الكتاب : الإباضية تاريخ ومنهج ومبادئ لزكريا المحرمي
ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع
الإباضية تاريخ ومنهج ومبادئ
زكريا بن خليفة المحرمي
www.drzak.net
مقدمة
نشأة المدرسة الإباضية
أماكن انتشار المذهب الإباضي
المبادئ السياسية
كيفية تعامل الفكر الإباضي مع الظلم
المبادئ العقدية
نفي التشبيه والتجسيم
نفي رؤية المخلوق للخالق
الموقف من الآيات المتشابهات
المبادئ الاجتماعية
خلود صاحب الكبيرة في النار
وجوب البراءة من صاحب الكبيرة
الموقف من التصوف
القضاء والقدر
بعض المميزات الفقهية
الموقف من الفتن والملاحم
نزول المسيح
المسيح الدجال والمهدي
الميزان
الصراط
(1/1)
الخلاصة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد ومن اتبع هداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا مختصر لأهم مبادئ المدرسة الفكرية الإسلامية الإباضية، وقد دفعني إلى كتابتها جهل أكثر أفراد الأمة بهذه المدرسة العريقة، فقررت كتابة مختصر للتعريف بها، وتوضيح تاريخ نشأتها وأئمتها المؤسسين، وبيان مبادئها السياسية والعقدية والفقهية، وتبين موقفها من بعض القضايا المتداولة في الساحة الفكرية الإسلامية.
لقد حاولت قدر الإمكان تبسيط موضوع الكتاب حتى يكون في متناول القراء من جميع الأطياف، بدأ برجل الشارع الذي يكتفي بالخبر العابر والمعلومة الجاهزة السريعة، ومروراً بطلبة العلم المجدّين الذين سيجدون في الكتاب ملخصاً وجيزاً بأهم المبادئ الإباضية راجياً أن يفيدهم في دراساتهم المقارنة، وانتهاءاً بالعلماء المحققين الذين سيكتشفون فيه طرائق
(1/2)
استدلال الإباضية والتعرف على منهجهم في التعامل مع القضايا المختلفة وفق منظومة القواعد الكلّية المستلهمة من الكتاب المسطور "القرآن الكريم"، والكتاب المنظور "الكون"، والسنة المجتمع عليها بين مدارس الأمة.
واسأل الله تعالى أن يعيننا على الخير وأن يجعل هذا العمل قربة إلى جلاله ووسيلة إلى مرضاته إنه هو السميع العليم.
نشأة المدرسة الإباضية
تعتبر المدرسة الإباضية أقدم المدارس الإسلامية تبلوراً وتمايزاً في تاريخ الأمة، حيث لم تستطع بقية المدارس صياغة مناهجها المستقلة إلا في فترات لاحقة، فمؤسس المدرسة الإباضية هو جابر بن زيد الأزدي(ت 93هـ)، وقد هاجر في صباه من نزوى في جوف عمان إلى البصرة لطلب العلم، وتتلمذ فيها وفي المدينة ومكة على كثير من الصحابة، إلا أنه أكثر الأخذ عن عبدالله بن عباس وأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر زوج رسول الله صلى الله عليه و سلم.
(1/3)
نبغ جابر بن زيد في الفقه والعلوم إلى درجة أن ابن عباس قال عنه "اسألوا جابر بن زيد، فلو سأله أهل المشرق والمغرب لوسعهم علمه"([1])، وحين مات قال عنه مالك بن أنس: "مات أعلم من على ظهر الأرض"([2])، هذا التميز دفع الأزد وغيرهم من أهل العراق إلى جعل جابر بن زيد مرجعهم الفقهي، ثم تطور الأمر بعد أن انفرد بنو أمية بالخلافة وجعلوها في عقبهم بالوراثة إلى تكوين مدرسة سياسية استقطبت الناقمين على السياسية الأموية، وكان القائد والمرجع لهذه المدرسة هو جابر بن زيد، وحين أخذت هذه المدرسة في النمو انضم إليها بعض بقايا أهل النهروان الذين حاربهم الإمام علي في معركة النهروان الشهيرة بعد أن خلعوه حين قبل بخدعة التحكيم، كان عبدالله بن إباض ونافع بن الأزرق من أنصار أهل النهروان إلا أن ابن الأزرق سرعان ما انفرد بتأسيس جماعته التي اشتهرت بتكفير المخالفين واستحلال دمائهم، وقد عرفت حركة نافع بن الأزرق –الأزارقة– وغيره ممن اعتنق منهج التكفير واستحلال دماء المخالفين بـ "الخوارج"([3]).
كانت مدرسة الإمام جابر بن زيد ما تزال سرية إلا أن انضمام شخصية عسكرية مثل عبدالله بن إباض جعلها تحت طائلة المراقبة والمتابعة من قبل مخابرات الدولة الأموية، وقامت الدولة الأموية بتسمية مدرسة الإمام جابر بن زيد بـ(الإباضية) لسببين، الأول: أن نسبة المدرسة إلى إمام في العلم بحجم جابر بن زيد ربما يدفع المزيد من الأزد وغيرهم إلى الإنضواء في لوائها. الثاني: أن شخصية عبدالله بن إباض معروفة لدى الناس بأنها عسكرية، فنسبة المدرسة إلى رجل عسكري يجعل الناس تتوجس من أهدافها خاصة بعد الفتن والحروب المسلحة التي مرت بها الأمة([4]).
كان للإمام جابر الكثير من الأتباع من التابعين من أمثال أبي بلال مرداس بن حدير وأخيه عروة، وجعفر بن السماك العبدي، وسالم بن ذكوان الهلالي، وصحار العبدي وغيرهم.
تتلمذ الكثير من العلماء على يد الإمام جابر، وحملوا عنه العلم، وعلى رأس هؤلاء أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة، وضمام بن السباب، وأبو نوح صالح الدهان، وأبو عبيدة
(1/4)
عبدالله بن القاسم، وعنهم أخذ الإمام الربيع بن حبيب الأزدي، وعبدالله بن عبدالعزيز، ووائل بن أيوب الحضرمي، وأبو المؤرج، وأبو غسان مخلد بن العمرد، وعبدالسلام بن عبدالقدوس، وطالب الحق عبدالله بن يحيى الكندي، وأبو حمزة المختار بن عوف الشاري، وأبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري، وعبدالرحمن بن رستم الفارسي، وعاصم السدراتي، وإسماعيل بن درار الغدامسي.
وعن هؤلاء حمل العلم محبوب بن الرحيل ومنير بن النير الجعلاني، وموسى بن أبي جابر، وبشير بن المنذر، وهشام بن المهاجر، وهاشم بن غيلان العماني، وعبدالوهاب بن عبدالرحمن بن رستم، وأفلح بن عبد الوهاب، وأبو مرداس مهاصر السدراتي، وغيرهم([5]).
أماكن انتشار المذهب الإباضي:
ينتشر الإباضية في سلطنة عمان، وساحل أفريقيا الشرقي في كل من تنزانيا ورواند وأوغندا، وفي الشمال الأفريقي في جبل نفوسة بليبيا، وجزيرة جربة بتونس، ووداي ميزاب بالجزائر، وهناك جاليات إباضية تنتشر في مختلف أنحاء العالم خاصة في فرنسا.
وكان سبب انتشار المذهب الإباضي في كل من عمان، واليمن، وشمال أفريقيا، وساحل أفريقيا الشرقي، هو قيام دول إباضية في تلك المناطق، ويمكن قراءة تاريخ تلك الدول في كتب التاريخ والسير([6]).
(1/5)
المبادئ السياسية
أسس الإباضية مبادئهم السياسية على مجموعة من القواعد الكلية المستوحاة من نصوص الكتاب العزيز والسنة المجتمع عليها مع اعتبار جانب العرف والواقع المتغير حسب الزمان والمكان، وهذه القواعد هي:
القاعدة الأولى: الحاكم يجب أن يكون من المؤمنين.
يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}النساء: 59.
ويقول تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}النساء: 83.
وهذه القاعدة تشير إلى وجوب كون الحاكم من جماعة المؤمنين، وهي كما يُلحظ لا تشترط أن يكون الحاكم أكثر الناس زهداً وورعاً، وإنما تؤكد على وجوب أن يصدق عليه صفة الإيمان، وهو عدم التلبس بما يخل بعدالة المؤمن من معاصي ومفاسد. يقول أبو المؤثر (ت 287هـ): "الذي يستحق الإمامة إذا كان ورعاً بصيراً بما يأتي ويتقي، وكان يبصر الولاية والبراءة، وكان قوياً على إقامة الحق"([7]).
(1/6)
القاعدة الثانية: أهمية العلم والقدرة البدنية في الحاكم.
يقول تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ}البقرة:247.
وقد مرّ العالم الإسلامي بفترات عصيبة حين تولى أمرها الجهلة والضعفاء بدنياً. يقول أبو المؤثر: "وإن عجز عن أخذ الحقوق وإقامة الحدود ونكاية العدو، وصار عجزه دعاية لتبطيل الحدود وبطلان الأحكام وظهور العدل، ووضح ذلك للمسلمين، فقد صار معطلاً لحدود الله، يعزل ويقام غيره ممن يقوم بذلك ويبلغ فيه الحق"([8]).
القاعدة الثالثة: مساواة البشر في حظوظ وصولهم إلى درجة الحكم.
يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}الحجرات: 13.
تؤكد هذه القاعدة على مبدأ المساواة البشرية فهي بالتالي تلغي أسس التفاضل الجاهلية التي كانت سائدة في المجتمعات البشرية المختلفة كالقبلية والعرقية والمادية، فالمسلمون جميعاً سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى أي بمقدار تحليه بأخلاق وآداب الإسلام، ومن هذا المنظور السامي فإن القرشية والعلوية والأموية والعرقية لا أصل لها في الإسلام، بل إن القرآن ينسب هذه النوعية من المفاضلة حسب الأعراق إلى الشيطان الرجيم، حيث أورد على لسانه إقراره السافر عن سبب عصيانه لأمر الله وهو اعتبار أصله أفضل من أصل آدم، حيث قال: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}الأعراف:12. وقد قال تعالى قاطعاً السبيل أمام شبهة التفاضل العرقي {مَّا كَانَ
(1/7)
مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}الأحزاب: 40، فالقرابة من الرسول صلى الله عليه و سلم لا تغني في ميزان الله شيئاً بل أنها تحقق فوضى الوسائط، ولو كانت تغني من الحق شيئاً لأغنت ابن نوح وزوجته، وزوجة لوط، ولأغنت أبا لهب من الحريق واللهب، وحين نزل قوله تعالى {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}الشعراء: 214، جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يتفخذ أفخاذ قريش فخذاً فخذاً حتى أتى إلى بني عبدالمطلب فقال: "يا بني المطلب إن الله أمرني أن أنذركم، فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً، ألا إن أوليائي منكم المتقون، ألا لأعرفن ما جاء الناس غداً بالدين فجئتم بالدنيا تحملونها على رقابكم يا فاطمة بنت محمد ويا صفية عمة محمد اشتريا أنفسكما من الله، فإني لا أغني عنكما من الله شيئاً"([9]).
القاعدة الرابعة: الشورى هي أساس اختيار الحاكم وتدبير أمور الحكم.
يقول أبو المؤثر: "ومن دين المسلمين إقامة الأئمة عن تراض ومشورة"([10]). واستدلوا لذلك بنصوص محكمة من الكتاب العزيز منها:
قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}الشورى: 38.
وقوله تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}آل عمران: 159.
وهي قاعدة كلية غير مقيدة بصور الممارسات البشرية السابقة، بل هي موكلة لطبيعة المجتمع الإسلامي الثقافية والاجتماعية المتغيرة زمانياً ومكانياً، فقد تكون محصورة في فئة معينة ذات مواصفات قياسية خاصة كالعلم والتقوى والحكمة كما هو الحال مع تعيين عمر بن الخطاب لستة شخصيات مرموقة في الدولة الإسلامية تختار من بينها فرداً يقود
(1/8)
الأمة، أو قد تتم من خلال مجالس بلدية أو برلمانات تمثل عقلاء الأمة ومثقفيها، أو قد يكون مفتوحاً كما هو الحال مع الانتخابات العامة للمفاضلة بين الأفراد الذين تتحقق فيهم مواصفات الترشح لمنصب الحاكم، وهذا كله يفهم من خلال أمره تعالى باعتبار عرف المجتمع إذا لم يتصادم مع قواعد الشريعة حيث يقول عز وجل {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}الأعراف: 199.
القاعدة الخامسة: العدل أساس الحكم.
يقول تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ}النساء: 58.
ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَآ الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}المائدة:8
ويقول تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى}النحل: 90.
ويقول تعالى: {وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ}الشورى: 15.
القاعدة السادسة: تحريم الظلم.
يقول تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ}يونس: 13.
ويقول تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ}الشورى: 42.
(1/9)
القاعدة السابعة: وجوب تحكيم شرع الله.
يقول تعالى: {فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}المائدة: 48.
ويقول تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ}المائدة: 49.
ويقول تعالى: {فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}المائدة: 44.
ويقول تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}المائدة: 45.
ويقول تعالى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}المائدة:47.
وقد ترجم الإباضية هذه المبادئ في حياتهم واعتبروها جزءاً من هويتهم، الأمر الذي حدا بمفكري العالم الإسلامي من خارج الدائرة الإباضية إلى الوقوف إجلالاً واحتراماً لهذا الانجاز المبهر والفريد في تاريخ البشرية، ففاضت في ثنايا كلامهم الأماني بامتثال هذه المعاني القرآنية العظيمة التي انفرد الإباضية بتطبيقها والتنعم بلذتها.
يقول الدكتور حسن الترابي: "بعد هذه المعالجة الاصطلاحية لكلمة الديمقراطية ومغزى استعمالها في اللغة العربية، وفي سياق الكلام عن نظام الحكم الإسلامي يمكن أن نتناول
(1/10)
الكلمة الإسلامية المقابلة وهي "الشورى"، ولعل الأدب الإسلامي السياسي الحديث هو الذي روج الكلمة وأضفى عليها قيمتها ومضامينها ذات الشأن بعد أن كانت كتب الفقه القديمة لا تعنى بها كثيراً ولا تقيم لها هذه القيمة الجليلة، لأن الممارسة السياسية الشورية لم تكن واسعة ولا ذات خطر في التاريخ الإسلامي"([11]).
وهذا التأكيد المفعم بكثير من الأسى والحسرة على غياب الممارسة الشورية في تاريخ الأمة يتبعه الدكتور الترابي بالقول "وكاد التاريخ الإسلامي يخلو من الإجراءات الشورية المطلقة في تعيين الولاة. وما كان من الشورى لم يكن عن حرية ورضى وضبط كما يقتضي الدين. لكن سنة الاختيار الشوري المرضي قد عرفت أحياناً، ولا سيما في مناطق الخوارج([12])، فقد ظل الإمام لدى الإباضية من باطن عمان يختار بنحو قريب من الطريقة الشورية التي يقتضيها الإسلام، فحين يموت إمام كانت جماهير من يمثلون الجماعة يأتمرون من أجل هذا الشأن، وتخرج منهم طائفة من العلماء والقادة، يمرون على أعيان المؤهلين للخلافة ويستطلعون مواقفهم ثم يزكون من يرونه أقربهم زكاة وقوة، ويعرضون أمره على الجماهير المؤتمرة فإذا أمضوه عقدت له البيعة بشرطها المأخوذة. أما السنة الأغلب في الممارسة السياسية الإسلامية، فالذي يغلب عليها هو ولاية العهد وميراث الخلافة أو استلاب الأمر بالانقلاب أو التمكن في ناحية إقليمية"([13]).
ويقول الدكتور حسين عبيد غباش: "وفي السياق التاريخي الإسلامي نجد أن تطبيق مبدأي الاجماع والتعاقد قد عُلق واقعاً ... في حين طبق العمانيون هذين المبدأين على مستوى الإمامة وعلى مستوى الدولة والمجتمع، بل وفي كل الأمور، وذلك منذ القرن الثاني الهجري، (القرن الثامن الميلادي). بعبارة أخرى، امتدت هذه التجربة العمانية، مع بعض الانقطاع، اثني عشر قرناً. وإذا سلمنا بأن التطبيق الكامل لمبدأي الشورى والانتخاب الحرّ لزعيم الأمة –أي الإجماع والتعاقد- هما جوهر الديمقراطية، فإن الإمامة الإباضية العمانية يمكن أن تعد أطول تجربة ديمقراطية في تاريخ الإنسانية"([14]).
(1/11)
كيفية تعامل الفكر الإباضي مع الظلم:
يرى الإباضية أن الإسلام أباح خلع السلطة التي تقوم باستحياء النساء، وقتل الأبناء، وإراقة الدماء، واستدلوا لذلك بمجموعة من النصوص المحكمة من الكتاب العزيز، منها قوله تعالى {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}المائدة: 45، وقوله عز وجل: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ}هود: 113، واستقراء لعمومات نصوص كثيرة تدعو إلى نصرة الحق ومحاربة الباطل كقوله تعالى {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}المائدة: 2، وقوله عز وجل {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}العصر: 3، إلى غير ذلك.
وخلع السلطة يجب أن لا يكون عملية عشوائية، فإن تعذر حصولها بالطرق السلمية جاز المصير إلى الخيار العسكري، ولكن يشترط في الخيار العسكري أن يكون للثوار نصف قوات السلطة الفاسدة ونصف عتادها حيث يقول ابن بركة: "لزم المسلمين جهاد عدوهم ومحاربته إذا صاروا كنصف عدده، فالفرض ساقط عنهم قبل ذلك"([15])، وقد استلهموا هذه القاعدة من قوله تعالى {الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}الأنفال: 66، وتوفير هذا العدد لا يتأتى إلا حين تكون الدعوة قد تغلغلت في جسد المجتمع الذي ينقلب هو بدوره على جميع مظاهر الفساد، فالخيار العسكري في
(1/12)
الفكر الإباضي أشبه ما يكون بالإنقلاب الأبيض غير المسلح، وذلك لتجنيب الأمة ويلات الفتن والحروب الداخلية.
المبادئ العقدية
عقيدة الإنسان تعتبر القوة المحركة والموجهة له في كل مناحي الحياة، ونظراً لأهمية العقيدة في الإسلام استشعر الإباضية أهمية بناء التصور العقدي على الأدلة القطعية التي لا يحوم حولها الشك أو الخطأ، فلهذا اعتمد الإباضية في تأسيس بنيان العقيدة على نصوص القرآن الكريم وحده([16]) لأن نصوصه لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وهي محفوظة من التحريف والتزييف وليس الأمر كذلك بالنسبة للأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه و سلم، وقد أسس الإباضية تصورهم للبنيان العقدي على مجموعة من القواعد الكلية المستوحاة من النصوص المحكمة من الكتاب العزيز والدلائل العقلية القطعية.
(1/13)
نفي التشبيه والتجسيم:
يقوم البنيان العقدي الإباضي على مبدأ تنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقات، وهذا المبدأ مبني على مجموعة من القواعد الكلية المستوحاة من الكتاب العزيز والسنة المجتمع عليها، ودلائل العقل السليم، وهذه القواعد هي:
القاعدة الأولى: الله سبحانه وتعالى لا يشبه المخلوقات.
1- {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ` اللَّهُ الصَّمَدُ ` لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ` وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} الإخلاص:1-4.
2- {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} البقرة:22.
3- {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}الشورى: 11.
4- {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}مريم: 65.
فهذه الآيات تنفي مشابَهة الخالق U لأيّ شيء من مَخلوقاته في كُلّ شيء من الصفات والأفعال حَتَّى الحاجة للمكان والزمان؛ لأنَّ الأشياء سوى الله U مَخلوقة، وهي مُحتاجة للزمان والمكان، والله تعالى هو الخالق وهو لا يشبه المخلوقات في شيء، فليس محتاجاً للزمان ولا للمكان. كما أنَّ الزمان والمكان مخلوقان لله الذي كان قبل خلق الزمان والمكان، قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}الزمر: 62، فكيف يحتاج إليهما وهما مخلوقان
(1/14)
له وهو القائل: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}الحج: 64.
القاعدة الثانية: لا يوصف الله سبحانه وتعالى بالجهات.
1- {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ} البقرة: 115.
2- {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}الحديد: 3.
فقد أثبتَ تعالى أن جَميع الجهات بالنسبة له واحدة، فلا يَختصُّ بِجهة دون جهة.
القاعدة الثالثة: الله سبحانه وتعالى قريب من عباده بعلمه وحفظه.
1-{كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}العلق: 19.
2-{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}ق: 16.
3-{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لا تُبْصِرُونَ}الواقعة: 85.
القاعدة الرابعة: الله سبحانه وتعالى مع خلقه بعلمه وحفظه.
1-{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}الحديد: 4.
(1/15)
2-{مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}المجادلة: 7.
ويلزم من قال إنَّ الله موجود في جهة الفَوْق، أن يقول إنَّ الله تعالى موجود معنا بذاته!، فلمَّا لم يُجوّز القول بذلك أثبت أنَّ الله تعالى لا يوصف بالأمكنة والجهات.
القاعدة الخامسة: الأدلَّة العقلية تَمنع جواز وصف الله تعالى بالجهة والمكان.
1- أنَّ المكان من خلق الله تعالى، ومن ضرورة العقل وجوب تقدّم الخالق على المخلوق في الوجود، فلو كان تعالى حالاً في مكان لوجب تقدّم المكان عليه لضرورة العقل بذلك، فيستلزم خالقاً غيره وهو باطل، أو أن يكون قديماً معه فيلزم تعدّد القدماء وهو باطل.
2- لو كان تعالى حالاًّ في مكان للزم أن يكون المكان محيطاً به ولو من جهة واحدة، فيلزم تَحديده وتناهيه وهما مستحيلان عليه.
3- لو كان تعالى حالاًّ في مكان للزم أن يكون المكان أقوى منه؛ لأنَّه هو الذي حَمله، وكون غيره تعالى أقوى منه محال.
4- أن المكان صفة للأجسام وهو تعالى ليس بِجسم.
5- المتمكّن مُحتاج إلى مكانه، والمكان مستغن عن المتمكّن. ومعنى ذلك احتياج الله للمكان دون حاجة المكان إليه.
6- لو كان في مكان، فإمَّا أن يكون في بعض الأحياز، أو في جَميعها وكلاهما باطل. أمَّا الأوَّل: فلتساوي الأحياز ونسبته إليها، فيكون اختصاصه ببعضها ترجيحاً بلا مرجِّح، وأمَّا
(1/16)
الثاني: فلأنَّه يلزم تداخل المتحيِّزين ومخالطته لقاذورات العالم، تعالى عن ذلك علواً كبيراً([17]).
7- كلُّ متحيِّز هو مُختصّ بِحيِّزه، ولن يَخلو من أن يكون ساكناً فيه أو متحرِّكاً عنه، فلا يَخلو عن الحركة أو السكون وهما حادثان، وما لا يَخلو من الحوادث فهو حادث([18]).
8- أنَّ الجالس على العرش لا بُدَّ أن يكون الجزء الحاصل مِنه في يَمين العرش غير الحاصل في يسار العرش، فيكون في نفسه مؤلّفاً مركباً، وكلُّ ما كان كذلك احتاج إلى المؤلّف والمركب، وذلك محال.
9- لو كان علوُّه بسبب المكان، لكان لا يخلو إمَّا أن يكون متناهياً في جهة الفَوْق، أو غير متناه في تلك الجهة، والأوَّل باطل؛ لأنَّه إذا كان متناهياً في جهة الفَوْق، كان الجزء المفروض فَوْقه أعلى منه، فلا يكون هو أعلى من كلِّ ما عداه، بل يكون غيره أعلى منه. وإن كان كان غير متناه فهذا محال؛ لأنَّ القول بإثبات بعد لا نِهاية له باطل بالبراهين اليقينية، فإذا قدَّرنا بعداً لا نِهاية له، لافترض في ذلك وجود نقاط غير متناهية كلّ نقطة فَوْقها نقطة أخرى إلى ما لا نِهاية، فكلُّ نقطة من تلك النقاط تُعدّ سفلاً بالنسبة للأخرى، فحينئذ لا يكون لشيء من النقاط المفترضة علو مطلق البتَّة، وذلك ينفي صفة العلوية.
10- أنَّ العالم كرة، ومتى كان الأمر كذلك، فكلُّ جانب يفرض علواً بالنسبة إلى أحد وجهي الأرض يكون سفلاً بالنسبة للوجه الثاني، فينقلب غاية العلوّ غاية السفل.
11- أنَّ كلَّ وصف يكون ثبوته لأحد الأمرين بذاته، وللآخر بتبعيَّة الأوَّل كان ذلك الحكم في الذاتي أتَمّ وأكمل، وفي العرض أقلّ وأضعف، فلو كان علوُّ الله تعالى بسبب المكان لكان علوّ المكان الذي بسببه حصل هذا العلوّ لله تعالى صفة ذاتيَّة، ولكان حصول
(1/17)
هذا العلوّ لله تعالى حصولاً بتبعيَّة حصوله في المكان، فكان علوّ المكان أتَمّ وأكمل من علوّ ذات الله تعالى، فيكون علوّ الله ناقصاً وعلوّ غيره كاملاً، وذلك مُحال([19]).
وقد ذهب بعض البسطاء إلى أن الله تعالى موجود في السماء بذاته، وأنه مستو على عرشه كما يستوي الفارس على رحل فرسه، وقد قام كثير من عقلاء الأمة بالرد عليهم([20]).
القاعدة السادسة: الأدلَّة العقلية تَمنع جواز وصف الله تعالى بالجوارح وصفات الأجسام.
1- لو كان لله تعالى يد وعين وساق إلى غير ذلك ستكون اليد محتاجة للعين لأن اليد لا تستطيع الرؤية، وتكون العين محتاجة لليد لأن العين لا تستطيع البطش والعطاء، فيكون كل جزء من هذه الأجزاء محتاج مفتقر إلى الآخر، أي أن الله تعالى مجزأ مقطع مركب من أجزاء كل منها عاجز ومحتاج إلى الجزء الآخر، والتأليف والتركيب من صفات المخلوقات.
نفي رؤية المخلوق للخالق:
والإباضية انطلاقاً من مبدئهم التنزيهي لله تعالى يعتقدون باستحالة رؤية الخلق للخالق عز وجل.
وقد أسسوا هذا المبدأ العقدي على مجموعة من القواعد الكلية وهي:
(1/18)
القاعدة الأولى: أنَّ الْمرئيَّ لا بد أن تتوفر فيه هذه الشروط:
أولاً: أن الْمَرئِيّ لاَ بُدَّ أن يكون في جهة، والْمُتَحَيِّز في جهة مَحدود، والْمحدود حادث، والْحادث مَخلوق ليس بإلَه.
ثانياً: أنَّ الْمَرئِيَّ إمَّا أن يكون صغيراً فيُرى كلُّه فيكون محدوداً، أو كبيراً فيُرى بعضُه فيكون مجزَّءاً مبعضاً.
ثالثاً: الْمَرئِيُّ يلزم أن يكون في مسافة عن العين، وهو بذلك يكون مَحدوداً من جهة العين.
رابعاً: أن الْمَرئِي يَجب أن يكون كثيفاً؛ لأَنَّ اللطافة لا تُرى، والكثيف جسم، والأجسام مركّبة، والْمركّب مَخلوق.
خامساً: الْمَرئِيّ يَجب أن يكون مضيئاً بذاته أو مضيئاً بغيره، والْمضيء بغيره مُحتاج، والْمضيء بنفسه مشع، والمشع إمَّا أن يكون الإشعاع يفارقه فهو ينقص، أو لا يفارقه "كالثقوب السوداء في الْمجرات" فلا يُرى.
سادساً: الْمَرئِيّ يَجب أن لا يكون قريباً جداً، فيحجِب الرُّؤية كحجْب الأجفان لرؤيتها من قِبَل الْحدقة، وأن لا يكون بعيداً جداً، فالبعد الكبير يَمنع الرؤية حتى لو كان الْمَرئِيّ كبيراً جداً، فالنجوم العملاقة البعيدة لا تراها العيون، والقرب والبعد من صفات الأجسام الْمَحدُودة، والْمَحدُود مَخلُوق.
سابعاً: الْمَرئِيّ مَحسوس؛ لأَنَّه يتصل بِحاسّة الإبصار، والله U يتعالى أن يكون من الْمَحسُوسات.
(1/19)
وكلُّ هذه الصفات مستحيلة في حقِّ الله تعالى؛ لأَنَّها تَدُلُّ على النقص في حقِّ جلاله العظيم.
القاعدة الثانية: يتنزَّه الله عن مشابهة الْمَخلُوقات.
1-{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ` اللَّهُ الصَّمَدُ ` لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ` وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}الإخلاص: 1-4.
2-{فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}البقرة:22.
3-{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}الشورى: 11.
4-{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}مريم: 65.
الآيات تنصُّ على عدم مُشابَهة الْمَخلُوقات له تعالى في صفة أو فعل، والْمَخلُوقات توصف بأنَّها تشاهد وترى بالعين، والله تعالى لا يشابه الْمَخلُوقات فلا يَجُوز أن يوصف بأنه يُشاهد ويُرى بالعين.
القاعدة الثالثة: يستحيل تَخصص الباري في جهة:
1-{هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} الحديد:3.
2-{وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ} البقرة: 115.
(1/20)
القاعدة الرابعة: الله عز وجل لا تدركه الأبصار.
1-يقول الله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الأنعام: 103.
وهذه الآية تنفي نفياً جازماً رؤية الْمَخلُوقات لله تعالى، وقد قالت السيدة عائشة: "ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية"، فقال لها مسروق: يا أم المؤمنين انظري ولا تعجلي ألم يقل الله {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}النجم: 13، {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ}التكوير: 23، فقالت: "أنا أول هذه الأمة سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك فقال: ذاك جبريل u، ولم أره في صورته التي خُلق عليها إلا مرتين، رأيته قد هبط من السماء فسدّ جسمه ما بين السماء والأرض، ألم تسمع لقوله تعالى {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}الأنعام: 103، ومن زعم أن محمداً صلى الله عليه و سلم لم يبلغ ما أنزل إليه من ربه فقد أعظم على الله الفرية لأن الله تعالى يقول {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}المائدة: 67، ومن زعم أن محمداً يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية لأن الله تعالى يقول {قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}النمل: 65"([21]).
فاستدلالَّ السيِّدة عائشة بهذه الآيات هو لتعليم الأمَّة وجوب عرض مثل هذه الأفكار على النُّصُوص الْمُحكَمة من الكتاب العزيز، التي تقطع بعدم جواز وصف الله تعالى بأنَّه يُرى بالأعين.
2- قَوله تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي}الأعراف: 143.
(1/21)
فلو كانت الرؤية جائزة الحصول يوم القيامة، لَحصلت لِموسى u على سبيل الْمُعجِزة، كما هو الْحال مع بقية المعجزات التي تَخالف قانون الكَوْن الدنيَوِي، لكن ردُّ الله I كان قاطعاً جازماً حاسماً، ليؤكِّد على استحالة الرُّؤية التي طلبها موسى u، ويبرهن لقومه استحالة الرؤية.
وذهب البعض إلى جواز رؤية المخلوق للخالق يوم القيامة، وقد فند كثير من عقلاء المسلمين تلك الدعاوى([22]).
الموقف من الآيات المتشابهات:
قد يتساءل القاريء الكريم عن منهج المدرسة الإباضية في التعامل مع النصوص التي يوهم ظاهرها تشبيه الله تعالى بخلقه مثل قوله تعالى {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا}هود:37، وقوله {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}ص:75، وقوله{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}طه: 5.
اعتبر الإباضية هذه النصوص التي يوهم ظاهرها التشبيه من النصوص المتشابهة التي يجب أن ترد إلى النصوص المحكمة لكي ينجلي عنها الاشتباه والتعارض، وذلك امتثالا منهم لقوله تعالى {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ
(1/22)
إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}آل عمران7.
والقرآن الكريم نزل بلغة العرب بكل ما فيها من صور مجازية، حيث يقول تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا}طه: 113. فلهذا استخدم الكتاب العزيز الكثير من الصور المجازية لتقريب المعاني وترسيخها في عقول البشر بأبسط الألفاظ وأوجزها وأعجزها كقوله تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ}آل عمران: 112، حيث عبّر عن العهد والميثاق بالحبل، وقوله تعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}آل عمران: 103، حيث عبّر عن الإسلام بالحبل، وقوله تعالى: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ}المسد: 4، حيث الحبل بمعناه المشهور عند الناس. فالكلمة نفسها إلا أن معناها تغير حسب اختلاف السياق والقرائن، وهذا هو المجاز.
من هنا اعتبر الإباضية تلك النصوص المتشابهة بحاجة إلى تأويل حسب قواعد اللغة العربية، بحيث تتوافق مع منظومة القواعد الكلية التي تنزه الله تعالى عن مشابهة المخلوقات، يقول الشيخ صالح بن عمرات:
وكل ما صورته ببالك
فعلم كنه ذاته محال
العجز عن إدراكه إدراك
فالله جلَّ بخلاف ذلك
ممَّن سواه ولذاك قالوا
(1/23)
والخوض في إدراكه إشراك([23])
وألفاظ (اليد، العين، الوجه، الساق، الجنب) التي يوهم ظاهرها التشبيه، قد ثبت في لغة العرب أنها تحمل معاني أخرى غير تلك المعاني الظاهرة، فاليد تعني القوة، والعين تعني الحفظ، والوجه تعني الذات، والساق تعني اشتداد الأمر كل ذلك على المجاز، ويصار إلى هذه المعاني المجازية حسب القرائن وسياق الكلام.
فمن كلام العرب في اليد قولهم:
وغداة ريح قد كشفت وقرة
إذا أصبحت بيد الشمال زمامها
ومن كلامهم في الساق وأنه يأتي بمعنى شدة الأمر:
قد كشفت عن ساقها فشدوا
(1/24)
وجدت الحرب بكم فجدوا
ومن كلامهم في الوجه، وأنه يأتي بمعنى الذات:
وجوه يوم بدر ناظرات
إلى الرحمن يأتي بالفلاح
المبادئ الاجتماعية
اهتم الفكر الإباضي بترسيخ مفهوم الخلافة الكونية بين أتباعه، وفي هذا الإطار حدد الإباضية مجموعة من المبادئ لضمان نجاح المجتمعات البشرية للقيام بواجب العبودية لله
(1/25)
تعالى وواجب خلافة الكون وعمارته، وقد أسس الإباضية هذه المبادئ على مجموعة من القواعد الكلية المستوحاة من نصوص الكتاب العزيز والسنة المجتمع عليها.
وهذه المبادئ هي:
خلود صاحب الكبيرة في النار إن أصر عليها ولم يتب من وزرها:
الإنسان بطبيعته البشرية لا يكاد ينجو من الوقوع في الزلل والتلبس بالمعاصي، وهذه المعاصي الصغيرة معفوة تلقائياً طالما تجنب الإنسان الوقوع في الفواحش العظيمة والكبائر الوخيمة، يقول تعالى {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا}النساء: 31، فالصغائر مستثناة من الوعيد، أما الكبائر فهي التي "أوجب الله تعالى لها حدّ في الدنيا أو توعد فاعلها بعذاب في الآخرة"([24])، مثل القتل والزنا والسرقة، فإن تاب الإنسان من هذه الكبائر كان من الفائزين، وإن أصر عليها واستكبر فهو في النار من الخالدين.
وقد أسس الإباضية هذا المبدأ على مجموعة من القواعد الكلية المستوحاة من النصوص المحكمة من الكتاب العزيز والسنة المجتمع عليها، وهذه القواعد هي:
القاعدة الأولى: خلود أصحاب الكبائر في النار إن لم يتوبوا إلى الله.
(1/26)
1-يقول تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ` يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}الفرقان: 68-69.
2-ويقول تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}النساء: 93.
3- يقول تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ` وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ}النساء13-14.
4- ويقول تعالى: {إِلا بَلاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}الجن: 23.
5- ويقول تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ}التوبة: 63.
6- ويقول تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ` فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}النحل: 28-29.
7- ويقول تعالى حاكياً عن خلود الفسقة في النار وحديثهم مع الذين أضلوهم السبيل: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ` وَقَالَ الَّذِينَ
(1/27)
اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}البقرة: 166-167.
8-ويقول تعالى: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ}الشورى: 45.
9- ويقول تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ` لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}الزخرف:74-76.
ومن نصوص السنة النبوية المجتمع عليها، قول النبي صلى الله عليه و سلم:
1- "لا يدخل الجنة مخنَّث ولا ديوث"([25]).
2- "الجنة حرام على من قتل ذمّيّاً"([26]).
3- "لا يدخل الجنة قتات"([27]).
4- "لا يدخل الجنة قاطع رحم"([28]).
5- "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه"([29]).
6- "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"([30]).
(1/28)
7- "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً"([31]).
القاعدة الثانية: خروج المصرّين على الكبائر من النار هي فكرة إسرائيلية الأصل، وقد حذر الله تعالى منها:
1- يقول تعالى حاكياً عن اليهود: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}البقرة:80.
2- ويقول تعالى ناهياً المسلمين عن اتباع فكر أهل الكتاب: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا}النساء: 123.
3- ويقول تعالى محذراً المسلمين من السير في طريق بني اسرائيل الذي سول لهم انتهاك حرمات الدين: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مُّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ}الأعراف: 169.
القاعدة الثالثة: كلمات الله تعالى لا تتبدل ولا تتغير ولا يوصف تعالى بالعلم بعد الجهل "البداء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق