الكتاب : الإباضية في ميدان الحق لناصر المسقري
ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطلوع
الإباضية في ميدان الحق
ناصر بن مطر بن سعيد المسقري
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل : " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الداعي إلى الوحدة والوئام والناهي عن الفرقة والخصام وعلى آله وصحبه الكرام
وبعد ،،،
إن التباين و الاختلاف سمة من سمات البشر تعود إلى طبيعة العجز البشري ، وقد ابتليت بالافتراق كل الأمم ولم تسلم حتى أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - التي أرسل الله إليها أعظم رسول وأنزل إليها أجلّ كتاب حذرت فيه من الفرقة حيث قال الله سبحانه " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " آل عمران 103 ، وقال سبحانه " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم " آل عمران 105 ، وقال سبحانه " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " الأنفال 46 ،
? ليس العيب أن يخطئ الإنسان أو يقصر أو يخالف فلا كمال إلا لله ، فالخطأ مع الاستغفار يغتفر وإن كان فادحا ولكن الذي لا يغتفر هو خلق مكابرة الحق بالباطل والإصرار عليه والاستكبار عن الرجوع للحق والإعراض عن منهج القرآن الذي فيه هداية الناس والذي أمر الله سبحانه وتعالى فيه أن يحتكم إليه في أي نزاع حيث قال سبحانه " يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا " النساء 59 ،
? وليس عيبا النقد التقويمي والبَنّاء ، بل هو أحد خصائص الإسلام الكبرى وهو وظيفة اجتماعية ضرورية لكشف جوانب الخطأ لأن الإنسان قد لا يكتشف خطأه أو خطأ جماعته وقد يصعب عليه الاعتراف بالخطأ ويحاول الهروب منه ، ملقيا اللوم على غيره .
(1/1)
? وإنما العيب تلك الحملة الهوجاء التي يشنها أصحاب بعض الفرق الإسلامية على الفرق الأخرى لمحاولة تشويه تلك الفرق وطمس حقيقتها وتفريق أمة الإسلام التي لا يستفيد منه إلا أعداء الله الذين يكيدون للإسلام ليل نهار من غير هوادة 0
? والإباضية ممن أصلوا بنار الفتنة التي أوقدها هؤلاء المتعصبون الذين توجههم السياسة الماكرة وأهواؤهم النفسية معرضين عن تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تدعو للوحدة وتحذر من الفرقة وتحذر من الكذب وظلم الآخرين وتدعو إلى العدل مهما بلغ بغض أولئك القوم يقول الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط و لا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إنّ الله خبير بما تعملون "سورة المائدة 8
? فهذه الحملة التعسفية التي شنها هؤلاء على الاباضية بالافتراءات التي سطروها في كتبهم أو بما تفوهت به ألسنتهم لطمس الحق بإخفاء حقيقة المذهب الإباضي عن الناس هي سبب كتابة هذه الرسالة الصغيرة الني سميتها " الإباضية في ميدان الحق " لإزاحة ركام الباطل وظلمة الظلم بنور الحق الذي جاء به القرآن والسنة النبوية وذلك بالاحتكام إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم واتباع هديهما في قول الصدق وقبول الحق " ضمنتها خمسة فصول : الأول في معرفة الحقيقة والثاني في ذكر بعض الادعاءات على الإباضية وبيان كذبها وثالثها في مفاهيم يجب أن تختفي والرابع في المسائل الخلافية وختمت ذلك بذكر أدلة استقامة الإباضية ، هذا وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
ناصر بن مطر بن سعيد المسقري 0
الفصل الأول
معرفة الحقيقة وأسباب الجنوح الفكري
الباب الأول
الطريق الصحيح لمعرفة الحقيقة
(1/2)
? إن من يريد الخير لأمة الإسلام عليه أن يبحث عن الحقيقة ويعبر عنها كما هي وهذا سيقرب المسلمين من بعضهم حيث أن نقاط الخلاف تكون قليلة جدا بخلاف الحاقدين الذين يجعلون الخلاف يزيد ويتسع فإذا كان في خمس نقاط يجعلونه عشرا 0
? ولا يمكن أن يصل الباحث إلى الحقيقة وهو يبحث عنها من غير مصدرها فكيف يعرف حقيقة فرقة من عند خصومها – إن صح التعبير –
? وكذلك لا يمكن أن يصل إلى الحقيقة إلا باستقراء تام للفرقة أو الموضوع وأيضا لا يمكن الوصول إلى الحقيقة إلا بالتخلص من أسباب الخطأ والجنوح الفكري الذي يعمي الإنسان ويصمه فيرى مالا ترى عيناه ويسمع مالا تسمع أذناه .
? ولقد أجاد العلامة الشيخ عبدالرحمن الميداني في كتابه " بصائر للمسلم المعاصر " في إيضاح الطريق التي توصل إلى الحقيقة وإيضاح أسباب الجنوح الفكري التي تبعد الإنسان عن إدراك الحقيقة .
? ومن تمام الفائدة نبقى مع العلامة الميداني نقلت ذلك مع بعض التصرف بالاختصار والزيادة.
يقول الميداني في الكتاب المذكور :-
( إن لكل أمر حقيقة ، ولكل حقيقة حدود ومقادير وكل إدراك أو تعبير عنه يهدف إلى إصابة الحقيقة ولو دعاء له أحد الوجوه التالية :-
(1) أن يطابق الحقيقة مطابقة تامة وهو تمام الحق 0
(2) أن يزيد عليها من غيرها وذلك تجاوز وغلو وفيه من الباطل بقدر الزيادة 0
(3) أن ينقص منها وذلك تقصير أو قصور فإن كان مع إدعاء المطابقة ففيه باطل بقدر النقص .
(4) أن ينحرف عن مطابقتها وذلك تجاوز وقصور وفيه من الباطل بمقدارهما إن كان مع إدعاء المطابقة .
(5) أن يخرج عن الحقيقة خروجا كليا وهو إدراك أو تعبير كله باطل .
? إن الزيادة على حدود الحقيقة التي يوجه لها الإدراك مع تصور أو ادعاء إن هذه الزيادة داخلة في حدود الحقيقة تعميما فاسدا غير مطابق للحقيقة يسند إليها أحكاما وصفات ليست لها .
(1/3)
? والتعميم الفاسد في الحكم قد ينجم عنه قلب الحق باطلا والباطل حقا ، والمعمم تعميما فاسدا قد يقبل المذهب كله لأنه قد رأى بعضه حقا ، وقد يرفض المذهب كله لأنه قد رأى بعضه باطلا.
? إن على الباحث طالب الحق أن يجزئ عناصر الموضوع العام أو عناصر المذهب ، ويبحث كل جزء فيه بحثا مستقلا ويعطي حكمه عليه بالدليل ولا يصح له أن يعطي حكما عاما بالصحة لمجرد أن رأى بعض عناصر الموضوع صحيحة أو رأى بعض مسائل المذهب صحيحة ، فكثير من الأخطاء تأتي من الحكم على الكل بسبب ما اقتضاه الحكم على البعض ويسقط في الخطأ أو الغلط هنا فريقان :-
(أ) فريق يحكم ببطلان كل عناصر الموضوع أو المذهب وقضاياه ومقولاته لأنه رأى خطأ أو بطلانا في بعضها 0
(ب) وفريق يحكم بالصحة لكل عناصر الموضوع أو كل مسائل المذهب وقضاياه ومقولاته لأنه رأى بعضها صحيحا 0
? والمنهج الفكري السليم الذي يجب إتباعه في الأحكام التعميمية هو أن الجزم بالتعميم لا يكون إلا باستقراء تام لكل الوحدات الجزئية التي تدخل في العموم ، لأن الاستقراء الناقص دلالته ضعيفة لا يصلح الاعتماد عليه ، و إن على الباحث أن يقسم الموضوع إلى عناصره ليعرف مدى صحة كل عنصر حتى يأتي عليها كلها ولا يغتر بالعناصر الصحيحة لأن قليلا من السم يكفي للإفساد (1)
? إن معظم السقطات الشنيعة تأتي من التعميمات الفاسدة ومن الأمثلة على التعميمات الفاسدة رفض كل ما عند المذاهب المخالفة لأن بعض ما فيها باطل ، واعتقاد أن كل مسائل المذهب الذي ينتمي إليه المعمم هي حق ، مع أنه لا يفحص كل مسألة من مسائله فحصا عمليا استدلاليا . إن مثل هذا التعميم لا يقبل به منطق الحق ، إنما يدفع إليه التعصب والجهل وعدم البصيرة العلمية الربانية . (2)
الباب الثاني
أسباب الخطأ أو الجنوح الفكري
السبب الأول
__________
(1) بصائر للمسلم المعاصر ، عبد الرحمن الميداني ، ص68
(2) المرجع السابق ، ص77
(1/4)
الوهم الناشئ عن اضطراب نفسي أو عدم اتزان فكري :
فكم يكون الخطأ أو الجنوح الفكري عن الحقيقة ناشئا عن الوهم الذي يحدثه الخوف أو الطمع أو الشهوة العارمة أو الغضب ، وبالوهم يرى الرائي ما لا ترى عيناه ويسمع ما لا تسمع أذناه ويصغّر الكبير ويكبّر الصغير (1) فيجانب الحقيقة ولا يقبل النصح والإرشاد .
? فكم من أخطاء تقع بهذه الأسباب .
? فكم من أناس وقعوا في الباطل ومعصية الله بسبب الخوف .
? وكم من أخطاء وقعت بالطمع ربما من أقلها أن يزوج الرجل ابنته لمن يدفع له أكثر .
? وكم وقع العشاق في ضياع لحياتهم بسبب متابعة شهواتهم .
? وأما الغضب فأخطاؤه كثيرة جدا ، يقول صاحب تهذيب الإحياء : وأما أثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش من الكلام الذي يستحي منه ذو العقل ويستحي منه قائله عند فتور الغضب ، وربما انطلقت لسانه بما يسبب له مشاكل اجتماعية مثل الطلاق ، وأما أثره على الأعضاء فالضرب والتهجم والتمزيق والقتل والجرح عند التمكن من غير مبالاة . (2)
السبب الثاني
ضعف الإدراك أو وسيلته مع الغرور النفسي :
? ينتج عن هذا السبب توهم كمال الإدراك وكمال الوسيلة ثم ينتج عنه توهم معرفة الحقيقة معرفة كاملة مستوعبة .
? والغرور بالنفس ينفخ فيها حتى تتورم تورما مرضيا فيغشي البصيرة والفكر وأدوات الحس وقد يطمسها أحيانا فيقع المغتر في أخطاء كثيرة تجر عليه ولمن تبعه نكبات وبلايا وشرور عظيمة .
? إن الغرور بالنفس يصيب الأفراد والجماعات .
? ومن هنا وقع الذين ينكرون الغيبيات كالملائكة والجن توهما منهم بأن لديهم الأداة المدركة مع وسائلها التي تجعلهم يدركون حقيقة الواقع بصفة استغراقية فما لم يدركوه فهو غير موجود .
__________
(1) بصائر للمسلم المعاصر ، مرجع السابق ، ص96
(2) المهذب من إحياء علوم الدين ، صالح أحم السامي ، ج2 ، ص 101 .
(1/5)
? وهذا الغرور بوسائلهم الضعيفة قد عطّل عقولهم عن التسليم بالبديهة التي تقرر أن عدم وجدان صاحب الإدراك الناقص للشيء لا يدل على عدم وجود ذلك الشيء). (1)
? وكم من إنسان يغتر بكثرة أتباعه وحزبه أو مذهبه فلا يلتفت إلى غيره معتقدا أنه مصيب للحق وللطريقة السليمة والكثرة هي دليل ذلك مع أن كثرة الناس في إتباع شيء معين لا تدل على أنه حق ، ويدل على ذلك القرآن والواقع وسنوضحه في موضعه إن شاء الله .
السبب الثالث
انحراف النظر عن رقعة الحقيقة :
? وهذا نوع من الحول الفكري ( فقد يبدأ النظر برؤية الأجزاء الأولى من الحقيقة ثم ينحرف عنها فيغره البدء الصحيح ثم لا يدرك أنه قد انحرف عن الحقيقة بعد ذلك ،كمن يبدأ السير في طريق بداية صحيحة ثم يسير غير متحرٍ لصحة مسيره مع كل خطوة ويضل ولا يصل إلى الهدف بل يقع في المتاهات وهو يزعم أنه على صواب متوهما ذلك بسبب بدايته الصحيحة ).
السبب الرابع
اشتباه الحقيقة بما جاورها :
? بهذا السبب تختلط أرض الحقيقة بما جاورها فيحدث الخطأ وقد نبّه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على ضرورة أخذ الحذر من الوقوع في المشتبهات في الحديث الذي رواه مسلم والبخاري عن النعمان بن بشير – رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول " إن الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام00000" الحديث .
السبب الخامس
تشابه الحقائق في صفاتها ولو تباعدت :
? قد ينشأ الخطأ عن تشابه الحقيقة مع غيرها في الشكل أو الصورة أو اللون أو غير ذلك ولو لم يكن المتشابهان متجاورين كمن يرى السراب ماء .
__________
(1) بصائر للمسلم المعاصر ، مرجع سابق ، ص99 .
(1/6)
? وكذلك نظر الكافرين إلى أعمالهم حيث يرون أنها تشبه الأعمال التي تحقق لأصحابها السعادة فيجتهدون في سبيل ذلك ولا يصلون إلى هدفهم ، قال الله تعالى في سورة الكهف " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا (103-105
? ومن الأغلاط التي وقع فيها كثير من الناس بهذا السبب إطلاقهم على نظام الإسلام أسماء مبادئ غير إسلامية بل هي مضادة للإسلام إلا أن بينها وبين نظام الإسلام شبها جزئيا فاشتبه الأمر عليهم وساعد على هذا الرؤية الفاسدة والتسرّع في الحكم ، ومن أمثلة ذلك إطلاق أسماء الاشتراكية أو الرأسمالية أو الديمقراطية أو الدكتاتورية على نظام الإسلام الذي هو شيء آخر .
السبب السادس
ردود الأفعال الفكرية السريعة بمؤثرات نفسية :
وكثيرا ما يكون الخطأ الفكري ناشئا عن ردود الأفعال الفكرية السريعة إلى الضد الأقصى المقابل لفكرة باطلة رفضوها أو مذهب رأوا فساده فلم يقبلوه .
? وبسبب هذا الانتقال السريع الذي هو من قبل ردود الأفعال غير الواعية يتركون الأوساط التي قد تكون الحقيقة في واحد منها أو موزعة الأجزاء بين الأوساط وقد يكون ما رفضوه بعض الحق مختلطا بباطل كثير وفيما انتقلوا إليه بعض الحق مختلطا بباطل كثير وبعملهم هذا ينتقلون من خطأ إلى خطأ آخر مثل الذي فرّوا منه ، وربما يكون الذي انتقلوا إليه أفحش وأشد بعدا عن الحقيقة .
? ومثال ذلك حقد العمّال على الرأسمالية المقيتة فثاروا عليها ورفضوها لكنهم انتقلوا _ بردود الأفعال السريعة المعاكسة _ إلى الضد الأقصى فسقطوا في براثن المنظمات الشيوعية والاشتراكية وتركوا الوسط الذي هو الأنفع والأصلح والأعدل وهو نظام الإسلام ، فعندما اشتووا بنار الشيوعية المقيتة عميت بصائرهم مرة أخرى وقاموا ينادون بالرأسمالية .
السبب السابع
(1/7)
سوابق الأفكار :
? إن سوابق الأفكار الثابتة حول موضوع معين تجعل فكر الإنسان موجها شطر هذه السوابق ومحجوبا عن غيرها .
? فهي تغشي البصر والبصيرة وتجعل الفكر يجنح وينحرف عن وجه الصواب إلا في حال أن تكون سوابق الأفكار من الحقائق الواضحة غير مختلطة بباطل .
? ويضل كثير من الناس متخبطا لا يتضح له الحق ولا ينكشف له وجهه مع أن الموضوع يتعلق بقضية من القضايا الأساسية المهمّة مهما عرضت له الأدلّة والبراهين ، لا لأن الأدلة غير كافية للإقناع بالحق ولكن لأن سوابق الأفكار كان لها سلطان على عقولهم وتأثير فيها وتغشية على بعض قدرات الرؤية لديها .
? ويرجع هذا التأثر إلى عدة عوامل :
(1) الإلف فللإلف استهواء خاص يجعل المألوف محببا للنفوس ، ومحلاّ للطمأنينة والسكينة ، ويجعله مأنوسا غير مستغرب لدى العقول حتى يكون كالبديهيات التي لا تناقش ولا تحتاج إلى أدلّة أو براهين ، فهي تتمسك به على أنه حق جليّ جدا ولو كان باطلا واضح البطلان في حقيقة أمره إلا أن الإلف حجب بصيرة العقل عن فحصه وتقويمه بميزان المنطق السليم والنظر التأملي الصحيح فجعله من المسلّمات التي لا تحتاج نظرا ولا استدلالا .
(2) الاستكبار عن الاتهام بالتزام الخطأ وعدم استبصاره طوال المدة السالفة التي استبدت فيها سوابق الأفكار بقناعة العقل وارتياح النفس .
? ويبدوا أن الرجوع عن الخطأ إلى الصواب يجرح كبر المتكبرين أصحاب الأنانيات فيصرون على الخطأ ويعاندون ولو ظهر لهم وجه الحق وكثيرا ما يحجب عنهم كبرهم رؤية وجه الحق والإصغاء إلى دليله .
? وقد وقع كثير من المشركين في هذا الخطأ لأنهم صعب عليهم ترك ما ألفوه من الأصنام والرجوع إلى حقيقة التوحيد ولأن كبرهم منعهم من أن يتهموا هم وآباؤهم بأنهم كانوا في ضلال وجهل ). (1)
__________
(1) بصائر للمسلم المعاصر ، مرجع سابق ، ص135-136
(1/8)
? ونجد عند أصحاب المذاهب كثيرا من هذا العناد الصارف عن الحق فلا يقبلوا الحق في أي مسألة قال به مذهب آخر بسبب سوابق الأفكار التي سيطرت عليهم في مذهبهم وحب مذهبهم فنجد أنهم يمتنعون حتى عن الحوار في ذلك بدعوى أنه إظهار للباطل ، فلينتبه إلى ذلك لأنه من أسباب فرقة المسلمين وعدم الوصول إلى وحدتهم .
السبب الثامن
التعصب لشخص أو قوم أو جماعة أو فكرة قديمة :
? إن التعصب ظاهرة موجودة في مختلف المجتمعات البشرية وفي مختلف مستوياتها .
يقول العلاّمة عبد الرحمن الميداني : " وهذه ظاهرة تمثل انحرافا مرضيا حينما لا تكون ذات مضمون أخلاقي كريم لانتصار حزب الله وجماعة الحق فيما يدعون إليه من الحق على أننا حينئذ لا نسميه تعصبا بل هو انتصار للحق بالحق " (1) ، ولكن لا يؤخذ الانتصار للحق ذريعة لتقليد أعمى .
? والتعصب فرع من فروع الأنانية الفردية أو الجماعية ، فليحذر المسلم من اتباعها لأنها مناصرة للباطل سواء مناصرة لهواه وشهواته أو لجماعته أو لمن يواليه عامة .
? وللأسف الشديد نلاحظ أن التعصب موجود عند معظم الفرق والطوائف وأصناف الناس حتى عند العلماء .
? وهو الداء المهيمن على عقول ونفوس الماديين وأصحاب الأهواء ومتبعي الأديان المحرّفة كاليهود والنصارى .
? وموجود في دوائر جزئية عند المسلمين أيضا ، فنلاحظه عند الفقهاء والمفسرين والأدباء والشيوخ والدعاة والوعّاظ وغيرهم .
? إنهم في غمرة التعصب يندفعون اندفاع السكارى واندفاع محجوبي الأبصار إلا من زاوية الرؤية التي حصروا أنفسهم فيها فهم لا يرون إلا من خلالها ، كوحيد القرن الذي يرتبط بصره بخطوط الرؤية المتصلة برأس قرنه الذي يريد أن يبعج به بطن عدوه وهو هائج ثائر . (2)
السبب التاسع
التسرّع في الحكم مع عدم وضوح الرؤية :
__________
(1) راجع كتاب بصائر للمسلم المعاصر ، مرجع سابق ، ص 138
(2) راجع بصائر للمسلم المعاصر ، مرجع سابق ، ص 138
(1/9)
? إن التسرع والاندفاع في إصدار الأحكام دون روية ودون تحرٍّ للحقيقة ولا صبر في البحث عنها بل الاكتفاء ببادئ الرأي يوقع في أخطاء كثيرة ، يقول الشيخ أحمد بن النظر :
لا تلوميه على ما صنعا كل ما طار وشيكا وقعا (1)
? (والاكتفاء ببادئ الرأي سمة العامة والدهماء الذين تحركهم العواطف الآنية وتوجههم الانفعالات غير الواعية وتتحكم بهم الغوغائية ويشغلهم عادة أصحاب المصالح والأهواء ، ولذلك إن أكثر الأفكار المسيطرة عليهم التي تتحكم بها تعميمات باطلة ومبادئ لا تعتمد على حق وعقائد لا تستند إلى براهين ولا أدلة كافية للإقناع بل عواطف لا قيمة لها في ميزان الفكر السليم ولا في ميزان الواقع التجريبي . (2)
? وهذا ليس منهاج المسلم المستنير بالقرآن والسنة لأن القرآن الكريم حذّر من ذلك وأخبر أن ذلك يوقع في الظلم وتكون عاقبته الندامة ، قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " الحجرات 6 ، ويقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – : " التأني من الله والعجلة من الشيطان " رواه الترمذي .
? فعلى المسلم أن يضبط نفسه ولا يندفع تحت أي تأثير لإصدار الأحكام والردود السريعة ويفحص القضية فحصا دقيقا ويتأكد من صحة الخبر .
السبب العاشر
مؤثرات الأهواء والشهوات والمصالح الخاصة :
يقول الشيخ نور الدين السالمي – رحمه الله - :
حبك للشيء يغطي عيبه ويسترنّ عيبه وريبه
حبك يعمي ويصمّ فاحذر من الهوى فإنه لم يذر
بل حب ما يحبه مولاكا من دينه فهو الذي هداكا (3)
__________
(1) الدعائم ، أحمد بن النظر ، ص 133
(2) بصائر للمسلم المعاصر ، مرجع سابق ، ص 139
(3) جوهر النظام ، نور الدين السالمي ، ص 598
(1/10)
ويقول العلاّمة عبد الرحمن الميداني : " ومن شأن أهواء النفوس وشهواتها ومصالحها الخاصة أن تعمي بصيرة الإنسان وتصيبها بالعشى أو تمدّ عليها غشاوة ما فيرى الإنسان بسبب ذلك الحق باطلا والباطل حقا ، أو تختلط عليه الأمور وتلتبس في فكره صور الأشياء بنسبة ما وذلك على مقدار غلظ الغشاوة .
? ومما لا شك فيه أن الهوى الطاغي يعمي عن رؤية الحق ويصم الآذان عن سماع كلمة الحق فمن كان له هوى في اتجاه فكري معين حجب عنه هذا الهوى رؤية الاتجاهات الأخرى فهو لا يرى إلا الذي دفعه أو جذبه إليه هواه ومن يريد إقناعه بتصحيح رؤيته لغير اتجاه هواه لا يجد لديه أذنا تسمع له نصحا ، أو فكرا يفهم منه بيانا ، لأن ذهنه منصرف عنه انصرافا كليّا ، والسبب في ذلك مؤثرات الهوى التي حجبت الذهن والبصيرة عن الحقيقة وعزلت الحواس عن إدراك ما يعرض عليها ، فالعين لا ترى إلا أشكالا ورسوما وظواهر ، والأذن لا تسمع إلا أصواتا وحروفا فمخاطبتها كالذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء . (1)
السبب الحادي عشر
التقليد الأعمى :
? التقليد الأعمى ينشأ عن التعصب أو الثقة الإجمالية بالإمام المقلَّد أو الثقة بمنهجه أو طريقة اجتهاده .
? فالمقلِّد للإمام دون بصيرة في كل خطوة يخطوها يقع في كل الأخطاء التي يقع فيها إمامه تلقائيا .
__________
(1) بصائر للمسلم المعاصر ص 139-140
(1/11)
? ومن الحق أن التقليد ضرورة إذ لا يمكن أن يكون كل إنسان مجتهد بنفسه ولنا في أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أسوة حسنة حيث كان فيهم أئمة يستنبطون ويفتون وآخرون يستفتون ويعملون بما يفتيهم به أئمتهم ، لكن من الخطأ أن يدّعي المقلِّد أن إمامه على صواب وما عداه باطلا ، لأن مثل هذا الإدعاء لا يملكه إمامه نفسه لأن الاجتهاد في المسائل الاجتهادية الخلافية لا يقدم أكثر من دليل ترجيحي والدليل الترجيحي لا يعطي يقينا بأن ما وصل إليه الاجتهاد هو الحق قطعا وما عداه باطل قطعا (1) ، والعصمة للأنبياء فقط .
الفصل الثاني
افتراءات كتّاب المقالات على الإباضية
الباب الأول
أسباب التعصب ضد الإباضية
أولا: إنكارهم الظلم في كل زمان وخاصة زمن بني أمية حيث سلطت عليهم الدولة الأموية إعلامها الهادر فكالت عليهم التهم كيلا فانطلت على البعض وساعد في نشرها الطّمّاعون فيما لدى الدولة ، وليس من المستغرب وجود مثل هؤلاء الطماعين فهم موجودون في كل زمان ، كذلك ليس من المستغرب كيل التهم على المصلحين فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يسلم من ذلك ، وهذه طريقة متبعة إلى يومنا هذا .
ثانيا : كون الإباضية متفقين مع الخوارج في الخروج عن علي – كرم الله وجهه – بسبب عدم قبول التحكيم سهّل إلصاقهم بالخوارج .ومروق الخوارج من الدين سهل الافتراء على الإباضية .
ثالثا : الأكاذيب التي سطرها كتاب المقالات في كتبهم ، فكتاب المقالات الذين سطروا الأكاذيب ضلوا وأضلوا وصاروا قنطرة عبور للحاقدين سواء قصدوا ذلك أو وقعوا ضحية .
? أما كونهم ضلوا فهم مسئولون عما كتبوه يوم القيامة .
__________
(1) نقلا من كتاب بصائر للمسلم المعاصر ، مرجع سابق ، ص141 بتصرف
(1/12)
? وأما كونهم أضلوا فكتبهم أصبحت مرجعا لكل من أراد أن يعرف شيئا عن الإباضية ، ووثقوا بها فيما قالت لسببين : لكون هؤلاء الكتاب من العلماء المشهورين ، ولكون هذه الادعاءات موجودة في عدة كتب مع أن مصادر هذه الكتب غير متنوعة وإنما نقل الثاني ما كتبه الأول وهكذا .
? فكونت هذه الكتب لدى قارئها صورة بغيضة عن هذه الفرقة الإسلامية فرأى أن من واجبه حماية الناس من الوقوع فيها وإنقاذ المنتمين إليها من الضياع ، وهذا رأي في محله لو كان ما كتب عن الإباضية صحيحا لأن ما كتب عنهم ينفر منه الطبع السليم ، ولكن في الحقيقة من وقع في شباك هذه الكتب جرفه السيل وهو لا يدري ، لأن ما كتب عنهم لا يمت إليهم بصلة .
? فإن من يقرأ عن الإباضية في كتب المقالات ويقارن ذلك بكتب الإباضية يجد عجبا ، حيث لا يجد أي أثر لما كتب عنهم وذلك لأن كتّاب المقالات لم يكتبوا شيئا حقيقيا عن الإباضية بسبب أن الإباضية في نظرهم فرقة ضالة يجب أن يلقى بها في مكان سحيق ، سواء كان هذا الحكم نابعا منهم أو وقعوا ضحية لغيرهم فقاموا بالتضليل على هذا المذهب وطمس حقيقته بشتى الأساليب ، واتفاق الكثير منهم على ذلك ليس صدفة وإنما بسبب وحدة عقيدتهم عن هذا المذهب وأخذ الثاني ما كتبه الأول وتبعهم الآخرون من غير تتبع للحقيقة من كتب الإباضية مع أن بعضهم شرط على نفسه أخذ ذلك من كتبهم . باستثناء بعض الكتاب المنصفين فلهم الشكر والتقدير .
? ويدل على ما أقول :
(1) إنهم لم يكتبوا شيئا عن أئمة الإباضية مثل جابر بن زيد وأبي عبيدة وغيرهم
(2) لم يذكروا عقائد الإباضية .
(3) لم يذكروا شيئا من آراء الإباضية الفقهية .
(4) لم يذكرا إلا النزر اليسير من مبادئ الإباضية تنحصر في السياسة وحقوق المسلمين على بعضهم . بل ذكروا بدائل للتضليل
? فقسموا الإباضية إلى فرق أصلية ، وأخرى فرعية استنتجوها من وحي خيالهم لمسرحية بيع أمة وذكروا لها عقائد شرك بالله .
(1/13)
? والإباضية لا يعرفون شيئا عن تلك الفرق ولا يوجد أي ذكر لها ولا لعقائدها ولا لأئمتها في كتب الإباضية سواء الذي ألفت قبل كتب المقالات أو التي ألفت بعدها ويبرؤن منها إن كان لها وجود أصلا وممن ألصقها بهم .
? حاولوا طمس الحقيقة بالتعميمات الفاسدة حيث أنهم ألصقوا الإباضية بالخوارج والفرق الضالة وشتى الاتهامات الأخرى سأذكرها فيما بعد .
? وانتشرت هذه الافتراءات في الكتب الأخرى وعلى السنة الخطباء الحاقدين وفي الأشرطة السمعية إلى يومنا هذا مثل كتاب الإباضية الذي سيأتي الرد عليه المحشي بالأكاذيب وبقى الإباضية يعانون منها متخذين موقف الدفاع عن أنفسهم
? وما كنت اكتب كلمة واحدة مما قاله أهل المقالات السابقين مما خالفوا فيه الواقع لو أن المتأخرين اتبعوا الحق و لم يظلوا يرددون تلك الأكاذيب.
من يعرف النطق منكم صار يشتمنا كأنه فرض عين عندكم شهرا
? ولكن ما الذي حمل هؤلاء الكتّاب على هذه الافتراءات حيث دونوا اسم الإباضية وكتبوا أشياء لا تمت إليهم بصلة ؟!!
? يقول البعض ربما أن ذلك يعود إلى قلة معرفتهم بالمذهب الإباضي بسبب أن حركته كانت سرية ، وفي الحقيقة أن هذا ليس شيئا مقنعا لأمرين :
أولا :- إن كتب المقالات التي كثر فيها الكذب على الإباضية بدأ تأليفها في القرن الرابع الهجري وقبل كتابتهم هذه كان المذهب منتشرا ، ففي عمان بويع بالخلافة قبل هذا التاريخ حوالي ستة أئمة ،بدءا من الإمام الجلندى بن مسعود الذي بويع في عام 132 ه وفي المغرب الأئمة الرستميون كانت دولتهم تغطي حيزا كبيرا من المغرب العربي من الجزائر إلى ليبيا ودامت أكثر من 150 سنة ،من 144 -296 هـ وهو قبل القرن الرابع الهجري وكذلك الإمام عبدالله بن يحيى الكندي في اليمن وصل نفوذه إلى الحجاز فهل بعد هذا تعذر الحصول على المعلومات ، هذا بالنسبة للقدماء فكيف بالمتأخرين ؟
(1/14)
ثانيا :- إذا كانوا أخذوا من غير الثقات فقد وقعوا فيما نهى الله عنه حيث قال الله سبحانه : " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين "الحجرات 6 وفيما عده رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبا في قوله : " كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع " متفق عليه
ثالثا:- إن كانوا لا يعرفون شيئا عن الإباضية وكتبوا عنهم لإكمال كتبهم فقد وقعوا فيما نهى الله عنه حيث قال :- " ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) الإسراء 36
? وإن كان قد حملتهم إلى ذلك كراهية هذا المذهب فالله سبحانه نهى أن يحمل الإنسان بغضه على الظلم وأمره بدل ذلك بالعدل حيث قال عز من قائل " لا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى " المائدة 8 ) أي لا يحملكم بغض أي قوم على ظلمهم وإنما عليكم العدل في كل شيء .
وأي ظلم يعمله هؤلاء على هذا المذهب أكثر من وصفهم بالضلال ونسبة الشرك إليهم والله يقول " إن الشرك لظلم عظيم " لقمان 13
? وإن كان قصدهم الانتصار للحق لكون أنهم يرون أنفسهم على حق وغيرهم على باطل ، فإن هذه الدعوى كل يدعيها كما نص على ذلك حديث الافتراق ولكن الحق غير محتاج إلى تأييد بالباطل فالحق والباطل ضدان ، قال الله تعالى :- " وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " الإسراء 81 وقال :-" بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق " الأنبياء 18
لم تقم السماوات والأرض إلا بالحق بل لم يخلق الله هذا الكون إلا بالحق والباطل لا يأتي إلا بباطل ، كيف يدعي شخص أن الفرقة التي ينتمي إليها متبعة الحق وهو في نفس الكتابة التي كتبها لم يستطع سلوك طريق الحق ؟!
الباب الثاني
ردود على كتاب المقالات
الإباضية مع أبي الحسن الأشعري
(1/15)
? أبو الحسن من علماء القرن الرابع الهجري وهو من أوائل من كتب في الفرق الإسلامية وكتابه " مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين " أخطر كتاب حيث أن عددا كبيرا ممن جاءوا بعده اعتمدوا على كتابه إلى يومنا هذا ربما ثقة به لسعة علمه ، فيا ليته كتب الحقيقة لينال أجرها عند الله ، ولكنه كتب أشياء لا أساس لها على الأقل بالنسبة للإباضية حيث قسمهم إلى فرق ليس لها وجود عند الإباضية ونسب إليهم أقوال لا تمت إليهم بصلة . (1) حيث قال:
? الفرقة الأولى :- الحفصية إمامهم حفص بن أبي المقدام ، زعم أن بين الشرك والإيمان معرفة الله وحده فمن عرف الله سبحانه ثم كفر بما سواه من رسول أو جنة أو نار أو عمل بجميع الخبائث من قتل نفس واستحلال الزنى وسائر ما حرم الله من فروج النساء فهو كافر برى من الشرك .
? الفرقة الثانية :- يسمون اليزيدية ، إمامهم يزيد بن أنيسة ، زعم أن الله سبحانه سيبعث رسولا من العجم وينزل عليه كتابا من السماء يكتب في السماء وينزل عليه دفعة واحدة وتولى أبو يزيد هذا من شهد للنبي صلى الله عليه وسلم بالنّبوءة من أهل الكتاب وإن لم يدخل في دينه ولم يعمل بشريعته وزعم أنهم بذلك مؤمنون .
? الفرقة الثالثة :- من الاباضية أصحاب حارث الإباضي ، قالوا في القدر بقول المعتزلة وخالفوا فيه سائر الاباضية ، وقالوا دار السلطان دار كفر "
? الفرقة الرابعة :- يقولون بطاعة لا يراد الله بها على مذهب أبي الهذيل ، ومعنى ذلك أن الإنسان قد يكون مطيعا لله إذا فعل شيئا أمره الله به وإن لم يقصد الله بذلك الفعل ولا أراده به 0
? وقال بعضهم ليس على الناس المشي إلى الصلاة ولا الركوب إلى الحج ولا شيء من أسباب الطاعات التي يتوصل بها إليها إنما عليهم فعلها فقط "
__________
(1) مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ، أبو الحسن الأشعري ، ص103-111
(1/16)
? وقال جميعهم إن يستتيبوا من خالفهم في تنزيل أو تأويل فإن تاب وإلا قتل كان ذلك الخلاف فيما يسع جهله أو فيما لا يسع جهله 0
? وقالوا من زنى أو سرق أقيم عليه الحد ثم استتيب فإن تاب وإلا قتل 0
? وقال بعضهم ليس من جحد الله وأنكره مشركا حتى يجعل مع الله غيره 0
? وقال بعضهم بتحليل الأشربة التي يسكر كثيرها إذا لم تكن الخمر بعينها0
? إن الله يؤلم أطفال المشركين على طريق الإيجاب لا طريق التجويز .
? أورد أبو الحسن قصة عن بيع الإماء للمخالفين ، فذكر في هذه القصة أسماء منكرة النسب مثل إبراهيم وميمون وعبد الجبار وسلمان وثعلبة وعبد الكريم بن عجرد وأم سعيد وأورد فيها أن إبراهيم أفتى بالجواز وميمون برئ منه وقوم وقفوا وذكر في القصة أوصاف مثل العلماء والإماء وامرأة ثعلبة وتكفير بعضهم لبعض .
? إن ما قاله الأشعري لا يعدو أن يكون سطورا من الافتراءات قصد بها التشنيع على المذهب الإباضي وتكريههم إلى الفرق الإسلامية الأخرى ، ربما أن الشيخ الأشعري وقع ضحية لأصحاب الأحقاد ضد الاباضية ولكن ذلك لا يخرجه من قوله صلى الله عليه وسلم :- كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع " متفق عليه
? ويدل على ما أقول :-
أولا :- إن الأشعري قسم الإباضية إلى أربع فرق ليس لها علاقة بالمذهب الإباضي في قليل أو كثير ، فالفرق الإسلامية تنسب إلى الإمام الذي تقتنع تلك الفرق بآرائه الدينية وتأويله لنصوص العقيدة وهذا لا يوجد له أثر بين الاباضية والفرق المزعومة ، وكتب الاباضية التي ألفت قبل وبعد الأشعري شاهدة بذلك ومستعدون لتوفير أي مرجع يريده الباحث المنصف 0
? فالأئمة الذين ذكرهم مجهولون ليس لهم أي ذكر في أي كتاب من كتب الإباضية لا كتاب سيرة ولا فقه ولا عقيدة ولا غير ذلك 0
? ونرى الأشعري بنفسه أتى ببعضهم بدون أب وبعض الفرق لم يجد لها إماما قط 0
(1/17)
? كما أن العقائد التي ذكرها الأشعري لهذه الفرق هي عقائد شرك فكيف تعد من الفرق الإسلامية ؟ وهي لا شك مخالفة لعقائد الاباضية بل البعد بينهما أكثر من البعد ما بين السماوات والأرض .
? فإن كان لا يوجد أي أثر لسيرة أئمة الفرق المذكورة عند الإباضية ولا عقائدهم ولا آرائهم فكيف ساغ للأشعري أن يلحقهم بالإباضية بل أن يجعلهم الاباضية أنفسهم ؟!
ثانيا :- إن الأشعري نسب أقوالا لجميع الاباضية وأقوالا أخرى لبعضهم هي أيضا مخالفة لأقوال الاباضية تماما 0
بعض الأدلة من كتب الإباضية على صحة ما أقول
(1) الفرقة الأولى نسب إليها القول :- إن الكفر بالرسل والجنة والنار ليس شركا
? يقول العلاّمة نور الدين السالمي الإباضي في غاية المراد
وقد أتت حجج البرهان ناطقة بالموت والبعث والحسبان فامتثلا
وأنه من أطاع الله يدخله جناته أبدا لا يبتغي نقلا
ومن عصاه ففي النيران مسكنه ولم يجد مفزعا عنها فينتقلا (1)
(2) الفرقة الثانية نسب إليها القول :- إن الله سيبعث رسولا من العجم ويتولون أهل الكتاب الذين شهدوا برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم وإن لم يدخلوا في دينه والشيخ العلاّمة نور الدين السالمي يقول في بهجة الأنوار :-
قد نسخت شرائع الجميع سوى الهدى بشرعنا البديع
وماله أي شرعنا مغير فهو على الدوام لا يغير
ويقول :
والحب للمؤمن من حقوقه والبغض للكافر من عقوقه
والكل واجب على من عقلا ويلزم الوقوف عمن جهلا
3- والفرقة الثالثة نسب إليها القول :- أنها قالت بقول المعتزلة في القدر
? والإباضية لا يقولون بقول المعتزلة في القدر ، قال نور الدين السالمي في غاية المراد :
وإنما الفعل مخلوق ومكتسب فالخلق لله والكسب لمن عقلا
4-والفرقة الرابعة نسب إليها القول :- صحة العمل لله من غير نية
__________
(1) قصيدة غاية المراد في الاعتقاد ، نور الدين السالمي ، ص50
(1/18)
? والإباضية يرون النية من قواعد الدين لا يتم العمل إلا بها ، وثاني حديث في مسند الربيع بن حبيب قوله صلى الله عليه وسلم (( الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى )) .
ويقول العلامة السالمي في غاية المراد :
قواعد الدين علم بعده عمل ونية ورع عن كل ما حظلا
1- وأما القول بأن الاباضية لا يوجبون المشي للصلاة والركوب للحج فهذا باطل
? لأن الإباضية يرون أن كل مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب 0
وأما القول باستتابة مخالفيهم فإن تابوا وإلا قتلوا ، وكذلك القول بقتل السارق فهذا باطل لأن الاباضية متقيدون بما جاء في القرآن والسنة من الحدود ولا يزيدون عليها حرفا واحدا ، قال أبو حمزة الشاري – رحمه الله - وهو على منبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " الناس منا ونحن منهم إلا ثلاثة : مشركا بالله عابد وثن ، أو كافرا من أهل الكتاب ، أو متسلطا في الأرض يحكم في عباد الله بغير ما أنزل الله "
? ويقول الإباضية على لسان العلامة نور الدين السالمي – رحمه الله تعالى
ونحن لا نطالب العبادا فوق شهادتيهم اعتقادا
فمن أتى بالجملتين قلنا إخواننا وبالحقوق قمنا
إلا إذا ما أظهروا ضلالا واعتقدوا في دينهم محالا
قمنا نبين الصواب لهم ونحسبن ذاك من حقهم
فما رأيته من التحرير في كتب التوحيد والتقرير
حل مسائل ورد شبه جاء بها من ضل للمنتبه
قمنا نردها ونبدي الحقا بجهدنا كي لا يضل الخلقا
لو سكتوا عنا سكتنا عنهم ونكتفي منهم بأن يسلموا (1)
2- وأما القول :- ليس من جحد الله مشركا حتى يجعل معه شريكا فهذا باطل ،
? يقول العلامة السالمي في غاية المراد 0
والشرك لابد من أن تعرفنه لكي تكون في مقعد عن غيه اعتزلا
وهو المساواة بين الله جل وبين الخلق أو جحده سبحانه وعلا (2)
__________
(1) كشف الحقيقة ، لمن جهل الطريقة للشيخ نور الدين السالمي ص 7
(2) غاية المراد في الاعتقاد ، الشيخ نور الدين السالمي ، ص 51
(1/19)
3- وأما القول بتحليل المسكر غير الخمر ، فهذا أيضا مخالف لقول الاباضية
? يقول العلامة ابن النظر في الدعائم :
والسكر مكروه حرام كله من كل مشروب ولو من ماء
4- وأما القول بأن الله يؤلم أطفال المشركين على طريق الإيجاب لا على طريق التجويز فهو مخالف لما يقوله الاباضية
? لأن الإباضية يقولون بان أطفال المشركين خدم لأهل الجنة0
ثالثا : قضية الأمة :- وأما قضية بيع الأمة المنسوبة إلى الإباضية والتي ضلت السنة الحاقدين الذين اتخذوا السب ديدنهم مثل مقبل الوادعي ترددها إلى اليوم فهي لا تعدو أن تكون مسرحية لشخصيات مجهولة سواء ذكر منها بالاسم أو بالوصف تمثل مشاجرة ، فما قيمة هذه المشاجرة بين أناس مجهولين في تحقيق علمي يراد به إثبات العقائد وتصنيف فرق الأمة 0
? إنها ليست إلا أسماء مجردة ، ما الدليل أنهم من الاباضية ؟!! لماذا لا يكونون من الفرق الأخرى ؟!!
? إن الإباضية لا يكفرون الفرق الأخرى ماداموا متأولين لكتاب الله أو سنة رسوله فكيف يكفرون بعضهم بعضا ؟!!
? كيف يكون تكفير في مسائل فقهيه اجتهادية ؟!!
? الظاهر أن الاباضية لم يحضروا هذا النزاع في بيع الإماء لأنهم لا يعرفون عنه شيئا تاريخيا ولا دينيا ، ولم يدخلوا تلك السوق الحامية ولا شهدوا ذلك العرس الذي نتج عنه سيل من الشتائم وتبادل اللعنات فنسبة هذه القصة إلى الإباضية من أعجب العجب ونسبة أبطالها إلى أئمتهم وعلمائهم من أكاذيب التاريخ التي لم تستتر حتى بقليل من الحياء ، وإن جازت حتى على كبار الأئمة أمثال ابن الحسن 0
? إن مخترع هذه القصة أراد أن يكثر من عدد الفرق المنسوبة إلى الإباضية والتي لا أساس لها أصلا حتى يظهرهم بمظهر المتشرذمين الذين يتنازعون لأتفه الأسباب فيتخالفون ويتفرقون انسياقا وراء العواطف ودوافع الغضب أكثر مما هو انسياقا وراء دوافع العقيدة والدين .
(1/20)
رابعا :- إن جميع الأسماء التي وردت فيما كتبه أبو الحسن عن الاباضية لا علاقة لها بالاباضية إلا اسمين هما عبدالله بن أباض و عبدالله بن يزيد الفزاري كان من الاباضية وخالفهم في بعض المسائل فانفصل عنهم وانظم في فرقة النكار ، وقد ذكر ابن النديم عدد من الكتب المنسوبة إليه منها :-
كتاب التوحيد ، كتاب الرد على المعتزلة ، وكتاب الرد على الرافضة ، وكتاب الإستطاعة ، ولا أعلم أن شيئا من هذه الكتب قد بقي ، وأما أصحاب هذه الفرقة فليس لهم وجود فيما أعلم 0
? وحتى هذا الفزاري لا يعد من الاباضية بدليلين :-
1- لأنه خالف الاباضية في العقيدة وانقسام الفرق بسبب العقائد ، وهذا الأشعري نفسه كان من المعتزلة لمدة أربعين سنة (1) ، فعند ما خالفهم ولم ينظم إلى عقائد فرق أخرى نسب إليه فرقة 0
خامسا :- إن أبا الحسن لم يذكر أحدا من أئمة الاباضية كجابر بن زيد وجعفر السماك العبدي وأبي سفيان قنبر وصحار العبدي وأمثالهم من أئمتهم في النصف الثاني من القرن الأول ولا ذكر شيئا من أقوالهم 0
? ولم يذكر أحدا من أئمتهم في النصف الأول من القرن الثاني أمثال أبي عبيدة ، مسلم أبي كريمة التميمي وضمام ابن السائب وأبي نوح وصالح الدهان و عبدالله بن يحيى الكندي ، والجلندى بن مسعود العماني والخطاب عبدالأعلى المعافري ، وهلال بن عطية الخراساني وأضرابهم ، ولم يذكر شيئا من أقوالهم ولم يذكر أحدا من علماء النصف الثاني من القرن الثاني أمثال الربيع بن حبيب وأبي سفيان ومحبوب بن الرحيل وعبدالرحمن بن رستم ولا ذكر شيئا من أقوالهم 0
? ولم يذكر أحدا من علمائهم في النصف الأول للقرن الثالث أمثال أفلح بن عبد الوهاب والمهنا بن جيفر وموسى بن علي وأضرابهم ولا ذكر شيئا من أقوالهم 0
__________
(1) الفرق الإسلامية مدخل ودراسة ، د. علي عبدالفتاح المغربي ، ص268
(1/21)
? ولم يذكر أحدا من علمائهم في النصف الثاني من القرن الثالث أمثال محمد بن محبوب ومحمد بن عباد والصلت بن مالك وغيرهم ولا شيئا من أقوالهم . (1)
سادسا :- إن بعض من ذكرهم من أئمة الاباضية ذكر لهم فرقا غير الاباضية مثل العجاردة
سابعا :- إن تجاهل الأشعري أئمة الاباضية الحقيقيين ونسبتهم إلى أئمة مجهولين يؤدي إلى صرف الناس عن معرفة حقيقة المذهب الإباضي ويسهل الكذب عليهم لإثبات تهمة الضلال عليهم بخلاف لو أن ذكرهم بأئمة معروفين عند الناس لأن أئمة الاباضية معروفين باتباع الحق وعدم الزيغ عنه مثل جابر بن زيد وأبي عبيده وعبد الله بن يحيى 0
? إن الأشعري لو نسب الاباضية إلى أئمتهم الحقيقيين مثل جابر بن زيد وأبو عبيده وعبد الله بن يحيى وغيرهم لم يستطع أن يشوههم وينسبهم إلى الضلال لأنهم معروفين عند الناس فأي شيء ينسبه إليهم مخالف للواقع يكون معروفا ويكشف بسرعة ولكنه اختار أن يسلك بالاباضية طريقا مظلما لا تتضح فيه الرؤية 0
? فأئمة الاباضية ليس من ساقهم الأشعري كالقطيع وأدخلهم في الاباضية وإنما ينتمون إلى أئمة يشهد التاريخ بعدالتهم 0
يقول الإمام إبراهيم بن قيس الحضرمي :-
أدين دين المصطفى المكرم
من معرب بسموله أو معجم اقفو سبيل جابر ومسلم
وابن الرحيل العالم المحكم إني إلى المسنتصرين أنتمي
إني ل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق