عنوان الكتاب: الأسئلة والأجوبة النثرية نثر فتاوي السيابي
المؤلف: الشيخ عبد الرحمان بن عمر بكلي (البكري) (ت. 1986م)
ترتيب وتحقيق: الحاج أحمد بن حمّو كروم
دار النشر: [د. ن]
تاريخ النشر: [د. ت]
[ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع]
ترتيب وتحقيق
كروم الحاج أحمد بن حمّو
تأليف
الشيخ عبد الرحمان بن عمر بكلي (البكري) (ت. 1986م)
_
(1/1)
_
مقدّمة
الحمد لله الذي جعل العلماء ورثة الأنبياء، وجعل السؤال والجواب دليل العقلاء، ويسَّر أسباب العلم وحارب الجهل وحباله بقوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [الأنبياء: 07] ونصلّي ونسلّم على الذي كان مبعثه جوابًا لكثير من التساؤلات التي حيّرت أهل الجاهلية فسمت بهم من الظلمات إلى النور ... سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين الأوفياء ... وبعد،
عزيزي القارئ
بمناسبة الأيام الدراسية العلمية الوطنية حول فكر الإمام العلامة الشيخ عبد الرحمان عمر بكلي (البكري) -رحمه الله- كلّفت بتحقيق هذا الكتاب الجليل الذي نضعه بين يديك اكتشافا للكنوز الدفينة التي تزخر بها المكتبة العامرة التي خلّفها البكري لنا لنستفيد منها ونفيد بها الأجيال اللاحقة ... وقد اجتهدت رغم قصر المدة في إخراج الكتاب إلى المكتبة الإسلامية إخراجا جديدا بالتنسيق مع جمعية البكري الثقافية ومكتبة الصفاء للشيخ محمد علي دبوز ببريان من ولاية غرداية بالجمهورية الجزائرية. كما كان لأبناء المؤلف البررة حظا وافيا من التوجيه والتشجيع لطبع الكتاب وإخراجه إلى الوجود في حلّة قشيبة زاهية الألوان يوافق أيام ميلاده في الربيع. وإنّي لأشكر هؤلاء جميعا وغيرهم من المكتبات والجمعيات والأفراد على مدِّ يد المساعدة القوية حتّى يكتمل نموّ هذا الإنجاز العلمي المجيد مثل أوّل هلال في مطلع هذا العام
(1/1)
الهجري الجديد 1423هـ الذي نرجو الله أن يجعله عام يُسر وسعادة وخصب زكي للإسلام والمسلمين والإنسانية جميعا.
عملي في الكتاب:
• وضع عنوان جانبي للكتاب ولمواضيع الأسئلة.
• تخريج الآيات والأحاديث.
• وضع التراجم للشخصيات الواردة في الكتاب ممّن هو غير معروف.
• إعادة ترتيب الكتاب على أبوب الفقه.
• وضع فهارس علمية للكتاب.
• إتمام بعض التعاليق التي أحال إليها البكري في بعض تحقيقاته الأخرى.
• وضع ترجمة موسعة لحياة السيابي والبكري والتعريف بالسائلين.
ومن الله نستلهم القبول والرضى وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم إنّه نعم المولى ونعم النصير آمين.
المحقق
العطف الثلاثاء 01 ذي القعدة 1422هـ
15جانفي 2002م
_
(1/1)
أصل الكتاب:
عزيزي القارئ هذا الكتاب الذي بين يديك هو في الأصل كان شعرا بعنوان ''الأسئلة والأجوبة النظمية'' فحوّله البكري نثرا في جميع معانيه الفقهية، مستغن عن الجوانب الأدبية للكتاب من حيث البلاغة وعبارات التقدير بين السائل والمجيب حتّى لا يخرج الكتاب عن إطاره العام في المكتبة الفقهية.
والكتاب يتضمّن خمسة وعشرين سائلا ومسؤلين مجيبين وما معنى هذا؟!
يعني هذا: جميع الأسئلة وردت إلى الشيخ خلفان السيابي إلاّ السؤال الأخير في الكتاب كان الشيخ خلفان السيابي هو السائل والشيخ سيف بن حمد الأغبري صديقه في الدراسة والنشاط هو المجيب عن السؤال.
وجميع الأسئلة معروف سائلوها إلاّ السؤال رقم 07 والسؤال رقم 08 و09 فإنّ السائل فيها مجهول، ومجموع القصائد خمس وخمسون قصيدة (55) للأسئلة وأربع وخمسون قصيدة للجواب مع العلم أن إحدى قصائد السؤال كانت غير واضحة فضمّنها السيابي قصيدة الجواب.
ومن هذا يتبيّن لنا أنّ بعض السائلين قد كرّروا الاتّصال بالشيخ السيابي في عدّة مسائل، وسوف نجد عند ترجمة كلّ سائل عدد الأجوبة وأرقامها التي سأل بها الشيخ السيابي في المخطوط.
عنوان الكتاب:
لقد وضع الشيخ البكري الناثر لهذه الفتاوى عنوانا للكتاب، سمّاه ''الأسئلة والأجوبة النثرية'' وقد فضّلت أن أضع بجانبه عنوانا موضّحا هو ''نثر
(1/1)
فتاوى السيابي''. حتّى يكون العنوان شاملا موضّحا لأجزائه ومن أجل:
1) نسبته إلى المحقّق البكري.
2) نسبة الفتاوى إلى مؤلّفها الأوّل.
3) إظهار عمل المحقّق في الكتاب وهو (النثر).
فإن كان ذلك صوابا فنرجو الله القبول وإن كان ذلك خطأ (فمعذرة شيخنا البكري).
وصف المخطوطة:
وأمّا المخطوطة التي اعتمدناها في التحقيق فهي مخطوطة تقع في دفترين كبيرين بمقاس 20سم × 26.5 سم بمجموع 121 ورقة.
• كتبت بخط واضح جيّد.
• السؤال بالأحمر والجواب بالأزرق.
• الدفتر الثاني انفسخت بعض صفحاته بالماء في حياة المؤلف فجدّدت كتابتها وصحّحها البكري.
• إلاّ أنّ المؤسف هو أن الناسخ مجهول.
• وأمّا تاريخ النسخ فنأخذه من نهاية مقدمة البكري على الكتاب وقد أرَّخها بـ: رجب 1386هـ الموافق لـ أكتوبر 1966م.
وقد ذيّلها البكري بثلاثة فهارس مهمّة هي:
1. ما ورد فيه من أحكام كلية وضوابط.
2. الأقوال التي اختارها أو صحّحها أو رجّحها السيابي.
3. فهرس عام للأسئلة والأجوبة والتعاليق.
(1/1)
أهمية الكتاب:
لقد دأب علماء الشريعة في الإسلام على إصدار كتب فتاوي لحلّ معضلات دينية تقع هنا وهناك في ظروف معيّنة لأفراد وجماعات، حتّى يرتفع الحرج بين المسلم والمعبود وبين المسلم والمخلوق، فتحلّ السعادة وراحة الضمير جميع النفوس التقية، لكن هذه الظروف قد تتكرّر في بعض الأماكن والأزمان، وهذه المعضلات قد تتجدّد، -لأنّ الإنسان- واحد فيحتاج العالم إلى إصدار نفس الأجوبة السابقة، أو يقرّب مسافة البحث بالاستعانة بمن سبقه في الميدان.
وهذا الكتاب -عزيزي القارئ- هو من هذا الصنف يتجدّد بتجدّد ظروفه ومعطياته إلاّ أنّ هذا الكتاب يتفوّق ويمتاز عن غيره من هذا النوع من التآليف بما يلي:
1) المؤلّف الأوّل للكتاب: هو فقيه شاعر موهوب من الشعراء العمانيين ذوي النفَس الطويل في العصر الحديث يجيب السائل بنظم يوافق نظم السائل قافية وبحرا. ينتمي إلى الرعيل الأوّل من علماء عمان في القرن العشرين.
2) السائل عالم يجيد العربية -نظما ونثرا- وأغلبهم من تلاميذ المؤلّف في عمان خلال النصف الثاني من القرن العشرين، أو من علمائها العاملين اليوم في القضاء والتوجيه والإرشاد، {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}.
(1/1)
3) أمّا الناثر للكتاب والمعلّق عليه فهو فقيه متمكّن في العربية تمكينا، من علماء الجزائر العاملين في الفتوى والتوجيه والإرشاد والتأليف والتحقيق خلال النصف الثاني من القرن العشرين. له قدرة وموهبة ذكية في التعليق على النصوص، واستخلاص العبر منها، واستدراك الشوارد عليها، واستلهام الأحكام منها، وإن شئت التحقيق من هذا فتتبع تعاليقه القيّمة على كتاب النيل للثميني وكتاب قواعد الإسلام للجيطالي، وعليه فإنّ الكتاب يعتبر بهذا ندوة فكرية، ومناقشة علمية حول أحداث النصف الأوّل من القرن 20 في المجتمع المسلم يتصدّرها الشيخ السيابي في عمان والشيخ البكري في الجزائر، وإن شئت فسمّها (حوار مفتوح) وجها لوجه على خطوط الأنتيرنات القديمة بين عالم يمثّل تيار الأصالة والتحفّظ من كلّ جديد وعالم يمثّل تيار الأصالة والتفتح على كلّ جديد يفيد الأصالة ويزكيها ويجدّد فضائلها عبر الأجيال.
مضمون الكتاب:
يتضمّن الكتاب 152 جوابا موزّعا على الأبواب التالية وغيرها:
العدد ... العنوان ... العدد ... العنوان
1 ... طب ودواء ... 17 ... 7 ... الضمانات ... 10
3 ... الزكاة ... 5 ... 10 ... القصاص ... 14
3 ... أطعمة ... 18 ... 11 ... البيوع ... 7
(1/1)
3 ... الصوم ... 4 ... 11 ... القضاء ... 16
3 ... الرضاع ... 13 ... 12 ... الصلاة ... 3
4 ... أصول الفقه ... 19 ... 13 ... التفسير ... 1
4 ... الميراث ... 9 ... 13 ... النكاح ... 11
4 ... الحدود ... 15 ... 14 ... الطلاق ... 12
4 ... الحج ... 6 ... 15 ... العقيدة ... 2
6 ... الشفعة ... 8
فهذا الثراء الفكري والتنوّع في المواضيع يجعل الكتاب مفيدا لكلّ من يحتاج إليه في حلّ المسائل الفقهية العالقة في الحياة اليومية للفرد المسلم.
وأمام هذه الغزارة العلمية في الحوار أحيانا يتدخّل البكري ببعض التعاليق القيّمة في بعض الفتاوى للإدلاء بوجهة نظره في الموضوع تأييدا للمؤلّف أو تعديلا لاختيار من اختياراته الخاصّة. وعدد هذه التعاليق هو ثلاثون تعليقا.
(1/1)
الشيخ عبد الرحمان بن عمر بكلي (البكري)
1319هـ/1901م - 1406هـ/1986م
1. نسبه ومولده
هو الشيخ عبد الرحمن بن عمر بن عيسى بن حمو بن باحمد بن عيسى بن بكلِّي. واللقب العائلي: (بكلي) المولود سنة 1319هـ/1901م بمدينة العطف، ولاية غرداية. ''والبكري'' هو اللقب الخاص له والذي كان يمضي به مقالاته رحمه الله في جرائد الشيخ أبي اليقظان إبراهيم بن عيسى (1393هـ/1973م) وذلك إشارة إلى نسبه الذي يتّصل بسيّدنا أبي بكر الصديق التميمي - رضي الله عنه - (ت. 13هـ/634م) كما حقّق ذلك هو بنفسه.
2. نشأته
نشأ بين أحضان والديه في العطف، وأرضعاه الأخلاق الطيبة، والعقيدة الصافية، وتوسما فيه النجابة والذكاء.
3. تعلّمه
أدخله أبوه الكتّاب القرآني التابع للمسجد العتيق بالعطف، فحفظ القرآن الكريم ومبادئ العقيدة والفقه. كما أخذ مبادئ اللغة الفرنسية من المدرسة الفرنسية هناك.
وقد انضمّ إلى منظمة إروان سنة 1921م وكان قد استظهر القرآن الكريم سنة 1911م ثم توسّع في العلوم الشرعية على يد عمه الشيخ الحاج عمر بن حمو بكلي (ت.1922م)، والشيخ يوسف بن بكير حمو علي (ت.1984م)، ثمّ انتقل إلى الجزائر العاصمة للاستزادة من اللغة الفرنسية
(1/2)
ومن اللغة العربية عند الشيخ المولود الزريبي الأزهري، ثمّ انتقل إلى تونس لمواصلة التعلّم ما بين سنة 1923م وسنة 1929م ضمن البعثة العلمية الميزابية التي كانت تنهل من ينابيع جامع الزيتونة، والمدرسة الخلدونية علوم الدين واللغة والحياة، على يد فطاحل العلماء الأفذاذ هناك منهم: الشيخ الطاهر بن عاشور (ت. 1973م)، والشيخ الطيّب سيالة، والشيخ محمّد بن عمر الزغواني (ت. 1979م) والشيخ محمد الشاذلي بلقاضي (ت. 1978م) والشيخ الصادق النيفر والأستاذ حسن حسني عبد الوهاب (ت. 1968م) والأستاذ عثمان الكعّاك (ت. 1978م).
4. وظائفه الاجتماعية والوطنية
1) في سنة 1930م عيِّن في منصب القضاء بإجماع في مسقط رأسه ''العطف'' ولكن السلطة الاستعمارية ألغت محكمة العطف وألحقتها بمحكمة بني يزقن فلم يمارس الوظيفة.
2) عند تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931م حضر الجلسة التأسيسية وعيّن عضوا في لجنة صياغة قانونها الأساسي.
3) مارس مهنة التجارة في دكان والده بالجزائر العاصمة ما بين الحربين بصورة متقطعة، ولم يقطع صلته بالحركة الصحفية والإصلاحية هناك.
4) قام بتعريب كثير من المقالات الفرنسية لصحف الشيخ أبي اليقظان، إذ
كان خير معين له في جهاده الصحفي (1926 - 1938م).
(1/3)
5) في سنة 1932م شارك في تأسيس أوّل مدرسة عصرية نظامية إصلاحية في مسقط رأسه، والتي كان يديرها الشيخ باحمد بن الحاج يحي بكلي (ت. 1980م).
6) في سنة 1934م عين عضوا في حلقة العزابة بالعطف.
7) في سنة 1939م انتقل إلى مدينة بريان، ولاية غرداية، وأشرف على التعليم في مدرستها، ومارس الوعظ والإرشاد في مسجدها العامر.
8) في سنة 1945م شارك في تأسيس جمعية النهضة بالعطف.
9) في سنة 1946م أسّس جمعية الفتح ببريان، للإشراف على الحركة التعليمية الحرة في البلدة.
10) وقعت محاكمته من طرف الاستعمار قبل الثورة التحريرية في محكمة الجنايات بالبليدة بتهمة تنفيذ العقاب على منتهك حرمة الشريعة في المسجد مع أعضاء من حلقة العزابة.
11) شارك في الثورة التحريرية بفعالية، وألقي عليه القبض وسجن لعدّة شهور سنة 1957م.
12) في سنة 1966م عيّن عضوا في المجلس الإسلامي الأعلى الجزائري وكان عضوا في لجنة الإفتاء التابعة للمجلس.
13) في سنة 1981م تولى رئاسة مجلس عمّي سعيد (أعلى هيئة دينية تجمع حلقات العزابة بوادي ميزاب) عند وفاة الشيخ بيوض إبراهيم بن عمر
(1/4)
(ت. 1981م) وعندما عجز شيخه الشيخ يوسف بن بكير حمو علي عن أداء مهامه -رحمهم الله-.
5. آثاره العلمية
1) نظّم ندوة علمية أسبوعية يوم الأربعاء في منزله ببريان يحضرها نخبة من المشايخ والأساتذة والمرشدين، لمناقشة المسائل الدينية المستجدة في الساحة المحلية والوطنية مند السبعينات إلى آخر يوم من حياته، وهي مستمرة إلى اليوم على يد تلاميذه ورفاقه.
2) حقّق كتاب النيل وشفاء العليل، تأليف الشيخ عبد العزيز الثميني (ت. 1223هـ/1808م) في ثلاثة أجزاء عام 1968م.
وحقّق كتاب قواعد الإسلام تأليف الشيخ إسماعيل بن موسى الجيطالي (ت 750هـ) في جزءين عام 1977م.
3) أصدر جزءين من فتاويه بعنوان: ''فتاوي البكري'' عام 1982/ 1983م.
4) وصية البكري نشرت يوم تأبينه 1406هـ/1986م.
وله مخطوطات مهمّة في الأدب والتاريخ لم تر النور بعد (1) نذكر منها:
5) جمهرة رسائل البكري ... (7كراريس)
6) ديوان البكري ... (كراسان)
7) جمهرة خطب البكري ... (4كراريس)
8) حياة ميزاب الاقتصادية قبل سنة 1930م
__________
(1) - انظر عبد الرحمان بكلي: ذكر تراثي الأدبي، الملحق بفهرسة مكتبة البكري. -ك-
(1/5)
9) التقاييد الفقهية ... (7كراريس)
10) خطب الجمعة ... (7 سجلات) ... وغيرها
11) ترك مكتبة ثرية بنفائس الكتب والمجلات والمخطوطات في العطف وضعت جمعية التراث فهرسا لمخطوطاتها سنة 1414هـ/1994م وباقي الكتب قد تمّ فهرستها في سجل بالتنسيق بين أبنائه والمثقفين من عشيرته وغيرها.
6. وفاته
بعد هذا الجهاد العظيم في سبيل الدين والوطن اختاره الله إلى جواره الكريم يوم الاثنين 03جمادى الأولى 1406هـ/13جانفي 1986م.
رحمه الله رحمة واسعة وآجره على الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
7. صفاته وأخلاقه
رجل عريض الجسم، يميل إلى القصر طولا، يرتكز في مشيته على عصا غليظة، وئيد الخطى، عريض الوجه، تحيط به لحية كثة بيضاء، تعلوه الابتسامة الحرة، يغطي رأسه لحاف أبيض فوق طاقية سميكة.
كلما زاره الزائرون وجدوه يطالع كتابا أو يحرّر فتوى أو يهذّب مخطوطا أو يحقّق نصا أو يلخّص مقالا أو يجيب سائلا أو يناقش موضوعا ... فهو أديب، متواضع، نشيط، ذكي الفؤاد، فصيح اللسان، بعيد النظرة، كريم، جواد، مخلص ... .
8. أسباب نبوغه
أ) حفظ القرآن الكريم وتلاوته المستمرة.
(1/6)
ب) تعدّد وتنوّع العلماء الذين أخذ عنهم العلم داخل الوطن وخارجه.
جـ) الرغبة الملحة في الاستزادة العلمية وتعميق الأفكار.
د) الاطّلاع الواسع على التراث الإسلامي وتحقيقه.
هـ) التمكّن الواسع من أصول اللغة العربية واللغة الفرنسية.
و) التفتح الفكري والاحتكاك المستمر بالعلم والعلماء.
9. منهج البكري في الفتوى والتعليق
من خلال ما اطّلعنا عليه من تعاليقه في هذا الكتاب وكتاب النيل وكتاب قواعد الإسلام ... وفتاواه التي صدرت له في جزءين، فإنّ الشيخ يمتاز في الفتوى بما يلي:
1. الميل إلى المناقشة الواسعة بين الأدلة ومحاولة الترجيح بينها.
2. اتّساع الأفق الفكري ومحاولة استخدام وسائل الحضارة المعاصرة فيما يفيد الشريعة الإسلامية ويوسّع مجالات استعمالها.
3. الميل إلى رفع الحرج عن النّاس وعدم التشدّد عليهم في أمور دينهم.
4. الأخذ بالدليل والرأي الراجح ولو من غير المذهب الإباضي.
5. الاطّلاع الواسع على قواعد أصول الفقه وتوظيفها في الفتوى واستنتاجها من التحقيقات المختلفة للنصوص الشرعية.
6. اعتماد أسلوب الإقناع وعدم التهجّم على الغير في اختياراته الفقهية.
7. تنظيم الجواب والمناقشة الهادئة بأسلوب علمي مرقّم لجمع مسائل الفكرة وعدم تشتيتها على السامع.
(1/7)
ولعلّ هذا كلّه قد استفاده من المطالعات الفكرية الواسعة ... ومن حضوره مناقشات العلماء للمسائل الفقهية في المجلس الإسلامي الأعلى، ومن تصدّره ندوة الفقه مع العلماء والأساتذة في منزله ببريان كلّ يوم أربعاء.
10. رحلاته
لم يكن شيخنا ممّن يسير في الأرض سيرًا حثيثا للزيارة والسياحة بل اكتفى برحلتين إلى البقاع المقدّسة عام 1964م وعام 1966م وفضّل حياة الاستقرار في الوطن الجزائري يجوبه شرقا وغربا شمالا وجنوبا للتوجيه والإرشاد ونفع عيال الله ... وإنّما كانت رحلاته عن طريق قلمه يتّصل بالعلماء عن طريق المراسلات ... ومن زاره في بيته فلا يعدم فائدة وعلما نافعا ... .
مراجع الترجمة
1) ملحق السير: أبو اليقظان إبراهيم (مخطوط).
2) فتاوى البكري ج1 صفحة الغلاف.
3) وصية البكري: ترجمة وافية بتحرير الشيخ إبراهيم بن يحي الحاج أيوب.
4) معجم أعلام الإباضية ج3.
5) فهرس مخطوطات مكتبة البكري.
(1/8)
الشيخ خلفان بن جميل السيابي
1308هـ/1890م - 1392هـ/1972م
مولده ونشأته
ولد الشيخ خلفان بن جميل بن حرمل بن مهيّل بن علي بن سليم بن المر بن سالم بن هويشل السيابي أبو يحي في بلدة سيماء من أعمال ولاية أزكى شرق سلطنة عمان سنة 1308هـ/1890م. ونشأ في أحضان أسرة عريقة في العلم والدين. لكنّه سرعان ما فقد أباه بعد ما انتقل به إلى سمائل فعاش هناك فقيرا يتيما منذ المراحل الأولى من حياته العلمية فكفلته أمّه.
حياته العلمية
أخذ العلم في مراحله الأولى في مدينة سمائل عند الشيخ أحمد بن عبيد السليمي (ت.1390هـ/1970م) ثمّ في وادي محرم عند الشيخ الإمام محمد بن عبد الله الخليلي (1373هـ/1953م) والشيخ أحمد بن سعيد بن خلفان الخليلي (1324هـ/1906م) والشيخ قسور بن حمود بن هاشل الراشدي (1360هـ/1940م) والشيخ سيف بن حمد بن شيخان الأغبري (1380هـ/1960م) وقد أظهر تفوقا بارزا خلال هذه الأيّام بفضل عاصميته الفولاذية للتحصيل في الفقه والأدب فكان شاعرا موهوبا وفقيها متمكّنا.
حياته العملية
(1/9)
بعد أن ملأ وطابه من العلم والدين أدّى رسالته في الحياة أداء حسنا فشغل عدة وظائف شريفة في الدولة العمانية نذكر منها:
أ- التدريس:
بدأ حياته العلمية معلّما مخلصا في حلقة علمية أنشأها في بلدة نخل تبعد عن العاصمة مسقط 200كلم بتكليف من الإمام سالم بن راشد، وختم حياته بالتدريس في مدينة سمائل إلى حين وفاته وقد تخرّج على يده تلاميذ كثيرون نذكر منهم:
1) الشيخ سعيد بن خلف الخروصي وهو اليوم يشغل منصب مساعد للمفتي العام لسلطنة عمان حفظهما الله.
2) الشيخ سالم بن حمود السيابي القاضي المحقّق والمؤرخ صاحب التصانيف الكثيرة (ت.1413هـ/1993م) رحمه الله.
3) الشيخ محمد بن راشد بن عزيز الخصيبي المدرّس الشاعر القاضي (ت. 1411هـ/1991م) رحمه الله.
4) الشيخ حمدان بن خميس اليوسفي اللغوي الشاعر (ت.1384هـ/1964م) رحمه الله.
5) الشيخ موسى بن عيسى البكري الأديب الفقيه والمدرّس صاحب كتاب ''السموط الذهبية في الأسئلة والأجوبة الفقهية والأدبية'' حفظه الله.
6) علي بن جبر بن محمّد بن ناصر الجبري الشيخ القاضي الشاعر.
(1/10)
7) رشيد بن راشد بن عزيز الخصيبي الشاعر القاضي الأديب (ت.1394هـ/1974م) رحمه الله.
8) حمد بن سليمان بن ماجد الخروصي الأديب الفقيه (ت.1351هـ/1931م) رحمه الله.
ب- القضاء:
نظرا للمكانة العلمية التي كان يتمتّع بها الشيخ السيابي ونفاذ البصيرة والتقوى والصلاح أسند إليه الأئمة والسلطان مهمّة القضاء في بعض مناطق عمان منها:
1) بلدة نخل: إلى حين وفاة الإمام سالم بن راشد عام (1338هـ/1920م)
2) بلدة الرستاق: بتعيين من شيخه الإمام محمّد بن عبد الله الخليلي إلى سنة (1345هـ/1925م).
3) بلدة مطرح: بتعيين من السلطان تيمور بن فيصل البوسعيدي إلى سنة (1349هـ/1929م)
4) مدينة صور: بتعيين من السلطان سعيد بن تيمور البوسعيدي إلى سنة (1362هـ/1942م)
5) مدينة السمائل: بتكليف من الإمام محمد بن عبد الله الخليلي إلى سنة (1367هـ/1947م)
جـ الأوقاف:
(1/11)
كلّفه الإمام سالم بن راشد بالوكالة على الأوقاف في بلدة سيماء إلى سنة 1335هـ/1917م.
د- الفتوى:
كان الشيخ السيابي مرجعا معتبرا في الفتوى لدى الطلبة والباحثين والأئمة والحكام والقضاة في عمان مدّة تزيد عن ثلث قرن، فهو لا ينفكّ عن تحرير الأجوبة والمسائل شعرا ونثرا، ولا أدلّ على ذلك من كتابه هذا الذي بين يديك وكتابه الثاني ''فصل الخطاب في المسألة والجواب'' في مختلف الحياة اليومية للفرد والجماعة. حتّى تولى منصب المفتي العام لسلطنة عمان مدّة عامين من صدر حكم السلطان قابوس بن سعيد من 1390هـ إلى 1392هـ.
هـ التأليف:
لقد أثرى الشيخ السيابي المكتبة الإسلامية بكتب قيّمة تشهد له بالتمكّن العلمي والفقهي نذكر منها:
1) فصول الأصول: في أصول الفقه مطبوع.
2) قصيدة ميمية الدماء في الديات والقصاص طبعت سنة 1964م.
3) جلاء العمى شرح ميمية الدماء مطبوع سنة 1964م.
4) سلك الدرر الحاوي غرر الأثر وهو نظم لكتاب النيل للشيخ عبد العزيز الثميني (ت. 1223هـ) معتمد الإباضية في الفقه والأحكام وقد نظمه في 28 ألف بيت، مطبوع.
(1/12)
5) بهجة المجالس: وهو كتاب جمع فيه آراءه في الحياة لمواضيع كثيرة في قصيدة لامية، وقصيدة ثانية لامية القافية يتوسّل فيها إلى الله تعالى بعنوان ''القطرة الغيثية والوسيلة الإلهية'' وينتهي الكتاب بالقصائد التي نثرها ''البكري'' في هذا السفر الذي بين يديك بعنوان ''مجموع الأسئلة والأجوبة النظمية'' وقد طبع سنة 1962م بدمشق.
6) فصل الخطاب في المسألة والجواب: كتاب يتضمّن فتاوى متفرقة لشؤون مختلفة وقد رتّبها نجل المؤلّف عبد الله بن خلفان السيابي وتلميذه محمّد بن راشد بن عزيز الخصبي، طبع الكتاب في حياة المؤلف سنة 1380هـ/1961م في مجلدين وأعادت طبعه وزارة التراث سنة 1409هـ/1988م.
وجميع مؤلفاته واضحة سهلة مليئة بالتحقيق والتدقيق.
وفاته
بعد هذه الحركة النشيطة للشيخ في الدعوة والحكم لبى نداء ربه في مدينة سمائل يوم 15جمادى الثانية سنة 1392هـ/1972م ودفن في بستانه في المكان الذي يسمّى بالمشجوعية تغمده الله برحماته الواسعة وأسكنه فسيح جنانه العالية -آمين-.
رحلاته
إضافة إلى هذه الحركة الدؤوبة لنشر العلم والعدل في عمان فقد قام المؤلّف برحلتين هما:
1) رحلة لزيارة بلاد زنجبار في القرن الإفريقي سنة 1371هـ/1951م.
(1/13)
2) رحلة لأداء فريضة الحج والعمرة سنة 1373هـ/1953م.
أخلاقه وصفاته
لقد وصفه معاشروه ومعاصروه بصفات طيبة هي: التواضع والشجاعة والجدّ والزهد والورع والإخلاص والسخاء والكرم والأدب. يقول تلميذه الشيخ سعيد بن خلف الخروصي حفظه الله:» لما كنت عاملا بسمائل صحبته اثني عشر عاما، فرأيت أوقاته موزعة في فضائل الأعمال شأن الكملة من الرجال فلا تجده إلاّ مصلّيا، أو ذاكرا داعيا مستقبلا المحراب، أو تاليا لكتاب أو كاتبا أو ممليا فتوى أو حاكما بفصل الخطاب في دعوى، لا يخلوا مجلسه من طالب علم أو مسترشد أو زائر في الله أو مسترفد، لا يبخل بموجود، كما لا يتكلّف المفقود، لا تسمع في مجلسه أحاديث الدنيا بل همته ميالة إلى الصفات العليا، لا يجامل غنيا لغناه ولا يحتقر أحدا لفقره، المسلمون لديه متساوون ولإرشاده مستمعون.
وأذكر من عدم مجاملاته، قال لي يوما: لم وصفتني بقولك:
مشكاة نحلته، مصباح أمّته ... سجاد ليلته، حامي حمى الحرم
قال: من أين تعلم أني سجاد ليلتي؟! ألا تدري أنّ الكذب حرام؟!
وهذا البيت من أبيات قلتها في تقريظ كتابه: ''بهجة المجالس'' فأجبته: وصفتك بذلك لشيئين: أمّا أوّلا: فالحديث» من صلّى العشاء الآخرة في جماعة فكأنّما قام نصف الليل، فإذا صلّى الفجر في جماعة فكأنّما قام
(1/14)
الليل كلّه وكان نومه عليه صدقة «(1) وأنت لا تفوتك الصلوات الخمس في الجماعة.
وأمّا ثانيا: فلأنّني صحبتك في السفر فرأيتك قواما. فأنا غير كاذب ... ؟! فتبسّم وقال: ما شاء الله وكان رحمه الله فقيها محقّقا وأصوليا مدققا «(2).
أسباب نبوغه الفكري
يقول الأستاذ خليفة بن أحمد بن حمد القصّابي (3):» وهو في نظري «استمد مقدرته تلك من عدّة روافد أهمّها:
1) حفظه وتلاوته للقرآن الكريم الذي هو وعاء اللغة العربية وهذا التأثير واضح جلي إذ أنّ أغلب شعره ونثره إن لم يكن جميعه يتحدّث عن الأهداف القرآنية نفسها من ترسيخ للعقيدة وغرس الأخلاق الفاضلة وإصلاح للنفس والمجتمع.
2) وجوده في جو علمي مليء بالأدباء والعلماء سواء كان في تنقّلاته في عمان أم عند استقراره في سمائل.
3) حياة الشيخ في القضاء أعطته نوعا من الدقة في استخراجه للألفاظ وفي تحقيقه للمسائل.
__________
(1) - رواه مسلم: كتاب المساجد باب فضل صلاة العشاء، رقم: 656 من حديث الإمام عثمان.
(2) - فعاليات ومناشط المنتدى الأدبي لعام 91/ 92 محاضرة بعنوان ''أيام مع المرحوم العلامة الشيخ خلفان بن جميل السيابي'' ص:159 - 160.
(3) - فعاليات ومناشط المنتدى الأدبي لعام 91/ 92 محاضرة بعنوان: ''لمحات في أدب الشيخ خلفان أديبا وشاعرا'' ص141.
(1/15)
4) حياة الشيخ في التعليم أعطته الخبرة في استخدام الكثير من الأساليب لإيصال العلوم كما أعطته المزيد من الهدوء وسعة البال.
5) اطّلاعه على التراث شعرا ونثرا بكافة علومه من عقيدة وتفسير.
منهج السيابي في الفتوى
من خلال ما اطّلعنا عليه من فتواه في هذا الكتاب وكتاب فصل الخطاب في المسألة والجواب فإنّ الشيخ السيابي يمتاز في فتواه بما يلي:
1. التقيّد بالمذهب الإباضي مطلقا.
2. الاعتماد على العقل أكثر من النقل.
3. الترجيح بين الأقوال في المسألة الواحدة والتصريح بما يميل إليه.
4. الإيجاز في الجواب على المسائل.
5. الاطّلاع الواسع على الأقوال والنصوص التي ورد بها المجتهدون في فتواهم.
6. الميل إلى الدليل العقلي والقطعي وتوظيف القواعد الفقهية العامّة.
7. إعادة السؤال في مستهلّ الجواب.
ولعلّ هذا قد أثّر فيه بحكم ممارسته لوظيفة القضاء التي تستدعي من القاضي الإيجاز في الحكم.
مراجع الترجمة
1) كتاب فصول الأصول تحقيق سليم بن سعيد أولاد شاني (رسالة ماجيستر)
2) فعاليات ومناشط المنتدى الأدبي عام 91/ 92 بعمان.
3) بهجة المجالس (المقدّمة) للسيّابي.
4) جلاء العمى شرح ميمية الدماء (المقدّمة) للسيّابي.
(1/16)
5) معجم أعلام الإباضية (قسم المشرق) جمعية التراث.
(1/17)
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله
مقدّمة
وبعد: فإنّ لعلماء عمان قديما وحديثا سليقة عربية وملكة شعرية عجيبة. في نفس طويل، لا تشمّ منه رائحة التكلّف ولا الإجهاد، فترى الواحد منهم ينساب في نظمه كالعذب الزلال. ويتدفّق في بحثه كالنّهر العجاج، يعالج المسائل العويصة والمشاكل المعقّدة نظما كما يعالجها نثرا بكل سهولة ووضوح موهبة من الله. وسليقة توارثوها أبا عن جدّ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ومن بين هؤلاء العلماء: الشيخ خلفان بن جميل السيابي صاحب التصانيف الفريدة وهو من أعلم علماء عمان المعاصرين.
لقد أوتي -حقّا- مقدرة فائقة وتصرّفا لبِقا في صوغ أجوبته العلمية نظما. وحسبك أنّه نظم كتاب النيل للشيخ عبد العزيز الثميني (1223هـ/1808م) تلك الموسوعة الفقهية التي يعتمدها إباضية المغرب، نظما يظهر فيه المعنى شفافا ناصعا يفهمه عموم القرّاء بدون ما تكلّف ولا عناء، كما تقرأ نثرا سلسا سائغا سهلا ممتعا، ولا أكون مبالغا إذا قلت إنّ الشيخ خلفان يكون أحيانا في نظمه أوضح عبارة وأقرب للفهم من الشيخ
(1/18)
عبد العزيز في نثره لاختصاره {ذلك فضل الله يوتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}.
ولقد اشتهر علماء عمان بالأراجيز الطويلة وغالبها في علم الشريعة ذات الآلاف من الأبيات، وقد أصبح ذلك فيهم ظاهرة عامّة. ولو ذهبنا نستعرض هذه الأراجيز لطال بنا المقام ولعجزنا عن استيعابها، فلنكتف بإيراد بعضها على سبيل المثال:
وذلك كديوان الدعائم نظم جامع ابن جعفر، وكأرجوزة الصائغي في نحو 12 ألف بيت، وكجوهر النظام في علمي الأديان والأحكام للعلامة السالمي في نحو 14 ألف بيت، ومدارج الكمال للمؤلّف نفسه نظم مختصر الخصال للشيخ الحضرمي، يزيد على 2000 بيت. وأرجوزة غاية المرام والأحكام للشيخ عامر بن خميس المالكي في 28000 بيت، وسلك الدرر الحاوي غرر الأثر للشيخ خلفان بن جميل نظم كتاب النيل في نحو 28000 بيت.
هذا وإن ممّا ألفت نظري كتاب الأسئلة والأجوبة النظمية للعلاّمة خلفان الآنف الذكر الذي طبع أخيرا في ضمن مجموعة من كتبه: تصفّحته فوجدته جديرا بالعناية يشتمل على مباحث ذات قيمة علمية، تكاد تكون مغرقة في استطرادات في مدح المسؤول، وشجون من الحديث لا تخلو من الفائدة وتوجيه باعث على سلوك نهج الاستقامة. فأحببت تجريدها وانتشالها من ذلك الخضم الشعري وتقديمها نثرا في ديباجة ناصعة تعميما لفائدتها بين
(1/19)
القرّاء ورجاء أن أجدها في ميزان حسناتي {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم}. وإن مَنّ الله عليّ ببعض تعاليق أحلي بها جيدها وأكشف بها الغموض عن بعض نواحيها، فذلك خير وأحسن ونور على نور. ومن الله نستمد العون والتوفيق فهو الهادي إلى أقوم طريق.
بريان ميزاب رجب 1386هـ / أكتوبر 1966م
_
(1/20)
أصول الفقه
(1/21)
1 - (أنواع الخطاب الشرعي ودلالاته)
أرى الأصوليين قسموا الخطاب شرعا: إلى خطاب اقتضاء وخطاب وضع ولم يقسّموه إلى تكليف وتخيير. بيّن لي كلا منهما وحكمه (1)؟
الجواب
لا يخفى أنّ الدلالة وضْعًا تنسب للألفاظ. سواء عند الأصوليين أو عند المناطقة: فاللفظ دال -والمعنى مدلول- وفهم المعنى من اللفظ دلالة (والعالم بالوضع الآخذ بالدليل المستدل).
ودلالة اللفظ للمعنى المراد تنقسم إلى قسمين: إلى منطوق ومفهوم، فالمنطوق ما دلّ على المعنى في محلّ النطق، والمفهوم ما دلّ عليه خارج محلّ النطق.
ودلالة المنطوق تنقسم إلى دلالة عبارة، ودلالة إشارة، ودلالة اقتضاء.
فدلالة العبارة: هي ما دلّ على ما سيق له بإحدى الدلالات الثلاث: المطابقة والتضمن والالتزام.
__________
(1) - حمدان بن خميس بن سالم اليوسفي أبو سيف الملقب بـ ''سيبَويه'' الثاني (1317/ 1384) أخذ العلم عن عديد من أعلام عصره منهم الإمام محمد بن عبد الله الخليلي والشيخ حامد النزوي والشيخ ناصر بن محمد الفارسي كان لايجاري في النحو ولا يبارى، درس في سمائل النحو والفقه والقرآن.
من أشهر تلاميذه: محمد بن راشد بن عزيز الخصيبي وموسى بن عيسى البكري وعبد الله بن علي الخليلي وحمد بن سيف البوسعيدي وحمد بن عبد الله له مؤلّفات عديدة مثل: إسعاد الراوي بشرح لامية الشيراوي، مطبوع خلاصة العمل في المفردات والجمل ... وقد طرح على السيابي خمسة أسئلة هي: السؤال:1/ 2/3/ 74/75 في المخطوط. ... م. أ. إ. ق. ش. ج.1ص104.
(1/22)
مثال المطابقة:
قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع}. [النساء: 3].
فهي مسوقة لبيان القدر الذي أبيح لنا من جمع النساء، وهي دالة على ذلك بطريق مطابقة اللفظ لمعناه.
مثال التضمن:
قول الرجل لزوجته التي عاتبته على تزويجه عليها بأخرى:» كل امرأة له فهي طالق «يريد بها المرأة الجديدة، فإنّ مقام العتاب قصر هذا اللفظ عن معناه العام إلى بعض ما يتضمّنه، فيدلّ على طلاق الجديدة، بطريق التضمن، وهو المعنى الذي ساق الكلام لأجله فيكون عبارة فيه، وقد يصدق في ذلك إن قال: نويت طلاق واحدة بعينها ويحكم عليه بطلاق الكلّ عند القضاء.
مثال الالتزام:
قوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} [البقرة: 247]. فإنّه عبارة في التفرقة بين البيع والربا اللازمة لمعنى المطابق، لأنّه إنّما سيق ردّا لزعم الكفار أنّ البيع مثل الربا.
وأمّا دلالة الإشارة: فمثالها بلا مطابقة قوله تعالى: {وأحلّ الله البيع وحرّم الربا} [البقرة 247]. فإنّه إشارة في بيان الحلّ والحرمة وهو المعنى المطابق لها،
» أو مثال الإشارة بالتضمن «قول الرجل لامرأته كلّ امرأة له طالق، إذا كان إنّما ساق هذا الكلام لطلاق غير المخاطبة فإنّه يحكم عليه بطلاق المخاطبة أيضا، لأنّ كلامه يتضمّن طلاقها أيضا.
(1/23)
ومثالها للالتزام قوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف} [البقرة: 231] إشارة إلى النسب للآباء، وهو لازم للولادة لأجل الأب، ومنه {للفقراء المهاجرين} [الحشر: 8] إشارة في زوال ملكهم عمّا خلّفوا في دار الحرب، فتكون الآية دليلا على أنّ ما اغتصبه المشركون من المسلمين إنّما هو للمشركين وليس لأربابه المسلمين فيه ملك.
والمفهوم ينقسم إلى: مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة.
فالمفهوم بنوعيه يسمّى: مفهوم الخطاب ومفهوم الأولى، ويسمّى فحوى الخطاب. ومفهوم المساوي ويسمّى لحن الخطاب.
ومفهوم الموافقة بقسميه يسمّى دلالة الدلالة. ومفهوم المخالفة، ويسمّى دليل الخطاب.
أمّا مفهوم الموافقة فإلى مفهوم الأولى كحرمة ضرب الوالدين المفهومة من قوله تعالى: {ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما} [الإسراء: 23] فإذا كان التأفيف والنهر محرّمان فالضرب من باب أولى.
وإلى مفهوم المساوي كحرمة إحراق مال اليتيم المفهومة من قوله تعالى: {إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} [النساء: 10]. فتحريم إتلافها يساوي أكلها.
وأمّا مفهوم المخالفة. فما كان مخالفا للمنطوق كقوله - صلى الله عليه وسلم -:» في السوائم الزكاة «(1). مفهومه لا زكاة في المعلوفة لأنّها لم تسم أي لم ترع.
__________
(1) - رواه البخاري عن أنس باب 38 زكاة الغنم رقم: 1454.
رواه أبو داود عن أنس باب في الزكاة السائمة رقم: 1567.
(1/24)
وعليه فالدلالات أربع: ثلاث للمنطوق كما سبق. والرابعة دلالة المفهوم.
ودلالة الاقتضاء من المنطوق وهي: ما يتوقف صدق الكلام على مضمر تقدّره ولا يصح الكلام عقلا أو شرعا إلاّ به. كقوله تعالى: {واسأل القرية التي كنّا فيها} [يوسف: 82] لأنّ حقيقة الأبنية لا تسأل. فتعين أن تقدّر هناك (أهلها) وكقوله - صلى الله عليه وسلم -:» رفع الخطأ على ثلاثة من أمتي «(1) فالخطأ لا يرفع شرعا وإنّما يرفع اسمه.
أمّا حكم المنطوق بجميع أقسامه. ومفهوم الموافقة فهو يفيد القطع في مدلوله إلاّ لأغراض. كعدم حكم بإبطال الصيام من أكل ناسيا للنص العارض وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -:» من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتمّ صومه فإنّما الله أطعمه وسقاه «(2) فلمّا أمره - صلى الله عليه وسلم - بإتمام صومه دلّ ذلك على أنّ ما سبق من الأكل نسيانا كان صحيحا وإلاّ لأمره بقضائه لا بإتمامه، ثم إنّه أكّد صحّته بأن ذلك منحة من الله بخلاف الصلاة فقد حكم ببطلانها بالكلام خطأ أو نسيانا فيها، لأنّ الذي رفع فيها هو الإثم المقتضي للعقوبة، دون البطلان المقتضي للإعادة، فافهم ولا تهم. وأمّا حكم مفهوم المخالفة فمختلف في حجّيته.
وخطاب الله: إمّا خطاب تكليف وإمّا خطاب وضع.
فالأوّل ما كلَّف الله به عباده تعبّدا كالصلاة مثلا {وأقيموا الصلاة}. [البقرة: 43].
__________
(1) - رواه أبو داود في كتاب الحدود باب في المجنون، رقم: 4403 من حديث علي بن أبي طالب.
(2) - رواه البخاري: كتاب الصوم، باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا، رقم: 1933 من حديث أبي هريرة.
رواه مسلم: كتاب الصوم، باب أكل الناس وشربه، رقم: 1155 من حديث أبي هريرة.
(1/25)
والثاني ما كان سببا أو علّة أو شرطا كالوضوء بالنسبة للصلاة.
وأحكام الشرع خمسة:
الوجوب: وهو ما في فعله ثواب وفي تركه عقاب.
التحريم: وهو ما في تركه ثواب وفي فعله عقاب.
الندب: وهو ما في فعله ثواب وليس في تركه عقاب.
الكراهية: وهو ما في تركه ثواب وليس في فعله عقاب.
التخيير: وهو ما ليس في فعله ثواب ولا في تركه عقاب.
وأنواعه لا تكاد تحصى كالأكل والشرب من غير اضطرار، والجماع الحلال والملابس من غير اضطرار، أمّا إذا لجأت إليه الضرورة فواجبة.
ولا ينبغي الإكثار منها لئلا ينطفئ نور القلب.
وهناك نوع من التخيير يراد به ما إذا ألزم الشرع فردا بشيء من عدّة أشياء لكن المقصودة منها منبهمة مثل كفارة اليمين فقد خيّر بين الإطعام والكسوة وتحرير رقبة مؤمنة.
2 - (القطعي والظنّي)
من عدل عن القطعي إلى الظني في أحكامه، ظنّا منه أنّ الظني يكفي عنه، فما حكمه؟
الجواب
لا يسوغ لحاكم أن يعدل في حكمه عن القطعي إلى الظني، وإلاّ فهو هالك.
وما سمّي القطعي قطعيا إلاّ لكونه يقطع عذر من خالفه وسواء كان ذلك عن عمد أو عن جهل.
3 - (اختلاف العلماء في الأحكام)
(1/26)
إذا اختلف العلماء في مسألة، البعض يرخص، والبعض يمنع والبعض يكره، والبعض يجيز، فما هو العمل؟
الجواب
أما مسائل الرأي التي نجد العلماء فيها على اختلاف بين الحرمة والإباحة. والكراهية والتخيير فللمبتلى أن يجيل النظر في الأشباه والنظائر، ويتأمّل دليل كلّ من آية أو حديث أو قياس قاطع أو غيره. وليعمد إلى أرجحها فليأخذ به، أمّا من لا يستطيع الترجيح. فليسأل العلماء. وليعمل بما ترجّح لديهم يسلم.
(1/27)
التفسير
(1/28)
4 - (طلب موسى رؤية الله)
ما معنى سؤال موسى الذي ذكره الله في سورة الأعراف: {رب أرني انظر إليك} وجواب الله {لن تراني ولكن انظر إلى الجبل} الآية (1)؟
الجواب
إنّ سؤال الكليم رؤية ربّه {رب أرني انظر إليك} يقصد به إقناع أصحابه
وإسكاتهم ليعلموا أنّ المحال على موسى محال على جهول من باب أولى وأحرى، ولذا أجابه الله بقوله: {لن تراني} [الأعراف: 143] أي دائما وأبدا، إذ ليس الإدراك من أوصافي، مؤكّدا نفيه بلن التي تفيد نفي المستقبل نفي تأبيد كما لا يخفى، هذا هو الحقّ الذي تقرّر عندنا. وليس كما يقول به أهل الخلاف.
5 - (وكنتم أزواجا ثلاثة)
ما معنى قوله تعالى: {وكنتم أزواجا ثلاثة}؟ [الواقعة:07].
الجواب
الأزواج الثلاثة في قوله تعالى: {وكنتم أزواجا ثلاثة} فزوجان إلى الجنة: أصحاب اليمين وهم: السعداء من عموم المسلمين (زوج)، -والسابقون أهل
__________
(1) - رشيد بن راشد بن عزيز بن خلفان الخصيبي (ت. 1394) تتلمذ على يد الشيخ خلفان بن جميل السيابي ... وكان حافظا واعيا وأديبا فقيها تقلَّد القضاء في عدّة بلدان عمانية ... ودرس في جامع سمائل، له أشعار ورحلات نظمية ومخمسات وأسئلة وقد طرح على السيابي خمسة أسئلة هي: السؤال 10/ 66 إلى 69 في المخطوط. ... معجم أعلام الإباضية. ق. ش. ج1ص158.
(1/29)
أعلى فراديس الجنان وهم ملوك أهل الجنة من الأنبياء والرسل والأولياء
(زوج ثان)، والزوج الثالث أصحاب الشمال أهل النار من الكفار والفجار.
والخائفون الطامعون هم أهل الإيمان من أصحاب اليمين يعبدونه خوفا من
عقابه وطمعا في رحمته ورضوانه وهم أولوا الفضل العظيم في جنّات النعيم.
أمّا الذين يعبدونه لا خوفا من عقابه، ولا طمعا في جنته، وإنّما رغبة ومحبّة في قربه وجوار رحمته، فهم الذين اختصّهم بالمدح في سورة النساء في قوله: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما} [النساء: 69، 70].
وناهيك بمدح الله فضلا وفخرا يغني عن قولنا.
والمعية في قوله: {مع النبيين} هي الجمع في دار النعيم دون المنازل.
أجل!! عبدوه شكرا وتفانوا في حبّه فانظر إلى جواب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - للسيّدة عائشة إذْ ورمت قدماه من فرط التهجّد:» أفلا تريدين أن أكون عبدا شكورا «(1) عرفوه وعرفوا أنفسهم ورأوا نعمه المحيطة بهم فاستيقنت أنفسهم أنّ الكريم إذا ابتدأ عطاءه سوف يتمّه بأفضل إحسان، ولذلك أشربت قلوبهم حبّه، فتهافتت تعشوا إلى ضوء ناره ومترقرق أنواره وفرق بين من يخدم السلطان حبّا لقربه وطلبا لاقتطاف ثمرة حضرته، يجالسه ويأكل عنده على
__________
(1) - رواه البخاري عن عائشة كتاب التفسير باب سورة الفتح رقم: 4820.
ومسلم في كتاب الجنة والنار باب إكثار الأعمال رقم: 2820.
(1/30)
صحاف اللجين والنضار، وبين من يعمل بأجرة عبدا يعطى على قدر عمله.
6 - (عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال)
ما هو عرض الله الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوما جهولا ليت شعري ما هي هذه الأمانة؟
الجواب
سألت عن قوله تعالى: {إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوما جهولا} [الأحزاب: 72]. فالأمانة فروض الله التي كلّف بها عباده، كلّف بها آدم، ولكن خاطب بها أوّلا جماداته مستخبرا متلطّفا بأن ركّب فيها عقولا لتفهم وتردّ الجواب، فقال الله للأرض والسموات والجبال: أتحملن من هذه الأمانة ثقلها، عليكن العقاب بتركها وتضييعها يوم الجزاء، وكذلك لمن أدّاها ورعاها ثواب سرمدي لا انقطاع له، فأبين وأشفقن من التحمّل، إنّه ثقيل على من خاف التضييع، فقل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق