الكتاب: أهمية الدعوة ودور المرأة في القيام بواجب نشر الدعوة لأحمد الخليلي
محاضرة ألقيت في آخر يوم من أيام المركز الصيفي لمعهد العلوم الشرعية للنساء تفضل الشيخ ليلقي عليهن محاضرة عن أهمية الدعوة
في آخر يوم من أيام المركز الصيفي لمعهد العلوم الشرعية للنساء تفضل سماحة المفتي العام واقتطع من وقته الثمين ليلتقي بالملتحقات بهذا المركز الصيفي ويلقي عليهن محاضرة عن أهمية الدعوة ودور المرأة في القيام بواجب نشر الدعوة.
بدأ المحاضرة الأستاذ خالد بن محمد العبدلي بتقديم لسماحته لم يسجل إلا آخره حيث قال:
... وهو سماحة الشيخ / أحمد بن حمد الخليلي حفظه الله ورعاه ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يسدد خطاه لنغترف اليوم من يمّه ونستفيد من بحر علمه وأيضا لننتفع بتوجيهاته السديدة فليتفضل مشكورا مأجورا.
ثم قال سماحته:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين ، أحمده تعالى لما هو له أهل من الحمد واشكره واتوب إليه من جميع الذنوب واستغفره وأؤمن به ولا أكفره واعادي من يكفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أرسل رسله تترى وأنزل كتبه تتلى ليهلك من هلك عن بينه ويحيى من حيّ عن بينه وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله أرسله الله هاديا وبشيرا ونذيرا وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا فبلغ رسالة ربه وادى أمانته ونصح هذه الأمة وكشف الله به عنها الغمة فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى تابعيهم بإحسان الى يوم الدين
أما بعد ،،،
فبتحية الإيمان والأمان وتحية الإسلام والسلام أحيي بناتنا العزيزات طالبات العلم الشريف فالسلام عليكن جميعا ورحمة الله وبركاته ، وإنها لفرصة أن نلتقي في آخر هذه الفترة التي أتيحت لكنّ من أجل العب من مناهل العلم ومن أجل التزود لما يقوي عزيمتكن في الخير ويكون مددا لكنّ في طريق الدعوة الى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذه الوظيفة وظيفة مشتركة ما بين الجنسين ما بين المؤمنين والمؤمنات لا يختص بها الذكور دون الإناث إنما هي مسؤولية كبرى ألقيت على عاتق الجميع فكل واحد مطالب أن يقوم بها
(1/1)
ذلك لأن الله تبارك وتعالى جعلها حبل المواصلة ما بين المؤمنين والمؤمنات جميعا فالقيام بهذا الواجب هو الذي يشد المؤمن الى المؤمن ذكرا كان أو أنثى وهو الذي يقوي جبهة أهل الإيمان على أهل الكفر وأهل الشقاق والنفاق ، فالله سبحانه وتعالى يقول:{ والمؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} الآية 71 التوبة
نرى جميعا في هذه الاية الكريمة يأمرنا الله تبارك وتعالى بأن تكون بيننا صلة تشد بعضنا الى بعض هي صلة الولاية فإن الولاية هي الحب في الله تبارك وتعالى وذلك واجب ما بين جميع أهل الإيمان من ذكور وإناث لتكون بينهم المناصرة ويكون بينهم التعاون والتآزر وليكون بينهم التناصح في ذات الله سبحانه وتعالى وهذه الولاية تقوم على أشياء ذُكِرت هنا في هذه الآية الكريمة
فقد ابتدأها الله سبحانه وتعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل أن يذكر إقام الصلاة وإيتاء الزكاة مع أن إقام الصلاة ثم إيتاء الزكاة في مقدمة الواجبات العملية التي ينوء بها المسلم ذكرا كان أو أنثى ذلك لأجل التنبيه على خطورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنهما السبب في الحفاظ على جميع الواجبات والقيام بجميع اللوازم إذ مع عدمهما يكون التفريق فالله سبحانه وتعالى جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سياجا لحفظ هذا الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما أيضا سببا لاستمرار الناس على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة فلذلك صُدِّرا قبل ذكر إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ثم ذكر الله سبحانه وتعالى بعد ذلك إقام الصلاة وإيتاء الزكاة تنبيها على الواجبات المتنوعة؛
(1/2)
فإقام الصلاة رمز الى الواجبات العملية البدنية التي يطلع بها الإنسان ، وإيتاء الزكاة رمز الى الواجبات المالية ، فكل إنسان مطالب بحقوق بدنية وحقوق مالية يؤديها لله سبحانه وتعالى ثم بعد ذلك ذكر سبحانه وتعالى الإطار العام الذي يشمل كل خير وينفي عن حيزه كل شر وهو طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ليشمل ذلك التخلي والتحلي ، التحلي بما فيه الخير والصلاح والإستقامة ، والتخلي عن ما فيه الشر والفساد والإعوجاج فيشمل ذلك فعل الواجبات بأسرها وترك المنهيات بأسرها ؛
فكما نرى في هذه الآية الكريمة الله سبحانه وتعالى فرض على المؤمنين والمؤمنات جميعا أن يكون بينهم التواصل ، التواصل الروحي الذي يشد كل واحد الى الآخر من خلال المودة في الله سبحانه وتعالى ومن خلال التآزر والتناصر والتعاون على البر والتقوى والله سبحانه وتعالى عندما أوجب هذه الواجبات على الناس لم يجعل عقولهم تصل الى فهمها والتمييز فيما بينها بل عقل الإنسان ولو رقى في درجات الفهم لايزال قاصرا في أنه يتأثر بمؤثرات متنوعة فضلا عن كونه طاقة من طاقات البشر المحدودة لأن طاقات البشر كلها مخلوقة وكل مخلوق فهو محدود لذلك كان العقل البشري لايمكن أن يتوصل الى كل شيء فيما يتعلق بواجبات الدين وغيرها إنما العقل البشري قد يستحسن أشياء وقد يستقبح أشياء
(1/3)
ولكن مع هذا تدخل البيئة والتربية في هذا الإستحسان والإستقباح لذلك أرسل الله سبحانه وتعالى رسله وانزل كتبه ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة وجاءت رسالات الله تبارك وتعالى حاملة الى الناس أمره ونهيه ومعنى ذلك إن الناس مطالبون بأن يتعلموا ما تضمنته الرسالات فجميع المرسلين إنما جاءوا برسالة العلم لأنهم مبلغون عن الله سبحانه وتعالى وخاتم المرسلين وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله سبحانه وتعالى على فترة من الرسل وانقطاع من الوحي وضلالة من الأمم وفساد من أخلاق الناس وانحطاط من قيمهم فإذا بهذا الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام يجمع هذا الشتات ويهدي هذه البشرية من هذه الحيرة التي كانت فيها وبعد أن قبض الله تعالى إليه عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم انقطعت رسل الله تعالى عن الأرض إذ لم يعد هنالك تنزيل من عند الله سبحانه فالنبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم المرسلين والكتاب الذي أنزل عليه وهو القرآن الكريم هو آخر الكتب جميعا فلا يأتي كتاب من بعده
ولكن جعل الله سبحانه وتعالى علماء الأمة من ذكورهم وإناثهم هم الذين يحملون هذه الرسالة ويؤدون هذا الواجب كما جاء بذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال عليه أفضل الصلاة والسلام : ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)) ، فالذين يحملون هذا العلم حملا صادقا إنما هم العدول الصادقون ، هم البررة الذين صفت قلوبهم وأشرقت عقولهم وتفتحت مداركهم واستنارت بصائرهم ، هؤلاء هم الذين يحملون هذه الرسالة رسالة العلم من الأعقاب ما دامت الدنيا باقية فإن الله وتعالى يقول { ولكل قوم هاد }الآية 7 الرعد
(1/4)
معنى ذلك أنه في كل عصر من العصور يوجد من يصدع بأمر الله ويبلغ كلمة الله ويدعو الى دين الله آمرا بالمعروف مؤتمرا به ناهيا عن المنكر منتهيا عنه ولاريب أن هذه المسؤولية مسؤولية شاقة ليست مسؤولية هينة فإن الإنسان الذي يطلع بهذه الأمانة ويقوم بهذا الواجب يلاقي في حياته الكثير الكثير من التحديات سواء من الأقربين أو من الأبعدين وأول ما يصطدم به من يدعو الى الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بيئته التي هي أقرب ما تكون إليه فإنه يصطدم بهذه البيئة ويؤدي ذلك الى وجود من يشاقه ويناكده ويؤذيه قد يؤذيه بلسانه وقد يؤذيه حتى بيده ؛
ولذلك نحن نجد أن الحق سبحانه وتعالى عندما حكى وصية لقمان لابنه وذكر فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قرن ذلك بالأمر بالصبر عندما قال { وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} الآية 17 لقمان
ونجد أن الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز يبين أن مسؤولية النبي صلى الله عليه وسلم ومنهجه في هذه الحياة إبلاغ هذه الدعوة أن يدعو الناس الى الخير على بصيرة هو ومن اتبعه وهذه المسؤولية يضطلع بها جميع اتباعه صلى الله عليه وسلم وبَيّن سبحانه وتعالى عقب ذلك ما كان مِن مَن سبقه صلى الله عليه وسلم من المرسلين من قبل الذين حُمّلوا هذه الأمانة فحملوها بجدارة فإنهم جاءوا الى هذه الدنيا مواجهين تحديات بني الإنسان آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر مضطلعين بأمانة الله مع ما كانوا يلقونه من التحديات الكثيرة وأن الأمر وصل بهم الى مشارفة اليأس لهول ما كانوا يلقونه وعندئذ تنزلت رحمته تعالى بهم وغمرهم الله تعالى بألطافه فقد قال الله سبحانه {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ي وَسُبْحَان َ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِك ِينَ }الآية 108 يوسف
(1/5)
ثم يقول بعد ذلك { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون؛ حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ؛ لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون }الآيات 109- 111 سورة يوسف
نعم هذه هي سبيل المرسلين من قبل هذه هي مسؤولية الذين تحملوا أمانة الله تبارك وتعالى هم يلقون التحديات ويشارفون اليأس لهول ما يلقون حتى إذا استنكر الرسل وعندئذ يغمرهم الله تعالى بألطافه ويمدهم بعونه وفضله وينبلج صبح جديد ليتمخض عن ذلك الليل المعسعس الذي كانوا يعيشون فيه فإذا باليأس أمل وإذا بالهزيمة نصر وإذا بالضلالة هدى بمشيئة الله سبحانه وتعالى بحيث يهتدي من كتب الله تعالى له الهداية على أيدي أولئك الذين يدعون الى الخير { وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين }
وكما قلت هؤلاء المرسلين جميعا تحملوا رسالة العلم رسالة الإيمان رسالة دعوة الناس الى الإعتصام بحبل الله تعالى كل واحد من المرسلين جاء برسالة العلم والنبي صلى الله عليه وسلم النبي الأمي الذي بعث في بيئة أمية بيئة بدائية لم تكن هذه البيئة تعرف الكتابة ولم تكن تعرف القراءة لما هو مكتوب خوطب بقوله تعالى {اقرأ } قال له الحق سبحانه {اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم} الآيات 1-5 العلق
(1/6)
وهذا يؤذن بأنه صلى الله عليه وسلم بعث برسالة العلم وأنه جاء لمحو الأمية فإن القراءة إنما هي قراءة لما كتب ليست القراءة قراءة لما يحفظ هكذا في العادة إنما القراءة لما كتب وإن كان يقرأ الإنسان ما حفظه وإنما ذلك بعد تلاوته حتى يترسخ في ذهنه فإذن معنى ذلك أن هذه الأمة مطالبة بأن تكون أمة قراءة والنبي صلى الله عليه وسلم وإن كان في نفسه أميا وأميته شرف له لأنها معلم من معالم إعجاز رسالته عليه أفضل الصلاة والسلام فإن هذه الأمة مطالبة بأن تكون أمة قراءة أمة كتابة أمة تدوين أمة تأليف أمة حفظ للعلوم
ولذلك قرن الله سبحانه وتعالى هذا الأمر هنا بالقراءة بذكر تعليمه بالقلم وتعليمه الإنسان ما لم يعلم والقلم هو أهم وسيلة من وسائل تدوين العلم ونشره في اعقاب الأجيال المتتالية ونشره في أوساط الأقطار المختلفة فإنه بالقلم ينتشر العلم وينتقل من عهد الى عهد ومن إقليم الى إقليم حتى يعرف الناس ما عند غيرهم فإذن هذه الأمة مطالبة بأن تكون أمة قراءة أمة كتابة ومعنى ذلك أن الذكور والإناث جميعا مطالبون بأن يكونوا على معرفة بأمر دينهم على اتصال بكل المعارف التي تفتح مداركهم وتقوي صلتهم بالله سبحانه وتعالى فالفقه في دين الله مطلب شرعي يطالب به الذكور والإناث جميعا فإن الكل مطالب بأن يعبد الله تعالى على بصيرة كل أحد مطالب أن يعبد الله على بصيرة
{من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنؤتينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}الآ ية 97 سورة النحل
(1/7)
فالإنسان مطالب بأن يعمل الصالحات ومن ضمن عمل الصالحات عبادة الله تبارك وتعالى والإنسان مطالب بأن يتقي السيئات وأنى له أن يميز ما بين الحسنات والسيئات وانى له أن يميز بين الخير والشر وأنى له أن يميز بين الفساد والصلاح وأنى له أن يميز بين الحق والباطل إلا عندما يكون على بينة من أمره وبصيرة من دينه يعرف أين يضع قدمه وكيف يتعامل مع هذا الكون الذي جعله الله تبارك وتعالى مباءة وقرارا لهذا الإنسان فذلك عندما يكون الإنسان على بصيرة ولن يكون على بصيرة إلا عندما يكون عارفا لأحكام ربه ولن يكون عارفا بأحكام ربه إلا عندما يتفقه في دينه ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)) .
فالفقه في الدين هو الخير كل الخير والجهل بأمر الدين هو الشر كله فمن الضرورة بمكان أن يكون الإنسان ذكرا كان أو أنثى متفقها في دينه على أن النساء لهن خصائص كما أن للرجال خصائص بجانب القضايا المشتركة مابين الجنسين وهناك فقه نسائي هذا الفقه النسائي أولى من يدرسه ومن يتعمق فيه ومن يعرف أحكامه ومن يدقق في جدائله ودقائقه النساء فالمرأة هي أولى بأن تضطلع بهذه الأمانة وأن تقوم بهذا الواجب على أن السلف الصالح نجدهم كانوا يرجعون الى النساء في كثير من القضايا التي هي من هذا النوع
(1/8)
فأمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن كنّ مرجعا للخلفاء الراشدين ولغيرهم في عصرهم في هذه القضايا النسائية من أجل فقههن في دين الله بسبب قربهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفتهن لهذه الأحكام الدقيقة فلذلك كان من الواجب على الخلف من نساء هذه الأمة أن يكن على هذا النهج أن يحرصن على التفقه في دين الله تعالى أن يحرصن على القيام بالواجب ، هذا مع أنه من المعلوم عند الجميع أن المرأة مستهدفة في هذا العصر أكثر منها في أي عصر هي مستهدفة في كل عصر من العصور يراد بها الشر ويراد بالأمة الشر من خلالها فإن صلاح المرأة هو سبب لصلاح الأمة وفساد المرأة هو سبب لفساد الأمة فالأمة عندما تصلح نساؤها يصلح رجالها أيضا ،
المرأة هي المربي الأول للجيل هي المحضن الأول للذرية هي المعلم الأول للناشئة فلذلك كان صلاحها وبرها واستقامتها سببا لصلاح الأجيال التي تتربى على أيديها وعندما تنحرف المرأة تنحرف الأجيال والمرأة يقولون بأنها نصف المجتمع ولكني أقول بأن المرأة هي أساس المجتمع ليست نصف المجتمع فحسب بل هي أساس المجتمع عندما تفسد المرأة يفسد المجتمع بأسره وعندما تصلح المرأة يصلح المجتمع بأسره
ومن المعلوم أن الرجل هو عون للمرأة على الصلاح أو على الفساد فعندما كان الرجل حريصا على استقامة المرأة وصلاحها وقف بجانبها فاصطلحت الأمور بصلاح الرجل والمرأة وعندما انحرف الرجل تبعته المرأة في الإنحراف فنحن عندما نرجع الى تأريخ الإنحراف في النساء نجد أن منشأ هذا الإنحراف بدأ عند الرجال سواء الآباء أو الأزواج أو غيرهم من الذين كانوا دعاة الى الشر وكانوا يأمرون بالمنكر بدلا من أن يأمروا بالمعروف وينهون عن المعروف بدلا من أن يكونوا ينهون عن المنكر ولاتزال هذه الفئة من الناس توجد في هذه المجتمعات وفي غيرها
(1/9)
وقد عنيت السياسة المعاصرة للمرأة عناية بالغة فعقدت المؤتمرات الكثيرة في الشرق وفي الغرب من أجل الإنحراف بالمرأة ، من أجل الخروج بها عن سواء السبيل ؛ فلذلك يجب على المرأة المسلمة أن تكون على بينة من أمرها وبصيرة من دينها فإنها إنما يراد بها الضلال والإضلال نحن وجدنا في هذه الدعوات ما يوهم بأن المرأة كانت مظلومة ، كانت مهضومة الحقوق ، كانت بعيدة عن مشاركة الرجل في قضايا الحياة ؛ وحقيقة الأمر هؤلاء الذين يرددون مثل ذلك لو نظرنا الى واقع امرهم نجد أن المرأة عندهم أصبحت وسيلة من وسائل قضاء الشهوات لا أكثر من ذلك ، أصبحت المرأة عندهم عرضة للفساد والإنحراف فهؤلاء الذين يرددون مثل هذا الكلام ،
لو جئنا ننظر في وضع المرأة عندهم لوجدنا أن المرأة صارت سلعة تباع وتشترى من أجل قضاء مآرب شهواتهم لا لأجل أي غرض من الأغراض ويكفي أن نرى أن المرأة عندهم تفقد هُويتها وتنتسب الى غير أصلها ومعنى ذلك أنها تذوب شخصيتها في شخصية الرجل عندما يتزوجها إذ تنتسب الى أسرته ولا تنتسب الى أسرتها بل ينقطع اتصالها نسبا بأسرتها بمجرد ما يقع زواجها هذا دليل على أنهم ليس الأمر كما يزعمون وإنما هم يريدون إضلال المرأة وإفسادها
(1/10)
والمرأة المسلمة تنساق وراء هذا التيار عندما تكون مقلدة لأولئك فإنها تنساق وراء هذا التيار ويستهويها ما يرددونه من الشعارات البراقة وإذا بها هي أيضا تذوب هويتها ولا تستقل بشخصيتها بل ينقطع نسبها واتصالها بنسب اهلها لمجرد أن تتزوج هذا وقع كثيرا عند المسلمات اللائي سرن في ركاب هذه الحضارة الغربية الزائفة فالمرأة يجب أن تكون على بصيرة من أمرها هذا وبجانب ذلك ربما وجد من الناس من يرفع شعار الدين ويتكلم باسم الإسلام ويدافع عن حسب ما يدعي عن ما كان عليه السلف وإذا به يدس السم في العسل كثيرا ما يقع ذلك من الناس من يريدون للمرأة أن لا تكون محتشمة وأن لا تكون ملتزمة وان لا تكون متقيدة بالقيود الشرعية من خلال ترديد بعض الشعارات وبعض الكلمات الجوفاء
كما سمعت أن أحدا من هؤلاء كان في رفقة الى البلد الحرام مع رجال ونساء وكانت من بينهم امرأة غطت وجهها فلم يزل بها حتى كشفت عن وجهها بدعوى أن تغطية الوجه من شعار الحشوية أو غير ذلك من الكلام الزائف ولو كان الأمر كذلك فمعنى ذلك إن قال أولئك لا إله إلا الله علينا أن لا نقولها هذه القضية قضية دين نحن لا نقول بأن وجه المرأة عورة وإن كان هذا القول قيل به من عهود بعيدة من عهود الصحابة والتابعين وجد من يقول ذلك بل نقول وجه المرأة غير عورة ولكن مع ذلك نقول مع خوف الفتنة يجب عليها ستره ومع عدم خوف الفتنة فستره خير لها من عدمه هذا الذي نذهب اليه ونعتمد عليه
(1/11)
يجب أن يتفطن لذلك ومن الذي يقول بأن الفتنة غير مخوفة في وقتنا هذا مع وجود هذا القطيع من الذئاب البشرية التي تلبس ثياب البشر وليست من البشرية في شيء فإذن هذه القضية من جملة القضايا التي يجب التفطن لها كذلك هناك دعوات متنوعة للإنحراف بالرجل والإنحراف بالمرأة من خلال بعض ما يشاع من تحكيم العقول في قضايا ما جعل الله تبارك وتعالى العقل قادرا على الحكم فيها إلا بدليل من شرع الله سبحانه وتعالى فإذن على المرأة المسلمة أن تتفطن لذلك
وبما أنكنّ بفضل الله تبارك وتعالى وتوفيقه وفقتن للعبّ من مناهل العلم والإرتواء من بحور العرفان فإن المسؤولية عليكن مسؤولية كبيرة ؛ الواجب عليكن أن تحرصن كل الحرص على إبلاغ هذه الدعوة والقيام بهذا الواجب ونشر هذا الخير، فإن نشر الخير هو سبب صلاح الناس عندما ينحسر الخير بعدم الأمر بالمعروف وعدم النهي عن المنكر وتفشي الجهل وعدم التمييز بين الحق والباطل وعدم التفرقة بين الهدى والضلال وبين الطاعة والمعصية ينقلب الأمر الى شر مستطير والعياذ بالله
وهذا الذي غشي مجتمعاتنا بسبب تفشي الجهل وعدم معرفة الناس بأمور دينهم وقد يسر الله تبارك وتعالى طائفة للقيام بواجب إبلاغ دعوة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الذكور والنساء فإذن الواجب أن نسير جميعا في هذا المنهاج وأن نحرص جميعا على هذا الخير هذا الواجب لا يختص بطائفة من الناس إنما الكل عليهم أن يكونوا كذلك الله تبارك وتعالى قال {ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}( 104)آل عمران
(1/12)
قال ولتكن منكم أمة أي كونوا أمة هذا شأنها كلمة (من) هنا ليست للتبعيض وإنما هي للبيان يريد الله تبارك وتعالى أن تكون الأمة جميعا أمة هذا شأنها بدليل قوله {وأولئك هم المفلحون } فالفلاح هو مطلب لكل واحد يريد الخير لنفسه وقد حصر الله تعالى الفلاح في هؤلاء الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقومون بالدعوة الى الخير وكذلك قال الله سبحانه وتعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } (110) آل عمران
أي هذه ميزة هذه الأمة عندما تكون تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ونجد هنا أن الله سبحانه بدأ أولا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل ذكر الإيمان بالله وذلك لما قلته من التنبيه على أهمية الأمر بالمعروف وأهمية النهي عن المنكر لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بهما يحفظ الإيمان فالإيمان نفسه إنما يحفظ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومع عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينحسر الإيمان والله سبحانه وتعالى نعى على بني إسرائيل الذين كانوا لا يتآمرون بالمعروف ولا يتناهون عن منكر ولعنهم بسبب ذلك قال {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون؛ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} 78-79 المائدة
(1/13)
ونجد أن الله سبحانه وتعالى يبين لنا أن الإنسان عليه أن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر ولو كان آيسا من جدوى الأمر والنهي ولو كان وصل الى حد اليأس تلك هي الرسالة التي عليه أن يقوم بها ولربما شاء الله سبحانه وتعالى أن يخرج له من الصخر الأصم ماء زلالا إن الله تعالى على كل شيء قدير فعندما يشاء الله تبارك وتعالى يفجر الصخور الصماء الصلدة القاسية مياها تجري ذلك من عظمة الله تعالى فكذلك بالنسبة الى هذه القلوب القاسية التي يواجهها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر قد يرققها الله تبارك وتعالى وقد يلينها ولو بعد حين كما وقع ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رقق الله تعالى له القلوب القاسية فكان كثير من أولئك الغلاظ الأكباد القساة القلوب انقلبوا بعد ذلك الى الإيمان فصاروا رقيقي الحواشي حريصين على الخير مسارعين اليه أهل رفق وبر ومرحمة ذلك بتأثير هذه الدعوة وبفضل الله تبارك وتعالى الذي منّ بالتوفيق حتى أثرت تلكم الدعوة عليهم
(1/14)
ذلك التأثير الذي تغلغل في أعماق نفوسهم وكذلك في كل عصر هكذا على الإنسان أن لاييأس ولو لقي الصدود ولو لقي التحدي ونحن نجد أن الله سبحانه وتعالى يقص علينا في كتابه شأن بني إسرائيل وكيف انقسموا في اعتدائهم في السبت الى ثلاث طوائف ، طائفة اعتدت في السبت تمردا على أمر الله ونبذا لحكمه وإخلافا لوعده وطائفة تمسكت بهذا الوعد والعهد ولكنها وقفت موقفا سلبيا من هذه الطائفة التي اعتدت في السبت فلم تأمرها بالخير ولم تنهها عن المنكر وطائفة وفقت فأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر ووقفت الطائفة السلبية المتوسطة ما بين الطائفتين موقفا سلبيا من هذه الطائفة بحيث أخذت تلومها لماذا أنتم تنصحون أمة كتب الله تبارك وتعالى عليها الشقاء فالله تعالى يقول {وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة الى ربكم ولعلهم يتقون}
الآيات163 -164 الأعراف
هكذا أجاب أولئك الذين وفقوا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قالوا معذرة الى ربكم هذه معذرة الى الله لأن الله تعالى أوجب علينا أن نأمر بالمعروف وأن ننهى عن المنكر ولو كنا عليها ثم مع ذلك ولعلهم يتقون لا يدرينا لعل الله سبحانه وتعالى يحول هذه القلوب القاسية الى الرقة ويحول هذه النفوس المظلمة الى النور والبصيرة وتنقلب الأمور والدعوة قد تؤتي ثمارها مع اليأس فلماذا نحن نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم ذكر سبحانه وتعالى عاقبة اولئك عندما قال سبحانه {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون}(16 5) الأعراف
(1/15)
ذكر الله سبحانه وتعالى أنه نجى الذين كانوا ينهون عن السوء هؤلاء الذين كانوا يأمرون بالخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر هم الذين نجوا وأخذ الله الذين ظلموا ، من المفسرين من قال بأن الطائفة السلبية سكتت فسكت عنها لم يذكر الله تعالى عاقبة أمرها وإنما ذكر عاقبة الطائفتين الطائفة التي نهت عن السوء والطائفة التي ارتكبت السوء {وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون }
حتى روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ليت شعري ما فعلت الطائفة الثالثة ما فعل الساكت والواضح أن الذين سكتوا هم داخلون في الذين ظلموا هذا هو الظاهر لأن الله تعالى لعن أولئك الذين لم يكونوا ينهون عن المنكر {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم.ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}الآ يات 78-79 المائدة
فجعل عدم التناهي عن المنكر سببا لاستحقاق اللعن فمعنى ذلك إذن أن هؤلاء داخلون في الذين ظلموا بسبب سكوتهم هذا والموقف السلبي الذي وقفوه هم ، فالإنسان مطالب أن يحرص على هذه الدعوة ولو كان يحس بأنها لن تثمر نحن نرى أن رسل الله تعالى المصطفين الأخيار أمروا بالدعوة مع قوم علم الله تبارك وتعالى أن الدعوة لا تؤثر عليهم أبدا فموسى وهارون طولبا أن يذهبا الى فرعون وقيل لهما قولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى مع ما علم الله سبحانه وتعالى بأن فرعون لن تجدي فيه الدعوة ونجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى له { لتنذر قوما ما أنذر آباءهم فهم غافلون (6) لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون (7) إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي الى الأذقان فهم مقمحون (8) وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لايبصرون (9) وسواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (10)} يس
(1/16)
مع هذا هو مطالب بأن يهدي مطالب بأن يبلغهم دعوة الله هذه حكمة الله تبارك وتعالى ومع هذا وجد من بين من يظن أنه من هؤلاء بأنه لن يؤمنوا قط لكن انقلب الى الإيمان فيما بعد فهكذا دعوة الحق لا تضيع وتؤتي بمشيئة الله ثمارها لأنها شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها فهي تثمر ثمرات طيبة كم من أناس اهتدوا بسبب الدعوة الى الخير وبسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كم نحن عانينا من جهلة كانوا لا يهتمون لواقع الناس ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة لا يقيمون لمعايير الحق وزنا قط إنما كانوا وفق هواهم كما نولي عنهم هواهم ولكن الأمور انقلبت الى الخير بفضل الله سبحانه وتعالى ومَنّه وتوفيقه ثم بتأثير الدعوة الصادقة فالناس مطالبون بأن يكونوا حراصا على الدعوة
ومن المعلوم أن المرأة بطبيعة الحال هي عاطفية فهي رقيقة الحاشية حريصة على الخير عندما تساق الى الخير تنساق وعندما تدعى إليه تجيب وعندما تذكر تدكر لأن الجانب الأنثوي عادة هكذا أرق قلوبا فلذلك أنا أستبشر خيرا كثيرا مع وجود هذا اللفيف من حاملات أمانة الدعوة الى الله سبحانه وتعالى المطلعات لمسؤولية التفقه والتفقيه في الدين
أنا متفاءل جدا بأن تكون الثمرة منكن في الله ثمرة طيبة وأن يوفقكن الله تبارك وتعالى لما فيه الخير وأن يكون أثركن في المجتمع أثرا إيجابيا وبفضل الله سبحانه وتعالى فتحت للمرأة مجالات رحبة في آفاق الدعوة الى الخير ، المرأة بإمكانها أن تؤثر على أسرتها كم من أسر استقامت بسبب فتيات نبتن نباتا حسنا بمشيئة الله سبحانه وتعالى في تربة ما كان يظن أن تنبت مثل ذلك النبات الطيب ولكن حكمة الله تعالى باهرة فتحولت الأسر الى الخير والإستقامة فالمرأة هي قادرة على التأثير على أسرتها بل المرأة يمكنها أن تؤثر على زوجها يمكن أن تؤثر على أخوتها يمكن أن تؤثر حتى على أبويها فضلا عن تأثيرها على أولادها ،
(1/17)
المرأة ذات أثر كبير على الأولاد كما ذكرت الولد أول ما ينشأ ينشأ عند أمه ويتربى في حضنها ويتغذى بمعارفها ويركب فكرها وهذا مما عرف في التأريخ فلربما كان الولد من أسرة عريقة في الظلم بعيدة عن الحق مرتبطة في الباطل ولكن بسبب الأم الصالحة ينشأ الولد نشأة صالحة ملؤها استقامة وبر وأمر بالمعروف ونهي عن منكر وحريصا على طاعة الله كما وقع ذلك لعمر بن عبدالعزيز رضي الله تعالى عنه فإنه من بيت جبروت لأن جده مروان ابن الحكم ، عمه عبدالملك بن مروان من أظلم الناس وأفسق الناس حتى عندما ولي الأمر خطب خطبة فقال في خطبته : أيها الناس لست بالإمام الضعيف ولست بالإمام المداهن ولكن لن يقول لي أحد اتقي الله حتى يكون السيف أسرع الى عنقه من قوله الى سمعه .
هكذا قال هذا مما يدل على شدة الجبروت وكان هذا عم عمر بن عبدالعزيز ووالده كان عاملا لأخيه عبدالملك بن مروان ، بنوا عمه كانوا بيت ظلم وجبروت الوليد بن عبدالملك يزيد بن عبدالملك سليمان بن عبدالملك هشام بن عبدالملك كل هؤلاء جبابرة ولكن عندما ولي الأمر قلب مجرى حياته الى مجرى الخير وكان أصل هذا الخير العظيم هو الأم الصالحة لأن امه بنت عاصم ابن عمر بن الخطاب ، كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كعادته في الليالي يتجول في المدينة المنورة ويتحسس احوال الناس فسمع في ليلة من الليالي امراة تقول لابنتها : قومي وامذقي اللبن ، أي قومي اخلطي اللبن بالماء حتى يكثر اللبن وتكثر قيمته فقالت لها : إن أمير المؤمنين نهى عن ذلك ، قالت لها : وكيف لأمير المؤمنين أن يعلم بشيء كهذا ، قالت : إن الله هو الذي يطلع على هذا .
(1/18)
فأعجب بجواب هذه الفتاة وسأل عنها وتأكد منها أنها غير متزوجة فأمر ولده عاصما أن يتزوج بها وقال له : إني لأرجو أن تلد من يملأ الأرض عدلا بعد أن تملئ جورا فولدت هذا المولود بالواسطة لأن ابنتها هي التي تزوجها – ابنت عاصم – هي التي تزوجها عبدالعزيز بن مروان وولدت له عمر بن عبدالعزيز فعمر بن عبدالعزيز وجهته أمه الى الخير كما يقول أحد الخطباء عندما خطب بين يديه : ثم إنك يا عمر لابن الدنيا ولدتك ملوكها والقمتك ثديها فلما وليتها القيتها حيث القاها الله وآثرت ما عند الله فالحمد لله الذي جلى بك حوبتها وكشف بك كربتها فامضي ولاتلتفت فإنه لا يغني عن الحق شيء هكذا كانت سيرة عمر بن عبدالعزيز فكان للأم أثر كبير لأنها غذته بسيرة جده العظيم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فتشرب بتلك السيرة وحرص على أن يسيرها عندما ولي الأمر فهكذا تأثير الأم تأثير بالغ
فالمرأة هي قادرة على أن تؤثر في أسرتها ثم كتابة هذا الأمر كتابة سواء كان في الصحف أو في شبكة المعلومات العالمية بإمكان المرأة أن تدعو الى الخير وأن تأمر بالمعروف وأن تكتب ثم أيضا من خلال اختلاطها ببنات جنسها بإمكان أي واحدة أن تعقد جلسة لجاراتها ، لبنات جاراتها وأن تغذي الناشئة بالخير وأن تأمرها بالمعروف وتنهاها عن المنكر ويكون التسابق الى الخير بمشيئة الله سبحانه وتعالى فمثل هذا العدد من النساء المؤمنات لو وجدت في كل قرية واحدة بإمكانها بمشيئة الله سبحانه وتعالى أن تغير مسلك بنات جنسها في تلك القرية وأن تغير مسلك النساء فإنه من الضرورة بمقولة أن يتغير مسلك الرجال إن استقامت المرأة فإن الرجل سيستقيم رغم أنفه سينقاد الى الخير مهما أراد أو لم يرد أن يكون ذلك ،
(1/19)
نحن نتفاءل خيرا وإنما نجد أن لا يكون الإنشغال في التفقه في الدين محصورا في هذه الفترة فترة تلقي العلم في هذه المراكز في فترة الصيف كما هو شأن كثير من الناس ربما كثير من طلبة العلم عندما تقبل هذه الفترة يشتغلون بطلب العلم الشرعي ثم بعد ذلك ينشغلون بهوجاهم ولا يعرفون الا ما تعلموه فهذا لا فائدة منه بل يجب أن يكون الجهد متواصل وأن يكون الطلب مستمر طلب العلم يجب أن يكون مستمرا في كل الأوقات حتى عندما يتعذر الإلتقاء بالأساتذة الذين كانوا في هذه الفترة فترة الصيف معلمين وموجهين فإنه من الممكن أن يكون التوجيه بين الطالبات أنفسهن من خلال لقاءاتهن التي تعقد بينهن بالإمكان أن تكون هناك حلقات ما بين طالبات المنطقة الواحدة بحيث يحرصن على أن يلتقين بعضهن ببعض وأن يتذاكرن وأن يتدارسن ثم أن أيضا مع هذا أن تجتهد كل واحدة منكن في القراءة في خلال الفترة المقبلة في جميع فصول العام.
ونسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك في هذا الجمع الكريم وأن يمنّ عليكن بما فيه اللطف والرحمة والخير والبر والإحسان والتوفيق وأسأله سبحانه وتعالى أن يعلمنا جميعا ما لم نعلم وأن يفهمنا ما لم نفهم وأن يهدينا الى الطريق الأقوم وأن يوفقنا للعمل بما نعلم إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير نعم المولى ونعم النصير وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم كان الكلام لمقدم سماحته الأستاذ خالد العبدلي :
جزى الله الشيخ عنا وعن الإسلام خير الجزاء على هذه التوجيهات الزكية ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه والآن نفتح المجال للأسئلة والاستفسارات ومن كان لديها أي سؤال أو استفسار فلتتفضل .
ثم قام سماحته يحفظه الله بقراءة الأسئلة والإجابة عليها .
ثم ختم اللقاء بهذا الدعاء
(1/20)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك سبحانك ربنا لا نحصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك نستغفرك ربنا ونتوب اليك ونعول في إجابة دعائنا عليك ونشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبدك ورسولك اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد نسألك ربنا أن لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته ولا عيبا إلا أصلحته ولا غما إلا فرجته ولا كربا إلا نفسته ولا دينا إلا قضيته ولا مريضا إلا عافيته ولا غائبا إلا حفظته ورددته ولا ضالا إلا هديته ولا عدوا إلا كفيته ولا دعاء إلا استجبته ولا رجاء إلا حققته ولا بلاء إلا كشفته ولا سائلا إلا أعطيته ولا محروما إلا رزقته ولا جاهلا إلا علمته ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضا ولنا صلاح ومنفعة إلا قضيتها ويسرتها بيسر منك وعافية اللهم اجعل الموت خير غائب ننتظره والقبر خير بيت نعمره واجعل ما بعده خيرا لنا منه اللهم إنا نسألك أن تهب كلا منا لسانا صادقا ذاكرا وقلبا خاشعا منيبا وعملا صالحا زاكيا وإيمانا خالصا ثابتا ويقينا صادقا راسخا وعلما نافعا رافعا ورزقا حلالا واسعا ونسألك ربنا أن تهبنا إنابة المخلصين وخشوع المخبتين ويقين الصديقين وسعادة المتقين ودرجة الفائزين يا أفضل من قصد وأكرم من سئل واحلم من عصي يا الله ياذا الجلال والإكرام اللهم اصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا واصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا واصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقيا ولا محروما يا
(1/21)
الله يا ذا الجلال والإكرام وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
أرجو ان تعذروني إن وجدتم أخطاء في المحاضرة لأنه تقصير مني في النقل من الشريط.
(1/22)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق