الكتاب: الأعمال الكاملة لبدر العبري ج7
ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع
ملف
الأعمال الكاملة للواعظ بدر بن سالم العبري
الجزء السّابع
من محرم وحتى جمادى الأولى 1432هـ
تقدمة
ونحن نقطف ثمار الأشهر من {من محرم وحتى جمادى الأولى لعام 1432هـ}، يسرني أن أتحفكم بالجزء السابع مما ألقت به اليراع من مقالات وخطب ومشاريع، علما بأني لم أدرج البحوث لأني لم أنتهي بعد منها، وسأدرج بعضها بإذن الله تعالى في الجزء الثامن، كذلك أنهيت بتوفيق من الله تعالى وحده لا شريك له تحقيقَ مخطوطة غاية المطلوب في الأثر المنسوب للشيخ العلامة عامر بن خميس المالكي رحمه الله تعالى، وهي قيد الطبع، راجيا من الله القبول والثواب، وعما قريب سيكون إن شاء الله تعالى الجزء الثامن، والحمد لله رب العالمين.
كتبه العبد الفقير إلى مولاه الراجي عفوه ومغفرته
أبو البراء بدر بن سالم بن حمدان العبري
الموالح العامرة/ مسقط الزاهرة
الأربعاء 16 من جمادى الأولى 1432هـ. الموافق 20 من ابريل 2011م
القسم الأول:
المقالات
الوصايا العشر في التوراة والقرآن
لقد جاءت رسالات الله تعالى بشريعة واحدة، مصدرها رباني، وغايتها حفظ المجتمع البشري من مزالق الانحراف عن الجادة، لذا تشير التوراة أو العهد القديم الموجود بين أيدينا اليوم المضمن بالكتاب المقدس أنّ الله تعالى أوحى إلى موسى بعد خروجه من مصر بعشر وصايا، ويتفق الباحثون أنّ هذه الوصايا هي نفسها التي يعتقدها اليهود حتى اليوم، ويعلموها صبيانهم ونسائهم، وهذه الوصايا هي الوصايا الموجودة في سفري الخروج والتثنية، ولعل الوصايا نزلت على موسى أثناء اختلائه بربه في جبل الطور قبل مرحلة التيه، وبعد النزول من مصر متوجها إلى الأرض المقدسة فلسطين، والتي هي جزء من أرض كنعان، ولكن صدوره في سفر التثنية ربما يؤكد أنّ فترة وحي هذه الوصايا كان في مرحلة التيه لا قبل ذلك، وقبل الدخول إلى الأرض المقدسة والله أعلم.
(1/1)
كذلك بالنسبة للقرآن جاء بالوصايا العشر في سورة الأنعام، آية 151 إلى 153، وهناك خلافات بسيطة بين وصايا الكتابين تجمعهما روابط واحدة.
أما بالنسبة إلى إنجيل عيسى، والذي يسمى اليوم بالعهد الجديد لا نرى فيه هذه الوصايا بالترتيب الموجود في العهد القديم والقرآن، ولعلّ ذلك يعود إلى أنّ عيسى لم يأت بشريعة جديدة؛ بل جاء مصححا لشريعة موسى، وكتابه كان مصدقا لما جاء به موسى، وكان عاملا به، فالإنجيل لم ينسخ التوراة كليا، وإنما صحح الأخطاء الواردة والتي أضافها الأحبار إلى التوراة، مما اعتقد بعد ذلك أنها من قبل موسى عليه السلام، وهذا لا يعني عدم وجود الوصايا العشر في العهد الجديد أو الإنجيل؛ بل هي موجودة ولكنها متناثرة بين حناياه، وذلك إذا فقهنا الروابط الكلية للوصايا العشر كما سيأتي بيانه بعون الله تعالى، يقول المسيح عيسى: «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ. فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ" إنجيل متى، الإصحاح الخامس (17 - 20).
ثم إننا نذكر بداية الوصايا العشر الموجودة في القرآن ثم نتطرق إلى بيان الوصايا العشر الموجودة في سفر الخروج، لندرك الروابط الجامعة بينهما.
(1/2)
يقول الله تعالى في سورة الأنعام آية (151 - 153): قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
ندرك من خلال هذه الآيات الوصايا العشر وهي:
الوصية الأولى: أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا = عدم الشرك بالله (جانب تصوري عقدي، وهو أساس العمل).
الوصية الثانية: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا = طاعة الوالدين والإحسان إليهم (جانب خلقي سلوكي).
الوصية الثالثة: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ = عدم قتل الولد خشية الفقر والفاقة، لأنّ الرازق هو الله تعالى وحده (جانب عملي سلوكي من نتائج الجانب التصوري العقدي).
الوصية الرابعة: وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ = الابتعاد عن الفواحش الباطنية والظاهرة (جانب عملي خلقي).
(1/3)
الوصية الخامسة: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ = حرمة النفس البشرية، ولا يجوز هدر دمها إلا بحقه الذي أباحه الله تعالى وحده (جانب عملي مبني على أساس خلقي قيمي).
الوصية السادسة: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ = حفظ مال اليتيم من الضياع، وعدم جواز القرب منه إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ سنّ الرشد (جانب عملي سلوكي).
الوصية السابعة: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، وجوب الوفاء بالكيل والميزان مع التحري وقدر الاستطاعة (جانب سلوكي عملي، ويدخل جملة في دائرة الأخلاق).
الوصية الثامنة: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى = العدل في القول والحكم، ولو كان الحق خلاف القرابة والصداقة، فالحق أحق من أي اعتبارات أخرى (جانب عملي خلقي من نتائج الجانب التصوري).
الوصية التاسعة: وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا = الوفاء بشرائع الله تعالى وتعاليمه، وعدم الإيمان ببعضها والكفر بالآخر، فالدين كلّ لا يتجزأ (جانب تصوري عملي).
الوصية العاشرة: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ = الدين واحد لا يتجزأ، وما خالف الدين ضلال وباطل، وصراط الله دينه الحق (جانب عملي تصوري).
(1/4)
أما الوصايا الموجودة في العهد القديم أو التوراة والتي ذكرت في سفر الخروج، الإصحاح العشرون (1 - 17): ثُمَّ تَكَلَّمَ اللهُ بِجَمِيعِ هذِهِ الْكَلِمَاتِ قَائِلاً: «أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ، وَأَصْنَعُ إِحْسَانًا إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ. لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلاً، لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِاسْمِهِ بَاطِلاً. اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ. سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ، وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. لاَ تَصْنَعْ عَمَلاً مَا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَبَهِيمَتُكَ وَنَزِيلُكَ الَّذِي دَاخِلَ أَبْوَابِكَ. لأَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ. لِذلِكَ بَارَكَ الرَّبُّ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَدَّسَهُ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَزْنِ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ. لاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ.
(1/5)
لاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلاَ عَبْدَهُ، وَلاَ أَمَتَهُ، وَلاَ ثَوْرَهُ، وَلاَ حِمَارَهُ، وَلاَ شَيْئًا مِمَّا لِقَرِيبِكَ».
والآن نفصل الوصايا مبينين الدائرة التي تدور حولها، ومدى ارتباطها بوصايا القرآن الكريم:
الوصية الأولى: لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي = أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا {عدم الشرك بالله تعالى (جانب تصوري عقدي، وهو أساس العمل)}.
الوصية الثانية: لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ = أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا {عدم الشرك بالله بأي نوع من الأشكال (جانب تصوري عقدي، وهو أساس العمل)}.
الوصية الثالثة: لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلاً، لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِاسْمِهِ بَاطِلاً = وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا {الوفاء بشرائع الله تعالى وتعاليمه، وعدم الإيمان ببعضها والكفر بالآخر، فالدين كلّ لا يتجزأ (جانب تصوري عملي)}.
الوصية الرابعة: اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ. سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ، وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ = وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ {منّ الله تعالى على الإنسان يوما يرتاح فيه، حيث يتفرغ فيه لذكر الله تعالى (جانب عملي تصوري)}.
الوصية الخامسة: أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ = وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {طاعة الوالدين والإحسان إليهم (جانب خلقي سلوكي)}.
(1/6)
الوصية السادسة: لاَ تَقْتُلْ = وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ {حرمة النفس البشرية، ولا يجوز هدر دمها إلا بحقه الذي أباحه الله تعالى وحده (جانب عملي مبني على أساس خلقي قيمي)}.
الوصية السابعة: لاَ تَزْنِ = وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ {الابتعاد عن الفواحش الباطنية والظاهرة ومنها فاحشة الزنا (جانب عملي خلقي)}.
الوصية الثامنة: لاَ تَسْرِقْ = وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ {تحريم أكل أموال الناس بالباطل، ومنها السرقة، وأكل مال اليتيم، فيجب حفظ ماله من الضياع، وعدم جواز القرب منه إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ سنّ الرشد (جانب عملي سلوكي).
الوصية التاسعة: لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ = وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى {العدل في القول والحكم، وتحريم شهادة الزور، ولو كان الحق خلاف القرابة والصداقة، فالحق أحق من أي اعتبارات أخرى (جانب عملي خلقي من نتائج الجانب التصوري)}.
الوصية العاشرة: لاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلاَ عَبْدَهُ، وَلاَ أَمَتَهُ، وَلاَ ثَوْرَهُ، وَلاَ حِمَارَهُ، وَلاَ شَيْئًا مِمَّا لِقَرِيبِكَ = وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، {وجوب حفظ أموال وأعراض الآخرين، وخاصة القريب، ومنه الوفاء بالكيل والميزان مع التحري وقدر الاستطاعة (جانب سلوكي عملي، ويدخل جملة في دائرة الأخلاق)}.
(1/7)
من خلال ما سبق ندرك أنّ الله تعال أوحى إلى أنبيائه هذه الوصايا العظيمة لتنظيم حياتهم، ومنها ندرك التقارب بين كتب الله تعالى؛ لأنها جميعا من مشكاة واحدة، وإن حدث التحريف في العهدين القديم والجديد؛ إلا أنّ النور لا زال يفوح منهم مع كثافة ظلمة التحريف.
القيمة الخلقية من خلال الوصايا في سورة الإسراء
- أولا: تعريف القيمة الخلقية
* القيمة لغة: من قيمة الشيء قدره، وقيمة المتاع ثمنه، ومن الإنسان طوله قيم، ويقال ما لفلان قيمة ما له ثبات ودوام على الأمر، والقيوم القائم الحافظ لكل شيء واسم من أسماء الله الحسنى، والقيم السيد، وسائس الأمر، ومن يتولى أمر المحجور عليه، وقيم القوم الذي يقوم بشأنهم ويسوس أمرهم، وأمر قيم مستقيم، وكتاب قيم ذو قيمة، والقيمة الأمة القيمة المستقيمة المعتدلة، وفي التنزيل العزيز: وذلك دين القيمة.
ينظر: المعجم الوسيط، حرف القاف، 2/ 768، برنامج الموسوعة الشاملة.
* الخلقية من الأخلاق، وعلم الأخلاق علم موضوعه أحكام قيمية تتعلق بالأعمال التي توصف بالحسن أو القبح، والأخلاقي هو ما يتفق وقواعد الأخلاق أو قواعد السلوك المقررة في المجتمع، وعكسه لا أخلاق، والخلق حال للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خير أو شر من غير حاجة إلى فكر وروية وجمعها أخلاق.
ينظر: المعجم الوسيط، حرف الخاء، 1/ 252، برنامج الموسوعة الشاملة.
* تعريف القيمة الخلقية: هي القيم الأخلاقية التي اتفقت عليها العقول السليمة، وأكدتها الشرائع الربانية، لحفظ الإنسان والكون الذي يعيش فيه، سواء كانت متعلقة بالذات أم بالبيئة والاجتماع، أم بالمال والاقتصاد، أم بالملك والسياسة.
(1/8)
* علاقتها بالوصايا: تعتبر وصايا الله تعالى في حدّ ذاتها قيما أخلاقية تحفظ الوجود البشري، من هنا جاءت رسالات الله تعالى بشريعة واحدة، مصدرها رباني، وغايتها حفظ المجتمع البشري من مزالق الانحراف عن الجادة، لذا تشير التوراة أو العهد القديم الموجود بين أيدينا اليوم المضمن بالكتاب المقدس أنّ الله تعالى أوحى إلى موسى بعد خروجه من مصر بعشر وصايا، ويتفق الباحثون أنّ هذه الوصايا هي نفسها التي يعتقدها اليهود حتى اليوم، ويعلموها صبيانهم ونسائهم، وهذه الوصايا هي الوصايا الموجودة في سفري الخروج والتثنية، كذلك بالنسبة للقرآن جاء بالوصايا العشر في سورتي الأنعام والإسراء، وهناك خلافات بسيطة بين وصايا الكتابين تجمعهما روابط واحدة.
أما بالنسبة إلى إنجيل عيسى، والذي يسمى اليوم بالعهد الجديد لا نرى فيه هذه الوصايا بالترتيب الموجود في العهد القديم والقرآن، ولعلّ ذلك يعود إلى أنّ عيسى لم يأت بشريعة جديدة؛ بل جاء مصححا لشريعة موسى، وكتابه كان مصدقا لما جاء به موسى، وكان عاملا به، فالإنجيل لم ينسخ التوراة كليا، وإنما صحح الأخطاء الواردة والتي أضافها الأحبار إلى التوراة، مما اعتقد بعد ذلك أنها من قبل موسى عليه السلام، وهذا لا يعني عدم وجود الوصايا العشر في العهد الجديد أو الإنجيل؛ بل هي موجودة ولكنها متناثرة بين حناياه، وذلك إذا فقهنا الروابط الكلية للوصايا العشر.
ينظر: مقال الوصايا العشر في التوراة والقرآن، بدر العبري، موقع الواعظ بدر العبري bader-alabri.com.
- ثانيا: البعد العقدي لأخلاق المؤمن
(1/9)
* عندما نتأمل في وصايا الله تعالى في سورة الإسراء نجدها تبتدئ بقوله تعالى: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا} الإسراء/ 22، وتنتهي بقوله تعالى: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} الإسراء/ 39.
* فجميع الأنبياء ابتدأوا دعوتهم بلا إله إلا الله، وذلك لأن هذه الكلمات البسيطة تحوي التصور والسلوكيات، بجانب ربطها بين الدنيا والآخرة.
* من هنا السلبيات العملية كالعقوق والظلم وأكل أموال الناس لا تجتمع مع نفي الألوهية؛ لأن الألوهية تعنى الطاعة المطلقة لله تعالى.
* مثلا عقوق الوالدين أمر حرّمته الوصايا لأنها تشريع رباني، وأقر الشيطان العقوق، ففعله عبادة للشيطان وشرك مع الله تعالى.
* وأثر هذا يمتد إلى الآخرة، فلا يدخل الجنة من كان يحمل في قلبه شركا مع الله وإلها ثانيا.
ثالثا: أخلاق المؤمن الذاتية (من خلال الوصايا):
أ/ التواضع وعدم الكبر:
الوصية: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} الإسراء/37.
- الفكرة العامة للوصية: إنّ وصايا الله تعالى تغرس في نفس الإنسان الاعتراف بحقيقة النفس، فالإنسان وإن تجمل واستغنى بالمال والجاه يبقى إنسانا خلق من نطفة كغيره من البشر، فلن يستطيع بغروره أن يخرق الأرض أو يعلو فوق الجبال، هنا عليه أن ينزع الغرور والكبر، ويبدلهما بالتواضع ونشر المحبة والأخوة بين البشر.
- التطبيق النبوي للوصية:
* عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبسمك في وجه أخيك لك صدقة. سنن الترمذي حديث رقم: 1956.
* عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من عظّم نفسه للناس وضعه الله، ومن تواضع لله رفعه الله" رواه الربيع حديث رقم: 705.
- من التطبيق العملي للوصية:
(1/10)
* الابتسامة وإفشاء السلام.
* عدم احتقار الإنسان للون أو جنس.
* الاهتمام بعيوب النفس عن عيوب الغير.
* التلطف في النصح والإرشاد.
* عدم الغرور والتهور في قيادة المركبات.
- الآثار:
* خرج عمر بن الخطاب إلى الشام ومعه أبو عبيدة بن الجراح، فأتوا على مخاضة، وعمر على ناقة له، فنزل عنها، وخلع خفيه، فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته، فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، أنت تفعل هذا تخلع خفيك، وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك، وتخوض بها المخاضة، ما يسرني أنّ أهل البلد استشرفوك، فقال عمر: أوه لم يقل ذا غيرك، أبا عبيدة جعلته نكالا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله.
ينظر: موسوعة نظرة النعيم، إعداد مجموعة من الباحثين، ط دار الوسيلة، جدة/ المملكة العربية السعودية، 4/ 1267.
ب/ الوقوف عن المجهول، وترك ما لا أهمية له:
الوصية: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} الإسراء/36.
- الفكرة العامة للوصية: تربي وصايا الله النفسَ المؤمنة على الاهتمام بأولويات الحياة، وترك ما لا يعني ولا ينفع، ويشمل هذا جميع أعضاء البدن، وخاصة اللسان، والتي قد يُفتح لها العنان، لتتكلم عن هذا وذاك، رغبة في التسلية وتقصير الوقت، وقد يتجسس لتحقيق الهدف، من هنا سيشهد عليه سمعه وبصره بجانب قلبه يوم لا ينفع الندم.
- التطبيق النبوي للوصية:
* عن علي بن حسين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". رواه الترمذي حديث رقم: 2318.
(1/11)
* عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظنّ، فإنّ الظنّ أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا". قال الربيع: "ولا تجسسوا: أي لا يتتبع بعضكم عورة بعض، ولا تحسسوا: أي لا يمشي أحدكم بالنمائم، ولا تنافسوا: أي ولا ينتقم بعضكم من بعض بما جعل فيه من السوء. رواه الربيع، حديث رقم: 698.
- من التطبيق العملي للوصية:
* حسن الظنّ بالآخرين.
* عدم التجسس ولو من أجل النصيحة.
* ترك ما لا يعني من الكلام.
* عدم المزح بأعراض الآخرين.
* الاهتمام بالأولويات وترك الثانويات.
- الآثار:
* جاء في الأثر:
عمدة الدين عندنا كلمات ... من قول خير البرية
اترك الشبهات وازهد ودع ... ما ليس يعنيك واعمل بنية
ينظر: كتاب: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، منى الرواحي، قيد الطبع.
ج/ البعد عن الفواحش بأنواعها:
الوصية: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} الإسراء/ 32.
- الفكرة العامة للوصية: تربي وصايا الله في نفس الإنسان عظمة الله تعالى، وعظمته تتجلى في الحفاظ على حدوده وحرماته، والاقتراب منها اقتراب من غضبه وسخطه، لذا كانت الفواحش والمنكرات بأنواعها تجرّ إلى سوء المآل والسبيل دنيا وأخرى، من هنا يسعى المؤمن في مراقبة نفسه، وترويض شهواته وفق حدود الله تعالى ووصاياه العظيمة.
- التطبيق النبوي للوصية:
(1/12)
* عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِمِثْلِهِ قَالَ: وَكَانَ يُعَلِّمُنَا كَلِمَاتٍ، وَلَمْ يَكُنْ يُعَلِّمُنَاهُنَّ كَمَا يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ: «اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلاَمِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَبَارِكْ لَنَا فِى أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ، مُثْنِينَ بِهَا قَابِلِيهَا، وَأَتِمَّهَا عَلَيْنَا». رواه أبو داود حديث رقم: 971.
* عن ابن عمر وعائشة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من طالب حقا فليطلبه في عفاف واف أو غير واف". قوله: في عفاف: أي الكف عن المحرم، أي فليطلبه حال كونه ساعيا في عدم الوقوع في المحارم مهما أمكن. رواه ابن ماجه، حديث رقم: 2421.
- من التطبيق العملي للوصية:
* البعد عن الفواحش ومقدماتها.
* غض البصر عن الحرام.
* ترويض الشهوات بالطاعة لله سبحانه.
* إشغال الوقت بالعمل النافع المفيد، ومصاحبة الصالحين الذي يعينون على الطاعة والاستقامة.
* تجنب أماكن ومواقع ارتكاب وعرض الحرام.
- الآثار:
* وصى رجل رجلا يريد سفرا، فقال: آثر بعملك معادك، ولا تدع لشهوتك رشادك، وليكن عقلك وزيرك الذي يدعوك إلى الهدى، ويعصمك من الردى، ألجم هواك عن الفواحش، وأطلقه في المكارم، فإنك تبر بذلك سلفك، وتشيد شرفك.
ينظر: التذكرة الحمدونية لمحمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون، تحقيق إحسان عباس وبكر عباس، من برنامج الموسوعة الشاملة، 1/ 385.
د/ الرضا بالرزق مع السعي لكسبه، وعدم ردة الفعل السلبية:
(1/13)
الوصية: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} الإسراء/ 31.
- الفكرة العامة للوصية: تعلمنا وصايا الله تعالى بحقيقة الرزق، فكل ما في الكون بيد الله تعالى وحده، وقد أودع الله تعالى فيه خزائن رزقه، وما على الأفراد والمجتمعات إلا استغلال السنن التي جعلها الله وسيلة لكسب المعاش، والبعد عن العوامل السلبية والتي تؤدي إلى الانتحار وقتل الأبرياء، نتيجة عدم الرضا بالقضاء، والسخط على البلاء.
- التطبيق النبوي للوصية:
* عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث من أوتيهن فقد أوتي مثل ما أوتي آل داود: العدل في الغضب، والرضا والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية. أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال، وعزاه إلى الحكيم عن أبي هريرة، حديث رقم: 43224.
* قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ. رواه البخاري من طريق أبي هريرة، حديث رقم: 2074.
- من التطبيق العملي للوصية:
* الرضا بقضاء الله تعالى والقناعة بما أعطى.
* إعمال الفرد للمواهب والطاقات التي يتمتع بها في كسب الرزق والرقي في المعيشة.
* الاجتهاد في طلب الرزق والبعد عن السؤال وإراقة ماء الوجه.
* التخطيط والتنظيم في الحياة له دور كبير في رقي الجانب المعيشي.
* لا تنظر إلى من هو أعلى منك، وانظر إلى من هو أسفل منك، تعرف النعمة التي تتنعم بها.
- الآثار:
* يقول السيد محمد الحسيني الشيرازي: "إنّ عالم اليوم يإمكاناته الفعلية يمكنه أن يستوعب تسعين مليارا من البشر".
ينظر: كتاب حكم الإسلام بعد نجاة العراق وأفغان، للسيد محمد الحسيني الشيرازي، طبعة الأمين للنشر والتوزيع/ بيروت – لبنان، ط 1 1422هـ/2002م، ص 29.
(1/14)
هـ/ الوفاء بالعهد واحترام المواعيد:
الوصية: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} الإسراء/34.
- الفكرة العامة للوصية: من وصايا الله تعالى والتي أصبحت سمة لغيرنا الوفاء بالعهد، ومن أعظم الوفاء بالعهد الوفاء بأوقات الآخرين، واحترام المواعيد، وإذا نجا مخلف الوعد، ومنقض العهد من المسؤولية الدنيوية؛ فلن ينجو من المسؤولية الأخروية؛ لأنها من قبل الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
- التطبيق النبوي للوصية:
* عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" رواه الترمذي حديث رقم: 2631.
* عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث ليس لأحد من الناس فيهن رخصة: بر الوالدين مسلما كان أو كافرا، والوفاء بالعهد لمسلم كان أو كافرا، وأداء الأمانة إلى مسلم كان أو كافرا". أخرجه البيهقي في شعب الإيمان حديث رقم: 4363.
- من التطبيق العملي للوصية:
* جدولة الحياة اليومية وفق جدول منظم.
* مواعيد الآخرين جزء من أوقاتهم، ولا يجوز إضاعة الوقت مطلقا.
* عدم الزيارة والاتصال في وقت الراحة والعمل.
* تجنب الزيارة المفاجئة، وحسن الظنّ إذا رد الطرف الثاني بعدم التمكن من الاستقبال.
* الوفاء بالعهد سمة للمؤمن الحق قبل أن تكون سمة للحضارة المعاصرة.
- الآثار:
* يقول عبد القادر شيبة الحمد: ومن أعظم أصول الخير، وخصال البر؛ الوفاء بالعهد، وقد أنذر الله عز وجل الذين ينقضون العهد بأنهم لهم اللعنة ولهم سوء الدار، وقد جعلت الشريعة الإسلامية خلف الوعد من أمارات النفاق، فقد قال رسول صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان".
ينظر: مقال الدعوة إلى الله تعالى، لعبد القادر شيبة الحمد، مجلة الجامعة الإسلامية، العدد (1)، ص 636.
رابعا: الأخلاق الاجتماعية:
(1/15)
أ/ الإحسان إلى الوالدين
الوصية: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} الإسراء/ 23 - 24.
- الفكرة العامة للوصية: الوالدان جزء من الإنسان ذاته، بدونهما لم ير النور في هذه الحياة، وقد تعبا في تربيته، وصبرا على شقوته، من هنا كانت وصايا الله تعالى مؤكدة على برهما والإحسان إليهما، خاصة في وقت الكبر، فهنا رباط وثيق بين كبرهما وحالة الطفولة التي كان يعيش فيها هذا الولد، فهل جزاء الإحسان في طفولته إلا الإحسان في كبرهما.
- التطبيق النبوي للوصية:
* عن أبي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ قال: حَدَّثَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... " رواه البخاري (2/ 353).
* أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد» رواه البيهقي في شعب الإيمان (16/ 339).
- من التطبيق العملي للوصية:
* الإحسان إلى الوالدين والسؤال عنهما.
* النظر إليهما بعين الرحمة والسكينة، والترفق في نصحهما.
* تخصيص جزءا من المال والنفقة ردا لكريم صنعهما، مع إهدائهما بين الفينة والأخرى.
* التبسم في وجههما، والصبر على ما يصدر منهما من أذى.
* الدعاء لهما، والتصدق عنهما، وزيارة أصدقائهما.
- الآثار:
* يصف الشاعر حنان الأم بقوله:
(1/16)
أغرى امرؤ يومًا غلامًا جاهلاً بنقوده كيما يحيق به الضرر
قال: ائتني بفؤاد أمك يا فتى ولك الجواهر والدراهم والدرر
فأتى فأغرز خنجرًا في قلبها والقلب أخرجه وعاد على الأثر
ولكنه من فرط سرعة هوَى فتدحرج القلب المعفر بالأثر
ناداه قلب الأم وهو معفّر: ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر
ينظر: موقع المنبر http://www.alminbar.net.
ب/ صلة وإعانة أولي القربى والمساكين وابن السبيل:
الوصية: {وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} الإسراء/ 26.
- الفكرة العامة للوصية: الإنسان مدني بطبعه، ومدنية الإنسان تتحقق بالتكامل الاجتماعي، والذي تتعدد روابطه للفرد أبوة ونسبا ومصاهرة وجوارا وضيافة ونحوها، من هنا كانت وصايا الله معمقة للروابط الاجتماعية، فأشارت تركيزا إلى القربى والجوار وابن السبيل، لعمق العلاقة، وكثرة المجانسة.
- التطبيق النبوي للوصية:
* عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أدلكم على خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟ من عفا عمن ظلمه، وأعطي من حرمه، ووصل من قطعه، ومن أحبّ أن ينسأ له في عمره، ويزاد له في ماله؛ فليتق الله ربه، وليصل رحمه". أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (11/ 172).
* عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ مَنَعَ ابْنَ السَّبِيلِ فَضْلَ مَاءٍ عِنْدَهُ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ - يَعْنِى كَاذِبًا -، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا فَإِنْ أَعْطَاهُ وَفَى لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ". رواه أبو داود حديث رقم: 3476.
- من التطبيق العملي للوصية:
* صلة الأرحام وزيارتهم والسؤال عنهم.
* الإحسان إلى الجيران وابن السبيل.
* وصل من قطع، والعفو عمن ظلم، خاصة إذا كانت بينك وبينه صلة.
(1/17)
* استحباب النفقة والصدقة للقربى وابن السبيل ومن في حكمهم.
* إعانة ابن السبيل المنقطع، وتخفيف ألم الغربة عنه.
- الآثار:
* يقول الشيخ سعيد بن حمد الحارثي: "والجيران ثلاثة: جار له حق واحد، وهو المشرك، له حق الجوار، وجار له حقان: وهو المسلم، له حق الجوار وحق الإسلام، وجار له ثلاثة حقوق: وهو المسلم القريب، له حق الجوار، وحق الإسلام، وحق القرابة، وكلّ الثلاثة تلزم لهم حقوق، أهمها عدم إيذائهم، واحتمال أذاهم، والنصح إن رأى منهم انحرافا، وتهنئتهم في الفرح، وتعزيتهم في الترح، ومساهمتهم في الأشياء الغريبة إن عملوا بها، ولم يكن عندهم منها شيء، وعدم التطلع إلى عوراتهم، ولا يفشي سرهم، وقضاء حوائجهم، وإعانة محتاجهم".
ينظر: كتاب غرس الصواب في قلوب الأحباب، للشيخ سعيد بن حمد الحارثي، ط وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، سلطنة عمان، 1419هـ/ 1998م، ص 44.
ج/ التلطف في الرد
الوصية: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} الإسراء/ 28.
- الفكرة العامة للوصية: ترشد وصايا الله تعالى، وتربي في نفس الإنسان الإحسانَ إلى الآخرين، خاصة في وقت الضيق والشدة، ولو كان الخطأ من قبلهم، فالمؤمن لين سهل، بشوش طلق، فإن طلب منك أحد حاجة ولم تستطع توفيرها اعتذرنا بكل لطافة وبشاشة، وأما السائل فلا تنهر.
- التطبيق النبوي للوصية:
* أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ أَوْ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ. رواه البخاري من طريق أبي هريرة حديث رقم: 6128.
(1/18)
* عن أبي مسعود قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فكلمه، فجعل ترعد فرائصه، فقال له: "هون عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد". رواه ابن ماجه، حديث رقم: 3312.
- من التطبيق العملي للوصية:
* تعليم الجاهل بالرفق واللين.
* النصيحة تكون في دائرة السر، وبأسلوب حسن ولين.
* التعامل مع تربية الأطفال باللين، مع المداعبة والجذب.
* معاملة المخطئ بأسلوب حسن قد يغير خطأه بصورة أسرع.
* تحمل خطا الزوجة والصبر على ذلك ونصحها بالتي هي أحسن.
- الآثار:
يقول الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم **** فطالما استعبد الإنسان إحسان
وكن على الدهر معوانا لذي أمل **** يرجو نداك فان الحر معوان
ينظر: موقع ابن مطر: http://www.ebnmasr.net
د/ الحفاظ على النفس البشرية
الوصية: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} الإسراء/ 33.
- الفكرة العامة للوصية: حفظ النفس من أعظم المبادئ والكليات التي دعت إليها وصايا الله تعالى، فلا تنتهك إلا بحق، ولا إسراف في القصاص، لذا كان التعدي على النفس البشرية من أعظم الموبقات، والتي يترتب عليها حدّ القصاص في الأولى أو العفو إن كان عمدا، أو الدية والكفارة المغلظة إن كان خطأ، بجانب الخلود الأبدي في الجحيم إن كان عمدا وبلا توبة قبل الموت.
- التطبيق النبوي للوصية:
* عن ابن عمر أنّ النبي قال: "لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما". أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط حديث رقم: 1401.
* عن عبد الله بن عمرو: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم". رواه الترمذي حديث رقم: 1395.
- من التطبيق العملي للوصية:
* حرمة الدم حرمة مطلقة لا تتعلق بدين ولا جنس، ولا يؤخذ إلا بحقه.
(1/19)
* في القصاص القاتل يُقتل فقط، ولا يتعدى جرمه أهله أو عشيرته.
* حفظ النفس من مقاصد الشريعة، فلا يجوز أن يقتل الإنسان نفسه بسم أو دخان ونحوه.
* من تطبيقات حفظ النفس المعاصرة: لا يجوز للإنسان التهور في قيادة المركبة، ومجاوزة السرعة المحددة، مع وجوب النظر فيها وإصلاحها.
* الانتحار بشتى أنواعه جرم محرم بجميع الشرائع والقوانين، ويحرم صاحبه من السعادة الأخروية.
- الآثار:
* عن ابن عباس أنّ رجلا أتاه فقال: أرأيت رجلا قتل رجلا متعمدا؟ فقال: {جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا [وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا]} قال: لقد نزلت في آخر ما نزل، ما نسخها شيء حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نزل وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى؟ قال: وأنى له بالتوبة، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ثكلته أمه، رجل قتل رجلا متعمدا، يجيء يوم القيامة آخذا قاتله بيمينه أو بيساره -وآخذا رأسه بيمينه أو بشماله-تَشْخَب أوداجه دما من قبل العرش يقول: يا رب، سل عبدك فيم قتلني؟ ".
ينظر تفسير ابن كثير، 2/ 378، برنامج الموسوعة الشاملة.
د: الحفاظ على أعراض الناس
الوصية: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} الإسراء/ 32.
- الفكرة العامة للوصية: حفظ العرض جزء من حفظ الكون، والتلاعب به بداية لانهيار الكون، لأنّ انتهاكه من الفواحش المترتب عليه سوء السبل، من هنا كانت وصايا الله تعالى مرشدة إلى حفظ العرض، وعدم القرب منه، والتحذير من انتهاكه، فهو من حفظ النفس البشرية؛ بل هو من حفظ الكون أجمع.
- التطبيق النبوي للوصية:
(1/20)
* عن أبي أمامة قال: أنّ غلاما شابا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فصاح الناس فقال: مه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقروه، ادن، فدنا حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحبه لأمك؟ قال: لا، قال: وكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتم، أتحبه لابنتك؟ قال: لا، قال: وكذلك الناس لا يحبونه لبناتهم، أتحبه لأختك؟ قال: لا، قال: وكذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم، أتحبه لعمتك؟ قال: لا، قال: وكذلك الناس لا يحبونه لعماتهم، أتحبه لخالتك؟ قال: لا، قال: وكذلك الناس لا يحبونه لخالاتهم، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال: اللهم كفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصّن فرجه. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير حديث رقم: 7679.
* عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم، لا يخونه، ولا يكذبه، ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام، عرضه وماله ودمه، التقوى ههنا، بحسب امرئ من الشر أن يحتقر أخاه المسلم. رواه الترمذي، حديث رقم: 1927.
- من التطبيق العملي للوصية:
* أعراض الناس واحدة، والحفاظ عليها مسؤولية الجميع.
* للأعراض مقدمات يجب التقيد بها كالستر وغظ البصر وكف اللسان والبعد عن أماكن الفحشاء.
* إشاعة الفاحشة في المجتمع بالوسائل المعاصرة (الماسنجر والفس بوك والبالتوك والشات والهواتف ونحوها) من الموبقات التي يترتب عليها العذاب.
* تربية البنات على العفة مطلب رباني جليل.
* لا يجوز الحديث عن أعراض المؤمنات، وإن كان بلا بينة فهو قذف واضح يترتب عليه آثار الحد المتعلق بالقذف.
- الآثار:
* أرسلت الزهراء السقطرية من جزيرة "سقطرى" رسالة إلى الإمام الصلت بن مالك الخروصي تستغيث به نتيجة ما حلّ بنساء المسلمين من قبل نصارى الحبشة، قائلة فيها:
قل للإمام الذي ترجى فضائله ... ابن الكرام وابن السادة النجب
(1/21)
وابن الجحاجحة الشم الذين هم ... كانوا سناها وكانوا سادة العرب
أمست سقطرى من الإسلام مقفرة ... بعد الشرائع والفرقان والكتب
جار النصارى على واليك وانتهبوا ... من الحريم ولم يألوا من السلب
وأخرجوا حرم الإسلام قاطبة ... يهتفن بالويل والأعوال والكرب
قل للإمام الذي ترجى فضائله ... بأن يغيث بنات الدين والحسب
كم من منعمة بكر وثيبة ... من آل بيت كريم الجد والنسب
تدعوا أباهما إذا ما العلج هم بها ... وقد تلقف منها موضع اللبب
وباشر العلج ما كانت تضن به ... على الحلال بوافي المهر والقهب
أقول للعين والأجفان تسعفني ... يا عين جودي على الأحباب وانسكبي
ما بال صلت ينام الليل مغتبطا ... وفي سقطرى حريم بادها النهب
يا للرجال أغيثوا كل مسلمة ... ولو حبوتم على الأذقان والركب
حتى يعود عماد الدين منتصبا ... ويهلك الله أهل الجور والريب
ينظر: تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان، للشيخ العلامة نور الدين السالمي، ط مكتبة نور الدين السالمي، ج1، ص 165 - 166.
و: حسن الظن وعدم نشر الشائعات
الوصية: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} الإسراء/ 35.
- الفكرة العامة للوصية: كم من الشائعات تنتشر يوما بعد يوم، وكم من قيل وقال يردد هنا وهناك، بالأمس في المجالس، واليوم في الهواتف والمنتديات، من هنا كانت وصايا الله تعالى تربي فينا الحذر من أي كلام يشاع، والتأمل فيه مليا، والتوقف عن نشره هو الأصل، لأنّ العبد سيسأل عن ترديده لهذه الكلام وإشاعته يوم الرجعى.
- التطبيق النبوي للوصية:
* عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: إياكم والظن فإنّ الظنّ أكذب الحديث. رواه الترمذي حديث رقم: 1988.
(1/22)
* عَ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق