الكتاب : اشتراط القرشية في الإمام لمهنا السعدي
ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع
بسم الله الرحمن الرحيم
(( اشتراط القرشية في الإمام ))
1- المذهب الإباضي :
وقع الخلاف بين المذاهب الإسلامية في اشتراط القرشية في إمام المسلمين ، فذهب أهل السنة إلى اشتراط القرشية ، وأنه لا تجوز الإمامة إلا في قريش ، ويرون أن الإمامة ليست أصلا من أصول الدين ، وإنما هي عندهم من المصالح الدنيوية ، ويرون شرعية الخلافة الراشدة وكذلك شرعية الدولة الأموية والدولة العباسية ويعتبرونهما خلافتين راشدتين ؟!!!! قال د/ عبد المجيد بن حمده وهو من أهل السنة : " وبالإضافة إلى اعتبار شرعية الخلافة الراشدة ، اعتبرت الخلافتان الأموية والعباسية – وهما سنيتان – خلافتين راشدتين " إهـ ( أنظر : د/ محمد ناصر ، منهج الدعوة عند الإباضية ، ص200- د/ عبد المجيد بن حميدة ، المدارس الكلامية بإفريقية ، ص62 ) .
وذهب الشيعة الإمامية إلى حصرالإمامة في أهل البيت علي وذريته ، وقال بعضهم بتعيين الله لهم ، وقال بعض آخر بعصمتهم ، وذهب أحمد الكاتب إلى أن هذه النظرية لم تكن نظرية أهل البيت أنفسهم ولا نظرية الشيعة في القرن الأول الهجري ، بل كانوا يؤمنون بمبدأ الشورى وحق الأمة في اختيار ولاتها ، ولكن ذهبوا إلى حصر الإمامة في أهل البيت كردة فعل على بني أمية الذين حصروا الخلافة فيهم وذريتهم وألغوا نظام الشورى ( أنظر : الشيخ سيف بن ناصر الخروصي ، الإرشاد في شرح مهمات الاعتقاد ، 2/194- أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي الشيعي ، ص13 ، 19 ، 51 – د/ عبد المجيد بن حميدة ، المدارس الكلامية بإفريقية ، ص244 ) .
(1/1)
ولست هنا بصدد مناقشة ما ذهب إليه أهل السنة والشيعة ، فذلك مبسوط في الكتب ، ومناقشة مذاهبهم يطول ، وعسى أن أجد فرصة أخرى لمناقشة أقوالهم وما استدلوا به وتوضيح أوجه الضعف فيها ، وإنما أنا راغب في هذا الموضوع أن أبين موقف المذهب الإباضي من هذه القضية الخطيرة ، وهي اشتراط الإمامة في قريش ، وعند الشيعة في أهل البيت ، فإن لهذه النظرية نتائج خطيرة على الأمة ، وهذا ما حدث بالفعل عندما تولى الحكم بنو أمية وبنو العباس ، فعاثوا في الأرض فسادا وعطلوا الحدود وانتهكوا الحرمات ، وحجتهم " الإمامة في قريش " ، وأنهم ظل الله في أرضه ، وأن الله استخلفهم في ذلك ، وأن على المسلمين السمع والطاعة ، فراحوا ينشرون ويروجون لعقيدة الجبر في أوساط المسلمين ليثبتوا الحكم لهم ولذرياتهم ، وقد امتلأت خطبهم وكلماتهم بهذه العقيدة السقيمة ، فمن ذلك ما يقوله معاوية : " الأرض لله ، وأنا خليفة الله فما أخذت فلي وما تركته للناس فبالفضل مني ... إنه لملك آتانا الله إياه " ( أنساب الأشراف ، 4/117 ) ، وقال يزيد بن معاوية : " إن معاوية بن أبي سفيان كان عبدا من عبيد الله أكرمه الله واستخلفه وخوله ومكن له ... وقد قلدنا الله عزوجل ما كان إليه " ( الإمامة والسياسة ، 1/204 ) .
ولكن ماوجهة نظر المذهب الإباضي من اشتراط القرشية في الخلافة ؟
ذهب أئمة المذهب الإباضي إلى عدم اشتراط القرشية في إمام المسلمين ، بل يرون أن جميع المسلمين سواسية لنيل هذا المنصب سواء كان قرشيا أو غير قرشي بشرط توفر الشروط المطلوبة توفرها في الإمام المتمثلة في التقوى والعلم والقوة .
(1/2)
والإباضية حينما رفضوا مبدأ القرشية مقياسا للتفاضل بين المسلمين ، وجعلوا التقوى والورع والإلتزام بالشريعة الإسلامية هو مقياس التفاضل بين المسلمين ، إنما يسيرون في ذلك وفق تعاليم الشريعة الإسلامية السمحة التي جاءت للقضاء على العصبيات القبلية والفروقات الطبقية ، وجعلت أساس التفاضل هو التقوى { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } (الحجرات: من الآية13) ، " الناس سواسية " ، وما اشتراط القرشية في الإمام إلا عصبية قبلية مقيته حاربها الله تعالى ورسوله ، فالإباضية حينما رفضوا القرشية شرطا في الإمام لم يبتدعوا ذلك من عندهم ، بل استقوا ذلك من تعاليم الدين الحنيف ، قال الشيخ ناصر السابعي : " ... فإن منطلق المحكمة في ذلك - أي رفض القرشية شرطا للإمامة - هو مبدأ الشورى الذي جاءت رسالة السماء العالمية لتؤكد حق كل فرد في تحديد مصير الأمة من خلال ممارسة هذا المبدأ العظيم ، ومبدأ " الناس سواسية " الذي أعلنته خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فكانوا يرون أن الخلافة حق لكل مسلم مادام كفؤا لا فرق في ذلك بين قرشي وغير قرشي " إهـ ( الشيخ ناصر السابعي ، الخوارج والحقيقة الغائبة ، ص162 ) .
والمحكمة هم الرعيل الأول للإباضية كما هو معلوم .
(1/3)
قال د/ محمد ناصر : " واختيار الإمام عن طريق الانتخاب الحر هو المبدأ الإسلامي الأصيل ، ورفض مبدأ القرشية في الحكم توافق كامل مع منهج القرآن العظيم وسنة نبيه الكريم ، فإن الإسلام لم يضع للحاكم مقياسا سوى التقوى : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } ( الحجرات: من الآية13) ، والرسول صلى الله عليه وسلم أوصى أمته وهو يودعهم بأن أساس التفاضل أن لا فضل لعربي على أعجمي أو لأعجمي على عربي إلا بالتقوى ، وبهذا أكد الإسلام على ضرورة وضع التقوى على قمة الشروط عند انتخاب الحاكم المسلم " إهـ ( د/ محمد ناصر ، منهج الدعوة عند الإباضية ، ص198-199 ) .
فإذا توفرت هذه الشروط في شخص من قريش بويع بالإمامة ، ليس لأنه من قريش ولكن لكونه جديرا بهذا المنصب ، وإن وجد شخص آخر غير قرشي توافرت فيه الشروط المطلوبة بويع بالإمامة ، حتى وإن وجد من المسلمين من هم من قريش ، إلا أنهم لم تتوفر فيهم الشروط المطلوبة لمنصب الإمامة ، وإن تساوى شخصان في توفر شروط الإمامة بهما ، وأحدهما قرشي والآخر غير قرشي ، قدم القرشي قال محمود الأندلسي : " فالإمامة إذا لا تكون على أساس النسب والقرابة وإنما المقاييس الصحيحة هي التقوى والعلم والمنعة والقوة ، فإذا توفرت هذه الجوانب في قرشي فهو أولى بها من غيره وإلا فلا عبرة بالقرشية .. قال عليه السلام : " لن يزال هذا الأمر في قريش ما لم يحدثوا أحداثا ثم يزيحه الله عنهم ويلحاهم كما يلحي القضيب " رواه الإمام الربيع " إهـ ( الشيخ مهني التيواجاني وغيره ، هذه مبادئنا ، ص148 ) .
إذا فالقرشية ليست المعتمد في الإمامة ، وليست الإمامة حكرا في قريش ، بل هي حق لكل مسلم إذا توفرت فيه الشروط المطلوبة للإمامة ، ولا يلجأ للقرشية إلا عند تساوي مرشحان لمنصب الإمام في الصفات وكان أحدهما قرشيا والآخر غير قرشي ، قدم القرشي ، فالقرشية وسيلة للتفاضل عند تساوي المرشحان في الصفات لا غير .
(1/4)
كاتب المقال : مهنا بن راشد بن حمد السعدي
1423/1424هـ - 2002/2003م
العنوان :
سلطنة عمان - ولاية السويق
ص.ب : 389 - الرمز : 315
abujaifar@hotmail.com
(1/5)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق