الكتاب: أهمية الأخلاق في حياة الفرد والمجتمع لأحمد الخليلي
أهمية الأخلاق في حياة الفرد والمجتمع
تأليف : الشيخ أحمد بن حمد الخليلي
شبكة الدرة الإسلامية
www.aldura.net
لا ريب أنكم تدركون قيمة الإنسان إذا ما قسمناه إلى غيره من مخلوقات الله الموجودة في هذه الأرض، وهذا يعني أن للإنسان رسالة، وله طبائع خاصة يتميز بها عن غيره من بين هذه الطبائع كونه فطر على فطرة الاجتماع ببني جنسه فكل فرد من أفراد البشر بحاجة إلى الاتصال وعدم الاستقلال في بناء حياته وتحقيق منافعه ومصالحه، فكل فرد هو بحاجة إلى الآخرين، ولا فرق في ذلك بين الحاكم والمحكوم وبين القوي والضعيف وبين الغني والفقير وبين القاصي والداني فالناس جميعا مشتركون في هذا الطبع، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يكون هذا الإنسان مدينا بطبعه إجتماعيا بفطرته فمن أجل ذلك كان كل فرد لا يمكنه أن يستقل بمصالحه وأن يبني حياته بنفسه.
(1/1)
وإذا كان كل فرد من أفراد الجنس البشري هو بحاجة إلى التعامل مع بني جنسه فإن هذا التعامل يجب أن يتم في إطار الخلق الفاضل ليحصل الاستقرار والطمأنينة في نفس كل فرد من أفراد هذا الجنس أما إذا كان التعامل على خلاف ذلك فلا ريب أن النفرة ستكون حاصلة، وأن كل واحد لا يمكنه أن يكون مطمئنا إلى الآخرين بل يلاقي كل فرد منهم سبعا ضاريا وعدوا خطيرا ويتصوره شبحا مخيفا وخطرا رهيبا، ذلك لأن حياة الناس الإجتماعية لا يمكن أن تستقر إلا إذا بنيت على الثقة فيما بينهم وهذه الثقة لا يمكن بحال من الأحوال أن تتم فيما بينهم إذا كانوا يتعاملون بغير الخلق الفاضل فإذا كان يكذب بعضهم على البعض ويفش سر بعضهم بعضا ويحسد بعضهم بعضا ويكيد بعضهم لبعض، ولا يرعى أحد منهم لآخر ذمة ولا يراعي له حرمة في نفسه ولا في ماله ولا في عرضه فلا ريب أن ذلك يثير المخاوف والقلق فيما بينهم فيبقى كل فرد غير آمن على نفسه ولا على عرضه ولا على ماله أما إذا كان التعامل المتبادل بينهم مبنيا على الأخلاق الفاضلة فإن كل واحد منهم يشعر بمشاعر غيره ويحس بأحساسيهم فيصدق على الجميع قول الرسول ( " ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" ومن أجل كون الأخلاق لها هذا الوزن العظيم في حياة الناس فقد عني الإسلام عناية بالغة بالأخلاق الفاضلة في حياة الفرد وفي حياة المجتمع قال تعالى ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ( وكما جاء في أحاديث الرسول ( مدح مكارم الأخلاق وأقدار المتخلقين بمكارم الأخلاق فالرسول ( يقول :" أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا" ويقول عليه أفضل الصلاة والسلام " ليس شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق" وقوله ( " إن
(1/2)
أقربكم مني مجلسا يوم القيامة وأحبكم إلى أحاسنكم أخلاقا وإن ابغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون". وقوله ( لزوجه أم المؤمنين السيدة أم سلمة رضي الله عنها يا أم سلمة" ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة" أي جمع حسن الخلق خير الدنيا والآخرة فلم يبق أي شيء يخرج من إطاره من خير الدنيا والآخرة وبين الرسول ( أن منازل المؤمنين في الجنة إنما هي بحسب تقوى الله وحسن خلقهم وأن العبد ليبلغ بحسن خلقه منزلة كبرى في ميازين الإسلام وأن الإنسان الذي لا يتحلى بحسن الخلق ليست له قيمة في مقاييس هذا الدين الحنيف والرسول ( يحدد رسالته التي بعثه الله تبارك وتعالى بها حيث يقول" بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" والله سبحانه وتعالى يصف الرسول ( بقوله ( وإنك لعلى خلق عظيم(.
(1/3)
ونحن قبل أن نتحدث عن تأثير مكارم الأخلاق ينبغي لنا أن نتصور ما هو الخلق وما هي مكارمه، فالخلق لفظ مأخوذ من خلق يخلق لأن الأخلاق في الأصل هي سجايا في النفس، وقد قال العلماء عنها بأنها بمثابة الخلق للصورة الظاهرة في جسم المرء، فهذا الخلق يصور لنا باطن المرء صورة حقيقة نفسه، كما يصور خلقه الظاهر لما ظهر لنا من جسم وسمي خلقا لأن الإنسان يفطر على السجايا كما يفطر على الصور الظاهرة من جسمه إلا أنه يمكنه أن يكتسب بعمله من هذه السجايا ما يجعله يتحلى بحسن الخلق أو يجعله بعكس ذلك كما جاء في الحديث عن النبي ( :" عليك بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وأن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق في كلامه حتى يكتب عند الله صديقا وإياك والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب في كلامه حتى يكتب عند الله كذابا" فالخلق يكتسبه الإنسان بممارسته لحسنه وسيئه فإن حرص على أن يتحلى بحسن الخلق وذلك بتعويد نفسه العوائد التي تنتج عن الأخلاق الفاضلة من الصدق والعفاف والاستقامة وتجنب الرذائل فلا ريب أنه يتحقق له ما يسمو إليه من ذلك. وتكون هذه الأعمال كأنما فطر عليها بحيث تنقاد نفسه بما يسمو إليه من صادق العمل والقول وانقياد يكاد يكون فطريا فإن حرص الإنسان على أن يكذب في قوله وينحرف في سلوكه ويعامل الناس بالغش ولا يبالي بحرمات الناس ولا تحرمان أعراضهم ولا بحرمات أموالهم فإن ذلك يتحول أيضا إلى سجيه في حياته وخلق في طبعه بحيث لا يمكنه الانفكاك بعد ذلك عنه. ومكارم الأخلاق في موازين الإسلام لا توزن بمعايير حياة الناس المادية فإن للإسلام معايير خاصة ليست ناتجة عن فكر المخلوق القاصر المحدود إذ أن الإنسان مهما اتسم بعمق التفكير وقدرة على التصور والتصوير إلا أن فكره يظل محدودا كسائر طاقاته ويتأثر فكره بمؤثرات كثيرة، فمكارم الأخلاق لا يمكن أن تقاس بحسب استحسان
(1/4)
البيئات وإنما يعود ذلك إلى تشريع الحق سبحانه وتعالى، فالحسن ما أحسنه الشرع الشريف والقبيح ما قبحه الشرع الشريف ومن أجل عناية الإسلام الحنيف بمكارم الأخلاق كان العنصر الخلقي غير مفقود في أي تشريع من تشريعات الإسلام الكثيرة الجمة بل العبادات المشروعة في الإسلام تنمي الأخلاق الفاضلة في حياة المسلمين العابدين، فالصلاة التي يؤديها المرء في اليوم والليلة خمس مرات تنمي في نفس الإنسان الأخلاق الفاضلة من التواضع والإخلاص لك تبارك وتعالى في القول والعمل والصدق في المعاملة والرغبة في ما عند الله وما وراء ذلك من السجايا الكثيرة التي تحصل للإنسان من خلال ممارسته لهذه العبادة المقدسة والشعيرة التي تصل العبد بربه وتصل الفرد بأسرته ومجتمعه وأمته.
والصيام كذلك يربي في النفس الإنسانية الأخلاق الفاضلة كيف لا والصيام يعود الإنسان على غض البصر وعلى الاستعلاء على رغبات نفسه وعلى قدرته على ضبط غرائزه وشهواته وبذلك أيضا يغرس في النفس الإنسانية شعورا بآلام الآخرين.
والزكاة فريضة لابد منها يدفعها الغني إلى الفقير فالغني الذي يعطيها تجعله يستعلي على الرغبة في المال وفي نفسه وتجعله يتحكم في الشهوة المالية، هذه الشهوة لو تركت وشأنها لاستولت على النفس ولكن الله تبارك وتعالى جعل هذه الزكاة التي يهديها العبد إلى اخوانه الفقراء صلة فيما بينه وبينهم تعوده على حسن الخلق وعلى إنفاق المال في الخير، وتعوده على المبادرة إلى كل ما فيه خير ورحمة بالآخرين.
(1/5)
والحج مثل ذلك فالحج يجمع بين الحاكم والمحكوم وبين الغني والفقير وبين القوي والضعيف وبين الأبيض والأسود وبين العربي والأعجمي وبين القاصي والداني وهم مع تمايزهم والاختلاف الذي بينهم تذوب جميع الفوارق بينهم هناك عندما يلتقون جميعا في تلكم العراص وقد تجردوا من كل ما يفصل بعضهم عن بعض، تجردوا من ملابسهم التي تميز كل جنس أو كل طبقة من الناس بحيث يلبسون جميعا لباسا واحدا ويرددون بصوت واحد ( لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك) وفي هذا تربية للنفس الإنسانية على التواضع والتضحية وحب الخير للآخرين وجميع الأخلاق التر رغب فيها الإسلام تدور في فلك الطهارة فالإسلام يهدف إلى الطهارة طهارة الظاهر وطهارة الباطن وطهارة المشاعر والأحاسيس وطهارة الأعمال والسلوك وطهارة العقل وطهارة الفرد وطهارة الأسرة وطهارة المجتمع وطهارة الأمة، فالأخلاق كلها تدور في فلك الطهارة فكل ما شرع من أخلاق في الاسلام إنما شرع لأجل تطهير حياة المسلم الظاهرة والباطنة وترون ذلك واضحا في التشريعات أجتماعية أو مالية أو فردية أو أسرية فإنها جميعا تدور في إطار الطهارة، فالله سبحانه وتعالى عندما شرع ما شرعه من الأحكام التي تتعلق بالأحوال جاءت هذه الأحكام التي تتعلق بالحوال جاءت هذه الأحكام كلها لتطهير النفس الإنسانية ولتطهير الضمير الإنساني ولتطهر هذا المال الذي يعيش به الإنسان فالمال قبل كل شيء هو مال الله وهذا الشعور لابد أن يملء النفس الإنسانية حتى يستعلي الإنسان على حب الاستيثار ويبادر إلى كل ما فيه إيثار للغير على النفس والله سبحانه وتعالى عندما أمر نبيه ( بأخذ الصدقات من الأغنياء للفقراء قال( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ( وقد سمى الله سبحانه وتعالى أهم باب من أبواب الإنفاق الزكاة، وهذه التسمية توحي بما في هذا الفعل من تزكية للنفس فالزكاة مأخوذة من العمل زكى الذي يدل على أمرين
(1/6)
اثنين يدل على الطهارة يقال زكى بمعنى طهر ويدل على النماء وكلا الأمرين حاصل في النفس وفي المال بممارسة هذه العبادة الواجبة على الإنسان أما النفس البشرية فإنها تطهر بسبب أن الزكاة تجعل الإنسان يستعلي على رغبة في المال هذه الرغبة إن تركت وشأنها استولت على النفس وأصبحت وباء واضلالا يتعذر إستئصاله ويصعب علاجه فبأداء الزكاة يعالج الإنسان نفسه ويطهرها من الشح والأنانية والأستبداد بالثروة وبذلك فإن هذه الطهارة مقرونة بنماء إذ ينموا بالأخلاق الفاضلة في النفس الإنسانية بقدر ما يدفع من هذه الفريضة التي أوجدها الله تبارك وتعالى عليه وكذلك يعد ذلك أيضا طهارة للمال ونماء له، أما كون هذا الأداء لهذه العبادة طهارة للمال فمن حيث أن المال تزال أنجاسه وتصفى أكداره بالإنفاق منه على هذا الوجه الذي فرضه الله سبحانه وتعالى والذي يؤدي إلى مرضاته في الدنيا وفي الآخرة وأما النماء فإنه يتحقق في المال لما يجعل الله سبحانه وتعالى فيه من البركة بسبب هذا الانفاق كما يقول عز وجل( وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ( أي وينمي الصدقات وإذا نظرنا إلى ما حرمه الله تبارك وتعالى من المعاملات المالية وجدنا أن الطهارة هي المرتكز الذي ترتكز عليه الأخلاق الإسلامية، فالله سبحانه وتعالى حرم الربا لما في ذلك من الاستغلال لحاجات الناس وحرم الغش والاختلاس وكل إضرار بمال الآخرين وقد جاء في الحديث عن النبي ( " كل مسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه والله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز يقول:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً( ويقول تعالى ( وَلا تَأْكُلُوا
(1/7)
أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(.
وإذا جئنا إلى حياة الناس البيتية نجد أن الإسلام يبني هذه الحياة على الطهارة وعلى النظافة وذلك واضح من خلال نظرنا إلى ما شرعه الله سبحانه وتعالى من أداب وأخلاق في التعامل المنزلي فإن الله سبحانه وتعالى جعل للبيوت حرمات ومن أجل ذلك فرض الله تبارك وتعالى ما فرضه من آداب وأخلاق، وإذا ما أراد الإنسان أن يلج بيتا من البيوت فقد قال عز وجل:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ( والاستئناف طلب الأنس، أنس بين الداخل والمدخول عليه، فالداخل يدخل وهو مستأنس بحيث لا يشعر بالوحشة والقلق من صاحب الدار، وصاحب الدار أيضا لا يرى أن أحدا اقتحم عليه في بيته وغشي حرمه بدون إذن منه، والله سبحانه وتعالى عندما أمر بهذا الاستئذان لم يستثني طائفة من الناس فالقريب والبعيد والقاصي والدان عليهم أن يستأذنوا إذا ما أرادوا أن يلجأوا إلى البيوت وبين الله سبحانه وتعالى أن هذا الاستئذان هو أزكى لهم أي أطهر لهم وهذا يعني أن الاسلام في دعوته إلى التعامل بالخلق الفاضل يحرص على الطهارة طهارة النفوس وطهارة البيوت( ذلك أزكى لهم( والله سبحانه وتعالى شرع لبعض الناس الذين يتصلون بالبيوت اتصالا دائما ولا يمكنهم الانفكاك عنها أحكاما خاصة تختلف عن أحكام الآخرين هؤلاء هم الأطفال ولأرقاء فلهم أن يدخلوا على آبائهم وأمهاتهم وعلى سادتهم وعلى سيداتهم في منازلهم من غير استئذان في غير أوقات الحرج أما أوقات الحرج فلا يباح لهم أن يدخلوا على الآباء والأمهات وعلى السادة والسيدات إلا بعد الاستئذان فقد قال عز وجل( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
(1/8)
لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ ( ترون أن الله سبحانه وتعالى أمر هؤلاء بالاستئذان في هذه الأوقات الثلاثة لما في ترك الاستئذان من الحرج الكبير أمر الله سبحانه وتعالى الأطفال والأرقاء أن يستأذنوا في هذه الأوقات، أما بعد ذلك فلا حرج ثم قال: الله سبحانه وتعالى( وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ( هذه طهارة للبيوت حتى لا تقع هنالك ريبه فإن دخول الإنسان على البيت من غير استئذان قد يفضي كل ما يسوء الانسان الاطلاع عليه، فالعورة ليست عورة الجسد فحسب ولذلك أمر بالإستئذان في هذه الأوقات على أن بصر الإنسان قد يمتد إن دخل بغير استئذان إلى عورة جسدية فقد يرى المرأة وهي غير مستترة وتكون هذه الرؤية سببا لإحراج كبير لها وقد تكون سببا للفتنة فإن البصر هو أول نافذة يلج من خلالها الشيطان على الإنسان ورؤية الأطفال للأباء والأمهات على بعض الأحوال البيتية قد تؤدي أيضا إلى وجود إضطراب في نفوس الأطفال، فتوجد فيهم أمراض في نفوس الأطفال فتوجد فيهم أمراض خلقية وعصبية ونفسية وقد اكتشف ذلك على النفس بعد قرون منذ نزول القرآن الكريم. وقد حذر الله سبحانه وتعالى من أن يمد الناس أبصارهم إلى المحارم التي قد يؤدي امتداد البصر إليها إلى الانحراف الفردي والجماعي وإلى الاضطراب النفسي والاجتماعي فالله سبحانه وتعالى يقول( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ
(1/9)
اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ( .
وقد بين الله سبحانه وتعالى أن المحافظة على الأخلاق تؤدي إلى الطهارة بقوله ( ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ( وبما أن الرجل لا يمكنه أن يغض بصره إذا كانت المرأة لا تساعده على ذلك بحيث تكون أجساد النساء عارية تتراقص بين أيدي الرجال وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن خلفهم، والإسلام بعيد عن التناقضات والمفارقات فلذلك فرض الله سبحانه وتعالى على النساء ما فرض من الأخلاق التي تتلائم مع هذا الأدب الرباني الذي أدب الله تبارك وتعالى به الرجال.
فلذلك أتبع الحق ذلك بقوله( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(.
لقد أمر الرجل بغض بصره وكذلك المرأة أيضا لأجل الحفاظ على نفسها والحفاظ على سلامة الرجل ففي ذلك سلامة لهما معا.
(1/10)
وقد أمرهن الله سبحانه وتعالى أن يحفظهن فروجهن ولا يبيدن زينتهن إلا ما ظهر منها لا يطلعن الرجال الأجانب على ما يخبينه من زينتهن ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل بجانب ذلك تحذر المرأة من أن تثير خيال الرجل بأي شيء، فإن لغنج المرأة ولدنة حليها ولنبرة صوتها ولنفحة طيبها أثر كبير على نفسية الرجل، فكل ذلك يثير في نفسه خيالات شتى، لذلك أمرت المرأة بالإتزان في كل شيء، ومن هنا قال الله تعالى( وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِن( ثم أتبع ذلك قوله ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( إن هذه الآداب تحافظ على الطهارة وعدم المحافظة عليها يؤدي إلى عدم المبالاة كما يترتب على نتائج عدم المحافظة الوقوع في الحرام وعدم المبالاة بالإنغماس في الفحشاء وهنا ينشأ القلق بحيث لا يطمئن أحد على أهله ولا على عرضه ولا يعرف سلامته نسله حيث لا يدري هل الأولاد الذين ولدوا على فراشه هم من صلبه أو هم من ذرية غيره، وهنا يكون التفكك والضياع وتسود الفحشاء وتعم الرذيلة وتنقطع الصلات وتنحل الوشائج وهذا الذي يعانيه العالم الغربي المادي والذين يريدون للمجتمعات الإسلامية أن تتردى إلى هذه المهاوي السحيقة وأن تنغمس في هذه الأحوال المتعفنة ويحرصون على بث الدعاوي المسمومة بأن العبرة بأدب النفس ولا عبرة بمثل هذه التصرفات والأعمال فلا حرج بأن تبدي المرأة مفاتنها وزينتها بدعوى إن ذلطك يبعد عن الرجل والمرأة والاضطرابات النفسية وتكون الصلة بينهما صلة عادية كصلة الرجل بالرجل وكصلة المرأة بالمرأة من غير أن يحس الرجل ببوزاعث الشهوة عندما ينظر إلى المراة ومن غير أن تحس المرأة ببواعث الشهوة عندما تنظر إلى الرجل فتكون حياة الجنسين حياة فطرية سليمة في دعاوي هؤلاء الذين يرددون ما يلقى إليهم من النظريات التي تصنع في أوروبا وأمريكا لأجل تدمير القيم
(1/11)
الفاضلة ونسف الفضائل وسحق الأخلاق ومع أن العالم الغربي الذي انغمس في الرذيلة فغرق فيها إلى الأذقان لا يزال يعاني من أثر هذه الأخلاق الدنيئة والسلوك المنحرف معاناة لم تقف عند حد إذ لم يكتفي أولئك الذئاب الذين تأججت الشهوات في نفوسهم على إفتراس الفتيات فحسب بل انحرفوا جنسيا فأصبحوا يعتدون على أعراض الأطفال ويعتدون بعد ذلك على حياتهم كما وجدت في صحيفة قبل سنتين أن رجلا اعتدى على عرض ثلاثين طفلا ثم اعتدى بعد ذلك على حياتهم بحيث قتلهم جميعا وكما نجد أيضا صورة من صور القلق وعدم الاطمئنان وعدم الاستقرار في حياة أولئك القوم في هذه القصة التي نشرتها الصحف قبل نحو سبعة عشر عاما من الآن وهي أن رجلا مر على غابة في إحدى المدن فسمع صوت أنين ينبعث من داخل الغابة وعندما أسرع إلى مصدر الصوت وجد فتاة مسجاه بطانية مشدودة بالحبال وهي في غيبوبة فأسرع إلى الشرطة وأبلغها الخبر فجاءت الشرطة وحلت وثاقها ثم نقلت إلى المستشفى وحاول الأطباء بكل جهد أن يعيدوا الوعي إلى تلك النفس التي سرحت في الغيبوبة فلم يمكنهم ذلك حتى توفيت تلك الفتاة وكان عمرها يتراوح بين خمسة عشر وثمانية عشر عاما فأعلنت الشرطة عن الحادثة كما أعلن المستشفى وكانت الفتاة مجهولة الهوية فإذا بالشرطة تتلقى ألف مكالمة من آباء ومهات فقدوا بناتهم في هذا المستوى من العمر وإذا بالمستشفى يتلقى خمسمائة مكالمة وإذا بمائتين من الأباء والأمهات يزورون الجثة في المستشفى كل منهم يرجو أن تكون هذه الجثة جثة أبنته التي فقدها، هذه هي الحياة في العالم الغربي الذي فقد الأخلاق والفضائل وتردى إلى الدرك الأسفل وأصبح يلهث وراء الشهوات، والإسلام الحنيف كما يدعو إلى طهارة العمل يدعو إلى طهارة القول أيضا فطهارة اللسان مطلوبة كطهارة القلب وكطهارة الجوارح ومن أجل ذلك حرم الله تبارك وتعالى كل سوء وقد جاء في الحديث عن النبي ( : " كل مسلم على المسلم حرام دمه وماله
(1/12)
وعرضه" ويقول النبي عليه أفضل الصلاة والسلام" إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبينها لتهوي به في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب" ويقول ( عندما سأله معاذ رضي الله عنه إنا مؤاخذون بما نقول يا رسول الله؟ فرد النبي عليه أفضل الصلاة والسلام بقول" ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم" ويقول عليه أفضل الصلاة والسلام" إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بما سخطه إلى يوم القيامة" ومن أجل ذلك حرم الإسلام تحريما جازما الكذب وجعله من أكبر المعاصي فقد جاء في الحديث عن النبي (" يطبع المؤمن على الخلال كلها ليس الخياله والكذب" وعندما سئل النبي ( " أيكون المؤمن كذابا قال لا ويقول: إن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق في كلامه حتى يكتب عند الله صديقا وإياك والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب في كلامه حتى يكتب عند الله كذابا" والله سبحانه وتعالى يقول في المنافقين( وويل لهم مما يكذبون( ويقول الحق تعالى( قتل الخراصون( أي الكذابون. وقد جاء وصف المنافق في حديث رسول الله ( مما جاء في وصفه بأنه إذا حدث كذب فالكذب ليس من صفة المؤمن بل هو من صفات المنافق وهو خلق سيء جدا وإذا ما اعتاده الإنسان أصبح أسيرا له ونجد كثيرا من الكذابين يكادون لا يصدقون في كلامهم قط ويعتبرون التفنن في الكذب مفخرة يباهون بها وكثيرا ما يحدثون الناس بالكذب لأجل إنارة ضحكهم ومرحهم والله سبحانه وتعالى توعد على ذلك شر الوعيد على لسان عبده ورسوله ( عندما قال الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام " ويل للذي يحدث الناس ليضحكهم فيكذب ويل له ويل له" والمجتمع الذي يفشي فيه الكذب مجتمع غير آمن فإن أي أحد من الناس في ذلكم المجتمع لا يطمئن إلى من نفسه واعتاد الكذب من غيره فلا تكون هنالك طمأنينة إلى
(1/13)
صدق قائل قط وما أتعس ذلك المجتمع الذي يعتاد الكذب فيصل به الأمر إلى هذا الحال بحيث لا يطمئن سامع إلى محدث وإن من أسوأ الكذب ما يريد به الإنسان أن يحاكي الكفرة وأن يتشبه بهم كما هو الشأن في كذبة أبريل الشهرية التي يتسابق الناس إليها لأجل تقليد أولئك الكفرة الذي لا يعرفون للصدق قيمة. ولا يقيمون للفضيلة وزنا وإن من أسوأ ما وقعت فيه هذه الأمة ترسم خطوات أعداء الحق وإتباع آثار المنحرفين عن الجادة بحيث يقلدون غيرهم من سفافس الأمور فعندما استوردوا من العالم الغربي استوردوا كذبة إبريل بدلا من أن يستوردوا مصانع الطائرات والمدافع والدبابات والصنائع المختلفة، اقتنعوا باستيراد كذبة إبريل وصاروا يتباهون بها ويفاخرون مع أن الله تبارك وتعالى حذرهم من موالاة أعدائه وما هذه التبعية العمياء إلا رمز لهذه الموالاة.
(1/14)
ومن اجل الحفاظ على طهارة اللسان حذر الله تبارك وتعالى من الاغتياب ومن التنابز بالألقاب ومن لمز الأنفس وبجانب هذا أيضا حذر الله تبارك وتعالى من ظنون السوء ومن السخرية كما تجدون ذلك في سورة الحجرات فإن الله تعالى يقول فيها( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ( ترون في هاتين الآيتين هذا التحذير البالغ من سفاسف الأخلاق. حذر الله تبارك وتعالى من السخرية لأن الإنسان هو صنعة الله فليس للإنسان أن يسخر من الإنسان لأي سبب من الأسباب التي تتعلق بخلقته إذ هو صنعة الله تبارك وتعالى والمسلم أخو المسلم والنبي ( يقول " المسلم أخو المسلم لا يقتله ولا يظلمه ولا يحقره بحسب إمرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم" وخذر الله تبارك وتعالى من اللمز أي الطعن بالألسن وجعل اللامز يلمز نفسه عندما قال( ولا تلمزوا أنفسكم( لأجل إثارة الإحساس بالإخاء الذي يربط المسلم بالمسلم وليعطف المسلم على المسلم ( ولا تنابزوا بالألقاب( على الإنسان أن يخاطب غيره بأحب الأسماء إليه ولا يلمزه بلقب من ألقاب السوء( وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ( ثم حذر الله تعالى من الظن فقال( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ
(1/15)
الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا ( وكما أمر الله سبحانه وتعالى بإجتناب كثير من الظن على الاطلاق فنهى أيضا عن التجسس على الاطلاق والتجسس لا يتقيد منعه بكون المتجسس عليه مؤمنا فالفاسق يحرم التجسس عليه والكافر يحرم التجسس عليه كما يحرم التجسس على المؤمن التقي البر الوفي والتجسس التنقيب عن مساوئ الآخرين والتفتيش عن عوراتهم لأجل الاطلاع على دخائل أسرارهم وهذا الأمر لا يجوز حتى في حق الكافر والكافر في ظل الدولة الاسلامية يعيش آمنا على نفسه من أن يحاول أحد من الناس أن يطلع على خبيئة أسراره ويكتشف طوايا أمره ( ولا يغتب بعضكم بعضا( حذر الله سبحانه وتعالى من اغتياب المسلم لأخيه المسلم والاغتياب كما فسره الحديث عندما قال النبي ( في الغيبة" هي أن تذكر أخاك بما يكره فقيل له أرأيت إن كان في أخي ما أقوله فقال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فيه فقد بهته" وقد صور الله تبارك وتعالى الغيبة تصويرا منفرا للنفوس عنها عندما قال( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ( بحيث جعل الاغتياب كالنهش من لحم الأخ إذا عرض أخيك حرام عليك كما حرم عليك لحمه هذا لأجل المحافظة على أعراض الناس وكرامة الإنسان وسلامة النفس.
(1/16)
وإذا كانت مقالة السوء كلها مذمومة ويؤمر الإنسان أمرا جازما بأن يطهر لسانه عنها فإن هذه المذمة وهذا الأمر يتأكذان إذا كانت هذه المقالة هي قذف المحصنات ومن أجل ذلك فرض الله سبحانه وتعالى ما فرض من العقوبة الجسدية والنفسية على قذف المحصنات فقد فرض عقوبتين رادعتين عقوبة جسدية وهي الجلد ثمانين جلدة وعقوبة نفسية وهي عدم قبول شهادة القاذف بحيث يعيش في المجتمع منبوذا غير مقبول الشهادة يقول الله تبارك وتعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ( وكما فرض الله تعالى هذه العقوبة لأجل حماية النفس الإنسانية من تعرض ذوي الأخلاق السيئة لها والاستخفاف بحرمتها كما فرض هذه العقوبة في الدنيا تؤكد على ذلك أيضا أشد العقوبة في الدار الآخرة إذ قال( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ،يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ( وقذف المحصنين كقذف المحصنات وإنما ذكر قذف المحصنات لأجل أن عرض المرأة يجب الحرص على صيانته أكثر من عرض الرجل فإن هتكه يؤدي إلى هتك عرض أسرتها وعرض مجتمعات وعرض قومها وإلا فقذف المحصنين كقذف المحصنات في الحكمين الدنيوي والأخروي.
(1/17)
وكما أن الله سبحانه وتعالى صان الخلق هنا بهذه العقوبة الرادعة صان أيضا العرض لعقوبة الزنا التي نص عليها الكتاب وهي الجلد والتي جاءت بها السنة النبوية وهي الرجم وهذا داخل في حماية الأخلاق بسن الأحكام الشرعية الرادعة التي تحول بين الناس وبين الوقوع في مثل هذه الفحشاء والتردي إلى هذا الدرك من الرذيلة.
ونجد خلق الإسلام الفاضلة أيضا في التعامل الأسري فإن الله تبارك وتعالى فرض من الحقوق على الأولاد لآبائهم وأمهاتهم مالم يعرفه قانون بشري قط وما لم تعرفه فلسفة إجتماعية بشرية قط فإن الله تبارك وتعالى قرن طاعتها وبرهما بعبادته وقرن شكرهما بشكره فقد قال عز وجل ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً،رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً( ويقول سبحانه وتعالى (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ( أن ( اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ( قرن شكر الوالدين بشكره في هذه الآية الكريمة وجاءت الأحاديث النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام على ذلك ومن فلسفة الإجتماع الخلقية في الإسلام رعاية حقوق الآخرين فإن لذي الرحم حقا فيجب التعامل معه بالحسنى ووصله في السراء والضراء وعونه ومن ذلك أيضا توقير الصغير للكبير والرحمة من الكبير للصغير " ليس فينا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا" إلى غير ذلك من الأحكام فضلا عن ما في رعاية الفقراء
(1/18)
والمساكين والمحتاجين إلى غير ذلك، هذا كله مما يدخل في الأخلاق الفاضلة والأمة الإسلامية إنما سادت غيرها بالأخلاق الفاضلة لم تسد غيرها بقوة سلاح ولم تسد غيرها بتقدم العمران ولم تسد غيرها بكثرة الاتباع والحواشي وإنما ساءت هذه الأمة غيرها بالأخلاق الفاضلة فأبناء الجزيرة العربية البداة الذين كانوا قبل الاسلام غلائظ الأكباد قساة القلوب رقق الإسلام قلوبهم ورهف حسهم وجعلهم في مقدمة الأمم عقيدة ودينا وخلقا وفضيلة وسادوا الأمم بذلك فساحوا في هذه الأرض وفتحوا الممالك وحكموا الشعوب في ظل حكم أولئك الرهط الأول من المؤمنين الصالحين طعم العدل وعرفت قيمة الإنسانية وكانوا مثالا للأخلاق الفاضلة بهروا العالم بأخلاقهم وعندما انقلبت المقاييس عند الناس أصبح الناس ينظرون إلى عزة الإسلام بغير منظار الحقيقة فمع الأسف الشديد نجد أن بعض الناس حنى العلماء وقعوا في حيرة من أمرهم بحيث لم يروا الأمور على حقيقتها وإذا بهم يقيسون مجد الإسلام ببعض الترهات التي حدثت عندما انحرفت الأمة والعياذ بالله عن المبدأ الصحيح الذي كان عليه رسول الله ( وخلفاؤه الراشدون من أمثلة ذلك إنني سمعت أحد المشايخ ونحن في مدينة سامراء بالعراق وقد اكتشفت هناك شيء من آثار الدولة العباسية وكنا أمام بركة سباحة واسعة مكتشفة من جديد تحت الأنقاض قال: الله أكبر ما أعظم هذه الآثار التي تدل على عظمة الإسلام حيث كانت تتراقص الجواري العاريات وهل عظمة الإسلام حيث كان الترف يسود الطبقة الحاكمة حتى إنغمسوا فيه إلى الأذقان. لو كان الأمر كذلك لكان أولى بذلك رسول الله ( فهل بنى رسول الله ( الدور والقصور أو إنه عليه أفضل الصلاة والسلام بنى الأخلاق الفاضلة هل رسول الله ( عندما كان يوجه رسالته إلى إمبراطور الروم عندما تقرأ الرسالة على إمبراطور الروم يتصبب جبينه عرقا هل خرجت تلك الرسالة من قصر شامخ أنيق أو انها خرجت من منزل متواضع بجوار مسجده ( الذي
(1/19)
كانت أعمدته من جذوع النخل وكان سقفه عريشا وهل الخلفاء الراشدون الذين فتحوا العالم، كانوا يعيشون في قصور كان عمر رضي الله عنه يعيش في كوخ وكان أصحاب القصور ترتعد فرائضهم من هيبة وعظمة الإسلام. عظمة الإسلام الأخلاق الفاضلة، لا تتجلى عظمة الإسلام في قصر الحمراء ولا في آثار بني أمية ولا في آثار بني العباس وإنما تتجلى عظمة الإسلام في الأخلاق الفاضلة التي كون منها محمد بن عبدالله رسول الله ( خير أمة أخرجت للناس ساحت في أرجاء الأرض ولم تلتفت إلى شيء من حطام هذه الدنيا حتى تساوى في ميزانتهم تبرها وترابها عذبها وعذابها تلك الأمة الفاضلة هي مقياس التقدم الذي وصله البناء الشامخ الذي بناه نبينا محمد ( .
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل يومنا خيرا من أمسنا وأن يجعل غدنا خيرا من يومنا وأن يجمع هذه الأمة على الخير كما كانت من قبل خير أمة أخرجت للناس.
(1/20)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق