الآيات المتشابهات لأحمد الخليلي - مكتبة أهل الحق والإستقامة

أحدث المشاركات

Post Top Ad

Post Top Ad

الاثنين، 10 يناير 2022

الآيات المتشابهات لأحمد الخليلي

 





الكتاب : اجتهاد النبي (ص) في الأحكام بين الإثبات والنفي لأحمد الخاطري - ب تخرج
ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع
سلطنة عمان
وزارة الأوقاف والشؤون الدينية
معهد العلوم الشرعية
عنوان البحث:
اجتهاد النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الأحكام
بين الإثبات والنفي
قدمه الباحث:
أحمد بن سليمان بن مُحمَّد الخاطري
إشراف الدكتور:
زين العابدين بن العبد
السنَّة الدراسية: 1423-1424هـ/ 2002-2003م
شكر وتقدير
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، والشكر له عَلَى نعمه وفضله وامتنانه، والصلاة والسلام عَلَى من أرسله الله رحمة للعالمين، هاديا ومبشرا ونذيرا؛ فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأُمَّة، وكشف به الله الغمة، وجاهد في سبيل الله حتَّى أتاه اليقين، اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدِّين.
وبعد:
فَإِنِّي أقدم بوافر الشكر والتقدير، وخالص الامتنان إلى من تعهد هذا البحث حتَّى نبت نباتا حسنا.
وبلغ ما هو علَيه الآن، وفي مُقدِّمَة هؤلاء أستاذي الدكتور: زين العابدين، الذي تفضل بالإشراف عَلَى هذا البحث، فلم يقصر جهدا، ولم يدخر وسعا في التوجيه والإرشاد، وتصحيح الخطأ، فكان لتوجيهاته القيمة الأثر البالغ في ظهور هذا البحث عَلَى هَذِه الصورة.
ثُمَّ أتوجه بالشكر إلى إدارة معهد العلوم الشرعية عَلَى ما قاموا به من تعاطف ورعاية، وحسن استقبال وتكريم، مِمَّا سهل لي كُلّ صعب، وفي مقدمتهم فضيلة مدير العام المعهد، والأساتذة الكرام، فجزى الله الجميع عني خير الجزاء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رَبِّ العالمين، وصلى الله عَلَى سيدنا مُحمَّد، وعلى آله وصحابته وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدِّين.
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رَبِّ العالمين، الصلاة والسلام عَلَى سيدنا مُحمَّد وعلى آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين.
وبعد:
(1/1)
فَإِنَّ الله شرع لهذه الأُمَّة شرائع كما هو معلوم، وللأمم السابقين، وجعل القُرآن الكريم دستورا لشريعتها، وتكملة للشرائع السابقة، ,اختار مُحمَّدا - صلى الله عليه وسلم - مرسلا ومبلغا لهذه الشرائع إلى هَذِه الأُمَّة.
وقد تضمن هذا القُرآن الكريم أحكاما وقواعد يهتدي بها هو وأمته - صلى الله عليه وسلم - في هَذِه الدنيا، وهي طريق لنيل رضا الله في دار الآخرة، وصرح ببعض هَذِه الأحكام، فيدركها كُلّ من له عقل سليم، وبعضها يحتاج إلى بذل جهد كبير لإدراكها، وقد اختص الله أصحاب العقول دون غَيرهم بإدراكها، وقد ترك الله لهم الباب مفتوحا لاستنباط هَذِه الأحكام التي لم ينص عليها في كتابه، ولم يكن هذا مختصا بهذه الأُمَّة؛ فقد ثبت أَنَّ الأمم السابقين كانوا يبينون لأقوامهم أحكاما باستخدام عقولهم، ومن ذلك ما جاء في قصة داود وسليمان عليهما السلام، قال تَعَالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فيِ الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ، وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} (1) ، وقد سلك نبينا مُحمَّد - صلى الله عليه وسلم - هذا المنهج واتبعه أصحابه ومن جاء بعدهم، ورأوا ضرورة استخدام العقل في بَعضِ القضايا التي لم يرد فيها نص من الله، وهي ما تُسَمَّى بقضايا الاجتهاد، فقد جاءت كثير من الآيات تحث أصحاب العقول عَلَى التدبر في معاني الآيات، مثل قوله تَعَالى: {وَمَا يَذَّكَّرُ إلآَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} (2) وقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} (3) ، وغير ذلك من الآيات.
__________
(1) سورة الأنبياء: 78.
(2) سورة البقرة: 269.
(3) سورة الحشر: 2.
(1/2)
وقد تكلم كثير من العلماء حول هذا الموضوع، وهو اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - ، منهم من قال: إِنَّه اجتهد ووقع ذلك منه، ومنهم من قال: ما كان يجتهد، ومنهم من قال: وقع منه الاجتهاد في بَعضِ الأحكام دون بَعضِ، وتوقف آخرون، ومنهم من صوبوه، ومنهم من جوز علَيه الخطأ، وأَنَّه لا يقر علَيه، ومن أجل ذلك اخترت أن يكون هذا الموضوع، باسم: «اجتهاد النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الأحكام بين الإثبات والنفي»، هو موضوع بحثي، نظرا لأهمية هذا الموضوع، وطلب معرفته، فسأوضح فيه للقارئ اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - في ضوء هَذِه الأقوال حسب ما اطلعت علَيه في كتب الأصول المختلفة، والله من وراء القصد، فأسأله سبحانه أن يوفقني، ويسدد خطاي، إِنَّه سميع قريب مجيب الدعاء.
وقد وضعت لذلك خطة اشتملت عَلَى تمهيد، ومقدمة، وثلاثة فصول، وخاتمة، وفهارس للمصادر والمراجع، وآخر للموضوعات، وكانت الخطة عَلَى النحو التالي:
- مُقدِّمَة
- تمهيد
- الفصل الأَوَّل: تعريف الاجتهاد، وأركان الاجتهاد، وشروط الاجتهاد، وفيه مباحث
المبحث الأَوَّل: تعريف الاجتهاد لغة واصطلاحا، وفيه مطلبان
المطلب الأَوَّل: الاجتهاد لغة
المطلب الثاني: الاجتهاد في الاصطلاح، وفيه فرعان
... الفرع الأَوَّل: في تعريف جملة من العلماء للاجتهاد
... الفرع الثاني: في الراجح من هَذِه التعاريف
المبحث الثاني: في أركان الاجتهاد، وفيه أربعة مطالب
... ... المطلب الأَوَّل: فيه فرعان
... ... ... الفرع الأَوَّل: في الركن لغة
... ... ... الفرع الثاني: الركن في الاصطلاح
... ... المطلب الثاني: ذكر أركان الاجتهاد، والكلام علَيها
... ... المطلب الثالث: ذكر مراتب الاجتهاد، والكلام علَيها
... ... المطلب الرابع: ذكر أحكام الاجتهاد، والكلام علَيها
... المبحث الثالث: شروط المجتهد
الفصل الثاني: أنواع اجتهاد النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الأمور الدنيوية، وفي الحروب، وأدلة المانعين الاجتهاد
(1/3)
... المبحث الأَوَّل: اجتهاده في الأمور الدنيوية
المبحث الثاني: اجتهاده في الحروب
المبحث الثالث: أدلة المانعين الاجتهاد منه - صلى الله عليه وسلم - ، والرد علَيهم من قبل المثبتين
الفصل الثالث: هل يقع علَيه الصلاة والسلام منه الخطأ في الاجتهاد أوَّلا، والراجح منهما
... المبحث الأَوَّل: مذهب من صوبوه دائما، وأدلتهم
... المبحث الثاني: مذهب من جعله قابلا للصواب والخطأ، وأدلتهم
... المبحث الثالث: الراجح من هَذين القولين.
هذا وأسأل الله أن أكون قد وفقت في اختار الموضوع، ووفيت بجميع جزئياته، ونسأل الله العلي القدير أَنَّ يوفنا لِما فيه الخير والصلاح لهذه الأُمَّة الإِسلاَمية.
أحمد بن سليمان بن مُحمَّد الخاطري ... ...
يوم الأربعاء: 5/ 3/ 1424هـ- 6/ 5/ 2003م ...
الفصل الأَوَّل:
تعريف الاجتهاد، وأركان الاجتهاد، وشروط الاجتهاد
تمهيد
المبحث الأَوَّل: تعريف الاجتهاد لغة واصطلاحا، وفيه مطلبان
المطلب الأَوَّل: الاجتهاد لغة
المطلب الثاني: الاجتهاد في الاصطلاح، وفيه فرعان
... الفرع الأَوَّل: في تعريف جملة من العلماء للاجتهاد
... الفرع الثاني: في الراجح من هَذِه التعاريف
المبحث الثاني: في أركان الاجتهاد، وفيه أربعة مطالب
... ... المطلب الأَوَّل: فيه فرعان
... ... ... الفرع الأَوَّل: في الركن لغة
... ... ... الفرع الثاني: الركن في الاصطلاح
... ... المطلب الثاني: ذكر أركان الاجتهاد، والكلام علَيها
... ... المطلب الثالث: ذكر مراتب الاجتهاد، والكلام علَيها
... ... المطلب الرابع: ذكر أحكام الاجتهاد، والكلام علَيها
... المبحث الثالث: شروط المجتهد
تمهيد
(1/4)
لقد ذمت الشريعة الإسلامية الجمود ودعت إلى أعمال الفكر والاجتهاد فيها لا نص فيه من المسائل والوقائع، وقد اجتهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمور مختلة، واجتهد الصحابة رضوان الله عليهم، وكذلك التابعون وسار على دربهم أئمة الاجتهاد والسلف الصالح ثم بعد ذلك ظهر عهد الضعف في الأمة وانحطاطها وانقسمت الأمة إلى المذاهب مختلفة مما أدى إلى سد باب الاجتهاد حفظ الأمة من الانقسام الديني، وفي هذا الوقت ركدت الحركة الفقهية وحل جمود العلماء الفكري وعدم الاستقلال.
فأصبح بلوغ درجة الاجتهاد بين العلماء حلما، ولكن مع ذلك لم تكن نهايتها حينئذ، بل تغيرت العقليات وبرزت النهضة والحركة الفكرية في أعماق المشتغلين بالفقه، ورأوا أن إقفال باب الاجتهاد لا يؤدي إلى بقاء الأمة وحفظها على الثروة الفقهية القديمة فقط، بل هذا أدى إلى فتح باب آخر الذي تحلل الناس من أحكام الشريعة واتخذوا ما يمكنهم في القانون من الغرب في السياسة والاقتصاد والاجتماع والمعاملات تحكم عليهم، ومن هذا المنطلق فطنوا هؤلاء العلماء ورأوا أن باب الاجتهاد لا بد أن يكون مفتوحا لأن مواهب الله ومنحه لا يقتصر جيل دون جيل أو شخص دون شخص.
قال الشوكاني: ومن حصر فضل الله على بعض خلقه، وقصر فهم هذه الشريعة في تقدم عصره، فقد تجرأ على الله عز وجل ثم على الشريعة الموضوعة لكل عباده ثم على عباده الذين تعبدكم الله بالكتاب والسنة (1) .
الفصل الأَوَّل:
تعريف الاجتهاد، وأركان الاجتهاد، وشروط الاجتهاد
المبحث الأَوَّل: تعريف الاجتهاد لغة واصطلاحا، وفيه مطلبان
المطلب الأَوَّل: الاجتهاد لغة
المطلب الثاني: الاجتهاد في الاصطلاح، وفيه فرعان
... الفرع الأَوَّل: في تعريف جملة من العلماء للاجتهاد
... الفرع الثاني: في الراجح من هَذِه التعاريف
المبحث الثاني: في أركان الاجتهاد، وفيه أربعة مطالب
... ... المطلب الأَوَّل: فيه فرعان
__________
(1) إرشاد الفحول: للشوكاني ج3/ص 302
(1/5)
... ... ... الفرع الأَوَّل: في الركن لغة
... ... ... الفرع الثاني: الركن في الاصطلاح
... ... المطلب الثاني: ذكر أركان الاجتهاد، والكلام علَيها
... ... المطلب الثالث: ذكر مراتب الاجتهاد، والكلام علَيها
... ... المطلب الرابع: ذكر أحكام الاجتهاد، والكلام علَيها
المبحث الثالث: شروط المجتهد
الفصل الأَوَّل:
تعريف الاجتهاد، وأركان الاجتهاد، وشروط الاجتهاد
ويشتمل هذا الفصل على تعريف الاجتهاد لغة واصطلاحا، وأركانه، وشروطه وذلك في ثلاثة مباحث.
المبحث الأَوَّل:
تعريف الاجتهاد لغة واصطلاحا، وفيه مطلبان
المطلب الأَوَّل: الاجتهاد لغة
الاجتهاد في اللغة: فهو مأخوذ من الجَُهد بفتح الجيم وضمها، وهي المشقة. ومنه قول الله تبارك وتعالى {وَأَقسَمُوا بِالله جَهدَ أَيْمَانِهِم} (1) وقد ورد في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع كلها تدل على الاجتهاد وهو بذل الوسع والطاقة، والمبالغة في اليمين قال الزبيدي الجَهد والجُهد بالفتح والضم، الطاقة والوسع، وقال ابن الأثير هو بالفتح المشقة، وقيل المبالغة والغاية، والضم الوسع والطاقة، وقيل هما لغتان في الوسع، والطاقة (2) .
وجاء في لسان العرب الاجتهاد والتجاهد، بذل الوسع والمجهود. وفي حديث معاذ: "اجتهد رأيي" (3) فالاجتهاد، بذل الوسع في طلب الأمر، وهو افتعال
__________
(1) في سورة النحل الآية /38. وفي سورة النور الآية 53. وفي سورة فاطر الآية 43
(2) قاموس المحيط ج1/ ص386.
(3) أخرجه الترمذي كتاب الأحكام باب 3 ص616 وأبو داود في: 1 كتاب الأقضية ص303
(1/6)
من الجهد وهو الطاقة (1) فهو استعمال القدرة الحادثة في تحصيل أمر على وجه يشق، يقال اجتهد فحمل الصخرة ولا يقال اجتهد فحمل الذرة (2) فهو مأخوذ من الجهد كما تقدم وهو المشقة والطاقة، فيختص بما فيه مشقة، ليخرج عنه ما لا مشقة فيه (3) قال في المحصول: هو في اللغة عبارة عن إستفراغ الوسع، في أي فعل كان، يقال استفرغ وسعه في حمل الثقيل، ولا يقال استفرغ وسعه في حمل النواة (4) .
المطلب الثاني:
الاجتهاد في الاصطلاح وفيه فرعان
الفرع الأول: في ذكر تعاريف جملة من العلماء له.
"بذل الوسع في نيل حكم شرعي علمي بطريقة الاستنباط" (5) .
وعرفه د/ إبراهيم بأنه: "هو بذل أقصى الجهد للوصول إلى حكم شرعي عملي من دليله التفصيلي، بطريق استنباط الحكم أي من دليله" (6)
وعرفه السالمي: "بأنه هو أن يطلب الفقيه حصول حكم حادثة بشرع ويبذل في ذلك مجهوده بحيث لا يمكن المزيد عليه في الطلب".
__________
(1) الإمام العلامة أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور المصري، لسان العرب المجلد الثالث ص135.
(2) عبد الله بن حميد السالمي طلعة الشمس على الألفية، ج2 ص274
(3) إرشاد الفحول في تحقيق الحق من علم الأصول: للشوكاني، ج2 ص291
(4) المحصول في علم الأصول الفقه: للرازي، ج6 ص6
(5) الشوكاني: مرجع سابق، المجلد الثاني ص291
(6) د/ إبراهيم محمد سلقيني، الميسر في أصول الفقه الإسلامي، دار الفكر المعاصر بيروت لبنان ص372.
(1/7)
مثاله: إذا طلب معرفة حكم الأرز أهو ربوي أو غير ربوي إذا استفرغ طاقته في التماس هذا الحكم في الأرز فيسمى ذلك الطلب الشديد اجتهادا عندهم (1) وعرفه أبو يعقوب: بأنه استفراغ الوسع في طلب حكم الحادثة (2) وقال الآمدي: هو مخصوص باستفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد فيه (3)
وقال ابن الحاجب: "هو استفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي" (4) .
وقيل في تعريفه: "هو استنفاذ الطاقة في طلب حكم النازلة حيث يوجد ذلك الحكم" (5)
وقيل: "هو استفراغ الوسع في درك الأحكام الشرعية" (6) .
وعرفه نَجم الدّين: "بأنه بذل الجهد في تعرف الحكم الشرعي" (7) .
ومنهم من قال: "هو طلب الصواب بالأمارات الدالة عليه" (8) .
__________
(1) أبي محمد عبد الله بن حميد السالمي شرح طلعة الشمس على ألفية، ج3 ص274
(2) أبو يعقوب الورجلاني وفكره الأصولي مقارنة بأبي حامد، باجو مصطفى، ص453
(3) سيف الدين أبي الحسن علي بن أبي علي بن محمد الآمدي: للأحكام في اصول الأحكام، ج4 ص218.
(4) الأستاذ الأعظم المحقق الكبير الشيخ محمد كاظم الخرساني، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، لأحياء التراث ص463
(5) الإمام الجليل ابي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزمس الظاهري، الأحكام في أصول الأحكام، المجلد الثاني دار الكتب العلمية بيروت – لبنان ص629
(6) شيخ الإسلام تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي، الإبهاج في شرح المناهج على مناهج الأصول إلى علم الأصول للقاضي البيضوي ج3. دار المكتبة العلمية بيروت – لبنان ص576
(7) نجم الدين أبي الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم بن سعيد الطوفي، شرح مختصر الروضة ج3 ص576
(8) جاء ذلك في إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، الامام الحافظ محمد بن علي الشوكاني، ج3 ص291
(1/8)
وعرفه الغزالي: "بأنه بذل المجتهد وسعه في طلبه العلم بأحكام الشرعية" (1)
شرح التعريف:
الاجتهاد: هو بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي، بطريقة الاستنباط.
قولنا: بذل الوسع يخرج ما يحصل مع التقصير، فإن معنى بذل الوسع، أن يحس من نفسه العجز عن المزيد طلب، ويخرج بالشرعي واللغوي والعقلي، والحسي فلا يسمى من بذل وسعه في تحصيلها مجتهدا اصطلاحا، وكذلك بذل الوسع في تحصيل الحكم العلمي، فإنه لا يسمى اجتهادا عند الفقهاء، وإن كان يسمى اجتهادا عند المتكلمين. ويخرج بطريق الاستنباط نيل الأحكام من النصوص الظاهر، أو حفظ المسائل، أو استعلامها من المفتي، أو بالكشف عنها في كتاب العلم، فإن ذلك وإن كان يصدق عليه الاجتهاد اللغوي، فإنه لا يصدق عليه الاجتهاد الاصطلاحي (2)
لو أتيح لي اختيار الأصح من هذه التعريفات لاخترت تعريف الغزالي الذي يقول: بذل المجتهد في طلب العلم بأحكام الشرعية. بشرطين:
1- أن يقصد اللفظ "المجتهد مجازا" لا حقيقة بمعنى المتهيء لمعرفة الأحكام.
2- أن يكون كلمة "العلم" عام بمعنى يفيد علما وظنا.
الفرع الثاني: في الراجح من هذه التعاريف.
لقد تكلم العلماء في تعريف الاجتهاد كما تقدم واختلفوا في الراجح منها. فقد رجح صاحب إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق في علم الأصول من هذه التعريفات تعريف البيضاوي. وهو استفراغ الجهد في درك الأحكام الشرعية للأسباب التي ذكرها هو:
أولا: لأنه لا تكرار فيه بخلاف التعريفات الأخرى ففيها تكرار.
__________
(1) المستصفى من علم الأصول، للغزالي ج3 ص170
(2) إرشاد الفحول ج3 ص292
(1/9)
ثانيا: لان فيه تعميما من جهة درك الأحكام على سبيل القطع وذكرها على سبيل الظن، وهو يناسب ما قاله الأصوليون من أن الاجتهاد قد يكون مفيدا للقطع كما في الأمور العقلية الأصولية ولذلك قالوا إن المصيب فيها واحد وما عداه مخطئ. كما أن فيه تعميما من حيث الأحكام لأنه يشمل الأحكام اللغوية والعقلية وهو راجح أيضا عند د/ وهبة الزحيلي فقد ذكر في كتابه أصول الفقه الإسلامي إن هذا التعريف أعم من أن يكون على سبيل القطع أو الظن.
المبحث الثاني:
أركان الاجتهاد:
ويشمل على تعريف الركن لغة واصطلاحا، والكلام على الأركان ركنا ركنا، ومراتب الاجتهاد وحكمه، وله أربعة مطالب:
المطلب الأَوَّل:له فرعان
الفرع الأول: الركن لغة: له ثلاثة معان
المعنى الأول: الميل والسكون
قال في القاموس المحيط: رَكَنَ إليه كَنَصَر وعَلِمَ ومنع وركونا، مال وسكن.
المعنى الثاني: الجانب الأقوى هذا المعنى يكون بالضم، وباليمامة، الأمر العظيم، وما يقوى به من ملك وجند وغيره (1)
وقال في لسان العرب: ركن: ركن إلى الشيء وركن يركن ويركن ركنا وركونا فيهما وركناه وركانية، أي مال إليه وسكن وقال بعضهم: ركن يركَن بفتح الكاف في الماضي والآتي، وهو نادر. قال الجوهري وهو على الجمع بين اللغين وفي التنزيل العزيز {وَلاَ تَركَنُوا إلَى الذينَ ظَلَمُوا} (2) قرئ بفتح الكاف من ركن يركن ركونا إذا مال إلى الشيء واطمئن إليه. وركن الشيء جانبه الأقوى.
__________
(1) العلامة اللغوي مجد الدين محمد بن يعقوب الفير وزآبادي، القاموس المحيط ج4 ص225
(2) سورة هود: 113.
(1/10)
المعنى الثالث: الناحية القوية. وما تقوى به من ملك وجند وغيره، وبذلك فسر قوله عز وجل: {فَتَوَلَّى بِرُكنِه} (1) ودليل ذلك قوله تعالى: {فَأخَذناه وَجُنُوده}. (2) أي أخذناه وركنه الذي تولى به، والجمع أركان وأركان (3) .
الفرع الثاني:
الركن في اصطلاح:
أما الركن في الاصطلاح فقد عرف بعض العلماء بأنه هو الذي لا تتحمل حقيقة الشيء بدونه. فالقراءة والركوع والسجود أركان للصلاة كما أن الإمساك ركن للصيام ولا تصح الصلاة إلا بتوفر أركانها وكذلك الصوم لأن الشيء لا يبقى بعد زوال ركنه (4) .
وقال بعضهم: هو ما يقوم به ذلك الشيء (5)
المطلب الثاني:
في ذكر أركان الاجتهاد والكلام عليها ركنا ركنا
أَوَّلاً: الاجتهاد: وهو البذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريقة الاستنباط. لتخرج عنه الأمور الضرورية التي تدرك ضرورة من الشرع، إذ لا مشقة في تحصيلها ولا شك أن ذلك من الأحكام الشرعية.
مسألة: يجب العمل بالاجتهاد في الحوادث خلافا للنظام وخلافه فيه وفي القياس واحد، كما قاله الرازي: وإنكاره مكابرة الإجماع الصحابة فمن بعدهم
مسألة: وما يوجه الاجتهاد هل يسمى دين الله؟ فيه خلاف السابق في القياس، حكاه أبو بكر الرازي قال: الصحيح نعم (6) .
__________
(1) سورة الذاريات: 39.
(2) سورة القصص: 40.
(3) الامام العلامة أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور المصري، لسان العرب المجلد السادس ص217 –218.
(4) االوجيز في أصول الفقه، للدكتور عوض أحمد إدريس، ص45.
(5) أصول السرخسي للأمام أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل المجلد الثاني ص174. وأنظر الاجتهاد والتقليد في الشريعة الاسلامية للدكتور محمد الدسوقي ص20-21، وأنظر الاجتهاد في الإسلام للدكتورة نادية شريف العامري ص49.
(6) بدر الدين محمد بن بهادر بن عبدالله الشافعي، البحر المحيط في أصول الفقه للزركسي (ج6) ص197- 199 و206 و227
(1/11)
قال الغزالي: صار للفظ الاجتهاد في عرف العلماء مخصوصا ببذل المجتهد وسعه في طلب العلم لأحكام الشرعية والاجتهاد التام أن يبذل الوسع في طلبه بحث يحس من نفسه العجز عن مزيد طلب (1)
ثانيا: المجتهد فيه: وهو كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي، واحترزنا بالشرعي من العقليات ومسائل الكلام، فإن الحق فيها واحد والمصيب واحد، والمخطئ آثم، وإنما نعني بالمجتهد فيه مالا يكون المخطئ فيه آثما كوجوب الصلوات الخمس والزكاة وما اتفقت عليه الأمة من جليات الشرع فيها أدلة قطعية يأثم المخالف لها، فليس ذلك محل الاجتهاد، فإذا صدر الاجتهاد التام من أهله وصادف محله كان ما أدى إليه الاجتهاد حقا وصوابا (2) قال: أبو الحسين البصري (3) رحمه الله.
المسألة الاجتهادية هي التي اختلف المجتهدون في حكمها الشرعي وهذا ضعيف، لأن جواز اختلاف المجتهدين فيها مشروط بكون المسألة اجتهادية فلو عرفنا كونها اجتهادية. بخلافهم فيها لزم الدور (4) .
هل الاجتهاد في جميع المسائل؟ لا يمكن وقوع الاجتهاد في كل مسألة فقهية، بل فيما هو خفي منها، إذ الظاهر أنه لا يتحقق بذل الوسع في المسائل الواضحة فيطلبها لأنها تنال بأدنى تأمل" (5) .
__________
(1) الامام حجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي، المستصفى من علم الأصول، ج2 ص170 وانظر المحصول في علم الأصول الفقه للرازي (ج6 ) ص6
(2) للأمام حجة الاسلام الغزالي المستصفى من علم الأصول، ج2 ص173
(3) هو محمد بن علي بن طيب البصري، شيخ المعتزلة، وصاحب التصانيف الكلامية، توفى ببغداد في ربيع الآخرة سنة ست وثلاثين وأربع مئة وقد شاخ. ( سير أعلام النبلاء ج14 )
(4) المحصول في علم الأصول الفقه للرازي ج6 ص27-29 وانظر الاجتهاد في الأسلام لدكتورة نادية شريف العمري ص50
(5) بدر الدين محمد بن بهادر بن عبدالله الشافعي، البحر المحيط في أصول الفقه للزركسي(ج6) ص206 – 227
(1/12)
وقال السالمي: فهو في القضية التي يطلب حكمها ولم يوجد فيها حكم عن الله تعالى في كتابه ولا على لسان رسوله ولم ينقل في حكمها إجماع من المسلمين فإن كان في الحادثة شيء من الأحكام الثلاثة وجب اتباعه وحرمت مخالفته إجماعا وإن لم يوجد فيها من الأصول الثلاثة وجب الاجتهاد على من أطاقه من الأمة وفيها يلزم العامي التقليد إذا شاء العمل (1)
ثالثا: المجتهد لأجله وهو الحكم
ذهب الجاحظ وعبدالله بن الحسن العنبري إلى أن كل مجتهد في الأصول مصيب، وليس مرادهم من ذلك مطابقة الاعتقاد فإن فساد ذلك معلوم بالضرورة وإنما المراد نفي الإثم، والخروج عن عهدة التكليف (2)
رابعا: المجتهد هو المستفرغ وسعة في درك الأحكام الشرعية ذو الملكة. وهي الهيئة الراسخة في النفس يدرك بها العلوم وهو الشديد الفهم بالطبع لمقاصد الكلام
الدرجة الوسطى لغة وعربية من نحو وتصريف وأصولاً وبلاغة من معان وبيان ومتعلق الأحكام من كتاب وسنة (3) .
وقال الشوكاني: المجتهد هو الفقيه المستفرغ لوسعه لتحصيل ظن بحكم شرعي، وثبت له ملكة يقتدر بها على استخراج الأحكام من مآخذها، بأن يكون بالغا عاقلا مؤمنا بالله ورسوله واليوم الآخر ومتمكنا من استنباط الأحكام الشرعية (4)
__________
(1) العلامة أبي عبدالله بن حميد السالمي طلعة الشمس ج2 ص302-303
(2) المحصول في علم الأصول الفقه للرازي (ج6) ص30
(3) نهاية السول، للبضاوي (ج4) ص528 وانظر حاشية البناني ج2 ص589 - 590
(4) إرشاد الفحول لتحقيق الحق في علم الاصول للشوكاني المجلد الثاني ص 292 وانظر البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي (ج6) ص227
(1/13)
قال د/ عبد الكريم زيدان: "فلا يعتبر الشخص مجتهد ولا فقيها إذا عرف الأحكام الشرعية بطريق الحفظ والتلقين أو بتلقيها من الكتب أو من أفواه العلماء بلا بحث ولا نظر ولا استنباط" (1)
المطلب الثالث:
ذكر مراتب الاجتهاد والكلام عليها مرتبة مرتبة
أَوَّلاً: المجتهد المطلق:
هو الذي يستخرج الأحكام من الكتاب والسنة ويقيس، ويفتي بالمصالح إن رآها، باستخدام قواعد لنفسه ويبني عليها الفقه من غير نظر إلى قواعد المذاهب المقررة. ومن هؤلاء فقهاء الصحابة، والتابعين أمثال سعيد بن المسيب (2) وجابر بن زيد وغيرهم من الأئمة الكبار.
ثانيا: المجتهد المطلق المنتسب.
هو الذي اختار أقوال إمامة في الأصول وخالفه في الفرع، إذ أنه لم يقلد إمامه، ولكنه سلك طريقته في الاجتهاد (3) .
ثالثا: المجتهد في المذهب
هو الذي يتقيد بأصول مذهب معين باستخلاص العلل الفقهية التي بنى عليها الأئمة مذاهبهم واستنباط منها المسائل التي لا دراية فيها عن إمام المذهب (4)
رابعا: مجتهد التخريج:
__________
(1) ... االوجيز في أصول الفقه، للدكتور عبد الكريم زيدان ص403 وانظر االوجيز في أصول الفقه، للدكتور عوض احمد إدريس ص185.
أصول السرخسي للأمام أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل المجلد الثاني ص174. وأنظر الاجتهاد والتقليد في الشريعة الاسلامية للدكتور محمد الدسوقي ص20-21، وأنظر الاجتهاد في الإسلام للدكتورة نادية شريف العامري ص49.
(2) أصول العامة للمفقه المقارن للعلامة محمد تقي الحكيم ص591 أصول الفقه لمحمد أبي زهرة ص389، أصول الفقه الإسلامي لدكتور وهبة الزجلي ج3 ص1080
(3) أصول الفقه لمحمد أبي زهرة ص393، االوجيز في أصول الفقه، لدكتور عوض أحمد إدريس ص189
(4) أصول الفقه لمحمد أبي زهرة ص395، أصول العامة لمحمد تقي الحكيم ص591، االوجيز في أصول الفقه، للدكتور عوض احمد إدريس ص190، شرح الكوكب المنير للعلامة ابن النجار ج4 ص467
(1/14)
وهو الذي لا يتجاوز تفسير قول مجمل من أقوال أئمتهم أو تعيين وجه معين لحكم يحتمل وجهين، بل يزيل الخفاء والغموض الذي يحصل في بعض أقوال الأئمة وأحكامهم معتمدا على أدلة أصول إمامة وقواعده مثاله: إذا أفتى المجتهد في مسألتين متماثلتين بحكمين مختلفين في وقتين، فيجوز نقل الحكم وتخريجه من كل واحد منهما إلى الآخر، ما لم يفرق بينهما، أو يقرب الزمن (1) .
خامسا: مجتهد الترجيح:
وهو الفقيه المتبحر في مذهب إمامه أصولا وفروعا المتمكن من ترجيح قول على آخر بقوة الدليل، مما لا يعد استنباطا جديدا مستقلا بالإسناد إلى الأدلة ومرجحاتها وأصول الأمام كأن يقول المجتهد هذا أصح رواية، وهذا أولى
النقول بالقبول، أو هذا أوفق للقياس أو أوفق الناس وغير ذلك من الأمثلة (2)
سادسا: المجتهد في المسائل لا رواية فيها
ويكون ذلك عن إمام المذهب وفق الأصول المجعولة من قبله، وبالقياس على من اجتهد فيها من الفروع (3)
سابعا: مجتهد الفتيا:
هو الذي يقوم بحفظ المذهب ونقله وعلمه في الواضحات والمشكلات، ولكن عند ضعف في تقدير أدلته وتحرير أقيسته (4)
ثامنا: المقلد:
والتقليد هو قبول قول بلا حجة ملزمة، وهو في اللغة مأخوذ من القلادة التي يقلد الغير بها. ومنه تقليد الهدى، فكأن المقلد جعل ذلك الحكم الذي قلد فيه المجتهد كالقلادة في عنقه.
أما في الاصطلاح: فهو الذي يأخذ برأي الغير دون أن يبحث في الدليل الذي اعتمد عليه في هذا الرأي.
__________
(1) أصول العامة لمحمد تقي ص592، أصول الفقه لأبي زهره ص399، وأصول الفقه الإسلامي لدكتور وهبه الزحيلي ج2 ص1080
(2) أصول العامة لمحمد تقي ص592، أصول الفقه لأبي زهرة ص397، أصول الفقه الإسلامي لوهبة الزحيلي ج2 ص1080، االوجيز في أصول الفقه، لعوض احمد إدريس ص190
(3) أصول العامة لمحمد تقى ص592
(4) أصول الفقه الإسلامي لدكتور وهبه الزحيلي ج2 ص1080
(1/15)
وقد وصفهم ابن عابدين بقوله: لا يفرقون بين الغث والسمين، ولا يميزون الشمال من اليمين، بل يجمعون ما يجدون كحاطب ليل، فالويل لمن قلوبهم كل والويل. فهم يتعبدون بعبارة الكتب لا يتجاوزون ما فيها ولا يميزون بين الأدلة ولا الأقوال ولا الرواية (1) .
المطلب الرابع:
في ذكر أحكام الاجتهاد والكلام على كل حكم
قال السالمي: "يلزم المجتهد أن ينظر في الأدلة ويستخرج حكم القضية في حالتين:
1. ماذا سأله عن رأيه في تلك القضية وكان السائل محتاجا للعمل بها.
2. ما إذا شاء المجتهد أن يعمل في شيء مما يصح الاختلاف فيه فإنه يلزم أن ينظر في أقوى الإمارات ويأخذ بمقتضى أرجحها.
فإن تعارضت معه الأدلة وجب عليه الوقوف ويلتمس الأرجح فإن عدم الأرجح فقيل يرجع إلى حكم العقل وقيل بل يقلد الأعلم إن كان عنده أعلم منه في العلوم كلها أوفي الفن في الحادثة، وقيل يتخير واحدا من الأدلة له فيعمل (2)
وقال د/ بدران: إن الاجتهاد ينقسم إلى ثلاثة أقسام
1. يجب وجوبا عينيا في حالتين:
أ- من سئل عن حادثة وقعت فعلا وتعين على المجتهد بيان حكمها وضاق الوقت بحيث يخاف فواتها إن لَم يجتهد فيصدر حكمه فيها.
ب- المجتهد الذي تنزل به الحادثة، ويريد معرفة حكمها فإنه يجب عليه أن يجتهد ولا يجوز له أن يقلد غيره في حق نفسه ولا في حق غيره (3)
2. يجب الاجتهاد وجوبا كفائيا في حالتين:
(
__________
(1) الوجيز في أصول الفقه، لدكتور عوض احمد إدريس ص190، أصول الفقه لأبي زهرة ص398.
(2) شرح طلعة الشمس للسالمي ج2 ص285 – 286
(3) راجع أصول الفقه للخضري 361، المستصفى ج3 ص181 نهايه السول ج2 ص556 البحر المحيط في أصول الفقه ج6 ص206 تيسير التحرير على كتاب التحرير في أصول الفقه 3-4 ص180 أصول الفقه الاسلامي للبدران 482 االوجيز في أصول الفقه، 407 وهبه الزحيلي ج3 ص1055
(1/16)
أ ) إذا سئل المجتهد عن حكم حادثة نزلت بفرد من الأفراد، وهناك غيره من المجتهدين، ولم يخف فوت الحادثة، فإذا تركوه كلهم أثموا جميعا وإذا أفتى أحدهم بعد اجتهاده سقط الطلب في الجميع.
(ب ) إذا تردد الحكم بين قاضيين مشتركين في النطق فإن الاجتهاد يكون مشتركا بينهما، فأيهما اجتهد وتفرد بالحكم سقط عن الآخر (1)
وقال بهذا القول الدسوقي فقد اعتبر في نفسه أنه فرض على الكفاية لان إلزام الناس جميعا به فيه تضيع لأحوالهم، واضطراب لحياتهم وانصراف عن مجلات علمية أخرى لا بد منها لبناء مجتمع قوي في كل ميدان من ميادين حياة النافعة (2)
3. ويكون الاجتهاد مندوبا في حالتين:
(أ ) الاجتهاد في حادثة لم تقع سواء سئل عنها أو لم يسل.
(ب ) إذا استفتى أحد الناس المجتهد في حادثة لم تقع فاجتهد في حكمها (3)
وقد وافق بهذه الأحكام محمد أمين وزاد في كتابه تيسير التحرير حكما آخر من أحكام الاجتهاد وهو كونه حراما ويكون ذلك في مقابلة دليل قاطع من نص كتاب أو سنة أو إجماع (4) .
المبحث الثالث:
شروط المجتهد:
المجتهد: هو العالم بكيفية الاستنباط الطالب لحكم القضية (5) .
ولقد حدد العلماء شروطا للاجتهاد، ولا يكون العالم مجتهدا إِلاَّ إذَا توفرت لديه شروط معينة، وهي كالتالي:
__________
(1) راجع أصول الفقه للخضري367 تيسير التحرير 3-4 180 أصول الفقه الإسلامي للبدران 483 البحر المحيط ج6 ص206
(2) الاجتهاد والتقليد في الشريعة الاسلامية، للدكتور محمد الدسوقي ج1 ص43
(3) راجع أصول الفقه للخضري ص367، البحر المحيط في أصول الفقه ج6 ص206 أصول الفقه الإسلامي للبدران ص483
(4) تيسير التحرير على كتاب التحرير في أصول الفقه الجامع بين اصطلاحي الحنفية والشافعية للعلامة محمد امين 3 -4ص180 وهبه الزحيلي ج3 ص1055
(5) طلعة الشمس: السالمي، 2/ 275.
(1/17)
أوَّلا: أن يكون عالما لنصوص الكِتَاب والسنة، فَإِنَّ قصر في أحدهما لم يكن مجتهدا، ولا يجوز له الاجتهاد، ولا يشترط معرفته بجميع الكِتَاب وَالسنَّة، بل بما يتعلق منها بالأحكام.
قال الغزالي وابن العربي (1) : الواجب ما يتعلق به الأحكام، وهو مقدار خمسمائة آية (2) .
ولا تنحصر في هذا المقدار لأَنَّ في الكِتَاب العزيز آيات تستنبط منها الأحكام الشرعية أكثر فأكثر، من ذلك عَلَى من له فهم صحيح.
قال الأستاذ أبو منصور (3) : يشترط معرفته أي المجتهد ما يتَعلَّق بحكم الشرع من النصوص، ولا يشترط حفظه ما فيها، ولا معرفة المواضع، واختلفوا في القدر الذي يكفي المجتهد من السنَّة، فقيل: خمسمائة حديث، وهذا من أعجب ما يقال؛ فَإِنَّ الأحاديث التي تؤخذ منها الأحكام الشرعية ألوف مؤلفة.
وقال ابن العربي في المحصول: ثلاثة آلاف.
وقال أبو علي الضرير: قلت لأحمد بن حنبل: كم يكفي الرجل من الدين حتَّى يمكنه أن يفتي؟ يكفيه مائة ألف؟ قال: لا. قلت: مائتا ألف؟ قال: لا. قلت: ثلاثمائة ألف؟ قال: قلت: أربعمائة ألف؟ قال: لا. قلت: خمسمائة ألف؟ قال: أرجو.
وقال لبعض أصحابه: قد قال أحمد - رحمه الله -: الأصول التي يدور عليها العلم عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ألف ومائتان.
__________
(1) ابن العربي: هو مُحمَّد بن عبد الله بن مُحمَّد بن عبد الله بن أحمد المالكي، يكنى بأبي بكر، ولد سنة 468هـ من شعبان، وتوفي في ربيع الأَوَّل سنة 543هـ.انظر: أحكام القُرآن، لابن العربي، 1/ 4-7.
(2) المستصفى من علم الأصول: للغزالي، 2/ 170.
(3) هو مُحمَّد بن الحسن بن أبي أيوب، الأستاذ أبو منصور حجة الدين،صاحب البيان والحجة، والنظر الصحيح، توفي في ذي الحجة سنة 421هـ. انظر: سير أعلام النبلاء، شمس الدين مُحمَّد بن أحمد بن عثمان الذهبي، 17/ 573.
(1/18)
وقال الغزالي: أَمَّا السنَّة فيكفيه أن يكون عنده أصل مصحح لجميع الأحاديث المتعلقة بالأحكام، كسنن أبي داود والبيهقي، أَو أصل وقعت العناية بجميع أحاديث الأحكام فيه ويكتفي فيه بمواقع كُلِّ باب، فيراجعه عند الحاجة (1) .
وقال النووي: لا يصح التمثيل بسنن أبي داود فإنها لم تستوعب الصحيح من أحاديث الأحكام، ولا معظمها، وكم في صحيح البخاري ومسلم من حديث حكم ليس في سنن أبي داود؟ والحق الذي لا فيه ولا شبهة من هذا الباب أَنَّ المجتهد لا بد أن يكون عالما بمجاميع السنَّة التي صنفها أهل الفن، كالأمهات الست وما يلحق بها، مشرفا عَلَى ما اشتملت عليه المسانيد، والمستخرجات، والكتب التي التزم مصنفوها الصحة، ولا يشترط حفظها بل يكفي استخراجها من مواضعها، بالبحث عنها عند الحاجة، وأن يميز بين الصحيح منها والحسن والضعيف، بحيث يعلم حال رجال الإسناد، ولا يشترط حفظ الرجال، بل أن يتمكن بالبحث في كتب الجرح والتعديل، مع كونه مِمَّن له معرفة تامة بما يوجب وما لا يوجب من الأسباب، وما هو مقبول منها وما هو مردود، وما هو قادح من العلل، وما هو غَير قادح (2) .
وقال السالمي: يشترط أن يكون عالما بالكتاب محكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، وخاصه وعامه، ومجمله ومبينه، ومطلقه ومقيده، وغير ذلك من الأحكام، وأن يعرف الآيات التي تستخرج منها الأحكام.
ومن شروطه: أن يكون عالما بالسنَّة وبأحكامها وناسخها ومنسوخها، وخاصها وعامها، وآحاديها ومتواترها، والمستنبط منها من الأحكام وغَير ذلك. ولا يشترط حفظها؛ لأَنَّ كثيرا من مجتهدي الصحابة كانوا لا يحفظون القُرآن ولا جميع الأحاديث عن ظهر القلب، وَإنَّمَا حفظوا منه ما شاء الله أن يحفظوا (3) .
__________
(1) المستصفى: للغزالي، 2/ 170- 171.
(2) إرشاد الفحول إلى تحقيق الْحَقِّ من علم الأصول: للشوكاني، 2/ 292- 295.
(3) طلعة الشمس: السالمي، 2/ 267- 277.
(1/19)
قال مُحمَّد أبو زهرة في كتابه: اختلف العلماء في مسألة حفظ القُرآن؛ هل يشترط حفظه كُلّه؟ قال بعضهم: لا يشترط حفظه عن ظهر قلب، بل يكفي معرفة مواقع، حتَّى يرجع إليه عند الحاجة.
روي عن الإمام الشافعي أَنَّه اشترط للمجتهد حفظ القُرآن كله واستيعابه لِكُلِّ ما اشتمل عليه.
ولا شك أَنَّ أقصى درجات العلم بالقرآن أن يكون حافظا له حفظا كاملا عالما لمعانيه في الجملة دارسا ما تضمنته من الأحكام، عارفا بآيات الأحكام، ملما بأقوال الصحابة في تفسير هَذِه الآيات لتعلم منها المقاصد والغايات.
أَمَّا السنَّة: فلا يشترط أن يكون حافظا للسنة المتعلقة بالأحكام، بل الشرط أن يعلم مواضعها، وطرق الوصول إليها، وأن يكون عالما بالرجال وأحوالهم في الجملة (1) .
ثانيا: أن يكون عارفا بمسائل الإجماع، حتَّى لا يفتي بخلاف ما وقع الإجماع عليه، إن كان مِمَّن يقول بحجية الإجماع، ويرى أَنَّه دليل شرعي، وقل أن يلتبس عَلَى من بلغ رتبة الاجتهاد ما وقع عليه الإجماع من المسائل (2) .
وقال الإمَام الغزالي: أن تتميز عنده مواقع الإجماع، ومورد النصوص حتَّى لا يفتي بخلافهما، والتحقيق في هذا الأصل أَنَّه لا يلزمه أن يحفظ جميع مواقع الإجماع والخلاف، بل كُلّ مسألة يفتي فيها، فينبغي أن يعلم أَنَّ فتواه ليست مخالفة للإجماع، إما بأن يعلم أَنَّها موافقة لمذهب العلماء أيا كان، أو يعلم أَنَّ هَذِه الواقعة متولدة في هذا العصر، ولم يكن لأهل الإجماع فيها خوض (3) .
وهذا القول يميل إليه الشيخ مُحمَّد الخضري (4) .
__________
(1) أصول الفقه: مُحمَّد أبو زهرة، 382-383.
(2) إرشاد الفحول: الشوكاني، 2/ 295.
(3) المستصفى: للغزالي، 2/ 171.
(4) وأصول الفقه: الخضري، 368.
(1/20)
وقال بهذا الشرط مُحمَّد أبو زهرة، وذكر مواضع الإجماع التي لا شك في وجود الإجماع بالنسبة لها، وهي أصول الفرائض، فَإِنَّ الأخبار قد تواترت بالإجماع عليها، وأصول المواريث، والمحرمات التي جاء بها القُرآن وَالسنَّة، وقد انعقد الإجماع عَلَيها، وغير ذلك من المقررات الإِسلاَمية التي أجمع عليها العلماء من عهد الصحابة إلى عهد الأئمة المجتهدين، ومن جاء بعدهم، ولا يشترط أن يحفظ كُلّ مواضع الإجماع حفظا يستظهره في عامة أحواله، بل عليه أن يكون عَلَى معرفة بموضع الإجماع فيما إذَا كان إجماع، وموضع الاختلاف إن كان اختلاف (1) وقال بهذا الشرط الشيخ مُحمَّد الخضري فقد ذكر أَنَّه ليس من اللازم أن يحفظ جميع مواقع الإجماع والاختلاف (2) .
واشترط الإمَام السالمي أيضا عَلَى المجتهد أن يكون عالما بالمسائل التي أجمعت عليها الأُمَّة لئلا يخالف اجتهاده الإجماع أحد الأدلة الشرعية أَنَّ الاجتهاد إِلاَّ أن يتوقف عَلَى وجود قول الصحابة في المسألة، كما اشترط بذلك ابن بركة أَو موافقة أقوال من تقدمه، وتخصيصه بهذا مفض إلى وجوب التقليد في كثير من المسائل الاجتهادية، بل الصحيح أَنَّ الاجتهاد ثابت فيما عدا الكِتَاب وَالسنَّة والإجماع (3) .
ثالثها: أن يكون عالما بلسان العرب، بحيث يمكنه تفسير ما ورد في الكِتَاب وَالسنَّة من الغريب ونحوه، ولا يشترط حفظها عن ظهر قلب، بل أن يتمكن من معرفة معانيها، وخواص تراكيبها، وما اشتملت عليه من لطائف المزايا، من كان عالما بعلم النحو، والصرف والمعاني والبيان، حتَّى يثبت له في كُلّ فن من هَذِه الفنون ملكة يستحضر بها كُلّ ما يحتاج إليه عند وروده عليه.
قال الإمَام الشافعي: يجب عَلَى كُلِّ مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما يبلغه بهذه في أداء فرضه.
__________
(1) أصول الفقه: مُحمَّد أبو زهرة، 383.
(2) أصول الفقه: الخضري، 368.
(3) طلعة الشمس: السالمي، 2/ 278.
(1/21)
قال الماوردي: ومعرفة لسان العرب فرض عَلَى كُلِّ مسلم من مجتهد وغيره (1) .
قال الغزالي: فعلم اللغة والنحو أعني: القدر الذي يفهم به خطاب العرب وعادتهم وخاصة في الاستعمال إلى حد يميز بين صريح الكلام وظاهره ومجمله وحقيقته ومجازه، وعامه وخاصه، ومحكمه ومتشابهه، ومطلقه ومقيده، ونصه وفحواه، ولحنه ومفهومه، والتحقيق فيه أَنَّه لا يشترطها أن يبلغ درجة الخليل والمبرد، وأن يعرف جميع اللغة ويتعمق في النحو، بل القدر الذي يتَعلَّق بالكتاب وَالسنَّة، ويستولي به عَلَى مواقع الخطاب، ودرك حقائق المقاصد منه (2) .
ووافق بهذا الكلام الشيخ مُحمَّد الخضري (3) .
وقال أبو زهرة: إِنَّ عَلَى المجتهد أن يكون عالما باللغة العرَبيَِّة، لأَنَّ القُرآن نزل بهذه اللغة وَالسنَّة، وكذلك نزلت بهذه اللغة، وعلى هذا يجب عَلَى المجتهد أَلاَّ يتقاصر عن معرفة أسرارها في الجملة لأَنَّ الأحكام التي يتصدى المجتهد لاستنباطها، وعاؤها أدق الكتب وأبلغها، وأن يكون عليما بأسرار البلاغة، ليتسامى إلى إدراك ما تضمنته من أحكام (4) .
وقال السالمي: في اشتراط اللغة: عَلَى المجتهد أن يكون عالما بالنحو، عارفا بأحكام أواخر الكلمات بناء وإعرابا التي تكون موجودة الأدلة الشرعية من الكِتَاب وَالسنَّة والكلمات التي تمس الحاجة إليها في استنباط الأحكام، كالإقرارات وألفاظ البيوع والتزويج وغير ذلك.
__________
(1) إرشاد الفحول: الشوكاني، 2/ 296.
(2) المستصفى: الغزالي، 2/ 172.
(3) أصول الفقه: الخضري، 368.
(4) أصول الفقه: أبو زهرة، 380.
(1/22)
وأن يكون عالما باللغة أي: عارفا بمعاني الكلمات العرَبيَِّة وبمسمَّياتها. ومن شروطها أن يكون عالما بالصرف، أي عارفا بتغيير أبنية الكلمات العرَبيَِّة، وبمقتضى كُلّ صيغة منها، وأن يكون عالما بالبلاغة، أي عارفا بمطابقة مقتضى الحال في المخاطبات، ومقتدرا عَلَى التعبير عن المعنى الواحد بطرق مختلفة في الوضوح والخفاء (1) .
رابعها: أن يكون عالما بعلم أصول الفقه؛ لأَنَّهُ عماد فسطاط الاجتهاد، وأساسه الذي يقوم عليه، وأركان بنائه، وعليه أيضا أن ينظر في كُلِّ مسألة من مسائله نظرا يوصله إلى ما هو فيها، فإنها تساعده من رد الفروع إلى أصولها، بأسهل عمل، وإذا قصر في هذا الفن ص

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

تواصل معنا

أكثر من 600,000+ يتابعون موقعنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي إنظم إلينا الآن

عن الموقع

author مكتبة أهل الحق والإستقامة <<   مكتبة أهل الحق والإستقامة..موقع يهتم بنشر الكتب القيمة في مختلف الجوانب (فقه..عقيدة..تاريخ...الخ) عند المذهب الإباضية من نتاج فكري.

أعرف أكثر ←

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *