الكتاب : آل مفرج لخميس العدوي
ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطلوع
علماء مدينة بهلا
خلال الفترة (800-1025هـ)
مقدم إلى
المنتدى الأدبي
وزارة التراث والثقافة
خميس بن راشد بن سعيّد العدوي
1423هـ/2002م
بسم الله الرحمن الرحيم
أسرة آل مفرج العلمية
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد؛؛؛
فقد طلب مني المنتدى الأدبي أن أكتب عن علماء بهلا المتأخرين منذ بداية القرن التاسع الهجري وحتى الربع الأول من القرن الحادي عشر الهجري (800هـ-1025هـ)، ورغم قلة بضاعتي في الجوانب التأريخية إلا أنني لبيت الدعوة، وذلك لأنها جاءت من طرف من لا يرد، ولأجل أن أستفيد وأتعلم من هذه الجوانب.
ولكن لما رأيت أن الموضوع هو الكتابة في عموم علماء بهلا في هذه الفترة، طرقت ما كتب حوله، فوجدت العلامة المؤرخ سيف بن حمود البطاشي قد وفى وكفى في موسوعته التأريخية وبالأخص في الجزء الثاني، قد غطى هذه الفترة بقلم المؤرخ المحقق، وكذلك اطلعت على بحث شامل لأحد الشباب النابهين في ولاية بهلا عنونه بعنوان "بلوغ القمم العلا لمعرفة علماء بهلا" فوجدته قد ألم بتلك الحقبة، عددت ما سأكتبه هو تكرار لا يضيف جديداً وخاصة من مثلي من هو بعيد عن التأريخ وتحقيقاته ومراميه، ولذلك رأيت أن أجنح إلى القراءة التحليلية لأسرة من الأسر العلمية التي نشأت في الولاية في هذه الفترة الزمنية، وهي الأسرة المفرجية، التي تركت بصماتها الواضحة الجلية في تأريخ عمان، بل آراء علمائها من القوة والتحقيق هي مرجع إسلامي، وإن كانت تحتاج إلى إظهار وإبراز، ثم حتى ألم بالفترة موضوع البحث، كتبت تراجم لأهم علماء هذه الفترة بما توفر لدي من مراجع، دون أن أسلك مسلك التحليل كما فعلت في تأريخ آل المفرج.
المنهج في الكتابة
(1/1)
لن أسلك مسلك التتبع التأريخي لعلماء هذه الأسرة بقدر ما أنهج نهج التحليل لعطائهم ومآثرهم، وبذلك سوف أتجاوز التتابع الزمني، فكما قلت قد كتب حول شخصياتهم من الجانب الزمني، وتعميماً للفائدة واستجلاء للعطاء، كان من المهم أن أكتب بشيء من التحليل سائلاً الله تعالى أن يوفقني لذلك، على أنني سوف اقتصر بالتحليل على أسرة آل مفرج لوقوعها في هذه الحقبة، حيث تبتدئ في فترتها الأولى من منتصف القرن الثامن وحتى آخر القرن العاشر(الإتحاف؛5/2)، ثم حتى ألم بالفترة موضوع البحث، كتبت تراجم لأهم علماء هذه الفترة بما توفر لدي من مراجع، دون أن أسلك مسلك التحليل كما فعلت في تأريخ آل المفرج.
وسأبدأ أولاً بأسرة مفرج لأن علماءها متقدمون عن غيرهم في هذه الفترة.
تشكل الأسر
نقصد بالأسرة هنا العائلة التي تلتزم مهنة معينة، حيث يبدأ أحدهم باحتراف مهنة ما، ثم يأخذ أفراد أسرته بالعمل في تلك الأسرة كأخوته وأبنائه وأحفاده أو بعضهم، وربما في بعض الأسر تشترك النساء في احتراف المهنة.
لا نستطيع أن نفرد آلية تشكل الأسر العلمية عن الأسر المهنية الأخرى، فيكاد تكون هناك قوانين عامة تحكم نشأة الأسر بمختلف مهنها، وولاية بهلا شهدت العديد من الأسر المهنية، والآن رغم تغيّر الظروف الاجتماعية، وتنوع فرص العمل في القطاعات الكثيرة، إلا أننا مازلنا نرى شيئاً من الحفاظ على أسرية بعض المهن في بهلا، أذكر من ذلك، الصياغة والحدادة والفخار وصناعة الحلوى والقصابة، وقد أدركنا حرفاً اندثرت أتت عليها رياح التغيير كدباغة الجلود والنسيج وصيانة الأفلاج.
(1/2)
وفي الجانب العلمي شهدت بهلا أسراً علمية شهيرة، سواء ما عاش منها في نفس الولاية كأسرة بني زياد وأسرة بني مفرج وأسرة بني معد، أو خرجت من بهلا كأسرة بني خروص متمثلة في الشيخ جاعد بن خميس الخروصي رحمه الله تعالى وبنيه، وأسرة بني خليل متمثلة في الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي رحمه الله تعالى؛ والأسرتان الأخيرتان بعضهما من بعض.
ولا يعنيني هنا أن أتتبع كل الأسباب الداعية إلى نشوء الأسر المهنية، ولكن يمكن أن أعدد هذه الأسباب لأخلص من ذلك إلى الحديث عن الأسباب التي أدت إلى نشوء أسرة آل المفرج العلمية، تؤثر في نشوء أي أسرة عوامل نفسية وجغرافية وسياسية واجتماعية.
فمن حيث الناحية النفسية، فهناك نزوع نفسي في الإنسان بأن يحافظ على مكتسبات آبائه، حتى أن تلك المهنة تشكل مصدر اعتزاز تملأ فراغاً لديه وتشبع رغباته النفسية، وتكّون ذاته، والعجيب أن المهنة مهما اختلفت نوعيتها -علواً أو نزولاً- فإنها تكاد تعطي نفس القوة في التأثير على الفرد.
كما أن موقع الأسرة في السلّم الاجتماعي يؤدي إلى التباين في تخصصات الأسر، فالأسرة التي تعتبر في أعلى السلّم الاجتماعي فإنها لن ترضى أن تتخصص في مهنة ينظر إليها المجتمع نظرة وضيعة بينما لا تتغاضى أسرة أخرى في التخصص فيها، والحال الاجتماعي يعفي عنا من ذكر أمثلة في ذلك.
وكذلك من الناحية الجغرافية فإن لها تأثيرها على نشأة نوعية المهنة، فبلد ذات موارد مائية كالأفلاج –كغالبية عمان- بكل تأكيد ستنشأ فيه أسر تعنى بهندسة الأفلاج وقسمة المياه وعلم الفلك، وبهلا كان لطبيعتها الجغرافية أثر في تخصص بعض الأسر في صناعة الفخار، لوجود مادة "المدر" فيها بغزارة، والمدر هو نوع مخصوص من التربة يشكل المادة الأساس في صناعة الفخار.
والناس ينعكس عليهم الوضع السياسي في الدولة أو العالم من حولهم، وهذا يدخل في تكون الأسر الحاكمة في الدول، وبعض الأسر العلمية.
(1/3)
والعامل الديني له أثره الأكبر في ظهور أسر واختفاء أسر من أي بلد، فالبلد الذي يكون عنصر الإصلاح الديني بارزاً تظهر فيه الأسر العلمية بوضوح، فولاية نزوى كعاصمة –تأريخياً- ظهرت فيها الكثير جداً من الأسر العلمية، وهكذا في المدن العمانية التي تشهد حركة دينية إصلاحية، في حين تختفي مثل هذه الأسر من بلدان أخرى لا تتمتع بنفس الميزة.
ترجمة علماء آل مفرج
من الضروري ونحن نتكلم عن أسرة آل مفرج العلمية أن نستحضر أهم علمائها وشيئاً من تراجمهم قدر الإمكان، حتى نلم بحركتهم التأريخية وموقعهم من المجتمع الذي عاشوا فيه.
1- العلامة الشيخ سليمان بن أحمد بن مفرج بن أحمد بن محمد بن ورد: أول من يذكر في أسرة آل مفرج العلمية، أقواله تورد في كتب الفقه، توفي تقريباً سنة 839هـ (التحفة؛365/1).
2- القاضي المحتسب محمد بن سليمان بن أحمد بن مفرج: أحد العاقدين لإمامة الإمام عمر بن الخطاب الخروصي رحمه الله تعالى، وكان محتسباً في الله لإقامة السنن وإماتة البدع عند غياب الأئمة، نصب للحكم بين الناس (احتساباً) سنة 875هـ، وكذلك في سنة 894هـ، ثم مرة أخرى بعد الإمام عمر الشريف، توفي القاضي المحتسب محمد بن سليمان أواخر القرن التاسع(الإتحاف؛13-14/2).
3- العلامة الكبير أحمد بن مفرج بن أحمد بن مفرج: كان مرجع الفتوى في زمانه، واعتمدت أقواله من بعده، حتى أن العلامة عمر بن سعيد المعدي يصدر أبواب كتابه "منهاج العدل" بأقوال الشيخ أحمد بن مفرج، وجد له جزء من أجوبته وفقدت بقيت آثاره إلى الآن، ينسب إليه كتاب "جواهر الآثار"، كان معاصراً للسلطان سليمان بن المظفر النبهاني، توفي الشيخ أحمد أواسط القرن التاسع الهجري(الإتحاف/6-12/2).
4- العلامة أحمد بن راشد بن أحمد بن مفرج: حكم في فلج ضوت من نزوى أواخر القرن العاشر(الإتحاف؛6/2).
5- العلامة عمر بن أحمد بن مفرج: كان قاضياً(الإتحاف؛6/2).
(1/4)
6- العلامة محمد بن عمر بن أحمد بن مفرج: كان وكيلاً لمن ظلمه بنو نبهان في أثناء الحكم في أموالهم(التحفة؛371/1).
7- العلامة أحمد بن عمر بن أحمد بن مفرج: كان وكيلاً لملوك بني نبهان في أثناء الحكم في أموالهم(التحفة؛371/1).
8- الفقيه القاضي صالح بن عمر بن أحمد بن مفرج: كان مرجعاً لعلماء عصره، حتى أن العلماء بنزوى يرجعون إليه، توفي ببهلا إثر مرض الجذام، ودفن بها غرب مساجد العباد(الإتحاف؛16/2).
9- العالم القاضي أحمد بن صالح بن عمر: هو القاضي الذي حكم في أموال بني نبهان(371/1).
10- الشيخ سعيد بن صالح بن عمر بن أحمد بن مفرج: كان أحد الحجاج الذين غرقوا في البحر عند قريات الساحل، وقيل: اسم من غرق هو سعيد بن عمر بن أحمد بن مفرج، هاتان الروايتان أوردهما الشيخ البطاشي في إتحاف الأعيان(الإتحاف؛6/2و16/2)، وقد ذكر الشيخ البطاشي بأنه سيذكر قصة الغرق في ترجمة الشيخ محمد بن علي بن عبدالباقي ولكنه لم يفعل فلعله نسي(بلوغ القمم العلا؛78).
11- العلامة ورد بن أحمد بن مفرج بن أحمد بن مفرج: كان معاصراً للإمام أبي الحسن بن خميس بن عامر الذي بويع له بالإمامة سنة 839هـ، وقد أفتاه بقطع نخيل بني ربيعة لأنهم خرجوا على الإمام وناصبوه العداء، توفي في ذي الحجة من سنة 874هـ(الإتحاف؛19/2).
12- الفقيه عبدالله بن محمد بن سليمان: أحد الموقعين على تحريم بيع الخيار في زمن الإمام محمد بن إسماعيل الحاضري (ت942هـ)(التحفة380/1).
13- القاضي أحمد بن راشد بن عمر بن راشد بن عمر بن أحمد بن مفرج: حكم في فلج ضوت بنزوى، توفي في أواخر القرن العاشر(الإتحاف؛6/2).
عوامل تكوّن أسرة آل مفرج
(1/5)
قبل أن أذكر هذه العوامل لا بد أن أشير بأن البداية الأولى هنا؛ وهو العلامة سليمان بن أحمد بن مفرج حاله كحال أي عالم آخر ينشأ في المجتمع العماني، إلا أنه من بعده تنشأ الأسرة العلمية متأثرة بعوامل عديدة، وأنا هنا أذكر بعضاً منها؛ مما تبين لي من خلال القراءة في تراجمهم، وهي –أي التراجم- حسبما توفرت لي قليلة، إما لأنني لم أطلع على سيرتهم كاملة لعدم توفر المراجع والمصادر لدي، أو لأن من الأصل فقدت تراجمهم مع الحركة التأريخية في الوسط العماني التي تعرضت لكثير من الظروف التي أتت على الكتاب العماني، أو لأنه –كما يعلل بعض المؤرخين- لم توجد العناية الكافية لتدوين سير العلماء، لاشتغال الإباضية بإقامة معالم الحق ومنارات الهدى، أو لكل هذه الأمور مجتمعة، والله أعلم.
وإليكم أهم العوامل المؤثرة في تكوّن أسرة آل مفرج:-
1- العامل العلمي: نحن نعرف –يقيناً- أن المعرفة السائدة في تلك الفترة هي المعرفة الدينية، ومن الطبيعي جداً أن من يفتح عينيه على طلب العلم سوف يكون سبيله العلم الشرعي، ورجل وقاد الذهن نافذ البصيرة كالعلامة سليمان بن أحمد بن مفرج ليس من الغريب عليه أنه يتجه نحو طلب العلم، ولكن الغريب هو أن يهدر طاقاته في أي حرفة أخرى، لا ريب أنها ستكون أقل قدراً من التفقه في شرع الله تعالى، إذن الحركة العلمية في ذلك الوقت لا تتيح له أكثر من خيار وهو العلم الشرعي، اللهم إلا أن يقال علم اللغة والأدب أو علم الطب وهي علوم مرتبطة تماماً بالدراسات الشرعية في ذلك الوقت.
وإن كان هذا العامل قد أسلم الشيخ أصل الأسرة المفرجية إلى طلب العلم الشرعي، فمن المسلّم به أنه سوف يدفع بأفراد أسرته إلى نفس المنحى، وخاصة بعد أن ذاق حلاوة العلم، وعرف منزلته عند الله تعالى.
(1/6)
2- العامل الديني: من طبيعة الإنسان المسلم أنه يحب أن يخدم دينه، ويتقرب إلى الله تعالى بتعلم كتابه العزيز وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي التصور الإسلامي لا يوجد ما هو أفضل من طلب العلم، ولا تعلوه منزلة، إلا فعل الفرائض والانتهاء عن المحرمات، ومع ذلك فهذه الأمور لا يمكن أن تؤتى على الوجه الصحيح إلا بدراستها وتعلمها والتفقه فيها، وهي من أسس العلم الشرعي ومؤدية إليه.
وهذا أمر يلح على كل مسلم، فكيف بمن توفرت له عوامل طلب العلم كآل المفرج كما سنرى لاحقاً، ولا زلنا نرى الاهتمام الكبير من الآباء بتعليم أبنائهم الدراسات الشرعية، وخاصة القرآن الكريم تلاوة وحفظاً وتجويداً.
3- عامل الثراء: إن كانت الحرف تدر على أربابها المال، وتصنع لهم الثراء، فإن العلم الشرعي في ذلك الزمان بالعكس من ذلك، فإنه يتطلب من سالكه في كثير من الأحيان أن يكون على قدرة مالية لا بأس بها، حتى يستطيع أن يقتني الكتب العلمية ويكوّن لنفسه مكتبة يرجع إليها، وآل المفرج كانت لديهم مكتبة تضم الكثير من الكتب الشرعية وذخائر المعرفة، وإذا علمنا أن الكتب في ذلك الوقت تستنسخ باليد، فهي "عملة نادرة"، ولا يمكن أن يحصل عليها إلا من آتاه الله سبحانه اليسر والرخاء في الحياة، ويظهر الثراء عند آل مفرج في كونهم يشكلون حارتين كاملتين من حوائر بهلا، وهما حارة المغرف وحارة الفراج، وفي حارة المغرف توجد مصانع النسيج، وناتج هذه المصانع يغذي السوق العمانية، بل يفيض إلى الأسواق الخارجية، وإلى وقت قريب كان تجار آل مفرج يصلون بهذا المنسوجات إلى أسواق اليمن، وليس من الغريب أن نجدهم يجمعون بين التجارة والعلم، ووالدنا القاضي علي بن ناصر المفرجي حفظه الله تعالى ممن سافر بالمنسوجات إلى اليمن.
(1/7)
كما أن لديهم بيوتاً وأراضي في منطقة "جماح"(الإتحاف؛19/2) ومن يملك أرضاً في هذه المنطقة، فهو يملك جانباً من الثراء لأنها منطقة الوفرة الزراعية حيث كانت تزرع بالحبوب كالبر والشعير والخضروات الفصيلة، وكانت تغل على أصحابها ريعاً مالياً كبيراً، ورغم تغيّر كثير من الأحوال في زماننا إلا أننا أدركنا شيئاً من ذلك، حيث يعتبر موسم حصد البر من المواسم الذهبية لأصحاب الزراعة في منطقة جماح.
4- العامل السياسي: ونقصد بذلك علاقة آل مفرج بالسلطة القائمة في عهدهم المتمثلة في حكام بني نبهان.
اتخذ حكام بني نبهان عاصمة لهم مدينة بهلا في أحيان ومدينة نزوى في أحيان أخرى، وفي كلا الحالين كان آل مفرج قريبين من السلطة الحاكمة، ومهما كانت وضعية الحكام فهم ليسوا في غنى عن العلماء، ولذلك كانت علاقة بني نبهان ببني مفرج داعمة لاستمرارية هذه الأسرة العلمية، لما توفره من مرجعية معتمد عليها في المجتمع من قاعدته إلى قمته، نعم قد لا يكون دعماً مالياً، أو دعماً بالتقريب المباشر، لكن عندما يرى هؤلاء العلماء أنه لا بد لهم من التغيير داخل المجتمع وأن السلطة لا زالت تعتمد عليهم في جوانب من الحياة، فهم يستغلون هذه العلاقة للبناء الداخلي في المجتمع دون أن يتورطوا في دعم هذه السلطة التي لا تمثل الإسلام، بل جاءت من طريق يرفضه الإسلام نفسه، هذا البناء يصبح تبعة شرعية يود أن يتشرف بحملها الأبناء كما تحملها الآباء.
نجد مثل هذه العلاقة في استفتاء حكام بني نبهان لعلماء بني مفرج، حيث يقول العلامة أحمد بن مفرج: (سألني السيد مظفر بن سليمان عما قضى من ماله في حال يتمه لا وصي ولا وكيل من جماعة المسلمين.....الخ)(الإتحاف؛8/2).
ويقول أيضاً: (سألني السيد المعظم أبو المنصور المظفر بن سليمان دام عزه عن الشفيع يرسل رجلا من قبله ولم يطلب هو بنفسه.....الخ)(الإتحاف؛9/2).
(1/8)
ومن ذلك ما جاء في كتاب "منهاج العدل" للشيخ المعدي: (أن السلطان سليمان بن مظفر وهو يومئذ ملك عمان طلب من مشائخ العلم يومئذ: أحمد بن مفرج وصالح بن وضاح وصالح بن محمد وغيرهم إقامة صلاة الجمعة بنزوى، وفيهم الشيخ ورد بن أحمد بن مفرج، فأنكروا ذلك وأبوا، واجتمعت كلمتهم أنها لا تجوز)(الإتحاف7/2).
5- العامل الاجتماعي: هناك علاقة حميمية بين العلماء والمجتمع في وسطنا العماني، حيث ينقاد أفراد المجتمع –بشكل عام- للعلماء، ويتقرب الناس لخدمتهم طلباً للأجر ونيلاً للثواب، وقد لا يقصد العلماء لذات هذه المنزلة، ولكن وضع المجتمع يفرضها، فيلقي هذا بدوره تبعة اجتماعية يتحملها العلماء، ولذلك فإن التفريط فيها في الحقيقة هو تفريط لجانب يأمر به الشرع، وهو الإصلاح الاجتماعي، وعندما يشعر أبناء العلماء بهذه المسؤولية تتهيج نفوسهم وتتحمس لخدمة الإسلام وإصلاح المجتمع به، وهذا الشعور المتبادل بين المجتمع وعلمائه يعطي دافعاً لاستمرار العلم في الأسرة الواحدة، لأنهم خبروا العلم ومكانته، ولأنه قد رسخ في قلوب الناس أن هذه الأسرة مرجع وموئل لهم، ولذلك فالناس تسلّم بسرعة للعالم الذي هو من بيت علم، بعكس الذي يخرج من بيئة أو أسرة مغمورة.
ونذكر هنا نموذجاً لرغبة الناس في خدمة العلماء، وأن ذلك يقربهم إلى الله تعالى، قال ناسخ جوابات العلامة أحمد بن مفرج: (بعد أن خدمت الشيخ وجملة من المشائخ من ذويه، تمت جوابات الشيخ العالم العامل الفاضل الكامل أحمد بن مفرج بن أحمد بن مفرج رحمه الله تعالى وجعل الجنة مأواه)(الإتحاف؛7/2).
وقد كان علماء آل مفرج ذوي خلطة بالناس للقيام بأمورهم وحل مشكلاتهم، حتى أصبحوا مرجعاً للحكام والعلماء وعامة الناس، حتى اضطر العلامة صالح بن عمر بن أحمد أن يعتزل الناس لما أصابته علة الجذام المعدية في بستانه بالحشية ببهلا(الإتحاف15/2).
(1/9)
6- العامل النفسي: من طبيعة النفس البشرية أنها تحن تجاه مآثر آبائها مهما غبروا عنهم، باختلاف نوع هذه المآثر، فكيف إذا كان الإرث هو العلم الشرعي وخدمة دين الله تعالى، فإن النفس ولا ريب تكون متعلقة بما عليه الآباء، وتواقة لخدمته، ومولعة بالنسج على منواله، وأي شرف أعظم من التفقه في دين الله تعالى، وأي أمانة أجل من أمانة تبليغ شرع الله سبحانه تعالى، وبالفعل كان لهذا العامل النفسي أثره في نفوس آل مفرج، جعلهم يحملون نور العلم؛ الصغير عن الكبير والأخ عن أخيه، بل وحتى عندما أفل العلم عنهم لبرهة من الزمن نجده ينبعث فيهم مرة أخرى كما حصل، حيث انقطع العلم عن هذه الأسرة مع نهاية القرن العاشر، ليظهر علماء آخرون من أبنائها في القرن الثاني عشر الهجري وهم المشائخ علي بن عبدالله بن علي المفرجي وأحمد بن عبدالله بن صالح المفرجي وناصر بن سليمان المفرجي(الإتحاف19/2)، ثم شهدنا انبعاثاً أخيراً في والدنا القاضي علي بن ناصر بن سيف المفرجي حفظه الله تعالى، الذي تولى القضاء لأكثر من ثلاثين عاماً، ولا زلنا نأمل أن تتواصل حلقات هذه الأسرة مع الأيام خدمة لدين الله تعالى.
بنو نبهان
... عاصرت أسرة آل مفرج أواسط فترة حكم بني نبهان، فبنو نبهان ابتدأ حكمهم من منتصف القرن السادس الهجري حتى منتصف القرن الحادي عشر، في حين وجدت أسرة آل المفرج من أواسط القرن الثامن حتى آخر القرن العاشر، أي تخللت الحكم النبهاني، وحتى نكشف عن العلاقة بين الأسرتين، أسرة بني نبهان الحاكمة وأسرة آل مفرج العلمية، لا بد لنا أن نلقي نظرة سريعة على بني نبهان.
(1/10)
يتفق المؤرخون بأن فترة ملك بني نبهان هي من أشد الفترات غموضاً في التأريخ العماني، ويرجع الباحثون ذلك إلى كونهم حكاماً جورة، لم يأتوا إلى الحكم بطريق شرعي منتخب، وإنما جاءوا بالغلبة والقهر، فلم يلتفت لهم العلماء والمؤرخون بتدوين تأريخهم وتسجيل منجزاتهم، يقول الشيخ نور الدين السالمي رحمه الله تعالى: (وحيث كانت دولة هؤلاء مبنية على الاستبداد بالأمر وقهر الناس بالجبرية، لم نجد لدولتهم تأريخاً ولا لملوكهم ذكراً، إلا ما ذكره الستالي منهم في ديوانه......، وأهل عمان لا يعتنون بالتأريخ، فلذلك غابت عنا أكثر أخبار الأئمة، فكيف بأخبار غيرهم) (التحفة؛352-353/1) يضاف إلى ذلك ما لحق بالتأريخ العماني المسجل من ضياع وتلف عبر حركة الزمن لأسباب شتى ليس هنا محل ذكرها.
استمر حكم بني نبهان طيلة خمسة قرون، وهي فترة طويلة جداً، تشكل ثلث التأريخ العماني في العهد الإسلامي، فلذلك لا يمكن أن نحكم عليها حكماً واحداً، ولا يمكن أيضاً أن نذهب إلى نكران أي خير فيهم، فلا ريب قد وجد فيهم أهل كرم وجود، ومنهم من التفت حوله الرعية، ومنهم من استفاد منه العلماء في إقامة ما يمكن إقامته من معالم الحق، ومنهم الأديب والشاعر المفلق، ومنهم من حج بيت الله الحرام، كما أنه وجد في تأريخهم من البقع السوداء التي يتعالى عن فعلها الدهماء، وهو تأريخ يستحق الدراسة، بل من الضروري دراسته، ولا زال فيه الكثير من المشاهد التي لم يكشف عنها، والمعطيات التي تشكل رافداً خصباً للتأريخ العماني(عمان في التاريخ؛165).
(1/11)
مع كل هذا وذاك؛ فالذي يعنينا أن فترة حكمهم تعتبر مرفوضة إسلامياً، ولا يمكن أن تكون محل قبول من العلماء، ولذلك من الطبيعي أن نرى قيام الإمامة التي تثور بين الفترة والأخرى للقضاء على ملكهم، لكن الغريب أن لا يتمكن العلماء من إزاحتهم خلال تلك الفترة الطويلة جداً، وعلينا أن نعترف هنا بضعف الحركة العلمية ودورها الإصلاحي، وهي فترة وإن كانت لا تخلوا من العلماء إلا أنهم لم يكونوا بمستوى المسؤولية تجاه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر العلم وتعميمه، ومهما حاولنا أن نعتذر لهم بالفساد القبلي والاضطراب في الحكم والتدخل الخارجي، فإن هذا نتيجة لغياب الحركة العلمية أو ضعفها البالغ، كما أنه من المحتم أن يوجد مثل هذا الخلل ولكن يبقى دور الإصلاح على العلماء، فهم من الواجب عليهم صنع التأريخ وتحريك الأحداث لصالح الإسلام، ولنا أن نتذكر تلك الحقبة الصعبة التي مرت على الإباضية في زمن بني أمية، لكن استنارة الأئمة كجابر بن زيد وأبي عبيدة التميمي ومن معهم رضوان الله عليهم وفكرهم الثاقب وإدراكهم لتغيرات الزمن، وتحملهم للمسؤولية وشعورهم بقدرها الجليل، جعل لديهم القدرة الفائقة على تخطيها واستثمار الظروف لصالح الإسلام والفكر الصحيح.
إذن؛ لا يلقى باللوم على بني نبهان، لأننا لا يمكن أن نطلب ممن ثار للملك والدنيا أن يخدم بهذا الطريق المائل قضايا الإسلام وأن يحقق أهدافه، لكن اللوم يقع على العلماء، فهذه الفترة بحق تعتبر فترة جمود وتحجر لحركة الإسلام، وتخلف عن الركب، وغياب المفاهيم الصحيحة، وعدم وضوح للأهداف، فلله الأمر من قبل ومن بعد.
فترات الحكم النبهاني
(1/12)
درج المؤرخون على تقسيم العهد النبهاني إلى فترتين، الأولى وهي الأطول، وتبدأ منذ أفول إمامة الإمام محمد بن خنبش حوالي عام 557هـ، وتنتهي بتنصيب الإمام محمد بن إسماعيل الحاضري عام 906هـ، وتبدأ الفترة الثانية في عهد الإمام بركات بن محمد بن إسماعيل سنة 964هـ، وحتى 1034هـ وهي سنة تولي الإمام ناصر بن مرشد للإمامة بانتخاب شرعي(عمان في التاريخ؛165-178).
(1/13)
هذا ما درج عليه المؤرخون في عمومهم من تقسيم للحكم النبهاني، ومرد هذا التقسيم هو الانفصال الحادث بين الفترة الأولى والفترة الثانية بإمامة الإمام محمد بن إسماعيل الحاضري، وبسكوت كتب التأريخ عن إيراد أسماء أحد من بني نبهان، وفي نظري أن هذا الانقطاع هو انقطاع اعتباري نظراً لغياب المعلومة التأريخية، وإلا فما ذلك الانقطاع إلا خنوس مؤقت وانكماش على الذات بفعل قيام إمامة الإمام محمد بن إسماعيل، وتربص للرجوع وتحين وانتظار للفرصة، فمن الواضح تماماً أن المد القبلي لم يمت في عهد الإمام محمد بن إسماعيل بل هو بيات لليقظة وسكون للحركة وركود للثورة، وخاصة أننا نرجح عدم شمول إمامة الإمام محمد بن إسماعيل لكل عمان، فأغلب ما يكون أنها كانت في بعض داخلية عمان، ولذلك ما إن مات الإمام محمد بن إسماعيل سنة 942هـ حتى بدأت القبلية تتحرك ولم تأخذ زمناً طويلاً حتى طوحت بالإمامة الهشة التي تلت إمامة الإمام محمد بن إسماعيل، والتي كانت متداخلة ومتضاربة ومتقاتلة، وهي إمامة بركات بن محمد وإمامة عمر بن القاسم الفضيلي وإمامة عبدالله بن محمد القرن، لتبرز -بعد خنوس- العائلة النبهانية على رأس حراب القبلية، يقول الإمام السالمي رضي الله عنه: (وبنصب الأئمة في وقت واحد، تشتت الكلمة وتفرقت الجماعات وضعفت دولة المسلمين ووهت قوتهم، وطمع فيهم من كان لا يطمع، فصار الملك متفرقاً في أيدي الرؤساء من النباهنة وآل عمير وآل هلال وهم رهط الجبور، وصارت الشدة على أهل عمان، ولم تبق دولة المسلمين إلا في مكان دون مكان فأخذ السلطان بن محسن بن سليمان بن نبهان نزوى سنة أربع وستين وتسعمائمة، وأخذ محمد بن جيفر حصن بهلا في سنة خمس وستين وتسعمائة، كثر التنازع والاختلاف ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، ومات محمد بن بركات وصار الملك بعده لبني نبهان ورؤساء القبائل)(التحفة؛387/1).
(1/14)
ولذلك أرى أن ذلك الانقطاع الاعتباري لا يعكر على اتصال زمن النباهنة، إلا أنه من اللازم أن ننبه بأن الملك النبهاني لم يكن شاملاً لكل عمان، فللقبائل نصيبها في بعض المناطق، كما أن الساحل كثيراً ما كان يخضع للمحتل الأجنبي وأسوأ ذلك الاحتلال هو الاستعمار البرتغالي، وكذلك عندما سيطرت الإمامة لم تكن سيطرتها شاملة، وإنما في مناطق الداخل وما جاورها.
تقسيم آخر للحكم النبهاني
إذا كنت لا أميل إلى اعتبار الانقطاع الحادث بين فترتي النباهنة الأولى والثانية انقطاعاً حقيقياً وإنما هو انقطاع اعتباري درج عليه المؤرخون، فإنني في الوقت نفسه أميل إلى تقسيم آخر لهذا العهد النبهاني، تقسيم ينبني على انبعاث الإمامة وأفولها أثناء ملك النباهنة، وعندي تنقسم هذه الفترة إلى ثلاثة أقسام؛ وهي:-
1- القسم الأول: يبدأ منذ البداية الأولى للنباهنة، أي في منتصف القرن السادس، بنهاية إمامة الإمام محمد بن خنبش، وتنتهي بتنصيب الإمام الحواري بن مالك سنة 809هـ، وهي فترة امتدت حوالي قرنين ونصف القرن، وهذه الفترة فرغت تماماً من حكم الأئمة المنتخبين.
2- القسم الثاني: يبدأ بتنصيب الإمام الحواري بن مالك، أي بداية القرن التاسع، وينتهي بنهاية إمامة الإمام محمد بن إسماعيل الحاضري سنة 942هـ، وهذه الفترة شهدت تنصيب الأئمة الشرعيين المنتخبين، وامتدت حوالي قرن ونصف القرن أيضاً.
(1/15)
3- القسم الثالث: يبدأ بنهاية الإمام محمد بن إسماعيل الحاضري سنة 942هـ، وينتهي بقيام إمامة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي رحمه الله تعالى سنة 1034هـ، وهذه الفترة خلت من الأئمة، اللهم ما كان من وجود الإمامة الهشة التي تداخلت واضطربت فيها الأمور وهي إمامة بركات بن محمد بن إسماعيل، ومحمد بن فضالة وعبدالله بن محمد القرن، وهي إمامات لا اعتبار لها لهشاشتها، ولأنها شهدت البروز النبهاني بعد خنوسه نسبياً في عهد الإمام محمد بن إسماعيل الحاضري، وامتدت ما يقارب القرن من الزمن.
كان العهد النبهاني عهد ركون وانكماش للإمامة الشرعية، وقد أرجعت ذلك إلى حالة التدهور العلمي وضعف العلماء في تلك الحقبة، وهو قصور مخيف أصاب أتباع المذهب الإباضي.
إذن هو عهد ركود وسكون، ولكن ما الذي حرك هذا الركود في الفترة الوسطى من حكم النباهنة؟!.
الأئمة خلال العهد النبهاني
أقصد بهؤلاء الأئمة؛ الأئمة الذين تم انتخابهم في الفترة الوسطى من العهد النبهاني، وحاولوا أن يفرضوا إمامتهم كبديل شرعي عن حكم النباهنة الذي هو في نظر العلماء حكم جور وجبر.
وبداية علينا أن نقول بأن حكم الأئمة لم يستطع أن يقضي على الحكم النبهاني قضاء نهائياً، لكنها محاولة رائعة وعظيمة تستحق الثناء، خاصة في تلك الفترة التي دمغت بالجمود في استثمار معطيات العلم الشرعي والتراجع في الإحياء الإسلامي، نعم؛ لم يكن يسيطر الأئمة على كامل التراب العماني، وإنما كانوا على سجال مع حكام بني نبهان، يحكم هؤلاء في ناحية ويحكم أولئك في ناحية أخرى، جاء في "كشف الغمة": (ولعل ملكهم كان يزيد على خمسمائة سنة، قال: إلا أنه كان فيما بعد هذه السنين (أي خلالها) يعقدون للأئمة والنباهنة ملوك في شيء من البلدان، والأئمة في بلدان أخر).
(1/16)
ثم علينا أن نستعرض تأريخ هؤلاء الأئمة بشيء من الاختصار، لأبين علاقة آل مفرج بهذه الفترة الحاسمة من تأريخ النباهنة، الفترة التي تحرك فيها ركود العلماء باتجاههم نحو إحياء الإمامة.
وإليكم سرداً بتراجمهم:-
1- الإمام الحواري بن مالك: عقدت له الإمامة سنة 809هـ، توفي سنة 832هـ، فتكون مدة إمامته 23هـ(التحفة؛369/1)، في عصره وجد أب عائلة آل المفرج رحمهم الله تعالى، وهو العلامة الفقيه سليمان بن أحمد بن مفرج، وكان الشيخ سليمان مرجع الفتوى في زمنه، وفتاواه معتمدة من بعده.
والغريب في الأمر أن ملك بني نبهان كان قائماً في هذه الفترة في نزوى، فقد جاء في أحد أحكام العلامة أحمد بن مفرج: (وكان هذا في مملكة السيد المظفر بن سليمان بن المظفر بن نبهان بتاريخ نهار السبت لثمان ليال بقين من ذي الحجة سنة ست وعشرين وثمانمائة سنة، وكتبه العبد الضعيف الراجي عفو ربه اللطيف أحمد بن مفرج بن أحمد بن مفرج بن محمد بن عمر بن ورد البهلوي)(الإتحاف؛8/2)، وهذا الحكم وقع في نزوى، وحضره علماء نزوى، فلا يبعد أن تكون إمامة الإمام الحواري في الرستاق وما جاورها، أو أن هناك اضطراب في تحديد تأريخ إمامة هذا الإمام، أو تصحيف في تأريخ الحكم المذكور، وأميل إلى الرأي الأول وهو أن الإمامة لم تشمل نزوى وبهلا وما جاورهما، ولعلها كانت في الرستاق، كما سأبين لاحقاً بإذن الله تعالى.
(1/17)
2- الإمام مالك بن الحواري: عقد له بعد أبيه، أمر قائده عبدالله الهول أن يستولي على الرستاق فأحرق سور القلعة، توفي سنة 833هـ، وقيل: إن مالك بن الحواري هو الحواري بن مالك لكن حصل تصحيف وانقلاب في الاسم عند المؤرخين، والذي أراه أنهما إمامان، الإمام الحواري عقد له بالرستاق وكانت حكومة بني نبهان بنزوى، ومن بعده عقد للإمام مالك ولكن لم تدم إمامته لقوة النفوذ النبهاني، ويظهر –والله أعلم بالصواب- أن سبب عقد الإمامة له في نزوى هو تغيّر الأمور في الرستاق، وعدم رغبة أهلها في هذا الإمام، مما اضطره أن يرسل أحد قواده العنيفين لإخضاع الرستاق فأحرق سور القلعة، نأخذ هذا التحليل من عبارة الإمام السالمي في التحفة: (وأما مالك بن الحواري فعقدت له الإمامة في نزوى وملك جبل بني ريام، وجاء بعسكره إلى الرستاق، وقتل منهم ناس، وشهد سليمان بن راشد بن صقر أن الإمام مالك بن الحواري أمر عبدالله الملقب بالهول أن يغزو الرستاق، وروى أنه أمر بحرق سور القلعة، قالوا: وعاش في الإمامة إلى أن مات سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة) (التحفة؛369/1).
3- الإمام أبو الحسن بن خميس بن عامر: بويع بالإمامة سنة 839هـ، ناوأه بنو ربيعة فحاربهم، وقطع نخيلهم بأمر وفتوى من العلامة ورد بن أحمد بن مفرج، توفي الإمام أبو الحسن سنة 846هـ، وكانت مدة إمامته سبع سنوات، وقد اضطربت الروايات التأريخية في تحديد اسم أبي الحسن؛ قيل: راشد، وقيل: عبدالله، وقيل: محمد.
(1/18)
4- الإمام عمر بن الخطاب بن محمد الخروصي: بويع بالإمامة عام 885هـ، قاتل النباهنة قتالاً عنيفاً، كانت الدائرة على الإمام في أول الأمر، حتى انتزعوا الحكم منه، ثم جدد له المسلمون البيعة فصال على بني نبهان حتى غلبهم(الفتح المبين؛259)، وكان أبرز المبايعين له الشيخ القاضي محمد بن سليمان بن أحمد بن مفرج، غرّق أموال ملوك النباهنة (أي صادرها لصالح المظلومين برجع ظلامتهم إليهم وإلا فترجع لبيت مال المسلمين)، وقد حكم في أموالهم العلامة القاضي أحمد بن صالح بن عمر، في حين كان العلامة محمد بن عمر بن أحمد بن مفرج وكيلاً لمن ظلمه بنو نبهان، والعلامة أحمد بن عمر بن أحمد بن مفرج وكيلاً لملوك بني نبهان، توفي الإمام عمر بن الخطاب تقريباً سنة 894هـ(التحفة؛376/1).
5- الإمام عمر الشريف: حكم لمدة سنة، وللظروف المضطربة ترك مقر الإمامة ولاذ ببهلا(الفتح المبين؛258).
6- الإمام أحمد بن عمر بن محمد الربخي البهلوي: حكم لفترة وجيزة ثم مات ودفن بنزوى، قيل: من بهلا حسب رأي الشيخ السالي(التحفة376/1)، وقيل: من ضنك حسب رأي المؤرخ ابن رزيق(الشعاع الشائع؛82).
7- الإمام أبو الحسن بن عبدالسلام: عقد له في نزوى، أقام في الإمامة دون السنة فخرج عليه سليمان بن سليمان النبهاني(عمان في التاريخ؛172).
8- الإمام محمد بن إسماعيل الحاضري: بويع بالإمامة سنة 906هـ، غرق أموال بني رواحة لأنهم مكنوا سليمان بن سليمان ومظفر بن سليمان في ظلم الناس، فحكم الإمام بأن ضمانهما واقع على بني رواحة، وكان ذلك في سنة 909هـ، وأصدر فتوى بتحريم بيع الخيار، وكان من جملة العلماء الذين صححوا الحكم ووقعوا على الفتوى العلامة الفقيه عبدالله بن محمد بن سليمان، توفي الإمام الحاضري سنة 942هـ(التحفة؛379).
هذا أهم ما أوردته كتب التأريخ في ترجمة الأئمة الذين نصبوا أثناء حكم بني أمية في الفترة الوسطى.
(1/19)
بقي لي أن أقول بأن كتب التأريخ تورد الشيخ العلامة محمد بن سليمان بن أحمد بن مفرج ضمن الأئمة المنصوبين ولكن لي في ذلك تحليلاً مغايراً جعلني لا أدرجه ضمن هؤلاء الأئمة المنتخبين سأذكره لاحقاً بإذن الله تعالى.
العلامة محمد بن سليمان محتسباً
... تذكر لنا المراجع التأريخية أن العلامة محمد بن سليمان بن أحمد بن مفرج من ضمن الأئمة المنصوبين في هذه الفترة، فهي تذكر بأنه نصب إماماً بعد إمامة عمر بن الخطاب الخروصي، ثم اعتزل أو عزل، ثم نصب مرة ثانية عقب إمامة عمر الشريف، ثم كذلك عزل أو اعتزل، وبعض المراجع تضيف فترة ثالثة.
... وهذا أمر مشكل جداً، فإننا لا نتصور كالعلامة محمد بن سليمان يغيب عن باله قانون الإمامة الشرعي عند الإباضية حيث لا يجوز له أن يعتزل، ولا يجوز عزله إلا وفق ظروف محددة، ليس منها الاضطراب السياسي الذي يثيره الخصم، ثم لو قلنا إن ضعفه وعدم سيطرته على الوضع هو الذي جعله يعتزل، أو يعزل، فلماذا يرجع إليها ثانية وثالثة، في الحقيقة هذا التعليل غير مسلّم له وخاصة بالنسبة لشخص يمثل هو وأسرته العلمية مرجعية الأمة في عمان، وهم بحور العلم الشرعي في زمانهم.
... ولكن الذي يتبادر لي، أن أسرة آل مفرج كانت تمثل مرجعية للمسلمين، وعلماءها هم شيوخ الإسلام في زمانهم، فمن الطبيعي أن يمارسوا الاحتساب في غياب الأئمة، وهذا أمر معروف في المذهب الإباضي في مختلف أدواره، وأسرة آل مفرج مرشحة بجدارة للقيام بهذا الأمر، أولاً؛ لشهرتها ومنزلتها عند أهل عمان في ذلك الوقت وخاصة العلماء، ثانياً؛ لأدوارها الإصلاحية التي قامت بها، أضف إلى ذلك إلى معرفتها بأحوال السياسة الشرعية، حتى أن بني نبهان أنفسهم كانوا يرجعون إلى هذه الأسرة في معرفة بعض أحكام السياسة الشرعية، وعلماؤها هم من أهل الحل والعقد الذين ينصبون الأئمة.
(1/20)
... ويأتي العلامة محمد بن سليمان كواحد من علماء أسرة آل مفرج البارزين، فليس مستبعداً منه أن يقوم بالاحتساب في غياب الأئمة، وهناك عبارة دقيقة في هذا المقام يوردها الإمام نور الدين السالمي رضي الله عنه وهي: (وفي خمس وسبعين وثمانمائة يوم الخميس عند غروب الشمس لخمس مضين من المحرم، نصب محمد بن سليمان بن أحمد للحكم بين الناس)(التحفة؛370) وهذا التنصيب احتساباً وليس من قبل الإمامة كما هو واضح، ولم يعتبره أحد من المؤرخين إماماً في هذه الفترة مع شغورها من الإمامة، والذي نصبه هم جماعة المسلمين، أو قل خاصتهم من العلماء.
آل مفرج والإحياء الإسلامي
... إذا كان غياب الإمامة الشرعية في الأمة يعدّ مواتاً في الأمة، فإن في المقابل المنطقي يمثّل وجود الإمامة الإحياء في الأمة، وفترة النباهنة –كما رأينا- فترة اختفت الإمامة فيها، اللهم إلا في الفترة الوسطى، وهي الفترة التي وجدت فيها أسرة آل مفرج، ولعبت فيها دوراً كبيراً لإعادة الإمامة، ففترتهم هي فترة الإحياء الإسلامي وعودة الإمامة، فنحن لو لاحظنا بروز الإمامة لوجدناه في عهد هذه الأسرة المباركة، حيث نصب الإمام الحواري بن مالك في فترة ازدهار هذه الأسرة وتألقها العلمي، واستمرت حتى انتهت الإمامة بوفاة الإمام محمد بن إسماعيل الحاضري، وفي عهده يذكر آخر علماء آل مفرج (في فترتهم الأولى) وهو العلامة الفقيه عبدالله بن محمد بن سليمان.
... هذا يقودنا إلى القول بأن علماء آل مفرج يشكّلون حجر الأساس في قيام وعودة الإمامة، ولهم الفضل في تحريك الركود الساكن، وتبوأ العلم مكانه وأدرك العلماء مسؤوليتهم وأخذوا على عاتقهم إقامة معالم الدين ورفع معالمه وإحياء سنن الغسلا والقضاء على الفتن والبدع، إن هذا التوافق بين وجود أسرة آل مفرج وعودة الإمامة ليس صدفة غير مفهومة، بل هي علاقة مسبب بسبب، والله هو خالق الأسباب والمسببات، فبوجود آل مفرج استطاعوا إعادة الإمامة.
(1/21)
... نعم؛ نحن نعترف بالفضل للعلماء المعاصرين لآل المفرج سواء علماء بهلا أو نزوى أو غيرهم، أو للأسر المعاصرة كأسرة آل زياد في بهلا وأسرة آل مداد في نزوى في عملية الإحياء الإمامي، ولكن الذي يدعونا للقول إن آل المفرج هم الأساس في عودة الإمامة لما ذكرته سابقاً من علاقات مع الإئمة والملوك المعاصرين لهم، ولأن أسراً أخرى كآل مداد وآل زياد ظلت قائمة بعد عصر الأئمة لم تستطع إعادة الإمامة مرة أخرى، حتى جاء عهد الأئمة اليعاربة.
الإصلاح عند آل مفرج
... مع هذا الثقل السياسي والعلمي الذي لعبه آل مفرج، يجدر بنا حتى نفي الموضع حقه أن نستعرض جوانب الإصلاح التي قام بها آل مفرج رحمهم الله تعالى، أهم هذه الجوانب:-
1- السياسة والحكم: ابتليت عمان في ذلك الوقت بالنباهنة جبابرة وحكام جور، استولوا على مقاليد أمر المسلمين بدون طريق شرعي، فعاثوا فساداً في الأرض، فأكلوا مال اليتيم والفقير ومهور النساء، وقتلوا أئمة العلم كقتل خردلة بن سماعة للإمام أحمد بن النظر، وأحرقوا مكتبته، واعتدوا على أعراض النساء كما فعل سليمان بن سليمان عندما اعتدى على امرأة في نزوى، أضف إلى هذا سفك دماء بعضهم البعض لأجل الملك، والتناحر مع القبائل الأخرى، فتمزقت عمان في زمانهم إلى دويلات، وطمع بهم العدو فاحتل أجزاء من بلادهم، وفي عهدهم سيطر الاستعمار البرتغالي على سواحل عمان فعاث فساداً في عمان، من قتل للمسلمين إلى تدمير لمنازلهم وحرق لبساتينهم ومزارعهم.
هذا الجو المكفهر، كان لا بد له من إصلاح، فقام علماء آل مفرج –يعاضدهم بقية علماء عصرهم- بدورهم في الإصلاح السياسي، وتمثل هذا الإصلاح، ببعث الإمامة الشرعية، وتنصيب الأئمة، فقد كانوا من أهل الحل والعقد، فقام –مثلاً- العلامة محمد بن سليمان بتنصيب الإمام عمر بن الخطاب الخروصي، كما قام بالاحتساب في غياب الإمامة.
(1/22)
ووقفوا مع أئمة العدل، فكانوا مراجع لهم في السياسة الشرعية، فقد أفتى العلامة ورد بن أحمد بن مفرج بن أحمد بن مفرج الإمام أبا الحسن بن خميس بن عامر بقطع نخل بني ربيعة لأنهم خرجوا على الإمام وناصبوه العداء، ووقف آل مفرج رحمهم الله تعالى مع الإمام عمر بن خطاب في تغريق أموال بني نبهان.
2- القضاء: رغم أن دين الله تعالى يوجب على العلماء الثورة على حكام الجور وإقامة الإمامة الشرعية، إلا أنهم في حال القيام عليهم والانتصار على خصمهم لا ينسيهم العدل الذي أمر الله تعالى به في محكم كتابه حيث قال: (ولا يجرمنكم شنآن .......) الآية، ويسجل لنا التأريخ شهادة فريدة من نوعها، حيث تولى علماء بني مفرج قضية الحكم في الأموال التي اغتصبها بنو نبهان من المسلمين، فكان منهم القاضي ووكيل المظلومين ووكيل بني نبهان، وهم على التوالي المشائخ: أحمد بن صالح بن عمر ومحمد بن عمر بن أحمد بن مفرج وأحمد بن عمر بن أحمد بن مفرج، والملفت للنظر هنا، أننا نرى نظام المحاماة متكاملاً؛ حتى بالنسبة للطرف الظالم، وهو ولا ريب لا يكون دفاعاً باطلاً عن الظلمة، ولكن حتى لا ينسى القاضي نفسه فيحيف على الخصم، مصداقاً لقوله تعالى: (الآية)، فهو من باب وضع الأمور في مواضعها، فلله تلك الأفهام النيرة والعقول الواعية والضمائر الحية، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته.
وقد كان جل علماء آل المفرج –إن لم يكن كلهم- قضاة، قدموا خدماتهم الجليلة في هذا المجال، فهم عائلة قضائية.
(1/23)
3- الاقتصاد: مجتمع بهلا مجتمع زراعي بالدرجة الاولى، وكانت الزراعة في بهلا تخدم أفراد المجتمع وتفيض، كما أن الدولة تجبي منها الزكاة، ولأن المحاصيل الزراعية وخاصة الحبوب "عصب الحياة" تغل ريعاً وفيراُ، فإن نصاب الزكاة منها يكون بالتالي وفيراً، تستفيد الدولة منه في مصارف الزكاة، كما أن الكثير من بساتين بهلا هي بيت مال المسلمين يعود ريعها للدولة، ولذلك يأتي اهتمام علماء بهلا بالزراعة في محله، وشريان الزراعة في عمان الأفلاج ومنها بطبيعة الحال بهلا، ولذلك رأينا الكثير من الفتاوى وفصل الأحكام في الأفلاج من علماء آل مفرج، بل وعمل بعضهم في الأفلاج كالعلامة أحمد بن مفرج، فقد جاء في "منهاج العدل" للشيخ المعدي: (وقد عمل الشيخ أحمد بن مفرج رحمه الله في فلج الجزيين من بهلا، أخرجه بنو راشد بن ورد، وجعلوه زيادة على فلج ضبوب، وخلطوه عليه، وهو قائم بعينه إلى الآن، ولم ينكر الشيخ رحمه ذلك) (الإتحاف؛8/2).
ومن ذلك أيضاً محاربتهم للربا، والربا هادم للاقتصاد ومستعبد للناس، وإيذان للحرب من الله ورسوله، حاربوه عندما دخل مجتمعهم بلباس بيع الخيار، فعندما أصدر الإمام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق