إمام المناظرين مهدي النفوسي الويغوي لمهنا السعدي - مكتبة أهل الحق والإستقامة

أحدث المشاركات

Post Top Ad

Post Top Ad

الثلاثاء، 14 ديسمبر 2021

إمام المناظرين مهدي النفوسي الويغوي لمهنا السعدي

 





الكتاب : إعادة صياغة الدعاة لأحمد الخليلي
ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع
محاضرة إعادة صياغة الدعاة
لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان
بسم الله الرحمن الله الرحيم
نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونؤمن به ونتوكل عليه ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله – صلى الله وسلم عليه – وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
السلام عليكم جميعا ورحمة الله تعالى وبركاته .
تقوم الدعوات عند أصحابها وعلى قدر عزم أهل الخير تكون الدعوة ومن غير نفسه تغيرت أحواله ، ومن أراد لنفسه ولأمته الخير فمن الخير أن يتعاهد نفسه ومن تعاهد نفسه بدأ في إصلاحها . إن الدعوة إلى الله عز وجل مهمة جلى ، ومسؤولية كبيرة ولا بد لأصحابها أن يكونوا على نمط معين وشخصية مختلفة ؛ لأنهم أصحاب رسالة ، وحاملو راية ، ودعاة أمة .
الدعوة صافية فلا تحملها إلا القلوب السليمة ، الدعوة نقية فلا تنطلق إلا من أفواه صالحة ، الدعوة راية خفاقة وليس لها أن تكون بأيد ضعيفة ، الدعوة رسالة خالدة وأصحابها ورثة الأنبياء ، ووارثو الحق والبداء ، وقد انطلقت دعوات الإصلاح منذ أمد بعيد وترددت أصوات إعادة صياغة الدعاة وها نحن اليوم نلتقي بصوت من هذه الأصوات بل هو أعلاها وأجلها ، ذلكم هو رائد الإصلاح في عمان ، وفي العالم الإسلامي بأسره ، سماحة الشيخ : أحمد بن حمد الخليلي – حفظه الله – ربان ماهر ، وداعية شجاع ، ومصلح قدير ، خبر الدعوة فكان لها من فكره النصيب الأوفى ، قد استقى من فكره دعاة ومصلحون وما يزالون يفعلون ، وها نحن اليوم مع هذا العالِم القريب نحاول طرح رؤيته حول قضية الساعة ، قضية إعادة صياغة الدعاة ، فمرحبا بسماحة الشيخ وأهلا بكم جميعا ، وها نحن نبدأ اللقاء فبسم الله الرحمن الرحيم .
(1/1)
سماحة الشيخ ، هل تعتقدون أن الدعاة أنفسهم يحتاجون إلى إعادة الصياغة لكي يحسنوا ... إلى جادة الصواب ؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله حق حمده ، له الحمد تعالى كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله – صلوات الله وسلامه عليه – وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
فالسلام عليكم أيها الأخوة المؤمنون ورحمة الله وبركاته .
هذا ولا ريب أن هذه الحياة تسير بالبشر سيرا حثيثا ولتقضي بهم من طور إلى طور ومن مرحلة إلى مرحلة وكل طور من هذه الأطوار وكل مرحلة من هذه المراحل يخرجان قضايا متنوعة ومشكلات متجددة فلذلك كان القائمون على أمر دعوة الأمة إلى الخير ، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر بحاجة إلى أن يصاحب هذه الأطوار ويتنقل مع الإنسانية في هذه المراحل حتى لا يكونوا متخلفين ، ولئن كانت الحياة في أي عصر من العصور من شأنها التطور إذ الحياة البشرية لا تقف عند حد معين كما هو معلوم في تاريخ البشرية جميعا .
فإن هذه الحياة اليوم هي أسرع تطورا مما كانت عليه من قبل فبسرعة الحياة اليوم أصبحت تقاس بسرعة ما نشاهده في هذا الزمن من انتقال الأحوال من حال إلى حال وبقدرة الإنسان على مخاطبة الإنسان من مشارق الأرض إلى مغاربها ، وبقدرة الإنسان بما أتاه الله – سبحانه وتعالى – من ملكات ومنحه من سنة التطور على الانتقال من مكان إلى مكان آخر ، من شرق الأرض إلى غربها في أسرع وقت ، فهكذا سنة التطور في وقتنا هذا بمقدار هذه السرعة ، أو لعلها أسرع من ذلك بحيث تقدر بسرعة الضوء ومن هنا كانت الضرورة إلى أن يكون الدعاة مهيئين لمواكبة هذه التطورات ، وملاحقة هذه الأدوار التي تمر بها الإنسانية ؛ حتى لا يكونوا متخلفين في دعوتهم .
(1/2)
ونحن نرى حيث جاء في القرآن الكريم – كتاب الله سبحانه – ينبئ المؤمنين عندما كانوا قلة يقاسون ربما بأصابع اليدين وكانوا مغمورين بالكثرة الكاثرة من أعداء الإسلام جاء القرآن الكريم في هذه المرحلة ليخرج بهم من هذه الزاوية الضيقة إلى آفاق الأرض ؛ لأنه يهيئهم لأن يكونوا أمة قيادية ، أمة تأخذ قاطبة البشرية إلى آفاق واسعة إلى ما يجمع بين الأرض والسماء ، وما يجمع بين الدنيا والآخرة ، وما يجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل ، ولذلك نزل القرآن الكريم على النبي – عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم – في مكة المكرمة في مرحلة متقدمة ... – بما ينبئ المؤمنين بما وصل إليه الصدام المسلح ما بين دولتين كبريين كانتا تتقاسمان معظم العالم المتحضر في ذلك الوقت وما وصل إليه هذا الصدام وما سينقلب إليه فيما بعد مع أن نفوذ كل واحدة من هاتين الدولتين لم يكن يمتد إلى تلكم البقعة التي أشرق فيها نور الإسلام ، وقام فيها قائم الحق ، وزلزل فيها صوت الحقيقة ، وإنما كان نصيب هاتين الدولتين على أطراف من هذه الأرض فما كان الداعي إيذان المؤمنين بهذا الأمر إلا أن هنالك إرادة ربانية لأن تربي هذه الأمة لأن تكون أمة قيادية فإذن المؤمنين في وقتنا هذا والدعاة هم أو هذا يجب عليهم أن لا يكونوا متخلفين أن لا يكونوا في مؤخرة الأمم ، أن يكونوا ملاحقين باستمرار لهذه التطورات ، ومراقبين لما يجري في هذا العالم فلذلك هم في كل مرحلة أن يصاغوا صياغة جديدة ليكونوا مهيئين لتحمل هذه المسؤولية والقيام بهذا الواجب .
السؤال :
سماحة الشيخ : مما لا شك فيه أن بناء الجانب الروحي له أهميته الكبرى للداعية بشكل خاص ولا أدل على ذلك من فرضية قيام الليل على الرسول – صلى الله عليه وسلم – عندما كلفه الله سبحانه وتعالى بتبليغ الدعوة للناس ، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الجانب هو :
(1/3)
كيف يرتقي الداعية في هذا العصر بنفسه روحيا من الناحية العلمية ؟ وما هو أقل مستوى روحي ينبغي أن لا ينزل عنه وهو يبلغ دعوته للعالمين ؟
الجواب :
لا ريب أن الداعية عندما يبدأ الدعوة إلى أي مبدأ وإلى أي فكر وإلى أي صلاح يجب أن يبدأ بنفسه ، وعليه أن يحاول أن يكيف نفسه حق مقتضيات هذه الدعوة ، فالداعية المسلم يترجم هذه الدعوة بعمله وأنا أذكر كلمات قالها أحد الدعاة وهي من الأهمية بمكان قال : إن الكلمة لتخرج ميتة وتصل هامدة مهما تكن طنانة رنانة إذا هي لم تخرج من قلب يؤمن بها ولن يكون إنسان مؤمن بما يقول حتى يستحيل هو ترجمة حية ما يقول ، وتصوير واقعي لما ينطق ، حينئذ تخرج الكلمة دفعة حياة ؛ لأنها تستمد قوتها من واقعها لا من طنينها ، وجمالها من حقيقتها لا من بريقها ، والقرآن الكريم هو سابق إلى هذا ، والله تبارك وتعالى يقول مخاطبا المؤمنين أنفسهم : " كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " ويقول سبحانه وتعالى تقريعا لبني إسرائيل : " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم " ويقول عز من قائل حكاية عن عبدالله شعيب خطيب الأنبياء عليه وعليهم السلام: " وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه " فإذن هذا الداعي إلى الله عليه أن يكون موصولا بحبل الله ، مستمسكا بالعروة الوثقى ، فعليه قبل كل شيء أن يكون الإيمان في قلبه ملء مشاعره وأحاسيسه بحيث يكون مؤمنا حقا بفكرة التي يدعو إليها ، وعليه مع ذلك أيضا أن يكون هذا الإيمان مترجما في واقع عمله بحيث يتراءى للناس فيما يأتيه وفيما يذره ، وعليه أن يكون متوكلا على ربه منيبا إليه ، موطنا نفسه بما عسى أن يلقاه في سبيل ربه سبحانه تعالى ، فإن الدعوة طريقها طريق صعب ، طريقها قد يعطب الإنسان إلا بتوفيق الله فيه والآيات القرآنية تشير بل وتصرح بوعورة هذا المسلك فإن الله – سبحانه وتعالى – كثيرا ما يقرن الأمر بالصبر مع الأمر بالدعوة " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة
(1/4)
الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " إلى أن يقولعز من قائل : " واصبر وما صبرك إلا بالله "
كذلك يقول فيما يحكيه عن لقمان عليه السلام " وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور " وعليه فإنها تنبئ الداعية لا بد أن يكون صابرا مصطبرا ، وهذا الصبر لا يقوى عليه إلا عندما تكون في نفسه شحنة روحية ، هذه الشحنة الروحية لا يمكن أن يستمدها الإنسان إلا من إيمانه العميق ، الإيمان الذي يزداد قوة ورسوخا لما يأتيه من عباداته بربه سبحانه فلا بد أن يكون مقيم الصلاة إقامة تجعله يبتعد عن معاصي الله سبحانه كما هو شأن إقام الصلاة ، فالله تعالى يقول : " وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " ولا بد من أن يكون أيضا مؤديا للواجبات المالية من زكاة ومن غيرها ، ومؤديا للفرائض المتنوعة التي فرضها الله سبحانه وتعالى عليه سواء ما يتعلق بحق الله سبحانه وتعالى أو ما يتعلق بحق العباد ، لا بد من أن يكون حريصا على ذلك ، وأيضا يكون مع هذا حريصا على كلمة الصدق بحيث لا يؤثر عليه شيء من الكذب ، فإن الكذب مما يؤدي إلى اتهام الناس له، بل واتهامهم للفكرة التي يدعو إليها ، ومن أجل هذا نرى في سؤال هرقل عندما سأل أبا سفيان عن النبي – صلوات الله وسلامه عليه - أنه قال له : هل كنتم تتهمونه بكذب قبل ؟ فقال له : لا . فكان من جوابه بعد ذلك عندما أخذ يحلل القضية . قلت لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله .
(1/5)
فاطمأن إلى صدق النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث أنه لم يكن قط متهما بالكذب ، وهكذا الصحيح الداعية يجب أن يكون متحليا بالصدق متجنبا للكذب ؛ حتى أنه يتجنب الكذب لمصلحة الدعوة نفسها فإن الإنسان قد يتصور أن الدعوة ربما يخدمها شيء من الكذب ، لكن لا ، هذا أمر خطير جدا ، هذا التصور نفسه تصور خاطئ بعيد عن الحقيقة إذ هذه الدعوة عندما يكذب الإنسان فيها تأتي النتيجة عكسية لا يتهم هو وحده إنما تتهم معه الدعوة نفسها ، فلا بد أن يكون صادقا وأن يكون أمينا ، لا يخون قط حتى يثق الناس فيه ويجعلوه قدوة لهم في أمر دينهم ويتبعوه بحسب ما يأمرهم ، هذه الأمور لا بد من أن تتوافر في هذا الداعية ليدعوا إلى الله سبحانه وتعالى .
السؤال :
سماحة الشيخ : العلم الشرعي والدعوة قرينان لا يكاد أحدهما ينفك عن الآخر ، لكن بعض الدعاة يتساءلون من أين نبدأ ؟ هل نأخذ كل علم بطرف ؟ أم نشتغل بفن واحد دون سائر الفنون ؟ بمعنى آخر : كيف يرتب الداعية حياته العلمية بحيث تكون دعوته على علم وبصيرة ؟
الجواب :
(1/6)
الدعوة إلى الله تبارك وتعالى لا تكون مع الجهل ، فلا بد للإنسان من أن يكون عالما بما يدعو إليه وعالما بما يحذر منه ، ويجب أن يكون مؤتمرا بما يأمر به ، تاركا لما ينهى عنه ، وأن يكون أيضا عدلا فيما يأمر به وعدلا فيما ينهى عنه ، هذه أمور لا بد من أن تتوافر في الداعية إلى الله – سبحانه ، ونحن نجد في كتاب الله ما يؤذن بأن الدعوة لا تكون إلا مع البصيرة فالله سبحانه وتعالى يقول لنبيه – عليه أفضل الصلاة والسلام : " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني " ( يوسف . الآية 108 ) وقد أشار القرآن إلى ضرورة تفقه الداعية من أجل أن يبلغ دعوة الله وينذر قومه فالله تعالى يقول : " وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " ( التوبة .الآية 122 ) فإذن فالإنذار مقرون بالتفقه في دين الله ، والتفقه في دين الله باب واسع ، إن التفقه في دين الله يشمل جانب العبادات والمعاملات بل ويشمل جانب الأخلاق أيضا كل ذلك مما يندرج في التفقه في دين الله سبحانه ، فلذلك كانت ضرورة الداعية إلى أن يكون الداعية آخذا حظه من هذا الفقه بقدر ما يعبد الله تعالى على بصيرة وبقدر ما يوظف ما آتاه الله سبحانه وتعالى من العلم في سبيل هذه الدعوة التي يدعو إليها ، وهذا بطبيعة الحال لا يمنع من أن يجمع بين الأمرين ، أن يكون داعية ومتفقها في نفس الوقت أي طالب فقه . لا يمنعه ذلك من أن يكون داعية وأن يكون متفقها يجمع ما بين الدعوة إلى الله وما بين طلب الفقه وهكذا سائر العلوم .
(1/7)
ومن المعلوم أن الفقه ليس هو أمرا نظريا يعيش في عالم المثال ، ولا ينجلي في عالم الواقع وإنما هو منهج تطبيقي ، وكما قلنا حياة البشر حياة متطورة ولما كانت حياة متطورة فإن هذه التطورات لا بد من أن تفرز أنواعا من المشكلات المستجدة إن لم تكن معهودة من قبل والتي هي بحاجة إلى حلول ، هذه الحلول إنما تستخرج من مناجم الفقه في دين الله ، والقادرون على ذلك هم العلماء المتمكنون فمن هنا كانت الضرورة أن يكون الداعية خبيرا بأحوال عصره ، عالما بالمستجدات المتطورة ، ناظرا إليها نظرة بصيرة تمكنه من معرفة آثارها في حياة الإنسانية وانعكاساتها على أمة الإسلام ، وأن يعرف مع ذلك كيف يتعامل معها من أجل دفع عجلة هذه الدعوة إلى الأمام ، ومع هذا كله أيضا هذا الداعية الفقيه لا بد أن يكون عارفا بآثار هذه التطورات التي تستجد باستمرار على نفوس الناس لأن معرفة الداعية بنفوس الناس ، ومعرفته بتفاعلاتها مع كل قضية من القضيات سواء كانت من القضيات المستجدة أو كانت من القضايا المألوفة ، معرفة الداعية بذلك تمكنه من وضع البلسم على الجرح ، وتمكنه من معرفة كيف تعطى جرعة الدواء من أجل الشفاء ، هذه الأمور لا بد من أن يكون هذا الداعية الفقيه ملما بها بقدر مستطاعه ولا أعني أن يكون واصلا الذروة بحيث يعتبر مرجعا من مراجع العلم ، فإن كلا يؤدي وظيفته بقدر مستطاعه " لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله " ( الطلاق . الآية 7 ) ولئن كان هذا الإنفاق في الآية إنفاقا ماديا فإن الواقع يقتضي أن يكون الإنفاق الروحي بهذا المقدار ، بقدر ما أوتي الإنسان والناس خلقوا متفاوتين وفي هذا التفاوت يكون التكامل فيما بينهم .
(1/8)
سماحة الشيخ : السؤال التالي في قضية إعادة صياغة الدعاة فمن الناحية الأخلاقية ، إذا كان التحلي بالخلق الفاضل أمرا واجبا على آحاد المسلمين فإن الداعية في حقه ألزم ؛ لأن النظر إليه أسرع ، والنقد عليه أشد ، وقد يستهين بعض الدعاة بهذا الجانب فتجد الواحد منهم مكفهرا لا يلقى الناس بوجه طلق ويدعو إلى الله بالتي هي أحسن فيؤدي ذلك إلى نفور المدعوين منه .
سماحة الشيخ : ما هي النظرة الإسلامية إلى الأخلاق ؟ وكيف ينبغي للداعية أن يتعامل بهذه الأخلاق مع من يدعون ؟
الجواب :
(1/9)
من المعلوم أن أكمل خلق الله سبحانه هو الرسول محمد – عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام – الذي أثنى الله تبارك وتعالى عليه في كتابه ما لم يثنه على أحد من خلقه وحسبنا أن الله سبحانه قال فيه " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " ولم يقل في غيره مثل ذلك ، وأطلق الله – سبحانه وتعالى – ألسنة للناس بالثناء عليه – صلوات الله وسلامه عليه – سواء الذين اتبعوه أو الذين لم يتبعوه ونحن نجد في ثنايا كلام غير المسلمين ما يدل على أنهم مبهورون بشخصية الرسول – صلى الله عليه وسلم - فنجد مثلا ممن كتب عن الرسول – عليه أفضل الصلاة والسلام – من المستشرقين المسيود من جامو الفرنسي يقول في وصفه – صلى الله عليه وسلم – في كتابه حياة محمد ( لقد كان محمدا أصدق البشرية لهجة ، وأصفاهم سريرة ، وأحسنهم سيرة ، وأوفرهم عقلا ، وأقومهم سلوكا ) ثم قال : ( وهو صادق بأنه يوحى إليه ) إلا أنه حاول أن يفسر هذا الوحي تفسيرا يتلاءم مع فكره وتصوره وهكذا انطلقت ألسنة الناس لتثني على النبي الأعظم – صلوات الله وسلامه عليه – فإذن هو مثال الكمال البشري ولكن عندما أثنى الله تعالى عليه في كتابه بماذا أثنى عليه ؟ هل قال فيه : وإنك لعلى علم غزيز ؟ لا . بل خاطبه بقوله مع خاطب غيره معه بقوله : " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " وإنما أثنى عليه بالخلق فقد قال فيه : " وإنك لعلى خلق عظيم " ومعنى هذا أن الخلق هو الذي يتفاوت فيه البشر بقدر ما يتحلون به ، فمن تحلى بالأخلاق الفاضلة كان أقرب إلى صفة الكمال وإن كان الكمال في البشر معلوما .
(1/10)
ونجد أن النبي – صلوات الله وسلامه عليه – عندما وصف أحوال الناس بين أنه يحب من أمته أصحاب الأخلاق " إن أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا " فإذن ذوو الأخلاق هم أقرب من النبي - صلى الله عليه وسلم – مجلسا ، وهو أحب إلى قلبه ؛ لأنهم هم المتبعون لنهجه – صلوات الله وسلامه عليه – ونحن نرى في كتاب الله- سبحانه و تعالى - ما يدل على العناية البالغة لجانب الأخلاق ، و هذا حتى في التعامل مع غير المسلمين فالله سبحانه أمرنا أن نقول الكلمة الحسنة لجميع الناس ولم يأمرنا أن نقولها للمسلين وحدهم ، فقد قال : " وقولوا للناس حُسْنًا " وفي قراءة " وقولوا للناس حسنى " ولم يقل وقولوا : للمؤمنين حسْنًا أو حسنى ، وإنما أمرنا أن نقول ذلك لجميع الناس.
ونجد أنه سبحانه عندما يوجه النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن خلال هذا التوجيه يوجه المؤمنين جميعا في أمر الدعوة وأن تكون هذه الدعوة بأسلوب جذاب ، محدث للقلوب ، مقرب للبعيد ، مقنع للعقول ، فالله سبحانه يقول : " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم . وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم " ( فصلت . الآيتان 34 ، 35 ) هكذا الدعوة يجب أن تكون مقرونة بهذه الأخلاق ، الأخذ والعطاء يكون بالموعظة الحسنة ، الموعظة الهادئة الهادفة ، ونحن نرى أن هذا الكلام سبق في مساق بيان أهمية الدعوة فالله سبحانه وتعالى قال قبل ذلك " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين " ( فصلت . الآية 33 ) .
(1/11)
ونجد أيضا أن الحق سبحانه وتعالى عندما يأمر النبي – صلوات الله وسلامه عليه – بالدعوة يأمره بأن تكون هذه الدعوة بالأسلوب الحسن " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين " ونجد كذلك أنه – عز وجل - عندما يوجه المؤمنين جميعا إلى الخير ، يوجههم إلى الأخلاق الفاضلة التي تجتذب كل عمل من أعمال الإسلام إنما هو يمثل الخلق الفاضل .
فنحن نجد عنصر الأخلاق يدخل في كل جزئية من جزئيات الإسلام ، في العبادات والمعاملات والعلائق بين الناس كلها تحث على أساس الأخلاق الفاضلة وهذا يقتضي أن يكون الداعية قادرا على مواجهة الناس مواجهة تجذبهم إليه ولا تنفرهم منه ، وتقربهم منه ولا تبعدهم عنه ، فلا معنى أن يلق الناس مكفهر الوجه ، مقطب الجبين ، كأنما هو مالك خازن النار - والعياذ بالله - ، بل عليه أن يلقاهم بالبشاشة والاتزان وحسبنا أن نبينا – صلى الله عليه وسلم – يرشدنا إلى أن ابتسامة الإنسان في وجه أخيه صدقة ، يكفي أن الابتسامة التي يبتسمها في وجه أخيه هي صدقة " تبسمك في وجه أخيك صدقة " فما للإنسان يلقى الناس سواء كانوا إخوانه في الدين أو كانوا من أعدائه الكافرين بخليقة فظة تنفرهم عنه ، فالله سبحانه وتعالى يأمرنا في مجادلة أهل الكتاب ألا نجادلهم إلا بالتي هي أحسن " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون " ( العنكبوت . الآية 46 ) . هذا هو الإرشاد الرباني ، من هنا كانت الضرورة إلى أن يكون الداعية متحليا بالأخلاق .
السؤال :
(1/12)
هناك سماحة الشيخ آفة ابتلى بها كثير أو بعض من الدعاة ألا وهي وهن العزيمة أو الفتور فيلاحظ أن الداعية في بداية طريق دعوته يكون مفعما بالحيوية والنشاط والعزيمة المتوقدة وما إن تمر عليه فترة من الزمن إلا ويصاب بهذا الوهن ويبدأ بالتهرب من تحمل المسؤوليات ، ويمانع في بذل الأوقات والأموال وتكون نظرته للحياة نظرة ملؤها التشاؤم والتملل . سماحة الشيخ : كيف يستطيع الداعية أن يحتفظ بعزيمته ؟ ويستمر في دعوته دون التراجع إلى الوراء ؟
الجواب : حقيقة الأمر هناك أمران باعثان قد تكون العاطفة هي التي تبعث على الأمر من غير أن يكون الإنسان مقتنعا به اقتناعا تاما ، وقد ينطلق من قناعات فيما إذا أقدم على الأمر ، وعلى كل حال الداعية يجب أن لا يكون عاطفيا فحسب .
(1/13)
هؤلاء الذين تتوقد عزائمهم من أجل قيامهم بالدعوة والنهوض بالإصلاح أول الأمر ثم تفتر بعد ذلك عزائمهم إنما هم خرجوا إلى هذا الأمر من منطلق عاطفتهم ، والعاطفة كثيرا ما تثور ثم تغور فلذلك لا بد من أن يكون الإنسان ليس مستندا إلى العاطفة وحدها بل لا بد مع هذه العاطفة أن تكون لديه قناعة تمتلك عقلة، وتسيطر على حسه ، هذه القناعة هي التي تجعله يستهين بكل شيء ، ويضحي بكل أمر ، ولا يبالي بأن يلق في سبيل الله تعالى ما يلقاه من التحديات والمصاعب ، على أن أمر الدعوة نفسها للناس ربما تصوروا الدعوة تصورا خاطئا ، والخطأ في الدعوة لا ينحصر في مجرد الاندفاع لها ، قد يتصور أيضا الخطأ في الدعوة من حيث قصور فهم الإنسان عن واجب هذه الدعوة ، فقد يتصور الإنسان أنه مسؤول عن نفسه فحسب وليس مسؤولا عن غيره ، وهذا التصور تصور خاطئ وكثير من الناس يبررون موقفهم هذا الذي يقفونه من قوله الله تبارك وتعالى : " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " ( المائدة . الآية 105 هذا الموقف يدل على عدم الفهم وعدم الإدراك ، فمعنى لا يضركم من ضل إذا أنتم اهتديتم إلى الصواب إلى أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر .
(1/14)
وكذلك هناك تصور آخر وهو أن الداعية هو مسؤول عن تكيف الناس مع هذه الدعوة لا عن إبلاغ الدعوة إليهم فحسب ، وهذا فيه إفراط ، هؤلاء الذين يتصورون هذا التصور عندما يصطدمون بالواقع كثيرا ما يرجعون إلى التصور الآخر إلى الموقف السلبي إلى إهمال الدعوة رأسا ؛ لأنهم يجدون أنفسهم غير قادرين على التأثير على أفكار الناس ، والتأثير على سلوكهم وهم ليسوا بمكلفين ليؤثروا على سلوك الناس ، إنما هم مكلفون أن يبلغوا إليهم دعوة الحق ، فالله تعالى يخاطب نبيه – صلى الله عليه وسلم – وهو كما هو معلوم أبلغ الناس حجة وأقواهم بيانا ، وأشدهم تأثيرا ، يقول الله سبحانه وتعالى : " لعلك باخع نفسك على آثرهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا " لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين . ويقول له : " إنما أنت منذر ولكل قوم هاد " ويقول : " فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب " ( الرعد . الآية 40 ) .
فإذن لا يسأل الداعية عن تأثير هذه الدعوة على نفوس الناس ، وإنما يسأل عن قيامه بحقها ، فعندما يكون هذا التصور تصورا صحيحا عند الداعية فينطلق إلى الدعوة من قناعاته العقلية ، يحرص دائما على أن يتكيف مع الظروف جميعا سواء واجه تحديات أو واجه قبولا .
ومن ناحية أخرى الإيمان نفسه يختلف بين شخص وشخص فالله سبحانه وتعالى يقول : " ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله " فهذا الذي يحمل الدعوة إلى الله تعالى من أجل رضوان الله – سبحانه وتعالى – فعندما يؤذى في الله تعالى – يترك هذه الدعوة رأسا دليل على أن الإيمان لم يرسخ في قرارة نفسه وهذا شأنه شأن العبادة ، فالله تعالى يقول : " ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه " ( الحج . الآية 11 ) .
يجب على أي داعية أن يحرص على أن ينطلق :
(1/15)
أولا من قناعاته ، أن تكون العقيدة راسخة في نفسه ، وأن لا يكون الداعية يدعو بتأثير العاطفة عليه وإنما يدعو بتأثير العقيدة عليه ، ولأجل هذا أريد أن أنبه على أمر ، وقد وجدت كثيرا من الناس يحاولون دائما أن يصورا للناس في سبيل الدعوة إلى الله – تبارك وتعالى - أمورا على خلاف حقيقتها ؛ لأنهم يتصورون أنهم بذلك يخدمون الدعوة إلى الله . فالداعية عليه أن يكون واقعيا ، وهذه الدعوة دعوة إلى حقيقة وليست دعوة إلى أوهام ، ولئن كنا وجدنا النصارى وهم يدعون إلى ضلالاتهم يتخذون مثل هذه الوسائل فإن ذلك يتفق مع معتقداتهم ومع أفكارهم .
أما نحن معاشر المسلمين فإننا يجب علينا أن نعتقد الصدق وأن لا نحيد عن منهج الصدق ، نحن عندما حدثت هذه الأحداث من العام المنصرم في الولايات المتحدة الأمريكية كثير من الناس من قال بأن القرآن الكريم أشار إلى هذا الحدث في سورة التوبة وفي الآية 110 وهذا مما لا يخدم الدعوة إلى الله ، أنا دائما أقول بأن القرآن الكريم لم يكن كتابا يشتمل على جزئيات ما يحدث في هذا الكون ، يتحدث عن هذه القضية ستحدث في وقت كذا ، نعم يتحدث عن قضايا خلدية ، ثم بجانب ذلك أيضا القرآن الكريم لا ريب أنه اشتمل على كثير من أنباء الغيب وهذه إحدى معالم إعجازه ، تحدث عن الغيوب ووقعت هذه الغيوب ، ولكن عندما تحدث عن هذه الغيوب كثيرا ما كان حديثه عن قضايا عامة ولم تكن قضايا خاصة إلا القليل النادر كقضية الانتصار ، انتصار الروم على الفرس بعد انتصار الفرس عليهم ، هذه القضية أرادها الله - تبارك وتعالى - من أجل أن تتحقق في عصر النبوة ، تكون آية بارزة على صدق نبوة نبينا - صلى الله عليه وسلم – .
(1/16)
وهناك قضايا أخرى تحدث عنها وأشار إليها " قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أن الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ألا أنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط " ( فصلت . الآية 53 ) والله سبحانه وتعالى بين في هذه الآيات أنه سيري آياته للناس في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أن القرآن الكريم هو حق من عنده وأنه لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال هو من عند المخلوقين ، وفعلا فالقرآن الكريم أخبر عن كثير من الأمور التي لم تكن مكتشفة من قبل من الحقائق الكونية ، وجاء العلم بعد قررون وقرون ليكشف عنها لأنها طبق ما أخبر بها القرآن الكريم من ذلك قضية خلق الإنسان ومروره بالأطوار لأن هذه الأطوار لم تكن معروفة في أوربا إلى القرن السابع عشر الميلادي كان الناس يهيمون في معرفة الأطوار ثم بعد ذلك بدأوا يستعملون المجاهر وأشياء أخرى للتوصل إلى أطوار الجنين ولكن لم تنكشف لهم انكشافا تاما إلا في مرحلة متأخرة كما قالوا في بداية القرن العشرين انكشفت لهم هذه الحقائق بينما القرآن الكريم تحدث عنها قبل أربعة عشر قرنا فما معنى ذلك ؟ معنى ذلك أن القرآن هو حق من عند الله وهنا أيضا نقول بأنه من الضرورة أن يكون الداعية ملما بهذه الجوانب ليبرز إعجاز القرآن لكن ليس معنى ذلك أن يحمل القرآن ما لا يتحمله .
(1/17)
كثير من الناس يرون أي قضية من القضايا فيقولون أن هناك إشارة من القرآن إليه ومن ذلك أنه عندما عني الناس بما سمي في الغرب بغزو الفضاء وقلدناهم بهذه التسمية قال كثير من الناس : إن القرآن سبق إلى الإخبار عن ذلك ، وقالوا : إن قول الله سبحانه وتعالى : " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان " قالوا معنى ذلك : إن في هذا إشارة أو في هذا إخبار بأن الإنسان سيتمكن من الوصول إلى الأجرام الفضائية وسيفعل وسيفعل وقالوا السلطان هو سلطان العلم ، هذا كلام بعيد عن الحقيقة لأن الآية جاءت في سياق الأخبار عن يوم القيامة وما قبلها وما بعدها مؤذن بذلك ، فالله تبارك وتعالى : " سنفرغ لكم أيها الثقلان " الكلام كلام تهديد ووعيد لأولئك الذين لا يمتثلون أمر الله " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان " وأي سلطان لكم أي : أي قدرة لكم على النفوذ من أقطار السماوات والأرض ؟ وهل السماوات والأرض من الأرض والقمر ؟ ومن الأرض إلى المريخ ؟ بل السماوات والأرض عبارة عن الكون بأسره . وهل هم يخرجون من خرج إلى القمر أو إلى المريخ أو إلى المشتري أو إلى أي كوكب آخر ؟ هل معنى ذلك خرج نهائيا من أقطار السماوات والأرض ؟ لا . أين المسافات ؟ فاكتشف مما يسمى بالإشعاعات خارج المجرات يقدر بينه وبين الأرض مقدار بعشرين مليون سنة ضوئية . أين هذا الإنسان الذي نفذ من أقطار السماوات والأرض . ما معنى هذا النفوذ ؟ هل خرج نهائيا من أقطار السماوات والأرض ؟ لا . ثم بجانب ذلك ما بعد الآية يدل على أن هذا في مقام التحدي ، إذا الله تبارك وتعالى يقول بعد ذلك : " يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران " ( الرحمن .
(1/18)
الآية 35 ) دليل على أن هذا في مقام التحدي ، فإذن تحميل القرآن ما لا يتحمل بدافع الحماس إلى الدعوة هذا أمر خطأ إذ نحن علينا أن نحرص أن تكون الدعوة ناصعة ، وأن تكون بألسنة صادقة ، وأن تكون بحقيقة واقعة ، لا أن تكون بخيالات ، ويجب أن لا ندعو إلى الله - تبارك وتعالى - بالخيالات ، وأن لا نحمل القرآن ما لا يتحمل .
المحور التالي :
هل ترون سماحة الشيخ أن التخصص بالنسبة للدعاة ضرورة في هذا العصر ؟ بمعنى أن يتولى كل داعية جانبا من جوانب الدعوة فيستفرغ فيه وسعه ؟ أم ينبغي على الداعية يطرق المجالات المتاحة أمامه ؟
الجواب :
ذلك أمر يختلف باختلاف قدرات الدعاة أنفسهم فهناك من الدعاة من هو مهيأ لأن يطرق جميع جوانب الدعوة ، وهناك من الدعاة من هو مهيأ أن يطرق جانبا دون بقية الجوانب الأخرى فلذلك ينبغي أن يُنزَل كل أحد منزلة ، وأن يعطى كل أحد من عمل الدعوة ما يتلاءم مع قدراته ، ومع ما يليق به ، على أن للبشر تخصصات متعددة في مجالات شتى من مجالات العلوم الكونية ويمكن أن تخصص هذه العلوم كلها وتوظف من أجل الدعوة إلى الإسلام ، فالطب يمكن أن يوظف من أجل الدعوة إلى الإسلام ، فكم من أطباء مهروا في الطب فكانوا دعاة مخلصين لدين الله – سبحانه وتعالى – يستخدمون ما أوتوه من العلوم الطبية من أجل بيان أن هذا الدين هو الحق وأن القرآن هو المعجزة الخالدة .
هناك أيضا أصحاب التخصصات المختلفة في العلوم الطبيعية هؤلاء أيضا هم بإمكانهم أن يقوموا بالدعوة من خلال هذه التخصصات بجانب كونهم ربما يقومون ببعض أعمال الدعوة التي تخرج عن تخصصاتهم لكن عليهم أن يستفرغوا الوسع فيما تخصصوا فيه من العلوم ، ويسخرونه في سبيل الدعوة إلى الله – سبحانه وتعالى – وهكذا .
(1/19)
وكذلك أصحاب الأعمال على اختلاف أنواعها ربما التاجر كان بتجارته قادرا على إقناع طبقة من الناس بدعوة الحق ، وربما كان الفلاح أيضا قادرا بأسلوبه على التأثير على الفلاحين أو على من يتعامل معهم وهكذا كل من أتيحت له الفرصة عليه أن يدعو إلى الله .
فالدعوة إلى الله لا تنحصر في جماعة معينة ، والدعوة إلى الله وظيفة كل مسلم ، وهي معقل الارتباط الاجتماعي بين المؤمنين والمؤمنات ، فإن الله – سبحانه وتعالى يقول : " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله " ( التوبة . الآية 71 ) ويصف الأمة كلها بقوله " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " ( آل عمران . الآية 110 ) ويأمرها جميعها أن تكون أمة هذا شأنها عندما يقول : " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعرف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " ( آل عمران . الآية 104 ) .
فلا بد من أن تكون الأمة أمة دعوة ، وأن يجند كل أحد نفسه بقدر طاقته ، إنما يكلف الإنسان ما يستطيع دون ما لا يستطيع .
نسأل الله – سبحانه وتعالى أن يجمعنا بسماحته في لقاء آخر ، ونسأل الله تعالى لكم التوفيق ونستلهم بركة الدعاء من سماحته فليتفضل فيدعو لنا .
(1/20)
حقيقة الأمر سبق أن طلب بعض الأخوة الدعاة بأن يسقنا الله تعالى الغيث ونحن نعاني جميعا من هذا الجفاف ، علينا جميعا أن نذكر أولا نعم الله - تبارك وتعالى - علينا التي أصبغها سبحانه علينا أوقاتا كثيرة ، وأن ندرك أنه لا غنى لنا عن الله – سبحانه وتعالى - ، فهذا يذكرنا بقدرته علينا ، وبعجزنا عن تحقيق أي مصلحة من مصالحنا ، ثم إنه لا ريب ألن كل ما حدث وكل ما كان وكل ما يكون إنما يعود إلى الإنسان نفسه ، فإن هذا الإنسان هو سبب استقامة أمره ، أو انحرافه ، وسبب ما يصيبه من بلاء أو ما يصيبه من رخاء ، فهو لسبب ما يأتيه من قبل الله سبحانه وتعالى من سراء أو من ضراء ، ومع هذا فإن الله سبحانه وتعالى يعفو عن الكثير ، نحن نجد في كتاب الله – عز وجل – ما يدلنا على أن كل ما يجرى في هذا الكون مما يتعلق بالإنسان ويؤدي به إلى بلاء ، ومحنة ، وقسوة إنما ذلك بسبب نفسه مع عفو الله سبحانه وتعالى عن الكثير فقد قال : " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " ( الشورى . الآية 30 ) فما هنا للعموم ، ودخول من على النكرة وهو قوله مصيبة يدل على تأكيد هذا العموم ، وكذلك قوله سبحانه وتعالى : " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون " ( الروم . الآية 41 ) وقال تعالى : " وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا " ( الجن . الآية 16 ) وقال : " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " ( الأعراف . الآية 96 ) .
(1/21)
وقال في أهل الكتاب : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " ( المائدة . الآية 66 ) هذا دليل على أن الإنسان هو سبب ما يأتيه من بلاء وهو أيضا يعمل ما يعمل من أجل أن يرفع الله – سبحانه وتعالى – هذا البلاء عنه . عندما اشتدت المحنة بالمؤمنين في عام الرمادة ، وجمعهم الفاروق – رضي الله عنه – من أجل الاستغاثة وبين للناس أنهم كانوا يتوسلون بالنبي – صلى الله عليه وسلم – أي بدعائه ، دعا الله تعالى ورجاه من الله تعالى أن يغيثهم بدعاء العباس – رضي الله تعالى عنه – الذي هو عم النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو قريب جدا من النبي – عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام – ولما كان ذلك العباس – رضي الله تعالى عنه - أول ما قال بعد ما حمد الله تعالى وأثنى عليه ، قال تذكيرا للناس : إن البلاء لا ينزل إلا بمعصية ، ولا يرتفع إلا بتوبة ، فإذا هذا البلاء إنما نزل بما كسبت أيدينا ، وارتفاعه إنما برجوعنا إلى الله ، فعلينا أن نتوجه إلى الله ، وعلينا أن ندعو الله بقلوب مؤمنة وبألسنة صادقة ، وأن نتضرع إليه موقنين بأنه لا يرفع البلاء غيره ، وإنما علينا أن نتسبب بالتوبة النصوحة ، وندعوا الله ونحن مستقبلين القبلة ، فإن من آداب الدعاء أن يستقبل الداعية البيت الحرام .
الدعاء
بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، سبحانك ربنا نستغفرك ونتوب إليك ، ونعول بإجابة دعائنا عليك ، ولا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك لا إله إلا أنت وحدك ، نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت ، ونشهد أن نبينا محمدا عبدك ورسولك صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين .
(1/22)
اللهم ربنا إنا نستغفرك ونتوب إليك ونعول في إجابة دعائنا عليك فاغفر لنا ذنوبنا كلها ، وأصلح عيوبنا كلها ، وتقبل حسناتنا وأعرض عن سيئاتنا ، وامح خطايانا وسيئاتنا ، واستجب دعاءنا ، وارفع عنا البلاء يا ذا الجلال والإكرام . اللهم نشهد بأنك أنت الله لا إليه إلا أنت الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، نسألك أن لا تدع لنا في هذا المقام ذنبا إلا غفرته ، ولا عيبا إلا أصلحته ، ولا غما إلا فرجته ، وكربا إلا نفسته ، ولا دينا إلا قضيته ، ولا مريضا إلا عافيته ، و لا غائبا إلا حفظته ورددته ، ولا ضالا إلا هديته ، ولا عدوا إلا كفيته ، ولا دعاء إلا استجته ، ولا رجاء إلا حققته ، ولا بلاء إلا كشفته ، ولا سائلا إلا أعطيته ، وحاجة من حوائج لدينا والآخرة هي لك رضا ولنا فيها صلاح ومنفعة إلا قضيتها ويسرتها في يسر منك وعافية يا الله يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم اجعل الموت خيرا غائب ننتظره ، والقبر خير بيت نعمره ، واجعل ما بعده خيرا لنا منه ، اللهم إنا نسألك أن تهب لنا لسانا صادقا ذاكرا ، وقلبا خاشعا منيبا ، وعملا صالحا زاكيا ، وإيمانا صالحا ثابتا ، ويقينا صادقا راسخا ، وعلما نافعا رافعا ، ونسألك ربنا أن تهب لنا إنابة المخلصين ، وخشوع المخبتين ، ويقين الصديقين ، وسعادة المتقين ، ودرجة الفائزين ، يا أفضل من قصد وأكرم من سئل وأحلم من عصي يا الله يا ذا الجلال والإكرام .ط
اللهم أغث عبادك واسق بهائمك يا حي يا قيم يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم إنا نسألك أن ترفع عنا كل بلاء ، اللهم إنا نسألك أن ترفع عنا كل بلاء ، وأنت ترفع عنا كل شدة ، اللهم أبدلنا بالعسر يسرا . اللهم أبدلنا بالشدة رخاء ، اللهم امنن علينا بتوبتك ، وأغدق علينا نعمتك ، اللهم وفقنا لشكرها ، اللهم جنبنا معصيتك يا الله يا ذا الجلال والإكرام .
(1/23)
اللهم وفقنا إلى طاعتك ، اللهم ربنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله أنت لواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، نسألك ربنا أن تعز الإسلام والمسلمين ، وأن تذل الكفر والكافرين ودمر أعداء الدين ، وأن تستأصل شأفتهم ، وأن لا تدع لهم من باقية ، اللهم اردد كيدهم في نحورهم ، وأعذنا وجميع المسلمين من شرورهم ، وامح آثارهم ، وأورثنا أرضهم وديارهم ، واطمس على أموالهم ، اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا .
اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك ، اللهم اجعل تدبيرهم تدميرهم ، اللهم اجعل تدبيرهم تدميرهم ،اللهم اجعل تدبيرهم تدميرهم ، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر ، اللهم عليك بهم . اللهم أبرم في هذه الأمة أمر صلاح ورشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ، ويؤمر فيه بالمعروف ، وينهى فيه عن المنكر ، ويحكم فيه شرعك ، ويتبع فيه كتابك ، ويقتدى فيه بنبيك – صلى الله عليه وسلم - ، وينصر فيه المظلوم ، ويقهر فيه الظالم يا الله يا ذا الجلال والإكرام .
(1/24)
اللهم أبدلنا بخوفنا أمنا ، وبذلنا عزا ، وبفقرنا غنى ، وبتشتتنا وحدة . اللهم اجمعنا على كلمتك ، اللهم ألف بين قلوبنا بطاعتك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام . اللهم ربنا اهدنا بالهدى ، ووفقنا إلى التقوى ، وعافنا في الآخرة والأولى . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر يا الله يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة ، وهذا الجهد وعليك التكلان ، سبحانك ربنا لا نحصي ثناء عليك فأنت كما أثنيت على نفسك نستغفرك ونتوب إليك ونعول في إجابة دعائنا عليك ، ولا حول ولا قوة إلا بك ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
(1/25)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

تواصل معنا

أكثر من 600,000+ يتابعون موقعنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي إنظم إلينا الآن

عن الموقع

author مكتبة أهل الحق والإستقامة <<   مكتبة أهل الحق والإستقامة..موقع يهتم بنشر الكتب القيمة في مختلف الجوانب (فقه..عقيدة..تاريخ...الخ) عند المذهب الإباضية من نتاج فكري.

أعرف أكثر ←

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *