أبو مسلم شاعر عمان المتميز لأحمد الفلاحي - مكتبة أهل الحق والإستقامة

أحدث المشاركات

Post Top Ad

Post Top Ad

الثلاثاء، 14 ديسمبر 2021

أبو مسلم شاعر عمان المتميز لأحمد الفلاحي

 





عنوان الكتاب: أبو اليقظان وقواعد التّربية والبناء والإعداد
المؤلف: محمد بن قاسم ناصر بوحجام
دار النشر: جمعيّة التّراث و مؤسّسة أبي اليقظان الثّقافية
البلد: الجزائر
تاريخ النشر: ذي القعدة1434هـ - أكتوبر 2013م
الطّبعة: الأولى
[ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع]
أبو اليقظان وقواعد التّربية والبناء والإعداد
الدّكتور محمد بن قاسم ناصر بوحجام
(1/1)
أبو اليقظان وقواعد التّربية والبناء والإعداد
الدّكتور محمد بن قاسم ناصر بوحجام
الطّبعة الأولى
شهر ذي القعدة/ أكتوبر
1434هـ/ 2013م
نشر جمعيّة التّراث، القرارة، الجزائر
مؤسّسة أبي اليقظان الثّقافية، الجزائر
بسم الله الرّحمن الرّحيم
المقدّمة
إنّ البناء الصّحيح يتطلّب الاهتمام بالقواعد، والنّظر إلى عمق المجتمع والوقوف على ما يحتاج إليه، ثمّ السّير به بخطى ثابتة مدروسة للتّخلّص من المعيقات، واقتراح الحلول المناسبة، بحسب ما يطلبه الوضع، وينشده
(1/2)
العصر، ويرضى به الدّين، هذا ما نفيده من فكر أبي اليقظان، ونستشفّه من عمله، ونستلهمه من مواقفه، ونستمدّه من توجيهاته، ونقرؤه في حركاته
الاطّلاع على فكره يعلّمنا كيف نوظّف إمكاناتنا في خدمة القضايا العامّة. وكيف نكتب لمعالجة المسائل التي تهمّ كلّ النّاس وكلّ البشر، من ذلك تسخير الكتابة لتحقيق الوحدة بين أبناء الأمّة الواحدة من دون المساس بالخصوصيّة التي تميّز جهة من جهة، أو فئة من فئة. يقول الشّيخ وهو يخاطب الشّعب الجزائري في افتتاحية العدد الأوّل لأولى جرائده (وادي ميزاب) سنة 1926م: " أيّها الجزائريّ الماجد، اعلم أنّ القطر الجزائري مدينة واحدة تاريخية، مسوّرة بسور واحد، وهو الإسلام، وسكّان دورها هم سكّانه، فلا يمنع انحياز كلّ في داره، ومحافظته على مميّزات عائلته فيه سائر سكّان المدينة من التّعاون والتّعاضد على جلب المصلحة لها، ودره المضرّة عنها. فإنّ مصلحة المدينة هي مصلحة ديارها، ومضرّتها هي مضرّتها. إذا أقبل النّهار فإلى الجميع، وإذا هجم اللّيل فعلى الجميع."
شخصيّة الشّيخ أبي اليقظان قويّة؛ بما تتميّز به من خصائص الأباة الكماة، من تلك الخصائص الجرأة والإقدام والصّراحة، والإصداح بالحقّ؛ مهما تكن المواقف، ومهما تكن المشاهد، ومهما يكن الشّخص الذي يكون محلّ الحديث معه أو عنه ... وهو القائل: " لا يكبر أمامي عند كتابة موضوع ما أيّ شخصية لأي ّ رجل، بل اتّخذ الحق فيها رائدي، وإصابة كبد الحقيقة والواقع هدفي الأسمى. ومسلكي في ذلك هو مسلك القرآن تقريبا، الصّراحة والإصداع بالحقّ، قدر الإمكان، سيّما إذا كان أمامي ما أنا أعالجه من إلحاد وخيانة، أو مروق من الدّين أو فسوق، أو تهتّك في الأعراض. ولا اتّخذ الصّراحة والشّدة لنفسي إجابة للهوى. وأمّا ميزتي في ذلك ميزان تلك الشخصيّة المومأ إليها من الجحود والكنود بدون مبالاة."
اهتمّ بالتّاريخ وسيلة تربوية وتثقيفية وإعدادية للأجيال المتعاقبة، لهذا كتب في التّراحم، وألّف في السّير، وحرّر في العادات والتّقاليد، وسجّل مذكّرات ... وقف في هذه الأعمال وهذا النّشاط موقف الموجّه والمربّي للأجيال. يأتي اهتمامه بهذا الجانب لكونه مربّيا للأجيال، يعرف دوره في تربية النّشء الطّالع: تهذيبا للنّفوس وتكوينا للرّجال وتبصيرَ المواطن بالقوّة والضّعف في التّجارب الانسانية. ندعو المثقّفين ليحذوا حذوه، فيعملوا على الكشف عن هذا التّاريخ المجهول
(1/3)
في ميدان الصّحافة توجّه هذه الوجهة، وهدف إلى الغاية نفسها؛ بواسطة ما كان ينشره فيها من موضوعات اجتماعية وتربوية واقتصادية، تسهم في تكوين المجتمع الاسلامي الذي يستمدّ قوّته من أصالته، ويبني شخصيته الوطنية من مبادئه، التي يسعى الاستعمار الى طمسها أو تشويهها.
الغابة القصوى من كلّ ذلك هي تطهير المجتمع الإسلامي من أدران الأخلاق الفاسدة، وتوجيهه وجهة السّعادة الأبدية الحقّة، وتكوين المجتمع الجزائري تكويناً صحيحاً يتشبّع بالأخلاق الفاضلة ويتغذّى بالأفكار الصحيحة.
بهذا التوجّه، وبعذا الفكر يقدّم ابو اليقظان دليلا على أنّ مسؤولية الكلمة كبيرة، وأنّ جهاد الكلمة عظيم، وأنّ ثمرة الكلمة طيبّة، وأنّ مستقبل الكلمة مهمّ ... فلينهض الكتّاب للقيام بالواجب، وليعرف أصحاب الأقلام ماذا عليهم للنّهوض بأمّتهم، وليدرك أهل العلم دورهم في تحديد مصير الأجيال، وتوجيه مسير العيال، بعد وعي ما يدور في كلّ مجال.
قراءة فكر أبي اليقظان يوقظ فينا المكامن التي تعيننا على الخروج من دائرة التخلّف، وينقذنا من الرّداءة والرِّدّة والتّردّي: لأنّنا لا نجد في فكره سوى الاعتزاز بالشخصيّة، والدّفاع عن الثّوابت، والصّبر على الشّدائد، والجرأة في الإصداح بالحقّ، والشّجاعة في اتّخاذ المواقف، والدّعوة إلى الوحدة، والنّظرة الشّاملة في البناء ومعالجة قضايا المجتمع، والإيمان بالرّسالة وتحمّل المسؤولية، والحرص على بناء القواعد.
نحن في حاجة إلى فكر كهذا، فكر وحديّ، يدعو إلى التّعاون والتّآلف، فكر يبني القواعد ويؤصّل المبادئ، ويرسّخ المفهومات الصّحيحة في النّفوس. فكر يسهم في النّهوض والخروج من دائرة التّخلّف، فكر يدعو إلى التّطوّر والتّجديد، فكر يبني وبنشئ ويربّي، ويكوّن ويعدّ، ويستشرف المستقبل، ويخطّط على أسس الرّؤية الواضحة، والصّدق والصّراحة ... لهذا تتردّد كثيرا- في كتابات الشّيخ أبي اليقظان – كلمات (الصّبر، الثّبات، الجلد، المبادئ، التّماسك، الصّلابة، البناء، الأساس، الإنشاء، الإعداد، التّربية ... ) إنّ ذلك لا يدلّ إلاّ على حقيقة واحدة، هي أنّ الشّيخ يركزّ على ما يؤسّس البنيان، وينشئ الصّرح، ويبني الكيان، ويعدّ الأجيال، ويكوّن القواعد، ويبعث النّهضة، ويدعو إلى اتّخاذ الأسباب الصّحيحة والسّليمة في هذا التّشييد والنّهوض.
(1/4)
عرضُ هذا الفكر وقراءته في هذا الوقت، وفي هذا الزّمن مناسبة مواتية لترشيد المسيرة للشّباب الذي يبغي معرفة طريقة التّحرّك والعمل الجادّ المنظّم، وفرصة سانحة لتقديم الرؤى للصحيحة لطبيعة النّشاط، الذي ينشده المتقدّم للنّهوض بأمّته، ومجال فسيح لمن يرغب في الخروج من دائرة التيه والتردّد في القيام بواجبه، وأداء رسالته في هذا الكون، ومع من ينتظرون منه الكثير في ميدان التّوجيه والتّربية ...
كتبنا بعض المقالات، ونشرنا بعضها، فوجدنا أنفسنا نردّد بطريقة عفوية تلفائية عبارات، تحمل مفهوم البناء والتّكوين والإعداد والتّربية، والتّنشئة، فجاءت مناسبة الذّكري الأربعين لوفاة شيخ الصّحافة الجزائرية، فرغبنا في جمعها في كتاب؛ عساها تقدّم صورة عن جهاد أبي البقظان البنائي الإعدادي، بالكلمة المسؤولة، والموقف الملتزم ... يكون فيها الاختصار والتّركيز والتّوجيه .. فاخترنا للكتاب عنوانًا، نراه مترجمًا عن عمل الشّيخ أبي اليقظان – رحمه الله – هو: " أبو اليقظان وقواعد التّربية والبناء والإعداد ".
حتّى الملاحق التي أضفناها تخدم هذا الجانب. في الوصايا التي قدّمها للشّباب دعوة توجيهية بنائية، وفي مؤلّفاته نقرأ هذه المعاني، كما أنّ فيما نشره من كتب عنه - دراسات وبجوثًا - تناولاً لعمل الشّيخ أبي اليقظان التّربوي والبنائي والإعدادي والتّكويني. نرجو أن يحقّق هذا العمل هدفه، وهو نشر فكر الشّيخ أبي اليقظان – رحمه الله -، وتوجيه الأنظار من الإفادة منه. تقبّل الله منّا هذا الجهد، ووفّقنا لاستثمار جهود شيخنا في العمل الصّالح، وفي التّر بية والإعداد والتّكزين، إنّه سميع قريب مجيب من دعاه وتضرّع إليه.
الجزائر يوم الجمعة: 23 من شوّال 1434هـ
30 من أوت 2013م
الدّكتور محمد بن قاسم ناصر بوحجام
ملاحظة: في هذه الطّبعة الثّانيّة للكتاب بعض الإضافات ..
(1/5)
الشّيخ أبو اليقظان المؤلّف (1)
بحلول 30 مارس 1982، يكون قد مرّ على وفاة أبي اليقظان تسع سنوات كاملة. وبالمناسبة فإنّني رغبت في المشاركة بهذا المقال إحياء لذكرى وفاته رحمه الله.
هناك جوانب عديد من حياة الشّيخ أبي اليقظان، تتطلّب من الد ارسين مزيدا من البحث لكشفها، لتتكوّن للأجيال المتلاحقة صور واضحة عنها، فيتعرّفوا بذلك على جزء من تاريخهم، لأنّ تاريخ الشّيخ أبي اليقظان هو في الحقيقة تاريخ الأمّة، فهو كلّه جهاد لإعلاء كلمة الله، ونضال من أجل رفع الذّلّة والمهانة عن الشّعب. والشّيخ أبو اليقظان كافح وعمل في ميادين عديدة؛ دفاعا عن الغاية المنشودة، وهي الخروج من التّبعية للأجنبي؛ بالكشف عن مؤامرات الاستعمار ودسائسه، وفضح كيد العابثين وأحقادهم للنّيل من أصالة الأمّة، وقد كان حجر عثرة في طريق مخطّطاتهم .. من هنا بات الكشف عن حياة هذا المناضل الملتزم النّزيه في نضاله فرضا محتوما. وكلّ إخلال به يعدّ تقاعسا عن الواجب. ولئن كنّا قد عرفنا شيئا عن الشّيخ أبي اليقظان الصّحفي، وأبو اليقظان الشّاعر، فإنّنا نجهل الكثير عن أبي اليقظان المؤلّف، وأبي اليقظان المؤرّخ، وأبي اليقظان الفقيه، وأبي اليقظان الجريء المقدام ... حسبنا في هذه العجالة أن نعرّف بأبي اليقظان المؤلّف، ولو باقتضاب، فربّما سنحت الفرصة لنزيد الموضوع بسطا وتوسعا.
إنّ الشّيخ أبا اليقظان قد عاهد نفسه على خدمة المجتمع بالدّفاع عنه، والعمل على النّهوض به من التّخلّف والتّبعية، باتّخاذ أية وسيلة وانتهاج أيّ سبيل، من شأنه أن يساعد على التّقدّم والازدهار. فدخل ميدان الصّحافة بكلّ عزيمة وإرادة لتحقيق غرضه، فجاهد بالكلمة الأمينة المسؤولة، رغم كلّ العوائق والمضايقات، وكان في كلّ لحظات كفاحه الوطني الملتزم، الذي لم تؤثّر فيه الإغراءات ولم تلنه التّهديدات، إذ مكث صامدا مرابطا متحدّيا كلّ القوى المضادة مدّة اثنتي عشرة سنة كاملة، حتّى وجد أنّ الجوّ غير ملائم،
__________
(1) - نشر المقال في جريدة العصر، الجزائر، عدد: 59، السّنة الثّانية، 4 شعبان 1402هـ/ 27 ماي 1982م.
(1/6)
والوسيلة لم تعد تجدي، فحوّل جهاده إلى ميدان آخر، هو مجال التّأليف. فراح يعمل بكلّ جدّ وإخلاص. يقول الشيخ أبو اليقظان: " ... بعد أن رأيت الجوّ مكفهرًّا، بعد تعطيل جرائدنا، وبعد أن أيست من الرّجوع إلى ميدان الصّحافة ورأيت نفسي وفي الأجل بقيّة للعمل والحمد لله حوّلت وجهي للتّأليف "
كان أبو اليقظان لا يكتب إلّا لإرضاء ضميره، وأداء واجبه نحو أمّته، ومن أجل أن يرى مجتمعه الكبير ينعم بالسّعادة والهناء. يقول المرحوم:" ... كلّما قرأت في القرآن آية تلتهب بصواعق النّذر والعذاب للكافرين أو البشائر للمؤمنين، حصلت لي رجفة وقشعريرة من النّذر للكافرين، وآمال طمّاحه لسائر البشائر للمؤمنين، وكنت أهدف إلى ما كتبت من كتب ورسائل إلى الإنذار للكافرينوالتّبشير للمؤمنين، هذا هو هدفي الوحيد "
" أخي تصوّر أنّ لرجل غنما، كان حريصا عليهما، يصونها من الجوائح كالذّئب والرّيح والمطر والعطش ونحو ذلك، وفي ذات يوم هرولت من قفصها هائمة في طريق منحدر إلى هوّة سحيقة، فأخذت تتقلب أكداسا وأشتاتا. فكيف يكون صاحب الغنم؟ أفلا يجنّ حنونه؟ أنا صاجب الغنم، والغنم هي المسلمون، فكيف يكون حالي معهم وأنا أرى مصائرهم أمام عيني؟ فهدفي كلّه موجّه إلى صيانة الغنم من الذّئاب، شياطين الإنس والجنّ. فكلّ ما تحمّلت من اضطهاد وتضحية هو في هذا السّبيل" (1)
هكذا يكون النّهج الذي سار عليه في التّأليف، امتدادا للنّهج الذي اختطّه وطبّقه في صحافته، فالغاية واحدة والهدف واحد. فالمسلمون بحاجة إلى من يكشف لهم عن تاريخهم ويبصّرهم بما لهم وما عليهم، والأجيال بحاجة إلى من يحميها من الانحراف والذّوبان في الآخر.
بالتّأمّل في قائمته التي تزيد على ستّين مؤلّفا، ما بين رسالة صغيرة وكتاب ذي الصّحافة الكثيرة. وبالنّظر في محتوياتها فإنّنا نقف على الموضوعات التي كان مهتمًّا بها كثيرا:
1/ موضوعات فقهية يحتاج إليها المبتدئ حتّى يعرف واجبه، عبادة ومعاملة، ككتابه (سلّم الاستقامة)، الذي يقع في سبعة أجزاء. وكأرجوزته (تحفة أبي اليقظان للصبيان)، المتعلّقة بمسائل في التّوحيد والطّهارات.
2 / موضوعات مستنبطة أصلا من القرآن؛ محاولة منه توجيهَ الأنظار إليه، وإرجاع المسلمين إلى قرآنهم للتّأمّل فيه، وإخراج القواعد
__________
(1) - الزّبير سيف الإسلام، مجلّة الأصالة، ع: 14، 15. سنة: 1973.
(1/7)
الإسلامية التي تعينهم على السّير في الجادّة، بعد أن انصرفوا عنه فانحرفوا بذلك عن الطّريق المستقيم، ولسان حاله يقول: في القرآن حياتكم، وبالقرآن بقاؤكم، فارجعوا إليه واستمدّوا منه أسباب قوّتكم. نقف على بعض هذه المعاني في الرّسائل الآنية: (أضواء على بعض أمثال القرآن)، (أشعّة النّور من سورة النّور): وتتعلّق بالسّفور والحجاب، وأهميّته. سرد فيها الأدلّة الشّرعية على وجوب الحجاب، وأهميّته والآثار النّاجمة عن هتكه، من الفساد والانحلال في العالم الإسلامي. وتحدّث عن واجب علماء المسلمين وموقفهم من انتهاكه وغير ذلك من المعاني. ورسالة (عناصر الفتح من سورة الفتح). و (أين الواقعيّون): وهي عبارة عن استعراض لبعض الآيات التي تشير إلى مصير النّاكرين للحياة الأخرى. كذلك رسالته (صبر يوسف يتجلّى في محنه، وألطاف الله تكمن وراءها في أطوار حياته).و (أطوار التّكوين والفناء في القرآن) وغير ذلك من الرّسائل.
3 / موضوعات تتعلّق بالتّاريخ، محاولة منه تبصيرَ الأجيال بماضيهم المجيد، بعدما أصابه الإجحاف من طرف أبنائه فأهملوه، وما لحقه من تحريف وما ناله من كيد من طرف المغرضين، فكتب بعض الرّسائل في التّاريخ ردًّا على بعض المطاعن، كردّه على ما كتبته جريدة (ليكو دالجي l echo d Alger)، يدعو فيها صاحبه المرأة الجزائرية لنزع حجابها والالتحاق بركب الحضارة والحياة المعاصرة، ويقترح على الجزائريّين أن يلبسوا زوجاتهم القبّعة الأوروبية فهي أحسن للمرأة وأنسب لها حتى تستطيع الذّهاب إلى المسرح وإلى غير المسرح. (1) ورسالته (طور جديد في الجزائر ووادي ميزاب)، و (دفع شبه الباطل عن الإباضية الوهبية المحقّة): وهي عبارة عن رد على مقال صدر في جريدة " المصور " المصرية، الصادرة يوم 15 أبريل 1966، المتعلّق بالإباضية والخوارج ومسألة قتل الإمام علي بن أبي طالب. وله أيضا (الإباضية بالشّمال الإفريقي). و (الجزائر بين عهدين: الاستغلال والاستقلال). و (النّظام الاجتماعي بوادي ميزاب) و (الإسلام ونظام المسجد) و (خلاصة التّاريخ الإسلامي) وغير ذلك من الرّسائل المتعلّقة بالتّاريخ
__________
(1) - د. محمد ناصر، أبو اليفظان وجهاد الكلمة، ص: 158.
(1/8)
4 / مؤلّفات تتعلّق بتراجم بعض العلماء أمثال الكتب و الرّسائل الآتية: (ملحق لسير الشّماخي) وتراجم كل من: (أبي يعقوب يوسف بن إبراهيم الورجلاني)
و (أبي عمّار عبد الكافي) و (سليمان الباروني الباشا) و (أبي عبد الله محمد بن بكر النّفوسي) وغيرهم.
5 / موضوعات تهمّ المسلم في حياته، كرسالته: (سبيل المؤمن البصير إلى الله)، و (كلمتي في اللّحية). زيادة على ما كتبه عن حياته كرسالتيه: (نشأتي) و (أهدافنا العليا بالعمل في هذه الحياة). إلى غير ذلك من المؤلّفات العديدة التي تنتظر من الباحثين مزيدا من الجهد لإظهارها إلى الوجود حتى يستفاد منها، بالإضافة إلى مقالاته الكثيرة في الجرائد. ومذكّراته التي تعدّ من أهمّ المصادر والمراجع لتاريخ الفترة التي عاشها، ورسائله المختلفة التي كان يبعث بها إلى مختلف الشّخصيات في العالم الإسلامي، وأصدقائه وزملائه الكثيرين، وأبنائه المنتشرين في كلّ مكان، التي هي عبارة عن أسئلة وأجوبة في مختلف الميادين الاجتماعية والسّياسية والدّينية، وهي أيضًا عبارة عن وصايا وإرشادات وتسجيل للأحداث التّاريخية، بالإضافة إلى فتاويه الكثيرة.
من هنا نقف على التّراث الجيّد الذي خلّفه أبو اليقظان. هو ليس بالكثير بالنّظر إلى حجمه، ولكنّه غنيّ ومهمّ بالنّظر إلى تنوّع محتواه، وأهميّة مواضيعه، خاصّة وأنّ الشّيخ أبا اليقظان كان يكتب في بعض المواضيع التي أهملت كالأعراف والتّقاليد، وكما أسلفنا القول: كان يحاول دائما التّعريف بالتّاريخ المجهول الذي أعرض عنه النّاس، فوصفوه عمدا أو جهلا بأوصاف لا تليق به حتّى غدا مغمورا مشوّها.
هذا ما يفسّر لنا كتاباته الكثيرة عن الإباضية ووادي ميزاب، لأنّ الكثير من أبناء الإسلام لا يعرفون عنها ما يمكن أن يصحّح مفاهيمهم نحوهما، كردّه على مطاعن جريدة (ليكو دالجي) وجريدة (المصوّر) و (هل للإباضية وجود في سوف في الزّمن القديم) وغير ذلك.
الهدف ليس - كما يفهم البعض - هو تسليط الأضواء الكاشفة على زاوية معيّنة فقط، إنمّا الهدف الوحيد هو إظهار الحقيقة لمن جهلها، وبيان الحقّ لمن تنكّب عنه، والتزام الإنصاف والعدل، وقد عرف عن الشّيخ أبي اليقظان الوقوف دائما بجانب المظلوم لمناصرته. والهدف الأسمى هو توحيد
(1/9)
صفّ المسلمين وجمع كلمتهم لأنّه حين يزيل عن هذه الطّائفة أو تلك ما لحقها من ظلم أو ضيم من طرف من جهل حقيقتها، أو تجاهل أمرها، يكون بذلك قد هيّأ النّفوس للتّلاقي والاتّحاد، وهذا ما يساعد على تحقيق وحدة المسلمين، وهو الغرض السّامي والغاية المثلى. أليس هو القائل: (أخي إنّ رسالتي ليست يقظانية ولا مذهبية، وأنا إذا كتبت أو وعظت أوجّه نصائحي ووعظي وإرشادي إلى كلّ المسلمين، فإنّه يعلم الله كم يكون فرحي شديدا برجوع المسلمين إلى جادّة الحقّ والإسلام، وكلّ فرد كنت أنا السّبب في إنقاذه من النّار كم يلحقني من فرح وسرور وبهجة بذلك) (1)
مجهود أبي اليقظان في التأليف كثير، يحتاج إلى وقفات وتأمّلات، والمقام لا يسمح لنا بالإفاضة في ذلك، حسبي أن أقدّم بهذه السّطور صورة ولو موجزة عن أبي اليقظان المؤلّف، عساني أسهم بدوري مع المسهمين في الكشف عن الجوانب المجهولة من حياة هذا المجاهد المخلص.
في الختام، وبعد كلّ ما عرضناه يمكن لنا أن نسجّل الملاحظات الآتية:
1/ الشّيخ أبو اليقظان كتب في مواضيع مختلفة، كالفقه ّ والدّراسات الإسلامية والعادات والتّقاليد. ..
2 / كان مؤرّخا يقظا، يسجّل كلّ حادث يمرّ عليه أو يسمع به، لذلك فإنّنا نجد له مذكّرات لا تهمل أيّ حقير من الأحداث، ولأجل ذلك تعدّ من أهمّ المصادر والمراجع لتاريخ الفترة التي عاشها.
3 / كان بالمرصاد لكلّ ما يمسّ الكرامة والشّرف، يردّ على المطاعن وعلى الشّبهات التي تنال من التّاريخ أو تزيّف الحقائق، وهذا من تمام إيمانه برسالته كمثقّف، وإخلاصه لأمّته، والأجيال المتلاحقة حتى تأخذ تاريخها خاليا من الشّوائب، وبعيدا عن الأكاذيب والافتراءات.
4 / كتب في المواضيع التي يحتاج إليها المسلم في حياته، إذ يعتقد أن جهل المسلم بها هو السّبب في انحرافه عن جادّة الطّريق، ككتابته عن الحجاب الذي هتك حرمته بشكل سافر، وسكوت العلماء عن ذلك. وكتوجيه الأنظار إلى القرآن، وتعمّد التّعامل معه تعاملا، يساعد على ربط المسلم بقرآنه، ويجعله يكتشف عظمته حتّى تنبعث فيه الرّغبة في الرّجوع إليه ليستمدّ منه القوّة وأسباب التّقدّم، وحاول تفسير القرآن بطريقة تعتمد على الموضوع كمحور
__________
(1) - الزّبير سيف الإسلام، مجلّة الأصالة، ع: 14، 15، سنة 1973.
(1/10)
للتّفسير، لا على أساس تسلسلي، أي سورة بعد سورة، وهي طريقة دعا إليها بعض الدّارسين، ولها فائدتها.
5 / يأتي اهتمامه بالتّاريخ لكونه مربّيا للأجيال يعرف دوره في تربيتها، وفي تهذيب النّفوس وتكوين الرّجال، وهو في الوقت نفسه دعوة إلى المثقّفين ليحذوا حذوه ويحاولوا الكشف عن هذا التّاريخ المجهول.
6 / إنّ أهميّة دراسة مؤلّفات الشّيخ أبي اليقظان ترجع إلى كونه كتب في مواضيع أغفلها كثير من معاصريه، ممّا يدخل في نطاق الأعراف والتّقاليد الاجتماعية، والبنيات الأساسية للمجتمع، وفي المقوّمات الرّئيسة للأمّة، وما يهمّ النّاشئ والشّاب، بصفة خاصّة ليعرف ماضيه ونفسه، حتّى لا تتقاذفه الأمواج وتجرفه التّيّارات.
7 / الاهتمام بهذه المؤلّفات وهذه المواضيع خاصّة تدعو كل مثقّف إلى فهم رسالته ووجوب الارتباط بالمجتمع، والاهتمام بمشاكله وتسخير معارفه ومعلوماته للنّهوض به.
8 / مؤلّفاته أغلبها عبارة عن رسائل.
9 / أغلب مؤلّفاته ما تزال مخطوطة.
10 / كثير من رسائله عبارة عن ردود أو توضيحات.
هذا ما أمكن لنا تسجيله عن جهود أبي اليقظان في التّأليف. قيّض الله من يعمل بجدّ لإخراج هذا التّراث إلى الوجود لتستفيد منه الأجيال، وفي الأخير ندعو الله أن يتغمد شيخنا برحماته الواسعة ويسكنه فسيح جنّاته.
الأستاذ: محمد ناصر بوحجام
معهد الحياة، القرارة، الجزائر
(1/11)
أبو اليقظان الصّحفي المقتدر (1)
لقد بدأ الحسّ الصّحافي يتكوّن في نفس أبي اليقظان منذ أيّام تلمذته، حينما كان يختلف إلى كتّاب القرية، فكان يطالع الصّحف المشرقية مثل "اللّواء المصرية " وكانت الأحداث المهولة التي مرّبها الوطن العربي والإسلامي قبيل الحرب العالمية الأولى، ولاسيّما الغزو الإيطالي لطرابلس الغرب من أكبر الأسباب التي فتحت عينيه على الصّحافة، فشغف بها وراح يتبادل الصّحف مع أصدقائه، وتطلّعت نفسه إلى تحرير صحيفة كاملة بيده، أسماها "قوت الأرواح"، أرسلها إلى زميله بـ" تبسة" السيّد الحاج عمر العنق؛ ردّا على صحيفة كان قد أرسلها إليه هذا الأخير بعنوان " الرّحيق المختوم" وذلك ما بين 1913 ـ1914م.
من الأسباب أيضا ما حكاه أبو اليقظان عن نفسه حيث قال:" إنّه لما قويت علينا شوكة المعارضة والدّعاية السيّئة ضدّ بعثتنا العلمية بتونس، ورأينا مبلغ تأثيرها على عقول العامّة ـ وعقول العامّة ضعيفة - هذا من جهة، ورأينا بلبلة أفكار الأمّة وعدم انسجامها من جهة أخرى، فسعينا الى تكوين رأي عام واحد فيها، من أجل هذا وذاك بادرنا لإنشاء الصّحافة ".
غير أنّ السّبب المباشر الذي دفع بأبي اليقظان إلى ميدان الصّحافة فأسّس جريدة بنفسه، وتحمّل في سبيلها الأهوال والأتعاب، هو ذلك القانون الجائر الذي أصدرته الحكومة الفرنسية سنة 1925، والذي ألزمت بموجبه التّجنيد الإجباري على سكّان الجنوب، نقضًا لكلّ المعاهدات، والذي يعدّ ـ على حدّ تعبير أبي اليقظان ـ حكما على الأمّة جميعا بالإعدام.
وقد استطاع أبو اليقظان أن يقدّم بواسطة صحافته التي امتدّت ما بين 1926ـ1938م تضحيات جساما، وقد تعرّض لمضايقات عديدة في مسيرته هذه، وأسهم إسهاما كبيرا في النّهضة الجزائرية الحديثة.
وقد كانت صحافته سجلّا للأحداث الوطنية والعالمية، كما كانت منبرا حرّا لنشر الأفكار الإصلاحية المناهضة للاستعمار والفساد والجمود الفكري، كما عالجت في صفحاتها القضايا الإسلامية والعربية والقومية والوطنية، وقاومت الآفات الاجتماعية كالانحلال الخلقي والنّعرات الطّائفية والجهل، وغيرها من
__________
(1) - مجلّة الحياة، مجلّة ثقافية فصلية، يحرّرها طلبة معهد الحياة، القرارة، الجزائر، عدد: 15، جمادى الثّانية 1407هـ/ 1987م. هي غير مجلّة الحياة، الذي يصدرها حاليًا معهد الحياة وجمعيّو التّراث، القرارة، الجزائر.
(1/12)
الأمراض الفتّاكة بالمجتمع، وتناولت بالتّحليل بعض القضايا الاقتصادية وتحدّثت عن حالة التّجارة في الجزائر.
وقد نجح إلى حدّ بعيد في بلوغ أهدافه عن طريق الصّحافة، وسبب نجاحه يعود ـ في نظرنا ـ إلى ما يأتي:
1ـ ولوجه ميدان الصّحافة كان بدافع رفع المهانة والمذلّة عن المسلمين والجزائريّين، فكان غرضه ساميا، وهو استنهاض الهمم؛ وذلك لإيمانه بما للصّحافة من دور خطير في أداء هذه الهمّة:
إنّ الصحافة للشّعوب حياة ... والشّعبُ منْ غيرِ اللِّسانِ مواتُ
فَهِيَ اللّسانُ المفْصِحُ الذَّلِقُ الذي ... ِبَيانِه تُتَدارَكُ الغاياتُ
وَهِي الوسيلةُ لِلسَّعادَةِ والهنَا ... وإلى الفَضائلِ والعُلاَ مِرْقاةُ
في اليَوْمِ تَفْعَلُ في نُفُوسِ الخَلْقِ ما ... لا يَفْعَلَنَّهُ في الشُّهورِ دُعَاةُ
2 ـ صحفه لم تعرف المداراة ولا النّفاق في سبيل الإصداح بالحقّ، والكشف عن نوايا الاستعمار الخبيثة، وفضح خططه الهدّامة، كان هو ملتزما، لم يعرف انحرافا عن مبادئه، يتجلّى ذلك للقارئ حينما يتصفّح صحفه الثّماني، وهذه المبادئ هي مبادئ الشّريعة الإسلامية. هذا ما عناه د. عبد الرّزاق قسّوم بقوله:" إنّ مختلف جوانب النّشاط الفكري التي تعاطاها، إنّما كانت بدافع التزامي، هدفه الوحيد خدمة الدّعوة الإسلامية ".
3 ـ صحافة أبي اليقظان كانت بعيدة كلّ البعد عن التّعصب المذهبي والإقليمي، وهذا عامل كبير من عوامل نجاحه في عمله.
رحم الله أبا اليقظان وتقبّل منه أعماله التي قام بها خدمة للأمّة الإسلامية وأسكنه فسيح جنانه.
محمد ناصر بوحجام
أستاذ بمعهد الحياة الثّانوي، القرارة.
(1/13)
الشّيخ أبو اليقظان إبراهيم ودوره في النّهضة الجزائرية الحديثة
الحلقة الأولى (1)
إنّ الشّيخ أبا اليقظان متعدّد جوانب النّشاط، فهو صحافي مقتدر ومخلص، قدّم للمجتمع والأمّة الجزائرية ثماني جرائد، ما بين سنتي 1926 و 1938، وقف فيها الخصم العنيد للمستعمر الفرنسي المستبدّ، يفضح دسائسه ويكشف عن مؤامراته الدّنيئة، وقد كانت صحافته مثل الغصص في حلق المحتلّ الغاصب، إذ أقضّت مضجعه وأقلقت راحته، بما حملته من قنابل فجّرت الحماسة في نفوس الشّعب للمطالبة بحقوقه المهضومة، بعد استرجاع الثّقة في نفسه وفي امكاناته، في الخروج من التّبعية للأجنبي والظّفر بالحياة الحرّة الكريمة.
كما وقف فيها الموجّه والمربّي للأجيال، بواسطة ما ينشره فيها من موضوعات اجتماعية وتربوية واقتصادية، تسهم في تكوين المجتمع الاسلامي الذي يستمدّ قوّته من أصالته، ويبني شخصيته الوطنية من مبادئه، التي يسعى الاستعمار الى طمسها أو تشويهها.
كما خاض ميدان التّأليف، فترك للأمّة الاسلامية ماينيف عن ستّين مؤلّفا، بين رسالة صغيرة وكتاب ذي الصّفحات الكثيرة، وقد عالجت مؤلّفاته موضوعات فقهية، يحتاج اليها المبتدئ ليعرف واجبه الدّيني عبادة ومعاملة، ولا يمكن أن يستغني عنها الكبير ليصحّح كثيرا من أموردينه وموضوعات مستنبطة أصلا من القرآن، محاولة منه توجيه أنظار المسلمين إلى ضرورة الرّجوع إلى القرآن للتّأمّل فيه واسترجاع القواعد الاسلامية التي تعينهم على السّير في الجادّة من هذا المصدر الأساس، بعد أن انصرفوا عنه فانحرفوا بذلك عن الطّريق المستقيم. وموضوعات تتعلّق بالتّاريخ، رغبة وأملا منه في تبصير الأجيال بماضيهم المجيد بعدما أصابه الاجحاف من أبنائه حين أهملوه، وبعدما ما لحقه التّحريف والتّنزيف، حين ناله كيد المغرضين، وأضرّ به حنق الحاقدين عليه. وقد اعتنى في هذا المجال بتقديم تراجم بعض
__________
(1) - مجلّة النّهضة، سلطنة عمان، عدد: 331، 16 شعبان 1407هـ/ 15 إبريل 1987م. ... نشر المقال في ثلاث حلقات، لم نتمكّن من إدراج الحلقة الثّالثة في هذا الكتاب، والمنشورة في عدد: 333.
(1/14)
العلماء الأعلام؛ اعترافا لأهل الفضل بالفضل ومساعدة للأجيال لتأخذ العبر من حياتهم وتترسّم خطاهم في العمل والجهاد.
كان بحقّ مؤرّخا يقظا، يسجّل كلّ حادث يمرّ عليه أو يسمع به، لذا فإنّنا نجد له مذكّرات لاتهمل أيّ حقير من الأحداث، ولأجل ذلك فهي تعدُّ من أهمّ المصادر لتاريخ الفترة التي عاشها. كما كان حريصا على إطلاع الأجيال على التّاريخ وربطهم به.
يأتي اهتمامه بهذا الجانب لكونه مربّيا للأجيال، يعرف دوره في تربية النّشء الطّالع: تهذيبا للنّفوس وتكوينا للرّجال وتبصيرَ المواطن بالقوّة والضّعف في التّجارب الانسانية. وهوفي الوقت نفسه دعوة الى المثقّفين ليحذوا حذوه، فيحاولوا الكشف عن هذا التّاريخ المجهول.
وموضوعات تتعلّق بالدّراسات الاسلامية، والعادات والتّقاليد التي تنبع من صميم الاسلام، والتي تساعد على تنظيم المجتمع وتسيّر شؤونه على أسس سليمة، ونهج قويم، يجنّب كثيرا من السّلبيات ويقيل كثيرا من العثرات.
كما كان المترجم له شاعرا، له وزنه في الشّعر الجزائري، حيث كان يشارك في المناسبات المختلفة، ويقول كلمته في كثير من مستجدّات الأمور، وفي القضايا المطروحة على ساحة الحياة العامّة. وقد ترك لنا ديوانين أحدهما مطبوع والثاني مايزال مخطوطا (1).كما ترك آراء نقدية في الشّعر ضمّنها مقدّمة ديوانه المطبوع.
كما أنّ الخصائص الذّاتية التي امتاز بها أبو اليقظان في حاجة الى وقفات وتأمّلات ودراسات نفسية؛ للاستفادة وأخذ العبر منها. فهو يمتاز بالمحافظة الشّديدة على الأصالة والاعتزاز بالشّخصية الوطنية والاسلامية، لايقبل أيّ مهاودة فيما يمسّ الكرامة والشّرف، وهو بالمرصاد لكلّ سلوك يبعد عن الاصالة؛ بسبب الانحراف عن الجادّة. كما يمتاز بالجرأة والتّحدي والصّمود أمام كلّ ما يقف دون تحقيق أهدافه، والصّبر والتّجلّد أمام صروف الزّمن.
يتميّز – أيضًا - ببعض خصوصيات سجّلت فضله في النهضة الجزائرية الحديثة، فقد ترأّس أوّل بعثة طالبية علمية جزائرية الى الخارج وذلك سنة 1914، وكان اتجاه البعثة الى تونس.
__________
(1) - طبع الجزء الثّاني سنة 1989م.
(1/15)
كما يعدّ أوّل وطني جزائري يِؤسّس مطبعة عربية حديثة بالجزائر، وذلك سنة، 1931 كما كان أوّل من دعا الى تأسيس بنك أهلي لكسر احتكار اليهود، وهذا من تمام جرأته وشجاعته.
من هنا تبدو عظمة الرّجل وفضله في النّهضة الجزائرية ودوره في الرّفع من مستوى الشّعب والأخذ بيده الى حيث الصّلاح والفلاح، ويأتي الكشف عن حياته واجبا وطنيا أكيدا، لأنّ حياته جزء من حياة الأمّة الجزائرية.
محمد ناصر بوججام
معهد الحياة، القرارة، الجزائر
الشّيخ أبو اليقظان إبراهيم ودوره في النّهضة الجزائرية الحديثة
أبو اليقظان والصّحافة الحلقة الثّانية (1)
__________
(1) - مجلّة النّهضة، سلطنة عمان، العدد 332 – الأربعاء: 23، شعبان 1407 هـ / 22 إبريل 1987م.
(1/16)
إنّ أهمّ ميدان برز فيه عمل أبى اليقظان ونشط فيه، وقدّم من خلاله الكثير، هو ميدان الصّحافة التي آمن بدورها في إصلاح المجتمع ونيل الحقوق، وتحقيق الأهداف والظّفر بالحياة الكريمة السعيدة حيث يقول:
إنّ الصحافة للشّعوب حياة ... والشّعبُ منْ غيرِ اللِّسانِ مواتُ
فَهِيَ اللّسانُ المفْصِحُ الذَّلِقُ الذي ... ِبَيانِه تُتَدارَكُ الغاياتُ
وَهِي الوسيلةُ لِلسَّعادَةِ والهنَا ... وإلى الفَضائلِ والعُلاَ مِرْقاةُ
في اليَوْمِ تَفْعَلُ في نُفُوسِ الخَلْقِ ما ... لا يَفْعَلَنًّه في الشُّهورِ دُعَاةُ
يمكن لنا تقسيم الأسباب التي دفعت بأبي اليقظان إلى ميدان " الصّحافة إلى أسباب غير مباشرة، وسبب مباشر:
(1) الأسباب غير المباشرة:
- ميله الفطري إلى الصّحافة منذ الصّغر، والأحداث المهولة التي مرّ بها الوطن العربي وتأثير ذلك في نفسه.
- المعارضة الشّديدة والتهَّم الملفّقة التي ألصقت بالبعثة العلمية التي كان يرأسها أثناء مقامه بتونس، وتأثير ذلك في توهين قوّة الطّلبة.
- الحاجة الى صحافة تساعد على إزالة البلبلة والاضطراب في أفكار العامّة؛ بفعل الدّعايات المغرضة.
(2) أمّا السّبب المباشر:
فهو ذلك القانون الذي أصدرته فرنسا، والذي فرضت بموجبه التّجنيد الإجباري على سكّان الجنوب، وعلى "وادي ميزاب" على وجه الخصوص، وذلك سنة 1925. وقد أصدر أبو اليقظان في هذا المجال ثماني جرائد، هي على التّوالي (وادي ميزاب، ميزاب، المغرب، النّور، البستان، النّبراس، الأمّة، الفرقان).
لقد كان الطّريق الذي سلكه في جهاده الصّحافي شاقًّا محفوفا بالمخاطر، مليئا بالعقبات، يقول أبو اليقظان عمّا قاساه في سبيل تحقيق أهدافه، وما تعرّضت له جريدته الأولى " وادي ميزاب" من مضايقات، وما تحمّله في سبيلها من أذى وإهانة حتّى سقطت شهيدة الواجب الوطني، وبقيت شاهدة على جهاد أبي اليقظان وعمله: " فلمّا كانت مشاريع الإصلاح على الدّوام
(1/17)
عرضة للزّوابع والزّعازع، ومرمى لسائر الأهواء والمطامع، كانت بطبيعة الحال جريدتنا هدفا لها، فقد هبّت عليها فواصف من كلّ ناحية، حتّى تضاعفت رياح الفتن، وتوالت أمواج المحن، فهوت بها من منبرها العالي، الذي طالما هزّت منه أوتار القلوب، وأرسلت منه أشعّة النّور إلى وراء الغيوب."
ثمّ يتطرّق إلى حرية الصّحافة في الجزائر في تلك الفترة، وكيف كان يعاملُ الوطنيّون الأحرار الذين يناضلون بالكلمة المسؤولة، ويتميّزون بالمواقف الملتزمة المناهضة لكلّ ضيم واستبداد، وكل ما يمسّ من السّيادة الوطنية والحرية، فيضيف قائلاً: " ولو أنّ النّكبة وقفت إلى هذا الحد لهانت المصيبة ولساغ مذاقها، فإنّ أمثال هذه الكوارث شيء عادي بالنّسبة للصّحافة، خصوصا في بلاد لم تكن فيها الضّمانة الكافية لحريتها، كما هو المتعارف عليه في البلاد الرّاقية، لكن تجاوز طمُّها حسب مقتضيات السّياسة إلى مديرها نفسه، فحرمته من حقوقه الطّبيعية والى قلمه، فحجّرت عليه الجولان في ميادينه المشروعة، فصدرت الأوامر بذلك الى أطراف البلاد"
إلّا أنّ أبا اليقظان لم يستسلم لهذه المضايقات، ولم تلنه هذه الضّغوط، ولم تقعد به المصادرات المتوالية لجرائده، مادام هدفه واضحا، وهو ايقاظ الأمّة الجزائرية بخاصّة، والأمّة الاسلامية بعامّة من سباتها العميق الذي غرقت فيه. وإخراجها من دائرة التّخلّف والحرمان اللّذين تسبّب فيهما الجهل والفقر، واتّساع رقعة الخلافات والنّعرات الطّائفية، وانعدام الموجّهين المؤهّلين، والغابة القصوى من كلّ ذلك هي تطهير المجتمع الإسلامي من أدران الأخلاق الفاسدة، وتوجيهه وجهة السّعادة الأبدية الحقّة، وتكوين المجتمع الجزائري تكوينًا صحيحًا يتشبّع بالأخلاق الفاضلة ويتغذّى بالأفكار الصّحيحة.
هذه المسؤولية عظيمة وشريفة وشاقّة، تتطلّب طول النّفس والمرابطة والتّجلّد وعدم الاعتراف بالفشل وعدم الاستماع للدّعايات المثبّطة للعزائم، أو الالتفات إلى العراقيل والصّعوبات. وتتطلّب قائداً حكيماً محنّكاً، يتمتّع بمؤهّلات ذاتية عالية، تساعده على الأخذ بزمام الأمور بقوّة، ليقود الأمّة إلى الطّريق المؤدّى إلى السّعادة والهناء.
كما لا يمكن أن تنال من عزيمته هذه المناورات والدّسائس، مادام المجتمع في حاجة إلى أمثاله، وقد أحسّ بهذه الحقيقة وأعطى الثّقة في نفسه
(1/18)
وقدرته على الاستمرار في الكفاح والنّضال، وعلى تحمّله المسؤولية في سبيل تحقيق الأهداف. إذن فلتكن الوسيلة ما تكون. \
ما يدلّ على ذلك تحمّله لتكاليف مادية ومعنوية باهظة لإصدار جريدته الأولى " وادي ميزاب"، حيث تحرّر في الجزائر، وتطبع في تونس، ثم تعاد الى الجزائر لتوزّع فيها. وكانت الجريدة أسبوعية استمرّت من فاتح أكتوبر 1926 إلى فبراير 1929، صدر منها 119 عدداً.
كما نقف على حقيقة هذا العمل الدّؤوب والمتواصل دون ملل ولا كلل، وروح التّحدّي التي أمتاز بها حين نستعرض تواريخ صدور بعض جرائده، فقد أنشأ جريدتي " ميزاب" و " المغرب" في سنة واحدة وذلك في عام 1930، صودرت الأولى فاصدر الثّانية، وأسس سنة 1933ثلاثا أخرى وهي (البستان والنّبراس والأمّة)،حيث تبرز كلّ واحدة منها لتأخذ مكان زميلتها الموؤودة.
هكذا يبقى أبو اليقظان صامدا أمام الأعاصير الهوجاء التي تثور ضدّه لتقصم ظهره، أو تحاول تحويله عن وجهته ومبادئه، ولكن هيهات لمن ملأ قلبه بالإيمان بالله، ولمن امتلأ حبًّا لوطنه، ولمن غمرته ثقة كاملة بنفسه، هيهات أن يُنَال في عزيمته، أو يمسّ في إرادته أو مبادئه ..
الصّحف التي أصدرها أبو اليقظان
اسم الجريدة ... تاريخ الصّدور ... تاريخ التّعطيل ... مجموع الأعداد
وادي ميزاب ... 1/ 10/ 1926 ... 1/ 2/ 1929 ... 119
ميزاب ... 25/ 1/ 1930 ... 1
المغرب ... 29/ 5/ 1930 ... 9/ 3/ 1931 ... 38
النّور ... 15/ 9/ 1933 ... 3/ 5/ 1933 ... 78
البستان ... 27/ 4/ 1933 ... 13/ 7/ 1933 ... 10
النّبراس ... 21/ 7/ 1933 ... 23/ 8/ 1933 ... 9
الأمّة ... 8/ 9/ 1933 ... 6/ 6/ 1938 ... 170
الفرقان ... 5/ 7/ 1938 ... 3/ 8/ 1938 ... 6
محمد ناصر بوحجام
معهد الحياة- القرارة، الجزائر
(1/19)
إحياء ذكرى العشرين لوفاة شيخ الصّحافة الجزائرية
أنغام الحياة تحيي ذكرى أبي اليقظان 2 (1)
ويوم الإثنين 29 مارس – وفي دار الحياة – في السّاعة السّادسة مساء أقيمت ندوة، تحت عنوان: (أبو اليقظان شاعرًا)، شارك فيها الأستاذان أحمد رحماني، أستاذ في معهد العلوم الشّريعة الإسلامية، جامعة باتنة. ومحمد ناصر بوحجام، أستاذ فب معهد اللّغة العربية وآدابها، جامعة باتنة. بعد تقديم بوحجام الموضوع، وقراءة أقوال الشّيخ أبي اليقظان لمفهوم الشّعر، خلص إلى أنّ الشّعر عنده رسالة، طرفاها، أو نقطتا الارتكاز فيها: التزام بمبادئ، وارتباط بأهداف، ومن ثمّ فهو يتحرّك في خطّ مستقيم، لا التواء فيه.
بعد ذلك تساءل الدّكتور بوحجام عن الجانب التّطبيقي لهذه الأقوال في شعر أبي اليقظان، وهو ما أجاب عنه الأستاذ أحمد رحماني.، فزكّى ما قاله بوحجام، وانطلق محلّقا في أجواء الأدب والنّقد، مغوّراً في نفس أبي اليقظان، معتمدا على بعض النمّاذج من شعره ليصل في النّهاية إلى مفهوم اصطلاحي، ومن هنا قال: فإنّ أدواته الفنّية ينتقيها حسب ما يحقّق له غرضه.
ثم قال، لا يهمّ ما يقال عن شعره، وما يوصف به من تقريرية وخطابية، وبعد عن الخيال .. يكفي أنّه قد توفّر فيه الصّدق الفنّي إلى حدّ بعيد، إذ الشّعر عنده رسالة قبل كلّ شيء_ هذه المواصفات تجعل شعر أبي اليقظان يندرج ضمن الأدب الإسلامي الملتزم. ورأى أن كثيرا من الأحكام النّقدية التي صدرت في حقّه في حاجة إلى مراجعة أو إلى مناقشة على الأقلّ.
والحقيقة تقال: إن ما قدّمه الأستاذ أحمد رحماني ذو أهميّة كبيرة، إذ من خلال تحليله المعمّق استطاع أن يشدّ أنظار الحاضرين إليه - رغم تباين مستوياتهم- ومن خلاله أيضا اكتشف الحاضرون أن شعر أبي اليقظان في حاجة إلى دراسة أكثر عمقاً، وكانت محاضرة الأستاذ أحسن ما ألقي في المهرجان.
أعماله الشّعرية تحتاج للمزيد من الدّراسة الأكثر عمقاً
اختتم المهرجان في اللّيل من يوم الاثنين بحفلة فنّية من تقديم المجموعة الصّوتية لجمعية (أنغام الحياة)، ثمّ بقراءة ثانية لمذكّرات الشّيخ أبي اليقظان، فكلمة الشّيخ عدّون مدير معهد الحياة، التي شكر فيها جمعية
__________
(1) - مجلة النّهضة، سلطنة عمان، العدد: 627، الثّلاثاء: 21 شوّال 1413هـ/ 13 إبريل 1993م، السّنة الحادية والعشرين. المقال نشر في حلقتين، لم تنمكّن من إدراج الحلقة الأولى في هذا الكتاب، وقد نشرت في العدد: 626.
(1/21)
أنغام الحياة، وكلّ من شارك وأسهم في إنجاح المهرجان. ثمّ وزّعت شهادات التّقدير على المشاركين، وجوائز على الفائزين في مسابقة رمضان التي نظّمتها جمعية أنغام الحياة.
أشير إلى أنّه قد تخلّلت المهرجان والنّدوات قصائد شعرية من الأساتذة: محمد الأخضر السّائحي، بلقاسم خمّار، صالح خباشة، سليمان دوّاق، عمر البرناوي، أحمد شامية، عبد الحميد عبابسة.
كما قام الضّيوف بجولتين: جولة في المعالم الثّقافية، وجولة في المعالم الاقتصادية والفلاحية في القرارة.
أشعار أبي اليقان تندرج ضمن الأدب الإسلامي الملتزم!!
على العموم، كانت التّظاهرة ناجحة نجاحاً كبيرًا؛ بنوعية النّشاط الذي قدّم فيها من ندوات وكلمات وقصائد ومعارض، ثمّ بتجاوب جمهور الثّقافة مع المهرجان، من خلال حضوره المكثّف في النّدوات، ومن خلال انطباعاته الصّادقة نحو ما قدّم، ثمّ بتجنيد أهل القرارة-بخاصة- لإنجاح المهرجان، ومن خلال إقبال النّاس على المعرض، وعلى شراء الكتب التي عرضت للبيع بالمناسبة.
وقد كانت مدينة القرارة وفيّة بالتزاماتها وبسيرتها؛ في حسن استقبال الضّيوف وإكرامهم. كما نسجّل اعجابنا وتقديرنا لشباب جمعية أنغام الحياة، الذين كانوا في عمل دؤوب مستمرّ مدّة شهرين كاملين لإعداد هذا المهرجان الكير.
إنّ ذلك هو الوفاء للآباء والتّاريخ، وهو الإخلاص في العمل، وهو الإيمان بالرّسالة الثّقافية والحضارية التي يمليها الدّين الحنيف!!
محمد ناصر بوحجام
مطار القاهرة، في طريقي إلى مسقط
(1/22)
السّخرية في أدب الشّيخ إبراهيم أبي اليقظان (1)
الشّيخ إبراهيم بن عيسى أبو اليقظان (2) الذي عرف بحضوره القويّ الفعّال في ساحة النّضال والكفاح والعمل الوطنيّ الدّؤوب، لم يدّخر أيّ جهد في الإسهام في حركة النّهضة والإصلاح والتّغيير، ومقاومة أسباب التّخلّف والانهزام والتّقاعس، ومناهضة كلّ عوامل فقدان المناعة الدّينيّة والاجتماعيّة والوطنيّة ...
دخل الميدان بفكره وقلمه، فحرّر مقالات، وأنشأ صحفًا، ونظم شعرًا، واعتلى منابر في المساجد والمنتديات، وألّف كتبًا ورسائل. ورعى شب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

تواصل معنا

أكثر من 600,000+ يتابعون موقعنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي إنظم إلينا الآن

عن الموقع

author مكتبة أهل الحق والإستقامة <<   مكتبة أهل الحق والإستقامة..موقع يهتم بنشر الكتب القيمة في مختلف الجوانب (فقه..عقيدة..تاريخ...الخ) عند المذهب الإباضية من نتاج فكري.

أعرف أكثر ←

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *