أصول الدين لطلاب التخصص الشرعي لمصطفى شريفي موافق لمطبوعة الطلاب - مكتبة أهل الحق والإستقامة

أحدث المشاركات

Post Top Ad

Post Top Ad

الثلاثاء، 14 ديسمبر 2021

أصول الدين لطلاب التخصص الشرعي لمصطفى شريفي موافق لمطبوعة الطلاب

 





الكتاب : أصدق المناهج في تمييز الإباضية عن الخوارج
المؤلف : الشيخ سالم بن حمود السيابي
أصدق المناهج
في تمييز الإباضية عن الخوارج
تأليف الشيخ العلامة سالم بن حمود السيابي رحمه الله تعالى
[*]مقدمة
[*]الأغراض التي تدعوا إلى التنفير منهم والإعراض عنهم
[*]من هم الإباضية ؟
[*]أين هم الإباضية ؟
[*]هل لهم مذهب خاص ؟
[*]من علماء الإباضية أيام ابن إباض ؟
[*]من هم الخوارج ؟
[*]ما هي أسس الحكم عند الإباضية ؟
[*]ما يقول الإباضية في صفات الله عز وجل ؟
[*]ما هي أعمالهم في الأمور العملية ؟
[*]هل للإباضية في خدمة الإسلام العامة نصيب ؟
[*]هل كتم مخالفو الإباضية شيئاً من مآثر الإباضية ؟
[*]الحكم في الخوارج في نظر الإباضية
[*]ما هو الإيمان عند الإباضية ؟
[*]ما شأن مذهب الإباضية بين المذاهب الأخرى ؟
[*]هل يجيز الإباضية الصلاة خلف أئمة غيرهم من المذاهب ؟
[*]هل هناك فرق بين الإباضية وغيرهم في المواريث ونحوها ؟
[*]هل الجهاد عند الإباضية وغيرهم على حد سواء ؟
[*]متى استقل الإباضيون بأمرهم في الإسلام ؟
[*]كيف سيرة الإباضية في الإسلام ؟
[*]على أي وضع تجري الأحكام عند الإباضية ؟
[*]من هم أشهر علماء الإباضية في المشرق ؟
[*]هل لأهل عمان تآليف مهمة غير التي اشرتم إليها ؟
[*]ماذا يقول أهل عمان في الخلفاء الأربعة ؟
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أوجب على عباده إتباع أصدق المناهج ، والصلاة والسلام على الصادع بافتراق الأمة بعد نبيها إلى فرق لا تزال منتحية منهج من قبلها من الأمم الخوارج ، فمنها من لزم الحق في المداخل والمخارج ، ومنها من تعلق بأخطر المعارج وأخبث المناهج ، وعلى آله الموفين له بطاعته وأصحابه المخلصين له في عبادته وأتباعهم السالكين مسالك الحق الموفين له بواجباته .
(1/1)
أما بعد : فإني طالما قرأت عشرات في عشرات من الكتب المذهبية لمذاهب الإسلام وعلمائه الأعلام على اختلاف مذاهبهم ولم أجد منهم من يقول عن الإباضية إلا أنهم خوارج ، أو هم من الخوارج ، أو من أقرب الخوارج إلى الحق . ولم يزالوا يتداولون هذا التعبير في كتبهم فقهية كانت أو تاريخية ، ويميلون بهم حينا إلى الحق ، وآناً إلى القرب منه. وبعضهم يصب عليهم الويلات واللعنات لأنهم عنده قتلوا علياً بعد ما قتلوا عثمان . وأسهل شيء يرمونهم به أنهم خوارج مع أن الواقع يشهد أن الإباضية لا تجمعهم بالخوارج جامعة ، ولا يمتون إليهم بصلة ، فما هي الأحوال التي تجمعهم بالخوارج وهم براء منهم ؟! وما هي الأعمال التي تصدر منهم حتى تجعلهم في عداد الخوارج ؟!
وقد طال ما كتبنا عن الإباضية الرسائل الوافية وبينا قواعدهم المذهبية والأصول الإعتقادية ، وأحكامهم العملية ، بحيث لم نترك في ذلك ما يرتاب فيه أبن نهية ، راجين من الله أن تكون فيه الغنية إن شاء الله .
الأغراض التي تدعوا إلى التنفير منهم والإعراض عنهم
(1/2)
أهمها حدتهم على الظلمة والفساق من الأٌمراء الذين يحيدون عن جادة الحق ومنهج العدل ويناشدونهم السير على منهاج الخلفاء الراشدين الذين هم هداة الخلق ، والدعاة إلى الحق ، فإذا لم يجدوا منهم ذلك باينوهم وفارقوهم ، وناصبوهم الحرب إن قدروا حتى يتركوا ظلمهم وجورهم ، ويرجعوا إلى الحق عملاً بأوامر الله عز وجل في كتابه وعلى لسان نبيه الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام . فتراهم يقاتلون حتى ملوكهم الذين هم على مذهبهم ، ومن أبناء جلدتهم ومن أهل وطنهم ، إذا تركوا الحق ، وركنوا إلى الباطل . فكيف بملوك غيرهم الذين هم أعمدة الظلم ورؤساء الفساد في الأرض ودعاة الباطل في الأمة ، الذين تدار كؤوس الخمر على موائدهم ، وتنتهك حُرُمات الله عز وجل بين أظهرهم جهاراً وتقوم القينات والمغنيات على رءوسهم بالعود والمزمار وآلات اللهو والطرب . ومنها أن الإباضية لا يتولون الظلمة من كانوا وأين كانوا ، فإذا رأوا منهم حقاً قبلوه ، وإذا رأوا باطلاً أعرضوا عنه وأنكروه . فلذلك لا تحبهم الملوك الجورة ولا تدنى مجالسهم ، ولا تجيب دعوتهم ، بل ولا تزال عاملة على إقصائهم وإضعافهم لأنها ترى أنهم أخطر على الملك ، وداء عضال على الزعامة الحائدة عن خطة الحق ، إذ كانوا عاملين بإقتضاء قوله عليه الصلاة والسلام : (( لا طاعة لمخلوق في معصية خالق )) فلهذا ترى الملوك على إختلاف منازعهم ، والأمراء على تباين مقاصدهم ينسبون إلى الإباضية ما يبغضهم في أعين الأمم ، ويقصيهم مناهج الحياة الصالحة في هذا العالم ، ومنها أن علماء الإباضية وقد عرفت شيئا عنهم ممن يصدع بالحق لله لا يراعون رغبة النفوس ، بل يراعون واجب الشريعة في البعيد والقريب ، والبغيض والحبيب ، ويتحرون عن مجاري رغبة أهل الدنيا وإن جلت مناصبهم ، فما عندهم شيء لغير الله أبداً ، فلذلك حسدهم مخالفوهم ، إذ لم ينالوا مكانهم في الدين ، وقد عرفوا بذلك ، وبذلك أضافوهم إلى الخوارج لعلمهم أن
(1/3)
الخوارج ممقوتون عند أهل الحق ، فجعلوهم منهم ، ونددوا بهم في كتبهم ورسائلهم ورسلهم ، ونشروا عنهم في العالم ما ليس منه في قبيل ولا دبير ، فنفروا الناس عنهم بذلك ، ونسبوا إليهم غير الذي هم عليه . فأين الإباضية من الخوارج ؟ أين الإباضية من أمم الإسلام كلها ؟ قوم لا يرضون بغير الحق أحسن الدهر إليهم أم أساء . أنكر الإباضية أشياء وقعت في الدين ، فاتخذ أهل الأهواء إنكارهم ذريعة إلى النداء بحدة الإباضية وشدتهم ، والحق لا يزال فيما أنكروا معهم لما اطلع الإباضية على ما نسب الصحابة إلى عثمان ، وقاموا به عليه وناشدوه الحق والسير به والإبعاد لأهل الباطل وزجرهم عنه ، وعرفوا الحق ، صوبوا المحق وأيدوا الحق وأعانوا على العدل بالمستطاع يداً ولساناً ، وبذلك نسبوا إليهم ما نسبوا بغير موجب .
---
من هم الإباضية ؟
الإباضية أمة من أمم الإسلام إمامهم عبد الله بن إباض التميمي المعروف زعيم ديني وإمام رضي ، شهر مقامه بين رجال الحق وزعماء الرشد . لم يزل داعياً إلى الله جاداً مجداً هماماً مرشداً ، ولياً من أولياء الله ، رضياً في دينه ، لا يهاب الجبابرة ، ولا يحابي الظلمة ، ولا يداهن في الدين ، ولا يميل إلى أهل الأهواء والبدع ، وهذه لهجة أهل الحق في الإسلام ، وسيرة الأتقياء الأعلام . فلما فشى خبره بهذا في الأمة الإسلامية ، وشاع نبأه في أقطار الإسلام وعوالمه ، أضيف إليه من كانوا كذلك من الأمة ونسبوهم إليه ، وهو كما ترى لم يكن إماماً له مذهب خاص ، ولا مسألة واحدة في الدين .
أين هم الإباضية ؟
الإباضية في عمان أعرق منهم في غيرها من بلاد الإسلام ، وفي بلاد العراق إذ كان ابن إباض عراقياً ، وفي أرض اليمن ، وبالأخص حضرموت إلى نهاية القرن السابع . وفي المغرب أشهر من نار على علم ، وأرسى من رضوى على الثرى . وفي زنجبار من أفريقيا ، وفي أمكنة متعددة من بلاد الله .
هل لهم مذهب خاص ؟
(1/4)
ليس للإباضية مذهب خاص يتقيدون به تبعاً لعالم خاص من علماء الأمم كأبي حنيفة ، وأحمد بن حنبل ، والشافعي ، أو مالك ، أو الثوري ، أو غيرهم من علماء الإسلام . فلا توجد لابن إباض مسألة واحدة تؤثر عنه في الدين . ومن هنا يعلم مقام الإباضية في الإسلام ، فإن الإباضية رجال تقييد لا رجال تقليد ، وأهل اعتماد على الحق لا على الخلق ، فلا يتقيدون إلا بالله ورسوله فقط .
---
من علماء الإباضية أيام ابن إباض ؟
علماء الإباضية أيام ابن إباض أجلة العلماء . وفي مقدمتهم الإمام الأوحد جابر بن زيد الأزدي العماني أبو الشعثاء ، الذي أجمعت الأمة على ثقته وعدالته وأمانته رواية ودراية ، وقد عرفه كل أحد .
وأبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة ، وضمام بن السائب الندبي العماني ، وصاحب الصحيح الإمام الربيع بن حبيب الفراهيدي العماني البصري ، وأمثالهم ممن لهم المقام الأعلى والمرام الأوفى ، والسبق في الإسلام على علماء المذاهب المعروفة .
---
من هم الخوارج ؟
(1/5)
الخوارج في الأصل جمع خارجة ، وهي طوائف تخرج في الإسلام ضالة ومحقة . وفي عرف الفقهاء فرق من فرق الإسلام رأسهم نافع بن الأزرق ، ونجدة بن عامر ، وعبد الله الصفار . وأتباعهم خرجوا على أهل الحق في زمن التابعين وتابعيهم . وحكموا على مرتكب الكبيرة من الذنوب بالشرك ، وفرعوا عليه حلية ماله فيغنم ، ودمه فيسفك . ورأوا أن ذلك هو الحق . واشتدوا على الناس ، وثقلت وطأتهم على من تسلطوا عليه ، واشتدت شوكتهم ، وعظمت محنتهم على الأمة الإسلامية ابتلاً من الله لها بمثل هؤلاء . وتعلقوا بتأويلات خالفوا فيها غيرهم من سائر الأمم الإسلامية . ولم يصغوا على قول غيرهم من أهل الحق ، فاستعرضوا الناس بالسيف ، وقتلوا من لم يحل قتله ، ونهبوا الأموال ، واستعبدوا النساء والرجال لأنهم في نضرهم مشركون . فكان لهم خطب جسيم في الإسلام ، واستحلوا ما حرم الله بالمعصية متأولين قوله تعالى : (( وإن أطعتُموهُم إنكم لمُشركون ))( الأنعام:121) . وكان معنى الآية : وإن أطعتم المشركين في القول بتحليل الميتة فأنتم مشركون مثلهم . ولكن هؤلاء تأولوها على غير وجهها ، فكان معناها معهم : وإن أطعتموهم في أكل الميتة ، فأخطأوا بذلك في تأويل الآية وجه الحق . ولا يخفى أن استحلال ما حرم الله رد على الله عز وجل ، وهو شرك محض لا يرتاب فيه من له تمييز بين الحق والباطل .
(1/6)
ولما كان ما كان من تأويلهم هذا ، ومشوا به في الأمة مشية اشمأزت منها المسلمون ، أنكرها عليهم أهل الحق ، فزادوا في عنادهم ، وتمردهم في منهجهم . ولم يقتصروا بذلك بل تجاوزوه إلى الفعل ، فعلموا بمقتضى تأويلهم ، وعمموا تشريك مرتكبي . فحلت لهم دماء أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، ورأوا أنها تقربهم من الله زلفى ، فاستحلوا الأموال غنيمة سائغة فقتلوا من تمكنوا من قتله ممن لا يقول بقولهم هذا ، وسبوا من شاءوا بذلك ، والواضح ـنهم على الباطل الذي لا مرية فيه . ولذلك قال فيهم أئمة المسلمين كالربيع بن حبيب ، صاحب الصحيح ، وأبي عبيدة بن أبي كريمة ، وضمام بن السائب ، وأمثالهم ، نرى ما داموا على قولهم فخطأهم محمول عليه ، فإذا تجاوزوه إلى الفعل حكمنا بكفرهم . أي يصح تركهم وتأويلهم ما لم يفعلوا بمقتضاه ، فإذا فعلوا فلا يسع إلا تكفيرهم والقيام في وجوههم لرد ضلالتهم وبدعتهم ، وزجرهم وقتلهم حتى يرجعوا إلى الحق . فإن المسلمين كلهم لم يقولوا بذلك أبداً ، وبذلك طردهم المسلمون من مجالسهم وأقصوهم منهم معلنين منهم لبراءة مباعدين لهم . وبذلك أيضاً أعلنوا كفرهم لأن من أحل ما حرم الله ، أو حرم ما أحل الله ، فلا شك في كفره بنص الكتاب والسنة وإجماع الأمة .
ولما عظم خطب الخوارج ، وتكاتف فلهم ، أثار الله لهم القائد الكبير المهلب بن أبي صفرة سارف بن ظالم بن صبح بن كندة بن عمرو بن عدي بن وائل بن الحارث بن العتيك بن الأسد بن عمران بن عامر ماء السماء الأزدي العماني المشهور ، فأضرم بينهم نيران الحرب والدهاء ، حتى دقهم دق العصف وأبادهم حتى عرفت البصرة به فقالوا : ( بصرة المهلب )
(1/7)
وكان الخوارج من جملة منكري التحكيم وكان الإباضية أيضاً كذلك أدمجوهم في عداد الخوارج ليشوهوا بذلك سمعة الإباضية ظلما وعدواناً . وحسداً منهم للإباضية أرادوا أن يلطخوا بذلك طهارتهم من الأسواء حتى يرتفع لهم صوت في عالم الأمم الإسلامية ، ولم يقوم لهم بناء ديني مهما كان يقوم على منهاج الخلفاء الراشدين ن ويعرف بين الأمم بالعدالة المحضة فتؤيده رجال الحق رغم العراقيل .
وقد اعتد الإباضية على الصحيح الصريح من الأوامر الشرعية واتباع سنن الخليفتين الرضيين المرضيين أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما .
وعلى كل حال فإن الفئة الباغية هي التي قتلت عمار بن ياسر رضي الله عنه ، وأن المبغي عليها هي الأخرى ، ولا بد من هذا إلا عند من غالط نفسه وتعصب للهوى .
ومما روجوا به بضاعة الطعن ما قالوه أن وقعة النهروان بين علي والإباضية ، وأنهم خرجوا عن الإمام العدل علي بن أبي طالب ، وشقوا عصا الإختلاف ، وطولوا به مسافة الإفتراق ، وأن الإمام العالم العظيم – وصي النبوة على الإسلام – قتلهم . والواقع أن أهل النهروان رأوا إمامهم ألقى عن كاهله عبء الإمامة حين حكم فيها الرجال ، وقد خرج من عهدتها وتنازل عنها تاركاً لها . فانحازوا لينظروا الأمر السديد لهم وللمسلمين . فبايعوا عبد الله بن وهب الراسبي على ما بويع عليه الأئمة من قبله ، ورأوا أنهم الحجة في ذلك العهد وأن لهم الحق في ذلك ، فدخل أهل الأهواء على الإمام علي بن أبي طالب قائلين له بقصد الإغراء إن هؤلاء من جملة شغبهم ذهبوا بالإمامة عن القرشية أصلا ، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول : ( الأئمة من قريش ) . وأن فعل النهروان هذا دليل على عدم استقامتهم ، وأضافوا إلى ذلك ما أضافوا من قتل المرأة الحامل وزوجها ، وما هنالك من أفعال تقشعر منها الجلود ، والقصد من ذلك إذلال الحق وتأييد الباطل ، والذين يرون أن لا مقام لهم إلا معه .
(1/8)
وأهل الحق وأهل الباطل ضدان فكان بذلك ما كان والأمر لله .
فالإباضية لم يشاركوا في سفك قطرة دم من دماء المسلمين ، وقد علم أن تلك الفتن كلها لم يعرف للإباضية فيها ناقة ولا جمل . فإضافة الإباضية إلى الخوارج إضافة طعن وقدح ، ولا يخفى ذلك على من له أدنى فهم ، وللناس أهواء تحملهم على دس الدسائس وضم الكيد إلى جانب من يحاولون فيه ما تقتضيه الأغراض الإنسانية .
---
ما هي أسس الحكم عند الإباضية ؟
أسس الحكم عند الإباضية الكتاب والسنة والإجماع . وعلى هذه الثلاثة المعتمد ، فحلالها حلال ، وحرامها حرام لا هوادة في ذلك ولا اختيار لأحد بعد ما جاء في هذه الأصول الثلاثة ، ثم القياس ، ثم الاستدلال .
ومن القدح الكبير في الإباضية قولهم أن الإباضية لا يقولون بالإجماع ، وأنت خبير أن الإجماع أحد الأصول الثلاثة ، فكيف لا يقول به الإباضية ؟!
وهذا أمر قد تداوله مؤرخوهم وكاتبوهم ونشروه في صحائفهم ، وقد علم القصد منه والإباضية منه في معزل ، فهو افتراء عليهم والله على لسان كل ناطق .
---
ما يقول الإباضية في صفات الله عز وجل ؟
الإباضية يصفون الله عز وجل بالصفات التي لا بد منها ولا محال عنها . فتراهم يصفونه بمقتضى قوله عز وجل : ( ليس كمثله شيء )(الشورى:11) فقطعت هذه الجوهرة الباهرة كل ما لا يليق بالجلال الإلهي ولا يتفق مع الكمال الرباني ، ولا يرضى به الجمال المقدس الواجب الوجود . ومن يفهم هذه الآية حق الفهم اهتدى بها في ليالي الجهل المظلمة ، واسترشد بها في المواقف التي يحتار فيها المتخبطون في دياجير الأهواء . لا وصف يليق بجلال الله العظيم إلا هو داخل تحت حيطة هذه الآية ، ولا نعت يأباه الكمال الأعلى إلا تفته عنه . وكل الآيات التي تصف جلال الله عز وعلا تعتبر عن معنى هذه الآية الفذة .
(1/9)
وللإباضية حسب مقتضاها المنهج المتبع ، والمرتبع المقصود ، فهي العمود الذي احتمل عليه من أوصاف الله وأكملها وأوفاها ، حتى الرؤية التي يقول بها القائلون ، فإن الآية دالة على نفيها . فإن الرؤية لو ثبتت لجلال الله عز وجل لكان خارقاً ذلك عموم هذه الآية الزاهرة والحكمة الباهرة ، فإن المرئي لا بد وأن يكون كشيء من الأشياء التي نفاها الله تعالى عنه فهو يقول : (ليس كمثله شيء ) والمرئي لا بد له أن يكون مثل شيء قطعاً وفي شيء كذلك ومع شيء أيضاً . وكذلك الشفاعة لأهل المعاصي لا تصح بعدما صاروا أعداء لله فلا يكون فيهم مرضى ، فلأن الآخرة دار جزاء ولا دار عمل ، وقد ثبت عقلا أن الشفاعة للعاصي رضاء بعصيانه وإغضاءً عن بطلان وقبول لعدوانه .
وكذلك القول بخروج العصاة من النار بعد ما صاروا أعداء الله عز وجل فأوجب لهم النار وأدخلهم فيها ، وقد حكم بين العباد وقرر من أول الأمر أن عاصيه يصير إلى النار رغم أنفه بعد ما هدم حمى الله تعالى وعاث فساداً في أرضه . فلو أخرجه من النار كما يقولون مجازياً على قدر عصيانه كما يزعمون قياساً منهم للغائب بالشاهد ، لكان هذا خارقاً لقاعدة تلك الآية الكريمة ، والدرة اليتيمة المعبرة بمنطوقها ومفهومها على رد ذلك كله من أن النصوص النقلية مصرحة بعدم الخروج من النار . وكذلك السمع والبصر واليد والساق والجنب والحفظ وما أشبهها من الدفاع عن المؤمنين والمناصرة لهم وموالاتهم ومعاداة الكافرين ومباينتهم . ورفع الأعمال إليه وصعود الطيب إلى حضرته العليا ، والقرب والدنو منه ، والأخذ بحبله ، وما دل على اليمين ، وكلتا يديه بيمين ونحو ذلك من غيرته على أوليائه وحبه لأصفيائه وبغضه لأعدائه إلى غير ذلك من سائر الأحوال والاعتبارات ، فكل ما أوهم التشبيه فمردود إلى المحكم بنص الكتاب .
---
ما هي أعمالهم في الأمور العملية ؟
(1/10)
أعمال الإباضية في الأمور العملية أعمال الرسول عليه الصلاة والسلام لم يفارقوها قيد شعرة . وأعمال الإمامين الراشدين بعده أبي بكر وعمر ، فما كان لهما فتراه للإباضية ، وما مشيا عليه مشى عليه الإباضية أيضاً في كل لحظة وهكذا . ولا يرون القرشية في الإمامة شرطاً لأن ذلك يخالف المعقول . ولم يجعل الله النبوة في قوم خاصين فكيف يجعل الإمامة كذلك مع أن القرآن لا يدل على ذلك بل يدل على ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم )( الحجرات:13) ، وأن لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى وإن كان عبداً مجدع الأطراف . ولا ينال عهد الله الظالمين في أمثالهم . ولم يثبت الأنصار القرشية في الإمامة وهم من أعلم علماء الصحابة ، ولو أثبتوها لما طالبوا في الإمامة ولرد عليهم المهاجرون بها ، وإنما رغبة الإباضية العدل في الأمة وإقامة شعائر الله عز وجل على السنن الأولى . فلهذا تعاديهم الدنيا بأسرها على ذلك لأن أنصار الباطل غالب الأمم وأتباع الحق هم الأقلون في كل وقت حتى في زمن النبيين عليهم الصلاة والسلام .
ومن الجرائم التي يعدها الإباضية على مخالفيهم تسميتهم إياهم خوارج غمزاً لهم وطعناً في الدين . وحسبك على نزاهتهم دليل حبهم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وكف ألسنتهم عن عثمان وعلي لما ألما به من الفتن وتقلب الأحوال ، وقبولهم لعمر بن عبد العزيز الأموي وتركهم ما سواه من بني أمية ، وإعراضهم عن بني العباس معاً . فلولا نزاهة الإباضية لجروا مع هؤلاء كما جرى معهم غيرهم من الناس ونادوهم بأمير المؤمنين بدلاً من ندائهم بأمير الفاسقين .
(1/11)
ومن نزاهة الإباضية نقاشهم لعمر بن عبد العزيز المذكور في إبطال أعمال بني أمية ، وتشددهم عليه ، وكان ولده معهم ، ولما مات تولوا جهازه ودفنه والصلاة عليه إذ كان معهم وعلى طريقتهم ، وهو الذي يقول لأبيه المذكور حين اقترح عليه الوفد قيام الواجب على رد بدع بني أمية واحداثهم قال : علي أن أحي كل يوم سنة ، وأميت كل يوم بدعة . فقال له الوفد : الإمام العدل لا تسعه التقية ، ففارقوه ثم وعدهم أن ينادي في الناس غداً عند اجتماعهم للصلاة ، فقال له ابنه عبد الملك المذكور : ومن لك أن تعيش إلى الغد ....إلخ ؟!
وأكبر دليل على نزاهة الإباضية معاملتهم لأعدائهم في الحرب حين تكون لهم السلطة فلا تراهم ينأون عن أوامر الكتاب والسنة قيد شعرة . حتى في مثل تلك الأزمات فلا يغنمون أموال أهل القبلة ، ولا يجهزون على جريح ، ولا يتبعون مدبراً ،ولا يمثلون بقتيل مهما كان .
واقرأ التاريخ عنهم سواء كان عنهم أو عن غيرهم . أنظر في تاريخ المغرب وحروبه ، وفي تاريخ عمان وحضرموت واليمن ترى الحق ناصعاً والحمد لله .
وكما أن الإباضية يجيزون مناكحة مخالفينا من بقية مذاهب الإسلام وتجيز موارثتهم ، خلافاً للخوارج فإنهم لا يجيزون شيئاً من ذلك لأن مخالفيهم عندهم مشركون كسائر اليهود والنصارى .
فانظر الحقائق بعين العقل تدرك الفارق بين الحق والباطل وتعلم نهج الإباضية من بين سائر الأمم .
ولقد أساء مخالفونا معاملتنا ، والحال أنا نحسن معاملتهم كل الإحسان ولقد حاولوا إلصاق الاتهامات السيئة بالإباضية من كل ناحية غير مراقبين أوامر الله عز وجل في كتابه . فكم من أية تمنع مثل هذه الأحوال إجمالاً وتفصيلً !! وكم من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام من ذلك زواجر ونصائح ومواعظ !! ولكن القول كما قيل : لمن تقرأ زبورك يا داود ؟
(1/12)
ونحن حين نكتب مثل هذا أو نقول في المحاضرات غير مهتمين ولا مكترثين من مخالفينا ، ولكن المسلم يعوا إلى الله ، وإلى كتابه ، وإلى رسوله ، وإلى أصحابه ، وإلى أتباع الحق والنصح ، واجب مفروض لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم آسفين على هذه الأحوال تصدر في غير مصدرها .
---
هل للإباضية في خدمة الإسلام العامة نصيب ؟
نعم للإباضية في خدمة الإسلام العامة النصيب الأوفر ، والحظ الأكبر ولهم السبق فيه . فلهم في الوجه العلمية الرعيل الأول لإمامهم جابر بن زيد الأزدي العماني ، الذي قل أن يخلو منه ديوان من دواوين الفقه إلا واسمه جمال ذلك الديوان .
ولقد علم أن أول من دون علم الحديث هذا الإمام العلامة المجيد . ذكر ديوانه العظيم بسبق مطاق ، ثم مشى تلاميذه من بعده على نهجه كالربيع ين حبيب صاحب المسند ، وأبي عبيدة مسلم ، وضمام بن السائب ، وغيرهم من حملة العلم إلى بلاد الإسلام .
ومؤلفات الإباضية في القديم لا مثيل لها ، ولقد خدم الإباضية الإسلام من جميع نواحيه باليد واللسان والسنان . وحسب المطلع على التاريخ العام في الإسلام ، فمتى جاءنا الشافعي فقال : أنا هلموا !! ومتى ظهر مالك بن أنس ونادى بأنه إمام دار الهجرة !! وإمامها رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ومتى استجيب لأحمد بن حنبل وقد أضاء أفق الإسلام بنور الحق قبله !! وأين أبو حنيفة أيام كبكبة العلم في الصدر الأول ؟!
كما أن الإباضية رفعوا أعلام الإسلام في الآفاق شرقاً وغرباً . كذلك أقاموا دولاً ومعاهد عدل بأئمة فضلاء وملوك نبلاء يعرفهم التاريخ في أعظم بلاد الإسلام .
---
هل كتم مخالفو الإباضية شيئاً من مآثر الإباضية ؟
لا ريب أن مخالفي الإباضية استحكم في قلوبهم داء كتمان فضائل الإباضية .
(1/13)
فكتموا كل شيء من فضائل الإباضية فإذا ذكروا مشاهير الإسلام وأفاضله وجاء الذكر على من له علاقة بالإباضية ذكروه بما لم يذكروا به علماء اليهود والنصارى ، وإذا لم يكن بد من الذكر خلطوا بين الإباضية والخوارج ، ومزجوا الحق بالباطل ، وزيفوا الصحيح ، وجلبوا إلى الإباضية كل سيئ ، وأقل شيء ينسبون الإباضية إليه بأنهم غلاة مارقون والله على لسان كل قائل . والله عز وجل يقول : (( واعتصموا بحبل الله جميعاً .... ))الآية .
وهل في رجال الحق كأبي بلال المرداس بن حدير ، وطالب الحق عبد الله بن يحيى الكندي في اليمن ، وعبد الله بن إباض التميمي الكريم الذي توفي إلى رحمة الله تعالى في أواخر أيام عبد الملك بن مروان .
---
الحكم في الخوارج في نظر الإباضية
اعلم أن الخوارج في حكم الإباضية مشركون . ذلك أن الذنب معهم قسمان صغير وكبير : فالصغير معفو باجتناب الكبير ، والكبير أيضاً قسمان : كبائر شرك ، وكبائر نفاق . فكبائر الشرك هي كل ما أخل بالاعتقاد كاستحلال ما حرم الله أو العكس ، أو إنكار ما علم من الدين بالضرورة ، أو إنكار حكم من أحكام الله عز وجل كإنكار الرجم وقد ثبت بإجماع الأمة في أمثالها . وكبائر النفاق وهي كبائر الكفر بنعم الله عز وجل وهي عديدة .
وأهل الحديث يطلقون عليها كفراً دون كفر ولا يعرف معنى ذلك إلا بتكلف التأويل ن وتارة يقولون : كفر لا تراد حقيقته .
ويقول آخرون إنه ورد للزجر والمبالغة والتنفير منه ، وهكذا لأنهم لم يقدروا على رد الأحاديث الصحيحة الصريحة الثابتة بالإجماع ، ولم يفهموا من الكفر إلا الشرك .
(1/14)
وعليه فالخوارج معروفون بهذا المذهب مشركون وشركهم ظاهر مما تراه أيها المسلم . وقد تأول الخوارج قوله تعالى : (( وإن أطعتموهم إنكم لمشركون )) أي إن أطعتموهم في أكل الميتة هكذا تأولوا الآية وهو تأويل فاسد الاعتبار ، ظاهر الفساد ، لا غيم على فساده ن وبه ضلوا . وكان الصحيح معنى الآية إن أطعتموهم في استحلال الميتة ، وهذا شرك قطعاً .
---
ما هو الإيمان عند الإباضية ؟
الإيمان عند الإباضية قول وعمل واعتقاد . بالقول تعصم الدماء والأموال . وبالعمل يصح الإيمان العملي ز وبالاعتقاد يتحقق الإيمان الصادق وهو الذي يقول فيه الإباضية بأنه يزيد ولا ينقص بل إذا انهدم بعضه إنهدم كله للأدلة الصحيحة الصريحة التي لا يرتاب فيها أحد . أما الإيمان العملي هو الذي يزيد وينقص كما معلوم . فالإباضية موافقون على زيادته ونقصانه ، وقول لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر عروة الإيمان ، وابتناء الإسلام على قواعده الخمس صحيح عند الإباضية .
والولاية والبراءة بالمعنى المعروف لم يثبتا إلا عند الإباضية وهما محور الإيمان وبهما تقوم دعائمه . واعتقاد تصديق النبيين والمرسلين عند الإباضية فيما بقي وما نسخ . وثبوت الحشر والنشر والجزاء على ذلك صحيح أيضاً لا مرية فيه وليس لأحد أن يقول فيه برأيه ، والإيمان بالله وبأعماله وأوامره وصفاته كذلك . زمن أخل بشيء من صفات الله عز وجل الواجبة له ، والجائزة عليه ، والمستحيلة في حقه ، هالك لا ينفعه علمه مهما كان . وحديث من قال ك لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق – على فرض صحته – وإن زنى وإن سرق ثم تاب ، فالزنى والسرقة لا يمنعان من دخول الجنة للتائب ، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وهو الصحيح على الأصول الصحيحة ، وكذلك عند من يقول معناه .
(1/15)
وإن زنى وإن سرق قبل الإسلام أو قبل البلوغ وتوجه التكليف ، فإن فضل الله على عبده المسلم عظيم . وعبر عن الزنى و السرقة ، لكون هذين الحالين عظيمين في الإسلام . فالأول قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه أرض غيره ) . ومفهومه من فعل ذلك سلب الإيمان بالله واليوم الآخر ، وهو عظيم . وفي السرقة هتك حرمة المسلم ، وهضم النفوس ونهب الأموال ، وبث الروعة في القلوب وكل ذلك عظيم . فالأمران يقضيان على الحال والمال ولا ثالث لهما .
والإيمان في قلوب أهله أثبت من الجبال الرواسي على قرارها . ( فلا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) إلخ . أي لا يبقى إيمان مع الزنى ، فإنه إذا أقدم على الزنى خلع رقبة الإيمان من عنقه فيزني وهو خارج حيطة الإيمان الصحيح ، إذ صار منتهكاً لحُرم الله عز وجل ، مرتكباً للخلاف مع ربه الذي يقول له لا تفعل . فهو لا يقف على حدود طاعة الله تعالى ، ومن كان كذلك فلا فرق بينه وبين الحيوان ، كما لا فرق بينه وبين الكفار ، الذين لا يعرفون حق الإله القادر القهار كما صح في الحديث السابق قوله عليه الصلاة والسلام : ( ما من مفتاح إلا وله أسنان ) فغن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك ، وأسنان المفتاح واجباته تعالى العلمية من نحو الصلاة والزكاة والصوم والحج وساير خصال الإسلام المتعلقة بفحوى لا إله إلا الله . فإن الله أوجب خصلا عديدة في الإسلام لا تغني عنها لا إله إلا الله وحدها ، ولولا ذلك لانهدت دعائم الإسلام من أساسها وانتقض بناؤه المكين من أصله .
(1/16)
وأما قوله عليه الصلاة والسلام : ( يخرج من النار من كان في قله مثقال ذرة من إيمان ) . فمعناه واضح عند من يفهم عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم . فإن الإيمان لا يوزن بالمثاقيل ولا غيرها لأن الإيمان عرض لا يتصور وزنه خصوصاً الإيمان الإعتقادي ، فإنه معان تقع في القلب . ومعنى يخرج من النار ، أي لا يدخلها أبداً ، والمعنى يخرج من حكم دخولها ، لا أنه يدخلها ثم يخرج منها كما هو المتبادر فمن شك فليقرأ قوله عز وجل : (( إن الله لا يظلم مثقال ذرة )) وقوله : (( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره . ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره )) .
فالمراد بذلك عن أحقر الأشياء في الاعتبار ، لأنه ليس للذرة مثقال ، فافهم!
قوله عليه الصلاة والسلام : ( من مات من أمتك لا يشرك بالله ....) الحديث . وقوله عليه الصلاة والسلام : ( ثنتان موجبتان : من مات يشرك بالله دخل النار ، ومن مات لا يشرك دخل الجنة ) غير بعيد المعنى فإن الشرك بالله لا ينفع معه عمل ما ، وإن من خلى منه فقد خلى من أعظم الذنوب كلها . فإذا مات غير مقترف لإثم دخل الجنة ، لا لأنه يعني أنه من مات لا يشرك بالله فقط مع باقي المعاصي ، فإن المعاصي تدخل أهلها النار إذا لم يتوبوا منها قطعاً .
وداخل النار لا ينفعه الإيمان القولي مع رفضه لخصال الإيمان ، وهي الأعمال كما في حديث ( الإيمان سبعون شعبة ..) الحديث . وحديث : ( أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ) معناه واضح هو أن من قال : لا إله إلا الله خالصاً من قلبه معناه : إذا كان ذلك القول عن إخلاص فلا يقترف معه مأثماً بأن يوفق للعمل الصالح ، أو أنه قال ذلك فهلك قبل توجه الأعمال إليه ثم مات ، أو أنه قال ذلك مخلصاً فإذا أذنب من حيث لا يدري ثم بان له تداركه بالتنصل والتباعد عنه .
(1/17)
وحديث الصراط المستقيم . قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( تركنا محمد في أدناه وطرفه في الجنة وعن يمينه جواد وعن يساره جواد ، وثم رجال يدعون من مر بهم ، فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار . ومن أخذ على الصراط المستقيم انتهى به إلى الجنة . ثم قرأ ابن مسعود : (( وان هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) الآية . والمعنى واضح لمن له عقل ، أو ألقى السمع وهو شهيد .
والمراد بالجواد الطرق المتعددة المتشعبة بأهلها إلى مختلف المقاصد فمن أخذ في تلك الطرق ذهبت به إلى النواحي النائية عن الحق ، والصراط المستقيم بين واضح يسلكه من وفقه إلى الخير فلا يضل عنه قيد شعرة .
وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرجال الذين يدعون إلى تلك الجواد من أطاعهم ليضلوهم بها سلوكهم ، فمن أطاعهم تاه في فيافي تلك الجواد الموحشة النائية : جواد اليهود والنصارى وأتباعهم ، جواد أهل المعاصي من مطلق الأمم على اختلاف أحوالهم ، جواد أهل المذاهب المتعددة ، جواد الضلال من القدرية والمرجئة ونحوهم ، جواد الظلمة والفساق من هذه الأمة ومن سائر الأمم .
(1/18)
والإيمان هو عزيمة القلب بوجود الله عز وعلا وجوداً لم يسبق بشيء ، وببقائه إلى غير غاية ، وبإيجاده الأشياء لا لحاجة إليها ، ولا علة ولا معول ، وبأنه المعبود بحق دون ما سواه ، وبأنه المستحق للعبادة دون غيره ، وأنه غير محتاج إليها ولا لشيء من مخلوقاته ، وأنه مجاز كل أحد بعمله ، وأن أعماله لا عيب فيها ولا نقد ولا نظر ، ,انه لا يسأل عما يعمل ، وأن الخلق هم المسؤولون من قبله لكونه الآمر الحقيقي والناهي عما يشاء ، وأن إرادته ومشيئته ليستا كإرادة غيره ومشيئته . وأنه أوجد عالم الحياة وسيفنيه ويوجد عالماً آخر يبقيه ، ولا غرض له في ذلك مهما كان ، ولا عبث في إيجاد ما أوجد ، أو إفناء ما أفنى ، بل يجب إعتقاد أن ذلك كله لحكمة منه تعالى علمها من علمها وجهلها من جهلها من عباده . وأنه الفعال لما يريد ن وأن لا قبح في مصنوعاته ، ولا شين في مخلوقاته ، ولا فساد في أعماله . غير مستعين بخلقه ولا محتاج إليهم في شيء ما من مخترعاته . قوي أمد من خلقه بما شاء من قوته ، فالقوى كلها منه وكلها إليه ترجع راغمة . وهو الباسط لما شاء من سعة لأي جنس من خلقه ، وهو القابض لها رغم أنفها ، وهو العالم بكل شيء علماً أزلياً باقياً أبدياً لا يتطرق عليه جهل ، ولا يلم به خلل ما ، وخلاصة القول أن ذاته العلية كافية لانكشاف المعلومات لها ، والمبصرات ونحوها وكافية لرجوع الكائنات كلها إليها رجوعا ًصحيحاً رغم الإرادات المنافية . فالذات العلية هي قطب دائرة الكون بأسره ، منها يتبلج وعنها ينفرج وإليها .... ، وبها تعزز ، فلا شيء من هذا الكون إلا ما قضى وقدر ، ولا يمكن إلا ذلك ، وليس للطبيعة من هي وأين يقع زمن أي شيء كانت ، والطوارئ تتلاعب بها .
(1/19)
وكيف يكون سلطان يوجد ويعدم ن ويفعل ويمنع ؟ لهذا فإن الشرك أخفى من دبيب النمل على الصخر الصم في الليل المظلم . نعوذ بالله من الوقوع في شباكه ونسأله تعالى الهداية لبلاياه وآفاته . فإن من حاد عما دررنا ضل في دينه وهلك بضلاله رغم أنفه .
وعنه صلى الله عليه وسلم : ( قل آمنت بالله ثم استقم ) فتراه اشترط مع الإيمان القولي الإستقامة وهي اسم جامع عظيم أمور الدين وأعظمها . ولا ريب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم بإجماع الأمة ، وهذا الحديث هو معنى قوله عز وحل : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا .... ) أي نطقوا بذلك ، ثم استقاموا في أمور الدين التي نثرها لهم رسول صلى الله عليه وسلم نثار الجوهرة ، وعرفهم إياها إجمالاً وتفصيلاً ، وأمرهم بها ، وأيدهم على الإستقامة ن ووعدهم عليها بالخير العميم الذي تسعد به عاقتهم ، وتنصلح به آخرتهم .
وقال عليه الصلاة والسلام : ( الإيمان بضع وسبعون شعبة ) الحديث . وفي آخره ( الحياة شعبة من شعب الإيمان ) وفي الحديث ( .... فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ) .
فالحديث جامع للإيمان الإعتقادي والإيمان العملي ، وبيان أعلاه وأدناه . ومن أعلن الإيمان وتظاهر بأعماله حرم ماله ودمه ، ومُنح أحكام الإسلام في الظاهر ، ولو أضمر النفاق فلنا ما ظهر ولله ما ظهر وما بطن .
---
ما شأن مذهب الإباضية بين المذاهب الأخرى ؟
مذهب الإباضية بالنسبة إلى المذاهب الإسلامية الأخرى خيرها . أقول هذا فيه وما سوف أقول فوق ما قلت – لا لأنه مذهبي فأتعصب له تعصباً مذهبياً كما يقولون – ولكن أقول ذلك للحق ، والحق يقال . ولذلك أدلة ، من ذلك نزاهته عن كل ما يخل بالاعتقاد ، أو ينقص من الأعمال ، أو يتساهل في الأقوال ، كما أنه لا يوافق أهوية الضلال .
(1/20)
من نزاهته في الصفات تأويله الألفاظ التي تدل بظاهرها على المعاني المخلوقية كالعلم والقدرة والسمع والبصر والعين والحفظ والوجه واليد ونحوها ، فلا يقبل الإباضية معاني هذه العبارات بحسب ظاهرها ، بل يؤولونها بمعان تليق بالكمال الأعلى جل وعز . ومن ذلك أقوالهم في التوحيد الإلهي الذي عرفه الصحابة رضوان الله عليهم . فكل ما أخل بشيء من ذلك لم تره في مذهب الإباضية حتى بألفاظ السؤال عن المعاني الوضعية . ترى الإباضية يمنعون عن السؤال بها عن الله وعن صفاته . فلا يسأل عنه معهم بكيف هو ؟ لأن هذا السؤال دال بأصل وضعه على نقض ،إذ الكيفية في حق الله عز وجل مستحيلة فلا يقال كيف هو ؟ إذ لا كيفية له عز وعلا ، لا يسأل عنه ، أو عن شيء من أفعاله بلِم ؟ ( بكسر اللام ) لأنه سؤال عن علة ، ولا علة له تعالى . ولا بمن أين ؟ ( بكسر الميم ) ، ولا بهل ؟ ( بفتح الهاء ) ولا بمن ؟ ( بفتح الميم ) ، ولا بأي ؟ ( وحدها ) ولا بمَتَى ؟ ( بفتح الميم والتاء ) ، وأمثالها .
فإذا كان السؤال عن الله عز وعلا بهذه الألفاظ ممتنعاً في اعتبار الإباضية ، فما ظنك بألفاظ ظاهرها دال على التجسيم والتحديد والنقص . ولذلك قالوا أيضاً بعدم الرؤية وعدم جوازها لأنها دالة على نقص في الذات العلية ، وقادحة في الكمال الرباني العظيم .
(1/21)
وقد قام المذهب الإباضية على أعمدة الحق ودعائم الاصطفاء المحض ، ولم يرض ما رضي به غيره من المذاهب التي تقول للسفاح أمير المؤمنين ، وعبد الملك بن مروان ، وهارون الرشيد ، وأضرابهم . فيقولون رضي الله عنهم ، وعن معاوية ، وعمرو بن العاص ، ومن هو مثلهم ، إذ تلاعبوا بأوامر ربهم ، وهجموا على قواعد الإسلام بمعول البغي والهوى ، وركبوا متون الشهوات السيئة ، وقاتلوا بعضهم بعضا على الدنيا ، ولم يراعوا حق الله فيما يأتون ويذرون ، بل يراعون مقاماتهم وحظوظهم العاجلة ورئاستهم في الدنيا . وقد سجل التاريخ عنهم من الخلاعات والمجون ما لا يرضى به أوغاد الناس وغوغاؤهم ، ومن ارتكاب الكبائر أنواعاً من سفك دم بباطل ونحوه .
---
هل يجيز الإباضية الصلاة خلف أئمة غيرهم من المذاهب ؟
أما بالنظر إلى المعتقدات الفاسدة التي يعتقدها بعض أهل المذاهب في الدين ، فلا لأن من فسد أصله لا يصح فرعه ، وأما بالنظر إلى قوله عليه الصلاة والسلام : ( صلوا خلف كل بار وفاجر وصلوا على كل بار وفاجر ) ز فلا مانع من الصلاة خل من لا يفعل ما يفسدها . وان كانت تشير إلى ما يفعله قومنا في الصلاة من نحو التأمين بعد قراءة الفاتحة ، ونحو رفع الأيدي عند التكبير ، ووضع إحداهما على الأخرى في حال القيام في الصلاة ونحو ذلك فهذا من المختلف فيه عند أهل المذهب الحق . منهم من يراه مفسداً للصلاة لأنه زيادة عمل فيها لم يكن منها ولم يفعل لصلاحها ، وعليه لا صلاة لفاعل ذلك .
(1/22)
ومنهم من يراه ناقض لها ، لأنه ورد عن الشارع عليه الصلاة والسلام ، وعليه فلا بأس بالصلاة خلف من يفعل ذلك لا سيما أن الخلاف بين أهل العلم ثابت في هل صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام أم لا ، نظراً لقوله عليه الصلاة والسلام : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) الحديث . ونرى الصلاة خلف أئمة قومنا أولى من فعلها فرادى . والمسلم أخو المسلم ، ومن ضل بالتأويل هو في نفسه مجتهد وإن كان ليس كل مجتهد مصيباً بل غالب أحوال الاجتهاد على هذا . وإن كان لا اجتهاد في الأمور الدينية ، لكن الخطأ ينشأ من المفهوم فيتعلق به الناظر فيه يثبت في نفسه ما ينافيه غيره ، وهذا في كل المجمل سواء كان قرآناً أو سنة أو نحو ذلك .
---
هل هناك فرق بين الإباضية وغيرهم في المواريث ونحوها ؟
لا فرق بين الإباضية وغيرهم في المواريث المنصوص عليها في الكتاب العزيز والسنة الغراء فيما نعلمه إلا ما قيل فيه مما لم يبلغ حد الشهرة كخلافهم في الجد مع الأخوة ، وكخلافهم في ميراث ذوي الأرحام ، وميراث المولى للمعتق ( بفتح التاء المثناة من فوق ) أما ما عدا ذلك فالمسلمون فيه سواء(1) ز وخلاف الشيعة لا يعتد به إذ لم يوافقهم عليه أحد من أهل مذاهب الإسلام .
وكذلك لا فرق أيضاً في الزكاة إلا فروقاً لا تقدح في الدين . إذ منشأها اختلاف في المفهوم لا غيرها .
وكذلك أعمال الحج إلا ما كان من بعض الناس الذين لا يثبتون الزيارة أصلاً ، وليست قادحة في الدين لأنها سنة عند المسلمين ثبتت بالدليل الصحيح لمن أنكرها .
وكذلك الشفاعة بالمخلوق الذي له عند الله مقام لا مانع منها ن وهل محمد عليه الصلاة والسلام إلا مخلوق كانت له عند الله منزلة دل عليها :
( فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول ) الآية ، ( يا أبانا استغفر لنا ) استغفر لهم ، فالغافر الحقيقي هو الله عز وجل وعلا ، والمالك للأمر وحده لا شريك له .
(1/23)
وكذلك زيارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سنة ثبتت كما قلنا ، وهي ليست خصوصية له عليه الصلاة والسلام لا على الوجوب . وكذلك زيارة غيرهم من إخوانهم المؤمنين من كانوا وأين كانوا .
_____________________________
(1) يشير الأستاذ أبو زهرة العالم المصري السني إلى أن القوانين المصرية اقتبست في المواريث بعض آراء الإباضية فيقول : " وقد اقتبست القوانين المصرية في المواريث بعض آرائهم ، وذلك في الميراث بولاء العتاقة ، فإن القانون المصري أخره عن كل الورثة حتى عن الرد على أحد الزوجين ، مع أن المذاهب الأربعة كلها تجعله عق العصبة النسبية ، ويسبق الرد على أصحاب الفروض الأقارب . انظر : محمد أجمد أبو زهرة / المذاهب الإسلامية ص 127 .
---
هل الجهاد عند الإباضية وغيرهم على حد سواء ؟
أما الجهاد لأهل الشرك فلا خلاف فيه بين ملل الإسلام لأن الناس إما مسلم وإما كافر لا ثالث لهما . وإن كان الكفر في نفسه فيه بين بالملل الإسلامية ما فيه . فإن الحق لا مرية فيه أن الإباضية يجيزون الخروج على أئمة الجور وقتال الفساق كما شرع الله ذلك .
وأما غيرهم من الفرق الإسلامية فلا يرون ذلك لأن من قال : لا إله إلا الله دخل الجنة ( وإن وإن ) .
(1/24)
فلا ريب أن أهل الجنة لا يجوز قتلهم ولا قتالهم لأن المسلم أخو المسلم لا يخذله ( ولا ولا ولا ) . وسباب المسلم فسوق وقتاله كفر ، وبهذا انتهت القضية معهم ، وتبعثر أساس الدين وانتقض بناؤه وانهدت أركانه . فإن الفاسق مسلم ، والباغي كذلك ، والسارق ، والزاني ، وشارب الخمر ، كلهم من أهل الإسلام ز وقد شرع الله فيهم وفي أمثالهم أحكاماً لا تزال قائمة العين باقية الأثر ، تتلى في كتاب الله عز وجل ، وما زال المسلمون عاملين بها في من بعد أو قرب . والله لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عن الزهراء البتول وصانها ، ولا زال قتا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

تواصل معنا

أكثر من 600,000+ يتابعون موقعنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي إنظم إلينا الآن

عن الموقع

author مكتبة أهل الحق والإستقامة <<   مكتبة أهل الحق والإستقامة..موقع يهتم بنشر الكتب القيمة في مختلف الجوانب (فقه..عقيدة..تاريخ...الخ) عند المذهب الإباضية من نتاج فكري.

أعرف أكثر ←

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *