الكتاب : الإنسان بين الحقيقة و الأوهام ج1
المؤلف : أحمد بن حمد الخليلي
ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع
الإنسان بين الحقيقة و الأوهام " ج1"
[ تفريغ شريط درس لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي ]
المقدمة :-
الحمد لله وحده ، نحمده ونستعينه ونشهد أن لا اله إلا هو له الملك و له الحمد وهو على كل شيء قدير ، ونصلي و نسلم على رسوله الأمين وخاتم الأنبياء و المرسلين أرسله الله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فبلغ الرسالة و أدى الأمانة و نصح الأمة و كشف الله به الغمة ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الأطهار الطيبيين و أصحابه الغر الميامين إلى يوم الدين ، وبعد :-
فإننا و الحمد لله شرعنا في تفريغ و طباعة وتخريج الجزء الأول من درس سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة الذي عنوانه الإنسان بين الحقيقة و الأوهام ، وقد بذلنا فيه قصارى ما نستطيع من جهد ، وقد جزئنا الدرس إلى ثلاثة أقسام تناول كل فرد منا جزء وقام بالواجب منه .
هذا ونسأل الله تعالى أن نكون قد وفقنا في هذا العمل .
والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته .
مقدمة الدرس :-
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي هو على كل شيء قدير، وبكل شيء بصير، سبحانه خلق الأسباب والمسببات ، وجعل لكل شيء سبباً ، وهي سنة الله في خلقه ،ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ،أحمده حمداً يوافي نعمه و يكافئ مزيده ،لا حد لغايته و لا أمر لنهايته، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن سيدنا و نبينا محمداً عبده و رسوله أرسله إلى خلقه هادياً وبشيرا ونذيرا وداعياً إلى الله بإذنه وسراجا منيرا فعلم من الجهالة وهدى من الضلالة وبصر من العمى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ،أما بعد :-
(1/1)
فأحيكم جميعاً أيها المؤمنون والمؤمنات بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته , هذا وإني لأحمد الله سبحانه و تعالى على اجتماعنا في هذا الجامع الشريف في قلب هذه المؤسسة العلمية الكبرى لنتعلم جميعاً ما يسرنا ولنتزود ما يقربنا إلى الله سبحانه وتعالى، فإن الله عز وجل يعبد بالعلم لا بالجهل، وهو تبارك وتعالى رفع من أقدار العالمين العاملين، الذين يعملون بأمره ويزدجرون عن نهيه ويأخذون بسننه وهذه هي الغاية التي يجب على الإنسان أن يحرص عليها في هذه الحياة الدنيا ، إن هذه الحياة الدنيا إنما يوطد خيرها بتقوى الله سبحانه وتعالى عن كل ما يضر والأخذ بالأسباب النافعة , ليكون الإنسان حقا قائماً بواجب الخلافة فيه مطيعا لربه شاكرا لنعمه واقفاً عند حدوده عارفا نعمة الله تبارك وتعالى التي أسبغها عليه هذا ولا ريب أن أمتنا الإسلامية مرت منذ أمد بعيد بفترة حالكة مدلهمة أحلولكت فيها حنادس الجهل (1) والشك فرانت على القلوب وانصرفت قلوب كثيرة من الناس عن الله سبحانه وتعالى .
نبذ القوميات و التشتت :-
__________
(1) - جَهِلَهُ، كسمِعَهُ، جَهْلاً وجَهَالَةً: ضِدُّ عَلِمَهُ،. و. عليه: أظْهَرَ الجَهْلَ،. كتجاهَلَ، وهو جاهِلٌ وجَهولٌ،.ج: جُهْلٌ، بالضم، وبضمتينِ، وكرُكَّعٍ، وجُهَّالٌ وجُهَلاءُ.. وهو جاهِلٌ منه، أي: جاهِلٌ به. وكمَرْحَلَةٍ: ما يَحْمِلُكَ على الجَهْلِ.. وجَهَّلَهُ تَجْهيلاً: نَسَبَهُ إليه..وأرضٌ مَجْهَلٌ، كمَقْعَدٍ: لا يُهْتَدى فيها، لا تُثَنَّى ولا تُجْمَعُ.. واسْتَجْهَلَهُ: اسْتَخَفَّهُ .( القاموس) .
(1/2)
وقد أغرقت هذه الأمة في الكثير الكثير من أسباب الفرقة والخلاف فتنادت بالقوميات (1)
__________
(1) - ـ القَوْمُ: الجَماعَةُ من الرِّجالِ والنِّساءِ مَعاً، أو الرِّجالُ خاصَّةً، أو تَدْخُلُهُ النِّساءُ على تَبَعِيَّةٍ، ويُؤَنَّثُ.ج: أقوامٌ. جج: أقاوِمُ وأقاويمُ وأقائِمُ.. وقام قَوْماً وقَوْمَةً وقِياماً وقامَةً: انْتَصَبَ، فهو قائِمٌ، من قُوَّمٍ وقُيَّمٍ وقُوَّامٍ وقُيَّامٍ.. وقاوَمْتُهُ قِواماً: قُمْتُ معه.. والقَوْمَةُ: المَرَّةُ الواحِدَةُ، وما بينَ الرَّكْعَتَيْنِ قَوْمَةٌ.. والمَقامُ: مَوْضِعُ القَدَمَيْنِ،. وقامَتِ المرأةُ تَنُوحُ: طَفِقَتْ،. وـ الأمْرُ: اعْتَدَلَ،. كاسْتَقَام،ـ وـ في ظَهْرِي: أوْجَعَنِي،ـ وـ الرجلُ المَرْأةَ،ـ وـ عليها: مانَها، وقام بشَأْنها،ـ وـ الماءُ: جَمَدَ،ـ وـ الدابَّةُ: وقَفَتْ،ـ وـ السوقُ: نَفَقَتْ،ـ وـ ظَهْرَهُ به: أوجَعَهُ،ـ وـ الأمَةُ مِئَةَ دِينارٍ: بَلَغَتْ قيمَتُها،ـ وـ أهلَهُ: قامَ بشأنِهِم، يُعَدَّى بنفسِه.ـ وأقامَ بالمكاننِ إقامةً وقامةً: دامَ،ـ وـ الشيءَ: أدامَهُ،ـ وـ فلاناً: ضِدُّ أجْلَسَهُ،ـ وـ دَرْأهُ: أزالَ عِوَجَهُ،ـ كقَوَّمَهُ.ـ والمَقامَةُ: المَجْلِسُ، والقومُ، وبالضم: الإِقامَةُ،ـ كالمَقامِ والمُقامِ، ويَكونانِ للمَوْضِعِ،ـ وقامةُ الإِنْسانِ وقَيْمَتُهُ وقَومَتُهُ وقُومِيَّتُهُ وقَوامُه: شَطَاطُهـ ج: قاماتٌ وقِيَمٌ، كعِنَبٍ.ـ وهو قَوِيمٌ وقَوَّامٌ، كشَدَّادٍ: حَسَنُ القامةِـ ج: كجِبالٍ.ـ والقيمةُ، بالكسر: واحدةُ القِيَمِ.ـ وما لَه قِيمةٌ: إذا لم يَدُمْ على شيءٍ.ـ وقَوَّمْتُ السِّلْعَةَ واسْتَقَمْتُه: ثَمَّنْتُه.ـ واسْتَقَامَ: اعْتَدَلَ.ـ وقَوَّمْتُه: عَدَّلْتُه،ـ فهو قَويمٌ ومُسْتَقِيمٌ،ـ وما أقْوَمَهُ: شاذٌّ..ـ والقَوامُ، كسَحابٍ: العَدْلُ، وما يُعاش به، وبالضم: داءٌ في قوائِمِ الشاءِ، وبالكسرِ: نِظامُ الأمْرِ، وعِمادُه، ومِلاكُه،ـ كقِيامِهِ وقُومِيَّته.( القاموس ) .
(1/3)
الضيقة ونسيت النداء الذي يشملها جميعا وهو نداء الإيمان (1) فإن الله تبارك وتعالى جمع تشتيتها تحت كلمة الإيمان عندما نادى جميع المؤمنين بقوله عز من قائل : { يا أيها الذين آمنوا (2) } ولم ينادي كل قوميته بنداء خاص بها وإنما جمع المؤمنين في نداء واحد لأن المؤمنين أنما يجمعهم هذا الإيمان وعندما يكون النداء شاملا للمؤمنين وغيرهم يناديهم الله سبحانه وتعالى بـ { يأيها الناس (3) } لأن الإنسانية تجمع طوائف (4)
__________
(1) - ـ الأمْنُ والآمِنُ، كصاحِبٍ: ضِدُّ الخَوْفِ، أمِنَ، كفَرِحَ، أمْناً وأماناً، بفَتْحِهِما، وأمَناً وأمَنَةً، محرَّكتينِ، وإمْناً، بالكسر، فهو أمِنٌ وأمِينٌ، كَفَرِحٍ وأميرٍ.ـ ورَجُلٌ أُمَنَةٌ، كهُمَزَةٍ ويُحَرَّكُ: يَأْمَنُهُ كُلُّ أحَدٍ في كلِّ شيءٍ، وقد آمَنَهُ وأمَّنَهُ.ـ والأمِنُ، ككتِفٍ: المُسْتَجِيرُ ليَأمَنَ على نَفْسِه.ـ والأمانَةُ والأمَنَةُ: ضِدُّ الخِيانَةِ، وقد أمِنَهُ، كسَمِعَ، وأمَّنَهُ تأمِيناً وائْتَمَنَه واسْتأمَنَه، وقد أمُنَ، ككَرُمَ،ـ فهو أمينٌ وأُمَّانٌ، كرُمَّانٍ: مَأْمونٌ به ثِقَةٌ.ـ وما أحْسَنَ أمْنَكَ، ويُحَرَّكُ: دينَكَ وخُلُقَكَ.ـ وآمَنَ به إيماناً: صَدَّقَهُ.ـ والإِيمانُ: الثِّقَةُ، وإظْهارُ الخُضوعِ، وقَبولُ الشَّريعَةِ.ـ والأمينُ: القَوِيُّ، والمُؤْتَمِنُ والمُؤْتَمَنُ، ضِدٌّ، وصِفةُ الله تعالى. ( القاموس )
(2) - سورة الممتحنة الآية ( 1 ) .
(3) - سورة الحج الآية ( 1) .
(4) - ـ طافَ ـ طافَ حَوْلَ الكَعْبَةِ، وبها طَوْفاً وطَوافاً وطَوَفاناً،ـ واسْتَطافَ وتَطَوَّفَ وطَوَّفَ تَطْويفاً: بِمَعْنىً.ـ والمَطافُ: مَوْضِعُهُ.ـ ورَجُلٌ طافٌ: كَثيرُه.ـ والطَّوْفُ: قِرَبٌ يُنْفَخُ فيها، ويُشَدُّ بعضُها إلى بعضٍ، كهَيْئَةِ السَّطْحِ، يُرْكَبُ عليها في الماءِ، ويُحْمَلُ عليها، والغائِطُ.ـ وطافَ: ذَهَبَ ليَتَغَوَّطَ،ـ كاطَّافَ، على افْتَعَلَ..ـ والطائِفُ: العَسَسُ، وبلادُ ثَقيفٍ في وادٍ، أوَّلُ قُراها لُقَيْمُ، وآخِرُها الوَهْطُ، سُمِّيَتْ لأنها طافَتْ على الماءِ في الطوفانِ، أو لأنّ جبريلَ طافَ بها على البَيْتِ، أو لأنها كانت بالشامِ فَنَقَلَها اللّهُ تعالى إلى الحجازِ بِدَعْوةِ إبراهيمَ، عليه السلامُ، أو لأنّ رجُلاً من الصَّدِفِ أصابَ دَماً بحَضْرَمَوْتَ فَفَرَّ إلى وَجٍّ، وحالَفَ مَسْعودَ بنَ مُعَتِّبٍ، وكان له مالٌ عظيمٌ، فقال هَلْ لكم أن أَبْنِيَ طَوْفاً عليكم يكونُ لكم رِدْءاً من العَرَبِ؟ فقالوا: نَعَمْ، فَبَناهُ، وهو الحائِطُ المُطيفُ به،ـ وـ من القَوْسِ: ما بين السِّيَةِ والأَبْهَرِ أو قَريبٌ من عَظْمِ الذِراعِ من كَبِدِها، أو الطائفانِ: دونَ السِّيَتَيْنِ.ـ والطائفُ: الثَّوْرُ يكونُ مما يَلي طَرَفَ الكُدْسِ.ـ والطائِفَةُ من الشيءِ: القطْعَةُ منه، أو الواحِدُ فَصاعِداً، أو إلى الأَلْفِ، أو أقَلُّها رجُلانِ أو رَجُلٌ، فيكونُ بمعنى النَّفْسِ. وذو طَوَّافٍ، كشَدّادٍ: وائِلٌ الحَضْرَمِيُّ.ـ والطَّوَّافُ أيضاً: الخادِمُ يَخْدُمُكَ بِرِفْقٍ وعِنايَةٍ. (القاموس)
(1/4)
البشر بأثرها فتدخل في عموم هذا اللفظ هذا الخطاب خطاب يا أيها الناس .
الصحوة الجديدة :-
ومن فضل الله سبحانه وتعالى أن من على هذه الأمة بصحوة منذ فترة من الزمن هذه الصحوة قد استبشر الكل بها خير ورجونا بفضل الله سبحانه وتعالى أن تجمع الشأن وان تألف بين القلوب المتنافرة وأن توحد بين الفئات المتدابرة لتنطوي هذه الأمة جميعاً تحت لواء الحق والحقيقة .
مرض الصحوة ومسبباته :-
(1/5)
ولكن مما يؤسف له أن هذه الصحوة أصيبت بشي من غبش (1) التصور (2) في بعض الأمور وذلك مما جعل أبناءها يعيشون في عالم الأوهام (3) أسارى للخيالات (4)
__________
(1) - ـ الغَبَشُ، محركةً: بَقِيَّةُ الليلِ، أو ظُلْمَةُ آخِرِهِ،ـ كالغُبْشَةِ، بالضم، غَبِشَ، كفرِحَ، وأغْبَشَـ ج: أغْباشٌ.ـ والغابِشُ: الغاشُّ، والخادِعُ، والغامِشُ.ـ وتَغَبَّشَهُ: ظَلَمَهُ، أو ادَّعَى قِبَلَهُ دَعْوَى باطِلَةً.ـ وليلٌ أغْبَشُ وغَبِشٌ: مُظْلِمٌ. وغُبْشانُ، بالضم: اسمٌ. وأبو غَبْشانَ، ويُضَمُّ: خُزاعِيٌّ كان يَلِي سِدانَةَ الكعبةِ قبل قُرَيْشٍ، فاجْتَمَعَ مع قُصيٍّ في شَرْبٍ بالطائِفِ، فأَسْكَرَهُ قُصَيٌّ، ثم اشْتَرَى المَفاتيحَ منه بِزِقِّ خَمْرٍ، وأشْهَدَ عليه، ودَفَعَها لابنِهِ عبدِ الدارِ، وطَيَّرَ به إلى مكَّةَ. فأفاقَ أبو غَبْشَان أنْدَمَ من الكُسَعِيِّ، فَضُرِبَتْ به الأمْثَالُ في الحُمْقِ والنَّدَمِ وخَسارَةِ الصَّفْقَةِ.( القاموس )
(2) - ـ الصُّورَةُ، بالضم: الشَّكْلُـ ج: صُوَرٌ وصِوَرٌ، كعِنَب، وصُوْرٌ.ـ والصَّيِّرُ، كالكَيِّسِ: الحَسَنُها، وقد صَوَّرَه فَتَصَوَّر. ( القاموس )
(3) - ـ الوَهْمُ: من خَطَراتِ القَلْبِ، أو مَرْجُوحُ طَرَفَيِ المُتَرَدَّدِ فيهـ ج: أوهامٌ، والطريقُ الواسعُ، والرجُلُ العظيمُ، والجَمَلُ الذَّلولُ في ضِخَمٍ وقُوَّةٍـ ج: أوهامٌ ووُهومٌ ووُهُمٌ.ـ ووَهِمَ في الحِسابِ، كوَجِلَ: غَلِطَ،ـ وـ في الشيء، كَوَعَدَ: ذَهَبَ وَهْمُه إليه.ـ وأوْهَمَ كذا من الحِسابِ: أسْقَطَ، أو وَهَمَ، كوَعَدَ ووَرِثَ، وأوْهَمَ: بمعنًى.ـ وَتَوَهَّمَ: ظَنَّ. وأوْهَمَهُ وَوَهَّمَه غيرُهُ. ( القاموس )
(4) - ـ تَخَيَّلَ الشيءُ له: تَشَبَّهَ. وأبو الأَخْيَلِ: خالِدُ بنُ عمرٍو السُّلَفِيُّ، وإسْحاقُ بنُ أخْيَلَ الحَلَبيُّ: مُحدِّثانِ.ـ والخَيالُ والخَيالَةُ: ما تَشَبَّهَ لَكَ في اليَقَظَةِ والحُلْمِ مِنْ صورَةٍ . (.القاموس )
(1/6)
المختلفة وقد دفعهم ذلك إلى تجاهل سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه مع أن الله سبحانه خلق الخلق وجعل لخلقه سننا هذه السنن لا تتبدل حتى يرث الله الأرض وما عليها وما يقع من الخوارق (1) التي قد تكون رئي العين خارجة عن هذه السنن فإنما ذلك إنما يرجع إلى أمر الله سبحانه عندما يريد أن يتعطل شيء من السنن في قضية معينة مع أن هذه الحالة لا يمكن أن يقاس عليها وهي حالات وقعت في عهود النبوات ولا يمكن أن تتكرر مرة أخرى لأن السنن تسير حسب ما شاء الله سبحانه وتعالى مما رسمه لهذا الكون من نواميس معينة لا تتبدل ولا تتغير حتى يرث الله الأرض ومن عليها ولكن غبش التصور هو الذي يحول بين البصائر و الرؤيا الصحيحة لحقائق الأشياء وذلك مما يجعل هذه النفوس أسيرة الأوهام فتبتعد كل البعد عن الحقائق .
ضرورة الأخذ بالأسباب :-
__________
(1) - ـ الخَرَقُ، مُحرَّكةً: الدَّهَشُ من خَوْفٍ أو حَياءٍ، أو أن يُبْهَتَ فاتِحاً عَيْنَيْهِ يَنْظُرُ، وأنْ يَفْرَقَ الغَزالُ فَيَعْجِزَ عن النُّهوضِ، والطائِرُ فلا يَقْدِرَ على الطَّيَرانِ. خَرِقَ، كَفَرِحَ، فهو خَرِقٌ، وهي خَرِقَةٌ . ( القاموس ) .
(1/7)
ونحن نرى أن الله سبحانه و تعالى عندما بعث عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بعثه بدعوة جامعة وهو عليه الصلاة و السلام على مرأى ومسمع من الله سبحانه وتعالى وهو أقرب الخلق إليه ولكن مع ذلك أمره سبحانه و تعالى أن يأخذ بالأسباب وكان عليه أفضل الصلاة و السلام حريصا كل الحرص على أن يأخذ بالأسباب في كل شيء امتثالاً لأمر الله سبحانه ولذلك عندما هاجر صلوات الله وسلامه عليه سلك مسالك فيها تعمية على المشركين (1) لألَّا يطلعوا على أمره مع أنه محفوظ بعناية الله سبحانه ولكن جميع تصرفاته وجميع أعماله صلوات الله وسلامه عليه إنما هي تشريعات لهذه الأمة ولذلك كان لزاما أن يسلك المسالك (2) التي تتفق مع مصالح الأمة في إتباعها سنن هذه الحياة وقد كان لبعض أصحابه رضي الله تعالى عنهم شأن ربما يختلف بعض الإختلاف عن مسلكه - صلى الله عليه وسلم - من حيث إتباع الأسلوب الذي فيه تعمية على المشركين ، فعمر بن الخطاب (3)
__________
(1) - ـ الشِّرْكُ والشِّرْكَةُ، بكسرهما، وضَمِّ الثاني: بِمَعْنًى. وقد اشْتَرَكا وتَشارَكا، وشارَكَ أحدُهُما الآخَرَ.ـ والشِّرْكُ، بالكسر، وكأميرٍ: المُشارِكُ،ـ ج: أشْراكٌ وشُركاءُ، وهي شَريكَةٌ،ـ ج: شَرائِكُ. وشَرِكَهُ في البَيْعِ والميراثِ، كَعَلِمَه، شِرْكَةً، بالكسر.ـ وأشْرَكَ بالله: كَفَرَ، فهو مُشْرِكٌ ومُشْرِكِيٌّ، والاسْمُ: الشِّرْكُ فيهما. ( القاموس ) .
(2) - ـ سَلَكَ المَكانَ سَلْكاً وسُلوكاً، وسَلَكَهُ غَيْرُهُ، وفيه، وأسْلَكَهُ إيَّاهُ، وفيه، وعليه . ( القاموس ) .
(3) عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أبو حفص ، أسلم بعد تسعة وثلاثين رجلاً وعشرين امرأة ، ثاني الخلفاء الراشدين توفي بعدما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة، سنة ثلاث وعشرين، ودفن يوم الأحد صباح هلال المحرم سنة أربع وعشرين، وكانت خلافته عشر سنين، وخمسة أشهر، وأحداً وعشرين يوماً. ( أسد الغابة ) ..
(1/8)
رضي الله تعالى عنه عندما هاجر لم تكن هجرته خفية وإنما هجرته علانية فقد جاء إلى البيت الحرام وطاف بالبيت سبعا وراء المقام ثم نادى قريشا وأعلمهم بأنه مهاجر وأن من أراد أن يثكل أمه أو يرمل زوجته أو يؤتم ولده فليلقه خلف الوادي كان ذلك تحد منه - رضي الله عنه - لعنجهية المشركين وكبريائهم .
مسلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - تشريع للأمة :-
(1/9)
ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسلك هذا الطريق لأن مسلكه - صلى الله عليه وسلم - إنما هو تشريع لهذه الأمة وفعل عمر - رضي الله عنه - إنما كان فعلاً فردياً كان تصرفاً شخصياً لا تلزم الأمة بإتباعه ولا يلزم أي أحد أن يقتدي به في هذا التصرف مع أنه ليس كل أحد قادراً على أن يتصرف هذا التصرف بحيث يقابل كبرياء الجاهلية (1) بمثل هذا التحدي الواضح و النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عمله بخلاف ذلك فقد أمّ مع الصديق (2) رضي الله تعالى عنه غار ثور وبقي هنالك ثلاثة أيام وسلك مسالك ليست هي المسالك المألوفة في ذهاب الناس إلى المدينة المنورة من أجل أن يعمّي على المشركين مع أنه ولا ريب كان محفوظا بعناية الله سبحانه ولا أدل على ذلك مما وقع لسراقة (3)
__________
(1) - ـ جَهِلَهُ، كسمِعَهُ، جَهْلاً وجَهَالَةً: ضِدُّ عَلِمَهُـ والجاهِلِيَّةُ الجَهْلاءُ: تَوْكيدٌ. ( القاموس ) ويقصد بها الفترة الزمنية قبل بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
(2) - هو عبد الله بن عثمان ، أبو بكر الصديق بن أبي قحافة ، سبق إلى الإسلام، واسلم على يده جماعة لمحبتهم له، وميلهم عليه، حتى إنه أسلم على يده خمسة من العشرة ، وهو صاحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الغار ، وأول الخلفاء الراشدين، قال ابن إسحاق، "توفي أبو بكر" رضي الله عنه، يوم الجمعة، لسبع ليال بقين من جمادى الآخرة، سنة ثلاث عشرة، وصلى عليه عمر بن الخطاب . ( أسد الغابة ) .
(3) - ، سراقة بن مالك بن جعشم بن مالك المدلجي، يكنى أبا سفيان.كان ينزل قديداً، يعد في أهل المدينة، ويقال: سكن مكة.وجاء في سند طويل ....قال: اشترى أبو بكر، هو الصديق، رضي الله عنه، من عازب سرجاً بثلاثة عشر درهماً، فقال له أبو بكر: مر البراء فليحمله إلى منزلي، فقال: لا، حتى تحدثنا كيف صنعت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت معه? فقال أبو بكر: خرجنا فأدلجنا فأحيينا ليلتنا ويومنا وذكر الحديث إلى أن قال: فارتحلنا والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا إلا سراقة بن مالك ابن جعشم، على فرس له، فقلت: يا رسول الله، هذا الطلب قد لحقنا، قال: "لا تحزن، إن الله معنا"، حتى إذا دنا منا قدر رمح أو رمحين، أو قال: رمحين أو ثلاثة قال: قلت: يا رسول الله ، هذا الطلب قد لحقنا، وبكيت، قال: "لم تبكي"? قال: قلت: والله ما أبكي على نفسي، ولكني أبكي عليك، قال: فدعا عليه، فقال: "اللهم، اكفناه بما شئت"، فساخت فرسه إلى بطنها في أرض صلد، ووثب عنها، وقال: يا محمد، قد علمت أن هذا عملك، فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطلق ورجع إلى أصحابه. ( أسد الغابة ) .
(1/10)
عندما تعرض له فساخت قوائم يعبوبه (1) في الأرض الصلدة الصلبة ، هذه الآية تدل دلالة واضحة على أن الله سبحانه وتعالى أراد لنبيه - صلى الله عليه وسلم - الحفظ ولكن مع ثقته بالله وتوكله (2) على ربه سبحانه وتعالى أخذ بالأسباب .
دعوة القرآن إلى الأخذ بالأسباب :-
ونحن نرى الدعوة في القرآن الكريم إلى الأخذ بالأسباب دعوة واضحة فالله سبحانه وتعالى يقول { يأيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا (3) } والله تبارك وتعالى يأمر المؤمنين أن يعدوا عدتهم للمشركين فهو سبحانه وتعالى يقول { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم (4) } كل ذلك من باب الأخذ بالأسباب حتى لا تتواكل (5) هذه الأمة وحتى لا تتبع الأوهام .
عواقب عدم الأخذ بالأسباب :-
__________
(1) - يعبوبه : فرسه .
(2) -ـ وَكَلَ باللهِ يَكِلُ وتَوَكَّلَ على اللهِ وأوْكَلَ واتَّكَلَ: اسْتَسْلَمَ إليه.ـ وَوَكَلَ إليه الأمْرَ وَكْلاً ووُكُولاً: سَلَّمَهُ وتَرَكَهُ.ـ والتَّوَكُّلُ: إظْهارُ العَجْزِ، والاعتمادُ على الغيرِ، والاسمُ: التُّكْلانُ. ( القاموس ) .
(3) - سورة النساء الآية ( 71 ) .
(4) - سورة الأنفال الآية ( 60 ) .
(5) - وَكَلَ باللهِ يَكِلُ وتَوَكَّلَ على اللهِ وأوْكَلَ واتَّكَلَ: اسْتَسْلَمَ إليه.ـ وَوَكَلَ إليه الأمْرَ وَكْلاً ووُكُولاً: سَلَّمَهُ وتَرَكَهُ.ـ والتَّوَكُّلُ: إظْهارُ العَجْزِ، والاعتمادُ على الغيرِ، والاسمُ: التُّكْلانُ.و تَواكَلُوا مواكَلَةً ووِكالاً: اتَّكَلَ بعضُهم على بعضٍ. ( القاموس ) و الفرق بين التوكل و التواكل ، فإن التوكل يكون بالأخذ بالأسباب و التواكل عدمه .
(1/11)
فإن من لم يأخذ بالأسباب كانت نهاية أمره أن يصطدم بنواميس الحياة وسنن الكون و يؤدي به هذا الإصطدام إلى ما لا تحمد عاقبته فالمؤمنون عندما فرطوا في الأخذ بالأسباب في غزوة أحد كان ما كان من أمر الله سبحانه وتعالى إذ عاقبهم الله تبارك وتعالى فأصابتهم لطمة من القدر (1) جندلت (2) من أبطاله سبعين بطلاً حتى يعلموا أن مخالفة ما أمر به الله تعالى به وما أمر به رسوله من الأخذ بالأسباب تؤدي إلى ما لا تحمد عاقبته .
عدم الإغترار بالأسباب :-
__________
(1) - ـ القَدَرُ، محرَّكةً: القَضاءُ، والحُكْمُ، ومَبْلَغُ الشيءِ، ويُضَمُّ،ـ كالمِقْدارِ، والطاقةُ، كالقَدْرِ فيهماـ ج: أقْدارٌ.ـ والقَدَرِيَّةُ: جاحِدُو القَدَرِ. وقَدَرَ اللّهُ تعالى ذلك عليه يَقْدُرُهُ ويَقْدِرُهُ قَدْراً وقَدَّرَهُ عليه وله.ـ واسْتَقْدَرَ اللّهَ خَيْراً: سألَهُ أن يَقْدِرَ له به.ـ وقَدَرَ الرِّزْقَ: قَسَمَهُ.ـ والقَدْرُ: الغِنَى، واليَسارُ، والقوةُ،ـ كالقُدْرَةِ والمَقْدُرَةِ، مُثَلَّثَةَ الدال،ـ والاقْتِدارِ. والفِعلُ، كضَرَبَ ونَصَرَ وفَرِحَ، وهو قادرٌ وقَديرٌ، وأقْدَرَهُ اللّهُ تعالى عليه، والتَّضْيِيقُ،ـ كالتَّقْديرِ والطَّبْخُ، وفِعْلُهُما كضَرَبَ وَنَصَرَ، والتعظيمُ، وتَدْبيرُ الأمرِ، قَدَرَهُ يَقْدِرُهُ، وقِياسُ الشيءِ بالشيءِ، والوَسَطُ من الرِّحالِ والسُّرُوجِ، ورأسُ الكتِفِ، وبالتحريكِ: قِصَرُ العُنُقِ، قَدِرَ كفرِحَ، فهو أقْدَرُ. ( القاموس ) .
(2) - ـ الجَنْدَلُ، كجعفَرٍ: ما يُقِلُّهُ الرَّجُلُ من الحِجَارَةِ، وتُكسَرُ الدالُ. وكعُلَبِطٍ: المَوْضِعُ تَجْتَمِعُ فيه الحِجَارَةُ. ( القاموس ) .
(1/12)
هذا بجانب عدم الإغترار بالأسباب وحدها فإن هؤلاء المؤمنين أنفسهم عندما أخذوا بالأسباب ورأوا في نفوسهم القوة وأصابهم فيها من الغرور (1) بسبب هذه القوة في حنين حتى قالوا لن نهزم اليوم من قلة أصيبوا أيضاً بما أصيبوا به ومعنى أن يكون الإنسان آخذاً بالأسباب ومتوكلا على الله تبارك وتعالى الذي هو مسبب الأسباب .
الرسول - صلى الله عليه وسلم - يأخذ بالأسباب ويأمر بالأخذ بها :-
__________
(1) - ـ غَرَّهُ غَرّاً وغُرُوراً وغِرَّةً، بالكسر، فهو مَغْرُورٌ وغَريرٌ، كأميرٍ: خَدَعَهُ، وأطْمَعَهُ بالباطلِ،ـ فاغْتَرَّ هو.ـ والغَرُورُ: الدُنْيا، وما يُتَغَرْغَرُ به من الأَدْوِيَةِ، وما غَرَّكَ، أو يُخَصُّ بِالشَّيْطانِ، وبالضم: الأَباطِيلُ، جمعُ غارٍّ. ( القاموس ) .
(1/13)
ونجد أن النبي صلوات الله وسلامه عليه كما قلنا كان بنفسه حريصاً على الأخذ بالأسباب ومن ذلك أنه عندما مر من وراء جدار مائل أسرع الممر فقال له أصحابه : أتفر من قضاء (1) الله يا رسول الله ، فقال : [ نعم أفر من قضاء الله إلى قدره ] ، إن كل شيء مقضي ، مقضي عند الله ولكن الله تبارك وتعالى جعل للأشياء أسباباً فهو يفر إلى القدر الذي هو نتيجة القضاء وهو وقوع ما قضاه الله تبارك وتعالى في الأزل على من أراد أن يقع ذلك الأمر في ما لا يزال فلإن كان وقوع الجدار عليه أمراً مقضيا في الأزل فإن ذلك القدر لا بد من أن يتحقق في ما لا يزال إن كان غير مقضياً في الأزل فإن ذلك القدر أيضاً وهو عدم وقوع الجدار عليه أمر لا بد من أن يقع فالنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما يفر إلى ما قدر الله تبارك وتعالى وقوعه وهكذا كان شأنه صلوات الله وسلامه عليه ونجد أن النبي عليه أفضل الصلاة و السلام أمر بالأخذ بالأسباب في كثير من الأمور ففي غزوة الأحزاب أخذ بالأسباب حيث أخذ بمشورة سلمان الفارسي (2)
__________
(1) - ـ ي: القَضاءُ، ويُقْصَرُ: الحُكْمُ. قَضَى عليه يَقْضِي قَضْياً وقَضاءً وقَضِيَّةً، وهي الاسمُ أيضاً، والصُّنْع، والحَتْمُ، والبيانُ.
(2) - سلمان الفارسي، أبو عبد الله، ويعرف بسلمان الخير، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسئل عن نسبه فقال: أنا سلمان بن الإسلام. أصله من فارس، من رامهرمز، وقيل إنه من جي، وهي مدينة أصفهان وكان ببلاد فارس مجوسياً سادن النار، وكان سبب إسلامه ما اخبرنا ( في سند طويل ) ....قال: حدثني سلمان قال: كنت رجلاً من أهل فارس من أصبهان، من جي، ابن رجل من دهاقينها، وفي حديث ابن إدريس: وكان أبي دهقان أرضه، وكنت أحب الخلق إليه وفي حديث البكائي: أحب عباد الله إليه، فأجلسني في البيت كالجواري، فاجتهدت في الفارسية وفي حديث علي بن جابر: في المجوسية فكنت في النار التي توقد فلا تخبو، كان أبي صاحب ضيعة، وكان له بناء يعالجه زاد ابن إدريس في حديثه: في داره، فقال لي يوماً: يا بني، قد شغلني ما ترى فانطلق إلى الضيعة، ولا تحتبس فتشغلني عن كل ضيعة بهمي بك، فخرجت لذلك فمررت بكنيسة النصارى وهم يصلون، فملت إليهم وأعجبني أمرهم، وقلت هذا والله خير من ديننا. فأقمت عندهم حتى غابت الشمس، لا أنا أتيت الضيعة، ولا رجعت إليه، فاستبطأني وبعث رسلاً في طلبي، وقد قلت للنصارى حين أعجبني أمرهم: أين أصل الدين? قالوا: بالشام.
فرجعت إلى والدي، فقال: يا بني، قد بعثت إليك رسلاً، فقلت: مررت بقوم يصلون في كنيسة، فأعجبني ما رأيت من أمرهم، وعلمت أن دينهم خير من ديننا. فقال: يا بني، دينك ودين آبائك خير من دينهم، فقلت: كلا والله. فخافني وقيدني
فبعثت إلى النصارى وأعلمتهم ما وافقني من أمرهم، وسألتهم إعلامي من يريد الشام، ففعلوا. فألقيت الحديد من رجلي، وخرجت معهم، حتى أتيت الشام، فسألتهم عن عالمهم، فقالوا: الأسقف، فأتيته، فأخبرته، وقلت: أكون معك أخدمك وأصلي معك? قال: أقم. فمكث مع رجل سوء في دينه، كان يأمرهم بالصدقة، فإذا أعطوه شيئاً أمسكه لتفسه، حتى جمع سبع قلال مملوءة ذهباً وورقاً، فتوفي، فأخبرتهم بخبره، فزبروني، فدللتهم على ماله فصلبوه، ولم يغيبوه ورجموه، وأحلوا مكانه رجلاً فاضلاً في دينه زاهداً ورغبة في الآخرة وصلاحاً، فألقى الله حبه في قلبي، حتى حضرته الوفاة، فقلت: أوصني، فذكر رجلاً بالموصل، وكنا على أمر واحد حتى هلك.
فأتيت الموصل، فلقيت الرجل، فأخبرته بخبري، وأن فلاناً أمرني بإتيانك، فقال: أقم. فوجدته على سبيله وأمره حتى حضرته الوفاة، فقلت له: أوصني، فقال: ما أعرف أحداً على ما نحن عليه إلا رجلاً بعمورية.فأتيته بعمورية، فأخبرته بخبري، فأمرني بالمقام وثاب لي شيء، واتخذت غنيمة وبقيرات، فحضرته الوفاة فقلت: إلى من توصي بي? فقال: لا أعلم أحداً اليوم على مثل ما كنا عليه، ولكن قد أظلك نبي يبعث بدين إبراهيم الحنيفية، مهاجرة بأرض ذات نخل، وبه آيات وعلامات لا تخفى، بين منكبيه خاتم النبوة، يأكل الصدقة، فإن استطعت فتخلص إليه. فتوفي.
فمر بي ركب من العرب، من كلب، فقلت: أصحبكم وأعطيكم بقراتي وغنمي هذه، وتحملوني إلى بلادكم? فحملوني إلى وادي القرى، فباعوني من رجل من اليهود، فرأيت النخل، فعلمت أنه البلد الذي وصف لي، فاقمت عند الذي اشتراني، وقدم عليه رجل من بني قريظة فاشتراني منه، وقدم بي المدينة، فعرفتها بصفتها، فأقمت معه أعمر في نخله، وبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم، وغفلت عن ذلك حتى قدم المدينة، فنزل في بني عمرو بن عوف، فإني لفي رأس نخلة إذ أقبل ابن عم لصاحبي، فقال: أي فلان، قاتل الله بني قيلة، مررت بهم آنفاً ومهم مجتمعون على رجل قدم عليهم من مكة، يزعم أنه نبي، فو الذي ما هو إلا أن سمعتها، فأخذني القر ورجفت بن النخلة، حتى كدت أن أسقط، ونزلت سريعاً، فقلت: ما هذا الخبر? فكلمني صاحبي لكمة، وقال: وما أنت وذاك? أقبل على شأنك. فأقبلت على عملي حتى أمسيت، فجمعت شيئاً فأتيته به، وهو بقباء عند أصحابه، فقلت: اجتمع عندي، أردت أن أتصدق به، فبلغني أنك رجل صالح، ومعك رجال من أصحابك ذوو حاجة، فرأيتكم أحق به، فوضعته بين يديه، فكف يديه، وقال لأصحابه كلوا. فأكلوا، فقلت: هذه واحدة، ورجعت.وتحول إلى المدينة، فجمعت شيئاً فأتيته به، فقلت: أحببت كرامتك فأهديت لك هدية، وليست بصدقة، فمد يده فأكل، وأكل أصحابه، فقلت: هاتان اثنتان، ورجعت.
فأتيته وقد تبع جنازة في بقيع الغرقد، وحوله أصحابه، فسلمت، وتحولت أنظر إلى الخاتم في ظهره، فعلم ما أردت، فألقى رداءه، فرأيت الخاتم، فقبلته، وبكيت، فأجلسني بين يديه، فحدثته بشأني كله كما حدثتك يا ابن عباس، فأعجبه ذلك، وأحب أن يسمعه أصحابه، ففاتني معه بدر وأحد بالرق، فقال لي: كاتب يا سلمان عن نفسك، فلم أزل بصاحبي حتى كاتبته، على أن أغرس له ثلاثمائة ودية وعلى أربعين أوقية من ذهب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعينوا أخاكم بالنخل"، فأعانوني بالخمس والعشر، حتى اجتمع لي، فقال لي: فقر لها ولا تضع منها شيئاً حتى أضعه بيدي، ففعلت، فأعانني أصحابي حتى فرغت، فأتيته، فكنت آتيه بالنخلة فيضعها، ويسوي عليها تراباً، فأنصرف، والذي بعثه بالحق فما ماتت منها واحدة، وبقي الذهب، فبينما هو قاعد إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة، من ذهب أصابه من بعض المعادن، فقال: "ادع سلمان الفارسي المكاتب"، فقال: "أد هذه"، فقلت: يا رسول الله، وأين تقع هذه مما علي? وروى أبو الطفيل، عن سلمان، قال: أعانني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيضة من ذهب، فو وزنت بأحد لكانت أثقل منه. ( أسد الغابة ) .
(1/14)
رضي الله تعالى عنه في حفر الخندق حول المدينة المنورة من أجل تأمين المدينة من أثر هذا الغزو من المشركين وكذلك في نزوله ببدر أخذ بمشورة الحباب بن المنذر (1) رضي الله تعالى عنه حيث قال بأن هذا ليس لك بمنزل فأتبع مشورته وأخذ بالأسباب وهكذا في جميع الأمور كان عليه أفضل الصلاة والسلام وعلموا هذه الأمة أن تأخذ بالأسباب .
ما يترتب على تناسي الأسباب :-
__________
(1) - الحباب بن المنذر بن الجموح بن زيد. يكنى أبا عمر، وقيل: أبا عمرو، وشهد بدراً، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة قال ابن إسحاق: ( في سند طويل ) ... فيما ذكرت من يوم بدر قالوا: "وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم، يعني قريشاً، إليه، يعني إلى الماء، فلما جاء أدنى ماء من بدر نزل عليه، فقال الحباب بن المنذر بن الجموح: يا رسول الله، منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه، ولا نقصر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة"، قال الحباب: يا رسول الله، ليس بمنزل، ولكن انهض حتى تجعل القلب كلها من وراء ظهرك، ثم غور كل قليب بها إلا قليباً واحداً، ثم احفر عليه حوضاً، فنقاتل القوم ونشرب ولا يشربون، حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أشرت بالرأي"، ففعل ذلك. ( أسد الغابة ) .
(1/15)
ولا ريب أن تناسي هذه الأسباب يؤدي بالناس إلى أن يقعوا في كثير من الأوهام فالله تبارك وتعالى خلق الخلق وبسط الرزق وقضى على من قضى بالصحة وقضى على من قضى بالسقم وهو سبحانه وتعالى جعل أسباباً لكل شئ وهكذا شان الحياة ، الإنسان في حياته يتقلب بين صحة وسقم وقوة وضعف فالإنسان يبدأ طريق حياته ضعيفاً { الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة (1) } وتبارك وتعالى يبين سنته في الخلق إذ يقول { من نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون (2) } هكذا يبدأ الإنسان من نقطة الضعف فهو يولد ضعيفاً لا يستطيع حتى أن يدفع أذى ذرة تقرصه ، ثم تنموا قواه شيئاً فشيئاً ويأخذ جسمه في النمو ثم بعد ذلك يأخذ في الانتكاس شيئاً فشيئاً حتى يذبل وتنتهي حياته ، هذا إن عُمِّر وهذه هي سنة الله تبارك وتعالى في الخلق .
دعوة إلى اتقاء المضار :-
__________
(1) - سورة الروم الآية ( 54 ) .
(2) - سورة يس الآية ( 68 ) .
(1/16)
وهناك دعوة إلى اتقاء المضَّار وهذه الدعوة نجدها في ثنايا تشريعات الله تبارك وتعالى وما جاء على لسان رسوله عليه أفضل الصلاة و السلام ، الله تبارك وتعالى يقول { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين (1) } ذلك لأن الإسراف (2) يؤدي إلى الإضرار بالجسم وفي حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - [ ما ملأ ابن آدم وعاءاً شراً من بطنه ، حسب ابن آدم لقيمات يقومن صلبه فإن كان لا بد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لتنفسه ] (3) هذا هو ميزان الإعتدال في الغذاء حتى يكون الإنسان آخذاً لأسباب الصحة ومتجنباً لأسباب السقم مع أن الصحة و السقم كما قلنا من سنن هذه الحياة التي لا تتبدل ، ونجد في الحديث الثابت من رواية جابر ابن عبد الله رضي الله تعالى عنه عن النبي عليه أفضل الصلاة و السلام كما في صحيح مسلم أنه قال [ لكل داء دواء فإذا أصاب الدواء الداء برأ بإذن الله ] (4) فالله تبارك وتعالى جعل لكل داء دواء فإذا عولج الإنسان بذلك الدواء وأصاب الدواء موضع الداء كان ذلك سبباً للبرء ، هذا من الأخذ بالأسباب وجاء في حديث آخر جاء من طريق ابي هريرة (5)
__________
(1) - سورة الأعراف الآية ( 31 ) .
(2) - الإِسْرافُ: التَّبْذيرُ، أو ما أُنْفِقَ في غَيْر طاعَةٍ.( القاموس ) .
(3) - شعب الإيمان 5648، البيهقي 5650 ، سنن ابن ماجه 3349 ، والتحفة 11578 ، والمستدرك على الصحيحين للحاكم 7945 .
(4) - ابو داوود الطيالسي 8874 ، مسلم ج2 باب لكل داء دواء رقم 2204وفي معاني الآثار للطحاوي باب الكي هل هو مكروه أم لا ؟ والتبريزي في المشكاة كتاب الطب والرقي واحمد في المسند 14637والحاكم في المستدرك 7434 و 8219 .
(5) - أبو هريرة الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثرهم حديثاً عنه. وهو دوسي من دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن مالك بن نصر بن الأزد..وقال ابن إسحاق: قال لي بعض أصحابنا عن أبي هريرة: كان اسمي في الجاهلية: عبد شمس، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبد الرحمن، وإنما كنيت بأبي هريرة لأبي وجدت هرة فحملتها في كمي، فقيل لي: أنت أبو هريرة. وقيل: رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كمه هرة: فقال : يا أبا هريرة . أسلم أبو هريرة عام خيبر، وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، توفي بالعقيق وحمل إلى المدينة سنة تسع وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين سنة . ( أسد الغابة ) .
(1/17)
عند الشيخين عن النبي عليه أفضل الصلاة و السلام أنه قال [ إن الله لم يضع شيئاً من الداء إلا ووضع له شفاء ] (1) وجاء في حديث أسامة ابن شريك (2) عند أحمد أن جماعة من الأعراب (3) جاؤوا وسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التداوي فدعاهم النبي عليه وعلى صحبه أفضل الصلاة و السلام إلى أن يتداووا وقال لهم [ تداووا عباد الله فإن الله لم ينزل داءاً إلا وأنزل له شفاء إلا داءاً واحداً وهو الهرم ] (4)
__________
(1) - ابن ماجة باب ما انزل الله داءاُ إلا وأنزل له شفاءاً الحديث 3427 ، واحمد في المسند 17727، وابن ابي شيبة في المصنف كتاب الطب حديث 4 ، والحاكم في المستدرك 7537 و 8321 ، والطبراني في المعجم الكبير 467و471 والمعجم الصغير 560 ، ومسند أسامة بن شريك 862 ، وابن حبان في الطب 6168 .
(2) - أسامة بن شريك الثعلبي. من بني ثعلبة بن يربوع ، قال يروي عن نفسه : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير، فجاءته الأعراب من جوانب يسأله عن أشياء لا بأس بها. فقالوا: يا رسول الله علينا من حرج في كذا، علينا من حرج في كذا? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عباد الله، وضع الله الحرج أو قال: رفع الله عز وجل الحرج إلا من افترض أمراً ظلماً، فذلك الذي حرج وهلك". وروي: إلا من اقترض من عرض أخيه، فذلك الذي حرج وسألوه عن الدواء فقال: عباد الله، تداووا؛ فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا الهرم، وسئل: ما خير ما أعطي الرجل? قال: خلق حسن".( أسد الغابة ) .
(3) - ـ العُرْبُ، بالضم، وبالتحريكِ: خِلاف العَجَمِ، مُؤَنَّثٌ، وهُمْ سُكَّانُ الأمصار، أو عامٌّ.ـ والأَعْرابُ منهم: سُكَّانُ الباديةِ، لا واحدَ له، ويُجْمَعُ: أعاريبَ. ( القاموس ) .
(4) - انظر المرجع السابق..
(1/18)
فكل داء له شفاء وجاء في رواية أخرى [ لكل داء شفاء علمه من علمه وجهله من جهله ] (1) ومعنى ذلك أن كل علة من العلل جعل الله تبارك وتعالى لها علاجاً ، هذه العلل سواء كانت معلومة وهذا العلاج سواء كان معلوما أو لم يكن معلوماً فإن الله تبارك وتعالى جعل لكل علة من العلل علاجا و الناس مطالبون بأن يأخذوا بالأسباب وهذا لا يتنافى أن يكون الإنسان متوكلاً على الله فإن الأخذ بالأسباب من باب التوكل لأنه طاعة لمسبب الأسباب سبحانه وتعالى كذلك نجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر بعلاج الحمى مثلاً بالماء ويقول [ شدة الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء ] (2) ومعنى كونها من فيح جهنم أنها حارة ساخنة فهي آخذة الصفة من صفات جهنم (3) والعياذ بالله وهي شدة الحرارة وهذا أمر معروف والأطباء إلى الآن يعالجون الحمى أحياناً بالتبريد وأنا بنفسي عولجت هذا العلاج ، شدة البرد كنت أحس ببرودة شديدة وإذا بالطبيب يزيل عني الدثار (4)
__________
(1) - البخاري 6114 باب وكان أمر الله قدراً مقدورا ، واحمد في مسند عبدالله بن مسعود 3397 و 3727 و 4015 و 4106 ، وفي مسند أسامة بن شريك حديث 17728 ، وابن ابي شيبة في المصنف كتاب الطب حديث رقم 5 .
(2) - انظر المرجع السابق .
(3) - جهنم : بَعيدةُ القَعْرِ، وبه سُمِّيَتْ جَهَنَّمُ، أعاذَنا اللّهُ تعالى منها. ( القاموس ) .
(4) - تَدَثَّرَ بالثوبِ: اشْتَمَلَ به،و الدِّثارُ، بالكسر: ما فوقَ الشِّعارِ من الثيابِ. ( القاموس ) .
(1/19)
ويأتي بالثلج ويرميه علي وكان ذلك سبباً للشفاء وهذا من إعجاز (1) النبوة ودليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى فذلك كله من باب الأخذ بالأسباب .
الأوهام و التعامي عن الأسباب :-
__________
(1) - أعْجَزَهُ الشيءُ: فاتَهُ،ـ وـ فلاناً: وجَدَهُ عاجِزًا، وصَيَّرَهُ عاجِزًا.ـ والتَّعْجِيزُ: التَّثْبيطُ، والنِّسْبَةُ إلى العَجْزِ.ـ ومُعْجِزَةُ النبيِّ، صلى الله عليه وسلم: ما أعْجَزَ به الخَصْمَ عندَ التَّحَدِّي، والهاءُ للمُبالَغَةِ. ( القاموس ) .
(1/20)
والتعامي عن هذه الأسباب كان النبي - صلى الله عليه وسلم - شديداً على الناس فيه لا يرضى أن يتعامى الناس عن الأسباب أو أن يتجاهلوا سنن الله سبحانه في هذه الحياة فالكون مسير حسب أمر الله سبحانه وفق نواميس وسنن أرادها الله تبارك وتعالى له إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وعندما يطرأ على الناس في عهده - صلى الله عليه وسلم - شيء من التوهم يردهم من الوهم إلى الحقيقة ليستبصروا حتى لا يتيهوا في متاهات الوهم (1) فعندما مات ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم كان في سن الطفولة الباكرة حزن النبي - صلى الله عليه وسلم - حزنا شديداً كسفت (2)
__________
(1) - ـ.ـ الوَهْمُ: من خَطَراتِ القَلْبِ، أو مَرْجُوحُ طَرَفَيِ المُتَرَدَّدِ فيهـ ج: أوهامٌ، والطريقُ الواسعُ، والرجُلُ العظيمُ، والجَمَلُ الذَّلولُ في ضِخَمٍ وقُوَّةٍ ، وَتَوَهَّمَ: ظَنَّ. وأوْهَمَهُ وَوَهَّمَه غيرُهُ ـ ج: أوهامٌ ووُهومٌ ووُهُمٌ.ـ ووَهِمَ في الحِسابِ، كوَجِلَ: غَلِطَ( القاموس ) .
(2) - ـ الكِسْفَةُ، بالكسر: القِطْعَةُ من الشيءِ،ـ ج: كِسْفٌ وكِسَفٌ،ـ جج: أكْسافٌ وكُسوفٌ.ـ وكَسَفَهُ يَكْسِفُه: قَطَعَه،ـ وـ الشمسُ، والقمرُ كُسوفاً: احْتَجَبا،ـ كانْكَسَفا،ـ وـ اللُّه تعالى إياهُما: حَجَبَهُما، والأحْسَنُ في القمرِ: خَسَفَ، وفي الشمسِ: كَسَفَتْ،( القاموس ) ..
(1/21)
الشمس في ذلك اليوم فتراءى للناس أن كسوف الشمس إنما هو بسبب موت إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ألم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من المصاب ولكن في هذه الساعة الحرجة ساعة الحزن أبى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يرد الناس إلى الجادة ويبصرهم بالحقيقة فقال لهم [ إن الشمس و القمر آيتان من آيات الله لا تخسفان لموت أحد ولا لوفاته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله ] (1) نعم الشمس و القمر آيتان من آيات الله لأنهما من ضمن خلق الله سبحانه الدال على جلاله والدال على شهود كبريائه سبحانه وتعالى في هذا الكون .
دوران و تغير الأسباب :-
وللشمس و القمر سنن في هذا الدوران كما أن ذلك لسائر الأجرام السماوية التي تدور في مداراتها وفق سنن ، ووفق هذه السنن قد يؤدي الأمر إلى أن يختفي شيء من ضوء الشمس أو أن يختفي شيء من ضوء القمر أو أن يختفي ضوء القمر كله بحيث يصيبه المحاق (2)
__________
(1) - الريع بن حبيب ج1 باب في صلاة الكسوف ح194 ، احمد بن حنبل في مسنده ج2/109 ، البخاري في كتاب الكسوف 1،2،4 بدء الخلق 4 ، نكاح 88 .
(2) - ـ مَحَقَهُ، كَمَنعَه: أبطَلَهُ ومَحاهُ،ـ والمحاقُ، مُثَلَّثَةً: آخِرُ الشَّهْرِ، أو ثلاثُ لَيالٍ من آخِرِه، أو أن يَسْتَتِرَّ القَمَرُ فلا يُرَى غُدْوَةً ولا عَشِيَّةً، سُمِّيَ لأَنه طَلَعَ مع الشمسِ فَمَحَقَتْه. ( القاموس ) .
(1/22)
وفق تلك السنن التي أرادها الله وبما أن هذا الأمر هو أمر خارج عن المألوف المضطرد من ما يراه الناس في الشمس و القمر أمرهم النبي - صلى الله ع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق