجمهور على جواز أن تكون الأجرة منفعة مختلفة أو متحدة بأدلة عامة تفيد عدم اشتراط اختلاف المنافع منها ما يلي :
1- قال تعالى في قصة موسى عليه السلام "إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج" (2)
ففي هذه الآية الكريمة دليل على جواز الأجرة أن تكون منفعة لأن النكاح جعل عوضاً في الإجارة، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه، فدل ذلك على جواز أن تكون الأجرة منفعة.
2- أن المنافع قد أقيمت مقام الأعيان في الشرع فجاز أن تكون أجرة لأنها مختلفة في الجنس، وأن اتحدت في الاسم ولأنه لا ربا في المنافع أصلاً. (3)
فلا فرق بين إجارة دار للسكنى بدار أخرى، أو بمحل تجاري.
3- ولأن كل ما جاز أن يكون ثمناً في البيع جاز أن يكون عوضاً في الإجارة، فكلما جاز أن يكون العوض عيناً جاز أن يكون منفعة. (4)
يقول الماوردي:"كل ما جاز أن يكون عوضاً أو معوضاً جاز أن يكون
أجرة ". (5)
__________
(1) بداية المجتهد ونهاية المقتصد محمد القرطبي (ابن رشد) ج2ص289 الحاوي الكبير الماوردي ج7 ص392، كشاف القناع البهوتي ج3،ص556 المصنف أبو بكر أحمد بن عبدالله بن موسى الكندي اسمدي النزوى ج1 1405 هـ 1984 ، ج21، ص141 وما بعدها .
(2) سورة القصص: 27
(3) روضة الطالبين وعمدة المفتين ،أبو زكريا يحى بن شرف النووي ،إشراف زهير الشاريش ،المكتب الإسلامي ،ط3 (1412هـ-1991م)ج5 ص176
(4) كشاف القناع ،أبو زكريا البهوتي ،ج3 ص556
(5) الحاوي الكبير،علي محمد الماوردي ،دار الكتب العربية بيروت ،ط1 ،ج7 ص392.
(1/21)
القول الثاني: ذهب أبو حنيفة (1) إلى اشترط اختلاف المنفعة في الجنس فإن اتحد جنس المنفعة، فإنها لا تصح أجرة، فيجوز عنده إجارة السكنى بالخدمة، أما إجارة الخدمة بالخدمة فلا تجوز.
وقد أيد أبو حنيفة رأيه بما يلي:-
1- إذا اتفق جنس المنفعة في عقد الإجارة فهذا ربا النسيئة لأن الجنس بانفراده أحد أوصاف علة الربا (2) وبما أن قبض إحدى المنفعتين متأخر عن الأخرى ،فيتحقق هذا الربا ومن شروط صحة الإجارة إلا تكون الأجرة منفعة هي من جنس المعقود عليه فإن اختلفت جاز ذلك .
2- لأن عقد الإجارة شرع على خلاف القياس إذا القياس يأبى جواز عقد الإجارة إليه، وفي مبادلة المنفعة بجنسها لا تتحقق الحاجة،لأنه كان متمكناً من السكنى مثلاً قبل العقد .
ولا يحصل له بالعقد إلا إذا كان متمكناً منه باعتبار ملكه ،وأما عند اختلاف جنس المنفعة فالحاجة محققة ،وبالعقد يحصل له ما لم يكن حاصلاً له من قبل . (3)
القول الراجح – والله أعلم – قول الجمهور في جواز أن تكون المنافع أجرة سواء اتحد الجنس أو اختلف لعموم أدلة جواز عقد الإجارة، ولأن المنافع موجودة في الأعيان الحاضرة و لا ربا فيها، لأنها ليست من الأصناف الستة المذكورة في الحديث، ولا تتحقق فيها العلة الربوية كالنقدية، أو الطعم، وغيرهما، ومما يدل على ذلك:
ما روى سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا ربا إلا في ذهب أو فضة، أو مما يكال أو يوزن ويؤكل ويشرب ". (4)
فهذا الحديث قد دل على أن المنافع لا ربا فيها فترجح بذلك قول الجمهور.
الفصل الثالث :- وقت وجوب الأجرة وضمانات الوفاء بها .
*المبحث الأول :- وقت وجوب الأجرة .
__________
(1) بدائع الصنائع، الكاساني، ج4،،ص194.
(2) المبسوط، السرخسي، دار المعرفة-بيروت-، ج15 ص140.
(3) المبسوط ، السرخسي ،ج15 ص139-1401
(4) أخرجه الدارقطني في سننه (3/14)حديث برقم (39)، وأخرجه مالك في المؤطا (2/635)حديث برقم (1306).
(1/22)
المطلب الأول :- وجوب الأجرة بالشرط .
المطلب الثاني :- وجوب الأجرة بالعقد أو بانتهاء المدة .
المطلب الثالث :- وجوب الأجرة بأخذ المنفعة .
*المبحث الثاني :- ضمانات الوفاء بالأجرة .
المطلب الأول :- حبس العين لأجل الأجرة .
المطلب الثاني :- تقدم العامل على غيره من المستحقين عند افلاس المستأجر على رأي البعض .
الفصل الثالث :- وقت وجوب الأجرة وضمانات الوفاء بها
المبحث الأول:- وقت وجوب الأجرة
وفيه ثلاثة مطالب:
- المطلب الأول: وجوب الأجرة بالشرط
لقد جاء الشرع بالتأكيد على وجوب الوفاء بالأجرة،
قال عليه الصلاة والسلام: " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه " (1)
وهذا الحديث دلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق