اشتراط القرشية في الإمام لمهنا السعدي - مكتبة أهل الحق والإستقامة

أحدث المشاركات

Post Top Ad

Post Top Ad

الاثنين، 10 يناير 2022

اشتراط القرشية في الإمام لمهنا السعدي

 





الكتاب : إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم لأحمد الخليلي
ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
لسماحة الشيخ العلامة:
أحمد بن حمد الخليلي حفظه الله ومتعنا بحياته وعلمه
المفتي العام لسلطنه عمان
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه محاضرة سماحة الشيخ العزيز والوالد الأعز بدر الدين أحمد بن حمد الخليلي التي تفضل مشكورا وألقاها بمسجد التوبة بالأمس الموافق 17/9/2000 بعد صلاة المغرب مباشرة . وليس بخاف عن أحد ما تخلل المحاضرة من النفحات الإيمانية ، والفيوضات الربانية فهنيئا لمن ذاق تلك النفحات ، وارتشف منها .
وإليكم نص المحاضرة والله من وراء القصد :-
الجزء الأول :-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ذي الأمر الرشيد والبطش الشديد الذي يبديء ويعيد ويفعل في خلقه ما يريد ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله أرسله الله هاديا وبشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى أتباعه وحزبه إلى يوم الدين ، أما بعد .
فالسلام عليكم أيها المؤمنون والمؤمنات ورحمة الله وبركاته
أحييكم بهذه التحية الطيبة المباركة وأشكر الله سبحانه الذي هيأ لنا فرصة هذا اللقاء الميمون في هذا المسجد الشريف وفي هذه الليلة المباركة ، من أجل أن ندكر بالذكرى التي تنفع المؤمنين بمشيئة الله سبحانه وتعالى.
(1/1)
لا ريب أنكم تدركون أن الإنسان يتحمل تبعة كبيرة ، فوجود الإنسان وجود يختلف عن وجود كل الكائنات الأخرى ، من حيث إن وجوده يرتبط ارتباطا وثيقا بسنن كونية وقوانين جعلها الله سبحانه وتعالى ترتبط بأمره ونهيه ، فإن وجود الإنسان وجود يتحمل فيه الكثير الكثير من المسؤوليات لأن الله سبحانه وتعالى لم يخلقه هملا ولم يتركه سدى بل خلقه ليتحمل هذه الأمانة ، أمانة الخلافة في هذه الأرض ، والسيادة في هذا الكون ، وليبوء بما يفعله من خير أو شر ، فإن المنقلب إنما هو رهين ما يكون عليه الإنسان في هذه الحياة والمصير إنما هو منوط بالمسير ، وقد جعل الله سبحانه وتعالى آثار فعل الإنسان من خير أو شر ، تنعكس انعكاسا جليا واضحا في حياة الإنسان نفسه وفي البيئة التي يتقلب في أعطافها ، بل وفي هذا الكون ، وهذا واضح في الآيات الكثيرة من كتاب الله سبحانه ، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: (( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه " والله عزوجل يقول " ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكذبون )) ويقول سبحانه: (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس )) ولئن كان فساد الإنسان تنعكس آثاره في البر والبحر فأحرى أن تنعكس آثاره في حياته في حياته بنفسه وفي حياة جنسه ، ونحن نجد في كتاب الله سبحانه وتعالى ما يدل على أن الأمم كالأفراد تسعد بأعمالها وتشقى بها ، فإن الأمة عندما تكون مستقيمة على الطريقة السواء آخذة بحجة أمر الله سبحانه وتعالى ونهيه ، بحيث لا تتعدى على حرماته ولا تتجاوز حدوده ولا تخالف أوامره تسعد ، وعندما تكون الأمة بخلاف ذلك فإنها تشقى وتكون عبرة للمعتبرين والكيس من اعتبر بغيره والأحمق من كان عبرة لغيره ، ونجد في كتاب الله سبحانه وتعالى ما يشد انتباه الناس إلى سننه في هذا الكون من حيث سعادة الأمم وشقاوتها ومن حيث بقاؤها
(1/2)
وفناؤها لأجل أن تكون هذه الأمة على بينة من الأمر تتحرى مرضاة الله سبحانه ، وتعمل بأمره وتزدجر عن نهيه ، فالله تعالى يقول: (( ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لهم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين )) هذه هي سنة الله تبارك وتعالى التي لا تتبدل ، ومن المعلوم أن الله سبحانه ليس بينه وبين أحدا من خلقه نسب ، وليس بينه وبين أحد من خلقه سبب إلا التقوى ، فمن اتقى الله فقد استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ، أما من خالف أمر الله سبحانه ، فإنه ولا ريب ينفذ فيه حكمه ، عاجلا كان أو آجلا ، والله سبحانه وتعالى عندما أمر بأوامره ونهى عن نواهيه ، ما كان بذلك إلا مريدا لمصلحة الخلق ، فإن مصلحة العباد إنما هذه بامتثال الأوامر والازدجار عن النواهي ، ومفسدتهم إنما هي بالتعدي على حرمات الله سبحانه وعدم المبالاة بما يصدر منهم ، والأفراد والأمم كما ذكرت في ذلك سواء ، فعندما تكون المعصية بين الفرد وبين ربه سبحانه وتعالى ، لا يطلع عليها غيره ، يكون أثرها راجعا إليه بنفسه ،أما عندما تكون هذه المعصية متفشية ظاهرة بينة فإن آثارها تنعكس على الجميع ، والشواهد في كتاب الله كثيرة ، ألا ترون أن الله سبحانه وتعالى يقول: (( واسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون وإذا قالت أمة منهم لم تعضون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون )) هذه هي العاقبة التي حاقت بأولئك الذين ارتكبوا ما ارتكبوا من المعاصي وأولئك الذين سكتوا عن هذه المعصية وجاملوا فيها ، ولم تمتعض قلوبهم لما يحدث
(1/3)
من تعدي حدود الله وارتكاب نواهيه ، ويقول عزوجل " لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " وحسبكم الله سبحانه وتعالى يقول: (( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا )).
فالله سبحانه وتعالى يهلك القرى ويبيد الأمم ويقضي على الشعوب نتيجة الإنحراف الذي يكون من طائفة من الناس فتجاملهم الطوائف الأخرى ، ولا تحاول أن تغير ذلك المنكر ، ولذلك كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حمى الله عزوجل من دخله آوى إلى ركن وثيق أما ترك ذلك فهو يؤدي إلى الدمار والخراب والعياذ بالله تعالى ، وكما قلت سنن الله سبحانه وتعالى لا تتبدل ونظامه في الكون هو هو ، لأن الكون كله مملكة الله والخلق جميعا هم عباد الله سبحانه وتعالى ، هم متعبدون بأوامره وبنواهيه .
(1/4)
أريد أن أبين لكم أنه قبل بضعة شهور من الآن اتصل بي شاب ثم جاءني بنفسه ، بعد أيام من هذا الإتصال فسمعته ونبرة الصدق تبدو في حديثه ورأيته وغرة الإيمان ترتسم على محياه ، ذكر لي أنه رأى رؤيا في منامه ، رأى رؤية منذرة ، يقول بأنه رأى طبقا طائرا أخضر ، يقوده شخصان أخضران ، وانفتح الطبق ، فبدى منه شخص عليه من الأنوار ما لم ير مثله ، وكان في قرارة نفسه أن الذي رآه هو ملك ، من ملائكة الله تعالى ، قال له إن الناس يوشك أن يأخذهم عذاب من عند الله ، بسبب خمسة أمور أولها الزنا وثانيها اللواط وثالثها مجامع الخمر ورابعها أكل الربا وخامسها عقوق الوالدين ، نعم .. هذه الكبائر التي ذكرت هم أمهات الكبائر ، أو من أمهات الكبائر وذكر بأن الذي رآه قال له أبلغ الناس بهذا ، وكنت أفكر في أمره وإذا بي بعد أيام قليلة يأتيني خمسة نفر ، جاؤوا من أجل تسجيل تلفازي في أمر مهم ، أمر يقلق بال كل عاقل ، وهو انتشار المرض الجنسي الفتاك ، مرض فقدان المناعة المكتسب ، بحيث أخذ ينتشر كما تفعل النار بالهشم ، وذكروا لي أرقاما خيالية من وجود الإصابات ومن حمل هذه الأمراض وكيف تفشت في هذا المجتمع تفشيا ينذر بخطر رهيب ، ومما جاء في حديثهم أن شابة بغيا والعياذ بالله اكتشف هذا المرض الفتاك فيها ، فماذا عملت ، بعد الإكتشاف ، ذهبت إلى مكان يجتمع فيه كثير من الأوغاد الذين لا يعنيهم في هذه الحياة إلا شهواتهم ، ولا هم لهم إلانغماس في أوحال الرذيلة فأباحت نفسها لهم ، فانغمس معها في حمأة الرذيلة في ظرف أسبوع واحد مائة شاب ، ونقلت العدوى إليهم .
(1/5)
هذا مثال واحد من الأمثلة الكثيرة التي نحصيها ، فضلا عما يقع من حصد الأرواح واهلاك الأنفس وتكدير صفو الحياة وكل ذلك يصيب من هم برءاء ، لا فعل لهم في ذلك ، لا سبب من قبلهم ، وإنما السبب من قبل غيرهم ، فكثير من الأزواج الذين ينغمسون في حمأة الرذيلة ، ينقلون هذه العدوى إلى نسائهم وتشقى بذلك نساؤهم ، ويشقى بذلك مجتمعهم ، وتشقى بذلك أسرهم ، لا يبالون بالنتاج التي تترتب على ارتكاب هذه الموبقات ، هذه الحرب من الله تبارك وتعالى ، جاءت مصداقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما يقول ( وما ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوها إلا ظهرت فيهم الأوجاع والأوباء التي لم تكن في أسلافهم ) وهو أمر معهود عبر القرون ، فقبل قرون كانت حملة فرنسية إلى بلاد الشام ، هذه الحملة حرص الإمبراطور الفرنسي على تزويدها بكل ما هي تتطلع إليه من وسائل الترفيه ، ومن ذلك التزويد ، تزويد الحملة بمجموعة كبيرة من الفتيات الحسان ، لأجل قضاء مآربهم منها ، فكانت نتيجة ذلك أن تولد المرض الجنسي المعروف بالمرض الزهري ، وبما أن هذا المرض جاء من قبل هؤلاء إلى بلاد الشرق ، عرف عند العرب بمرض الإفرنج ، ولا يزال هذا الإسم باقيا إلى الآن ، وما هذا المرض الفتاك الخطير الذي ينتشر هذا الإنتشار المرهب الخطير ، إلا أثر من آثار الفاحشة والعياذ بالله ، نحن نجد في كتاب الله سبحانه وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم الوقاية التامة فأنتم ترون في كتاب الله أن الله تعالى عندما حذر من الزنا ، لم يقل ولا تزنوا وإنما قال: (( ولا تقربوا الزنا ، إنه كان فاحشة وساء سبيلا )) ، وفي أي سياق حذر من الزنا ، في سياق التحذير من الكثير من الموبقات ، وقد كان التحذير من الزنا مسبوقا بتحذير من قتل الأولاد ، ثم جاء من بعده التحذير من القتل المطلق ، والله سبحانه وتعالى قال قبل هذه الآية: (( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا
(1/6)
)) ثم بعد هذه الآية قال: (( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا )) نعم .. لم يكن الإتيان بهذا التحذير البالغ من الزنا بين التحذير من قتلين ، قتل الأولاد ومطلق القتل ، أمرا اعتباطيا ، بل هو أمر من قبل الله سبحانه وتعالى ، الذي كل شيء عنده بمقدار وما ذلك إلا لأن الزنا في حقيقته قتل ، هو قتل للأفراد ، وقتل للجماعات .
هو قتل للأفراد من حيث إن الزنا كثيرا ما يؤدي إلى الرغبة في التخلص من آثاره ، فإن المولود غير الشرعي من يتحمل تبعته ، هل له أب يتحمل مسؤولية تربيته ويتحمل الإنفاق عليه ، تحس الأم الفاجرة بأنها تتحمل تبعته ، وهذا مما يؤدي بطبيعة الحال إلى أن ترغب في التخلص منه قبل وجوده فتسعى إلى التخلص من حملها في مصحات الإجهاض .
(1/7)
وبجانب ذلك الزنا قتل للنفس أيضا للأفراد من حيث أنه سبب لوجود هذه الأمراض الفتاكة التي تفتك بالزناة رجالا ونساءا وهو قتل للجماعات من حيث أن الجماعات تتكون من الأفراد ، فإذا ضعف الأفراد ضعفت الجماعة ، ثم إن بجانب ذلك هو قتل للجماعة قتلا معنويا من حيث إنه يؤدي إلى التفكك وعدم الثقة وعدم الاستقرار ، فخطورة الزنا خطورة بالغة ، ونجد أن القرآن الكريم عالج هذه المشكلة علاجا جذريا من شتى النواحي ، فهو قبل كل شيء حذر هذا التحذير البالغ من الزنا ، وتوعد عليه ، عندما قال سبحانه قارنا بينه وبين الإشراك به ، وبين قتل النفس المحرمة بغير حق ، (( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا )) ثم بجانب ذلك نجد أن القرآن الكريم يقطع على الشيطان الطريق من كل جانب من خلال كون توجيهاته الربانية ومن خلال القيود ، قيود الفضائل التي يأمر العباد أن يتقيدوا بها وأن يتحلوا بها ، والله سبحانه وتعالى يقول: (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن ، أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير ذي الأربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون )).
نعم ..
(1/8)
هذا هو التوجيه الرباني ، يقطع دابر الفساد ، ويستأصل شأفة الفجور ، يأمر الرجال أولا أن يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ، لأن البصر هو نافذة الشيطان إلى كل شر وقد أجاد الشاعر الذي قال:
وإنك إن أرسلت طرفك رائدا لعينك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر
وأمير الشعراء أحمد شوقي يقول :
نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء
النظر يؤدي إلى هذا الخطر العظيم لذلك أمر الرجال بأن يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ، ثم أمرت النساء المؤمنات بمثل ذلك مع استئصال بقية الأسباب ، أسباب الفساد .. عندما أمرن أن يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ، ويصن أنفسهن صونا بالأدب الشرعي ، وباللباس الشرعي وبالأخلاق الشرعية بحيث تكون المرأة متزنة في حركاتها في مشيتها في نظرتها في لباسها في كل شيء ، حتى لا تكون سببا للإغراء والإغواء ، ونجد كيف جاءت السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام بالتوجيهات النبوية الشريفة التي تؤدي إلى المحافظة على العفة والطهارة ...
(1/9)
فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ألا لا يخلو الرجل بامرأة إلا مع ذي محرم ) ويقول عليه أفضل الصلاة والسلام: ( ما خلى رجل بامراة إلا كان الشيطان ثالثهما ) ويقول: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامراة إلا مع ذي محرم ) ، ويقول عليه أفضل الصلاة والسلام: ( إياكم والدخول على النساء ) فقال له رجل من الأنصار أرأيت الحمو يا رسول الله فقال: ( الحمو الموت ) أي حمو المرأة الذي هو أخ زوجها دخوله عليها في خطورته كالموت الذي يتصور بأنه أخطر شيء ، ولئن كان حمو المرأة هو كالموت فما بالكم بسائر الناس ، ما بالكم بسائر الرجال ونجد كيف يوجه القرآن الكريم هذه الأمة إلى الآداب التي تحفظ لها عفتها وطهارتها ونزاهتها بل وطهارة الوجدان والفكر بجانب طهارة الجوارح واللسان ، فالقرآن الكريم يوجه عباد الله سبحانه وتعالى إلى آداب الإستئذان فالله تعالى يقول: (( ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلك خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم )) ، هكذا يوجه عباد الله سبحانه وتعالى إلى ما يقطع دابر هذا الفساد ويستأصل شأفته ، ونجد أيضا فيما شرعه الله سبحانه وتعالى من العقوبات ما يؤدي إلى قطع دابر الفساد ، فالله سبحانه وتعالى شرع حدا للزنا عندما قال عز من قائل " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " .
نعم ..
(1/10)
هذه عقوبة فرضها الله سبحانه وتعالى ضد الزناة ، وأمر ألا تأخذ عباد الله رحمة فيهم أي في الزاني والزانية وأمرها أن تكون على مشهد من المؤمنين حتى يكون ذلك أردع للنفوس عن الوقوع في هذه الفحشاء ، بجانب ذلك جاءت السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام مبينة أن هذا الحكم إنما هو خاص بالزاني البكر والزانية البكر أما إن كانا محصنين فحكمهما الرجم ، وهذه العقوبة وإن بدت للناس فيها قسوة ، لا ريب أنها العقوبة المناسبة لقطع دابر هذه المفسدة العظيمة ، ومع هذه الآداب التي شرعها الإسلام وهذه العقوبات الرادعة ، هنالك توجيه من الله سبحانه وتعالى إلى ما يغني العباد عن الوقوع في هذه المفسدة ، فإن الله تعالى لم يحرم على العباد شيئا مما تتطلع إليه النفوس ، إلا وأباح لهم في مقابله ما تكون فيه العفة والطهارة والنزاهة والمصلحة للعباد ، وقد قال عز من قائل: (( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت به أيمانكم )) وأمر سبحانه وتعالى بتيسير هذا الزواج وعدم وضع العقبات في سبيله ، عندما قال: (( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم )) وجه الله سبحانه العباد إلى الزواج الشرعي لأجل إعفاف النفس ، وإرواء هذه الغزيرة الملتهبة وتسكين هذه العاصفة من الشهوة ، ليكون الإنسان مطمئنا وادعا يكتفي بما أحل الله عما حرم ، ونجد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الحث على الزواج ، فهو يقول: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) ولكن للنظر إلى حال الناس ، هل الناس مستمسكون بهذه التوجيهات الربانية ، نعم ..
(1/11)
نجد من الأخبار ما يقلق من هذه الناحية فنحن نسمع عن قوافل الناس التي تخرج زرافات في أيام العطل من أجل قضاء هؤلاء مآربهم في أسواق الخنا ومجامع الفجور حيث تباع الشهوات والعياذ بالله تعالى ، أليس ذلك مما يدعو إلى سخط الله سبحانه وتعالى ، بجانب هذا نجد أن الغيرة انحسرت من قلوب الرجال ، فهم لا يغارون على نسائهم ولا يغارون على بناتهم ولا يغارون على قريباتهم ولا يغارون على بنات مجتمعهم ، وهو أمر أيضا من الخطورة بمكان ، كيف يرضى هذا الرجل أن يعرض امرأته أو أن يعرض ابنته للوقوع في هذه الفحشاء والعياذ بالله ، نحن نجد في تاريخ الرجال ما يدل على أن الغيرة كانت تتأجج في نفوس رجال لم يكونوا على شيء من الدين ولا على شيء من الفضيلة ، ولكنها الشهامة والنخوة ، وقد كان أحدهم يحوط محبوبته بهذه الغيرة ، حتى يحصنها تحصينا ويمنعها منعا ، من أن تكون عرضة لأي سوء .. ألم تسمعوا بقول الشاعر الذي يعبر عن حبه لامرأته وغيرته عليها فيقول :-
إياك واسم العامرية إنني ****** أغار عليها من فم متكلم
أغار عليها من أبيها وأمها ****** ومن لوحة المسواك إن لاح في الفم
أغار عليها من رقيق ثيابها ****** إذا وضعتها فوق جسم منعم
أين هذه الغيرة من رجال اليوم ، نجد الرجل اليوم يسمح لامرأته أن تتزين مطلق الزينة ، وتذهب لتزاحم الرجال في الأعمال تعمل معهم جنبا إلى جنب ، من غير مبالاة بما يترتب على ذلك من العواقب ، وكم من عواقب وخيمة لا نستطيع أن نتحدث عنها اطلعنا عليها من خلال هذه التصرفات الرعناء ، وكم من أب يعرض ابنته وهي في عمر الزهور لأن تكون نهبة لهؤلاء الذئاب .
(1/12)
قبل فترة كتبت إلي فتاة رسالة تشكو أمرها ، تقول بأنها بلغت من العمر واحدا وعشرين عاما ، وقد دفع بها أبوها إلى أن تشتغل في شركة ، هذه الشركة فيها جماعة من الرجال ، القسم الذي هي فيه معها ثمانية من الشباب ، وكل واحد من أولئك الشباب يراودها عن نفسها ، كل واحد منهم يراودها عن نفسها ، وتقول عن نفسها بأنها تشعر بالرغبة ، لأنها فطرت على هذه الرغبة وتريد أن تقضي حاجتها من خلال زواج شرعي ، ولكن والدها يحول بينها وبين ذلك ، طمعا فيما تأتي به من الراتب ، أين هذه الشهامة ، وأين هذه الغيرة من نفوس هؤلاء ، ثم إنني بلغني أن الأسواق تعج بالفتيات الحسناوات ، التي يدفع بهن آباؤهن إلى العمل في الأسواق ليجلبن لهم شيئا من المال وليكن فتنة للناس ، وليكن مجلبة للزبائن حتى تعود المصلحة إلى أصحاب المتاجر حسبما يتوهمون ، وما هي بمصلحة ، ما هي بمصلحة تعود على أي أحد ، وإنما هي مفسدة ، فأين هذه الغيرة ، هؤلاء الفتيات يعملن بجانب الرجال ، أين هذه الغيرة التي يجب أن تشتعل في نفوس الرجال ، غيرة على أعراضهم ، هل يساوم على العرض في مقابل المال ، وما قيمة المال بجانب العرض ، إن عرض الإنسان هو أسمى ما يحافظ عليه حتى أن الإنسان يفدي عرضه بنفسه ، بروحه ، ويبذل دمه رخيصا في سبيل المحافظة على العرض ..
(1/13)
فما بال هؤلاء يرضون بانتهاك أعراضهم ، بل هم يعرضون أعراضهم لأن تكون نهبة لهؤلاء الذئاب ، وكم من أمور يندى له الجبين ، وتذوب منها القلوب حسرة ولوعة من خلال هذه التصرفات الرعناء ، التي لا تعود بالمصلحة على أحد ، هنالك الكثير الكثير من الآباء الذين يعضلون بناتهم عن الزواج ، يعضلون بناتهم عن الزواج في مقابل ما يتقاضونه من رواتبهن على رأس كل شهر ، وهذا أمر وقع فيه كثير من الناس الذين كنا نتصور فيهم الغيرة ، ونأمل فيهم الخير ، وهؤلاء هم في الحقيقية ليسوا من الإيمان في شيء .. قبل كل شيء .. (( (( (( ليسوا بمؤمنين )) )) )) .. لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: (( فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون )) فأي إيمان بالله واليوم الآخر في نفس هذا الذي يُعرض عن أمر الله سبحانه وتعالى في مقابل ظلم يظلمه ابنته إذ يأكل راتبها سُحتا ، وهو عليه حرام ، يجمع مظلمة مع مظلمة ، يأكل مالها بغير حق ، وهو بجانب ذلك أيضا يمنعها من حقها الشرعي في الزواج ، ويعرضها لأن تكون نُهبة لذئاب البشر ، يدفع بها دفعا إلى أوحال الشهوات والعياذ بالله ، ماذا تكون عاقبة هذا الأب ؟ ، عندما تعود إليه ابنته وهي حبلى من حرام ، ما هي الفائدة التي يجنيها من خلال ما يتقاضاه من راتبها على رأس كل شهر ، أليس في هذا ما يدعو إلى التأمل والتفكر في هذه العواقب ؟ ، إن الأمور عاقبتها خطيرة .. وكما قيل جرس الخطر قد دُق .. فعلى الناس أن يعتبروا ، فضلا عن أنواع المفاسد الأخرى .
الخمور وتفشيها .. مما يُعجب له .. ما بلغني عن أحد المترفين المفسدين ، أنه كتب إلى جهة مختصة يطلب ترخيصا بافتتاح حانة خمر ، ومن ضمن ما كتبه وهو يلتمس هذا الترخيص ((( ولا يزال الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ))) !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
(1/14)
أي مهزلة هذه .. أي عقل هذا .. يسعى الإنسان إلى حتفه ؟ ، وحتف بني جنسه ، وحتف مجتمعه ؟ ، بسبب هذا الطمع الدنيء في هذا المال ، مع أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أن ( الخمر ملعونة وملعون شاربها وساقيها ، وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه ، وبائعها ومشتريها ، وآكل ثمنها ) هؤلاء كلهم ملعونون ، لعنوا بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا بأحد السفهاء يطلب أن يكون الآخر في عونه ، لأن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ، بالترخيص له بافتتاح حانة خمر ، من أجل ما يتصوره من المصلحة ، الله تبارك وتعالى يقول: (( يأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون )).
نعم ..
هذه هي الخمر وهذه آثارها ، من الذي يرجو من ورائها فائدة ، بعد أن صارت بهذه الحالة التي أخبر الله تعالى بها ، وبعد أن لعن بسببها كل من تلبس بها ، والناس لا يعتبرون بحوادث السير ، التي هي من جراء الخمر ، كم من شباب في عمر الزهور تلاشت حياتهم بسبب هذه الحوادث التي كان الدافع الأكبر وراءها شرب الخمور ، نعم .. كانت السبب الأكبر لهذه الدوافع شرب الخمور ، وكم من أموال تتلف بسبب ذلك ، هؤلاء الذين عيقت حياتهم وشلت أعضاؤهم وأصبحوا أشبه بالموتى وإنما يُضطرون إلى المعاناة حتى تقبض أرواحهم أصيبوا بسبب هذه الحوادث ، كم من أموال تنفق من أجل هؤلاء ، أليس ذلك مما يعود بالخسارة على الأمة والمجتمع .
(1/15)
ثم بجانب ذلك تفشي الجرائم ، هذه الجرائم تتفشى وأنتم تسمعون عن هذه الحوادث المؤلمة التي تنفطر منها القلوب وتدمع من أجلها العيون ، وما أسباب هذه الحوادث إلا عدم المبالاة بأوامر الله تعالى ونواهيه عندما يُنشّأ الشباب على هذه الروح ، روح الفساد والإنحراف عن طريق الحق ، يدفع أبٌ بأفلاذ كبده وثمرات فؤاده إلى الإجرام ، في سبيل شيء من المال يتصوره فائدة لنفسه ، وفائدة لأولاده ، وإذا بالأمر ينقلب على عكس ذلك مما يؤدي إلى أن يخسر هو حياته ويخسر أولئك حياتهم . وهذه مصيبة المخدرات التي انتشرت ، ما هي إلا بسبب عدم المبالاة بأوامر الله تعالى ونواهيه.
وأكل الربا إنما هو إحدى المصائب الكبرى ، فالله تبارك وتعالى آذن بحرب بسببه ، يقول سبحانه وتعالى: (( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربى إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون )).
نعم .. هو حرب من الله ورسوله ، حربٌ وأي حرب .. وأنتم ترون كيف تلاشت البركات ، وكيف فسدت الثمار ، وكيف وقع الناس في حيرة من أمرهم بسبب هذه المعاملات الربوية المحرمة والعياذ بالله ، فكل من ذلك حرب .. هذه آثار الحرب التي شاهدناها ، وما ندري ما وراءها ، لا ندري بهذا العذاب الذي تنذر به الرؤيا ، والعياذ بالله .. فإذاً على الناس أن يعتبروا جميعا ، وأن يرد عقلاؤهم سفهاؤهم ، و .. بهذه المناسبة أرى أن أقدم بعض الإقتراحات ، التي أرجو بمشيئة الله سبحانه وتعالى أن تكون بناءة بعونه عزوجل:
(1/16)
أولا: تربية النشأ على الاستقامة في الدين ، وتعويدهم معاني الأمور ، وتجنيبهم سفاسفها ، وتعويدهم أن يربأوا بأنفسهم عن كل الرذائل الظاهرة والباطنة ، وذلك مما يتوقف على أن يتفقهوا في دين الله سبحانه وتعالى ، وأن تنغرس قبل كل شيء العقيدة الصحيحة في نفوسهم ، بحيث تكون خشية الله تبارك وتعالى ملء قلوبهم ، وهذا مما يجب أن يكون منتشرا في جميع أوساط النشء من الذكور والإناث ، فإن فساد الذكور يؤدي إلى فساد الإناث ، وفساد الإناث يؤدي إلى فساد الذكور ، فلا بد من أن تكون التربية على الاستقامة والحق والرشد والصلاح والمعرفة الصحيحة والعقيدة الحقة ، شاملة للجنسين جميعا .
الأمر الثاني: أن يربى الجنسان جميعا على الحياء ، فإن الحياء شعبة من الإيمان ، كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الإيمان بضع وستون شعبة ) وفي رواية: ( بضع وسبعون شعبة أعلاها كلمة لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى من الطريق والحياء شعبة من الإيمان ).
الأمر الثالث: أن يحرص الكل على تنشأة أولادهم على الغَيرة ، فإن فقدان الغَيرة هو المصيبة الكبرى ، والغيرة محمودة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه هو أغير الناس ، وأن الله تبارك الله وتعالى أغير منه ، ولم يشرع الله تعالى ما شرع من الحدود ولم يأمر بما أمر به من الأوامر ، ولم ينه عن ما نهى عنه ، ولم يعد ويتوعد إلا بسبب غَيرته ، فإذاً الغيرة محمودة ويجب أن يربى عليها النشء ، ومن فقد الغيرة فهو ممسوخ والعياذ بالله .
(1/17)
الأمر الرابع: إعفاف الشباب من الجنسين جميعا ، بالزواج الشرعي والمسارعة إلى ذلك ، وتذليل جميع العقبات التي تقف في سبيل ذلك ، فأولئك السفهاء الذين يريدون أن يعضلوا مولياتهم من أجل رغبات أنفسهم في الأموال يجب أن يوضع لهم حد عن هذا الفساد الذي هم آمونه ومتوجهون إليه ، ويجب أيضا أن ييسر الزواج من حيث التقليل من الصَدُقات ، بحيث تكون المهور أبسط ما تكون ، ومع هذا أيضا التقليل من المؤن ، مؤن الزواج من أنواع النفقات التي تنفق من أجله ، ومما ينبغي أن يسارع إليه إنشاء صناديق للزواج ، فإن لم يمكن أن يكون هنالك صندوق عام يشترك فيه أهل الوطن جميعا ، يمكن لأهل كل ولاية ، أو أهل كل مدينة أو أهل كل قرية ، أن ينشأوا لأنفسهم صندوقا ، يتبرع كل أحد بقدر ما يتيسر له ، لينفق كل ذي سعة من سعته ، ومن قُدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ، حتى ولو استطاع الإنسان أن يوفر في كل شهر ريالا واحدا من أجل إمداد هذا الصندوق فذلك خير كبير ، وأصحاب اليسر مطالبون بأن يبسطوا أيديهم ، وأن ينفقوا مما آتاهم الله سبحانه وتعالى ، ومما ينبغي أن يوضع في الإعتبار أيضا أن الحفلات ، حفلات الزواج ينبغي أن تكون حفلات جماعية ، يشترك فيها أكبر عدد ويحمل الموسرون المعسرين فيه ، بحيث ينفق أصحاب اليسار في هذه الحفلات بما يكفي أصحاب العسر مؤونة الإنفاق ، ومما ينبغي أن يوضع أيضا في الإعتبار أن الزواج تذلل العقبات الإجتماعية التي سادت عند الكثير من الناس ، وهي أن الزوج يشترط أن يكون مالكا لبيت وأن يكون مالكا لسيارة وأن يكون مالكا لكذا وكذا ، هذا كله مما ينبغي أن ينفى ، وأن يكون الزواج ميسرا حتى تروى هذه الشهوة بما يطفؤوها بمشيئة الله سبحانه وتعالى .
(1/18)
والأمر الخامس: أن يمسك على أيدي هؤلاء السفهاء الذين يلهثون وراء هذه الشهوات ، ويُرَدوا إلى الحق ويُبصَروا بمغبة هذا الأمر ، وأن يُشاع هذا الأمر في جميع الأوساط ، ليكون الناس على بينة من أمرهم ، فالأمر خطير جدا ، ونحن علينا أن نعتبر كما قلنا بالقرون الخالية ، أليس في شأنها عبرة لأولي الألباب ، (( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون )) ، كم أنزل القدر النفاذ هؤلاء المغرورين من علياء كبريائهم إلى حضيض الذلة والمهانة بسبب ما عملوا من معاصي الله سبحانه وتعالى ، ثم بجانب هذا التوعية بمختلف الوسائل ، سواء عبر أجهزة الإعلام أو في هذه المساجد أو في الأندية أو في أي مكان آخر ، حتى يكون الناس جميعا على بينة من الأمر ، والنصيحة الفردية لها أثر كبير ، فأقترح أن يعنى بهذا كله ، وأرجو أن يتم ذلك في إطار العناية بالحياء ، والعناية بالمجتمع والعناية بالجيل الناشيء وأسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق وأن يدرأ عنا كل الشرور وأن يحفظنا من كل سوء ، وأن يحمينا من كل مكروه .
ربنا لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا ، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، واجعل اللهم الغَيرة في قلوب رجالنا ، والحياء في وجوه نسائنا ، وارزق الجميع العفاف والطهر والنزاهة ، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير ، نعم المولى ونعم النصير ، وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
((((( تم رفع الآذان )))))
هذه أسئلة متعددة فالظاهر أنها تأتي زرافات ، ولكن نجيب بقدر الإستطاعة إن شاء الله .
بسم الله الرحمن الرحيم
(1/19)
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
السائل يقول: إنه مما لوحظ في الآونة الأخيرة ظاهرة نفوق الأسماك على الشواطيء العمانية ، وقد قدر عدد الأسماك التي وجدت على الشواطيء بعشرة آلاف طن ، ومما يثير العجب أن ينسب بسبب تلكم الظاهرة إلى نقص الأوكسجين في البحر ، فهل تعتبر تلك الظاهرة الخطيرة سببا في الفساد المنتشر ، لتكون عبرة وعظة للناس ، نرجوا أن تبينوا لنا الحق في هذه الظاهرة.
الجواب/.. هذا مما أجاب عليه القرآن الكريم .. قبل أن أجيب عليه أو يجيب عليه أي أحد (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس )) ، فهذا من الفساد الذي ظهر في البحر ، هذا مما نُص عليه ، ولا يبعد أن يكون هو من ضروب العذاب والعياذ بالله ، فالتوبة إلى الله هي التي تقي هذه المخاطر ، ولو قدرنا هذا من الأوكسجين ، من الذي دبره ، من الذي خلقه ، من الذي يصرفه ، من الذي يرتب آثاره ، كل ذلك إنما يكون من عند الله سبحانه وتعالى ، ولله جنود السماوات والأرض .
السائل يقول: نجد بعض الآباء يرخصون لبناتهم للعمل في الشركات ويكون فيه الإختلاط بين الرجال والنساء ، وذلك بسبب الفقر الذي هو فيه ، ولا يوجد عنده أولاد إلا البنات ، وهو لا يقوى على العمل ، فما قولكم لهؤلاء الآباء ، وما نصيحتكم لهم .
(1/20)
الجواب/ .. أولا قبل كل شيء عليهم أن يتقوا الله ، فإن الله عزوجل يقول: (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) ، عليهم أن يتقوا الله ، ثم على المجتمع أن يتعاونوا ونحن ندعوا المجتمع .. أولا وقبل كل شيء أن يعطي زكاة ماله ، آداء الزكاة ، إيتاء الزكاة من الفروض الواجبة ، وهي تسد جانبا من هذه الحاجة وتقضي على جانب كبير من هذه المشكلات ، ثم بجانب ذلك النفقات الأخرى التي هي في سبيل الله سبحانه ، فإن النفقات ليست محصورة في الزكاة ، فالله تعالى عندما ذكر البر ، قال: (( وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب )) ثم قال: (( وأقام الصلاة وآتى الزكاة )) وهو دليل على أن هذا الحق ليس محصورا في الزكاة ، فالعطف يدل على التناوب بين المعطوف والمعطوف عليه .
السائل يقول: ما قولكم في إنشاء جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكي يستقيم الضال ، ويرشد الشباب إلى الطريق المستقيم ، أنا شاب أرى ما أراه من الفواحش ، لكن ليس من مقدوري فعل شيء حيال ذلك ، لأني لا توجد لدي سلطة .
الجواب/ .. طبعا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضه الله تعالى على الأمة (( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر )) ولكن إنشاء هذه الجماعة لا يتم إلا بالتنسيق مع الجهات المسؤولة ، لتكون الجهات المسؤولة في الدولة هي التي ترتب هذا الأمر ، وتنظمه ليتم التعاون بين القاعدة والقمة بمشيئة الله .
السائل يقول: ما تفسير الآية الكريمة: (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ))؟
الجواب/ .. نعم ، الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان بشرا سويا ، وأنعم عليه بالآلاء الظاهرة والباطنة ، ولا يغير شيئا من ذلك بحيث يعود الإنسان إلى الذلة وإلى الفساد ، وإلى وإلى .. الخ ، إلا بسبب ما كسبت يداه .
(1/21)
سؤال/ .. هل يجوز التحدث مع فتاة في الهاتف ، وذلك من أجل تقديم النصح والإرشاد لها ، وذلك لأنها تعاني من مشكلة وأحاول أن أعينها على تجاوز هذه المشكلة ، مع العلم أنها أجنبية ؟
الجواب/ .. مع أمن الفتنة ، مع أمن الفتنة وكون الحديث بريئا ، حديث حق .. لا يمنع ذلك ، فأمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن مع ما فرض الله سبحانه وتعالى عليهن من مضاعفة القيود في معاملتهن مع الناس ، كن يتحدثن إلى المؤمنين من وراء حجاب ويتلقون عنهن العلم.
السائل يقول: بيت ، في مكان ذكره .. نحن لسنا بحاجة إلى ذكر الأمثلة ، لا نريد أن نشهر ، لا بمكان ولا بأحد .. يقول توجد فيه نساء زانيات يأتي الشباب إلى هذا البيت ويدخلون عليهن بدون إذن ، ولا يوجد لهذه النساء راع يرعاهن ، حتى أنهن يأتونهن بالصبح إلى منتصف اليوم ، ومن المغرب حتى الفجر .. فهل يجوز طرد هؤلاء النساء من هذه المنطقة ؟
الجواب/ .. الإنسان عندما يتعفن عضو من أعضائه ، يبتره .. يفصله عن جسمه ، حتى لا يسري فساد ذلك العضو إلى سائر الجسم ، فكيف بطرد نساء فاسقات باعرات من مجتمع ليبقى ذلك المجتمع طاهرا ونظيفا .
سائل يسأل: عن رؤيا .. حقيقة الأمر .. لا أدري ما المراد بهذه الرؤيا ، ولكن أرجو خيرا إن شاء الله ، لأن فيها إشارة إلى ضربة لطفل .. ضربة خفيفة بين منكبه ، لعل ذلك إن شاء الله إيقاظ لضمير ذلك الطفل .
السائل يقول إنني ألاحظ كثيرا من الناس ، يسمحون لبناتهم بالخروج إلى بلدان بعيدة وقريبة من غير محرم ، معنى مقصدهم من ذلك حصولهن على شهادة في مجال ما ، فهل فعلهم في هذا محمود ؟
(1/22)
الجواب/ .. هذه من المفاسد الكبرى والعياذ بالله ، من المفاسد الكبرى .. آثارها نحن لا نريد أن نشهر بالناس ونتحدث عنها جميعا ، آثارها وخيمة ، والعياذ بالله . فعلى أي حال هؤلاء هم أقرب إلى الدياثة ، الذين يسمحون لبناتهم بهذا هم أقرب إلى الدياثة ، والديوث لا يروح رائحة الجنة ، كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم .
سؤال/ .. ظهر في الآونة الأخيرة أن النساء يقدن سيارات الأجرة ، ونقل الطلبة إلى المدارس ، فهل من نصيحة لهن ؟
الجواب/ .. نصيحتي لهن ولأوليائهن ولأزواجهن أن يتقوا الله تعالى جميعا .
يقول رجل رشح امرأته لمنصب بعد أن فقده هو ، حتى لا يغيب المال .. فما القول في ذلك ؟
الجواب/ .. هذا أمر لا يحتاج إلى تعليق ..
السائل يقول: انتشر اللواط في المجتمع وبطرق مختلفة وبظواهر متعددة ، ومن ضمنها زفاف الرجل إلى رجل ، على مرآى ومسمع من الناس .. أليس من واجب الدولة والمجتمع ردعهم ، وما هي توبة من يرتكب تلك الفاحشة ؟
(1/23)
الجواب/ .. هذه الفاحشة هي من أكبر الفواحش ، وأخطرها .. وقد جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى ما أصاب أصحابها من عذاب الله الذي عجله في دنياهم قبل آخرتهم ، ثم بعدما ذكر هذا العذاب قال: (( وما هي من الظالمين ببعيد )) ، وأي ظلم أخطر من هذا الظلم ، وأي فاحشة أسوأ من هذه الفاحشة ، وعند ظهورها وبروزها إلى حد هذا المستوى المذكور ، فإن الأمر ينذر بخطر شديد . نسأل الله العافية ، وعلى الكل التعاون من أجل القضاء على هذه المفسدة ، على الكل .. على الحكومة وعلى الشعب .. الجميع عليهم أن يتعاونوا على أجل القضاء على هذه المفسدة ، وأما التوبة من هذه الفاحشة ومن غيرها من الفواحش ، فالله سبحانه وتعالى يسرها ، قال: (( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون )) ، على أي حال إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب ، لمن .. لمن تاب ، الله تعالى قيد ذلك وبيّن ذلك ، حيث قال: (( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى )) .
السائل يقول: بخصوص ما ذكرته من وجود فتيات بالأسواق والمحلات ، يقمن بالبيع والمحاسبة فإذا كان أصحاب المحلات قد وظفوهن بمحلاتهم من أجل إغراء الناس وجلب الشباب ، وتشجيعهم للشراء من عندهن ، فهل يمكن أن توجه كلمة لأصحاب المحلات الطامعين في المكسب المادي ، ولو بمسلك من ذلك ، يدخلون في تجارتهم المكسب الحرام ، والتأكيد حول ما شابه ذلك ؟
(1/24)
الجواب/ .. هؤلاء أولا لا يغارون على حرماتهم بأنفسهم ، لأن الفساد يسري ، فمن أفسد ابنة غيره ، سرى الفساد إلى ابنته ، الفساد يسري ، هذه سنة الله تعالى في خلقه ، فآثارها لا تتوقف عند حد معين ، وأول من يصلى النار موقدها ، أول من يصلى النار موقدها .. هؤلاء يتلاعبون بالنار فعليهم أن يتقوا الله سبحانه وتعالى في هذا الأمر وما يجنونه من المال فهو ((((( حرام حرام حرام ))))) لأنه جاء إليهم بوسيلة محرمة ، وبطريقة إفساد المجتمع .
سؤال: ما قولكم في الزواج المبكر ؟
الجواب/ .. هو الخير والرحمة ، فيه تحصين للجنسين جميعا ، لا ينبغي أن يؤخر زواج الفتى بعد بلوغه ، مع تيسره ، ولا زواج الفتاة بعد بلوغها مع تيسره .
سؤال آخر: ما قولكم في تعدد الزوجات ، وهل يعد من باب (( وتعاونوا على البر والتقوى )) في وقتنا الحالي ؟
الجواب/ .. تعدد الزوجات مع القيام بجميع المسؤوليات ، ومع العدل بينهن والقيام بحقوقهن من غير تقصير في ذلك ، يعد بطبيعة الحال من العمل الصالح الذي يؤجر عليه المرء ، لأنه بذلك تحل مشكلات جما .
سؤال/.. كثيرا ما نشاهد في حياتنا اليومية الرجال متشبهين بالنساء ، فهل يجوز السلام عند رؤيتهم والرد على سلامهم والكلام معهم ؟
الجواب/ .. (((( تباً لهم ولأمثالهم )))) لعنهم الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، بئست الحالة أن يفطر الإنسان رجلا ، فيحرص على أن يتحول إلى أنثى ، بحيث ينافس الإناث في خصائصهن ، وبئست الحالة أيضا أن تفطر المرأة إمرأة ، وتحرص على أن تتحول إلى رجل بحيث تحاول أن تنافس الرجال في خصائصهم ، ولذلك جاء اللعن في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ، كل أولئك ملعونون وال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

تواصل معنا

أكثر من 600,000+ يتابعون موقعنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي إنظم إلينا الآن

عن الموقع

author مكتبة أهل الحق والإستقامة <<   مكتبة أهل الحق والإستقامة..موقع يهتم بنشر الكتب القيمة في مختلف الجوانب (فقه..عقيدة..تاريخ...الخ) عند المذهب الإباضية من نتاج فكري.

أعرف أكثر ←

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *