الكتاب: أحكام صلاة المرأة لـ؟
[ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع]
أحكام صلاة المرأة
مقدمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبالعمل بطاعته تطيب الحياة وتنزل البركات، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وخاتم النبيين، وأفضل خلق الله أجمعين صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه مما لا ريب فيه، ولا يخفى على كل ذي لب وبصيرة ما للفقه من مكانة ومنزلة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى، وأهمية للإنسان المسلم؛ ذلك لأنَّ بالفقه يعرف المسلم أمور معاشه وحياته، ومعاده وآخرته، ويستطيع أن يعبد ربه على بصيرة من أمره، وإنَّ من أهم العبادات التي افترضها الله على عباده، وأولاها الإسلام أهمية كبيرة الصلاة، والتي جعلها من أوتي جوامع الكلم الحد الفاصل بين الكفر والإسلام، والنفاق والإيمان، ومع أن المرأة تتفق في الكثير من أمور صلاتها مع الرجل إلاّ أنَّ هناك أحكاماً تختلف فيها المرأة عن الرجل تحتاج إلى جمع ودراسة في مؤلف منفرد، لذا كان البحث في هذا الموضوع أمراً مهماً في حياة الإنسان عامة والمرأة خاصة، فخدمة للعلم وتيسيراً على النساء، رأيت بحث هذا الموضوع.
مبررات اختيار الموضوع:
(1/1)
أحكام صلاة المرأة موضوع مهم وهو جدير بالبحث والدراسة؛ وذلك لحاجة المجتمع إليه، وبخاصةً النساء؛ حيث إننا لا نجد مؤلفاً منفرداً يختص بأحكام المرأة في الصلاة، وإنما نجد مسائل متفرقة في بطون الكتب، مبعثرة هنا وهناك فضلاً عن أن هناك مسائل مهمة ودقيقة لم يشر إليها الفقهاء تحتاج لدراسة وتقصٍّ ومن ضمن المبررات أيضاُ لبحث هذا الموضوع وقوع بعض النساء في أخطاء فادحة في أمور الصلاة؛ والسبب عدم وجود المرجع الذي يتحدث عن أحكام صلاتهن، مما يجعلهن عرضةً للوقوع في الأخطاء والإشكاليات، ومما يزيد الأمر حرقة أننا نرى كثيراً من النساء يجهلن حتى أحكام الطهارات من غسل الجنابة والحيض والنفاس إلى أحكام الاستحاضة والوضوء ونواقضه، فترى البعض منهن تؤدي الصلاة وهي لا تتقن أحكام الوضوء أو كيفية الطهارة مما يؤدي إلى بطلان صلاتها من حيث لا تشعر. كل هذه الأسباب وغيرها كثيرة جعلتني أتطرق لبحث هذا الموضوع؛ وذلك لإبراز وإظهار هذه المسائل المتفرقة في بطون كتب الفقهاء مقرونة بالأدلة، وإظهارها في قالب قشيب واضح، يسهل للنساء الرجوع إليها لمعرفة أحكام صلاتهن، عند الحاجة لذلك.
مصادر الدراسة:
لم أجد ـ على حسب اطلاعي ـ من كَتَبَ عن صلاة المرأة في مؤلف خاص ومستقل يجمع ما تختص به المرأة من مسائل في أحكام الصلاة.
وأما كتب الفقه فأنها تشير إلى بعض المسائل وبشكل مختصر بعيد عن التفصيل وقد يصعب الرجوع إليها؛ بسبب تناثرها، نعم وجدت كتباً تعرضت لأحكام المرأة عموماً ومن ضمنها أحكام صلاتها، ومن هذه الكتب:
1ـ المفصل في أحكام المرأة للدكتور عبدالكريم زيدان، وقد تعرض المؤلف لذكر أحكام المرأة في كتابه ضمن حديثه عن أحكامها عموماً، ولكن يؤخذ على طرحه:
ـ ذكر المسائل بشكل عام، مع عدم تفصيل القول فيها.
ـ في بعض المسائل يذكر الأقوال بوجه عام مجردة من مصادرها.
ـ بعض المسائل لا يذكر أقوال فقهاء المذاهب فيها.
ـ عدم إبراز المذهب الإباضي.
(1/2)
2ـ كتاب أحكام النساء لعبد الرحمن بن علي بن الجوزي، وقد تعرض لذكر بعض أحكام المرأة في الصلاة، ولكن يؤخذ على طرحه:
ـ أنه يغلب عليه الاختصار في الكثير من المسائل.
ـ سرد المسائل من غير ذكر الخلاف فيها بين المذاهب، ما عدا ذكر المذهب الحنبلي فقط.
ـ هناك بعض المسائل المهمة لم يشر إليها، وهي تحتاج إلى دراسة.
ـ ليس مختصاًّ بأحكام الصلاة، وإنما يذكر العبادات الأخرى؛ مما جعله يتجاوز بعض المسائل، ويختصر البعض الآخر.
3ـ كتاب واجبات المرأة المسلمة في ضوء القرآن والسنة للشيخ خالد عبدالرحمن العك، وقد تعرض لأحكام المرأة في الصلاة، ولكن يعاب على طرحه:
ـ لم يشر في كتابه إلى أقوال المذاهب.
ـ ليس مختصاَّ بأحكام الصلاة، وإنما يذكر العبادات الأخرى.
كل هذه الكتب وغيرها كانت تشير إلى أحكام المرأة في الصلاة، ولكن كما ذكرت يؤخذ عليها العديد من المآخذ، كل ذلك جعلني أبحث في هذا الموضوع.
إشكالية الموضوع:
إن موضوع البحث يطرق عدة إشكاليات منها:
1ـ هل يجب على المرأة نقض ضفائر شعرها أثناء الغسل من الجنابة، أم لا يجب عليها ذلك؟
2ـ كيف تغتسل المرأة من الحيض والنفاس؟
3ـ هل يجب على المرأة نقض ضفائر شعرها أثناء الغسل من الحيض والنفاس أم لا يجب عليها ذلك؟
4ـ هل تغتسل المرأة من الاستحاضة أم يكفيها الوضوء؟
5ـ ما الذي يجب على المرأة ستره في الصلاة؟
6ـ هل يجب على المرأة أن تستر قدميها في الصلاة؟
7ـ ما هي صفة لباس المرأة في الصلاة؟
8ـ هل يختلف وضوء المرأة عن وضوء الرجل؟
9ـ هل تمسح المرأة على الخمار في الوضوء أم لا؟
10ـ هل تختلف نواقض وضوء المرأة عن نواقض وضوء الرجل؟
11ـ هل الريح الخارجة من فرج المرأة تنقض الوضوء؟
12ـ هل يشرع الأذان في حق المرأة؟
13ـ هل على المرأة إقامة للصلاة؟
14ـ هل يختلف توجيه المرأة في شيء عن توجيه الرجل؟
15ـ هل تركع المرأة في الصلاة كركوع الرجل أم تختلف عنه؟
(1/3)
16ـ هل سجود المرأة في الصلاة كسجود الرجل أم لها هيئة خاصة بها؟
17ـ ما صفة قعود المرأة للتحيات؟
حدود المشكلة:
سأقصر بحثي في أحكام صلاة المرأة على (هيئة المرأة في الصلاة) فقط، ولن أتطرق إلى ذكر أحكام المرأة في صلاة الجماعة، وأحكامها في الإمامة، وصلاة الجمعة والسفر، كما أنني لن أتطرق إلى ذكر أحكامها في السنن والنوافل؛ ذلك لكثرة المسائل المتشعبة في هذا الموضوع، كما أنه يحتاج إلى دراسة متأنية ودقيقة، لذا رأيت الاقتصار على هيئتها في الصلاة، على أن يأتي باحث آخر ليواصل ما وقفت عنده.
صعوبات البحث:
أهم ما واجهني من صعوبات البحث انتشار المسائل التي تتعلق بأحكام صلاة المرأة في بطون الكتب وتناثرها في جميع كتب المذاهب، فلا يوجد لها باب خاص تذكر فيه، مما اضطرني في كثير من المسائل إلى جهد مرير في البحث والتقصي حتى أجد تلك المسائل، كما أن بعض الكتب لا تذكر بعض المسائل المهمة، وإن تذكرها فباختصار شديد، ومما يزيد الأمر صعوبة أن الكثير من المراجع والمصادر لا تذكر الأدلة إطلاقاً.
كما أنني لا أنسى أهم ما واجهته من صعوبات في بداية بحثي وهو عدم اتضاح الرؤية لموضوع مادة البحث، حيث إنني أخذت في بداية الأمر بتجميع مادة البحث، وقمت بتجميع ما يخص المرأة في صلاتها، ثم تبين لي بعد ذلك أن بعض ما قمت بتجميعه غير داخل في موضوع البحث، وتأخر تحديد المشرف لفترة ليست بالقصيرة بلغت ستة أسابيع ساهمت في ازدياد الأمر صعوبة بالنسبة لي، مما أدى إلى تأخري في كتابة البحث، والحمد لله أولاً وآخراً على الإعانة.
منهجية البحث:
1ـ أعتمد في بحثي المقارنة بين المذاهب الخمسة فقط (الإباضية والحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة).
2ـ أعتمد في بحثي على المنهج الاستقرائي والمنهج التحليلي، حيث إني أذكر أقوال الفقهاء في المسألة، ثم أذكر أدلة كل فريق إن وُجدت، وأورد كذلك عليها الردود والاعتراضات إن وُجدت أيضاً.
(1/4)
3ـ أُبيِّن القول المختار في المسألة فيما يتوافق مع ميل الباحث، وذلك من خلال وضوح الأدلة، وكذلك ما عليه المذهب الإباضي في المشهور عندهم في جُلِّ المسائل.
4ـ ربما لا أجد ذكراً للمسألة إلاّ عند مذهب أو مذهبين فقط، وفي بعض المسائل أجد جميع المذاهب قد ذكرت تلك المسألة إلاّ مذهباً واحداً فقط، وفي هذه الحالة أقوم في بداية المسألة بتوضيح ذلك بذكر عبارة" سأبحث هذه المسألة عند الإباضية دون غيرهم"مثلاً، أو عبارة"سأبين هذا الخلاف عند الإباضية والمالكية والشافعية والحنابلة من غير ذكر مذهب الحنفية"، ومعنى ذلك أنني لم أجد لتلك المسألة ذكراً في المذاهب الأخرى على حسب اطلاعي.
5ـ أوضح بعض الكلمات الصعبة الواردة في البحث.
6ـ أستخدم عبارة" بدون طبعة" عند عدم وجود الطبعة في بعض الكتب وذلك في الهامش.
7ـ أقوم بترجمة لبعض الأعلام دون طبقة الصحابة.
8ـ أقوم بوضع فهارس عامة للآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والأعلام والموضوعات.
9ـ أُرتِّبُ فهارس الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والأعلام حسب ورودها في صفحات البحث.
وقد قسمت البحث إلى مقدمة وفصلين وخاتمة:
هذه المقدمة: وفيها سبب اختياري لهذا الموضوع، ومصادر الدراسة، وإشكالية الموضوع، وحدود المشكلة، وصعوبات الدراسة، ومنهجية البحث.
الفصل الأول:
تمهيد: تحديد المصطلحات (تعريفات).
المبحث الأول: تعريف الحكم والصلاة، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الحكم، وتحته فرعان:
الفرع الأول: التعريف اللغوي.
الفرع الثاني: التعريف الاصطلاحي.
المطلب الثاني: تعريف الصلاة، وتحته فرعان:
الفرع الأول: التعريف اللغوي.
الفرع الثاني: التعريف الاصطلاحي.
الفصل الثاني: الأحكام الخاصة بالمرأة في الصلاة.
المبحث الأول: الطهارة، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: في طهارة البدن، وتحته ثلاثة فروع:
الفرع الأول: الغسل من الجنابة.
الفرع الثاني: الغسل من الحيض والنفاس.
(1/5)
الفرع الثالث: الغسل من الاستحاضة.
المطلب الثاني: في اللباس وستر العورة، وتحته فرعان:
الفرع الأول: ما يجب على المرأة ستره في الصلاة.
الفرع الثاني: صفة لباس المرأة في الصلاة.
المطلب الثالث: في الوضوء.
المطلب الرابع: نواقض وضوء المرأة، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: هل تختلف عن نواقض وضوء الرجل؟
المسألة الثانية: الريح الخارجة من فرج المرأة هل تنقض الوضوء؟
المبحث الثاني: الأحكام الخاصة بالمرأة في الأذان والإقامة، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: هل يشرع في حقها الأذان؟
المطلب الثاني: هل عليها إقامة للصلاة.
المبحث الثالث: التوجيه، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: هل يختلف توجيه المرأة في شيء عن توجيه الرجل؟
المسألة الثانية: هل تقول المرأة في التوجيه حنيفاً أو حنيفة؟
المبحث الرابع: في هيئة المرأة في الصلاة، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: صفة ركوع المرأة.
المطلب الثاني: صفة سجود المرأة.
المطلب الثالث: صفة قعودها للتشهد.
الخاتمة: وفيها أهم النتائج التي توصلت إليها.
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، والحمد لله ربِّ العالمين.
الفصل الأول
تمهيد: تحديد المصطلحات (تعريفات):
المبحث الأول: تعريف الحكم والصلاة.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الحكم. وتحته فرعان:
الفرع الأول: التعريف اللغوي.
الفرع الثاني: التعريف الاصطلاحي.
المطلب الثاني: تعريف الصلاة. وتحته فرعان:
الفرع الأول: التعريف اللغوي.
الفرع الثاني: التعريف الاصطلاحي للصلاة.
الفصل الأول: تمهيد: تحديد المصطلحات (تعريفات).
المبحث الأول: تعريف الحكم والصلاة، وفيه مطلبان: ـ
المطلب الأول: تعريف الحكم.
الفرع الأول: التعريف اللغوي للحكم.
جاء في القاموس المحيط: أحْكَمَهُ: أتْقَنَه فاسْتَحْكَمَ، ومَنَعه عن الفساد، كحَكَمَه وحكْماً، وعن الأمْرِ: رَجَعَه فَحَكَمَ، ومنَعهُ مما يُريدُ، كحَكَمَه وحَكَّمَهُ (1).
(1/6)
قال صاحب لسان العرب: وأَحْكَمْتُ الشيء فاسْتَحْكَمَ: صار مُحْكَماً. واحْتَكَمَ الأمرُ واسْتَحْكَمَ: وثُقَ (2).
وقال الرازي* في كتابه مختار الصحاح: (أحكَمَهُ فاسْتَحْكَمَ) أيْ صارَ (مُحْكَماً) (3).
وجاء في المصباح المنير: وأحكمت الشيء بالألف أتقنته فاستحكم هو صار كذلك (4).
ونأخذ مما سبق:
إن أصل كلمة إحْكام مأخوذة من الإتقان والمنع، فإحكام الشيء يعني إتقانه ومنعه من الفساد.
الفرع الثاني: التعريف الاصطلاحي للحكم.
يختلف تعريف الحكم عند الفقهاء و الأصوليين؛ وذلك تبعاً لاختلافهم في الموضوع الذي يبحثه كل منهما، وسوف أذكر في هذا الفرع تعريف الحكم عند الفقهاء والأصوليين، وسأقتصر على ذكر تعريف واحد للفقهاء فقط، وبعد ذلك سأذكر تعريف الأصوليين.
__________
(1) ـ مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، القاموس المحيط، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان الطبعة الثانية، (1424هـ ـ 2003م)، ص1011.
* محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي، زين الدين: صاحب "مختار الصحاح" في اللغة، وهو من فقهاء الحنفية، أصله من الري. زار مصر والشام، من كتبه "شرح المقامات"، انظر: خير الدين الزركلي، الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت ـ لبنان، الطبعة السابعة 1986م، ج3، ص55.
(2) ـ أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، لسان العرب، دار صادر، بيروت ـ لينان، الطبعة الأولى، (2000م)، المجلد الرابع، ص187.
(3) ـ محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، مختار الصحاح، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى (1414هـ ـ 1994م)، ص142.
(4) ـ أحمد بن محمد بن علي الفيُّومي المقريّ، المصباح المنير، دار الحديث، القاهرة، (1424هـ ـ 2003م)، ص90.
الحكم في اصطلاح الفقهاء: ما ثبت بالخطاب، كالوجوب، والحرمة (1).
أما الأصوليون فالحكم عندهم له تعريفُ واحد، إلا أنه تختلف ألفاظه من تعريف لآخر:
(1/7)
جاء في كتاب طلعة الشمس: والمشهور في تعريف الحكم هو خطاب الله المتعلق بفعل المكلف بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع (2).
وعرفه بعضهم: بأنه خطاب الشرع المتعلق بفعل المكلف بالاقتضاء أو التخيير (3).
وعرفه صاحب الإبهاج في شرح المنهاج: بأنه خطاب الله القديم المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير (4).
ونأخذ من التعريفات السابقة:
أنها تعريفات مختلفة في الألفاظ والمعاني، والمختار من هذه التعريفات هو التعريف الأول وهو خطاب الله المتعلق بفعل المكلف بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، لأنه تعريف جامع مانع، وهو التعريف المشهور عند الأصوليين.
المطلب الثاني: تعريف الصلاة.
الفرع الأول: التعريف اللغوي للصلاة.
__________
(1) ـ سعدي أبو جيب، القاموس الفقهي لغةً واصطلاحاً، دار الفكر، دمشق ـ سورية، الطبعة الثانية، (1408هـ ـ 1988م)، ص96.
(2) ـ أبي محمد عبدالله بن حميد السالمي، كتاب شرح طلعة الشمس على الألفية، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، (1401هـ ـ 1981م)، ج2، ص213.
(3) ـ محمد بن عبدالله الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، دار الصفوة، الكويت، الطبعة الأولى (1413هـ ـ 1992م)، ج1، ص118.
(4) ـ علي بن عبدالكافي السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج للقاضي البيضاوي، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى (1404هـ ـ 1984م)، ج1، ص43.
جاء في المصباح المنير: والصلاة قيل أصلها في اللغة الدعاء لقوله تعال: {وصلِّ عليهم} [التوبة/103]، أي ادع لهم، وقيل الصلاة في اللغة مشتركة بين الدعاء والتعظيم والرحمة والبركة ومنه اللهم صل على آل أبي أوفى، أي بارك عليهم أو ارحمهم وعلى هذا فلا يكون قوله يصلون على النبي مشتركا بين معنيين بل مفرد في معنى واحد وهو التعظيم (1).
وجاء في كتاب لسان العرب: صلا: الصَّلاةُ: الركُّوعُ والسُّجودُ، والجمع صلوات. والصلاةُ: الدُّعاءُ والاستغفارُ (2).
(1/8)
أمَّا صاحب كتاب معجم مقاييس اللغة فيعرف الصلاة: بأنها هي الدُّعاء (3).
وفي المعجم الوسيط: (الصلاة): الدُّعاءُ. يقال: صلَّى صلاةً؛ ولا يقال: تَصْلِيَةً.
و ـ العبادةُ المخصوصة المبينة حدودُ أوقاتها في الشريعة. و ـ الرحمة (4).
ونأخذ مما سبق:
أنَّ الصلاة في اللغة أصلها مأخوذ من الدعاء، كما أنها مشتركة بين الدعاء والتعظيم والرحمة والبركة.
الفرع الثاني: التعريف الاصطلاحي للصلاة.
سوف أشرع في هذا الفرع بتعريف الصلاة في الشرع عند فقهاء المذاهب وسأقتصر على ذكر التعريف المشهور عند كل مذهب، ثم بعد ذلك سأذكر التعريف المختار مبيناً السبب في ذلك: ـ
__________
(1) ـ الفيومي، المصباح المنير، ص208.
(2) ـ ابن منظور، لسان العرب، ج8، ص275.
(3) ـ أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى، (1411هـ ـ 1991م)، المجلد الثالث، ص300، بتصرف.
(4) ـ إبراهيم مصطفى وآخرون، المعجم الوسيط، المكتبة الإسلامية، إستانبول ـ تركيا، معجم اللغة العربية، الإدارة العامة للمعجمات وإحياء التراث، بدون طبعة، ص522.
1ـ عرف الإباضية الصلاة بأنها: أقوال وأفعال، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم (1).
2ـ الصلاة عند الحنفية: الأفعال المخصوصة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم (2).
3ـ وعرفها المالكية بأنها: قربة فعلية ذات ركوع وسجود أو سجود فقط كسجود السهو وسجود التلاوة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم (3).
4ـ و عند الشافعية هي: أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم (4).
5ـ أما الحنابلة فعرفوها بأنها: (أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم) (5).
التعريف المختار: ـ
تعريف القائلين بأن الصلاة أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم؛ وذلك لأنه تعريف جامع وشامل لمفهوم الصلاة بأقوالها وأفعالها الخاصة بها. ...
الفصل الثاني
(1/9)
وفيه أربعة مباحث:
الأحكام الخاصة بالمرأة في الصلاة:
المبحث الأول: الطهارة.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في طهارة البدن (الأغسال).
المطلب الثاني: في اللباس وستر العورة.
المطلب الثالث: في الوضوء.
__________
(1) ـ محمد بن يوسف اطفيش، شرح كتاب النيل وشفاء العليل، مكتبة الإرشاد، جدة ـ المملكة العربية السعودية، الطبعة الثالثة، (1405هـ ـ 1985م)، ج3، ص5.
(2) ـ أسعد محمد سعيد الصَّاغرجي، الفقه الحنفي وأدلته، دار الكلم الطيب، دمشق ـ بيروت، الطبعة الأولى، (1420هـ ـ 2000م)، ج1، ص120.
(3) ـ السيد عثمان بن حسنين برى الجعلي، سراج السالك شرح أسهل المسالك، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، (1402هـ ـ 1982م)، ج1،ص97.
(4) ـ زين الدين بن عبد العزيز المليباري الشافعي المتوفى سنة 987هـ، فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين ومعه تقريرات الأفاضل علماء الشافعية، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى (1418هـ ـ 1998م)،ص7.
(5) ـ منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، (1402هـ ـ 1982م)، ج1، ص221.
المبحث الثاني: الأحكام الخاصة بالمرأة في الأذان والإقامة.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: هل يشرع في حقها الأذان.
المطلب الثاني: هل عليها إقامة للصلاة.
المبحث الثالث: التوجيه.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: هل يختلف توجيه المرأة في شيء عن توجيه الرجل.
المسألة الثانية: هل تقول المرأة في التوجيه حنيفاً أو حنيفة.
المبحث الرابع: هيئة المرأة في الصلاة.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: صفة ركوع المرأة.
المطلب الثاني: صفة سجود المرأة.
المطلب الثالث: صفة قعود المرأة للتشهد.
الفصل الثاني: الأحكام الخاصة بالمرأة في الصلاة.
المبحث الأول: الطهارة
المطب الأول: في طهارة البدن
الفرع الأول: الغسل من الجنابة
(1/10)
الغسل من الجنابة فرض للصلاة، والدليل على فرضه قوله تبارك وتعالى: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} (1) [سورة المائدة/6].
ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: " الغسل واجب إذا التقى الختانان " (2).
وبما أن صفة غسل المرأة من الجنابة تشابه صفة غسل الرجل فلن أتطرق في هذا الفرع إلى تفصيل ذلك، وإنما أذكر أهم مسألة تختص بها المرأة في غسلها من الجنابة وهي هل يجب على المرأة نقض ضفائر شعرها أثناء غسلها من الجنابة أم لا يجب عليها ذلك؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين: ـ
__________
(1) ـ عامر بن علي الشماخي، الإيضاح، مكتبة مسقط، مسقط- عمان، الطبعة الخامسة (1425هـ ــ 2004م)، ج1، ص165، بتصرف بسيط.
(2) ـ الشماخي، الإيضاح، ج1، ص179، والحديث رواه الربيع، كتاب الطهارة، باب في ما يكون منه غسل الجنابة، رقم (133)، و رواه البخاري، كتاب الغسل، باب: إذا التقى الختانان، رقم (291)، ورواه مسلم، كتاب الحيض، باب: نسخ ((الماء من الماء)) ووجوب الغسل بالتقاء الختانين رقم (348)، واللفظ هنا للربيع.
القول الأول: لا يجب عليها فك ضفائر شعرها، وهذا القول ذهب إليه الإباضية (1) والحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)
__________
(1) ـ أبو مسلم ناصر بن سالم بن عديم البهلاني، نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر، مكتبة مسقط، مسقط ـ عمان، الطبعة الثانية (1424هـ ـ 2004م)، ج1،ص282، أبو طاهر إسماعيل بن موسى الجيطالي، قواعد الإسلام، مكتبة الاستقامة، الطبعة الرابعة (1423هـ ـ 2003م)، ج1، ص208، أطفيش، شرح كتاب النيل، ج1، ص184.
(1/11)
(2) ـ علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، تحقيق: محمد عدنان بن ياسين درويش، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية (1419هـ ـ 1998)، ج1، ص142، أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، كتاب المبسوط، تحقيق: أبو عبدالله محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى (1421هـ ـ 2001م)، ج1، ص150، كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي ثم السكندري المعروف بابن الهمام الحنفي، شرح فتح القدير على الهداية: شرح بداية المبتدي، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، ج1، ص58.
(3) ـ مالك بن أنس الأصبحي، المدونة الكبرى، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، (1411هـ ـ 1991)، بدون طبعة، ج1، ص32، أبو عبدالله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب، كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، دار الفكر، الطبعة الثالثة، (1412هـ ـ 1992م)، ج1،ص312، شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي المصري المشهور بالقرافي، الذخيرة، تحقيق وتعليق: أبي إسحاق أحمد عبد الرحمن، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأول، (1422هـ ـ 2001م)، ج1، ص306.
(4) ـ محمد بن إدريس الشافعي، كتاب الأم، دار المعرفة، بيروت ـ لبنان، بدون طبعة، ج1، ص40، أبو زكريا محيي الدين بن شرف النووي، المجموع شرح المهذب، دار الفكر، بدون طبعة، ج2، ص167وما بعدها.
، والحنابلة (1).
الأدلة: ـ
1ـ أستدل أصحاب هذا القول بحديث أم سلمة أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إني امرأة أشُدُّ ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟ قال:"لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين" (2).
ووجه الدلالة: أنه لم يأمرها بنقض ضفائر شعرها (3).
__________
(1/12)
(1) ـ موفق الدين أبي محمد عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي، المغني، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى، (1405هـ ـ 1985م)، ج1، ص142، شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، الشرح الكبير، دار الفكر، بدون طبعة، ج1، ص106، الشريف محمد بن محمد بن أبي موسى الهاشمي، كتاب الإرشاد إلى سبيل الرشاد، تحقيق: الدكتور عبدالله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى (1419هـ ـ 1998م)، ص34.
(2) ـ موفق الدين ابن قدامة، المغني، ج1، ص143، والحديث رواه الربيع، كتاب الطهارة، باب في كيفية الغسل من الجنابة، رقم الحديث (141)، ورواه مسلم، كتاب الحيض، باب حكم ضفائر المغتسلة، رقم الحديث (330)، ورواه أبو داود، كتاب الطهارة، باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل، رقم الحديث (251)، واللفظ هنا لمسلم.
(3) ـ أبو الحسن علي بن محمد علي البسيوي، جامع أبي الحسن البسيوي، وزارة التراث القومي والثقافة ـ سلطنة عمان (1404هـ ـ 1984م)، ج2، ص44، بتصرف بسيط.
* جاء في شرح النووي لصحيح مسلم أنه عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ، انظر: النووي، صحيح مسلم بشرح النووي، مكتبة الرياض الحديثة، دار الفكر، (1401هـ ـ 1981م)، بدون طبعة، المجلد الثاني، ج4، ص12.
2ـ استدلوا بحديث عبيد بن عمير قال: بلغ عائشة أن عبدالله بن عمرو* يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن فقالت: يا عجبي لابن عمرو هذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن لقد كنت اغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات (1).
ووجه الدلالة: أن الحديث لم يتعرض لغسل الجنابة، بل للغسل، فهو مطلق يشمل كل غسل فهي أنكرت عليه كونه يأمر النساء إذا اغتسلن أنْ ينقضن رؤوسهن، لو كان هناك فرق بين غسل وغسل لبينته ـ رضي الله عنها ـ (2).
__________
(1/13)
(1) ـ شمس الدين ابن قدامة، الشرح الكبير، ج1، ص106، والحديث رواه مسلم، كتاب الحيض، باب حكم ضفائر المغتسلة، رقم الحديث (331)، ورواه ابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في غسل النساء من الجنابة، رقم الحديث (604)، ورواه البيهقي في سننه، كتاب الطهارة، باب ترك المرأة نقض قرونها إذا علمت وصول الماء إلى أصول شعرها، رقم الحديث (859).
(2) ـ أبو عمر دبيان بن محمد الدبيان، موسوعة أحكام الطهارة الحيض والنفاس رواية ودراية، مكتبة الرشد، ناشرون، الطبعة الثانية 1426هـ ـ 2005م، ج6، ص435.
** الخمط: شجر مثل السدر، انظر: ابن منظور، لسان العرب، ج5، ص159.
*** أشن: الأُشْنةُ: شيءٌ من الطيب أبيض كأنه مقشور. والأُشنانُ والإِشنان من الحمض: معروف الذي يُغْسَل به الأيدي، انظر: ابن منظور، لسان العرب، ج1، ص112.
3ـ حديث أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" إذا اغتسلت المرأة من حيضها نقضت شعرها نقضاً وغسلته بخمطي **وأشنان*** فإذا اغتسلت من الجنابة صبت على رأسها الماء وعصرت" (1).
ووجه الدلالة: أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمرها أن تصب الماء على رأسها فقط أثناء غسلها من الجنابة، ولم يأمرها بنقضه.
القول الثاني: يجب عليها فك ضفائر شعرها أثناء غسلها من الجنابة، وهو قول عند الحنفية (2)، وروي عن عبدالله بن عمرو، وهو قول النخعي* (3).
الأدلة:
1ـ استدلوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:"تحت كل شعرة جنابة ألا فبلوا الشعر، وأنقوا البشرة" (4).
__________
(1) ـ عبدالله بن حميد السالمي، شرح الجامع الصحيح مسند الإمام الربيع بن حبيب بن عمر الفراهيدي. الأزدي، مكتبة الإمام نور الدين السالمي، السيب، الحيل الجنوبية، بدون طبعة، ج1، ص263، والحديث رواه البيهقي، كتاب الطهارة، باب ترك المرأة نقض قرونها إذا علمت وصول الماء إلى أصول شعرها، رقم الحديث (368) بلفظ مخالف، والمعجم الكبير، ج1، ص260، رقم (755).
(1/14)
(2) ـ الكاساني، بدائع الصنائع، ج1، ص142.
* إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود، أبو عمران النخعي، من أهل الكوفة، من أكابر التابعين صلاحاً وصدق رواية وحفظاً للحديث. كان إماماً مجتهداً له مذهب، انظر: الزركلي، الأعلام، ج1، ص80.
(3) ـ ابن قدامة، الشرح الكبير، ج1،ص106.
(4) ـ ينظر: الكاساني، بدائع الصنائع، ج1، ص142، والحديث رواه الربيع، كتاب الطهارة، باب في كيفية الغسل من الجنابة، رقم الحديث (139)، ورواه الترمذي، كتاب الطهارة، باب ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة، رقم الحديث (106)، بلفظ قريب، ورواه أبو داود، كتاب الطهارة، باب في الغسل من الجنابة، رقم الحديث (248)، ورواه ابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب تحت كل شعرة جنابة، رقم الحديث (597).
ووجه الدلالة: هو أمره باستقصاء الغسل من بل الشعر وإنقاء البشر (1).
ورد عليه: بأن الحديث فيه عموم، وقد خصص بحديث أم سلمة، وعائشة، وأنس (2).
2ـ ولعلهم استدلوا أيضا بالمنقول عن ابن عمر، وهو الذي أنكرته عليه عائشة (3).
يرد عليه: أن ذلك يُُحمل على أن ابن عمر أراد إيجاب ذلك عليهن في شعور لا يصل إليها الماء، أو يحتمل أنه كان يأمرهن على الاستحباب والاحتياط لا للإيجاب، أو أنه لم يبلغه حديث أم سلمة، وعائشة (4).
الرأي المختار: ـ
هو قول القائلين بعدم وجوب فك ضفائر شعرها لما في ذلك من التيسير ورفع الحرج.
الفرع الثاني: الغسل من الحيض والنفاس.
يجب الغسل على المرأة من الحيض والنفاس، وهو شرط في صحة الصلاة والأصل في ذلك قوله تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} (5). [سورة البقرة/222].
ولقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لفاطمة بنت أبي حبيش:"إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي" (6).
__________
(1) ـ السالمي، شرح الجامع الصحيح، ج1، ص263، بتصرف بسيط.
(2) ـ المصدر السابق نفسه، ج1، ص263، بتصرف بسيط.
(1/15)
(3) ـ المصدر السابق نفسه، ج1، ص263، بتصرف بسيط.
(4) ـ النووي، صحيح مسلم بشرح النووي، المجلد الثاني، ج4، ص (12ـ 13)، بتصرف.
(5) ـ عبدالله بن حميد بن سلوم السالمي، معارج الآمال على مدارج الكمال بنظم مختصر الخصال وزارة التراث القومي والثقافة، 1403هـ ـ 1983م، بدون طبعة، ج3، ص13و32، بتصرف.
(6) ـ النووي، المجموع، ج2، ص147، والحديث رواه الربيع، كتاب الطلاق، باب في المستحاضة، رقم الحديث (552)، ورواه البخاري، كتاب الوضوء، باب: غسل الدم، رقم الحديث (228)، بلفظ مختلف، ورواه الترمذي، كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المستحاضة، رقم الحديث (125)، بلفظ قريب، ورواه الدارمي، كتاب الصلاة، باب في غسل المستحاضة، رقم الحديث (776)، فيه زيادة.
وتمتنع الحائض عن الصلاة، ولا يجب عليها قضاؤها (1)، وحكم النفاس في هذا كله حكم المحيض؛ لأنه في الحقيقة حيض زادت أيامه (2).
وسوف أتطرق في هذا الفرع إلى ذكر كيفية غسل المرأة من الحيض والنفاس، ثم أذكر مسألة واحدة جرى فيها الخلاف بين العلماء.
أولا: كيفية غسل المرأة من الحيض والنفاس.
كيفية الاغتسال أن تغسل يديها ثم تستنجي، ثم تنزع النجس من جسدها، ثم تمشط رأسها بالطفل والماء جميعاً حتى تنقيه، ثم تصب الماء على رأسها وسائر جسدها وتفرش ثوبها للشعر الذي يقع من رأسها ثم تجمعه، ثم تغسله، ثم ترفعه، حيث لا يراه أحد أو تدفنه، ولا بأس أن لا تفرش ثوبها للشعر إن أرادت في ماء جارٍ، وقيل لا بأس أن لم تخفه، و تؤمر بالتطيب ويستحب أن تغتسل بماء وسدر وتأخذ فرصة* ممسّكة فتتبع بها مجرى الدم و الموضع الذي يصل إليه الماء من فرجها ليقطع عنها زفورة الدم، ورائحته
فإن لم تجد مسكا* فغيره من الطيب، فإن لم تجد فالماء شافٍ كافٍ (3)
__________
(1) ـ الجيطالي، قواعد الإسلام، ج1، ص214، بتصرف.
(2) ـ السالمي، معارج الآمال، ج3، ص14.
* ـ قطنة من صوف، أو قطن أو غيره، انظر: السالمي، معارج الآمال، ج3، ص13.
(1/16)
(3) *ـ (مسكا) تجعله في قطنه وتدخلها في الفرج بعد غسلها، والمقصود من ذلك تطييب المحل ودفع الرائحة الكريهة، ينظر: محمد بن محمد الخطيب الشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، تحقيق: علي محمد معوض، وعادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى (1415هـ ـ 1994م)، ج1، ص220و221.
1ـ الشماخي، الإيضاح، ج1، ص201، الجيطالي، قواعد الإسلام، ج1، ص223، محمد بن شامس البطاشي، كتاب غاية المأمول في علم الفروع والأصول، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، (1405هـ ـ 1985م)، بدون طبعة، ج2، ص58، الشافعي، الأم، ج1، ص45، شمس الدين محمد بن أبي العباس الشهير بالشافعي الصغير، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج في الفقه على مذهب الإمام الشافعي، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأخيرة (1404هـ ـ 1984م)، ج1، ص227، النووي، روضة الطالبين وعمدة المفتيين، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة (1412هـ ـ 1991م)، ج1، ص90، موفق الدين ابن قدامة، المغني، ج1، ص144، الهاشمي، الإرشاد إلى سبيل الرشاد، ص34، شمس الدين ابن قدامه، الشرح الكبير، ج1، ص107.
**ـ أسماء بنت شَكَل، انظر: أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، بيت الأفكار الدولية، (1419هـ ـ 1998م)، الرياض، كتاب الحيض، باب: استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم، رقم الحديث (332)، ص150، وانظر: النووي، شرح صحيح مسلم، المجلد الثاني، ج4، ص16، وفيه ذكر الخطيب البغدادي وغيره من العلماء أن اسم هذه السائلة: أسماء بنت يزيد بن السكن التي كان يقال لها خطيبة النساء، بتصرف بسيط.
،
(1/17)
قالت عائشة ـ رضي الله عنهاـ: إن أسماء** سألت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن غسل المحيض قال:"تأخذ إحداكن سدرتها وماءها فتطهر فتحسن الطهور، ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها" فقالت أسماء: وكيف أتطهر بها؟ فقال:"سبحان الله تطهري بها". فقالت عائشة: كأنها تخفي ذلك، تتبعي أثر الدم (1).
أما الاغتسال من النفاس فهو كالاغتسال من الحيض لا فرق بينهما (2).
ثانياً: هل يجب على المرأة نقض ضفائر شعرها أثناء الغسل من الحيض والنفاس أم لا يجب عليها ذلك؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين: ـ
القول الأول: يجب عليها نقض ضفائر شعرها، وهذا قول الإباضية (3) والإمام أحمد*** (4).
الأدلة: ــ
__________
(1) ـ موفق الدين ابن قدامة، المغني، ج1، ص144، والحديث رواه البخاري، كتاب الحيض، باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض، رقم الحديث (314)، بلفظ مخالف، ورواه مسلم، كتاب الحيض، باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم، رقم الحديث (332)، رواه بزيادة، ورواه الدارمي، كتاب الطهارة، باب في غسل المستحاضة، رقم الحديث (775)، بلفظ مخالف.
(2) ـ السالمي، معارج الآمال، ج3، ص28.
(3) ـ أطفيش، شرح النيل، ج1، ص184و185، الجيطالي، وقواعد الإسلام، ج1، ص223، السالمي، شرح الجامع الصحيح، ج1، ص63.
***ـ أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، أبو عبدالله المروزي ثم البغدادي، خرجت به أمه من مرو وهي حامل فولدته ببغداد وبها طلب العلم، ثم طاف البلاد، انظر: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت سنة582هـ)، كتاب تهذيب التهذيب، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى (1404هـ ـ 1984م)، ج1، ص62.
(4) ـ موفق الدين ابن قدامة، المغني، ج1، ص142، شمس الدين ابن قدامة، الشرح الكبير، ج1،ص106، الهاشمي، كتاب الإرشاد، ص34.
(1/18)
1ـ حديث أنس أن رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ قال:" إذا اغتسلت المرأة من حيضها نقضت شعرها نقضاً وغسلته بخمطي وأشنان، فإذا اغتسلت من الجنابة صبت على رأسها الماء وعصرت" (1).
ووجه الدلالة: أنه ذكر في الحديث نقض شعرها إذا اغتسلت من حيضها.
2ـ ما روي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها إذ كانت حائضاً:"خذي ماءك وسدرك وامتشطي" (2).
ووجه الدلالة: أن المشط لا يكون إلا في شعر غير مضفور (3).
3ـ استدلوا بحديث عائشة المتقدم ذكره وهو أنها بلغها أن عبدالله بن عمر يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن فقالت: واعجبا لابن عمر! أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن، لقد كنت اغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات، ولكن كان يأمرني بنقض شعري في غسلي من الحيض (4)
__________
(1) ـ السالمي، شرح الجامع الصحيح، ج1، ص263، والحديث تقدم تخرجه، ص14.
(2) ـ موفق الدين ابن قدامة، المغني، ج1، ص143، والحديث رواه البخاري، كتاب الحيض، باب امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض، رقم الحديث (316)، فيه قصة، ورواه ابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب في الحائض كيف تغتسل، رقم الحديث (641)، بلفظ مخالف.
(3) ـ موفق الدين ابن قدامة، المغني، ج1، ص143.
(4) ـ السالمي، معارج الآمال، ج3، ص27، والحديث لم أجده.
(1/19)
* عبدالله بن حميد بن سلوم عبيد بن خلفان بن خميس السالمي، من بني ضبة، فهو ينتمي إلى قبيلة السوالم، وهي قبيلة لها أتباع كثيرون، وُلد سنة 1286هـ، ببلدة الحوقين، وهي من أعمال الرستاق، تلقى تعلمه في بلدة الحوقين، وقد حفظ القرآن على يد والده، وتعلم على يد الشيخ راشد بن سيف اللمكي، كما أنه تنقل إلى الشرقية فالتحق بحلق الأمير صالح بن علي الحارثي، يُعد علماً بارزاً على مستوى العالم الإسلامي في بداية القرن الرابع الهجري، كان همه الكبير قيام الدولة الإباضية، والإمامة في عمان انتقل إلى رحمة الله سنة 1332هـ، انظر: محمد صالح ناصر، سلطان بن مبارك الشيباني، معجم أعلام الإباضية من القرن الأول الهجري إلى العصر الحاضر"قسم المشرق"، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى (1427هـ ـ 2006م)، ص273،272،271.
ووجه الدلالة: أن في الحديث زيادة وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرها بنقض شعرها في غسلها من الحيض بخلاف الجنابة.
قال الإمام السالمي*: وهذا الحديث حجة لمن أمر المرأة بنقض ضفائرها في الاغتسال من الحيض دون الجنابة (1).
القول الثاني: لا يجب عليها نقض ضفائر شعرها إذا كان الماء يصل إلى أصول الشعر، وهذا قول عند الإباضية (2)، وهو قول الحنفية (3)، والمالكية (4) والشافعية (5)، وهو الصحيح عند الحنابلة (6).
الأدلة: ـ
__________
(1) ـ السالمي، معارج الآمال، ج3، ص27.
(2) ـ أبو جابر محمد بن جعفر الأزكوي، كتاب الجامع، تحقيق: عبدالمنعم عامر، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، بدون طبعة، ج1، ص437، أبو الحسن البسيوي، الجامع، ج2، ص44، خميس بن سعيد بن علي بن مسعود الشقصي الرستاقي، منهج الطالبين وبلاغ الراغبين، تحقيق: سالم بن حمد بن سليمان الحارثي، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، الطبعة الأولى (1419هـ ـ 1998م)، ج3، ص258.
(1/20)
(3) ـ الكاساني، بدائع الصنائع، ج1، ص142و143، السرخسي، المبسوط، ج1، ص150، ابن الهمام، شرح فتح القدير، ج1، ص58ـ59.
(4) ـ مالك بن أنس، المدونة الكبرى، ج1، ص32، الحطّاب، مواهب الجليل، ج1، ص312، شمس الدين الشيخ محمد عرفة الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى (1419هـ ـ 1998م)، ج1، ص216.
(5) ـ الشافعي، الأم، ج1، ص40، النووي، روضة الطالبين، ج1، ص88، أبو يحيى زكريا الأنصاري الشافعي، ت (826)، أسنى المطالب شرح روض الطالب، دار الكتاب الإسلامي ـ القاهرة، ج1، ص69.
(6) ـ موفق الدين ابن قدامة، المغني، ج1، ص143، شمس الدين ابن قدامة، الشرح الكبير، ج1،ص106.
1ـ استدلوا بحديث أم سلمة المتقدم ذكره؛ لأن في بعض ألفاظه أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للحيضة وللجنابة؟ فقال: "لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين". (1)
ووجه الدلالة: أن الزيادة في الحديث صريحة في نفي وجوب نقض الضفائر (2).
ويرد عليه: بأنَّ هذه الزيادة شاذة (3).
وقال النووي* في شرحه لمسلم: "وليس بشيء قولها في الرواية (أفأنقضه للحيضة) (4).
2ـ استدلوا أيضا بحديث أسماء أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسل المحيض فقال: "تأخذ إحداكن ماءها وسدرها فتطهر فتحسن الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً حتى تبلغ شؤون رأسها ثم تصب عليها الماء" (5).
ووجه الدلالة: أنه لم يذكر النقض ولو كان واجبا لذكره؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة (6).
ولكن هذا الاستدلال مردود عليه بالأحاديث السابقة التي تنص على نقض المرأة شعرها أثناء الغسل من الحيض.
القول المختار: ـ
قول القائلين بوجوب نقض الحائض شعرها أثناء الغسل من الحيض لما يلي: ـ
__________
(1/21)
(1) ـ موفق الدين ابن قدامة، المغني، ج، ص143، والحديث قد سبق تخريجه، ص14 (وهذه الزيادة موجودة عند مسلم).
(2) ـ المصدر السابق نفسه، ج1، ص143، بتصرف.
(3) ـ الدبيان، موسوعة أحكام الطهارة، ج6، ص432، بتصرف.
* يحيى بن شرف بن مري بن حسن الحزامي الحواري، النووي، الشافعي، أبو زكريا، محيي الدين: علامة بالفقه والحديث. مولده ووفاته في نوا (من قرى حوران، بسورية)، وإليها نسبته. تعلم في دمشق، وأقام بها زمناً طويلاً. من كتبه "تهذيب الأسماء واللغات"، انظر: الزركلي، الأعلام، ج8، ص149.
(4) ـ النووي، صحيح مسلم بشرح النووي، المجلد الثاني، ج4، ص11.
(5) ـ موفق الدين ابن قدامة، المغني، ج1، ص143، والحديث قد سبق تخريجه ص17.
(6) ـ موفق الدين ابن قدامة، المغني، ج1، ص143، بتصرف بسيط.
ـ أن الأصل وجوب نقض الشعر ليتحقق وصول الماء إلى ما يجب غسله فعفي عنه في غسل الجنابة؛ لأنه يكثر فيشق ذلك فيه، والحيض بخلافه فبقي على مقتضى الأصل في الوجوب (1).
ـ أن أدلة القائلين بوجوب النقض صريحة بخلاف القائلين بعدم وجوب النقض فلها روايات أخرى تدحضها.
ـ الخروج من عهدة الخلاف.
الفرع الثالث: الغسل من الاستحاضة.
الاستحاضة حكمها حكم الطاهر في جميع معانيها لا تمتنع من الصلاة (2).
وقد وقع الخلاف فيها بين العلماء: هل عليها الغسل أم يكفيها الوضوء؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أربعة أقوال: ـ
ا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق