الإباضية في موكب التاريخ 3 تونس لعلي معمر موافق للمطبوع - مكتبة أهل الحق والإستقامة

أحدث المشاركات

Post Top Ad

Post Top Ad

الاثنين، 10 يناير 2022

الإباضية في موكب التاريخ 3 تونس لعلي معمر موافق للمطبوع

 





الكتاب : الإباضية في المغرب العربي لأحمد حسين
ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطلوع
الإباضية في المغرب العربي
تأليف : د. أحمد الياس حسين
شبكة الدرة الإسلامية
www.aldura.net
مدخل تاريخي
? الصراع بين البربر والمسلمين
? المذهب الإباضي
? الإباضية والخوارج
? الإباضية في المغرب
? مراحل قيام الدولة
? المرحلة الأولى : محاولة الحارث وعبدالجبار 131هـ ( 748م)
? المرحلة الثانية : محاولة ابن الخطاب 140هـ ــ144هـ ( 757م ــ 761 م)
? الأباضية في فزان (أمارة بني الخطاب )
? المرحلة الثالثة : قيام الدولة الرستمية ( 160 ــ 296 هـ )
? العلاقات الخارجية للدولة الرستمية
? الأسرة الرستمية
? الإباضية بعد سقوط الدولة
? نظام العزابة
? التعليم
? التجارة
? خاتمة
مدخل تاريخي
بسم الله الرحمن الرحيم
تميز تاريخ المغرب العربي في القرون الهجرية الاولى بالثورات والتقلبات المتكررة فحل العامل القومي في القرن الاول الهجري محل الصراع ثم حل الصراع المذهبي في المرحلة الثانية محل العامل القومي ونتج عنه ظهور دويلات استند قيامها الى المذهبية مثل دولة الصفرية في سجلماسة
ودولة الاباضية في المغرب الاوسط ودولة الادارسة في المغرب الاقصى والدولة الفاطمية ويمثل الاباضية جزءاً هاماً من ذلك الصراع الذي دار في المغرب منذ بداية القرن الثاني الهجري ولتتبع ذلك الدور لا بد من إلقاء نظرة سريعة على أحوال المغرب في الفترة التى سبقت دخول المذهب الاباضي للوقوف على المناخ الذي هيأ للاباضية وغيرهم من الدعاة غرس بذور فرقهم ثم أتناول بالدراسة المذهب الاباضي وانتشاره في المغرب الادنى والاوسط والمحاولات المتكررة لتاسيس الدولة الاباضية التى تولدت عنها الدولة الرستمية في العقد السابع من القرن الثاني الهجري ثم أبين الدور الذي لعبته هذه الدولة في تاريخ المغرب ومآلت اليه أوضاع الاباضية بعد سقوط دولتهم.
الصراع بين البربر والمسلمين
(1/1)
تورد كتب الفتوح وحوليات التاريخ الاسلامي الكثير من الاخبار المتعلقة بفتوح المغرب والارتداد المتكرر لسكانه والجهود التي بذلها كبار القادة لاخضاع المنطقة فلماذا قاوم البربر الفتح الاسلامي تلك المقاومة العنيفة؟
تعرض سكان المغرب للغزو الخارجي منذ قرون كثيرة قبل الفتح الاسلامي وكان الغرض الاساسي من تلك الغزوات هو الاستيطان واستغلال ثروات البلاد التجارية والزراعية وابعاد سكان المغرب عن ترابهم ما امكن ذلك فقاوموا اليونانيين والرومان والوندال والبزنطيين وسواء تمت تلك المقاومة تحت قيادة الممالك الوطنية او تحت ألوية القبائل فإنها سعت للاحتفاظ بالارض وعدم الجلاء عنها وقد تعلم البربر من تلك الاحداث الاتحاد أمام الاطماع الخارجية فكانت القبائل الصحراوية تتعاون مع قبائل الساحل وكذلك الممالك تستنجد ببعضها فقد أعانت مملكة الجرمانتيين في فزان مملكة نوميديا ـ في الجزائر ـ في صراعها ضد الرومان في القرن الميلادي الاول ونتج عن ذلك رباط قومي. ولم تكن هناك صعوبات تواجه اختلاط العرب بالبربر كالتي كانت قائمة بينهم وبين الروم رغم عدم وجود الكيان السياسي الذي يضم السكان في دولة واحدة.
وعندما زحفت جيوش المسلمين نحو المغرب هب البربر للمقاومة وخاضت الجيوش الاسلامية الكثير من المعارك في سبيل كسر شوكتهم ولم يتمكن المسلمين من ذلك حتى تحقق للبربر أن النزلاء الجدد يختلفون عن السابقين بما تحقق يحملونه من تعاليم دينهم الذي يرفض الاستغلال وينادي بالمساوة وبدأ البربر في أعتناق الاسلام وقلت مقاومتهم كلما ازداد الاسلام انتشار حتى هدأت أحوال المغرب وانتهت المقاومة قبل نهاية القرن الهجري الاول.
ويبرز هنا سؤال هام لماذا عاد البربر الى الثورات في القرن الثاني للهجرة بعد انتشار الاسلام بينهم؟
(1/2)
لقد وجد البربر في الدين الاسلامي حلاً لجميع العلاقات التي قادتهم الى الاصطدام بالشعوب التي دخلت بلادهم وأزالت التشريعات الاسلامية المشاكل التي كانو يعانون منها وعلى راسها المساوة ومشكلة الضرائب الا ان سلوك ولاة المسلمين خاصة في مطلع القرن الهجري الثاني بدأ يخالف تعاليم الدين الاسلامي.
كان البربر يسعون الى تطبيق مبادئ الاسلام كما فهموه من معلميهم الاوائل بينما اتجه الولاة الى فرض سيطرة العنصر العربي وتميزه ويتعارض ذلك مع مبدأ المساواة وكان الولاة يسعون الى جمع الاموال بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لترضية الخلفاء ويتعارض هذا أيضا مع تعاليم الاسلام وأصبح الفرق واضحا بين تعاليم الدين وما هو واقع دينهم فماذا كان رد الفعل ؟
تحرك البربر غير خارجين عن الاسلام بل مصححيين لممارسته. بدأ تحرك البربر في مطلع القرن الثاني للهجرة مع بداية ولاية يزيد بن ابي مسلم لافريقية عام 102هـ (720م) ونكتفي بما ذكره ابن عزاري المراكشي عن هذا الوالي حيث قال " كان ظلوما غشوما ... وكان البربر يحرسونه فقام على المنبر خطيبا فقال : أني رايت ان ارسم اسم حرسي في ايديهم كما تصنع ملوك الروم بحرسها فارسم في يمين الرجل اسمه وفي يساره حرسي ليعرفوه بذلك بين سائرالناس فلما سمعوا ذلك منه ـ اعني الحرس ـ اتفقوا على قتلة.(1)
كانت هذه المحادثة في بادية القرن الثاني بعد المحاولات الجادة التي بذلها الخليفة عمر بن عبد العزيز لتدعيم إسلام البربر وإرسال الكثير من التابعين للمغرب يعلمونهم أصول الدين ويبصرونهم بقواعده فقد أحس البربر ان ولاة الامويين عادوا الى أنظمة الحكم البيزنطية التي لم يرتضوها وانطلقت الشرارة مرة أخرى في طنجة التي تسلط عليها أحد ولاة عبيد الله بن الحبحاب " فاساء السيرة وتعدى في الصدقات والعشر وأراد أن يخمس البربر وزعم أنهم فئ للمسلمين "( ابن الاثير ،الكامل في التاريخ )(2)
(1/3)
حاول البربر إصلاح تلك المساوئ بالحسنى وارتفع صوت الشكوى في كل مكان الا انهم لم يتمكنوا من الوصول الى الخلفاء الذين احتجبوا في قصورهم وكان الخلفاء أنفسهم " يستحبون طرائف المغرب ويبعثون فيها الى عامل أفريقية فبيعت لهم البربريات السنيات فلما أفضي الامر الى ابن الحباب مناهم بالكثير وتكلف لهم او كلفوه فاضطر الى التعسف وسوء السيرة "(ابن غزاري المراكشي ج1 ص 52).(3)
أدت مساوئ الادارة الاموية الى التذمر وسخط البربر وجد دعاة المذاهب المناهضة للأمويين بيئة صالحة لبث آرائهم فهيأوا البربر للثورات ونبذ طاعة الولاة كما حركت تلك المساوئ في نفوسهم الرغبة في الانفصال عن مركز الخلافة العاجزة عن رعاية وتطبيق مبادئ الاسلام بل والخارجة عليه في نظر بعضهم وكان دعوة الاباضية من بين أولئك الدعاة الذين وجدوا أرضا صالحة لحزبهم .
-----------------------------------
(1) ابن عزارى المراكشي ، البيان ، المغرب في أخبار الأندلس والمغرب تحقيق ج.س كدلات وا. ليفي بروفنسال ، دار الثقافة ، بيروت ، ج1 ص48.
(1/4)
وبعض الآراء ترجح كلمة الخوارج إلى ما قبل معركة النهروان استنادا إلى الأحاديث التي رويت عن الرسول صلى الله عليه وسلم والتي ورد أغلبها لحث المسلمين لقتال الخوارج مثل الحديث الذي أخذه البخاري (256هـ/276) عن أبي سعيد الخدري سعد بن مالك الأنصاري (74هـ/694) قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقسم جاء عبدالله بن ذي الخويصرة التميمي فقال أعدل يا رسول الله ، فقال ويلك من يعدل إذا لم أعدل. قال عمر بن الخطاب دعني أضرب عنقه قال: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، وقد ناقش المؤلف كثيرا شخصية هذا الرجل وأورد الوصف الذي أورد فيه والأحاديث الأخرى وبعد مناقشة يمكن القول بأن لفظ الخارجية سبق معركة النهروان. انظر آراء الخوارج الكلامية-د. عمر طالب ج1 ص35-46. الشركة الوطنية للنشر والتوزيع – الجزائر ، 1978م.
(2) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ (بيروت دار صادر 1965 ) ج5 ص191.
(3) ابن غزاري المراكشي ج1 ص52.
المذهب الأباضي
ترجع جميع المؤلفات الأباضية ( على سبيل المثال الدرجيني في طبقات المشائخ ،الشماخي في السير، الحارثي العماني في العقود الفضية ،محمد علي ديوز في تاريخ المغرب ،علي يحي معمر في الاباضية في موكب التاريخ. )(1) نشأة مذهبهم إلى جابر بن زيد من أبرز علماء النصف الثاني من القرن الهجري الاول ؛التقى جابر بعدد كبير من اصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذ عنهم وقد نقلت كتب السير عن جابر أنه قال : " أدركت سبعين رجلا"(2) من بدر فحوينا ما عندهم من العلم إلا البحر الزاخر " ويقصد به أبن عباس وكان ابن عباس يقول عنه : " اسألوا جابر بن زيد فلو سأله من بالمشرق والمغرب لوسعهم علمه "(3)
(1/5)
عاصر جابر الظروف السياسية التي مرت بالامة الاسلامية فقد كان في سن السابع عشر(4) عندما قتل عثمان مما هيأ له إدراك وتقيم تلك الاحداث الكبيرة التي عاشتها الدولة الاسلامية وتركت آثارا ظاهرة على حياتها السياسية والفكرية كما عاصر جابر بداية الحركة الفكرية التي شهدتها أمصار العالم الاسلامي الكبير مثل المدينة المنورة والبصرة والكوفة وهي الفترة التي نضج فيها فكره ووضع أسس مدرسته الى جانب المدارس الاخرى مثل مدرسة الحسن البصري ثم واصل بن عطاء.
وكان لاراء جابر السياسية الصريحة التي نادت بالقضاء على بدعةالملك الاموي والتمسك بنظام الشورى صدى واسع في نفوس الكثيرين الذين لمسوا بعد الخلافة الاموية عن مبادئ الشريعة الاسلامية وقد ازعجت تلك الافكار البيت الاموي فتعرض جابر لمراقبة الامويين ولم يسلم من أيديهم فنفاه الحجاج من البصرة الى عمان حيث مكث فترة عاد بعدها الى البصرة مواصلا رسالته لوضع أسس الدولة العادلة الى ان توفي .( ابن قتيبة جعله عام103هـ ، الشماخي جعله 96هـ)(5)
(1/6)
أخرجت مدرسة جابر عددا كبيرا من رجال العلم من أشهرهم عبدالله ابن أباض وابي عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي(6) لم يكن ابو عبيدة اصيلا في بني تميم ، " بل كان مولى لهم وكان زنجيا اسود اللون لكنه كان سيدا بعقله وذكائه" (محمد علي دبوز في تاريخ المغرب )(7) ولم تذكر كتب السير والطبقات مقاومة أبي عبيدة للدولة الاموية فلم يخرج عليها ولم يعارضها معارضة علنية بل كان يقوم بإعداد تلاميذه وبث الدعوة بينهم وكان يتستر في ذلك محاول الابتعاد عن عيون الحجاج وقد اقترح عليه أتباعه الخروج ومنوه بالتفاف الناس حوله ان فعل لكن أبا عبيدة كان متريثا ورفض فكرة الخروج ومع ذلك فقد لسعته سياط الحجاج اذ قبض عليه وسجن وأدرك أبو عبيدة وأتباعه ان فرصة قيام دولة تتحقق فيها الشورى والعدالة لن يتم الا بعيدا عن سطوة الامويين ولذلك بدأوا يتطلعون الى الاماكن البعيدة الى عمان واليمن والمغرب .(8)
هذا ما أوردته كتب الاباضية عن قيام المذهب أما المؤلفون غير الاباضية فقد سكت أغلبهم عن هذه الفترة من تاريخ المذهب الاباضي ولم يعتبر بعضهم تعاليم جابر بن زيد اساسا للمذهب فقد ذكر ابن سعد انه " قيل لجابر بن زيد ان الاباضية يزعمون أنك منهم فقال أبرأ الى الله منهم ... قيل كان بريئا مما يقولون وكان الاباضية ينتحلونه ( ابن سعد في الطبقات الكبرى)(9)
(1/7)
وترتبط هذه الجماعة قيام المذهب الاباضي بعبدالله ابن اباض المري التميمي ( الشهرستاني في الملل والنحل )(10) ولم تعدنا المؤلفات بترجمات وافية لعبدالله بن اباض حتى كتب الاباضية اوردت ترجمات مختصرة جدا اذا ما قورنت بترجمة جابر بن زيد مما يؤكد قلة المعلومات المعروفة عنه وقد ذكر الدرجيني(11) والشماخي(12) جابر بن زيد ضمن علماء الطبقة الثانية الذين عاشوا في النصف الثاني من القرن الاول الهجري وأوردت هذه المصادر انه عاش في البصرة واشترك في الدفاع عن مكة متضامنا مع ابن الزبير ضد يزيد بن معاوية وقد كانت له مكانة بارزة في بلاط الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان وكان يسدي له النصح .
وتارخ وفاة عبد الله بن اباض غير مؤكدة والمتفق عليه انه كان عائشا في النصف الاخير من القرن الهجري الاول فهل كان حيا حين وفاة جابر بن زيد ؟(13)
ليس هنالك تاكيد رغم رواية الشهرستاني(14) التي ذكر فيها خروجه على الخليفة الاموي أبن محمد ولايبدو هذا الرأي قويا لان هنالك رواية اخرى وردت على لسان عبدالله بن اباض ردا على سؤال وجه اليه "هذا ما أدركنا عليه نبينا" ( الحارثي في العقود الفضية )(15) فهو على ذلك كان صحابياً في سن تسمح له بادراك الاحداث ونقلها عن النبي صلى الله عليه وسلم .
(1/8)
ويبدو معقولا ان نرجح وفاة ابن اباض في نهاية القرن الاول الهجري لانه لم يخلف أستاذه جابر بن زيد في زعامة المدرسة بل أسندت الى أبي عبيدة بينما اشتهر أتباع المدرسة باسم عبدالله بن اباض وعرف المذهب باسمه فأطلق عليه المذهب الاباضي ويوضح هذا انه كان من العلماء البارزين فكان " إمام أهل العراق .. وهو العمدة في الاعتقاد " (الدرجيني في الطبقات)..."(16) وله مناظرات كثيرة مع الخوارج " (الشماخي في السير )..."(17) وكان المناضل علناًفي سبيل تحقيق الحقائق وتصحيح قضايا العقول فيما أحدثه أهل المقالات والبدع " (الشماخي في القول المبين /علي يحيى معمر في الاباضية في موكب التاريخ ).(18)
----------------------------------------
(1) انظر على سبيل المثال: الدرجيني ، طبقات المشائخ بالمغرب ، تحقيق ابراهيم طلاي (قسطنطينة مطبعة البعث بدون) ج2 ص205 الشماخي ، كتاب السير (الطبعة البارونية) ص70 ، الحارثي العماني ، العقود الفضية في أصول الإباضية (سوريا ، دار اليقظة العربية ، بدون ) ص93. محمد علي دبوز ، تاريخ المغرب الكبير (القاهرة ، عيسى البابي الحلبي ، ط1 1963 ) ج3 ص38 علي يحيى معمر الاباضية في موكب التاريخ الحلقة الأولى ، نشأة المذهب الاباضي (القاهرة مكتبة وهبي طبعة أولى ، 1964م) ص150 ، كذلك الحلقة الثالثة – الاباضية في تونس (بيروت دار الثقافة طبعة أولى 1966م) ص30.
(2) الدرجيني ، الطبقات ج2 ص205 ، الشماخي –السير ص70 الحارثي العماني ، العقود الفضية ص95.
(3) نفس المصادر والصفحات.
(4) هناك اختلاف في تاريخ ولادته ، يرى بعضهم أنها عام 18هـ ، ويرى آخرون أنها عام 21هـ أو 22هـ ، انظر علي يحيى معمر: الاباضية بين الفرق الاسلامية (القاهرة ، مكتبة وهبة ط أولى 1976) ص 240 ، حاشية رقم (1) ، والحارثي العماني ، العقود الفضية ، ص 93.
(
(1/9)
5) وكذلك اختلف في تاريخ وفاته فابن قتيبه جعله 103 هـ ، والشماخي جعله 96 هـ ، انظر ابن قتيبة ، المعارف ، القاهرة ، دار المعارف 1969م ط ثانية) ص453 ، الشماخي-السير ص70.
(6) تاريخ ولادة أبي عبيدة غير معروف ، وتجعل الروايات وفاته في عصر الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور ، انظر الشماخي ، السير ص83.
(7) محمد علي دبوز ، تاريخ المغرب الكبير ، ج3 ، ص150.
(8) الحارثي العماني ، العقود الفضية ، ص 142 ، 149.
(9) ابن سعيد ، الطبقات الكبرى ( بيروت ، دار صادر 1958) ج 7 ص 181
(10) انظر الشهرستاني ، الملل والنحل ، ج 1 تحقيق : عبدالعزيز محمد الوكيل ( القاهرة 1968) ص 134 ، البغدادي ، الفرق بين الفرق ، تحقيق : محمد محي الدين ( القاهرة بدون ) ص 103 .
(11) الطبقات ، ج 2 ص 201 .
(12) السير ، ص 77.
(13) ذكر الحارث العماني أنه لم يقف على تاريخ ولادته ووفاته . انظر العقود الفضية ص 138 .
(14) الشهرستاني ، ج 1 ص 134.
(15) الحارث العماني ، العقود الفضية ص 138.
(16) الدرجيني ،الطبقات ، ج 2 ص 214.
(17) الشماخي ، السير ، ص 77
(18) ابن سعيد الشماخي ، القول المتين . انظر علي يحيى معمر – الإباضية في موكب التاريخ ، الحلقة الأولى ، ص 150 .
الأباضية والخوارج
(1/10)
أدرجت أغلب المؤلفات العربية القديمة (ابن قتيبة في المعارف /البغدادي في الفرق بين الفرق /الشهرستاني في الملل والنحل/المسعود في مروج الذهب ...)(1)الأباضية تحت قائمة فرق الخوارج ورغم كثرة الاحياء الواردة في تلك المؤلفات عن ثورات الخوارج وما قاموا به من أعمال تخرجهم في كثير من الاحداث عن حدود الدين الاسلامي فإنه لم يرد ان جابر بن زيد الامام الاول خرج على الدولة او حرص على الخروج ،كما ان عبدالله بن اباض لم يقم بذلك وكل ما ورد عنه انضمامه الى جنود ابن الزبير مدافعا عن الحرم الشريف(2) وكان ابو عبيدة يهدئ أتباعه ويمنعهم من الخروج ويشير ذلك الى الفرق الواضح بين الاباضية وفرق الخوارج منذ البداية .(3)
والاباضية لا يمنعون الخروج على السلطان الجائر بل يقولون بجوازه فإن خشي ان يكون في الخروج مضرة على الامة اكثر مما هو واقع عليها فالاستسلام أولى ( الشماخي في السير )(4) وقد تصدى عبدالله بن اباض الى مجادلة الخوارج ومناظرتهم (الشماخي في السير) وناضل في سبيل " تصحيح قضايا العقول فيما احدثه اهل المقالات والبدع(5) فمذهب الاباضية في تناوله لقضايا السياسية او العقائد يختلف اختلافا واضحا عن الخوارج ويتفق في كثير من اصوله وفروعه مع مذاهب أهل السنة فقال عنه ابن حزم هو " أقرب الى أهل السنة من بقية الفرق الاخرى "(6)
(1/11)
واللقاء الواضح بين الاباضية وفرق الخوارج تمثل في عدم التزامهم بشرط القرشية في الخلافة ، وهذا ما أدى بجمهرة المؤلفين الى النظر اليهم بمنظار واحد ، حتى التعريف الذي ذكره الشهرستاني(7) للخروج جاء عاما ًبحيث يدخل فيه أي ثائر على الدولة فكل " من خرج على الامام الحق الذي اتفقت الجماعه عليه يسمى خارجيا سواء كان الخروج في ايام الصحابة على الائمة الراشدين او كان بعدهم على التابعين بإحسان والائمة في كل زمان " وبطبيعة الحال فإن " الامام الحق" أمر يصعب البت فيه فابن عباس وكبار الصحابة انفسهم كانوا يعتزلون ويقفون بعيدا دون توجيه الناس للإمام الحق فمثلا" هل كان الامام يزيد بن معاويه أم ابن الزبير وأي جماعة تلك التي توافق عليه هل كانوا أهل المدينة ام اهل دمشق؟.
وقد جاء تعريف ابن خلدون(8) أكثر تحديداً لخوارج فجعلهم " أولئك الذين لا يلتزمون بشرط القرشية في الخلافة " وتبعا لمقياس ابن خلدون اعتبر الاباضية جزءا" من الخوارج دون اعتبار لاوجه الخلافات الاخرى وقد تصدى الاستاذ على يحيى معمر في مؤلف ضخم للرد على " كتاب المقالات في القديم والحديث مبيناً البون الشاسع بين الاباضية وفرق الخوارج حتى في القضايا الساسية فضلاً عن العقائد .( كتاب الاباضية بين الفرق الاسلامية عند كتاب المقالات في القديم والحديث ).(9)
--------------------------------------
(1) انظر ابن قتيبة ، المعارف ص 543 البغدادي ، الفرق بين الفرق ص 103 الشهرستاني ج 1 ص 134. المسعودي ، مروج الذهب ( بيروت ، دار الأندلس ، ط ثانية ، 1973 ) ج 3 ص 100 – ابن حوقل ، صورة الأرض ( ليدن 1967) ص 97- ابن الأثير ، الكامل ، ج 5 ، ص 313 ، ابن خلدون ، العبر ( بيروت ، مؤسسة الأعلمي للطباعة 1971 ) ابن غراري المراكشي ، البيان ، المغرب ، ص 287 .
(2) باستثناء رواية الشهرستاني السابقة التي ذكرت خروجه في آخر العصر الأموي .
(
(1/12)
3) بصدد هذه المسائل راجع – علي يحيى معمر ، الإباضية بين الفرق الإسلامية ،ص 305-308 والإباضية في موكب التاريخ ، الحلقة الثالثة ص 30 .
(4) الشماخي ، السير ، ص 77.
(5) انظر ، علي يحيى معمر ، الإباضية في موكب التاريخ ، الحلقة الأولى ، ص105
(6) ابن حزم.
(7) الشهرستاني ج1 ص144.
(8) المقدمة ، تحقيق عبدالواحد وافي (القاهرة لجنة البيان العربي ط2) ج2 ص614.
(9) و كتاب: الإباضية بين الفرق الاسلامية عند كتاب المقالات في القديم والحديث.
الأباضية في المغرب
بعد ان تاكد لأبي عبيدة أن قيام الدولة العادلة أمرصعب تحت رقابة الامويين الصارمة، بدأ في أرسال دعاته الى المناطق النائية ووقع اختيار أبي عبيدة على سلمة بن سعيد للتوجه الى المغرب في أول القرن الثاني للهجرة (1) وكان المغرب ارضاً صالحة للدعوة ضد الامويين فوجد سلمة تشجيعاً لم يتوقعه خاصة وأن البربر وجدوا في دعوة الاباضية المساواة التي حرمهم منها الامويون فقام سلمة بنشاط كبير بين قبيلتي هوارة ونفوسة وتاكد بان ما يحلم به أستاذه يمكن تحقيقه في المغرب فكان يقول " وددت لو يظهر هذا الامر يوما واحدا" فما ابالي أن تضرب عنق " (2).
الى جانب المذهب الاباضي كان المذهب الصفري قد انتشر في داخل المغرب وسرعان ما اصبح اتباع الفريقين من القوى المعارضة الواضحة الهامة في المغرب منذ العقد الثاني من القرن الثاتي الهجري(3) وقادت فرقة الصفرية الثورة الكبرى التي انطلقت من طنجة عام122هـ (739م) ثم بدات تحركات الاباضية منذ عام 127هـ ( 744م) ولم يستكينوا بعدها حتى تاسست دولتهم عام 160هـ ( 776م) .
--------------------------------------
(1) الدرجيني ، الطبقات ج1 ص11 ذكر اسمه " سلامة وليس سلمة " كما هو المؤلفات الاخرى ، انظر الشماخي ، السير ص 98.
(2) الدرجيني ، الطبقات .
(3) ابن خلدون ، العبر ج1 ص 110 .
مراحل قيام الدولة : المرحلة الأولى
(1/13)
محاولة الحارث وعبدالجبار 131هـ ( 748م) : تمكن عبد الرحمن بن حبيب من فرض نفسه على ولاية أفريقية وطرد الوالي الأموي من القيروان وسعى إلى بسط سيطرته على أطراف الولاية الثائرة وعندما وصل والي عبد الرحمن إلى طرابلس حاول إرهاب الأباضية في المنطقة فقتل زعيمهم عبد الله بن مسعود (1) وجاء رد الفعل على خلاف ما كان يريده الوالي فقد تجمع الأباضية تحت زعامة الحارث بن تليد الحضرمي وعبدا لجبار بن قيس المردي (2) لمهاجمة طرابلس وفشلت محاورة عبد الرحمن بن حبيب لتهدئة الموقف بعزل واليه على طرابلس وتمكن الثوار من فرض سيطرتهم على المدينة عام 131هـ (748م) بعد أن حققوا ثلاثة انتصارات متتالية على قوات عبد الرحمن بن حبيب (3).
" تمكن الأباضية في أول محاولة عسكرية أن يحققوا الانتصار لكن هذا الانتصار لم يدم طويلاً فقد فوجئت جماهير الأباضية بموت قائديها في ظروف غامضة ، فالدرجيني رجح أن يكونا قد قتلاً ووضع سيف كل واحد منهما في جسم الاخر للفتنة " (4) وبعد هذه الحادثة اختار الأباضية لزعامتهم إسماعيل ابن زياد النفوسي لكن عبدالرحمن بن حبيب تمكن من استغلال تلك الظروف والحق بهم الهزيمة وقتل إسماعيل بن زياد (5).
(1/14)
انهارت آمال الأباضية في قيام الدولة ولم يثن هذا الفشل عزيمة سلمة بن سعيد بل رأى ضرورة توسيع قاعدة الدعوة واعداد الخطة لذلك إعدادا دقيقا بدأ سلمة في حث الشباب الأباضي للتوجه الى المشرق للتزود بالعلم على يد أستاذ المذهب أبي عبيدة فارسل في اول الامر محمد بن عبدالحميد بن مغيطر الجناؤني من جبل نفوسة(6) ثم تلى ذلك بعثة العلم التي كان اختارها دقيقا مثلت مناطق مختلفة في المغرب ـ القيروان والمغرب الاوسط والجنوب التونسي وغدامس ـ اختير لها عبدالرجمن بن رستم وعاصم السدراتي وابو داود القبلي النفزاوي وإسماعيل بن ضرار الغدامسي غادرت البعثة المغرب الى البصرة عام 135هـ وانضم اليهم هناك أبو الخطاب عبد العلي بن السمح المعافري (7) .
---------------------------------------
(1) احسان عباس ، تاريخ ليبيا ( بنغازي ـ دار ليبيا للنشر، أولى 1967م) ص 43.
(2) الشماخي، السير ص125 ـ ذكر أن احدهما إمام والاخر قاضيه أو وزيرة .
(3) سعد زغلول عبد الحميد ،تاريخ المغرب العربي ( القاهرة دار المعارف بدون ) ص 90أ .
(4) الدرجيني ،الطبقات ج1 ص 24 ـ 25 وذكر ابن الاثير أن عبد الرجمن بن حبيب هو الذي قتلهما ، الكامل ج5 ص313
(5) سعد زغلول ، مرجع سبق ذكره ص 292.
(6) محمد علي دبوز ، تاريخ المغرب الكبير ص 188.
(7) محمد علي دبوز ، تاريخ المغرب الكبير ص 189،195.
المرحلة الثانية
محاولة ابن الخطاب 140هـ ــ144هـ ( 757م ــ 761 م) :
(1/15)
عاد افراد البعثة من البصرة يصحبهم أبو الخطاب عام 140هـ بعد ان أعدوا إعداداً تاماً لتركيز دعائم المذهب في المغرب والعمل على تاسيس الدولة وتعاهد القادة على التعاون واستقر رأيهم على ان تكون طرابلس نقطة البداية وقد هيأت فترة عدم الاستقرار التي عاشتها المغرب طيلة العقد الرابع من القرن الهجري الثاني المناخ لزعماء الأباضية بالتحرك ولما علم الأباضية في المغرب بترشيح ابي عبيدة لابي الخطاب إماما للدولة المرتقبة اجتمع زعماؤهم في قرية صياد بالقرب من طرابلس وبايعوا أبا الخطاب إماما واتفقت كلمتهم على دخول طرابلس (1) .
دخلت قوات الأباضية طرابلس خلسة وتمكنوا من السيطرة عليها بغير عناء عام 140هـ واعلنو قيام الدولة وكان ابو الخطاب قوي الشخصية واسع الثقافة غزير العلم سعى الى وضع أسس قوية للدولة مسترشدا بهدى الخلافة الراشدة(2) وبسيطرة الأباضية على طرابلس خضعت اهم المنطقة الشرقية حتى سرت ومنطقة جبل نفوسه ثم بدأ في التوجه نحو المغرب وذلك لان فرقة الصفرية تمكنت من السيطرة على القيروان وكان سلوك الصفرية على نقيض الأباضية في طرابلس " فاستحلوا المحارم وارتكبوا الكبائر ... وربطوا دوابهم بالمسجد الجامع" (3)" واستبحت الاموال والدماء بدون حساب "(4) فضج المسلمون واستنجدوا باباضية طرابلس
ولما كان ابو الخطاب يعمل لتأسيس جمهورية إسلامية بسود فيها العدل وتطبيق مبادئ الإسلام فقد عقد العزم على حرب الصفرية .
(1/16)
سار ابو الخطاب بجنوده نحو القيروان واحتل قابس التي كان الصفرية قد استولة عليها ثم واصل زحفه على القيروان وتمكن من هزيمة الصفرية ودخل القيروان عام 141 هـ/758م (5) وضرب ابو الخطاب المثل الاعلى في حروبه إذ لم يحدث ما اعتاد أهل القيروان مشاهدته بعد نهاية الحروب فلم تمتد يد جنوده الى جثث أعدائهم والتزموا بحدود الانتصار فلم يسلبوا ميتا ولم يتعرضوا لسكان القيروان واموالهم وكان لذلك السلوك وقع حميد في نفوس سكان المنطقة ، فتولى عبدالرجمن أبن رستم إدارة القيروان ورجع أبو الخطاب الى طرابلس (6) أما الصفرية فقد اتجهوا الى المغرب الاقصى حيث استقروا هناك واختطوا مدينة سجلماسة التي اصبحت مركزا" لتجمعاتهم (7) .
توسعت حدود دولة ابي الخطاب إذ امتدت الى منطقة وهران غرباً وقد ضمت حدود دولته في الجنوب منطقتي ودان وزويلة . ازعج قيام دولة ابي الخطاب الدولة العباسية خاصة وان جنودها ظلوا في المغرب الاوسط ولو لم تعجل بعمل عسكري ستتمكن الدولة الاباضية من السيطرة على المغرب الاوسط بحيث يمكنها ان تشكل خطورة ليس في المغرب فحسب بل وفي مصر ايضاً وبدات الجيوش العباسية تتحرك من مصر للقضاء عليهم فتمكن ابي الخطاب من هزيمة جيشين أرسلهما ابن الاشعث قبل ان يصلا الى طرابلس (8) .
أدرك الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور خطورة الموقف فوجه ابن الاشعث الى المغرب ؛الذي اعد جيشاً كبيرا قدر بثلاثين او اربعين الفا من جند خرسان والشام واعد ابو الخطاب بدوره جيشه الذي قدر بنحو 90 ألفا (9) وقد ساعدت الظروف ابن الاشعث في ميدان القتال وذلك لتفرق جنود ابن الخطاب أما باختلاف قبيلتي زناته وهواره وانسحاب الاولى من القتال (10) او بخدعة ابن الاشعث واعلانه الرجوع لعدم اعداد جيشه العدة التي تمكنه من مواجهة ابن الخطاب (11).
(1/17)
وقد تمكن ابن الاشعث من هزيمة الاباضبة في تورغا عام 144هـ (761م) وقتل ابو الخطاب في المعركة كما هزم ابن الاشعث مجموعة زناة التي هبت لنجدة ابي الخطاب فانهارت بذلك آخر مقاومة ودخل ابن الاشعث طرابلس ، ولما أحس عبد الرحمن بن رستم بأن ميزان القوى ليس في جانبه انسحب من القيروان غرباً وتركزت تجمعات الاباضية بعد ذلك في زولة وجبل نفوسة ومنطقة تيهرت .
-----------------------------------------
(1) الدرجيني ، الطبقات ج1 ص 23.
(2) محمد علي دبوز المرجع السابق ص 209ـ 210 .
(3) ابن غزاري المراكسي ج1 ص 70 ( ابن خلدون ، العبر ج6 ص113 .
(4) علي يحيى معمر ، الأباضية في موكب التاريخ ، الحلقة الثالثة ص34.
(5) الدرجيني ، الطبقات ج1 ص29 ابن خلدون ، العبرج6 ص113.
(6) الدرجيني ، المرجع السابق
(7) محمد علي دبوز المرجع السابق ص 234.
(8) محمد علي دبوز المرجع السابق ص 8 .
(9) الدرجيني ، الطبقات ج1 ص32. قدر ابن غزاري المراكشي جنود لبن الاشعث باربعين الفا" وجنود ابي الخطاب بمائتي الف . انظر ابن غزاري ج1 ص71 ــ72.
(10) انظر التفاصيل من عبد اللطيف البرغوثي ، تاريخ لبيا القديم ص 145 ـ146
(11) محمد علي دبوز المرجع السابق 13 ـ19
الأباضية في فزان (أمارة بني الخطاب )
(1/18)
كانت قبلة هوارة مستقرة على الساحل في المطقة الواقعة بين سرت شرقا حتى غربي طرابلس وفي الداخل انتشرت الى الشرق والجنوب من جبل نفوسة وبعد هزيمة ابي الخطاب بدأوا ينسحبون نحو الجنوب بعيداً عن قبضة الوالي العباسي ويبدو أن ابن الاشعث احس بخطورة تجمعهم في منطقتي ودان وزويلة فارسل اليهم جيشاً عام 145 هـ (762م) تمكن من ايقاع الهزيمة بهم في ودان وواصلت القوة زحفها الى فزان حيث تمكنت أيضا من هزيمتهم وقتل زعيمهم الاباضي عبدالله بن حيان (1) لكن ابن الاشعث لم ينجح في إخضاع منطقة فزان لسيطرته رغم نجاحه العسكرى فقد تزعمت أسرة بني الخطاب الهوارية الاباضية وتمكنت من تاسيس إمارة مستقلة عرفت بإمارة بني الخطاب واتخذت من زويلة عاصمة لها ؛ فتاسيس الامارة حدث بعد عام 145 هـ وليس عام 144 هـ (2).
قويت إمارة بني الخطاب فسيطرت على واحات فزان وقامت بدور طليعي في ربط المنطقة بتجارة الصحراء واشتهرت زويلة في هذا العصر كمركز تجاري هام سيطر على الطريق الصحراوي الشرقي الذي يمر عبر كوار نحو بحيرة تشاد ونهر النيجر وقد ارتبطت زولية عبر هذا الطريق بمصادر ثروات السودان وتجمع فيها التجار من " كل جهة ومنها يفترق قاصدهم وتتشعب طرقهم " (3)
حافظت الامارة على استقلالها حتى قيام الدولة الرستمية في تهرت فدخلت ضمن حدودها (4) وبعد سقوط الدولة الرستمية في آخر القرن الثالث الهجري استقلت الامارة مرة أخرى تحت زعامة نفس الاسرة حتى قضى عليها عام 568 هـ قراقوشي الغزي الناصري مملوك تقي الدين أخ صلاح الدين (5) .
----------------------------------
(1) ابن غزاري المراكشي ج1 ص72.
(2) وضع مارتت قيام هذه الامارة بعد هزيمة لبي الخطاب مباشرة عام 144 هـ انظر:
Matin , B.G " Kanim, Bornu and Fazzan ,notes on Political History of a Trade " Journal of African Histovy ,(Vol.C No 1969)p .18.
(3) الاصطخري ، مالك الممالك ( لندن 1906) ص46.
(
(1/19)
4) اليعقوبي ، كتاب البلدان ( ليدن 1891) ص143.
(5) ابن خلدون ، العبر ج6 ص143.
المرحلة الثالثة : قيام الدولة الرستمية ( 160 ــ 296 هـ )
بعد هزيمة أبي الخطاب وانسحاب عبد الرحمن بن رستم من القيروان في اتجاه الغرب ، أحس عبد الرحمن بن رستم بضرورة تعديل الخطة التي اتفق علها مع زملائه في جعل طرابلس نقطة الانطلاق لتاسيس الدعوة فطرابلس تقع بين مركزين هامين للدولة العباسية هما مصر والقيروان وقيام أي قوة مناوئة للخلافة بين هاتين النقطتين يعني ضياع ولاية أفريقية ولذلك بدأ عبد الرحمن بن رستم يمهد الاستقرار في المغرب الاوسط ويؤيد ذلك تأسيسه لمدينة تيهرت منذ عام 147 هـ / 764 م (1).
اتسعت المدينة في الفترة التي أعقبت تأسيسها حتى إعلان قيام الدولة في عام 160 هـ / 776م وازداد عمرانها بتوافد الأباضية عليها ولذلك ذهبت بعض الروايات الى تاسيس المدينة عام 160هـ (2) فقد اتجه عبدالرحمن بن رستم منذ أن غادر جبل فحج جنوب تيهرت والذي التجأ اليه أمام قوات ابن الاشعث اتجه الى موضع تيهرت واتخذها مقراً له ،وليس هنالك سبب يجعل استقراره مؤقتاً في تلك المنطقة بحيث لا يشرع في تاسيس المدينة ومما يؤكد اتساع المدينة قبل إعلان الدولة خروج عبدالرحمن بن رستم منها في خمسة عشر ألف أباضي للمشاركة في حصار طبنة عام151هـ /768م (3).
كانت الدولة العباسية تسعى لتقوية قبضتها في المغرب الاوسط فبدأت في تحصين مدينة طنبة في الذاب لاتخاذها مركزاً يساعد القيروان في ضرب الثوار وشعر الصفرية بخطورة تحصين طنبة وكانوا قد بايعوا منذ عام 148هـ /765م أبا قره بالخلافة(4) ، ولذلك قرروا مهاجمة طنبة واستنفروا الأباضية فالتف " أمراء القبائل من كل فج واجتمعوا في إثني عشر ألف عسكرا" توجهوا الى الذاب وكان أمراء المغرب في ذلك الوقت ورؤساؤهم أبو قرة الصقري في أربعين ألفا وعبدالرحمن بن رستم الأباضي في خمس عشر ألفا وأبو حاتم في عدد كثير " (5) .
(1/20)
لم يتمكن الحلف من تحقيق انتصار سريع إذ تمكن عمرو بن حفص ـ والي أفريقية الذي كان في داخل طبنة ـ من اثارة الفتنة بين صفوف الصفرية فانسحبوا من الميدان ثم انهزم عبد الرحمن بن رستم وتقهقر الى تيهرت عام 151هـ / 769م اما ابو حاتم الذي كان يتزعم اباضية طرابلس (6) فقد تمكن من احتلال طرابلس عام 154 هـ ثم توجه الى القيروان وفرض عليها الحصار .
قدر عمرو بن حفص وهو في طنبة خطورة الموقف إذا ما سقطت القيروان ولذلك خاطر بدخولها رغم الحصار المضروب عليها وتمكن من تحقيق ذلك فعلاً ، لكن الحصار اشتد على القيروان وأدى سقوط طرابلس الى توافد الاباضية على القيروات لدرجة جعلت ابن خلدون يبالغ في تقديرهم إذ جعلهم " ثلاثمائة وخمسون ألفا ، الخيل منهم خمسة وثلاثون الفا ، وكانوا كلهم أباضية " (7) ولم تتمكن القيروان من صد المحاصرين وقتل عمرو بن حفص واستسلمت المدينة فدخلها أبو حاتم عام 154 هـ / 770م .
تمكن الاباضية مرة أخرى من عزل أفريقية وإنهاء تبعيتها للخلافة المركزية لكن لم يعقب الاستيلاء على القيروان إعلان قيام الدولة ولم يتحرك عبد الرحمن بن رستم من تيهرت وربما دل ذلك على إحساسه بضرورة التريث في المغرب الأوسط واتخاذ تيهرت مركزاً لاعلان قيام الدولة (8) وسرعان ما تحركت الدولة العباسية فأعدت قوة قدرت بتسعين ألفا تحت قيادة يزيد بن حاتم التقى ابن حاتم بطليعة تلك القوة في مغمداس وتمكن من تحقيق انتصار سريع لكنه تراجع أمام وصول باقي القوات العباسية والتجأ بجبل نفوسة ، حيث لاحقته جيوش العباسين فهزم أبو حاتم وقتل عام 155هـ /771م (9) وأعادت الخلافة سيطرتها على ولاية أفريقية .
(1/21)
ظل عبد الرحمن بن رستم في تيهرت أبان حروب أبي حاتم وبعد سيطرة القائد العباسي يزيد بن حاتم على القيروان لم يحاول الوصول أليه وقنع كلا منهما بالاحتفاظ بما تحت يده وقد أدت الهزائم التي لحقت بالاباضية في طرابلس وجبل نفوسة إلى ازدياد هجرتهم إلى تيهرت خاصة الفترة التي أعقبت هزيمة أبي حاتم وتأكدوا صعوبة الاحتفاظ بولاية أفريقية واتفقت كلمتهم على اعلان قيام الدولة في المغرب الأوسط وبويع عبد الرحمن بن رستم إماماً لها في تيهرت عام 160هـ /776م (10).
لم تقم الدولة العباسية بإجراءات عسكرية كبيرة للقضاء على الدولة الاباضية كما فعلت من قبل ففي سنوات قليلة ـ عهدي عمرو بن حفص وأول عهد يزيد بن حاتم ـ خاضت جيوش الدولة العباسية الكثير من الحروب وفي المغربيين الأدنى والأوسط قدرهما ابن خلدون بثلاثمائة وخمسة وسبعين حرباً (11) ولم تثمر تلك الحروب في القضاء على الثورات وقد ادى هذا الوضع الى مراجعة الدولة العباسية لسياستها في المنطقة وركزت على الاحتفاظ بمنطقتي طرابلس والقيروان ولم تتدخل بعد في المنطقة غرباً اذ قامت دولة الصفرية في سجلماسة في أول العقد الخامس ثم أعلن قيام الدولة الرستمية في اول العقد السابع وقامت دولة ألا دارسة في أول العقد الثامن ثم قامت دولة الاغالبة ممثلاً للخلافة في أول العقد التاسع ودخل إقليم المغرب في مرحلة جديدة من تاريخه .
وأدت محاورة الرستميين للدولة العباسية التي كانت تسيطر على بعض مناطق تجمعات الاباضية الى توتر العلاقات بين الجانبين وفي مطلع العقد الثامن من القرن الهجري الثاني أحس عبد الرحمن ان الدولة تحتاج الى فترة هدوء يتم فيها تنظيم أدارته فسعى إلى والي أفريقية روح بن حلتم 71/174هـ 87/790م ونجح في تحقيق ذلك (12) .
(1/22)
لم تكن حدود الدولة الرستمية عند بداية قيامها واضحة في المنطقة الشرقية ولم تؤد الهدنة السابقة إلى هدوء العلاقات فجبل نفوسة الذي تعود دائما على سلطة العباسيين لم يخرج فقط من تحت لواء ولاية أفريقية بل كان بمثابة المطرقة للخلافة وتطلع اباضية طرابلس إلي جبل نفوسة لمساعدتهم على الانضمام إلى الدولة الرستمية وقد كانت الحرب التي خاضها الاباضية طرابلس بمساعدة حبل نفوسة وتحت أشراف عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم فاصلة فيما يتعلق بمصير اباضية طرابلس إذ قنعت دولة الا غالبة بالسيطرة على مدينة طرابلس أما ما حولها من مناطق الاباضية فقد صارت تابعة للدولة الرستمية .
وضح الاتفاق السابق حدود الرستميين الشرقية التي امتدت حتى سرت شرقاً ، اما في الغرب فلم تمتد حدودها بعد عن تيهرت فلم تتعدى واد شلف (13) وقد امتدت حدود الدولة جنوباً فشملت واحات فزان حيث ضمت إمارة بني الخطاب كما ضمت جبل نفوسة وبلاد الجريد وانضم الى الدولة الرستمية اباضية جزية جربة بينما ظلت مجموعة كبيرة من الاباضية داخل القيروان وكان لهم مفتيان على مذهبهم في النصف الاول من القرن الثالث الهجري (14) .
لم يكن للامام ـ الذي يجري اختياره بانتخاب حر مباشر ـ سلطة مباشر تفرضها الحكومة المركزية على المناطق التابعة للدولة فكان ارتباط فزان وجربة وجبل نفوسة بتيهرت ارتباطاً روحياً أكثر منه سياسياً ولم تقم الدولة الرستمية بفرض الضرائب على رعاياها واكتفت بالزكاة فقط وقد وفرت الدولة الحرية لكل المذاهب الاسلامية (15) .
---------------------------
(1) هذة رواية ابن خلدون ، وهناك رواية تجعل تأسيس المدينة لاحقا .
(2) ابن غزاري المراكشي ج1 ص196.
(
(1/23)
3) يرجح سعد زغلول أن مدينة تيهرت أسست بعد فشل عبد الرحمن بن رستم في العودة الى أفريقية عام 151 هـ وهو التاريخ الذي انهزم فيه عبد الرحمن امام عمرو بن حفص ولكن هذه الهزيمة لا يمكن اعتبارها حاسمة لدرجة اقنعت عبد الرحمن بترك فكرة ايجاد عاصمة في افريقية لان طرابلس كانت قد سقطت على يد ابي حاتم وانحصرت بذلك القيروان مما يساعد عبد الرحمن بن رستم في النظر اليها لو كانت لديه فكرة باتخاذ عاصمة في تلك المنطقة . انظر سعد زغلول : تاريخ المغرب العربي ص 374 .
(4) ابن خلدون ، العبر ج1 ص112 .
(5) ابن غزاري المراكشي ج1 ص75 ، انظر كذلك ابن خلدون ج6 ص112.
(6) ذكرت مصادر الأباضية أن أباضية طرابلس بايعوا ابا حاتم بالامامة وهي " إمامة دفاع وليست إمامة ظهور " ويشير هذا الى ان ابا حاتم كان يعمل تحت توجيه عبد الرحمن بن رستم . انظر الشماخي ، السير ص138 الدرجيني ، الطبقات ج1 ص13.
(7) لبن خلدون ، العبر ج1 ص113.
(8) الفترة الواقعة بين هزيمة ابي الخطاب عام 144 هـ واعلان قيام الدولة الاباضية في تيهرت غير واضحة التفاصيل فيما يتعلق بالامامة ، فبينما الاتجاه العام في مؤلفات الاباضية هو امامة عبد الرحمن بن رستم بعد وفاة ابي الخطاب واتفاقها ان امامة ابي حاتم كانت امامة دفاع فقط ، أي ليست امامة ظهور كامامة ابي الخطاب ، لم توضح ذلك المؤلفات الكيفية التي تم بها اختيار عبد الرحمن بن رستم اماما" خلفا" لابي الخطاب . ويؤرخ محمد علي دبوز لقيام الدولة في تيهرت بعام 144 هـ . وفي ذات الوقت ذكر علي يحيى معمر ان ابا حاتم هو الامام الثالث الذي بايعه المسلمون في منطقة طرابلس بعد عبد الجبار وابي الخطاب . انظر : الدرجيني ، ج1 ص 37 ـ 40 ، الشماخي ، السير ص138ـ139 ، محمد علي دبوز المرجع السابق ص423 ، علي يحيى معمر ، الاباضية في موكب التاريخ الحلقة الثالثة ص45 .
(9) ابن غزاري ، المراكشي ج1 ص78.
(
(1/24)
10) الدرجيني ، الطبقات ج1 ص 40 ذكر تاريخا" اخر لقيامها وهو ذ62 هـ ، الشماخي ، السير ص139
(11) ابن خلدون ، العبر ج6 ص113.
(12) المرجع نفسه والجزء ص 154.
(13) سعد زغلول ، المرجع السابق ص 396.
(14) علي يحيى معمر ، الاباضية في موكب التاريخ ، القسم الثالث ص47.
(15) المرجع السابق ص211.
علاقة الدولة الرستمية الخارجية
ظلت الصلة قوية بين أباضية المشرق و أباضية المغرب وكان علماء تيهرت ونفوسة وجربة يحترمون أخوانهم في المشرق ويعتبرونهم الأساس الذي قام عليه المذهب وكان علماء المغرب يلتمسون المشورة في كثير من أمور دينهم ودنياهم من أمة المشرق ويحترمون آرائهم وينفذون نصائحهم فقد احتكم الامام عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم والمنشقين عليه الى الامام الربيع بن حبيب في البصرة واقنعت أجابته جانبا كبيراً من المعارضين وكان أباضية المشرق بدور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

تواصل معنا

أكثر من 600,000+ يتابعون موقعنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي إنظم إلينا الآن

عن الموقع

author مكتبة أهل الحق والإستقامة <<   مكتبة أهل الحق والإستقامة..موقع يهتم بنشر الكتب القيمة في مختلف الجوانب (فقه..عقيدة..تاريخ...الخ) عند المذهب الإباضية من نتاج فكري.

أعرف أكثر ←

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *