الكتاب : أبو غانم الخراساني ومدونته لـ...؟
ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع
01_ المبحث الأوّل: التّعريف بصاحب الكتاب:
المطلب الأوّل: نسبه ومولده:
هو الشّيخ الإمام العالم الحافظ الفقيه أبو غانم بشر بن غانم الخراسانيّ، من أهل خراسان (1) كما هو ظاهر من النّسبة إليها، ولم نستطع الوقوف على تاريخ ولادته بالدّقّة، والظّاهر أنّ كثيراً من الأوائل لم يهتمّوا بتدوين سيرهم والكتابة عن حياتهم، ذلك لأنّهم اشتغلوا بالدّين ونشره والسّعي في طلب العلم وتعليمه، وإقامة شرع الله في أرضه، فلم يلتفتوا إلى تدوين حياتهم وخصوصاً سنة مولدهم.
قدِم إلى البصرة لتلقّي العلم لأنّ البصرة في ذلك الوقت كانت قبلة للعلم فهي تزخر بشتّى فنون العلم، وفي شتّى المذاهب الإسلاميّة، قدم لتلقّي العلم على يد علماء الإباضيّة وخاصّة أبي عبيدة (2) وإن كان لم يدرك من حياته إلاّ قليلاً، إلاّ أنّه أخذ العلم عن تلامذته وعنهم دون كتبه وأهمّها المدوّنة الّتي دوّن فيها أقوال تلاميذ أبي عبيدة ورواياتهم واختلافاتهم (3) .
__________
(1) _ خراسان: بلادٌ واسعةٌ، أوّل حدودها العراق وآخر حدودها الهند، اختلف في تسميّتها، خراسان، فقيل: خراسم: للشّمس بالفارسيّة، وقيل: أسان: كأنّه أصل الشّيء ومكانه، وقيل غير ذلك، ينظر: (ياقوت الحمويّ: معجم البلدان، دار إحياء التّراث العربيّ بيروت الطّبعة الأولى، 1417هـ/1997م، 01/218).
(2) _ أبو عبيدة: مسلم بن أبي كريمة البصريّ التّميميّ بالولاء، ولد في البصرة ونشأ وعاش فيها، انتصب للتّعليم أربعين عاماً، أخذ العلم عن جابر بن زيدٍ، صحاريّ العبسيّ، وجعفر السّماك ،ومن بعض الصّحابة مثل ابن عبّاس وأبو هريرة وأنس وغيرهم توفّي سنة 145هـ تقريبا ، المصدر: (مبارك بن عبد الله بن حامد الرّاشديّ: الامام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التّميميّ وفقهه، الطّبعة الأولى، 1413/1993، ص 25).
(3) _ ينظر :
_ دليل مصادر الفقه الإباضيّ (قسم المشرق): 68.
_ صالح بن أحمد البوسعيديّ: رواية الحديث عند الاباضيّة، الطّبعة الأولى، بدون ذكر دار النّشر، 1420هـ/2000م، 89 =
=_ أحمد بن سعيد الشّمّاخيّ: كتاب السّير، تحقيق أحمد بن سعود السّيابيّ، الطّبعة الثّانية، وزارة التّراث القوميّ والثّقافة، سلطنة عمان، 01/194.
_ صالح بن أحمد البوسعيديّ: رواية الحديث عند الاباضيّة، الطّبعة الأولى، بدون ذكر دار النّشر، 1420هـ /2000م، 89.
_ أحمد بن سعيد الشّمّاخيّ: كتاب السّير، تحقيق أحمد بن سعود السّيابيّ، الطّبعة الثّانية، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، 01/194.
_ عمروس بن فتح النّفوسيّ، أصول الدّينونة الصّافية: تحقيق الحاج أحمد بن حمّو كرّوم الطّبعة الثّانية، 1420هـ/1999م، ص 24.
_ يوسف بن خلفون المزاتيّ: أجوبة ابن خلفون، تحقيق الدّكتور عمرو بن خليفة النّاميّ، دار الفتح، بيروت، الطّبعة الأولى، 1394/1974م، 111.
_ طبقات المشائخ بالمغرب: تحقيق ابراهيم طلاّي، بدون دار نشر وطبعة، 02/323.
_ عمير بن علي المعمريّ: الفتح المغيث في تخريج أربعة وثلاثين حديثاً من المدوّنة، بحث تخرّج بمعهد العلوم الشّرعيّة لعام 1420-1421هـ، بيد الباحث، 04.
(1/1)
المطلب الثّاني: صفاته وحياته ورحلاته في طلب العلم:
عندما نمعن النّظر في سيرة الإمام أبي غانم ومدوّنته وما ذكر عنه في الكتب، ندرك ما كان يتحلّى به الإمام الجليل من صفات أهل العلم (1) ، فقد كان _ رحمه الله _ حافظاً للعلم، ساعياً في تدوينه، محافظاً عليه من الضّياع، وكان يتّصف بالتّواضع والأمانة والدّقّة في النّقل، وعُرِف عنه كثرة مسألته لأشياخه واستجوابهم والتّحرّي في النّقل وتمحيص المسائل والوقوف عند النّصّ، وإبداء رأيه أحياناً، وكان مطّلعاً على مجريات التّاريخ فقد انتقل من المشرق إلى المغرب لزيارة الإمام عبد الوهاب (2) لتهنئته بالإمامة (3) ، وممّا يدلّ على
__________
(1) _ البوسعيديّ: رواية الحديث، مصدر سابق، 090
(2) _ هو الإمام عبد الوهّاب بن عبد الرّحمن بن رستم، بويع بالإمامة بعد أبيه حوالي 171 هـ، ومكث في الحكم تسع عشر سنةً، وكانت وفاته حوالي190 هـ، له مؤلّفات منها: "كتاب مسائل نفوسة"، ينظر: (سليمان باشا البارونيّ: الأزهار الرّياضيّة في أئمّة وملوك الإباضيّة، تحقيق محمّد علي الصّليبيّ، 1407هـ/1987م، وزارة التّراث القوميّ والثّقافة، 151/ يوسف المزاتيّ: أجوبة ابن خلفون، مصدر سابق، 109).
(3) _ حمد بن عبد الله الهاشميّ: اللّطائف المكنونة في تخريج أحاديث المدوّنة، خمسين حديثاً من المدوّنة الكبرى، بحث تخرّج بمعهد العلوم الشّرعيّة، 1415هـ/1995م، مخطوط بيد الباحث، 13.
(1/2)
حرصه في طلب العلم رحلاته الّتي قام بها، فقد رحل في أواخر القرن الثّاني الهجريّ إلى تاهرت (1) مارًّا بجبل نفوسة في ليبيا (2) ، ورويت عنه المدوّنة الّتي دوّن فيها أقوال تلاميذ أبي عبيدة في الفقه ورواياتهم واخلافاتهم (3) ، رويت عنه في تاهرت عندما كان زائراً للإمام عبد الوهّاب، فاستودعها عمروس بن فتح (4) فاستنسخ منها نسخةً بقيت بالمغرب وكانت في اثني عشر مجلّداً طبع منها مجلدان (5) .
وشخصٌ هذه صفاته يبدو للباحث أنّه قد قضى أغلب حياته في البصرة يطلب العلم على يد أبي عبيدة وتلامذته من بعده، وعندما تقلّص الوجود الإباضيّ في البصرة قام أبو غانم برحلةٍ علميّةٍ إلى مصر وبلاد المغرب، ثمّ استشهد بها (6) .
المطلب الثّالث: شيوخه وتلاميذه:
أوّلاً: شيوخه:
__________
(1) _ بفتح الهاء وسكون الرّاء، اسم لمدينتين متقابلتين بأقصى المغرب، وهي كثيرة الإنداء والضّباب والأمطار، ينظر: (ياقوت الحمويّ: معجم البلدان، 01/427).
(2) _ يوسف بن بكير الحاج سعيد: تاريخ بني ميزاب، دارسة اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة، 1992م، بدون دار نشر، 149.
(3) _ يوسف المزاتيّ: أجوبة ابن خلفون، مصدر سابق، 111.
(4) _ أبو حفص عمروس بن فتح، ولد في قرية قطرس، توفّي سنة 283هـ، شهد معركة (مانو) بين النّفوسيّين والأغالبة وأُسر فيها، له مؤلّفات عديدة منها: "الدّينونة الصّافيّة" و"كتاب العمروس"، ينظر: (معجم أعلام الإباضيّة، نشر جمعيّة التّراث، القرارة، غرداية، الجزائر، 1420هـ/1999م، 10/ 67).
(5) _ ندوة الفقه الإسلاميّ: المنعقدة بجامعة السّلطان قابوس، بتاريخ 22-26 شعبان 1408هـ، 18.
(6) _ البوسعيديّ: رواية الحديث، 92.
(1/3)
لا شكّ أنّ لكلّ طالب علم شيوخاً يستقي منهم علومه، وقد كان للإمام أبي غانم عددٌ كبيرٌ من الشّيوخ سمّى منهم في مدوّنته أربعة عشر شيخاً وهم: أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة (1) ، الرّبيع بن حبيب (2) ، عبدالله بن عبدالعزيز (3) ، أبو المؤرّج عمر بن محمّد (4) ،
__________
(1) _ أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة البصريّ التّميميّ بالولاء، نشأ وعاش فيها، نصب نفسه للتّعليم أربعين عاماً، وانتصب للتّعليم أربعين عاماُ، أخذ العلم عن جابر بن زيد وصحار العبديّ وجعفر السّماك وضمام بن السّائب، وأخذ من بعض الصّحابة مثل ابن عبّاس وأبي هريرة وأنس بن مالك وغيرهم، توفّي حوالي سنة 145هـ، (مبارك بن عبد الله بن حامد الرّاشديّ: الإمام أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة التّميميّ وفقهه (45-145هـ)، الطّبعة الأولى، 1413هـ، دون دار نشر، 25-30).
(2) _ الإمام الكبير الرّبيع بن حبيب بن عمرو الفراهيديّ، ولد بعمان في منطقة الباطنة بمنطقة غضفان التّابعة لولاية (لوى) نشأ بعمان ثمّ سافر إلى البصرة، أخذ العلم عن جابر بن زيد وأبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة وضمام بن السّائب وصالح بن نوح الدّهّان، توفّي بين سنتي (175-180هـ) وترك لنا "المسند" الّذي يعتبر من أصحّ المسانيد، المصدر: (الشّيخ سعيد بن مبروك القنّوبي، بحث الإمام الرّبيع محدّثاً/ ندوة من أعلامنا "الخامسة"، 12-37).
(3) _ هو أبو سعيد عبد الله بن عبد العزيز البصريّ من علماء الإباضيّة الكبار في أواخر القرن الثّاني الهجريّ، كثر نقل الإمام أبي غانم عنه في المدوّنة، المصدر: (البوسعيديّ: رواية الحديث، 92).
(4) _ أبو المؤرّج عمر بن محمّد اليمنيّ من أقران الرّبيع بن حبيب، ينظر: (البوسعيديّ: رواية الحديث، 93)..
(1/4)
أبو غسّان مخلد بن العمرد (1) ، أبو أيّوب وائل بن أيّوب (2) ، أبو سفيان محبوب بن
__________
(1) _ أبو غسّان مخلد بن العمرد الغسانيّ: عدّه صاحب الطّبقات من رجال الخمسين الثّانية من المائة الثّانية، فهو من طبقة الرّبيع بن حبيب، يقول الدّرجنيّ: "ومنهم أبو غسّان مخلد بن العمرد _ رحمه الله _ أحد علماء علم الفروع والكلام والمناضلين عن كلمة أهل الإسلام وممّن نحبّ من أصحاب أبي عبيدة وفتح يده في العلوم وأيده"، المصدر: (الدّرجينيّ: طبقات المشائخ، 02/290).
(2) _ أبو أيّوب وائل بن أيّوب الحضرميّ اليمنيّ، من تلاميذ الإمام أبي عبيدة وممّن روى عنهم أبو غانم في مدوّنته، فهو من طبقة الرّبيع بن حبيب وكان فقيهاً عالماً زاهداً تقياًّ وكان شديداً على أهل البدع، المصدر: (الرّاشديّ: أبو عبيدة وفقهه، 237).
(1/5)
الرّحيل (1) ، حاتم بن منصور (2) ، أبو المهاجر هاشم بن المهاجر (3) ، ضمام بن السّائب (4) ،
__________
(1) _ أبو سفيان محبوب بن الرّحيل بن سيف بن هبيرة القرشيّ المكّيّ، من الطّبقة الرّابعة من علماء الخمسين الثّانية من المائة الثّانية للهجرة، أخذ العلم عن أبي عبيدة مسلم والرّبيع بن حبيب، يقول عن الدّرجينيّ: "ومنهم محبوب بن الرّحيل أحد الأخيار الأبحار، وممّن سبق إلى تخليد سير السّلف الأخيار"، ينظر: (الدّرجينيّ: طبقات المشائخ، 02/27، البوسعيديّ: رواية الحديث، 95، المزاتيّ: أجوبة ابن خلفون، 116).
(2) _ أبو منصور حاتم بن منصور الخراسانيّ: من الفقهاء البارزين وممّن أخذ عن الإمام أبي عبيدة مسلم كان فقيهاً عالماً، وكان من المحدّثين الثّقات عند الإباضيّة، رحل إلى مصر في آخر عمره، المصدر: (الرّاشديّ: أبوعبيدة وفقهه، 239/ المزاتيّ: أجوبة ابن خلفون، 115/ البو سعيديّ: رواية الحديث، ص 94).
(3) _ أبو المهاجر هاشم بن المهاجر الحضرميّ اليمنيّ: فقيهٌ كبيرٌ من حضر موت، كان من كبار الفقاء المفتين، أخذ العلم من الإمام أبي عبيدة، وبعد وفاة الإمام أبي عبيدة انتقل من البصرة إلى الكوفة وقد نسب إليها، المصدر: (الرّاشديّ: أبوعبيدة وفقهه، 239/ يوسف المزاتيّ: أجوبة ابن خلفون، 115).
(4) _ ضمام بن السّائب: أصله من عمان من النّدب، ومولده بالبصرة من علماء الطّبقة الثّانية من أئمّة الإباضيّة وفقهائهم، أخذ العلم عن جابر بن زيد، وكان ممّن تصدّر للفتيا في أيّام أبي عبيدة وقد دوّنت رواياته عن جابر بن زيد في كتاب "روايات ضمام"، جمعه أبو صفرة عبد الملك بن صفرة، المصدر: (يوسف المزاتيّ: أجوبة ابن خلفون، 112)..
(1/6)
أبو نوح صالح الدّهّان (1) ، شعيب بن معروف (2) ، حاجب (3) ابن عبّاد المصريّ (4) . (5)
ثانيّا: تلاميذه:
__________
(1) _ أبو نوح صالح بن نوح الدّهّان: سكن البصرة وكان مسكنه في طئ، كان شديد الورع غزير العلم، أخذ عن جابر بن زيد وغيره، وعنه أخذ الرّبيع، يقول عنه الدّرجينيّ: "شيخ التّحقيق وأستاذ أهل الطّريق، وناهج طرق الصّالحين"، المصدر: (الرّاشديّ: أبوعبيدة وفقهه، 601/ الدّرجينيّ: الطّبقات،02/254/يوسف المزاتيّ: أجوبة ابن خلفون، 109/ أحمد بن سعيد بن عبد الواحد الشّمّاخيّ: كتاب السّير، تحقيق أحمد بن مسعود السّيابيّ، 1407هـ/1987م، وزارة التّراث القوميّ والثّقافة01/82).
(2) _ أبو المعروف شعيب بن المعروف: من طبقة الرّبيع بن حبيب، ويظهر أنّ موطنه مصر، أو أنّه أقام فيها فترةً من زمان وكان بها عند وقوع الخلاف بالمغرب على إمامة عبد الوهّاب فرحل إلى تاهرت وعاضد النّكار ثمّ رجع إلى طرابلس بعد هزيمة يزيد بن فندين، وواصل معارضته للأمام عبد الوهّاب وبسبب ذلك خلعه الرّبيع وبقيّة أئمّة المذهب وأعلنوا البراءة منه، المصدر: (يوسف المزاتيّ: أجوبة ابن خلفون، 113).
(3) _ حاجب أبو مودود حاجب الطّائيّ: أصله من عمان وكان مولده بالبصرة، وكان السّاعد الأيمن لأبي عبيدة في نشاطاته وكان هو القائم بشؤون الحرب وجمع المال وشراء السّلاح والنّظر في أمور الدّعوة والمجالس، توفّي في أيّام أبي جعفر المنصور، المصدر: (يوسف المزاتيّ: أجوبة ابن خلفون، 114).
(4) _ عبد الله بن عبّاد المصريّ: الفقيه المفتي، وهو غير محمّد بن عبّاد المدنيّ، أخذ العلم عن أبي عبيدة مسلم بالبصرة وعاد إلي مصر وأقام بها، أرسل إليه الإمام عبد الوهّاب بمسائل فأفتاه بها، وهو من طبقة الرّبيع بن حبيب، المصدر: (الرّاشديّ: أبو عبيدة وفقهه، 267-268).
(5) _ البوسعيديّ: رواية الحديث، 92.
(1/7)
إنّ من كان مثل الإمام أبي غانم _ رحمه الله _ في العلم والصّلاح والجهاد في طلب العلم لا بدّ أن يكون قد تتلمذ على يده عددٌ كبيرٌ من أهل العلم، ولكنّ المصادر لا تسعفنا بعددٍ كبيرٍ، ولعلّ السّبب في ذلك هو المطاردات من الفرق الأخرى، وكذلك تلف المكتبات الإباضيّة .
ومن أشهر تلامذته: أبو حفص عمروس بن فتح المساكينيّ النّفوسيّ (1) ، والإمام أفلح بن عبد الوهّاب الرّستميّ (2) . (3)
المطلب الرّابع: آثاره ووفاته:
أوّلاً: آثاره:
ذكرت المصادر أنّ لأبي غانم كتابين هما:
1- المدوّنة: وهو موضوع البحث، وسأتكلّم عنه بشيءٍ من الاختصار.
2- اختلاف الفتيا أو الفتوى: وهو مفقودٌ لم يعثر عليه (4) .
ثانياً: وفاته:
__________
(1) _ سبق التّعريف به.
(2) _ هو الإمام أفلح بن عبد الوهّاب بن عبد الرّحمن بن رستم: الإمام الثّالث للدّولة الرّستميّة بتاهرت، خلف أباه سنة 190هـ، كانت وفاته بين سنتي 240-250، مكث في الحكم طويلاً، المصدر: (يوسف المزاتيّ: أجوبة ابن خلفون، 11).
(3) _ البوسعيديّ: رواية الحديث، 97.
(4) _ ندوة الفقه الإسلاميّ: بحث الشّيخ مبارك الرّاشديّ، 188.
(1/8)
تذكر بعض المصادر أنّ وفاته كانت سنة 200هـ/815م (1) ، إلاّ أنّ الشّيخ صالح البوسعيديّ يرى رأياً آخر في تاريخ وفاته، إذ يقول: "إنّ التّاريخ المذكور سابقاً غير دقيقٍ، وأنّ وفاة أبي غانم كانت بعد ذلك، والّذي يدعونا إلى هذا التّرجيح، هو أنّ الإمام أبا غانم قد لقي عمروس ابن فتح وترك عنده نسخةً من المدوّنة، وعمروس قتل في موقعة (مانو) سنة 283هـ، وتبيّن قصّة مشاركته أنّه كان قوياًّ وصلباً فلو فرضنا أنّ أبا غانم قد لقيه سنة 200هـ مثلاً، وفرضنا أنّ عمروس كان عمره حينئذ عشرين سنةً على الأقلِّ، فيكون سنّ عمروس حين استشهاده مائة وثلاث سنين، ورجل في مثل هذا السّنّ تستبعد مشاركته في الحرب بتلك الصّلابة التّي يوصف بها، ولذا فأنّه يترجّح أنّ لقاء أبي غانم بعمروس كان في أواخر الرّبع الأوّل من القرن الثّالث وليس في مطلعه كما ذكرت المصادر، ومعنى هذا أنّ وفاة أبي غانم ليست قبل هذا التّاريخ (2) .
ويرى الباحث سلطان الشّيبانيّ بخلاف ما رآه الشّيخ البوسعيديّ إذ يقول:
"أولاًّ: إنّ مرور أبى غانم بعمروس وتركه نسخةً من المدوّنة عنده كان في زمن الإمام عند الوهّاب بن عبد الرّحمن وقد اختلف المؤرّخون في سنة وفاة الإمام عبد الوهّاب،
__________
(1) _ الأستاذ مشهور حسن محمود، الدّكتور حسن يوسف أبو سمّور، الأستاذ عمر محمّد العرمطيّ: موسوعة العالم الإسلاميّ، وكالة النّعيم للإعلان والطّباعة، الطّبعة الأولى.
(2) _ البوسعيديّ: رواية الحديث، 98.
(1/9)
فقيل: عام 188 هـ، وهو قول ابن عذارى المراكشيّ، وقيل: سنة 190 هـ، وهو القول الّذي رجّحه البارونيّ (1) وتابعه الدّكتور عمرو النّاميّ (2) ، وقيل: سنة 208هـ.
__________
(1) _ الشّيخ سليمان البارونيّ باشا: سياسيّ محنّك، وعالمٌ حكيمٌ، من العائلة البارونيّة المعروفة بجبل نفوسة، ولد عام 1287هـ، أخذ مبادئ العلوم عن والده، ثمّ سافر إلى تونس لتلقّي العلوم العربيّة بجامع الزّيتونة، وهو ذو أناةٍ وتبصّر في جميع الأمور، حيث كان من المجاهدين في تحرير بلاده من العدوّ الغاصب، وكان على قدرٍ عظيمٍ من علوّ الهمّة والشّهامة، والكرامة وعزّة النّفس، سافر إلى عدّة بلدانٍ إسلاميّةٍ وغربيّةٍ، وتوفّي سنة 1359هـ، انظر: (سليمان باشا في أطوار حياته: الحاج إبراهيم أبو اليقضان، طبعة الدّار العمانية، 47).
(2) _ الدّكتور عمرو بن خليفة النّاميّ: مفكّر إسلاميّ بارز، ولد سنة 1939م، في مدينة (نالوت) بجبل نفوسة، تربّى في أحضان عائلةٍ فقيرةٍ، ولكنّها غنيّة بالقيم، و المحافظة على الدّين، وتعلّم بها مبادئ اللّغة والعلوم الشّرعيّة، سافر إلى مصر، ثمّ إلى بريطانيا، ودرس في جامعة كمبردج بجدّيّةٍ ونشاطٍ خمس سنواتٍ، وكتب أبحاثه باللّغين العربيّة والإنجليزيّة ثمّ رجع إلى بلده ليبيا ثمّ نُفِيَ إلى أمريكا اللاّتينيّة، ثمّ طلب اللّجوء إلى اليابان عام 1979م، ولعب دوراً بارزاً في الحياة العلميّة والثّقافيّة، وفي عام 1981م ألقي عليه القبض في بلده وأودع السّجن وانقطعت أخباره سنة 1986م، ينظر: (دراسات عن الإباضيّة: الدّكتور عمرو النّاميّ، ترجمة ميخائيل خوري، راجعه ماهر جرّار، وعلّق عليه الدّكتور محمّد بن صالح ناصر ومصطفى باجو، الطّبعة الأولى، 2001م، دار الغرب الإسلاميّ، 09).
(1/10)
وعلى القولين الأوّلين: يكون أبو غانم قد التقى بعمروس سنة 188هـ، أو 190هجريّ، وهذا الّذي يراه الدّكتور النّاميّ إذ يقول: "إنّ أبا غانم رحل إلى تاهرت في أواخر القرن الثّاني الهجريّ، وأمّا على القول الأخير فرحلة أبى غانم يمكن أن تكون في أوائل القرن الثّالث، ولكنّها لا تتعدّى سنة 280هـ (1) .
ثانياً: تشير المصادر أنّ عمروس لما نقل المدوّنة كان عمره صغيراً وتشير كذلك إلى أنّه عمّر زمناً طويلاً، ويرجّح الشّيخ السّالميّ رحمه الله إلى أنّ مولد عمروس كان في أواخر العقد السّادس من القرن الثّاني الهجريّ.
وبناءً على ما سبق فلا يستبعد أن يكون الإمام أبو غانم قد توفي سنة 200هـ.
المبحث الثّاني :التّعريف بالمؤلَّف وبيان منهجه فيه:
المطلب الأوّل: التّعريف بالكتاب:
لقد خلّف الشّيخ أبو غانم مدوّنته الشّهيرة التّي تعتبر من أقدم ما دوّن في الفقه الإباضيّ، التّي جمع فيها أقوال تلاميذ الإمام أبي عبيدة، والمدوّنة كتاب يتكوّن من أثني عشر مجلداً يحوي أحاديث النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأثار الصّحابة وأقوال التّابعين (2) فهي كتاب حديثيّ من جهة وكتاب فقهيّ لما شمله من مسائل وأجوبة بين أبى غانم وأشياخه (3) وتنقسم هذه المسائل إلى قسمين، منها ما سأل عنها مشافهةً، ومنها ما أخبره بها من سأل أولئك التّلاميذ مشافهةً.
يقول أبو غانم في مدوّنته: "سألت الرّبيع وأبا المهاجر وأبا المؤرّج وأبا سعيد عبد الله بن عبد العزيز وأبا غسّان مخلّد بن العمرد وأبا أيّوب وحاتم بن منصور منهم من سألت مشافهةً ومنهم من أخبرني من سألهم مشافهةً (4) ".
__________
(1) _ البوسعيديّ: رواية الحديث، 99.
(2) _ مبارك الرّاشديّ: أبو عبيدة وفقهه، مرجع سابق، 389.
(3) _ حمد الهاشميّ: اللّطائف المكنونة، مرجع سابق، 23.
(4) _ أبو غانم بشر بن غانم الخراسانيّ: المدوّنة الصّغرى، الطّبعة الأولى، وزارة التّراث القوميّ والثّقافة، 01/13.
(1/11)
ولم يقتصر الشّيخ أبو غانم على هؤلاء العلماء، بل نجده يسأل غيرهم من العلماء مثل محبوب بن الرّحيل وابن عبّاد وغيرهم، وإنّما خصّ هؤلاء بالذّكر لأنّ أغلب مادّة المدوّنة جاءت من طريقهم (1) ، والمتتبّع للمدوّنة يجد أنّ صاحبها قصد منها جمع أقوال الرّسول - صلى الله عليه وسلم - والعلماء والفقهاء من قبله فهي تحتوى على:
? 140 من أقوال المصطفى _ صلوات الله وسلامه عليه_ (2) .
? 245 من أثار الصّحابة رضوان الله عليهم.
? 1907 أقوال فقهاء المذهب الإباضي.
? 40 رأياً للمذاهب الأخرى فقط وقلّ أن تجد له رأياً في مسألة (3) .
يقول الشّيخ صالح البوسعيديّ: "فالمدوّنة على صغر حجمها قامت بسدّ فراغٍ كبيرٍ في المكتبة الإسلاميّة عموماً والمكتبة الإباضيّة خصوصاً، وهيّأت الأرضيّة الصّالحة لمن جاء بعد أبى غانم للاطّلاع على أقوال السّلف ونقدها واختيار الأصحّ منها، بحيث لا تبدأ الاجتهادات من فراغٍ، بل يوجد لها منطلق تنطلق منه إلى أفقٍ أوسع من الاجتهاد والتّرجيح و اختيار الأصحّ من الأقوال" (4) .
__________
(1) _ البوسعيديّ: رواية الحديث، 99.
(2) _ يبدو والله أعلم أنّ الشّيخ الجليل قد اعتمد على نسخةً أخرى من المدوّنة غير التّي نعمل عليها أنا وزملائي حيث أنّ الأحاديث الواردة فيها بأنواعها المختلفة كالمقطوع و الموصول ترنو على ذلك بكثيرٍ فقد تجاوزت الثّلاث مائة رواية، نقد الدّكتور عمر محمّد عبد المنعم الفرماوي .
(3) _ يعقوب بن حمد الشّريقيّ: بحث تخرّج بعنوان الحثيث في التّخريج عدد من الأحاديث، ثلاثون حديثا من المدوّنة الكبرى لأبي غانم، بحث تخرّج بمعهد العلوم الشّرعيّة، 1421هـ، مخطوط بيد الباحث، 10.
(4) _ صالح البوسعيديّ: رواية الحديث، مصدر سابق، 99.
(1/12)
وتعتبر المدوّنة من أهمّ الآثار الإسلاميّة، لما تحويه من أحاديث المصطفى عليه السّلام وأقوال الصّحابة وأفعالهم كابن عبّاس (1) ، وابن مسعود (2) ،
__________
(1) _ عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب الهاشميّ: ... يقال له حَبر الأمّة والبحر، روى عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وعن أبيه وأبي بكر وغيرهم، وعنه: أبناءه علي وأبن ابنه محمّد، وغيرهم، قال عنه ابن مسعود: "نعم ترجمان القرآن ابن عبّاس"، توفّي رضي الله عنه سنة 68هـ، ينظر: (عزّ الدّين بن الأثير أبي الحسن الجزريّ: أسد الغابة في معرفة الصّحابة، الطّبعة الأولى، 1416هـ/ 1996م، دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت، 03/295/ الإمام الحافظ شهاب الدّين أحمد بن علي بن حجر العسقلانيّ: تهذيب التّهذيب، الطّبعة الأولى، 1404هـ/1984م، دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت، 03/242/ والإصابة في تميز الصّحابة، بدون طبعة، دار الكتاب العربيّ، 02/322).
(2) _ عبد الله بن مسعود بن غافل الهذليّ، أبو عبد الرّحمن، أسلم حين أسلم سعيد بن زيد، وأوّل من جهّز بالقران بمكّة، وكان يخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، هاجر الهجرتين، وروى عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وسعد بن معاذ، وغيرهم وعنه: ابنه عبد الرّحمن وعبد الله بن عتبة وأبو سعيد الخدريّ، مات سنة 32هـ، ينظر: (عزّ الدّين بن الأثير: أسد الغابة 03/394/ يوسف بن عبد الله بن عبد البرّ: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق علي محمّد البجاويّ، الطّبعة الأولى، 1412هـ/ 1992م، دار الجيل، 03/933/ ابن حجر العسقلاني: الإصابة، 02/360/ وتقريب التّقريب: الطّبعة الأولى، 1395هـ/1975م، دار المعرفة، 01/450)..
(1/13)
وابن عمر (1) ، وأنس (2) ، وعثمان (3) ، وعمر (4) ،
__________
(1) _ عبد الله بن عمر بن الخطّاب القرشيّ العدويّ: أسلم مع أبيه وهو صغير، شهد الخندق وما بعدها روى عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، وأبو بكر، وأبيه، وعنه ابن عبّاس، وجابر، وسعيد بن المسيّب، توفّي سنة 73هـ، ينظر: (عزّ الدّين بن الأثير: أسد الغابة، 03/347/ ابن حجر العسقلانيّ: الإصابة، 02/338).
(2) _ أنس بن مالك بن النّظر الانصاريّ الخزرجيّ: خادم رسول - صلى الله عليه وسلم - ، روى عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وعن أبي بكر وعمر، دعا له الرّسول عليه السّلام بكثرة المال والأولاد والجنّة، مات سنة 95هـ، ينظر: (ابن حجر العسقلانيّ: الإصابة 01/84/ ابن عبد البرّ: الاستيعاب، 01/109).
(3) _ عثمان بن عفّان بن العاصيّ القرشيّ: يكنّى بأبي عبد الله، زوّجه الرّسول - صلى الله عليه وسلم - بابنتيه رقيّة وبعدها أمّ كلثوم، ويسمّى بذي النّورين، وهو ثالث الخلفاء الرّاشدين قُتل بالمدينة يوم الجمعة ثمان عشر خلت من ذي الحجّة سنة 30هـ، ينظر: (عزّ الدّين ابن الأثير: أسد الغابة 03/606/ ابن حجر العسقلانيّ: تهذيب التّهذيب، 07/139/ وابن عبد البرّ: الاستيعاب، 03/1037).
(4) _ عمر بن الخطّاب بن نفيل القرشيّ العدويّ، أبو حفص: أمير المؤمنين، روى عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، وأبى بن كعب، وعنه أبناءه عبد الله، وعاصم وحفصة وغيرهم، تولّى الخلافة بعد أبو بكر الصّديق ودامت عشر سنين وخمسة أشهرٍ، قتل انتهاء ذي الحجّة بأربعة أيام، سنة 23هـ بعدما طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، ودفن مع الرّسول - صلى الله عليه وسلم - ، ينظر: (ابن حجر: الإصابة 02/511/ ابن عبد البرّ: الاستيعاب03/1144)..
(1/14)
وعلي (1) ، وعائشة (2) ، وغيرهم.
__________
(1) _ علي بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلّب الهاشميّ القرشيّ أبو الحسن: كنّاه رسول - صلى الله عليه وسلم - أبا تراب والخبر مشهورٌ، روى عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وغيرهم، وعنه أبناءه الحسن والحسن وعمر وغيرهم، وهو زوج فاطمة بنت رسول - صلى الله عليه وسلم - ، قُتِل سنة 40هـ، ينظر: (ابن حجر: الإصابة 02/501/ ابن عبد البرّ: الاستيعاب 03/1089).
(2) _ عائشة بنت أبي بكر الصّدّيق: أمّ المؤمنين، زوجة الرّسول - صلى الله عليه وسلم - واشهر نسائه، تزوّجها بعد خديجة رضي الله عنها، قال الرّسول - صلى الله عليه وسلم - : "فضل عائشة على النّساء كفضل الثّريد على سائر الطّعام"، توفّيت _ رضي الله عنها _ سنة 57هـ، ينظر: (عزّ الدّين بن الأثير: أسد الغابة 07/205/ ابن عبد البرّ: الاستيعاب، 04/1881).
(1/15)
كما تضم أقوال التّابعين كالإمام جابر بن زيد (1) ، وقتادة (2) ، والحسن (3) ، والزّهري (4) ، وغيرهم وتضمّ أقوال وإجابات علماء غيرهم ممّا يجعلها كنزاً ثميناً ومرجعاً ثرياًّ أصيلاً للأمّة الإسلاميّة.
__________
(1) _ جابر بن زيد اليحمديّ الأزديّ الجوفيّ العمانيّ أبو الشّعثاء: ولد بالجوف بولاية نزوى ونشأ في أحضان عائلة علم ورواية، تتلمذ على يد عددٍ كبيرٍ من الصّحابة والتّابعين، وقال: "أدركت سبعين بدرياًّ فحويت ما عندهم من العلم إلاّ البحر"، وهو مؤسّس المذهب الإباضيّ، مات سنة93هـ، ينظر: (الدّكتور صالح بن أحمد الصّوافيّ: الإمام جابر بن زيد العمانيّ وأثره في الدّعوة، الطّبعة الثّانية، 1409هـ/1989م، وزارة التّراث القوميّ والثّقافة 30/ معجم أعلام الإباضيّة: لجنة البحث العلميّ، نشر جمعيّة التّراث، غرداية، الجزائر، الطّبعة الأولى، 1420هـ /1999، 01/217).
(2) _ قتادة بن دعامة بن عزيز السّدوسيّ البصريّ: روى عن أنس بن مالك وعبد الله بن سرجس وأبي الطّفيل، وعن أيّوب بن يونس، وأبو هلال الرّاسبيّ وهشام الدّستوائيّ، قال عنه إبن سيرين: "قتادة أحفظ النّاس"، توفي سنة 117هـ، ينظر: (ابن حجر: تهذيب التّهذيب، 04/541/ وتقريب التّقريب، 02/123).
(3) _ الحسن بن أبى الحسن يسار البصريّ: كان فصيحاً، رأى علياًّ وطلحة وعائشة رضي الله عنهم، روى عن أبيّ بن كعب، سعد بن عبادة وعمر بن الخطّاب، وعنه: حميد الطّويل، ويزيد بن أبي مريم، وأيّوب، ورأى مائة وعشرون صحابياًّ، وهو على رأس الطّبقة الثّالثة، توفّي سنة 110هـ، ينظر: (ابن حجر: تهذيب التّهذيب، 01/481/ وتقريب التّقريب، 01/165).
(4) _ محمّد بن عبد الله بن مسلم الزّهريّ، أبو عبد الله المدنيّ: روى عن أبيه وعمّه وصالح بن عبد الله، وعنه: محمّد بن إسحاق وعبد الرّحمن بن إسحاق وغيرهم، توفّي سنة 152هـ، ينظر: (ابن حجر العسقلانيّ: تهذيب التّهذيب، 05/180/ وتقريب التّقريب، 02/180).
(1/16)
كما أنّها تمثّل في المذهب الإباضيّ مصدراً من المصادر المهمّة بعد كتاب الله والجامع الصّحيح الإمام الرّبيع بن حبيب، وذلك لأنّ سلسلة إسنادها ثلاثيّة ورباعيّة وخماسيّة على الأكثر، كما أنّها تضمّ أقوال أئمّة المذهب العُدول الثّقات ممّا يجعلها صحيحةً النّقل حيث أنّها ألّفت في القرن الثّاني الهجريّ (1) .
وقد قام الإمام القطب محمّد بن يوسف أطفيّش (2) بترتيب المدوّنة وجعل حاشيّة عليها، وهي عبارةٌ عن تعاليق مقتضبة على بعض المسائل، وأصل المدوّنة الكبرى نسخةٌ من المدوّنة الصّغرى، ولكنّ القطب زاد عليها بعض المسائل و التّعليقات (3) .
وقد قامت وزارة التّراث والثّقافة بسلطنة عمان بطباعة المدوّنة في سنة 1404هـ/1984م مرّتين، فأطلقت على الطّبقة الأولى (المدوّنة الصّغرى)، وهي بدون حاشيّة القطب، والاتّفاق بين المدوّنتين كبيرٌ، وإن كان بينهما بعض الاختلاف، وربّما بسبب اعتماد القطب على نسخةٍ مختلفةٍ للمدوّنة (4) .
المطلب الثّاني: منهج أبي غانم في المدوّنة:
__________
(1) _ صالح البوسعيديّ: رواية الحديث، مصدر سابق، 99.
(2) _ الشّيخ محمّد بن يوسف بن عيسى أطفيّش: ولد سنة 1238هـ، اشتهر عند الإباضيّة بلقب (القطب)، تلقّى مبادئ العلوم على يد جدّه لأمّه، ورحل لتكميل دراسته، وبعد رجوعه سعى هو ورفاقه إلى إنشاء مدرسة الاستقامة العصريّة، وشيّد مكتبة القطب أطفيّش، توفّي سنة 1336هـ، ينظر: (معجم أعلام الإباضيّة: 08/851/ وينتن مصطفى ناصر: آراء الشّيخ أمحمّد يوسف أطفيّش العقديّة، بحث مقدّم لنيل الماجستير، إشراف الدّكتور بشير بوجناية الزّاز، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلاميّة، 1416هـ/1996م، قسنطينة، الجزائر).
(3) _ علي بن أحمد المنذريّ: كشف الخفاء في تخريج أحاديث المصطفى، بحث تخرّج بمعهد العلوم الشّرعيّة لعام 2002م.
(4) _ حمد الهاشميّ: اللّطائف المكنوّنة، مصدر سابق، 23.
(1/17)
لم ينصّ أبو غانم _ رحمه الله _ على منهج خاصٍّ به يتبعه، ولكن بعد استقراء وتتبّعٍ شديدين وجدت أنّه حرص على تحقيق الهدف الّذي سعى إليه وهو جمع أقوال علماء الإباضيّة، ولذلك فإنّنا نجد أنّ المدوّنة ما هي إلاّ عبارة عن أقوالٍ لأشياخ المؤلّف ومن سبقهم، وقلّما تجد للإمام أبي غانم رأياً في المسألة، وهو يحصل على تلك الأقوال بسؤالٍ منه مباشرةً وهو الأكثر، أو بسؤال أحدٍ حضرته، أو بنقل شخصٍ ثالثٍ (1) .
وهذا الأخير يكاد يكون المنهج السّائد المتّبع في المدوّنة، فهو يعرض المسألة بصيغة: (وسألت فلاناً عن كذا...قال...) وأمّا من ناحية عرضه للمسائل الفقهيّة نجده عرضها مرتبةً ترتيباً فقهياًّ حسب التّقسيم الشّائع بتقديم أبواب الطّهارة والصّلاة ثمّ الزّكاة ثمّ الصّوم ثمّ النّكاح والطّلاق...الخ (2)
وبالنّسبة لمنهجه في ترتيب المسائل في الباب الواحد فإنّ الإمام أبا غانم عند كلامه عن أيّ باب يقوم بسرد الأسئلة تباعاً من غير أن يكون لها ترتيب معيّن، ولعلّ السّبب في ذلك هو أنّه لو التزم بترتيبٍ معينٍ لاستلزم ذلك أن يستوفي جميع ما يتعلقّ بالباب،وهو ما لا يمكنه لانحصار مادّته في أقوال العلماء.
وكذلك نجده لا يرتّب المسائل على اعتبار أقوال قائليها، وذلك لوجود أكثر من قول في كثيرٍ من المسائل ممّا يضطرّه إلى تكرير المسألة أكثر من مرّة.
فرأى أن يضمّ الأقوال بعضها إلى بعض أفضل وأيسر من تفرّقها، كما أنّ هذا الجمع أفضل للقارئ لأنّه يجد بغيته في مكان واحدٍ (3) .
__________
(1) _ البوسعيديّ: رواية الحديث، 103.
(2) _ ياسين كومني: ابن عبد العزيز وفقهه في كتاب اليبوع من خلال مدوّنة أبي غانم، بحث تخرّج بمعهد العلوم الشّرعيّة 1420هـ/1999م ، بخطّ يد الباحث، 29.
(3) _ البوسعيديّ: رواية الحديث، 104-105.
(1/18)
كما تعتبر المدوّنة كتاباً تربوياًّ حيث إنّ مؤلّفه يذكر فيه آداب السّؤال، ويذكر المداخلات التّي تجرى ولو كانت في غير الموضوع المسؤول عنه، وأحياناً ينقل حركات الشّيخ المعبّرة عن الرّفض أو الموافقة (1) .
المطلب الثّالث: منهج المؤلّف في رواية الحديث:
عندما نمعن النّظر في المدوّنة نجد أنّ الأحاديث الّتي ذكر فيها إسناد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قليلة جداًّ، وعددها (140) حديثاً، ولكنّ هذه النّسبة من الأحاديث لا بأس بها في كتاب ألّف في الفقه ولم يفرد للحديث، وقد جاءت هذه الأحاديث كالتّالي:
متّصلة، ومرسلة، ومعضلة، ومنقطعة، ومعلّقة، وعندما نتتبّع عدد الأحاديث المتّصلة نجدها قليلةً جداًّ فقد بلغ عددها (21) حديثاً فقط والباقي غير متّصلة، ممّا يجعلنا نلحظ قلّة الاهتمام بالسّند ومردّ ذلك أنّ المدوّنة كتاب فقهٍ وليست كتاب حديث (2) وهذه عادة الفقهاء وهي الوصول إلى الدّليل بغضّ النّظر عن الطّريق إليه ولذلك كانت معظم الرّوايات مرويّة بالمعنى.
غير أننّا إذا تتبّعنا أسباب كثرة ورود الأحاديث غير المتّصلة في المدوّنة نجد أنّ ذلك يعود غالباً إلى الأسباب التّالية:
01_ أنّ هذا صنع الفقهاء.
02_ أنّ هذه الأحاديث لم تصل مسندةً.
03_ أنّ هذه الأحاديث وصلته مسندةً ولكنّ لشهرتها لم يذكر سندها اكتفاءً بشهرتها.
04_ أنّه يورد بعض الأحاديث مورد الرّدّ والتّضعيف.
__________
(1) _ يعقوب الشّريقيّ: الحثيث في تخريج عددٍ من الأحاديث، 11.
(2) _ البوسعيديّ: رواية الحديث، 119.
(1/19)
http://www.shamela.ws
الكتاب : أبو غانم الخراساني ومدونته لـ...؟
ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع
01_ المبحث الأوّل: التّعريف بصاحب الكتاب:
المطلب الأوّل: نسبه ومولده:
هو الشّيخ الإمام العالم الحافظ الفقيه أبو غانم بشر بن غانم الخراسانيّ، من أهل خراسان (1) كما هو ظاهر من النّسبة إليها، ولم نستطع الوقوف على تاريخ ولادته بالدّقّة، والظّاهر أنّ كثيراً من الأوائل لم يهتمّوا بتدوين سيرهم والكتابة عن حياتهم، ذلك لأنّهم اشتغلوا بالدّين ونشره والسّعي في طلب العلم وتعليمه، وإقامة شرع الله في أرضه، فلم يلتفتوا إلى تدوين حياتهم وخصوصاً سنة مولدهم.
قدِم إلى البصرة لتلقّي العلم لأنّ البصرة في ذلك الوقت كانت قبلة للعلم فهي تزخر بشتّى فنون العلم، وفي شتّى المذاهب الإسلاميّة، قدم لتلقّي العلم على يد علماء الإباضيّة وخاصّة أبي عبيدة (2) وإن كان لم يدرك من حياته إلاّ قليلاً، إلاّ أنّه أخذ العلم عن تلامذته وعنهم دون كتبه وأهمّها المدوّنة الّتي دوّن فيها أقوال تلاميذ أبي عبيدة ورواياتهم واختلافاتهم (3) .
__________
(1) _ خراسان: بلادٌ واسعةٌ، أوّل حدودها العراق وآخر حدودها الهند، اختلف في تسميّتها، خراسان، فقيل: خراسم: للشّمس بالفارسيّة، وقيل: أسان: كأنّه أصل الشّيء ومكانه، وقيل غير ذلك، ينظر: (ياقوت الحمويّ: معجم البلدان، دار إحياء التّراث العربيّ بيروت الطّبعة الأولى، 1417هـ/1997م، 01/218).
(2) _ أبو عبيدة: مسلم بن أبي كريمة البصريّ التّميميّ بالولاء، ولد في البصرة ونشأ وعاش فيها، انتصب للتّعليم أربعين عاماً، أخذ العلم عن جابر بن زيدٍ، صحاريّ العبسيّ، وجعفر السّماك ،ومن بعض الصّحابة مثل ابن عبّاس وأبو هريرة وأنس وغيرهم توفّي سنة 145هـ تقريبا ، المصدر: (مبارك بن عبد الله بن حامد الرّاشديّ: الامام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التّميميّ وفقهه، الطّبعة الأولى، 1413/1993، ص 25).
(3) _ ينظر :
_ دليل مصادر الفقه الإباضيّ (قسم المشرق): 68.
_ صالح بن أحمد البوسعيديّ: رواية الحديث عند الاباضيّة، الطّبعة الأولى، بدون ذكر دار النّشر، 1420هـ/2000م، 89 =
=_ أحمد بن سعيد الشّمّاخيّ: كتاب السّير، تحقيق أحمد بن سعود السّيابيّ، الطّبعة الثّانية، وزارة التّراث القوميّ والثّقافة، سلطنة عمان، 01/194.
_ صالح بن أحمد البوسعيديّ: رواية الحديث عند الاباضيّة، الطّبعة الأولى، بدون ذكر دار النّشر، 1420هـ /2000م، 89.
_ أحمد بن سعيد الشّمّاخيّ: كتاب السّير، تحقيق أحمد بن سعود السّيابيّ، الطّبعة الثّانية، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، 01/194.
_ عمروس بن فتح النّفوسيّ، أصول الدّينونة الصّافية: تحقيق الحاج أحمد بن حمّو كرّوم الطّبعة الثّانية، 1420هـ/1999م، ص 24.
_ يوسف بن خلفون المزاتيّ: أجوبة ابن خلفون، تحقيق الدّكتور عمرو بن خليفة النّاميّ، دار الفتح، بيروت، الطّبعة الأولى، 1394/1974م، 111.
_ طبقات المشائخ بالمغرب: تحقيق ابراهيم طلاّي، بدون دار نشر وطبعة، 02/323.
_ عمير بن علي المعمريّ: الفتح المغيث في تخريج أربعة وثلاثين حديثاً من المدوّنة، بحث تخرّج بمعهد العلوم الشّرعيّة لعام 1420-1421هـ، بيد الباحث، 04.
(1/1)
المطلب الثّاني: صفاته وحياته ورحلاته في طلب العلم:
عندما نمعن النّظر في سيرة الإمام أبي غانم ومدوّنته وما ذكر عنه في الكتب، ندرك ما كان يتحلّى به الإمام الجليل من صفات أهل العلم (1) ، فقد كان _ رحمه الله _ حافظاً للعلم، ساعياً في تدوينه، محافظاً عليه من الضّياع، وكان يتّصف بالتّواضع والأمانة والدّقّة في النّقل، وعُرِف عنه كثرة مسألته لأشياخه واستجوابهم والتّحرّي في النّقل وتمحيص المسائل والوقوف عند النّصّ، وإبداء رأيه أحياناً، وكان مطّلعاً على مجريات التّاريخ فقد انتقل من المشرق إلى المغرب لزيارة الإمام عبد الوهاب (2) لتهنئته بالإمامة (3) ، وممّا يدلّ على
__________
(1) _ البوسعيديّ: رواية الحديث، مصدر سابق، 090
(2) _ هو الإمام عبد الوهّاب بن عبد الرّحمن بن رستم، بويع بالإمامة بعد أبيه حوالي 171 هـ، ومكث في الحكم تسع عشر سنةً، وكانت وفاته حوالي190 هـ، له مؤلّفات منها: "كتاب مسائل نفوسة"، ينظر: (سليمان باشا البارونيّ: الأزهار الرّياضيّة في أئمّة وملوك الإباضيّة، تحقيق محمّد علي الصّليبيّ، 1407هـ/1987م، وزارة التّراث القوميّ والثّقافة، 151/ يوسف المزاتيّ: أجوبة ابن خلفون، مصدر سابق، 109).
(3) _ حمد بن عبد الله الهاشميّ: اللّطائف المكنونة في تخريج أحاديث المدوّنة، خمسين حديثاً من المدوّنة الكبرى، بحث تخرّج بمعهد العلوم الشّرعيّة، 1415هـ/1995م، مخطوط بيد الباحث، 13.
(1/2)
حرصه في طلب العلم رحلاته الّتي قام بها، فقد رحل في أواخر القرن الثّاني الهجريّ إلى تاهرت (1) مارًّا بجبل نفوسة في ليبيا (2) ، ورويت عنه المدوّنة الّتي دوّن فيها أقوال تلاميذ أبي عبيدة في الفقه ورواياتهم واخلافاتهم (3) ، رويت عنه في تاهرت عندما كان زائراً للإمام عبد الوهّاب، فاستودعها عمروس بن فتح (4) فاستنسخ منها نسخةً بقيت بالمغرب وكانت في اثني عشر مجلّداً طبع منها مجلدان (5) .
وشخصٌ هذه صفاته يبدو للباحث أنّه قد قضى أغلب حياته في البصرة يطلب العلم على يد أبي عبيدة وتلامذته من بعده، وعندما تقلّص الوجود الإباضيّ في البصرة قام أبو غانم برحلةٍ علميّةٍ إلى مصر وبلاد المغرب، ثمّ استشهد بها (6) .
المطلب الثّالث: شيوخه وتلاميذه:
أوّلاً: شيوخه:
__________
(1) _ بفتح الهاء وسكون الرّاء، اسم لمدينتين متقابلتين بأقصى المغرب، وهي كثيرة الإنداء والضّباب والأمطار، ينظر: (ياقوت الحمويّ: معجم البلدان، 01/427).
(2) _ يوسف بن بكير الحاج سعيد: تاريخ بني ميزاب، دارسة اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة، 1992م، بدون دار نشر، 149.
(3) _ يوسف المزاتيّ: أجوبة ابن خلفون، مصدر سابق، 111.
(4) _ أبو حفص عمروس بن فتح، ولد في قرية قطرس، توفّي سنة 283هـ، شهد معركة (مانو) بين النّفوسيّين والأغالبة وأُسر فيها، له مؤلّفات عديدة منها: "الدّينونة الصّافيّة" و"كتاب العمروس"، ينظر: (معجم أعلام الإباضيّة، نشر جمعيّة التّراث، القرارة، غرداية، الجزائر، 1420هـ/1999م، 10/ 67).
(5) _ ندوة الفقه الإسلاميّ: المنعقدة بجامعة السّلطان قابوس، بتاريخ 22-26 شعبان 1408هـ، 18.
(6) _ البوسعيديّ: رواية الحديث، 92.
(1/3)
لا شكّ أنّ لكلّ طالب علم شيوخاً يستقي منهم علومه، وقد كان للإمام أبي غانم عددٌ كبيرٌ من الشّيوخ سمّى منهم في مدوّنته أربعة عشر شيخاً وهم: أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة (1) ، الرّبيع بن حبيب (2) ، عبدالله بن عبدالعزيز (3) ، أبو المؤرّج عمر بن محمّد (4) ،
__________
(1) _ أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة البصريّ التّميميّ بالولاء، نشأ وعاش فيها، نصب نفسه للتّعليم أربعين عاماً، وانتصب للتّعليم أربعين عاماُ، أخذ العلم عن جابر بن زيد وصحار العبديّ وجعفر السّماك وضمام بن السّائب، وأخذ من بعض الصّحابة مثل ابن عبّاس وأبي هريرة وأنس بن مالك وغيرهم، توفّي حوالي سنة 145هـ، (مبارك بن عبد الله بن حامد الرّاشديّ: الإمام أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة التّميميّ وفقهه (45-145هـ)، الطّبعة الأولى، 1413هـ، دون دار نشر، 25-30).
(2) _ الإمام الكبير الرّبيع بن حبيب بن عمرو الفراهيديّ، ولد بعمان في منطقة الباطنة بمنطقة غضفان التّابعة لولاية (لوى) نشأ بعمان ثمّ سافر إلى البصرة، أخذ العلم عن جابر بن زيد وأبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة وضمام بن السّائب وصالح بن نوح الد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق