الكتاب: محاضرات ودروس في أصول الدين لطلاَّب التخصص الشرعي
إعداد: مصطفى بن محمد شريفي
السنة الدراسية: 1432 - 1433هـ / 2011 - 2012م
[ترقيم الصفحات موافق للمطبوعة المسلمة لطلبة التخصص الشرعي في معهد الحياة وكلية المنار]
بسم الله الرحمن الرحيم
محاضرات ودروس في
أصول الدين
لطلاَّب التخصص الشرعي
إعداد:
مصطفى بن محمد شريفي
السنة الدراسية: 1432 – 1433هـ / 2011 – 2012م
(/)
بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أحمدك رَبِّي حمد معترف بنعمائك، وأصلِّي وأسلِّم عَلَى خاتم رسلك وأنبيائك، صفوة خلقك وأوليائك، محَمَّد النبيِّ الأمين، وَعَلَى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فَهَذِهِ سلسلة دروس ومحاضرات في علم أصول الدين لطلبة معهد الحياة بالقرارة، نرجو من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ أن يعيننا عَلَى إتمامها، والإفادة والاستفادة منها، إِنَّهُ سميع مجيب.
ومن عادة العلماء قبل أن يشرعوا في تحليل مسائل أيِّ علم أن يبدؤوا بالتعريف به، من خلال: تحليل الألفاظ لغة واصطلاحا، وبيان التعريف الجامع المانع للعلم الذي يتناولونه، وسوف لا نخرج عن هَذَا المنحى، فنبدأ أَوَّلاً بالتعريف بعلم أصول الدين.
**********************************
المحور الأول
مقدمات حول علم أصول الدين وعلم الكلام
تمهيد
يذهب العلماء في تقسيم العلوم إِلىَ ثلاث مجموعات: العلوم الرياضية، العلوم الطبيعية، العلوم الإِنسَانِيَّة. وبينما تتناول المجموعة الأولى: الكم والمقدار، فتتناول المجموعة الثانية الظواهر الطبيعية مثل الظواهر الفلكية، وَالمُتَعَلِّقَة بالحرارة والذرة، ووظائف الأعضاء ...
أَمَّا المجموعة الأخيرة فهي التي تهتم بدراسة الإِنسَان، من حيث هو عقل وشعور وسلوك واجتماع، وأبرز علوم هَذِهِ المجموعة هي التاريخ واللغة وعلم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة وعلم الأديان (1). ويدخل ضمن هَذَا الأخير: العلمُ بالأحكام الشَّرعِيَّة.
و «الأحكام الشَّرعِيَّة منها ما يَتَعلَّقُ بِكَيْفِيَّة العمل، وتسمى فرعية وعملية، ومنها ما يَتَعلَّقُ بالاعتقاد، وتسمى أَصلِيَّة واعتقاديَّة، والعلم الْمُتَعَلِّق بالأولى يُسَمَّى علم الشرائع والأحكام، لأَنَّهَا لا تستفاد إِلاَّ من جهة الشرع، ولا يسبق الفهم عند إطلاق الأحكام إِلاَّ إِلَيْهَا، وبالثانية: علم التوحيد لأَنَّ ذَلِكَ أشهر مباحثه وأشرف مقاصده» (2)، ويطلق عَلَيْهِ علم أصول الدين، وغيرهما من الأسماء، وَهُوَ ما نتناوله في المبحث الآتي.
**********************************
أولا - أسماء علم أصول الدين وتحليلها
لعلم أصول الدين أسماء مُتَعَدِّدَة، جمعها التهانَّوي في} كشَّاف اصطلاحات الفنون} (3) إذ يقول: «علم الكلام، وَيُسَمَّى
__________
(1) محَمَّد قاسم الزيني: محاضرات في مناهج الاستدلال، بمعهد أصول الدين، الجزائر، 1993 - 1994م، ص1.
(2) الثميني، ضياء الدين عبد العزيز بن الحاج إبراهيم (ت: 1223هـ): معالم الدين، (مخ)، نسخ الشيخ بكير بن محَمَّد الشيخ بالحاج (باشعادل)، ص5. وانظر: الدكتور عبد الرحمن بدوي (معاصر): مذاهب الإسلاميِّين، الجزء الأَوَّل: المعتزلة والأشاعرة، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية، يناير، 1979، ص28، وأحال إِلىَ العقائد النسفيَّة.
(3) كشَّاف اصطلاحات الفنون للشيخ الملوي محَمَّد أعلى بن علي التهانوي، طبع بالأوفست، بيروت، ص22 - ص23.
(1/1)
بأصول الدين أَيضًا، وَسَمَّاهُ أبو حنيفة ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالىَ ـ بالفقه الأكبر، وَفي} مجمع السلوك}: وَيُسَمَّى بعلم النظر والاستدلال أَيضًا، وَيُسَمَّى أَيضًا بعلم التوحيد والصفات» (1).
وسنحاول أن نتعرَّض هنا بِشَيْءٍ من التفصيل إِلىَ تعريفات هَذِهِ الأسماء المختلفة، من حيث اللغة والاصطلاح، وفق الخطة الآتية:
1 - العلم ... 6 - علم التوحيد
2 - الأصول ... أ- التوحيد لغة
أ- الأصول لغة ... ب- التوحيد اصطلاحا
ب- الأصول اصطلاحا ... ج- وجه التسمية
3 - الدين ... 7 - علم النظر والاستدلال
أ- الدين لغة ... أ- النظر والاستدلال لغة
أ- الدين اصطلاحا ... ب- النظر والاستدلال اصطلاحا
ج- وجه التسمية ... ج- وجه التسمية
4 - الفقه الأكبر ... 8 - علم الكلام
أ- الفقه لغة ... الكلام لغة
ب- الفقه اصطلاحا ... علم الكلام اصطلاحا
5 - علم العقيدة ... أ- العقيدة لغة ... ب- العقيدة اصطلاحا
فلنشرع الآن بعون الله في تحليل ألفاظ مختلف التسميات لهذا العلم.
1 - العلم:
للعلماء في تعريف العلم اتجاهات مُتَعَدِّدَة، فمنهم من يطلقه عَلَى مُجَرَّد التصديق، ومنهم من يشترط فيه اليقين، ومن هنا جاءت التعاريف المختلفة.
أورد الجرجانيُّ بَعْضًا منها قائلا: «العلم هو الاعتقاد الجازم المطابق. وقال الحكماء: وَهُوَ حصول صورة الشَّيْء في العقل، وَالأَوَّل أخصُّ من الثاني. وَقِيلَ: هو إدراك الشَّيْء عَلَى ما هو به. وَقِيلَ: زوال الخفاء من المعلوم، والجهل نقيضه، وَقِيلَ: هو مستغنٍ عن التعريف، وَقِيلَ: العلم صفة راسخة يدرك بها الكُلِّيَّات والجزئيات، وَقِيلَ: العلم وصول النفس إِلىَ معنى الشَّيْء ... » (2).
وعرَّفه السالمي بقوله: «هو صفة يتجلَّى بها المعلوم عَلَى ما هو عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إدراك الشَّيْء عَلَى حقيقته. وَقِيلَ ـ وهو المختار عند البدر الشَّمَّاخِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالىَ ـ: إدراك الشَّيْء بحيث لا يحتمل النقيض. فالإدراك جنس يشملُ:
· العلمَ
· والاعتقادَ، وَهُوَ وصول النفس إِلىَ معنى يحتمل النقيض لو ذُكر، وَهُوَ حقٌّ إن طابق الواقعَ، وباطل إن لم يطابق
· والظنَّ، وَهُوَ رجحان المعنى المدرَك عَلَى نقيضه
· والوهمَ، وَهُوَ رجحان نقيض الْمَعْنَى المدرَك عليه
· والشكَّ، وَهُوَ تردُّد النفس بين الْمَعْنَى المدرك ونقيضه من غير رجحان لواحد منهما، وَهُوَ معنى قولهم:} والشكُّ تساويهما} ... » (3).
__________
(1) عبد الرحمن بدوي: مذاهب الإسلاميِّين، ج1/ ص7.
(2) الجرجاني، علي بن محَمَّد الشريف الحسني (ت: 816هـ): التعريفات، مكتبة لبنان، بيروت، 1985، ص160 - 161.
(3) السالمي، نور الدين أبو محَمَّد عبد الله بن حُميِّد (ت: 1332هـ): مشارق أنوار العقول، علَّق عَلَيْهِ وصحَّحه الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، مطابع العقيدة، سلطنة عُمان، 1398هـ/1978م، ص37.
(1/2)
ويحسن أن نعرف رأي الإِبَاضِيَّة في تحديد مفهوم العلم، وهل يطلق عَلَى الاعتقاد الجازم المطابق، أم يطلق حَتَّى عَلَى الظنِّ؟ يجيب الشيخ السالميُّ عن هَذَا بقوله: «هَذَا وإن تأمَّلتَ ما عَلَيْهِ الأصحاب من الاصطلاح رأيتهم يطلقون العلم على العلم اليقينيِّ الذي لا إشكال معه، وَعَلَى الاعتقاد إذا كان حَقًّا، وَعَلَى الظنِّ أَيضًا إذا كان صدقا، كما يُعرف بالوقوف عَلَى مصنَّفاتهم، وَكَذَلِكَ أَيضًا في هَذِهِ المنظومة، ألا ترى أَنَّهُم يقولون: يجب عَلَيْهِ علم كذا، فإذا أخبره واحد قالوا بالاجتزاء وألزموه تأديته عَلَى ذَلِكَ الوجه ولو كان مثلا ذَلِكَ المخبِر غير عالم ولا ثقة عَلَى رأي لبعضهم ... » (1).
2 - الأصول:
أ- الأصول لغة:
· «الأصل: أسفل كُلِّ شَيْء، وجمعه: أصول، لا يكسَّر عَلَى غير ذَلِكَ ...
· ويقال: استأصَلَتِ هَذِهِ الشجرة أي ثبت أصلها.
· واستأصل الله بني فلان: إذا لم يدَعْ لهم أصلا، واستأصله: أي قلعه من أصله ...
· ورجل أصيل: له أصل ...
· والأصيل: العشيُّ، والجمع: أُصُل وأُصْلان، مثل بعير وبُعْران، وآصال وأصائل ...
· والأصل: الحسب ...
· والأَصَلَة: حيَّة قصيرة كالرئة حمراء ... وَقِيلَ: الأصَلَة: الحية العظيمة» (2).
ويضيف السالمي في تعريف الأصل لغة: «والأصول: جمع أصل، وَهُوَ لغة: ما يبتنَى عَلَيْهِ غيره، سواء كان حسِّيًّا أو معنويًّا، وَقِيلَ: هو حقيقة في الحسِّيِّ ثُمَّ نقل إِلىَ المعنويِّ» (3).
ب- الأصول اصطلاحا:
والأصول في الاصطلاح: جمع أصل، وهو: «قَضِيَّة كُلِّيَّة يُتعرَّف منها أحكام جزئيَّات موضوعها، وَهُوَ والقاعدة والضابط والقانون ألفاظ مترادفة» (4).
3 - الدين:
أ- الدين لغة:
يطلق الدين في اللغة عَلَى عِدَّة معان منها:
· «الجزاء والمكافأة، و {يَوْمُ الدِّينِ}: يوم الجزاء، ومنه قَوله تَعَالىَ: {اَئِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات: 53] أي: مجزيُّون محاسبون.
· الحساب: «ومنه قَوله تَعَالىَ: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ}».
· الطاعة: «وقد دِنْتُه ودِنتُ له: أي أطعته».
· العادة والشأن: «تقول العرب: ما زال ذَلِكَ ديني ودَيْدَني».
· الذلَّة والخضوع والاستعباد: «وفي الحديث:} الكيِّس من دان نفسه وعمل لِمَا بعد الموت ... } والدين لله من هَذَا إِنَّمَا هو طاعته والتعبُّد له».
·
__________
(1) السالمي: مشارق، ص 38.
(2) ابن منظور: لسان العرب، ج1/ ص68 - 69، مَادَّة «أصل».
(3) السالمي: مشارق، ص11.
(4) السالمي: المصدر نفسه. والجرجاني اكتفى بالتعريف اللغوي للأصل، ولم يورد معناه في اصطلاح علم الكلام أو الفلسفة، حيث يقول: «الأصل وَهُوَ ما يبتنَى عَلَيْهِ غيره». التعريفات، ص28.
(1/3)
القضاء: «وفي التنزيل العزيز: {مَا كَانَ لِيَاخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف: 76]».
· الحال: «قال النضر بن شميل: سألت أعرابيًّا عن شَيْء فقال:} لو لقيتني عَلَى دين غير هَذِهِ لأخبرتُك».
· «والدين السلطان، والدين الورع، والدين: القهر، والدين: المعصية» (1).
ب- الدين اصطلاحا:
جاء في تعريف الجرجاني للدين بِأَنَّهُ «وضع إلهيٌّ يدعو أصحاب العقول [إِلىَ] قبول ما عند الرسول» (2).
ويورد السالميُّ (ت: 1332هـ) لمعنى الدين اصطلاحا تعريفين:
· «أحدهما مختصر: وَهُوَ ما شرعه الله تَعَالىَ عَلَى لسان نبيِّه من الأحكام، وَسمِّيَ دينا لأَنَّا ندين له وننقاد ...
· وثانيهما مطوَّل: وَهُوَ وضع إلهيٌّ سائق لذوي العقول السليمة باختيارهم المحمود إِلىَ ما هو خير لهم بالذات» (3). ثُمَّ يأخذ الشيخ في بيان هَذَا التعريف بمختلف تقييداته قائلا:
- «فقولهم:} وضعٌ}: أي موضوع ...
- وقولهم:} إلهيٌّ}: أي منسوب للإله وَهُوَ الله تَعَالىَ، وخرج به الوضع البشريُّ ظاهرا، وَإِلاَّ فالواضع لجميع الأشياء هو الله في الحقيقة ...
- وقولهم:} سائق}: أي باعث وحامل، لأَنَّ الْمُكَلَّف إذا سمع ما يترتَّب عَلَى فعل الواجب من الثواب، أو عَلَى فعل الْمُحَرَّم من العقاب انساق إِلىَ فعل الأَوَّل وترك الثاني، وخرج به الوضع الإلهي غير السائق ... الذي لا اطِّلاَع لنا عَلَيْهِ كالذي تحت الأرضين، فَإِنَّ ما لا نعرفه لا يسوقنا إِلىَ شَيْء.
- وقولهم:} لذوي العقول السليمة}: أي لأصحاب العقول السليمة من الكفر ... وخرج ما يسوقهم وغيرهم من الحيوانات كالأوضاع الطبيعيَّة التي يهتدي بها الحيوانات، وهي الإلهامات التِي تسوق الحيوانات لفعل منافعها، كنسج العنكبوت، واتِّخاذ النحل بيوتا، واجتناب مضارِّها، كنفور الشاة من الذئب وغير ذَلِكَ.
- وقولهم:} باختيارهم}: خرج به الأوضاع السائقة لهم لا باختيارهم، أو باختيارهم المذموم، فالأُولى كالآلام السائقة للأنين رغما كالوجدانيَّات كالجوع والعطش فَإِنَّهُمَا يسوقان إِلىَ الأكل والشرب قهرا، والثانية كحبِّ الدنيا فَإِنَّهُ وضعٌ إلهيٌّ يبعث ذوي العقول إِلىَ ترك الزكاة باختيارهم المذموم ... ».
- وقولهم:} إلى ما هو خير لهم بالذات}: فهو السعادة الأبديَّة، والقرب من رَبِّ البريَّة (4).
الفرق بين الدين والشريعة والملَّة والمذهب:
يقول الشيخ السالميُّ في تفريقه بين المصطلحات الثلاثة الأولى: «وَيُسَمَّى [أي الدين] أَيضًا ملَّة من حيث إِنَّ الرسول يمليه عَلَى الملك، وَهُوَ يمليه علينا، وَيُسَمَّى شريعة من حيث إِنَّ الله شرعه لنا، أي بيَّنه لنا» (5) وَهَذَا يشبه إِلىَ حدٍّ بعيد ما أورده الجرجانيُّ (ت: 816هـ) من قبلُ إذ يقول: «الدين والملَّة متَّحدان بالذات، ومختلفان بالاعتبار، فَإِنَّ الشريعة من حيث إِنَّهَا تجمع تُسَمَّى ملَّة، ومن حيث إِنَّهَا يرجع إِلَيْهَا يُسَمَّى مذهبا»، ولا يخفى ما في هَذَا التفريق من الغموض، إِلاَّ أَنَّهُ يورد تحديدا أكثر وضوحا وَهُوَ قوله: «وقيل الفرق بين الدين والملَّة والمذهب أَنَّ الدين منسوب إِلىَ الله تَعَالىَ، والملَّة منسوب إِلىَ الرسول، والمذهب إِلىَ المجتهد» (6).
__________
(1) ابن منظور، جمال الدين أبو الفضل محَمَّد بن مكرم بن علي بن أحمد الأنصاري (ت: 711هـ): لسان العرب، ج1/ ص1044، مَادَّة «دين». وقد أورد فيه تأويل الخطَّابي للدين في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم في حديث المروق: «يمرقون من الدين ... » بِأَنَّهُ طاعة الإمام، وَهُوَ غير ما يُفَسِّرُه به كُتَّاب المقالات.
(2) الجرجاني: التعريفات، ص111.
(3) السالمي: مشارق، ص27.
(4) السالمي: مشارق، ص27 - 28.
(5) السالمي: مشارق، ص27.
(6) الجرجاني: التعريفات، ص111.
(1/4)
ج- وجه التسمية:
«وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا العلم أصول الدين لأَنَّ الدين كلَّه مبنيٌّ عَلَيْهِ صحَّة وفسادا، فلا دين لمن لا اعتقاد له» (1).
4 - الفقه الأكبر:
أ- الفقه لغة:
«الفقه: العلم بِالشَّيْءِ والفهم له» (2)، ولا تخرج التصاريف المختلفة لكلمة} الفقه} عن معنى العلم والفهم، كما يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كلام ابن منظور.
ب- الفقه اصطلاحا:
إذا علمنا أَنَّ الفقه إذا أطلق فَإِنَّهُ ينصرف إِلىَ أَنَّهُ:} العلم بالأحكام الشَّرعِيَّة العَمَلِيَّة [المستنبط] من أدلَّتها التفصيليَّة» (3) فَإِنَّ الفقه الأكبر مصطلح أطلقه الإمام أبو حنيفة (ت: 150هـ) عَلَى علم أصول الدين، وبه سَمَّى كِتَابه الذي ألَّفه في هَذَا الفنِّ (4)، إِلاَّ أَنَّ هَذَا الاسم لم يلق تداولا كبيرا بين العلماء مثل الأسماء الأخرى.
5 - علم العقيدة:
أ- العقيدة لغة:
لمادَّة} عقد} في اللغة معان كثيرة، نورد أهمَّها باختصار من لسان العرب:
· «العقد: نقيض الحلِّ، عَقَدَه يَعْقِده عَقْدا وتَعْقَادا، وعقَّده ... وقد انعقد وتعقَّد ...
· والعقدة: قلادة، والعِقد: الخيط ينظم فِيهِ الخَرَز، وجمعه: عُقُود، وقد اعتقد الدُّرَّ والخرز وغيرَه: إذا اتَّخَذَ منه عقدا ...
· وعَقَد العهد واليمين يعْقِدهما عقدا وعقَّدهما: أكَّدهما ... والمعاقدة: المعاهدة ...
· وعقد البناء بالجصِّ (5) يعقده عقدا: ألزقه. والعَقد: ما عقدت من البناء ...
· وعَقَد العسل والرُّبُّ ... غلُظ ...
· وعُقدة اللسان: ما غلظ منه.
· وَفي لسانه عُقدة: أي التواء ...
· وعقَّد كلامه: أعوصه وعمَّاه ...
· وعقد قلبه عَلَى الشَّيْء: لزمه» (6).
والمعنى اللغويُّ الأقرب إلى الاصطلاح هو: العَقد: نقيض الحلِّ، ولزوم القلب على الشيء.
__________
(1) السالمي، نور الدين أبو محَمَّد عبد الله بن حميِّد السالمي: بهجة الأنوار شرح أنوار العقول في التوحيد، طُبع بهامش الجزء الأَوَّل من كِتَاب شرح طلعة الشمس عَلَى الألفية، مطبعة الموسوعات، مصر، ص12.
(2) ابن منظور: لسان العرب، ج2/ ص1119، مَادَّة «فقه».
(3) الجرجاني: التعريفات، ص175.
(4) حاجي خليفة: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، ج2/ ص1287.
(5) «الجِصَّ والجَصُّ، معروف: الذي يُطلى به، وَهُوَ معرَّب، قال ابن دريد: هو الجِصُّ ولم يقل: الجَصُّ، وليس الجَصُّ بعربيٍّ، وَهُوَ من كلام العجم». ابن منظور: لسان العرب، ج1/ ص463، مَادَّة «جصص».
(6) ابن منظور: لسان العرب، ج2/ ص835 - 836، مَادَّة «عقد».
(1/5)
ب- العقيدة اصطلاحا:
عرَّف الجرجانيُّ العقائد ـ هكذا بالجمع ـ بِأَنَّهَا: «ما يُقصد فيه نفس الاعتقاد دون العمل» (1)، وهَذَا التعريف المختصر كما يبدو لم يهتمَّ فيه بشرح اللفظة في معناها الاصطلاحي، بالإضافة إلى ما في تعريفه من الدَّور، وهو تعريف اللفظ بنفس اللفظ.
وَأَمَّا قلعه جي وقنيبي فقد عرَّفا العقيدة ( Dogma - Dogme): بِأَنَّهَا «ما عُقد عَلَيْهِ القلب واطمأنَّ إِلَيْهِ» (2). أو هي: «ما لا يقبل الشكَّ في نظر معتقده» (3). وتستعمل لفظة} العقيدة} مرادفة للإيمان؛ فأركانها هي أركان الإيمان الستَّة: الإيمان بِاللهِ وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرِّه (4). إلا أن العقيدة أخصُّ من الإيمان؛ ذلك أن الإيمان في القرآن والسنة قد يرد بمعنى يشمل التصديق والعمل (كالصلاة، وإماطة الأذى عن الطريق)، بينما العقيدة لا تبحث في أحكام الفقه أو الأخلاق (5).
وذكر الكبيسي أنَّ مصطلح العقيدة لم يرد في القرآن الكريم، ولم يعثر عليه في كتب السنَّة، فهو مصطلح حادث، شأنه شأن (الفقه) و (أصول الفقه) و (التفسير) و (الحديث) و (علم الجرح والتعديل)، وغيرها من المصطلحات التي استحدثت تلبية لتطوُّر الدراسات الإسلاميَّة وكثرة تبويبها وتفريعها (6).
6 - علم التوحيد:
أ- التوحيد لغة:
أطال ابن منظور في مَادَّة} وحد}، وكان كلامه يدور حول العدد واحد ومختلف تصاريفه، وأوجه إعرابها، مِمَّا يطول المقام بذكرها. ومعناها يدور حول: التفرُّد، وانعدام المثل، ويقول: «يقال: وحَّده، وأحَّده كما يقال: ثنَّاه وثلَّثه» (7). ونقل عن الأزهريِّ قوله: «وَأَمَّا اسم الله عَزَّ وَجَلَّ} أحد} فَإِنَّهُ لا يوصف شَيْء بالأحديَّة غيره، لا يقال: رجل أحد ولا درهم أحد، كما يقال: رجلٌ وَحَدٌ أي فردٌ، لأَنَّ} أحدًا} صفة من صفات الله عَزَّ وَجَلَّ التي استخلصها لنفسه ولا يشركه فيها شَيْء ... » (8).
والجرجاني يعرِّف «التوحيد في اللغة: الحكم بِأَنَّ الشَّيْء واحدٌ، والعلم بِأَنَّهُ واحد» (9)، و «وحَّد الشَّيْءَ: جعله واحدا، ووحَّد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ: أقرَّ وآمن بِأَنَّهُ واحد» (10).
ب- التوحيد اصطلاحا:
«وَفي اصطلاح أهل الحقيقة: تجريد الذات الإِلهِيَّة عن كُلِّ ما يُتصوَّر في الأفهام، ويُتخيَّل في الأوهام والأذهان. التوحيد ثلاثة أشياء: معرفة الله تَعَالىَ بالربوبيَّة، والإقرار بالوحدانيَّة، ونفي الأنداد عنه جملة» (11). وينبغي التفريق بين التوحيد ( Monothéisme) وبين وحدة الوجود ( Panthéisme) (12) .
__________
(1) الجرجاني: التعريفات، ص158.
(2) ا. د. محمَّد رواس قلعة جي، د. حامد صادق قنيبي: معجم لغة الفقهاء، عربي ـ إنجليزي، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ/ 1985م، ص318، مَادَّة: «عقد».
(3) الصحاح في اللغة والعلوم، ص137، مَادَّة: «عقد».
(4) قلعة جي وقنيبي: المرجع نفسه.
(5) ينظر: الكبيسي: العقيدة الإسلامية الميسرة، ص15 - 16.
(6) ينظر: المرجع نفسه، ص13.
(7) ابن منظور: لسان العرب، ج3/ ص887 - 889، مَادَّة «وحد».
(8) المصدر نفسه. وفيه تفاصيل أخرى لغوية ونحوية كثيرة مفيدة لطالب العلم.
(9) الجرجاني: التعريفات، ص73.
(10) جميل صليبا: المعجم الفلسفي، ج2/ ص360.
(11) الجرجاني: التعريفات، ص73.
(12) راجع الفرق بينهما في: المعجم الفلسفي لجميل صليبا، ج2/ ص360.
(1/6)
ج- وجه التسمية:
وَسمِّيَ علم أصول الدين بعلم التوحيد لأَنَّ توحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ أهمُّ مسائل هَذَا العلم، فَكُلُّ رسول يبدأ في دعوة قومه بتقرير التوحيد: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنِ اِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59، 65، 73، 85؛ المؤمنون: 50، 61]. وإذا كانت الغاية من هَذَا الدين هو ما فيه خير للعباد بالذات ـ كما يقول الشيخ السالمي في تعريف الدين ـ فَإِنَّ الله تَعَالىَ يقول: {فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].
7 - علم النظر والاستدلال:
أ- النظر والاستدلال لغة
النظر في اللغة معروف، وسيأتي تفصيله بحول الله عند التعرض لمسألة نفي رؤية الله تَعَالىَ، وتفسير النظر في قَوله تَعَالىَ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ اِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة:22 - 23).
الاستدلال: لمادَّة} د. ل. ل} في اللغة عِدَّة معان، منها ما يأتي:
· يقال: دلَّه عَلَى الشَّيْء يَدُلُّه دلاًّ ودَلالة: سدَّده إِلَيْهِ، والدليل: ما يُستدلُّ به، والدليل: الدالُّ.
· وأدلَّ وتدلَّل إدلالاً أحدٌ عَلَى حميمه: انبسط، واجترأ دون خوف.
· «الدَّلاَّل: الذي يجمع بين البيِّعين، والاسم: الدَّلالة والدِّلالة» (1).
ب- النظر والاستدلال اصطلاحا:
النظر: يعرِّف الجرجانيُّ [العلمَ] النظريَّ بأَنَّهُ: «هو الذي يتوقَّف حصوله عَلَى نظر وكسب، كتصوُّر النفس والعقل، وكالتصديق بِأَنَّ العالَم حادث» (2).
الاستدلال: جاء في معجم المجمع في معنى الاستدلال ما يلي: «هو فعل الذهن الذي يلمح} علاقةً ومبدأً ونتيجةً} بين قَضِيَّة وأخرى أو بين عِدَّة قضايا، وينتهي إِلىَ الحكم بالصدق أو بالكذب أو الحكم بالضرورة أو بالاحتمال».
وَفي تعريف آخر هو: «العَمَلِيَّة العَقلِيَّة التي ينتقل فيها الفكر الإنسانيُّ من قَضِيَّة أو قضايا معلومة، أي نعرف حكمها، إِلىَ قَضِيَّة أخرى مجهولة، أي يُراد معرفة الحكم فيها (3).
وجاء في برنامج دائرة المعارف الفرنسية لعام 1997م ما يلي:
« Le raisonnement: enchaînement ou articulation des idées constitutif de la pensée discursive» (4) .
ويمكن ترجمة هَذَا التعريف كما يلي: «هو تتابع أو تَمَفْصُل الأفكار المكوِّنة للتفكير المنطقي». وتضيف الدائرة نَصًّا أكثر تفصيلا وَهُوَ:
« Le raisonnement est une association logique d'idées qui conduit à une conclusion. Il établit des rapports entre différents éléments ... Les fonctions d'un raisonnement peuvent être les suivantes : test d'une hypothèse, application de connaissances générales à un cas particulier, contrôle de la cohérence d'une proposition ou d'une thèse avec un ensemble de thèses ... ».
ويمكن ترجمة هَذَا النص كما يأتي: «الاستدلال هو تجميع منطقيٌّ للأفكار يُؤَدِّي إِلىَ نتيجة، ويقيم علاقات بين مختلف
__________
(1) ابن منظور: لسان العرب، ج1/ ص1005 - 1006، مَادَّة «دلل».
(2) الجرجاني: التعريفات، ص261.
(3) الزيني: محاضرات في مناهج الاستدلال، ص3. وانظر تعريف الاستدلال عند الجرجاني، وَأَنَّهُ: «تقرير الدَّلِيل لإثبات المدلول»، وَهُوَ كما نرى مختصر لا يفي بالغرض، التعريفات، ص17.
(4) Encyclopédie Microsoft Encarta 97. 1993 - 1996 , Microsoft Corporation. Terme de la recherche: «Raisonnement».
(1/7)
العناصر ... ووظائف الاستدلال يمكن أن تكون كما يلي: اختبار فرَضيَّة، تطبيق معارف عَامَّة عَلَى حالة خَاصَّة، مراقبة مدى التوافق بين قَضِيَّة أو أطروحة وبين مجموعة من الأطروحات». واللفظة تستعمل في المنطق الكلاسيكي، والرياضيات والفلسفة وعلم النفس ... (1).
ونلاحظ أَنَّ التعريفات كلَّها متقاربة.
ج- وجه التسمية:
سُمِّيَ بعلم النظر تمييزا له عن العلم العملي المسمَّى بالفقه، وليس هذا الكلام على إطلاقه؛ لأَنَّ في أصول الدين ما يَتَعلَّقُ به أو تترتَّب عَلَيْهِ أحكام عَمَلِيَّة، وَبِخَاصَّةٍ في الإنسانيَّات، كالقضاء والقدر، والولاية والبراءة، والأسماء والأحكام، والكبائر والصغائر ...
وَسُمِّيَ بالاستدلال لأَنَّ غالب مباحثه تشتمل عَلَى الاستدلال العقلي أو النقلي عَلَى إثبات الحجج أو نفي الشبه، كما سيأتي في تعريف علم الكلام.
8 - علم الكلام:
أ- الكلام لغة:
«الكلام لغة: هو اللفظ المركَّب الدالُّ عَلَى معنًى بالوضع والاصطلاح لا بالطبع» (2). هَذَا ونورد هنا ما قاله ابن منظور في التفريق بين الكلام في اللغة وبين القول: «وَقِيلَ: الكلام ما كان مكتفيا بنفسه وَهُوَ الجملة، والقول: ما لم يكن مكتفيا بنفسه وَهُوَ الجزء من الجملة ... ومِن أدلِّ الدَّلِيل عَلَى الفرق بين الكلام والقول إجماع الناس عَلَى أن يقولوا:} القرآن كلام الله} ولا يقولوا:} القرآن قول الله} وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا موضع ضيِّق متحجِّر لا يمكن تحريفه ولا يسوغ تبديل شَيْء من حروفه، فعُبِّر بِذَلِكَ عنه بالكلام الذي لا يكون إِلاَّ أصواتا تَامَّة مفيدة» (3).
ولمادَّة} كلم} معنى آخر كَذَلِكَ وَهُوَ الجَرح، فيقال: «كَلَمَه يَكْلِمُه كَلْمًا، وكَلَّمه كَلْمًا: جَرَحَه ... وَفي الحديث:} إِنَّا نقوم عَلَى المرضى ونداوي الكلمى} جمع كليم، وَهُوَ الجريح» (4).
وَأَمَّا في الاصطلاح فنظرا للاختلاف الكبير في تعريف هَذَا العلم، فَإِنَّنَا سنفرد له مبحثا خَاصًّا بإيراد أهمِّ التعاريف ومناقشتها، للخروج بتصوُّر أقرب إِلىَ تحديد أدقَّ لهذا العلم.
ب- علم الكلام اصطلاحا:
علم الكلام مرادف لعلم أصول الدين عند أغلب العلماء (القدامى بصفة خاصة)، فإذا بحثنا مثلا في كِتَاب} كشف الظنون} لحاجي خليفة عن مَادَّة أصول الدين فَإِنَّنَا لا نجد تعريفه ضمن مَادَّة} أصل} أو} أصول} وَإِنَّمَا يكتفي بالإحالة إِلىَ مَادَّة} كلام} (5)، وكذا في} دائرة المعارف الإِسلاَمِيَّة}.
وَأَمَّا تعريفه فقد ورد بصيغ مُتَعَدِّدَة، وَذَلِكَ لتعدُّد وجهات النظر حول موضوع هَذَا العلم وأهمِّ قضاياه، «وعكست اختلافا في الآراء وإن لم يكن جوهريًّا غالبا» (6).
__________
(1) Encyclopédie Encarta 97.
(2) الفاخوري: تاريخ الفلسفة العَرَبِيَّة، ص124. وقوله: «بالوضع والاصطلاح لا بالطبع» مسألة أطال فيها النقاشَ علماءُ اللغة فليراجعه الطلبة من مظانِّه.
(3) ابن منظور: لسان العرب، ج2/ ص290، مَادَّة «كلم».
(4) المصدر نفسه، ج2/ ص 291.
(5) حاجي خليفة: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، ج1/ ص110.
(6) د. الدسوقي، محَمَّد: منهج البحث في العلوم الإِسلاَمِيَّة، الطبعة الأولى، 1404هـ/ 1984م، دار الأوزاعي، د. م.، ص334. ويحيل الدسوقي في الهامش إِلىَ: «تمهيد لتاريخ الفلسفة الإِسلاَمِيَّة، ص253 - 265، فقد أورد الشيخ مصطفى عبد الرازق في هَذِهِ الصفحات من كِتَابه كثيرا من التعريفات وحلَّلها وعقَّب عَلَيْهَا. وانظر كَذَلِكَ: تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام [للدكتور محَمَّد أبو ريَّان]، ص131».
(1/8)
وسنحاول أن نورد بَعض أهمِّ التعاريف مع مناقشتها حسب ما يسمح به المقام، وغرضنا في هَذَا هو تدريب الطالب عَلَى التحليل والمقارنة والمناقشة والترجيح، وتمييز التعريف الجامع المانع من غيره.
تعريف ابن خلدون:
قال العلامة ابن خلدون (ت: 808هـ) فيِ مُقَدِّمَته: «هو علم يتضمَّن الحجاج عن العقائد الإيمانيَّة بالأدلَّة العَقلِيَّة، والردَّ عَلَى المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنَّة» (1)، والملاحظ في هَذَا التعريف عِدَّة أمور:
1 - يوحي تعريفه بِأَنَّ علم الكلام يهدف أساسا إِلىَ مُجَرَّد الدفاع عن العقائد، بينما الواقع أَنَّهُ يتضمَّن إثبات العقائد والدفاع عنها في آن واحد.
2 - قصر الاستدلال في علم الكلام عَلَى الأَدِلَّة العَقلِيَّة لا يطابق ما هو موجود في الكتب المؤلَّفة في الموضوع، ففيها استدلالات نَقْلِيَّة من الآيات القُرْآنيَّة والأحاديث النَّبَوِيَّة وشواهد اللغة العَرَبِيَّة جنبا إِلىَ جنب مع الاستدلال العقلي. فتعريف ابن خلدون من هَذِهِ الناحية مانع لِمَا يجب أن يدخل في التعريف.
3 - والملاحظة الثالثة وهي أهمُّها: أَنَّهُ حصر علم الكلام في ما وافق رأي السلفِ وأهلِ السنَّة، وهَذَا يعني أَنَّ ما ألَّفه علماء الإِبَاضِيَّة والشيعة والمعتزلة وغيرها من المذاهب الكلاميَّة الإِسلاَمِيَّة لا يعتبر من علم الكلام في شَيْء، وهذا جسَّد تسخير العلم «من أجل خدمة أهداف مذهبية ضيقة ... ولا يعبر هذا الحصرُ عن الدور الفعلي الذي نهض به الكلام عبر التاريخ، بقدر ما يعبِّر عن لحظة تراجعه وانغلاقه» (2). وما كان ينبغي للباحث المسلم أن يقصي أيِّ فكر إسلامي مهما بدا أنه مخالف لآرائه أو متطرف؛ لأن الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحقُّ بها.
تعريف الجرجاني:
عرَّفه الشريف الجرجاني (ت: 816هـ) بقوله: «الكلام علم يبحث فيه عن ذات الله تَعَالىَ وصفاته، وأحوال الممكنات من المبدإ والمعاد عَلَى قانون الإسلام، والقيد الأخير لإخراج العلم الإلهي للفلاسفة» (3)، ويبدو أَنَّ هَذَا التعريف غير مانع، فيدخل ضمن قوله: إِنَّهُ يبحث فيه عن} أحوال الممكنات} كلُّ ما هو ممكن الوجود من علوم الطبيعة والبيولوجيا والفيزياء والكيمياء ... ثُمَّ يضيف تعريفا آخر وَهُوَ: «الكلام علم باحث عن أمور يعلم منها المعاد وما يَتَعلَّقُ به من الجَنَّة والنار والصراط والميزان والثواب والعقاب» (4). وَهَذَا التعريف غير جامع، لأَنَّهُ خصَّ علم الكلام بالمعاد فقط، بينما المعاد جزء من علم الكلام. ويضيف تعريفا ثالثا وَهُوَ: «وقيل: الكلام هو العلم بالقواعد الشَّرعِيَّة الاعتقادية المكتسبة من الأَدِلَّة» (5). ويبدو أَنَّ هَذَا التعريف أكثر جمعا، إِلاَّ أَنَّهُ اشتمل عَلَى جانب الإثبات للعقائد دون الجانب الدفاعي.
__________
(1) ابن خلدون: مُقَدِّمَة، ص 458.
(2) بوهلال: إسلام المتكلمين، 19، بتصرف. وليس هذا التوجه جديدا لدى المدرسة السنية، فقد صرح الغزالي من قبل بقوله: «وأما الكلام فمقصوده حماية المعتقدات التي نقها أهل السنة من السلف الصالح لا غير». الغزالي: إحياء علوم الدين، 4/ 378. (نقلا عن بوهلال).
(3) الجرجاني: التعريفات، ص194.
(4) المصدر نفسه.
(5) المصدر نفسه. وله تعريف آخر، وَهُوَ غامض وفضفاض كَذَلِكَ، وَهُوَ «علم باحث عن الأعراض الذَّاتِيَّة للموجود من حيث هو عَلَى قاعدة الإسلام». المصدر نفسه، ص 162 - 163، مَادَّة: «علم».
(1/9)
تعريف الإيجي والثميني (1):
عرَّفه عضد الدين الإيجي (ت: 756هـ) في} مواقفه} بِأَنَّهُ: «علم يقتدر معه عَلَى إثبات العقائد الدِّينِيَّة بإيراد الحجج ودفع الشُّبه» (2)، وأورد الشيخ عبد العزيز الثميني (ت: 1223هـ) نفس التعريف في كِتَابه} معالم الدين} (3)، وَفي تحليلهما لألفاظ التعريف يَتَبَيَّنُ لنا جليًّا وجه الاختلاف بينهما وبين ابن خلدون، إذ يقول الإيجي: «وَالمُرَاد بـ} العقائد} ما يُقصد به نفس الاعتقاد دون العمل. وبـ} الدِّينِيَّة}: المنسوبة إِلىَ دين محَمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم فَإِنَّ الخصم وإن خطَّأناه لا نخرجه من علماء الكلام» (4).
هكذا نلاحظ أَنَّ التعريف الأخير هَذَا يعتبر أدقَّ من التي أوردناها سابقا، لأَنَّهُ جامع مانع. وبما أَنَّنَا ارتضيناه فلننتقل إِلىَ تحليله، لبيان مدى دقَّته.
تحليل تعريف الإيجي والثميني لعلم الكلام (5):
· علم: فالمراد بالعلم معناه الأعمُّ، فيشمل التصديق، ليتناول إدراك المخطئ في العقائد ودلائلها.
· يقتدر: وَفي اختيار لفظة} يقتدر} عَلَى لفظة:} يثبت} إشارة إِلىَ أَنَّ الإثبات بالفعل غير لازم.
· معه: وَفي اختيار لفظة} معه} عَلَى لفظة:} به} ـ مع شيوع استعمالها ـ تنبيه عَلَى انتفاء السَّبَبِيَّة الحَقِيقِيَّة من الباء، إذ المراد الترتُّب العادي.
· إثبات: إشارة إِلىَ أَنَّ ثمرة علم الكلام الإثبات، لا مُجَرَّد التحصيل والاكتساب.
· العقائد: ما يقصد به نفس الاعتقاد دون العمل، كقولنا: الله تَعَالىَ عالم قادر سميع بصير ... لا ما يقصد به العمل، كقولنا: الوتر واجب، فَإِنَّهُ يُدرس في فنِّ الفقه.
· الدِّينِيَّة: المنسوبة إِلىَ دين محَمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، سواء أكانت صوابا أم خطأً، فلا يخرج المخطئ في عقيدته من نطاق الانتساب إِلىَ الدين الإسلاميِّ، كما لا تخرج حججه من نطاق علم الكلام. وَهَذَا ما أشار إِلَيْهِ الإيجي والثميني ـ كما سبق ـ بقولهما: «فَإِنَّ الخصم وإن خطَّأناه لا نخرجه من علماء الكلام».
· الحجج والشبه: ليس الْمُرَاد أَنَّهَا كَذَلِكَ في نفس الأمر، بل بحسب من تصدَّى للإثبات بناء عَلَى تناول المخطئ.
نتيجة هذا التحليل:
بناء على تحليل هذا التعريف الذي ارتضيناه، فإن علم الكلام وسيلة لإثبات الاعتقاد الصحيح (6) والدفاع عنه. وعليه فإننا نفضل أن نستعمل مصطلح العقيدة للقضايا المتفق عليها بين جميع الموحدين. وعلم الكلام للمسائل التي وقع الاختلاف فيها بينهم، والمجادلات الحاصلة بشأنها.
__________
(1) لاحَظ الباحث محمد بوهلال أن المتكلمين لم يُعرَّفوا علم الكلام إلا في زمن متأخر، نظرا للاضطرابات التي اكتنفته. وأول من عرَّفه منهم هو الإيجي (756هـ). وأما أول من وضع له تعريفا كصناعة فهو الفارابي، وليس متكلما بل فيلسوف، بقوله: «ملكة يُقتدر بها الإنسان على نصرة الآراء والأفعال المحدودة التي صرح بها واضع الملة، وتزييف كل ما خالفها بالأقاويل». إحصاء العلوم، ص41. نقلا عن: بوهلال: إسلام المتكلمين، ص14.
(2) الإيجي، عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد (ت: 756هـ): المواقف في علم الكلام، عالم الكتب، بيروت، د. ت.، ص7.
(3) الثميني: معالم الدين، ص5. وَهَذَا التعريف أَيضًا يرتضيه الدكتور عبد الرحمن بدوي، ويورده في كِتَابه: مذاهب الإسلاميِّين، بلفظ: «إثبات العقائد الدِّينِيَّة عَلَى الغير». مذاهب الإسلاميِّين، ج1/ ص7. وإضافة القيد الأخير: «على الغير» تحكُّم، لأَنَّهُ يمكن إثبات العقائد للنفس لا للغير، وَذَلِكَ حين تَعْرِض للمرء شُبه تلقيها النفس في الذهن، فيحاول إيجاد الردِّ عنها، وإثبات العقيدة الصحيحة لنفسه.
(4) الإيجي: المواقف، ص7. الثميني: معالم الدين، ص 6.
(5) عبد الرحمن بدوي: مذاهب الإسلاميِّين، ج1/ ص7 - 9، بتصرُّف.
(6) هذا بطبيعة الحال يشمل القضايا الإيمانية الإجمالية التي هي موضع الاتفاق بين جميع الفرق الإسلامية، ويشمل كذلك ما تختلف فيه؛ لأن الكل يحتكر الحق لنفسه.
(1/10)
ج- وجه التسمية بعلم الكلام (1):
يورد العلماء مبرِّرات عِدَّة لتسمية علم أصول الدين بعلم الكلام، منها:
1 - سُمِّيَ كلاما بإزاء علم المنطق عند الفلاسفة، فهو يعتمد الجدل، كما تعتمد الفلسفة المنطق.
2 - لأَنَّ أبوابه عُنونت ب «الكلام في كذا ... ».
3 - لأَنَّ مسألة الكلام (خلق القرآن) أشهر القضايا التي سبَّبت فتنة كبيرة بين المسلمين.
4 - لأَنَّهُ يورث قدرة عَلَى الكلام في الاعتقاديات، والاحتجاج عَلَى الخصم.
5 - لأَنَّهُ أكثر العلوم خلافا ونزاعا، فيشتدُّ افتقاره إِلىَ الكلام مع المخالفين والردِّ عَلَيْهِم.
6 - لأَنَّهُ لابتنائه عُمُومًا عَلَى الأَدِلَّة القطعيَّة كان أَشَدَّ العلوم تأثيرا في القلب وتغلغلا فيه، فسمِّي بالكلام المشتقِّ من الكَلْم، وَهُوَ الجَرح.
7 - لأَنَّ المتكلِّمين كانوا يَتَكَلَّمُون حيث ينبغي الصمت اقتداء بالصحابة والتابعين الذين سكتوا عن المسائل الاعتقاديَّة لا يخوضون فيها.
8 - لأَنَّ المتكلِّمين عُمُومًا يناقشون أمورا لا يَتَعلَّقُ بها عمل، بخلاف الفقهاء الباحثين في الأحكام العَمَلِيَّة (2).
**********************************
ثانيا - موضوعات العقيدة وعلم الكلام وأهميتهما (3):
أ- موضوعات العقيدة وعلم الكلام:
يمكننا القول: إن موضوعات العقيدة هي نفسها أركان الإيمان الستَّة وما يتعلَّق بها، والتي لخصها حديث جبريل عَلَيهِ السَّلاَمُ: «قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فَجَاءَ رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَأَلْزَقَ رُكْبَتَهُ بِرُكْبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ... » (4).
أما الكتب الكلاميَّة فتحتوي عَلَى سِتَّة مقاصد:
1 - الأمور العَامَّة، وهي تشمل كُلَّ أقسام الوجود: من الواجب والممكن والجوهر والعرض، وَالعِلَّة والمعلول ... وهي مبادئ تكون لجميع العلوم والفنون. 2 - الموجودات الممكنة وتقسيمها إِلىَ جواهر وأعراض، وتقسيم الحواسِّ إِلىَ ظاهرة وباطنة.
3 - إثبات الصانع وعلاقته بالعالم. 4 - النبوَّة وما يتبعها من المعجزة والعصمة. 5 - المعاد وأحواله.
__________
(1) انظر: الإيجي: المواقف، ص8 - 9. الثميني: معالم الدين، ص 8 - 10. الدسوقي: منهج البحث، 332 - 333. بدوي: مذاهب الإسلاميِّين، ص 28 - 32. ويحيل إِلىَ شرح العقائد النسفيَّة، ص5 - 7.
(2) هذان المبرِّران الأخيران نسبهما بدوي إِلىَ مصطفى عبد الرازق: تمهيد لتاريخ الفلسفة الإِسلاَمِيَّة، الطبعة الثالثة، 1966، القاهرة، ص155. ويرجِّح الدكتور عبد الرحمن بدوي المبرِّر الثالث ويقول: «أَمَّا سائر الاعتبارات التي ذُكرت فهي مماحكات لَفْظِيَّة ولا معنى لها». بدوي: المرجع نفسه.
(3) لم نشأ الغوص في اختلاف العلماء في تحديد موضوع علم الكلام، فمن أراد التوسُّع فلينظر: الإيحي: المواقف، ص7 - 8. الثميني معالم الدين، ص 6 - 7. بدوي: مذاهب الإسلاميِّين، ص9 - 10.
(4) وَبَقِيَّة الحديث: « ... قَالَ: فَمَا الإِسْلاَمُ؟ قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَحَجُّ الْبَيْتِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ. قَالَ: فَمَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. قَالَ فِي كُلِّ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَتَعَجَّبْنَا مِنْهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ: فَمَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ. قَالَ: فَمَا أَمَارَتُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ أَصْحَابَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ. قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلاَثٍ، فَقَالَ: يَا عُمَرُ هَلْ تَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ مَعَالِمَ دِينِكُمْ». مُتَّفَق عَلَيْهِ، واللفظ للترمذي، كِتَاب الإيمان عن رَسُول اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، باب وصف جبريل للنَّبِيء صلَّى الله عليه وسلَّم الإيمان والإسلام، رقم 2610.
(1/11)
6 - الإمامة وشروطها (1).
ولبعض العلماء المعاصرين تقسيمٌ لهذا العلم وفق محاور كبرى: نَظَرِيَّة المعرفة (العلم ومصادره، والجهل، والسؤال ... )، الإلهيَّات، النبوَّات، الغيبيات (أو السمعيَّات)، الإنسانيَّات. ومنهم من يضيف «الكونيَّات».
ب - فوائد دراسة العقيدة وعلم الكلام ومرتبتهما:
* فوائد دراسة العقيدة وعلم الكلام:
لَخَّص الإيجي فوائد علم الكلام في الأمور التالية:
· «الأَوَّل: الترقِّي من حضيض التقليد إِلىَ ذروة الإيقان ...
· الثاني: إرشاد المسترشدين بإيضاح الحُجَّة، وإلزام المعاندين بإقامة الحُجَّة.
· الثالث: حفظ قواعد الدين عن أَن تزلزلها شبه المبطلين.
· الرابع: أن يبنى عَلَيْهِ [أي علم الكلام] العلوم الشَّرعِيَّة فَإِنَّهُ أساسها، وَإِلَيْهِ يؤول أخذها واقتباسها.
· الخامس: صِحَّة النية والاعتقاد، إِذ بها يرجى قبول العمل، وغاية ذَلِكَ كُلِّه الفوز بسعادة الدارين» (2)؛ فَإِنَّ الله لا يقبل أيَّ عمل بدون اعتقاد صحيح، {وَمَنْ يَّبْتَغِ غَيْرَ الاِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُّقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الاَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 85)، ومهما فعل صاحب المعتقد الخاطئ من خير فلن ينفعه (3).
ونضيف أن من فوائد دراسة العقيدة أيضا:
· الإجابة عن التساؤلات المحيِّرة لبني البشر في كل العصور، وهي: من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ وبالتالي: اكتساب التصور الصحيح للكون والحياة والإنسان، والوجهة الصحيحة لتحمُّل الأمانة في هذه الحياة.
· معرفة الإنسان قدر نفسه، فلا يتطاول بعقله، ولا يطغى بقوته، ويتواضع حين يستشعر عبوديته لله وافتقاره إليه.
· تقويم سلوك الإنسان، في علاقته بِاللهِ، وبالناس، وبالكون (حيوان، نبات، بيئة ... ).
* مرتبة العقيدة وعلم الكلام:
من خلال بيان فائدة علم الكلام تَبَيَّنَ لنا شَيْء من مرتبته وأهمِّيَّته، إِلاَّ أَنَّ الإيجي يضيف ويلخِّص مرتبة هَذَا العلم في قوله: «قد علمتَ أَنَّ موضوعه أعمُّ الأمور وأعلاها، وغايته أشرف الغايات وأجداها، ودلائله يقينيَّة يحكم بها صريح العقل، وقد تأيَّدت بالنقل، وهي غاية في الوثاقة (4)، وَهَذِهِ هي جهات شرف العلم لا تعدوها، فهو إذن أشرف العلوم» (5).
__________
(1) محَمَّد جواد مغنية: معالم الفلسفة الإِسلاَمِيَّة، نظرات في التصوُّف والكرامات، دار ومكتبة الهلال، بيروت، الطبعة الثالثة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق