الكتاب : أسئلة وأجوبة في الحلقات الإيمانية لمصطفى شريفي
ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله
أسئلة وأجوبة في الحلقات الإيمانية
أسئلة حلقة الجمعة 07 صفر 1429هـ
15 فيفري 2008م.
س1) ... ذكرت في محاضرتك أنَّ للعقيدة دورا كبيرا في حياة المسلم، فهل يكفي للمسلم أن يدرك عقيدته سطحيا أم لا بد أن يتعمق في ذلك، خاصة إذا كان هذا المسلم مغتربا، أي يعيش في بيئة مختلطة ... [كلمة غير مفهومة: لعلها: مسيحيين].
ج1) لا بد من تثبيت الإيمان وتقويته في القلب، أما التعمُّق في القضايا الخلافية بخاصة والتي كانت تناقشها كتب علم الكلام، فهذا يُترك للمتخصصين، وفرق بين التثبيت والتعمق. (مثال توضيحي: العامي عليه أن يعرف كيف يقي نفسه من الأمراض، والطبيب عليه أن يعرف أسباب المرض وأعراضه، وأنواع فيروساته، وأدويته...).
ويزداد التأكيد على تثبيت الإيمان ودفع الشبه على من كان في مجتمع غير مسلم. وتوجد عدة كتب ومواقع في الإنترنت ترد على المشككين من الديانات الأخرى.
س2) ... في رأيكم إلى ماذا ترجع كثرة التمسح [أي: التحول إلى المسيحية] في الآونة الأخيرة بين شباب الجزائر في كثير من مناطق الوطن، رغم أنهم يعيشون في بلد مسلم، وغيرنا الذي يعيش في بلد الإلحاد يهتدي إلى الإسلام ويُسلم. بارك الله فيكم.
ج2) الأسباب متعددة، منها:
1- أنَّ الدولة لم تقم بدورها، إن لم نقل: إنها سبب رئيس في الموضوع:
... ... - إعلاميا: تلفزتنا لم توجه نحو التربية، بل هي مفسِّخة لأخلاق الشباب.
... ... - تربويا: عمل موجه ومخطط لمحو القيم والشخصية الإسلامية من المنظومة التربوية.
... ... - دينيا: وزارة الشؤون الدينية غائبة عن الساحة.
2- أنَّ العشرية السوداء كانت من الأسباب، نظرا لأن ما وقع فيها يُنسب بحق وبدون حق إلى الإسلاميين.
3- الإغراءات المادية للمتنصرين. (كما أطلعتنا على ذلك بعض الصحف منذ مدة).
4- غياب دورنا نحن في الدعوة.
وأما تحول الناس إلى الإيمان في البلدان الغربية فمرده إلى الفراغ الروحي والطريق المسدود الذي أدت
(1/1)
إليه مدنيتهم (1) . وأحيانا: «رب ضارة نافعة»، فبعد أحداث 11 ديسمبر صار كثير من الناس يبحثون عن هذا الدين الذي يعطي هذه القوة الدافعة إلى الفداء بأرواحهم من أجله. وكذلك بعد الرسوم المسيئة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم صار الناس وحتَّى التلاميذ في المدارس يسألون أساتذتهم عن سبب كل هذه الغضبة التي اجتاحت العالم الإسلامي، فمن يكون هذا الرجل؟.
س3) ... ما أهمية العقل السليم واستعماله في الإيمان (العقيدة)؟ أي التفكير السليم أي مناقشة الإشكالات لا تناسيها أو الهروب منها. أو ما عبر عنه سيدنا إبراهيم "القلب السليم". ففكر {وجدنا آباءنا} مشكلته عدم استعمال العقل.
... هل يصح التقليد في الاعتقاد؟ (حرية الاعتقاد).
ج3) القرآن الكريم كثيرا ما يأمر باستعمال العقل {إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ التِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ الاَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَآءِ وَالاَرْضِ ءَلاَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (البقرة: 164).
والعقل من العقال، وهو الذي يمنع صاحبه من انفلات زمام النفس الأمارة بالسوء، وهو الميزان التريص الذي يميز بين الحق والباطل. ولا يقصد بالعقل ما يثيره أعداء الإسلام من شبهات يقولون عنها: إنها أدلة عقلية، فإن هي إلا سفسطة، تستعمل أسلوب التمويه والمغالطات، ولا تصمد أمام النقاش العلمي.
والعقل من الفروق الجوهرية بين اعتقاد المسلمين وغير المسلمين، يقول أحد القساوسة الذين أسلموا: «أما أنا فكانت هناك أمور في الإنجيل لم أصدقها؛ لأني كنت أرى التناقضات الكثيرة فيه، فمن تلك الأمور أني كنت أرى التناقضات الكثيرة فيه، فمن تلك الأمور أني كنت أسأل نفسي وغيري: كيف يكون الربُّ واحدا وثلاثة في نفس الوقت؟! وقد سألت القسيسين المشهورين عالميا عن ذلك وأجابوني بأجوبة سخيفة جدا، لا يمكن للعاقل أن يصدقها، وقلت لهم: كيف يمكنني أن أكون داعية للنصرانية وأعلِّم الناس أنَّ الرب شخص واحد وثلاثة أشخاص في نفس الوقت، وأنا غير مقتنع بذلك، فكيف أقنع غيري به؟.
بعضهم قال: لا تبين هذا الأمر ولا توضحه، قل للناس: هذا أمر غامض ويجب الإيمان به، وبعضهم قال: يمكنك أن توضحه بأنه مثل التفاحة تحتوي على قشرة من الخارج ولب من الداخل وكذلك النوى في داخلها، فقلت لهم: لا يمكن أن يضرب هذا مثلا للرب، التفاحة فيها أكثر من حبة نوى، فستتعدد الآلهة بذلك...» (2) .
أما عن إيمان المقلد فقد ناقشه العلماء، والكلام فيه طويل. نكتفي بقول الجعبيري في البعد الحضاري: «ولا ينبغي أن نغفل عن إشارة عمر أبن أبي ستة إلى التمييز بين إيمان المجتهد وإيمان المقلد، فإذا كان إيمان المجتهد قائما على الأدلة النقلية والعقلية، فإن إيمان المقلد هو الأخذ بقول الغير جزما ممن ثبت صلاحه عند
__________
(1) ... ينظر: كتاب للحسن محَمَّد والمعتاز إبراهيم: كيف ولماذا اعتنقوا الإِسلاَم. وكتاب لانتصار الغول: كيف أسلم هؤلاء؟.
(2) ... انتصار الغول: كيف أسلم هؤلاء؟ ص18.
(1/2)
المقلد، والأساس في الجمع بين العقيدة والقول والعمل سواء أكان ذلك عن اجتهاد أو تقليد» (1) .
وفي الدليل والبرهان بعد أن عرض الوارجلاني شيئًا من صفات الله بأدلة بسيطة قال: «فهذا الذي أردنا من تقرير الحق في أنفس المقلدين، وسنشرع الآن في إقامة البرهان للمعتقدين المقيدين إن شاء الله تعالى والله المستعان» (2) . فدخل في تفاصيل جدلية كلامية عميقة، قد لا يستوعبها غير المتخصصين. فنفهم من هذا أنَّ هناك قدرا من الإيمان بأدلة بسيطة يمكن أن يكتفي بها المقلد. ولكن لا شك أنه بقدر ما يزداد المقلد من الأدلة فهو أفضل وأقوى وأرسخ إيمانا. والله أعلم.
أما حرية الاعتقاد فلا أرى لها علاقة بموضوع إيمان المقلد. ولكن فيها شبهة لا بد من توضيحها وهي:
1- أنَّه ليس من حرية الاعتقاد أن لا يُظهر المسلمون الدين الحقَّ ولا يبينوه ولا يبلغوه، {يَآ أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالاَتِهِ} (المائدة: 67)، {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل: 125)، ويجب أن لا يبقوا للشبه أثرا في نفوس أتباعهم، ولا في نفوس غير المسلمين. ولا يجوز إكراه الناس بالقوة على الإيمان، {لآَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} (البقرة: 256)، {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنَ اَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَّشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (القصص: 56).
2- أنَّه ليس من حرية الاعتقاد أن يرتد أحد عن الدين، فَإِنَّه إذا ارتضى الإسلام دينا فلا يجوز له الخروج عنه، وإذا بدَّله أقيم عليه حد الارتداد، لقوله J: «من بدَّل دينه فاقتلوه» (3) .
«والحقيقة أنَّ هذا الحكم الشديد للمرتدِّ هو فرع عن حُرِّيَّة التديُّن والاعتقاد؛ لأَنَّ الإسلام لا يُكرِه أحدًا على اعتناقه والدخول فيه، إِلاَّ إذا حصل عنده القناعة التَّامَّة، والرضا الكامل، والإقرار بِأَنَّ الإسلام حقٌّ، فيعلن إسلامه، وينضوي تحت لوائه... ولا بُدَّ من موافقة العقل والتفكير على ذلك، فإن ارتدَّ بعد ذلك فهو إِمَّا أَنَّهُ دخل الإسلام نفاقاً ورياء، ولمصلحة خسيسة، وبقي الكفر في قلبه، فهذا يتلاعب بالعقيدة والمقدَّسات ونظام الأُمَّة، فيستحقُّ القتل لهذه الجريمة؛ وَإِمَّا أَنَّهُ خرج من الإسلام لوسوسة شياطين الإنس والجنِّ، وإغوائهم وإغرائهم، فهنا يُستتاب، وتكشف له الحقائق، ويناقَش في شبهاته، حَتَّى لا يبقى له حجَّة، وتُزال عنه الأوهام، فإن أصرَّ على الباطل فَإِنَّهُ يقتل لجريمة العبث بالمقدَّسات والعقائد والأديان، وخروجه عن النظام العامِّ، وخيانته للأمَّة التي ترعاه، والدولة التي تحميه، فَقَتْلُ المرتدِّ هو بحدِّ ذاته حماية لحقِّ التديُّن، حَتَّى لا يصبح هذا الحقُّ ألعوبة وسخريَّة، ومُهانًا ورخيصًا كسقط المتاع» (4) . وفي
__________
(1) ... البعد الحضاري، ص؟؟؟ (ضمن مسائل الإيمان).
(2) ... الدليل والبرهان، 3/ص؟؟؟ (باب إيضاح الحق الذي اعتقدناه بالله سبحانه).
(3) ... هذا الحديث أخرجه البخاري (3/1098رقم 2854) وأصحاب السنن وأحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما (نيل الأوطار، 7/201؛ الفتح الكبير، 3/175)، مسند أحمد (1/2، 7، 282، 283، 5/231).
(4) ... محمَّد الزحيلي: «مقاصد الشريعة .. أساس لحقوق الإنسان»، ص36-41 (النسخة الرقمية). مصطفى شريفي: مقاصد الشريعة الإسلاميَّة، مقرر كلية المنار، ص90.
(1/3)
هذا الموضوع نقاش بين المفكرين يدور حاليا... ليس هنا محل الكلام فيه.
3- ليس من حرية الاعتقاد السماح بنشر الأفكار المناقضة للدين؛ والحكمة تقول: «حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين»؛ مثلا: لا يجوز نشر أفكار الأبراج عبر وسائل الإعلام (صحافة إذاعة وتلفزيون)، أو الشبهات، أو الأفلام المدبلجة أو الرسوم المتحركة التي تحمل أفكارا مناقضة تمام المناقضة مع الدين!. وكذا بيع أقراصها المدمجة...
س4) ... من فضلك نحتاج إلى توضيح ما يلي:
... أ- تقسيم العقيدة إلى ما له أثر في السلوك وما ليس له أثر. هل يمكن اعتبار هذا التقسيم عمليا، وتجاهل الجانب الذي ليس له أثر في السلوك؟
... ب- في أي مرحلة يمكن تعليم أبنائنا علم العقيدة، ويمكن لهم استيعابها؟
ج4) أ- إِنَّ العقيدة (أي الأصول الكبرى المجمع عليها) أمر واجب شرعا، بغض النظر عن أثره في السلوك أو عدمه، وإن كان الواقع أنَّ لكل معتقد أثرًا ـ قريبًا أو بعيدًا ـ في السلوك. وإنما البحث عن هذه الآثار هو الذي يزيدنا يقينا واطمئنانا بصدق وصحة معتقداتنا.
ودعوى تجاهل ما ليس له أثر في السلوك يدفعنا إلى التخلي عن كثير من المعتقدات أو الأحكام الشرعية التي لم تصل عقولنا إلى إدراك آثارها، فمثلا: أعمال الحج أغلبها لا نعرف أثرها العملي القريب، ولكن عدم معرفة الحِكَم منها لا يعني الاستغناء عنها.
وإذا كان القصد من السؤال هو المسائل الخلافية بين المسلمين كعلاقة صفات الله بذاته، وخلق القرآن... فَإِنَّ هذه بطبيعة الحال ليس لها أثر عملي، وهي ليست من الأصول الكبرى المجمع عليها، والاختلاف بشأنها لا يثمر سلوكا مختلفا، وبالتالي الاشتغال بها عن مهمات العقيدة يعتبر ـ في عصرنا هذا ـ نوعا من الترف الفكري. وأما ما له أثر عملي كقضيتي الشفاعة والخلود، فَإِنَّ لهما أثرا عظيما في السلوك، وهي مهمة جدا لأنها تتعلق بالمصير.
ب- تعليم العقيدة يكون من أول لحظة من ميلاد الطفل، بل حتَّى قبل ميلاده (1) ، فالأب مأمور بالأذان في أذن الطفل حتَّى تكون كلمةُ التوحيد أولَ ما يقرع سمع الطفل في هذه الحياة.
ثمَّ يكون التعليم بالتدريج حسب عمر الطفل، فمن الأمور ما يحفظه ولو دون فهم، كما عند النوم: «الله ربي، محمَّد نبيي...»، «باسمك اللهم وضعت جنبي...». ثمَّ شيئًا فشيئًا يترقى المربي مع الطفل حسب مداركه. ومن المفروض أنَّ مدارسنا القرآنية والحمد لله عموما تراعي هذا التدرج.
س5) ... أ- ما مقياس العقيدة عند المسلم، وخاصة الإباضي؟ من فضلك تفسير ذلك.
... ب- «فاقد الشيء لا يعطيه»، ما معنى ذلك؟ شكرًا
ج5) أ- لفظة "مقياس" غامضة. ولعله يقصد درجة الإيمان، والإيمان درجات: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ
__________
(1) ... وقد أثبتت دراسات تأثر الطفل وهو في بطن أمه بما تسمعه الأم، كالأغاني أو التلاوة، أو الانفعال... كالغضب والفرح...
(1/4)
الذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَالِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} (فاطر: 32)، كما أنَّ العلم درجات: {كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} (التكاثر: 5 ـ 7). والأنبياء والرسل في أعلى درجات الإيمان، ومع ذلك فقد قال الله تعالى عن سيدنا إبراهيم عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُومِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذَ اَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اَجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ اَدْعُهُنَّ يَاتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمَ اَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (البقرة: 260). فالمؤمن دائما يسعى نحو تقوية إيمانه بتلاوة القرآن وتدبره وكثرة الذكر (باللسان والجوارح)، ويستشعر معية الله في كل حركاته وسكناته، فيبتعد عن المعاصي.
ب- «فاقد الشيء لا يعطيه» أي: إنه من لا يملك شيئًا لا يمكن أن يعطيه لغيره.
س6) ... ألا ترى يا أستاذ أنَّ العقيدة أصبحت سلاحا خطيرا في يد كثير من المسلمين، من خلال الجدال والنقاش والتضليل والتفسيق... الذي لا يؤدي إلى فائدة أبدا، وبالعكس فَإِنَّها تؤدي إلى الشقاق والنفور.
... ما هو الحل للخروج من هذا الإشكال، هل نستطيع تطبيق المثال القائل على العقيدة: عقيدتي صحيحة تحتمل الخطأ، وعقيدتك خاطئة تحتمل الصواب؟.
صحيح أنَّ التفسيق والتضليل ليس من شيم المسلم، وكان الواجب أن نكون ـ كما يقول الشيخ حسن الهضيبي ـ دعاة لا قضاة، لسنا مأمورين بإصدار الأحكام.
أما النقاش العلمي الهادئ الرصين، وبين العلماء المتخصصين لا العامة غير المتمكنين، فلا نستطيع أن نقول: إنه لا فائدة منه أبدا، بل قد يفيد في تقريب الشقة إذا صدقت النوايا، وابتعد عن التعصب وعن التنابز بالألقاب.
أما مقولة: «عقيدتي صحيحة تحتمل الخطأ، وعقيدتك خاطئة تحتمل الصواب»، فهي تحمل في طياتها التناقض؛ لأن العقيدة لا تسمى عقيدة إلا إذا كانت لا تحتمل الشك، فإذا احتملت الخطأ فإنها لم تعد عقيدة، وإنما هي مجرد رأي. ومن تعريفات العقيدة أنها «ما لا يقبل الشك في نظر معتقده»،
ولكن هذا لا يعني أن نطلق ألسنتنا بتكفير المخالف وتضليله وتفسيقه بغير دليل، وبخاصة في القضايا الفرعية. لأن مثل هذه الأحكام أحكام عقدية تحتاج إلى أدلة قوية من القرآن والسنة المتواترة، لا من مجرد أوهام العقل، وهي كذلك ذات آثار خطيرة أدت بالمسلمين إلى كوارث لا نزال نتجرع ويلاتها إلى اليوم!.
(1/5)
أسئلة حلقة الجمعة 14 صفر 1429هـ
22 فيفري 2008م.
س7) ... ما هي المسائل التي يجب أن أفْصِل فيها لكي أكون ناجيا عند الله وأكون موحدا ومعتقدا للحقِّ، مع العلم أنَّ بعض العقائد التي تثار في بعض الأوساط، مثل رؤية الله، ومشيئة الله، ونجاة العاصي غير التائب، وغيرها... أفيكون المرء في ريب من هذه المسائل، مع استماعي للأدلة؟ أم هي مسائل فرعية يجوز الخلاف فيها؟
المسائل التي يجب الفصل فيها هي التي يعبر عنها الإباضيَّة بما لا يسع جهله طرفة عين.
أما المسائل الفرعية فَإِنَّ علماءنا القدامى، ومن سار على نهجهم، لا يعذرون المخالف فيها، أما الإصلاحيون المعاصرون فلا يرون قطع عذر المخالف؛ لذلك فنجدهم يترحمون على علمائهم.
أما أن يكون المرء في ريب فيها فهذا مِمَّا لا يجوز؛ لأن العقيدة يجب أن تكون عن يقين.
أما الأصول الكبرى الإجمالية مِمَّا اتفق عليه المسلمون فلا يجوز الخلاف فيها ولا الشك بشأنها إطلاقا، ومن فعل ذلك كان مشركا. من ذلك مثلا: وجود الله ووحدانيته، وصفاته وأسماؤه إجمالا دون الدخول في التفاصيل الكلامية، والإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
أما المسائل الخلافية الكلامية فَإِنَّ مسألة التمييز بين الأصول والفروع فيها مِمَّا لا يزال موضوع بحث، وهو موضوع مرتبط بتحديد القطعي والظني من تلك المسائل، ويوجد أحد الباحثين وهو الأستاذ مصطفى ابن ادريسو بصدد إنجاز بحث الدكتوراه حول القطعي والظني بين الإباضية والأشاعرة والشيعة (دراسة مقارنة).
س8) ... قلت: إِنَّ العقيدة هي علم الكلام.
... ألا ترى وتسمع في لغة المرأة الميزابية أقوالا غير مفهومة ولكنها متداولة على الفطرة، وتمس بالعقيدة من غير أن تشعر. فكيف العلاج وما هو الحكم؟
بارك الله في صاحب هذا السؤال؛ لأنه نبهنني إلى أنَّني قصَّرت في توضيح المقصود بعلم الكلام.
ليس المقصود بعلم الكلام أن نتعلم طريقة الكلام أو الحديث، أو الكلمات المستخدمة والتي لا تستخدم، وإنما هي مصطلح أطلق على علم العقيدة. (وإن كان من الأسباب التي قيلت في سبب تسمية علم العقيدة بعلم الكلام، أنه يورِّث صاحبه القدرة على الحِجَاج والإقناع في الخطاب بالأساليب الجدلية).
والسؤال: هل العقيدة هي علم الكلام مرادفان؟
عند القدماء العقيدة وعلم الكلام مرادفان، وأما عند الباحثين المعاصرين فالفرق بينهما أنَّ العقيدة هي القضايا الأساسية المتفق عليها بين كل الفرق الإسلاميَّة، وأما علم الكلام فهو علم يهدف إلى الدفاع عن تلك العقيدة.
(1/6)
وفي الواقع ليس المشكل محصورا في المرأة، بل حتَّى الرجال والفتيان والفتيات.
العلاج:
1- أن يضع المرء نصب عينيه قوله تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ اِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (سورة ق: 17 ـ 18).
2- علينا أن نقوم بدورنا في الأمر والنهي، وأن نتواصى بالحق: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ إِنَّ الاِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ اِلاَّ الذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}. وعلى الناصح أن يكون حكيما في طريقة النصح، وعلى المنصوح أن يتقبل ذلك، كما قال: «لا خير فيكم إن تقولوها، ولا خير فينا إن لم نقبلها». وإذا كان الله تعالى يقول لأفضل خلق الله: {يَآ أَيُّهَا النَّبِيءُ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (الأحزاب: 1) فكيف بمن سواه؟!.
الحكم يحتاج إلى فتوى، ولست مفتيا. {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (النحل: 43). ومن ابتلي ببعض الكلمات المنافية للدين فليسأل، خاصة ما يتعلق بسب الدين أو الرب... وأرجو التفريق بين الواعظ أو المدرِّس وبين المفتي، فمسؤولية الإفتاء عظيمة، كما روي عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «مَنْ أَفْتَى مَسْأَلَة أَوْ فَسَّرَ رُؤْيًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَمَنْ وَقَعَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَصَادَفَ بِئْرًا لاَ قَعْرَ لَهُ وَلَوْ أَنَّهُ أَصَابَ الْحَقَّ» (1) .
__________
(1) ... الربيع: المسند، رقم 35.
(1/7)
-1
(1/8)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق