الكتاب: أحكام المرأة في الحج والعمرة لمحمد الراشدي - ب تخرج
[ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع]
معهد العلوم الشرعية
سلطنة عمان
أحكام المرأة في الحج والعمرة
بحث تخرُّج
إعداد: محمد بن ناصر بن محمد الراشدي
1427هـ / 2006م
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
الحمد لله الذي وسع كل شيء علمًا، وأعطى كل حادثة حكمًا، القائل في محكم كتابه العزيز: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ} (التوبة:122).
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، الذي بيّن معالم الشريعة الإسلامية، وأشهد أن لا إله إلا الله، العليم الحكيم، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، سيد الأولين والآخرين، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه الغر الميامين.
أما بعد:-
فإن الفقه الإسلامي ذو جوانب كثيرة، وفروع متعددة، فيتناول العبادات والمعاملات والنظم والتركات والأسرة، وغيرها من جوانب الفقه، ثم أن ألفقه الإسلامي له من الأهمية ما له بحيث يكون العبد المسلم على بينة من أمره، وحتى يعبد الله جل وعلا على بصيرة.
والمرأة المسلمة لا تقل منزلة عن الرجل، وأنَّ تعلمها لأمور دينها أمر ينبغي أنْ يوضع في الاعتبار، وينبغي أنْ تُعان المرأة على تعلم أمور دينها، ولما كُلفت بعمل بحث تخرّج من قبل إدارة معهد العلوم الشرعية فقد وقع نظري وفكري على هذا الموضوع وهو بعنوان: (أحكام المرأة في الحج والعمرة)، فاخترته للبحث فيه بقدر جهدي، ولهذا الموضوع أهمية كبرى في حياة المرأة، وقد قمت بذكر ما تختص به المرأة من أحكام في الحج والعمرة، مع ذكر الأدلة ومناقشتها والردود عليها، والله أسأل أنْ يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم.
ـ د ـ
منهجي في البحث:
وقد اعتمدت في البحث بالرجوع إلى أمهات الكتب وأخذ المعلومات منها.
دواعي اختياري للبحث:
1ـ أهمية الموضوع الكبرى في حياة المرأة المسلمة وفي أرض الواقع.
(1/1)
2ـ حاجة المرأة المسلمة لهذا البحث الذي ستجد فيه بإذن الله ما تحتاج إليه من أحكام الحج والعمرة.
3ـ عدم التطرق إلى هذا الموضوع من قبل، وإنْ وجدتُ بعض الكتب تتحدث عن ذلك ولكن بدون تفصيل، ومنحصر في مذهب معين.
هذا وقد كنت أطمح أنْ يكون إخراج هذا البحث في حلَّة أبهى، وصورة أحسن وأرضى ممَّا عليه الآن، إلا أنَّ الظروف من تكالب الأشغال وتزاحم الأعمال كانت عائقًا عن الوصول إلى مرادي، وقد كان للسآمة والملل والركون إلى الراحة والكسل الحظُّ الأوفر والنصيب الأسمى في ذلك، مع ما يُعاني منه الطلاب عادة من ضيق الأوقات السانحة لعمل مثل هذه الأطروحات.
وفي حقيقة الأمر وبحمد الله لم أواجه شيئا من الصعوبات، فإنَّ مكتبة المعهد الميمون زاخرة بكتب الفقه في مختلف المذاهب، سوى أنني في بعض الأحيان أجد بعض الكُتّاب قد أتوا بكلام في كتبهم وقد وضعوه بين تنصيص ولم يوثقوا المصدر الذي أخذوا ذلك الكلام منه مما جعلني أتحيّر في كيفية التوثيق.
خطة البحث
مقدمة وخاتمة وما بينهما:
الفصل التمهيدي: (التعريف بمفردات البحث وفضائله وشروط وجوبه)
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: بيان مفردات البحث
المطلب الأول: تعريف الحكم لغة واصطلاحا
المطلب الثاني: تعريف الحج لغة واصطلاحا
المطلب الثالث: تعريف العمرة لغة واصطلاحا
المبحث الثاني: فضائل الحج وشروط وجوبه
المطلب الأول: فضائل الحج
المطلب الثاني: شروط وجوب الحج
المطلب الثالث: الاستعداد للحج
الفصل الأول: أحكام المرأة الخاصة في الحج والعمرة
المبحث الأول: شروط وجوب الحج الخاصة بالمرأة
المطلب الأول: وجود الزوج أو المحرم
المطلب الثاني: انتفاء العدة
المبحث الثاني: إحرام المرأة
المطلب الأول: ــ لباس المرأة
ــ لبس المخيط
ــ ليس القفازين
ــ مسألة تخمير الرأس
المطلب الثاني: حكم الزينة
المطلب الثالث: حكم التلبية
المبحث الثالث: أحكام المرأة في الطواف
المطلب الأول: ما تختص به المرأة في ا لطواف
(1/2)
المطلب الثاني: شرط الطهارة
المطلب الثالث: ما تفعله المرأة في أنواع الطواف حال عدم طهارتها
مسألة ــ حكم استخدام الحبوب لمنع الحيض في الحج والعمرة
الفصل الثاني: أحكام المرأة في السعي ومزدلفة ويوم النحر
المبحث الأول: أحكام المرأة في السعي
المطلب الأول: ما تختص به المرأة في السعي
المطلب الثاني: حكم اشتراط الطهارة للسعي
المطلب الثالث: ما تفعله المرأة الحائض في السعي
المبحث الثاني: أحكام المرأة في مزدلفة
المبحث الثالث: أحكام المرأة في يوم النحر
المطلب الأول: رمي الجمار
المطلب الثاني: الحلق أو التقصير
محمد بن ناصر بن محمد الراشدي
حُرّرَ في مسقط/ 23ربيع الأول لعام26/ 1427هـ الموافق5/ 2006م
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل التمهيدي
المبحث الأول: بيان مفردات البحث
المطلب الأول: تعريف الحكم لغة واصطلاحا
الحكم لغة مصدر حَكَمَ يَحْكم (فهو حاكم وذلك محكوم أي أنَّ اسم الفاعل منه حاكم، واسم المفعول محكوم) وهو العلم والفقه، والقضاء والعدل، ومنه قوله تعالى:?وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً? (1)، أي علما وفقها (2)، ويأتي بمعنى القضاء وأصله المنع، يقال: حكمتُ عليه بكذا إذا منعته من خلافه فلم يقدر على الخروج من ذلك، وحكمت بين القوم: فصلت بينهم، وحكّمت الرجل فوضت الحكم إليه (3)، ويأتي كذلك بمعنى إثبات الشيء أو نفيه (4)، ويأتي بمعنى المنع والصرف (5). واصطلاحا: عُرّف عند الأصوليين بأنه: أثر خطاب الله كالوضع والتخيير والإيجاب (6)، وقيل بأنه: (خطاب الشرع المتعلق بفعل المكلف بالاقتضاء أو التخيير) (7)، وقيل بأنه: (هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين من حيث إنه مكلف بالاقتضاء أو التخيير) (8). وعُرّف عند الفقهاء بأنه: (صفة حكمية توجب لموصوفها نفوذ حكمه الشرعي ولو بتعديل أو تجريح) (9).
__________
(1) سورة مريم الآية رقم (12).
(1/3)
(2) لسان العرب ـ ابن منظور ـ دار إحياء التراث العربي بيروت ـ (2/ 270) ـ ط3 (1417هـ /1997م).
(3) المصباح المنير ـ أحمد بن محمد علي موسى ـ دار القلم ـ (1/ 200) (الحاء مع الكاف) ـ بدون طبعة.
(4) شرح النيل وشفاء العليل ـ محمد بن يوسف اطفيش ـ مكتبة الإرشاد جدة ـ (13/ 5) ـ ط3 (1405هـ 1985م).
(5) البحر المحيط في أصول الفقه ـ الزركشي، دار الصفوة الكويت ـ (1/ 118) ـ ط3 (1413هـ /1997م).
(6) طلعة الشمس ـ نور الدين السالمي ـ وزارة التراث القومي والثقافة ـ (2/ 213) (1401هـ/1981م).
(7) ـ الزركشي ـ مرجع سابق ـ (1/ 118).
(8) محمد بن يوسف اطفيش ـ مرجع سابق، (13/ 5).
(9) محمد بن يوسف اطفيش ـ (13/ 12).
من التعريفات السابقة نجد بأنَّ بعضها يُعرّف الحكم بأنه خطاب من الله جلّ وعلا متعلق بأفعال المكلفين، وبعضها يُعرّف بأنََّ الحكم هو أثر الخطاب الشرعي على المكلفين.
المطلب الثاني: تعريف الحج لغة واصطلاحا
لغة: القصد وهو من الفعل (حَجَّ) إليه أي قَدِمَ، وهو قَصْد البيت الحرام بالأعمال المشروعة فرضا وسنة، يقول حججتُ البيت أحجه حجا إذا قصدته (1)، والحج بكسر الحاء يقال: الحج والحجة، وقرئ: ?وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً? (2)، والفتح أكثر، وقال الزجّاج والفتح هو الأصل (3)، والحج مفرد والجمع (الحِجَج) كوزن العنب، وامرأة حاجّة ونسوة (حواجّ) بيت الله إنْ كُن قد حججن، وبلفظ (حواجّ) إنْ لم يكن قد حججن بيت الله (4).
__________
(1) ابن منظور ـ مرجع سابق (4/ 37).
(2) سورة آل عمران (97).
(3) ابن منظور ـ مرجع سابق. (4/ 37).
(4) مختار الصحاح ـ محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ بدون طبعة ـ ص122ص123 (حجج).
(1/4)
اصطلاحا: اختلف فقهاء المذاهب في تعريف الحج اصطلاحا إلى أقوال: فذهب الإباضية إلى أنه: (قطع المناسك) (1)، وذهب الحنفية إلى أنَّ الحج: هو (زيارة) أي طواف ووقوف (مكان مخصوص) أي الكعبة (في زمن مخصوص)، في الطواف من فجر النحر إلى آخر العمر، وفي الوقوف من زوال شمس عرفة لفجر النحر (2)، وقال المالكية بأنه: (قصد الكعبة المشرفة لأداء أفعال مخصوصة) (3)، وذهب الشافعية إلى أنه (قصد الكعبة للنسك) (4)، وقال الحنابلة بأنه: (قصد مكة لعمل مخصوص في زمن مخصوص) (5).
كما نرى بأنَّ العلماء اختلفوا في تعريف الحج كل بحسب نظرته إليه، ومن ذلك نخلص بتعريف للحج، ويمكن أنْ نقول بأنَّ الحج هو: قصد البيت الحرام لتأدية المناسك من طواف وسعي ووقوف بعرفة ورمي ونحر بنية أداء الفريضة.
المطلب الثالث: تعريف العمرة لغة واصطلاحا
لغة: مأخوذة من الاعتمار، وهو الزيارة، اعتمر أي قصد البيت، وإنما خُص بهذا؛ لأنه قصد بعمل في موضع عامر، ولذلك قيل للمحرم بالعمرة معتمر، والاعتمار والعمرة سماها بالمصدر في الحديث ذكر العمرة، والاعتمار في غير موضع وهو الزيارة والقصد (6)، والعمرة الحج الأصغر وجمعها عُمر وعمرات (7).
__________
(1) محمد بن يوسف اطفيش ـ مرجع سابق ـ (4/ 5).
(2) رد المحتار على الدر المختار ـ ابن عابدين ـ دار إحياء التراث العربي ـ (2/ 138) ـ (1407هـ /1987م).
(3) الذخيرة في فروع المالكية ـ. أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي ـ دار الكتب العلمية بيروت لبنان ـ ط1 (1422هـ / 2001م) ـ ج3ص3
(4) فتح الوهاب شرح منهج الطلاب ـ لأبي يحي زكريا الأنصاري ـ دار المعرفة بيروت لبنان ـ بدون طبعة ـ (1/ 134).
(5) هداية الراغب شرح عمدة الطالب ـ عثمان أحمد النجدي الحنبلي ـ دار البشير (جدة) ص260 ـ ط2 (1410هـ/1989م).
(6) ابن منظور ـ مرجع سابق (10/ 279).
(7) أحمد بن محمد علي موسى ـ مرجع سابق ـ (2/ 587).
(1/5)
اصطلاحا: وقد اختلف الفقهاء في المقصود من العمرة في الاصطلاح إلى عدة أقوال فقد عُرِّفت بأنها: (زيارة البيت بإحرام وطواف وسعي) (1)، وإلى هذا ذهب الإباضية، وعرّفها الحنفية بأنها زيارة الكعبة المشرفة للطواف حولها والسعي بين الصفا والمروة (2)، وذهب المالكية إلى أنها قصد الكعبة للنسك وهو الطواف والسعي (3)، وقال الشافعية بأنها قصد البيت للأفعال*التي مرت كما في تعريف الحج (4)، وعرّفها الحنابلة بأنها زيارة البيت على وجه مخصوص (5).
مما سبق نخلص إلى أنَّ العمرة هي قَصْد البيت الحرام لتأدية المناسك من طواف وسعي.
المبحث الثاني: فضائل الحج وشروط وجوبه
المطلب الأول: فضائل الحج
__________
(1) عقد الجواهر شرح إرشاد الحائر في أحكام الحج والزائر ـ حارث بن محمد البطاشي ـ دار الهلال بيروت ـ ط1 (1420 هـ/1999م) ـ (1/ 27).
(2) أركان الإسلام ـ وهبة سليمان غاوجي ـ دار البشائر الإسلامية ـ (1/ 27) ـ ط1 (1420هـ / 1999م).
(3) القرافي ـ مرجع سابق ـ (3/ 3).
* الأفعال: طواف وسعي يتخللهما الذكر بأنواعه، وحلق وبه يتم التحلل من العمرة.
(4) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ـ محمد بن أبي العباس ـ دار الفكر ـ (3/ 235) ـ الطبعة الأخيرة (1423هـ /1984م).
(5) كشّاف القناع عن متن الإقناع ـ منصور بن يونس البهوتي ـ دار الفكرـ (2/ 376) ـ بدون طبعة ـ (1402هـ/1988م).
(1/6)
من المعلوم لدى الناس عامة ولدى أصحاب العقول النورانية والبصائر الوقادة خاصّة، بأن فريضة الحج ركن عظيم من أركان الدين الحنيف، أمر به المولى جلّ شأنه، في كتابه العزيز ورغّب فيه وحث عليه بقوله تعالى:?وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً? (1)، وكذلك نجد بأنّ النبي صلوات ربي وسلامه عليه ذكره في سنته بأنه ركن من أركان الإسلام، ثم أنَّ في السفر لتأدية فريضة الحج وكذلك العمرة تذكرة لسفر الآخرة وأهوال المعاد، إذ الخارج إليهما منخلع عن الأهل والأولاد والأموال، وكأنّ ركوبه للراحلة مثلا لركوبه نعي الجنازة، ودخوله البادية وقطعه عقباتها إلى الميقات تذكرة للخروج من الدنيا بالموت إلى ميقات القيامة، ومشاهدة تلك الأهوال والعرصات والمطالبات، فكان انفراده عن الأهل في البر وما يكابده من قطاع الطرق وغيرها مثلا لخلوته في القبر وما فيه من عقبات، وكان التفافه بثوبي الإحرام مخالفا لزيه وهيئة لباسه تذكرة لثياب الكفن وقدومه على ربه جلّ وعلا، وكان في تلبيته لله تعالى جلّ في علاه عند الميقات تذكرة لإجابة الداعي من الأجداث يوم ينفخ في الصور، وكان دخوله الحرم أشعث أغبر مثلا لقيامه من القبر ذاهل العقل شاخص البصر عارِ البدن، وكان في انصبابه إلى مكة المكرمة مع حملة الزائرين مثلا لانصباب الناس في يوم القيامة إلى جهة الجنة آملين في دخولها، وكان دخوله البيت وتعلقه بأستار الكعبة مثلا لحضرة الملك يقصده الزوار من كل فج عميق خضوعا لجلاله تعالى، واستكانة لعزته، وفي وقوفه بعرفة وارتفاع الضجيج والأصوات بالدعاء والبكاء والذكر مثلا للوقوف على عرصات يوم القيامة (2).
__________
(1) سورة آل عمران (97).
(2) قواعد الإسلام ـ لأبي طاهر إسماعيل بن موسى الجيطالي ـ مكتبة الاستقامة ـ (2/ 501) ـ ط4 (1423هـ /2003م) ـ بتصرف.
(1/7)
وكذلك لا ننسى بأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نجده قد ذكر فضل هذه الفريضة العظيمة في مواضع عديدة في سنته صلوات ربي وسلامه عليه ومما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - مِن أنَّ الحج من أفضل الأعمال حديث أبي هريرة - رضي الله عنهم -قال سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أفضل؟ قال:"إيمان بالله ورسوله، قيل ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل، قيل ثم ماذا؟ قال: حَج مبرور" (1) والحج المبرور الذي لا يخالطه إثم ولا معصية ولا فسوق.
__________
(1) أخرجه البخاري ـ كتاب الحج ـ باب (فضل الحج المبرور) ـ (1/ 363) برقم (1519).
ومما جاء فيه أنه يمحق الذنوب لحديث أبي هريرة - رضي الله عنهم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حجَّ ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" (1)، وكذلك حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة" (2). ومما جاء فيه على أنه جهاد حديث أبي هريرة أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"جهاد الكبير والضعيف والمرأة الحج" (3). وكذلك مما يدل على أنَّ ثوابه الجنة أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (4).
مما سبق من الأحاديث النبوية الشريفة نخلص إلى أنَّ لهذه الفريضة العظيمة فضائل كثيرة كما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - من حيث إنها جهاد في سبيل الله، وسبب في محق الذنوب، بالإضافة إلى أنها من أفضل الأعمال، وليس لها جزاء إلا جنَّات النعيم، فما على المسلم إلا أنْ يحافظ على هذه الفريضة الواجبة ويسعى حسب استطاعته إلى أدائها على أكمل وجه.
المطلب الثاني: شروط وجوب الحج
__________
(1/8)
(1) أخرجه البخاري ـ كتاب الحج ـ باب (فضل الحج) ـ (1/ 363) ـ برقم (1521).
(2) أخرجه النسائي ـ كتاب مناسك الحج ـ باب (فضل المتابعة بين الحج والعمرة) ـ برقم (2628)، والترمذي ـ كتاب الحج ـ باب (ما جاء في ثواب الحج والعمرة) ـ برقم (810)، وابن خزيمة وابن حبان وابن أبي شيبه.
(3) أخرجه النسائي ـ كتاب مناسك الحج ـ باب (فضل الحج) ـ برقم (2623)، وأحمد والبيهقي في السنن الكبرى.
(4) أخرجه البخاري، كتاب الحج ـ باب العمرة (وجوب العمرة وفضلها) ـ ج1 ص420ـ برقم (1/ 135)، والربيع ـ باب (فضل الحج والعمرة) ص180 ـ برقم (443).
اشترط فقهاء المذاهب (1) لوجوب الحج على الرجل والمرأة معا شروطا وهي العقل والبلوغ والحرية والاستطاعة والإسلام، ولا خلاف بين جمهور الفقهاء في عدم إجزاء حج العبد؛ لأنه غير مستطيع وذلك لقوله تعالى: ?وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً? (2).
وخالف الجمهور في هذا الربيع ومحمد بن محبوب (3) وعندهما أنه يجزئ العبد حجه قبل العتق عن حجة الإسلام (4).
__________
(1) انظر: الجيطالي ـ مرجع سابق ـ (2/ 503)، جواهر الإكليل شرح مختصر الشيخ الجليل ـ صالح عبد السميع الآبي المالكي ـ ط1 ـ (1/ 225)، الكافي في فقه الإمام أحمد ـ محمد عبد الله بن قدامه المقدسي الحنبلي ـ المكتب الإسلامي ـ ط5 ـ (1/ 378)، بحر المذاهب في فروع الإمام الشافعي ـ أبو الحسن عبد الواحد الرباني ـ ط1 (1423هـ/ 2002م) ـ دار إحياء التراث ـ (5/ 5) ـ بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ـ علاء الدين أبي مسعود الكاساني ـ دار الكتب العلمية بيروت ـ ط2 (1402هـ /1982م) ـ (2/ 120).
(2) سورة آل عمران (97).
(1/9)
(3) محمد بن محبوب بن الرحيل المخزومي ـ يكنّى بأبي عبد الله ـ نشأ أيام الإمام غسان وعاصر الإمام المهنا ـ وليَ القضاء في صحار سنة 249هـ ـ من شيوخه أبو صفرة وموسى بن علي الأزكوي ـ ومن تلاميذه: الصلت بن خميس، والفضل بن الحواري ـ تولى رئاسة العلم والعلماء أيام الصلت بن مالك ـ توفي (3 / محرم 260هـ) ـ من آثاره: (مختصر من السنة، وله سير كثيرة منها: سيرته إلى أهل المغرب)، وغيرها. انظر: معجم أعلام الإباضية قسم المشرق ـ (محمد صالح ناصر، سلطان بن مبارك الشيباني) ـ دار الغرب الإسلامي ـ ط1 (1427 هـ / 2006م) ـ ص 426.
(4) انظر الجيطالي ـ مرجع سابق ـ (1/ 48 ـ 49).
واختلفوا في الإسلام هل هو شرط صحة أم شرط وجوب أم شرط صحة ووجوب معا؟ فذهب الشافعية (1) والمالكية (2) والإباضية (3) إلى أنه شرط صحة، وقيل: بأنه شرط وجوب وإليه ذهب الحنفية (4) والحنابلة (5)، وقيل: بأنه شرط صحة ووجوب معا، وهو قول عند الحنابلة (6)، واختلفوا أيضا في معنى الاستطاعة والمقصود بها إلى عدة أقوال، فقيل: هي الزاد والراحلة، مع زيادة الأمن ومرافقة الأصحاب (7).
وقيل: الزاد والراحلة (8)، وقيل: الاستطاعة قسمان بالنفس وبالغير فتجب نيابة عن ميت غير مرتد، والاستطاعة الأولى التي بالنفس لها سبعة شروط منها أمن الطريق والزاد والراحلة، والمحرم، وثبوت على مركوب ولو في محمل (9)، وقيل: هي استطاعة المشي فمن استطاع المشي فليس الزاد والراحلة من شروط الوجوب، وليس من شروط الاستطاعة (10)، وقيل: الاستطاعة الزاد والراحلة معا فلا تثبت بأحدهما (11).
__________
(1) كتاب الأم ـ محمد بن إدريس الشافعي ـ دار الفكر ـ ط1 (1422هـ /2002م) ـ (1/ 127).
(2) القرافي ـ مرجع سابق ـ (3/ 9).
(3) الإيضاح ـ عامر بن علي الشماخي ـ مكتبة مسقط ـ ط5 (1425هـ /2004م) ـ (2/ 342).
(4) ابن عابدين ـ مرجع سابق ـ (2/ 141).
(1/10)
(5) منار السبيل في شرح الدليل ـ إبراهيم بن محمد ـ المكتب الإسلامي ـ ط4 ـ (1/ 237).
(6) الشرح الكبير ـ عبد الدين بن محمد المقدسي ـ دار الفكر ـ بدون طبعة ـ (2/ 82)، وأضاف أيضا "العقل من شروط الصحة والوجوب معا".
(7) الجيطالي ـ مرجع سابق ـ (2/ 127).
(8) المغني ـ عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامه المقدسي ـ مكتبة الرياض الحديثة ـ بدون طبعة (1401هـ / 1981م) ـ (1/ 136).
(9) أبو يحي زكريا الأنصاري ـ مرجع سابق ـ (1/ 135ـ 136).
(10) بداية المجتهد ونهاية المقتصد ـ محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد القرطبي ـ دار الكتب العلمية بيروت ـ (1408هـ 1988م) (1/ 319).
(11) علاء الدين أبي مسعود الكاساني ـ مرجع سابق ـ (2/ 122).
مما سبق يتبين بأنَّ الاستطاعة تشمل الجوانب المادية (كالزاد والراحلة) وغيرها، والمعنوية من القدرة النفسية وغيرها، فلابد من توافرهما معا.
المطلب الثالث: الاستعداد للحج والعمرة
وعلى مريد الحج والعمرة أنْ يستعد لهما قبل أنْ يخرج إليهما أو إلى أدائهما بشتى أنواع الاستعداد ومن جميع النواحي سواء من الناحية النفسية، أو الناحية المادية، أو الناحية الاجتماعية، وعلاقته مع أسرته ومجتمعه ويكون ذلك كالأتي: أولا: أنْ يُخْلص النية لله وحده، وأنْ يصرف همته إلى ما عنده ويتجنب الرياء والسمعة؛ لأنه سفر عبادة؛ ولأنَّ إظهار المروءات في سفر الحج والتفاخر والاستكثار من إظهار النعم فيه دعاوى الخيلاء والإعجاب الذين يؤديان إلى إحباط الثواب.
وثانيا: يبدأ بالتخلص من تبائعه، وتخليص ديونه، والتكفير عن أيمانه، ووفاء نذوره. وثالثا: عليه أنْ يستعد لهذه الفريضة العظيمة بالزاد والراحلة والنفقة للأولاد حتى لا يذهب عنهم ويصطحب المال ويتركهم بلا نفقة وبلا مال فيرتكب في حقهم الإثم، وأنْ يبحث عن الرفيق والصاحب العفيف المتعلم الأمين لكي يحفظه ويرعاه ويحفظ أمواله ويعلمه المناسك.
(1/11)
ثم لا ينسى أنْ يصْطلح مع خصمائه وجيرانه وأرحامه ويودّعهم كأهله ويظهر لهم الشفقة ولا يظهر لهم انقطاعه هناك ولا يصغ إلى عاذل (1).
__________
(1) جامع أركان الإسلام ـ سيف بن ناصر بن سليمان الخروصي ـ وزارة التراث القومي والثقافة ـ ط1ـ (1407 هـ /1987م) ـ ص97.
ومن أوجه الاستعداد كذلك أنْ يودّع أهله وجيرانه وإخوانه من رحمه أو غيره وأنْ يطلب منهم الدعاء وذلك لما روى أبو هريرة أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءه رجل فقال له: يا رسول الله إني أريد سفرا فقال - صلى الله عليه وسلم -:"أوصيك بتقوى الله والتكبير عند كل شرف" (1)، فلما ولىّ قال: اللهم أزر*عليه الأرض وهون عليه السفر"؛ ولأنَّ دعاء المؤمن ينفع المؤمن (2).
الفصل الأول: أحكام المرأة الخاصة في الحج والعمرة
المبحث الأول: شروط وجوب الحج الخاصة بالمرأة
المطلب الأول: وجود الزوج أو المحرم
لقد اتفق فقهاء المذاهب (3) على أنه في حالة وجود الزوج أو المحرم يشترط في وجوب الحج على المرأة أن يصاحبها الزوج أو المحرم.
__________
(1) أخرجه ابن ماجه ـ باب (جهاد ـ التكبير على كل شرف) برقم (2771).
(2) بيان الشرع ـ محمد بن إبراهيم الكندي ـ وزارة التراث القومي والثقافة ـ (1408هـ/ 1988م) ـ (22/ 9).
(3) انظر: محمد بن يوسف اطفيش ـ مرجع سابق ـ (4/ 13)، صالح عبد السميع الآبي المالكي ـ مرجع سابق ـ ص228، محمد بن إدريس الشافعي ـ مرجع سابق ـ (1/ 12)، زاد المستقنع ـ موسى بن أحمد بن سالم المقدسي الحنبلي ـ مكتبة النهضة الحديثة ـ ص84، تحفة الملوك في فقه الإمام أبي حنيفة ـ محمد بن أبي بكر الرازي ـ دار البشائر ـ ط1 (1417 هـ /1997 م) ص154، تحفة الفقهاء ـ علاء الدين السمرقندي ـ دار الكتب العلمية ـ ط1 (1405 هـ /1984م) ـ (2/ 387).
(1/12)
وأما في حالة عدم وجود الزوج أو المحرم فقد اختلف الفقهاء في ذلك إلى قولين، فذهب (الإباضية (1) والمالكية (2) والشافعية (3) إلى أنها إنْ توفرت الشروط الأخرى ولم تجد محرما ولا زوجا يصاحبها فالرفقة المأمونة، واختلفوا في الرفقة المأمونة هل يكتفي بالنساء فقط أم الرجال فقط أم المجموع وما صفة هذه الرفقة؟ فذهب الإباضية (4) إلى أنَّ هذه الرفقة تكون من المسلمين الأمناء المصطحبين لنسائهم، وذلك بأنْ يكون العديد من الناس قد اصطحبوا معهم زوجاتهم أو ذوات محارمهم، وهي تأمن وتطمئن إليهم في أمانتهم وثقتهم واستقامتهم على الحق، وللمالكية في ذلك أقوال، وقد اشترطوه في الفرض لا في النفل (5)، وذهب (الحنابلة (6) والحنفية (7) إلى أنه لا يجب الحج على المرأة إذا لم تجد محرما ولا يجوز لها الخروج مع امرأة أو أكثر أو مع رفقة مأمونة، وزاد الحنفية إلى أنه إن كانت المسافة دون مدة السفر فإنه لا يشترط المحرم (8).
__________
(1) المسالك النقية إلى الشريعة الإسلامية ـ سالم بن حمد بن سليمان الحارثي ـ بدون طبعة ـ ص333.
(2) صالح عبد السميع الآبي المالكي ـ مرجع سابق ـ ص228ص229.
(3) ـ محمد بن إدريس الشافعي ـ مرجع سابق ـ (1/ 127).
(4) الفتاوى ـ أحمد بن حمد الخليلي ـ مكتبة الأجيال ـ ط2 ـ (1/ 419).
(5) حاشية الخرشي على مختصر سيدي خليل ـ محمد بن عبد الله الخرشي ـ دار الكتب العلمية بيروت لبنان ـ ط1 (1417هـ/1997م) (3/ 106).
(6) إبراهيم بن محمد ـ مرجع سابق ـ (2/ 388).
(7) الهداية شرح بداية المبتدى ـ علي بن أبي بكر الراشداني ـ دار الكتب العلمية بيروت لبنان ـ ط1 (1410 هـ /1990م) ـ (1/ 146).
(8) علاء الدين السمرقندي ـ مرجع سابق ـ (1/ 388).
(1/13)
وقد استدل الإباضية والمالكية والشافعية على أنَّ المرأة لها الخروج إلى الحج مع الثقات من المسلمين إن لم تجد محرما بما روى عدي بن حاتم قال:"بينا أنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال: يا عدي هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها وقد أنبئت عنها، فقال - صلى الله عليه وسلم - "فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله" (1)، فوجه الدلالة من الحديث أنه خبر في سياق المدح فيدل على الجواز، واستدلوا بقوله تعالى: ?وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً? (2) فإنَّ لفظ الناس عام يتناول الذكر والأنثى؛ ولأنَّ الغرض من وجود الزوج أو المحرم معها هو الأمن عليها وهو يحصل بجماعة من النساء وبالرفقة المأمونة، وهي تقوم مقام الزوج أو المحرم في الفرض لا في النفل (3). وأذن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - في آخر خلافته لأمهات المؤمنين أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -أنْ يحججن مع رفقة المسلمين، ولم ينكر ذلك عليه أحد من الصحابة} فكان إجماعا (4).
__________
(1) أخرجه البخاري ـ كتاب الحج، والبيهقي في الكبرى.
(2) سورة آل عمران الآية رقم (97).
(3) محمد بن عبد الله الخرشي ـ مرجع سابق ـ (2/ 287).
(4) أحمد بن حمد الخليلي ـ مرجع سابق ـ (1/ 419).
(1/14)
وقد رد القائلون بعدم جواز خروج المرأة للحج مع الثقات من المسلمين بأنَّ ما رواه عدي بن حاتم يدل على حصول الأمن ورفع منار الإسلام فهو خبر محض، والخبر المحض لا يدل على جواز ولا غيره (1)؛ لأنَّ عديا شكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قطّاع الطريق وانعدام الأمن فأخبر - صلى الله عليه وسلم - عن الأمن والاطمئنان في الأسفار حيث يشمل العدل ويثبت الأمر ويشيع الأمان، وقد رأى عدي ذلك، (وأنّ الظعينة اسم للمرأة في الهودج ولا يعني هذا عدم وجود محرمها فقد يرافقها محرم والجواز يكون بعامل آخر من ذمام زعيم قبيلة أو قوي يهاب) (2)، (وأنَّ التخصيص ينقض المخصص صراحة؛ لأنه لا نص على إخراج المرأة الحاجة من قيد المحرمية إذ الأسفار واحدة، فكيف نخص سفر المرأة للحج من بقية الأسفار) (3)، وأمّا كون النبي - صلى الله عليه وسلم -لم يعب على المرأة التي خرجت حاجة بدون صحبة زوجها، وقد أمر زوجها أنْ يلحق بها (4)؛ لأنَّ التخلف من الزوج بسبب الغزو (5)، وأنَّ (نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن منع النساء المساجد عام ويمكن أنْ يخرج المسجد الذي يحتاج إلى السفر في الخروج إليه بحديث النهي) (6)، وأنَّ حَج أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم - مع عثمان وعبد الرحمن
__________
(1) تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير ـ أحمد بن علي الو رجلاني ـ (1/ 222) ـ (1384هـ /1964م).
(2) نقلا عن كتاب الأحكام التي تخالف فيها المرأة الرجل ـ سعد الحربي ـ دار مسلم ـ (1415هـ /1995م) ـ ص263.
(3) نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ـ محمد بن علي الشوكاني ـ دار المعرفة بيروت لبنان ـ ط1 (1419هـ /1998م) ـ (4/ 792).
(4) الفروع في فقه الإمام أحمد ـ أبو عبد الله محمد بن مصلح المقدسي ـ دار الكتاب العربي ـ ط1 (1422هـ /2002م) ـ (2/ 134).
(5) سعد الحربي ـ مرجع سابق ـ ص264.
(1/15)
(6) أحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام ـ ابن دقيق العيد ـ دار الكتاب العربي بيروت لبنان ـ (3/ 19).
بن عوف قضية خاصة لمكانتهن في القلوب (1).
وقد استدل الحنابلة والحنفية على أنَّ المرأة لا يجب عليها الحج إذا لم تجد محرما، ولا يجوز لها الخروج مع امرأة أو أكثر أو مع رفقة مأمونة واستندوا في هذا إلى أدلة عدة منها حديث ابن عباس عن الرجل الذي خرجت امرأته للحج وهو قد عزم على الجهاد فلما أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -بذلك قال له:"انطلق فحج مع امرأتك" (2) فلو لم يكن المحرم شرط وجوب لحج المرأة لما أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - زوجها بالسفر معها وترك الغزو الذي عزم عليه واكتتب فيه (3)، وحديث ابن عمر قال: قال - صلى الله عليه وسلم -:"لا تسافر المرأة ثلاثة إلا ومعها ذو محرم" (4)، وكذلك ما روي عن أبي سعيد الخدري أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - "نهى أن تسافر المرأة ثلاثة إلا ومعها ذو محرم" (5)، وما روي عن ابن عباس أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم" (6)، وما روي عن أبي هريرة أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم -قال:"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها" (7)،
__________
(1) سعد الحربي ـ مرجع سابق ـ ص264.
(2) أخرجه البخاري ـ كتاب الجهاد ـ باب (من اكتتب في جيش) حديث (3006)، ومسلم ـ كتاب الحج ـ باب (سفر المرأة مع محرم) ـ حديث (1341).
(3) أخرجه البخاري ـ كتاب الجهاد ـ باب (من اكتتب في جيش) حديث (3006)، ومسلم ـ كتاب الحج ـ باب (سفر المرأة مع محرم) ـ حديث (1341).
(4) أخرجه البخاري ـ كتاب تقصير الصلاة ـ باب (في كم تقصر الصلاة) ـ حديث (1087)، ومسلم ـ كتاب الحج ـ باب (سفر المرأة مع محرم) ـ حديث (1338).
(5) أخرجه الجماعة إلا البخاري ومسلم.
(6) أخرجه الدار قطني ـ كتاب الحج برقم (2417) ـ (1/ 199).
(1/16)
(7) أخرجه البخاري ـ كتاب تقصير الصلاة ـ باب (في كم تقصر الصلاة) ـ حديث (1088)، ومسلم كتاب (الحج) باب (سفر المرأة مع محرم ـ حديث (1339)، وأبو داود كتاب (المناسك ـ باب (في المرأة تحج بغير محرم) ـ حديث (1723).
هذا مع وجود الفتنة في المرأة والخوف عليها؛ لأنَّ النساء لحم على وضم (1) والخوف عند اجتماع النساء أكثر لذلك حرمت الخلوة بالأجنبية وإن كان معها امرأة أخرى (2)، ووجه الدلالة مما سبق من الأحاديث هو تحريم سفر المرأة ثلاثة أيام إلا بمحرم، وكذلك يحرم سفرها يوم أو يومين إلا مع ذي محرم من زوج أو غيره، وأنه يشترط المحرم لحج المرأة، ولا يحدد ذلك بمسافة معينة.
وَقد رُدّت الأدلة السابقة بأنَّ بعض الأحاديث أطلق ولم يحدد مسافة، وبعضها جاء بألفاظ مختلفة في تحديد المسافة اللازمة لسفر المحرم وهذا اضطراب في المتن سببه الاضطراب في السند (3)، وأنَّ هذه الأحاديث في السفر الجائز أو المستحب ولا تشمل الواجب مثل الحج، وأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة فكيف جعلت الاستطاعة للمرأة وجود محرمها (4)، والأحاديث السابقة معارضة العموم في قوله تعالى:?وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً? (5) والمرأة داخلة في خطاب الناس فالأحاديث عامة في السفر، والآية خاصة والخاص مقدم على العام (6)، واجتماع الرفقة من النسوة الثقاة فيه مؤانسة وحماية فلا خوف (7).
__________
(1) أي لحم على خشب أو لوح.
(2) علاء الدين أبي مسعود الكاساني ـ مرجع سابق ـ (2/ 123).
(3) سعد الحربي ـ مرجع سابق ـ ص260، ص261.
(4) المصدر السابق ـ ص260، ص261.
(5) سورة آل عمران الآية رقم (97).
(6) علاء الدين أبي مسعود الكاساني ـ مرجع سابق ـ (2/ 123).
(7) محمد بن عبد الله الخرشي ـ مرجع سابق ـ (2/ 287).
(1/17)
وقد أجيب عن ذلك بأنَّ اختلاف الروايات قد يكون لاختلاف السائلين وسؤالهم إذ يحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - قالها في مواطن متعددة فخرجت جوابا (1)، وأنه قد يكون ذلك تمثيلا لأقل الأعداد واليوم الواحد أول العدد وأقله واليومان أول الكثير وأقله، والثلاث أول الجمع وأقله، فكأنه أشار إلى مثل هذا في قلة الزمن لا يحل لها فيه السفر مع غير محرم فكيف بما زاد (2) , وقد جاء (أنَّ كثرة الألفاظ تدل على كثرة الروايات وهي تعطي السند قوة وقد تلقتها الأمة جملة بالقبول) (3)، ثم إنه لولا وجوب المحرم لما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل بأنْ يلحق بامرأته ويحج معها، وكذلك فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم -لم يرد الحصر في التفسير ففي معنى ذلك قضاء الدين والأمن ونفقة الطريق، ثم إن الآية خصصتها الأحاديث، والفتنة حاصلة وليس الرفقة محرما ولا في معنى المحرم (4).
القول المختار
بعد عرض الأدلة ومناقشتها فإنّ َالقول المختار ـ والله أعلم ـ هو قول من قال باشتراط المحرم لحج المرأة وذلك لعدة أمور أولها: الأحاديث الصحاح التي لا تجوز مخالفتها، ولهذا قال ابن حزم وهو من القائلين بعدم صحة حج المرأة بدون محرم: (إنَّ الذين قالوا بمنع المرأة من السفر مطلقا إلا مع زوج أو ذي محرم يحتجون بأحاديث صحاح لا يحل خلافها إلا لنص آخر يبين حكمها) (5).
__________
(1) نصب الراية لأحاديث الهداية ـ عبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي ـ دار إحياء التراث العربي ـ ط3 (1407 هـ /1987م) ـ (3/ 11).
(2) المصدر السابق ـ (3/ 11).
(3) نقلا عن كتاب الأحكام التي تخالف فيها المرأة الرجل ـ سعد الحربي ـ ص260.
(4) محمد بن علي الشوكاني ـ مرجع سابق ـ (4/ 792).
(5) المحلى ـ علي بن أحمد بن سعيد بن حزم ـ دار الجيل بيروت ـ بدون طبعة ـ (7/ 50).
(1/18)
وثانيا: أنه لا تعارض بين الآية والأحاديث التي فيها محرم المرأة بل الآية عامة والأحاديث مخصصة، قال الشوكاني: (ويمكن أن يقال: إنَّ أحاديث الباب لا تعارض الآية لأنها تضمنت أن المحرم في حق المرأة من جملة الاستطاعة على مدة السفر التي أطلقها القرآن وليس فيها إثبات أمر غير الاستطاعة المشروطة حتى تكون من تعارض العمومين، ثم قال: على أنَّ التصريح باشتراط المحرم في سفر الحج لخصوصه كما في الرواية التي تقدمت مبطل لدعوى التعارض) (1).
وثالثا: أنَّ الإمام الشافعي في أصح قوليه عنه باتفاق أصحابه يرى أنَّ المرأة لا تسافر تطوعا للحج إلا مع ذي محرم وكذلك الإمام مالك لا يجيز سفر المرأة للنفل إلا مع ذي محرم منها، فالقول بطرح المحرم من باب الإلجاء والضرورة لكن لو حجت بدون محرم أجزأها وتكون عاصية؛ لأنَّ الأهلية تامة والمعصية في الطريق لا في نفس المقصود (2).
ورابعا: إننا لو نظرنا إلى الواقع في أيام الحج فإنه لا يمكن للإنسان أنْ يترك زوجته أو قريبته لتذهب إلى الحج بنفسها لما في الحج من الزحام والعراك وخاصة في الرمي بل وفي الطواف فإن المرأة لا تستطيع أنْ تتكفل بنفسها فكيف بها أنْ تتحمل غيرها؛ لذلك لابد من وجود المحرم معها حتى لو سقطت فالمحرم موجود كي يساعدها فدفع الضرر وهو هلاك المرأة وتعرضها للأخطار مقدم على جلب المصلحة وهي الذهاب إلى الحج وأداء الفريضة بدون محرم.
وهذا القول هو القول الذي صححه الشيخ سعيد بن مبروك القنوبي وأنه هو القول الصحيح الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذهب إليه طائفة كثيرة من أهل العلم (3).
__________
(1) محمد بن علي الشوكاني ـ مرجع سابق ـ (4/ 792).
(2) سبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام ـ محمد بن إسماعيل الصنعاني ـ دار الكتاب العربي ـ ط6 (1412هـ/ 1991م) (2/ 379).
(3) سؤال أهل الذكر ـ سعيد بن مبروك القنوبي ـ موضوع الحلقة (الحج) ـ بتاريخ 7/ 11 / 1422 هـ.
(1/19)
وقد اشترط الإباضية في المحرم أنْ يكون بالغا عاقلا أمينا فالصبي أو المجنون أو السفيه لا يكون محرما؛ لأنَّ المقصود من وجود المحرم هو حفظ المرأة وصيانتها (1)، وبه قال الحنفية (2) والحنابلة (3)، وذهب المالكية إلى عدم اشتراط بلوغ المحرم بل يكفي التمييز ووجود الكفاية (4).
ولكن مما ينبغي أنْ يقال أنّ المحرَم إذا لم يكن قادرا على تحمّل نفسه والقيام بما يحتاجه، فكيف به أن يقوم بشؤون غيره؟ لذلك ينبغي أنْ يكون المحْرَم قادرا على التكفل بنفسه وغيره حتى يؤمن الحفظ.
المطلب الثاني: انتفاء العدة
__________
(1) ـ حارث بن محمد البطاشي ـ مرجع سابق ـ (1/ 72)، ومما جاء أيضا في كتاب الفتاوى للشيخ أحمد بن حمد الخليلي في جواب له عن الشروط التي يجب توافرها في المحرم، فقال: (يشترط في المحرم المصاحب أن لا يكون كافرا ولا فاسقا، أي أن يكون مسلما مستور الحال على الأقل) ص418.
(2) علي بن أبي بكر الراشداني ـ مرجع سابق ـ (1/ 146).
(3) عبد الدين بن محمد المقدسي ـ (2/ 101).
(4) حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني ـ على بن أحمد الصعيدي العدوي ـ دار الكتب العلمية ـ ط1 (1/ 107).
إنّ من شروط وجوب الحج على المرأة ألا تكون معتدة من طلاق أو وفاة، فإذا وقع الطلاق وهي لم تخرج بعد إلى الحج وكان رجعيا فإنه باتفاق العلماء (1) ليس لها الخروج إلى الحج حتى تنقضي عدتها، فإنْ لم يراجعها في أثناء العدة منعها من الخروج، وإن راجعها فله منعها (2)، وأمَّا إنْ طلقها وهي في الطريق فقد جاء في بدائع الصنائع: إنْ كان بينها وبين مصرها أقل من ثلاثة أيام وبينها وبين مقصدها ثلاثة أيام فصاعدا رجعت إلى مصرها لتقضي العدة في بيتها، وإن كان العكس مضت؛ لأنه ليس في المضي إنشاء سفر وفي الرجوع إنشاء سفر (3).
__________
(1/20)
(1) انظر: الجوابات ـ عبد الله بن حميد السالمي ـ مكتبة السالمي ـ بدية ـ ط3 (1422هـ /2001م) (3/ 319)، القرافي ـ مرجع سابق ـ (3/ 3)، محمد بن إدريس الشافعي ـ مرجع سابق ـ (2/ 119)، علاء الدين أبي مسعود الكاساني ـ مرجع سابق ـ (2/ 124)، عبد الله ابن قدامه المقدسي ـ مرجع سابق ـ (3/ 240 ـ 241).
(2) محمد بن إدريس الشافعي ـ مرجع سابق ـ (2/ 119).
(3) علاء الدين أبي مسعود الكاساني ـ مرجع سابق ـ (3/ 207).
وأما إنْ كان الطلاق بائنا فإنه لها الخروج إلى الحج متى شاءت بعد انقضاء عدتها وبه قال الإباضية (1) والشافعية (2) والحنابلة (3)، وفصّل الحنفية القول في ذلك فقد جاء في كتاب بدائع الصنائع: (وإنْ كانت بائنا أو كانت معتدة عدة وفاة فإنْ كان إلى منزلها أقل من مدة السفر وإلى مكة مدة السفر فإنها تعود إلى منزلها؛ لأنه ليس فيه إنشاء سفر فصار كأنها في بلدها. وإنْ كان إلى مكة أقل من مدة السفر وإلى منزلها مدة السفر مضت إلى مكة؛ لأنها لا تحتاج إلى المحرم في أقل من مدة السفر، وإنْ كان من الجانبين أقل من مدة السفر فهي بالخيار إنْ شاءت مضت وإنْ شاءت رجعت إلى منزلها، فإنْ كان من الجانبين مدة السفر فإنْ كانت في المصر فليس لها أنْ تخرج حتى تنقضي عدتها في قول أبي حنيفة وإنْ وجدت محرما، وعند أبي يوسف ومحمد لها أنْ تخرج إذا وجدت محرما وليس لها أنْ تخرج بلا محرم بلا خلاف) (4).
وأما إنْ كان اعتدادها من وفاة فإنه إن مات زوجها وهي لم تخرج بعد إلى الحج فليس لها الخروج إلى الحج حتى تنقضي عدتها، وهذا باتفاق العلماء، وذلك لقوله تعالى: ?لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنََ? (5)، وكذلك ما روي عن عبد الله بن عمر من أنه رد المعتدات من ذي الحليفة؛ (ولأنَّ الحج يمكن أداؤه في وقت آخر، وأما العدة فإنها يجب قضاؤها في هذا الوقت خاصة فكان الجمع بين الأمرين أولى) (6).
__________
(1/21)
(1) فتاوى النكاح ـ أحمد بن حمد الخليلي ـ مرجع سابق ـ ص373.
(2) محمد بن إدريس الشافعي ـ مرجع سابق ـ (2/ 119).
(3) عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامه المقدسي ـ مرجع سابق ـ (4/ 240 ـ 241).
(4) علاء الدين أبي مسعود الكاساني ـ مرجع سابق ـ (2/ 124).
(5) سورة الطلاق الآية رقم (1).
(6) علاء الدين أبي مسعود الكاساني ـ مرجع سابق ـ (2/ 124).
وأمَّا إنْ علمت بوفاة زوجها بعد خروجها إلى الحج وقبل إحرامها به وتباعدت عن منزلها مضت في سفرها، وإنْ كانت قريبة رجعت لتقضي العدة في منزلها (1).
وإن علمت بوفاة زوجها بعد إحرامها بالحج فإنها تكمل مناسك الحج ولا يجوز لها أنْ تتخلف عنه وهو لا ينافي عدتها بل تستمر على أداء المناسك وهي معتدة (2).
المبحث الثاني: الإحرام
الإحرام في اللغة: نية الدخول في التحريم (3)، واصطلاحا هو نية الدخول في النسك من حج أو عمرة، أو الدخول في حرمات مخصوصة أي (التزامها).
وليس الفرق بين إحرام المرأة والرجل في نسبة الدخول في النسك ولا في الاغتسال ولا في مستحبات الإحرام، ولا في محظوراته، فقد جاء في كتاب كشّاف القناع: (ويعتبر لها ما يعتبر للرجل من مستحبات الإحرام؛ لأنه مما يشترك فيه الرجال والنساء) (4).
ويظهر الفرق بين الرجل والمرأة في حال إحرامهما في اللباس لمناسبة الطبيعة ومراعاة الحال، وفي التلبية والزينة.
المطلب الأول: لباس المرأة
أولا: لبس المخيط
__________
(1) محمد عبد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق