أحك ام السفر في الإسلام لعلي معمر - مكتبة أهل الحق والإستقامة

أحدث المشاركات

Post Top Ad

Post Top Ad

الثلاثاء، 14 ديسمبر 2021

أحك ام السفر في الإسلام لعلي معمر

 





الكتاب : أجوبة على أسئلة زوار سبلة العرب لعبد الله القنوبي
ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد بين يدي الإجابة على بعض أسئلة القراء الكرام:
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى ، وعلى آله وصحبه الشرفا ،،، وبعد
فالسلام عليكم-اخوتي في الله-ورحمة الله وبركاته، ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال .
ثم أني اعتذر سلفا لأن أكون بين أيديكم في منزلة المجيب على بعض أسئلتكم وكم تمنيت أن أكون أحد السائلين، لأني -علم الله - لست من مشائخ العلم ولا اقارب، وإنما أنا من صغار الطلبة، لقلة فهمي وعلمي ، مع بطء في العمل الصالح ،وإنما أقامني هذا المقام حسن ظن من إخواني الكرام.
وما سأذكره هنا من إجابات على بعض الاستفسارات، إنما نقلته من أقوال مشائخنا، فنحن عيال عليهم ، جزاهم الله خير الجزاء ، وسأحاول قدر الجهد توثيق المعلومات من مصادرها على قدر الاستطاعة .
واعتذر اشد الاعتذار لبعض اخوتي المشاركين أن لم يجدوا أجوبة لبعض استفساراتهم لضعفي في العلم، وتوقفا من أن نتقول على الله بغير علم. واشكر الاخوة المشاركين شكرا عاطرا على حرصهم للتفقه في دين الله ، عسى أن نكون جميعا من عباد الله الصالحين الذين يحبهم ويحبونه .
وسأبدأ هذه الليلة بالإجابة على سؤالي الأخوين : الزمان، ومحب الموت لتقاربهما في الإجابة ، ثم ستأتي الإجابات تباعا إن شاء الله . وصلى وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
سؤال الأخ الزمان:
إذا زنا رجل بامرأة وهي غير مسلمة، فإذا اسلمت هل يجوز أن يتزوجها الرجل الذي زنا بها؟
الجواب /
إذا كان الرجل مسلما عندما زنا بها فلا يجوز أن يتزوج بهذه الكافرة ولو اسلمت، وكذا العكس ، أما إن كانا كافرين عندما زنيا ثم اسلما وتزوجا فإن الإسلام يجب ما قبله وزواجهما صحيح .
سؤال الأخ محب الموت:
(1/1)
هل يجوز لشاب أنّ يتزوج من ابنة عمه، مع العلم أنهما عندما كانا طفلان دون سن البلوغ بفترة، كانا يسبحان في حوض سباحة و هما عاريان، فحدث أنّ ذكر الطفل لامس فرج الطفلة، و هما ينظران، دون إيلاج، و هي المرة الوحيدة في عمرهما، فهما الآن فوق سن البلوغ بكثير، و يرغبا في الزواج لإعجاب كل منهما بالجمال الشديد للآخر، و انطلاقا من أن لا حياء في الدين، وجب هذا السؤال، حتى لا يصبح زواجهما وبالا عليهما يوم القيامة، و يكونا في جهنم خالدين مخلدين فيها. أرجوكم يا شيخنا الجليل أن تفتونا مع الدليل، و عدم التساهل إن كان لا يجوز، لأننا نقدر أن نصبر على عذاب الدنيا، و لكن أجسامنا لا تتحمل حر جهنم و الخلود فيها إلى أزل الأزل؟؟؟
الجواب /
ما داما فعلا ذلك قبل البلوغ فلا يؤثر على زواجهما بعد البلوغ ، لأن الصبي غير مكلف،يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتي يبلغ.....) الخ الحديث، وقد نص العلماء بأنه لو وقع منهما الزنا الحقيقي قبل البلوغ فلا مانع من يتزوجا بعد البلوغ، فما بالك إذا كان مجرد مماسة لا غير، وسنبين ذلك عند الجواب على سؤال من سأل عن مجرد القبلة والعناق .
والى الأخوين السائلين هذا الجواب للإمام السالمي رحمه الله تعالى ردا على سؤاليهما .
فقد سئل في أجوبته ج2/ 552 هذا السؤال :
س / صبيان ذكر وضده زنيا ببعضهما بعض أو لمسا أو نظرا للفرجين يجوز تزويجهما بعد ببعضهما بعض، وان كان أحدهما بالغ ما الحكم فيهما ؟
ج / إذا وقع ذلك في حال الصبا فلا يمنع التزويج لأنهما غير مكلفين، وأصل ذلك ما كان في الزمان القديم من العفو بالإسلام على ما وقع قبله ،فلو وقع الزنى في حال شركهما ثم اسلما جاز أن يتزوجا ، فكيف بصبيين قد رفع عنهما الخطاب، والله اعلم، وان كان أحدهما بالغا أو مشركا والآخر صبيا أو مسلما ظهر المنع فلا يتزوجان أبدا، والله اعلم . انتهى جواب الإمام السالمي .
(1/2)
ولكن ننبه هنا إلى أن إعجاب كل واحد منهما لا ينبغي أن يقتصر على الجمال ، وإنما أساس ذلك الدين ، عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( تنكح المرأة لأربع : لمالها وجمالها وحسبها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ) .
ونظراً لمجادلة بعض الناس وعدم اقتناعهم بحرمة نكاح الزاني بمزنيته ، فأحب أن اعرض هنا فتوى لسماحة الشيخ احمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة بين فيها الأدلة القاطعة على حرمة ذلك .
ثم نعرض بعد ذلك كلاما نفيسا للكاتب الأديب المفكر المؤرخ علي يحيى معمر فقد وضع النقاط على الحروف في هذه القضية الشائكة .
وبداية الأمر فإن الله سد أبواب الفتن ما ظهر منها وما بطن ، فالزاني ليس كفؤا لأن ينكح أهل الطهر وكذا الزانية ، لذلك قال الله ( وحرم ذلك على المؤمنين ) نكاحهما بعد زناهما حرام لا يجوز ، وهذا باب عظيم لسد الذرائع أمام وجه كل من تسول له نفسه أن يقتحم أعراض الناس ، إذن ما الفرق بينه وبين البهيمة العجماء التي لا هم لها إلا إشباع غرائزها ، ثم يقال بعد ذلك بأنهما يجتمعان على فراش الخيانة بعد أن تلطخا بالفاحشة ، كلا والله ليس ذلك من الإيمان في شيء ، وأريد أن أضع بين يدي الإخوة الكرام هذه الفتوى القيمة لسماحة المفتي حفظه ليبين الصبح لذي عينين :
س/ إذا زنى رجل بإمرأة فهل يجوز زواجهما شرعاً ؟ وما الحكم الشرعي في ذلك بالمذهب الإباضي ؟ وما تفسير الآية الثانية من سورة النور . قوله تعالى " الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين . صدق الله العظيم. ولماذا لا يجوز زواجهما، وحالهما كحال رجل دخل بستانا ثم اخذ منه تفاحة بدون إذن صاحب البستان ولكنه تصدق بها ، فأوله حرام وآخره حلال .
الجواب:
حكم زواج الزاني بالتي زنى بها هذه فتوى لسماحة الشيخ أحمد بن حمدالخليلي:
(1/3)
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . أما بعد :
فقد اطلعت على سؤالكم حول زواج الزاني بالتي زنى بها والذي أقوله أن ما ذهب إليه أصحابنا – رحمهم الله – هو القول الأحوط والأقطع لشافة الفساد وهو مروي عن جماعة من الصحابة –رضوان الله عليهم- منهم أم المؤمنين عائشة وابن مسعود والبراء بن عازب فقد روي عن كل من هؤلاء أن من زنى بامرأة ثم تزوجها فهما زانيان أبدا وهو الملائم لقاعدة (من تعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه)
وهذا هو الذي يتفق مع ما أشار إليه الكتاب العزيز من روح العلاقة الزوجية حيث قال تعالى "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها" فالعلاقة الزوجية سكون وطمأنينة وأنى يسكن قلب رجل أو امرأة إلى من بلاه بنفسه وقاسمه الفحشاء ؟ أتعزب عن أحدهما تلك الساعات الماجنة التي انغمسا فيها جميعا في حمأة الرذيلة وتعاطيا فيها كؤوس الهوى استجابة لنداء الشيطان ؟ أولا يمكن أن تكون بين أحدهما وبين آخر نفس تلك العلاقة الشهوانية التي كانت بينهما من قبل ؟ أولا تنتاب كلا منهما هذه الوساوس فتقض عليه مضجعه وتؤرق ليله وتشغل نهاره ؟ بلى وألف بلى ولا يماري في ذلك إلا غمر أو غوي .
(1/4)
ولا ريب أن إباحة التزاوج بين الزانيين يفتح باب الفحشاء على مصراعيه عند عباد الشهوات ما دام الأمر ميسورا إلى هذا القدر بحيث يمكن للشاب والفتاة أن يلتقيان في ظل الفحشاء وعلى بساط الشهوات فيستمتعا ما شاء الله ثم يختتما صفحتهما بالزواج وكم من ذئب من ذئاب البشر افترس العديد من الفتيات بمخالب هذا الأمل الخادع فرزأهن في أغلى شيء في حياتهن ثم رفسهن برجله باحثا عن أخريات بعدما كانت كل واحدة منهن تأمل بأن يكون في يوم من الأيام شريك حياتها وفارس أحلامها . فإذا بهذا الأمل الحلو الذي كان يداعب خيالها باستمرار يتحول إلى ألم مر وهم يملأ جوانب الصدر يقض عليها ليلها بعد أن رزأها في كرامتها وخلف في حشاياها جنينا إما أن يواجه الدنيا منبوذا هجينا وإما أن تكون نهايته الوأد في مصحات الإجهاض . أوليس مثل هذا القول الصارم هو الترياق النافع لمثل هذا التلاعب بالأعراض والتغرير بأمثال هذه الفتيات الأغمار ، خصوصا في هذا العصر الذي استشرى فيه داء الفساد ففتك بالفضيلة وأمات الأخلاق؟
على أن باب سد الذرائع من أبواب الفقه الواسعة التي تتسع لكثير من القضايا ، وقد ولج منه كثير من الفقهاء منذ الصدر الأول لعلاج كثير من المشكلات . هذا ومما يجب أن لا يعزب عن البال أن الرابطة الزوجية رابطة مقدسة يجب أن لا يحوم حولها دنس وأن لا تلتصق بها ريبة ، وفي مواقف السلف الصالح العديدة من القضايا ما يؤكد ذلك.
ففي موطأ الإمام مالك أن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- فرق بين رجل وامرأة تزوجها واقترن بها قبل انسلاخ عدتها وقال "لا يجتمعان أبدا"
(1/5)
وقد أخذ هذا مالك والليث والأوزاعي ونص ما في الموطأ من حكم عمر في ذلك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن سليمان بن يسار أن طليحة الأسدية كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها فنكحت في عدتها فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة ضربات وفرق بينهما ثم قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- "أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوج بها لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الزوج الأول ثم كان الآخر خاطبا من الخطاب وإن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الآخر ثم لا يجتمعان أبدا"
وذكر العلامة أبو الوليد الباجي في شرحه "المنتقى" على موطأ مالك أن القول بتأبيد تحريم المدخول بها في العدة على الداخل بها قاله أيضا أحمد بن حنبل واستدل له الباجي بحكم عمر –رضي الله عنه- وأتبع ذلك قوله : وكانت قضاياه تسير وتنشر وتنقل في الأمصار ولم يعلم له مخالف أنه إجماع . قال القاضي أبو محمد : وقد روي مثل ذلك عن علي بن أبي طالب ولا مخالف لهما مع شهرة ذلك وانتشاره وهذا حكم الإجماع .
وليس هذا فحسب بل لمالك قول بتحريمها عليه ولو دخل بها بعد العدة وهو منصوص عليه في المدونة بل حكى ابن الجلاب عنه أنها تحرم عليه بمجرد العقد نقل ذلك القرطبي
وإن كان هذا الحكم في وطء بني على عقد وإن كان غير صحيح بل في نفس العقد غير الجائز فما بالك بالزنى الصريح أليس أحق بالحرمة الأبدية مع لزوم الحد الشرعي به ؟
وقد علمت أن عمر –رضي الله عنه- لم يقم الحد الشرعي على اللذين فرق بينهما فرقة أبدية لتزاوجهما في أثناء العدة بل اكتفى بتعزيرهما للشبهة الحاصلة . وقد ثبت عن النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال في المتلاعنين "لا يجتمعان إلى يوم القيامة" وإذا كان هذا الحكم في اللعان مع إمكان أن تكون المرأة بريئة فكيف بالزنى ؟
(1/6)
أما ما يروى من أن : أوله سفاح وآخره نكاح . فهو محكي عن ابن عباس –رضي الله عنهما- وليس عن عائشة والله أعلم بصحته فالأولى أن يحتمل على ما لو زنى رجل وامرأة في جاهليتهما فإن زناه بها لا يحرمها عليه في الإسلام لأن الإسلام جب لما قبله وعلى أي حال فإنه قول موقوف على صحابي خالفه غيره من الصحابة فلا تنهض به حجة . وحديث " لا ينكح المجلود إلا مثله" لا يقتضي بحال حصر النكاح في الذي جلد بسببه حتى يعد دليلا على جواز نكاح الزاني للمزني بها وإنما يعني أن المحدود على الزنى ليس كفءا لغير المحدودة.
وأما قياس الزنى على السرقة من البستان فكما لا يحرم على السارق شراء البستان الذي سرق منه لا يحرم كذلك على الزاني أن يتزوج مزنيته فهو قياس فاسد للبون الشاسع بين الأصل والفرع فإن الإنسان لا يحرم عليه امتلاك بستان سرق منه أبوه أو ابنه ويحرم عليه تزوج المرأة التي زنى بها أحدهما ويجوز له أن يمتلك بستانا كان ملكا لأبيه أو ابنه ولا يجوز له أن يتزوج من كانت حليلة لأحدهما .
هذا والزنا المحرم هو الذي يجب به الغسل ويثبت به الحد الشرعي وهو غيبوبة الحشفة أو مثلها من فاقدها في فرج المرأة والله أعلم. انتهت فتوى سماحة الشيخ المفتي يحفظه الله ويرعاه .
وبجانب ذلك أنقل إليكم هذا الكلام النفيس الذي سطره يراع المفكر الكبير على يحيى معمر في كتابه القيم ( الإباضية في موكب التأريخ ) من ص 111 - 114 ونص كلامه :
(
(1/7)
لقد كانت طبيعة الحياة في الأمة المسلمة لا تبيح للمرأة أن تختلي برجل أجنبي عنها ، ولا تبيح لرجل أن يختلي بامرأة أجنبية عنه، وذلك خوفا من الفتنة، لأن الدوافع الجنسية قد تتغلب على النفس عند الرجل وعند المرأة وهما مختليان، فيصلان إلى المحذور ويقع السوء الذي منه يحذران، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال ( إياكم والخلوة بالنساء والذي نفسي بيده ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ) وفي رواية ( دخل الشطان بينهما ) وروي عنه صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس بينه وبينها محرم )
ولكن واقع الحياة كثيرا ما يجعل المرأة في طريق الرجل أو الرجل في طريق المرأة ،بضرورة من الضرورات، فيلعب الشيطان بينهما دوره، ويحاول أن يخدعهما عن نفسيهما، ويمهد لهما سبيل اللقاء الأول، ويبسط لهما وسائل العذر لارتكاب الفاحشة ، فيمنيهما بأن يربط بينهما عرى الزواج في المستقبل، فيعد الرجل المرأة بالزواج، ويغريها بالأحلام الضاحكة، من تكوين العش والأسرة، والهناء المنزلي القار، حتى تطمئن إليه، ويخيل إليها أنها ستبدأ مكانها الجديد ، وأنها قربت من تحقيق الحلم العذب، فتسلم إليه نفسها، وتتم لعبة الشيطان قبل أن يتم الزواج .
وأمثال هذه الحالة موجود وكثير، وفي اغلب الأحيان لا يكون الرجل جادا في وعده للفتاة بالزواج، وقد يكون جادا، ولكن ظروفا أخرى لا يملك السيطرة عليها تحول دون ذلك الزواج، وينتج عن ذلك خسران في الدين وفضيحة في المجتمع ، وضياع لفتاة يمكن أن يصان شرفها بشيء من الحكمة ، وتعالج بعض المذاهب الإسلامية هذه المشكلة بفرض إتمام الزواج بين الفتى العابث والفتاة المخدوعة .
(1/8)
وفي هذا العصر الذي انطلقت فيه الفتاة - دون رعاية أحد - في معترك الحياة ، ودعتها أساليب المدنية الغربية أن تتعرف على الرجل، وان تعيش معه وان تختبر أخلاقه لتصطاد منه زوجا تعيش معه، فكانت هي الفريسة الأولى للصائدين، وفي هذا العصر كثرت المشاكل الناجمة عن هذا الانطلاق والاختلاء، واستعصت على جميع الحلول التي يضعها فلاسفة الغرب، ورأى بعضهم فرارا من حل المشكلة بالطرق الإنسانية، فحاول أن يحلها بالطرق الحيوانية ، وذلك بالاستسلام لها، واطلاق الغريزة تعمل عملها، وتهوين أمر الفاحشة ،وعدم حسبانها إثماً تلام عليه الفتاة أو الفتى .
وقد ابتلى الوطن الإسلامي بهذا الداء، فأصبحت الفتاة في بعضه منطلقة هذا الانطلاق الكامل مع الشيطان، وفي بعضه الآخر تدفع بشدة كما تدفع الشاة إلى المسلخ ، لتلحق بأختها .
ولقد درس الإباضية هذه المشكلة منذ خير القرون، وانتهوا فيه إلى رأيهم الذي ينفردون به فيما اعرف ، فحرموا الزواج بين من ربطت بينهما علاقة إثم ، وقد كانوا في تحريمهم لهذا الزواج يستندون إلى روح الإسلام الذي يحارب الفاحشة .
روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال ( أيما رجل زنى بامرأة ثم تزوجها فهما زانيان إلى يوم القيامة ) وهذا الحكم - حكم تحريم الزواج بين من ربطت بينهما فاحشة بطريق من الطرق - يغلق باب الخدعة أمام الشيطان وأمام الإنسان ، فلا يستطيع بعدها أن يأتي الرجل على امرأة فيغرر بها ويخدعها عن نفسها ، ويزعم لها أنه سوف يتم فعلته الشنيعة بالزواج .
(1/9)
وهذا الحكم ينير الطريق أمام المرأة ، فيجعلها تعرف الصادقين من الكاذبين من الناس الذين يتصلون بها ، وكل من حاول أن يسبق الحوادث ويصل معها إلى نتائج الزواج قبل الزواج فهو كاذب أثيم، وخادع لئيم، يحق لها أن تفر منه ، وتبتعد عنه ، أما الرجل الذي يحترم فيها خلقها، ويصون لها عفافها ، ويحافظ على شرفها في نفسه فهو الرجل الصادق ، الذي يريد حقا أن يبني عش الزوجية ويحيا الحياة الكريمة .
ولو كان هذا الرأي - يعني تحريم زواج الزانيين - هو رأي جميع فرق الأمة وهذا الحكم حكمها لقل انحراف الفتاة عن القصد ، واستمسكت بطهرها وعفافها، ولم تتعد حدود البراءة ، اللهم إلا من فقدت الحياء، وأعدت نفسها لتحيا حياة دعارة وبغاء لأنها إذا كانت تعرف أنها سوف تحرم على الرجل الذي تَزِل معه ، وتحرم منه ، فلا يمكنه أن يتزوجها لأن الدين يحرم هذا الزواج ، فهي سوف تفكر كثيرا قبل أن تتساهل في أمر نفسها ، ثم هي تعلم انه لا يمكن أن يقدم على الزواج منها أحد آخر ، ومن ذا الذي يقدم على الزواج من امرأة لها ماضٍ أثيم ؟؟؟!!!!!
لقد عالج الإباضية موضوع التغرير بالفتاة قبل أن تقع في المشكلة .
فتأمل أيها القارئ الكريم هذا الرأي ، وزنه بميزان الشرع القويم، وميزان العقل الحكيم ، وميزان التفكير السليم ، وإن شئت فأضف إلى ذلك القاعدة الهامة التي وضعها الإمام العظيم مالك بن أنس للمعاملات، واشتهرت في كتب الفقه ( بباب سد الذرائع ) انتهى كلام المفكر الإسلامي علي يحيى معمر رحمه الله
ولا شك بأن هذا الكلام الذي تقدم لا يحتاج إلى تعليق لأنه البلسم الشافي لهذا الأمر الخطير ، فتأملوه أخوتي الكرام تجدون فيه البلسم الشافي والدواء الناجع لكل ما نعانيه اليوم .
والرسول صلى عليه وسلم يوصي من أصاب شيئا من هذه الذنوب فلم يطلع عليه أحد أن يستتر بستر الله ، يقول ( من أصاب منكم شيئا من هذه القاذورات فستره الله فليستتر بستر الله )
(1/10)
وفي الختام فباب التوبة مفتوح للجميع لكي يصلح عمله مع ربه فان الله يغفر الذنوب جميعا .
ولكن مهما تاب الزانيان من زناهما فلن يطمئن كل واحد منهما إلى الآخر ، والزواج إنما جُعل من اجل المودة والرحمة وأين المودة والرحمة مع هذه الخيانة، فليذهب كل واحد في طر يقه ، وليصلح ما بدر منه ، عسى الله أن يعفو عنه وأن يتوب عليه انه هو الغفور الرحيم
ومعذرة على الإطالة ، وعسى أن تكون فيها الفائدة المرجوة ، والسلام .
حكم زواج الرجل بامرأة فعل كل شئ معها عدا الفاحشة:
سؤال الشوك:
متى تحرم المرأة على الرجل ، هل بالملامسة والمحاضنة والمفاخذة والتقبيل الذي يؤدي إلى إنزال المني؟ أم يشترط لتحريم زواجهما أن يعاشرها معاشرة الأزواج ؟
الجواب / سئل الإمام السالمي رحمه الله في أجوبته ج2/472 هذا السؤال:
س/ رجل نظر إلى عورة امرأة عمداً إلّا الفرجين ، أيجوز لها تزوجها ؟
ج/ إذ لم ير شيئاً جاز له تزويجها ، وعليه التوبة من النظر وإن أمكنه التنزه عنها فحسن ، والله أعلم
وسئل رحمه الله :
س/ البالغ إذا نظر من صبية موضع إنبات شعر العانة عمداً ابداً شهوة نهاراً ، هل يحرم عليه نكاحها حتى ينظر إلى الفرج نفسه بشهوة ؟
ج/ لا يُحرِّم التزويج إلا نظر موضع الجماع عمداً بشهوة ، والله أعلم.
وسئل أيضاً :
س/ من نظر إلى فرج صبية من غير مس ، وكذلك إن مس ولم يعلم أنها تفسد عليه إن نظر ومس لقلة علمه ، فأراد أن يتزوج بها ، فهل له رخصة بالتزويج أم الواجب عليه المنع ؟
ج/ الرخصة في ذلك موجودة ، والإحتياط في أمر الفروج أحسن ، والله أعلم. اهـ.
وجاء في كتاب "تمهيد قواعد الإيمان" ج10/110 من ضمن المسائل الواردة في كتاب "لباب الآثار":
س/ ما تقول في قول الشيخ ابن النظر حيث يقول :
فمن مسَّ فرجاً أو رآه تعمداً *** فهو كمن يغشاه عمداً وينكح
(1/11)
هذا أظنه معناه : إذا فعل ذلك عامداً في الفرج بعينه ، وأما إذا مسه من وراء ثياب ولم يحس بالفرج لم يحرم عليه تزويجها.
وأما من يعاتق امرأة فلا أظن أن تزويجها يحرم عليه ولو أولج إحليله بين الفخذين وأمنى ، إذا كان عليها لباس.
عرفني بصحة ذلك وصوابه ، والحلال من ذلك وغير الحلال ؟
ج/ لا يحرم عليه تزويجها إلا إذا لامس بالذكر على وجه الجماع قصداً أو حكماً ، وفيه قول ثانٍ بالترخيص ، ولا يحرم تزويج من عانقها على صفتك المذكورة ، والإثم قد تحمله على عنقه ، وكفى به خزياً. اهـ.
ومن مجمل هذه الأجوبة يتضح الآتي:
حرّم بعض العلماء نكاحها إذا نظر إلى فرجها فقط ، ولو عانقها وقبلها فلا حرج عليه في الزواج بها.
ومنهم من قيد حرمة الزواج بها بأن يمس فرجها بيده دون النظر.
ومنهم من فرق بين النظر العمد وغيره ، فمنع الزواج بها في حالة العمد دون الخطأ.
ومنهم من ترخص فيما دون الفاحشة ، فلو قبَّلها أو ضمها ولمس فرجها ثم أمنى ، فلا حرج عليه أن يتزوج بها بعد ذلك ، والإثم قد تحمله على عنقه.
وعلى القول بجواز تزواجهما ، فإن نفسه لن تسكن إليها وكذا العكس لأنها ستتذكر ما وقع منه معها ، فلا تأمنه أن يفعل مع غيرها كما فعل معها.
وكذا هو لن يطمئن معها ، إذ أنه سيقع في نفسه بأنها كما أمكنته من نفسها بهذه المقدمات من قُبل ومعانقة ، فلن تتحرج في أن تمكِّن غيرها كما مكنته هو من نفسها.
والزواج إنما جعل من أجل المودة والرحمة ، وأين المودة والرحمة والحالة هذه ؟‍! ولذلك قال الإمام السالمي رحمه الله :
وإن أمكنه التنزُّه عنها فحسن ، والله أعلم.
سؤال الأخ علاء الدين:
ألا ترون أن قول القائلين بأن الصوم لا ينتقض بالمعاصي من شأنه تهوين أمرها والعياذ بالله؟؟
فنرجو إزالة اللبس الحاصل وشكرا.
(1/12)
الجواب / وردت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بنقض الصوم بفعل المعاصي، من ذلك ما رواه الامام الربيع رحمه الله بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الغيبة تفطر الصائم وتنقض الوضوء ) وقوله عليه الصلاة والسلام ( ولا صوم الا بالكف عن محارم الله ) رواه الربيع ،وقوله صلى الله عليه وسلم ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه ) رواه البخاري .
وقد سئل الشيخ العلامة سعيد القنوبي حفظه الله هذا السؤال :
ما حكم من كذب في نهار رمضان ؟
فأجاب حفظه الله :
اختلف العلماء في نقض الصوم بالمعاصي وذلك كالكذب والغيبة والنميمة ونحوها، فقال قوم : بأن المعصية تنقض الصوم ، وذلك لحديث ابن عباس رضوان الله تعالى عليهما ، وهو عند الامام الحافظ الحجة الربيع بن حبيب رحمه الله تعالى ، أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال ( لا ايمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له، ولا صوم الا بالكف عن محارم الله ) .
وقد جاء ايضا في مسند الربيع رحمه الله تعالى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( الغيبة تفطر الصائم وتنقض الوضوء ) .
وقد استدل بعضهم على ذلك برواية تروى ولكن لم تثبت ( ان الكذب والغيبة والنميمة والأيمان الفاجرة والنظر بشهوة يفطرن الصائم وينقضن الوضوء ويهدمن الاعمال هدما ، ويسقين اصول الشر ) ولكن هذه الرواية لم تثبت .
نعم ، قلت : حديث ( لا صوم الا بالكف عن محارم الله ) دال بعمومه على ان المحرمات ناقضة للصوم، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( لا صوم ) والأصل في النهي ان يتوجه الى ذات الشيء ان امكن حمله عليه، فإن لم يمكن ان يحمل على الذات حُمل على اقرب المجازين وهو الحقيقة ، اما ان يحمل على ابعد المجازين فمما لا يجوز الا اذا دل دليل صحيح على ذلك .
(1/13)
ثم الحديث الآخر ( الغيبة تفطر الصائم وتنقض الوضوء ) دليل على ان الغيبة وهي من المحرمات بالطبع تفطر الصائم، وما عدا الغيبة محمول عليها من باب القياس .
وقد اختلف العلماء في نقض الصوم بالمعاصي، فقيل : بالنقض، وهو الحق لما علمتم من دلالة الأحاديث عليه ، وقيل : بأنها لا تنقض، وقيل : بأن الكبائر تنقض الصوم والصغائر لا تنقض الصوم، وبعضهم قال بالنقض ببعض الأنواع وترك البعض الأخر، وبعضهم قال بالنقض بالغيبة، وبعضهم زاد عليها النميمة، وبعضهم زاد على ذلك الكذب، وزاد آخرون الأيمان الفاجرة، وزاد آخرون النظر بشهوة . انتهى جواب العلامة القنوبي حفظه الله .
ومن هنا نعلم بأن كبائر الذنوب ناقضة للصوم، محبطة للثواب ، وذلك لأن شهر رمضان شهر معظم، عظمه الله تعالى ، فله حرمته ولا يجوز ان يدنس بأمثال هذه الأدناس، لذلك يعظم الجرم في رمضان، في مقابل مضاعفة الأجور للطائعين .
فإن معصية في رمضان ليست كمعصية فيما سواه من الشهور، كما ان ارتكاب معصية في حرم الله مكة المكرمة ليس كارتكاب ذلك في مكان عادي، والله قد قال في حق اولئك ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب اليم ) وكذا معصية رمضان فإن وزرها اعظم، وعقوبتها اشد .
وان استمراء اتيان المعاصي في رمضان - كما يقول السائل - من شأنه تهوين امر الصيام، والاستهانة بحرمته، وذلك بدعوى أن المعاصي لا تنقض الصيام، كما اطلعتُ على سؤال تقدم به شاب يسأل عن فعل العادة السرية ( الاستمناء ) في نهار رمضان ، فقال له المجيب : لا تفعلها في نهار رمضان، ولكن ليس عليك حرج ان فعلتها في ليل رمضان .
(1/14)
فأي مصيبة اشد من هذه المصيبة، نعم انَّ فعل المعصية في ليل الصيام لا يؤدي الى النقض، ولكنه استهتار بحرمة رمضان، ويمنع قبول الصيام، فكيف يكون العبد في طاعة ومعصية في نفس الوقت، هيهات لا يجتمعان ابدا ، فهل يستوي من قضى نهاره مكباً على كتاب الله ، يفعل الخير ويسارع الى الصالحات، فإذا اظلم ليله وجدته ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه .
مع من قضى سحابة نهاره ينظر الى العورات في المسلسلات والمجلات ،ويستمع الى الملهيات، ولا يتورع عن غيبة ونميمة وكذب، فإذا اظلم ليله افطر بما حرم الله من الدخان والمسكرات، ثم اسهر ليله في العربدة والفساد، هل يستوي هذا مع ذاك ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون انما يتذكر اولوا الالباب ) ، ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون ) ، ( ام نجعل الذين آمنوا وعملو الصالحات كالمفسدين في الارض ام نجعل المتقين كالفجار ) كلا والله لا يستوون .
اما اصحابنا اهل الحق والاستقامة رضوان الله عليهم فقد قطعوا شأفة الفساد من اساسه، فأفتوا بنقض الصيام بكبائر المعاصي والآثام، وقد ادرك خطورة هذا الأمر بعض علماء الأمة من غير مذهبنا، فنوَّهوا بحزم أهل الحق والاستقامة في مثل هذا الامر، وتمنوا لو ان علماء الأمة قاطبة أخذت بقول الاباضية في نقض الصيام بالمعاصي .
جاء في الحق الدامغ ص 227 حاشية ( وقال لي مثل هذا الشيخ محمد بن زكي بن ابراهيم رائد العشيرة المحمدية بمصر : ليتنا أخذنا بآرائهم في اعتبار الغيبة والنميمة مفطرة للصوم ناقضة للوضوء ) اهـ . مراجعه ابو الحسن .
سؤال الأخ الوعد المشرق:
3. رجل أحب امرأة في الله ولكن أب الرجل لم يرضى بالزواج بسبب أن أب المرأة سكّار!! مع العلم بأن المرأة مّتدينة ومتعلمة و مثقفة! فبما تنصحونه؟؟
هل يلجأ إلى المحكمة ويتزوجها ويرمي كلام والدها وراء ظهره لأنه يعلم بأن سعادته مع تلك المرأة ؟؟ و ما حكم الإسلام في ذلك؟
(1/15)
الجواب / لا شك بأن المصاهرة هو رباط أسرتين قبل أن يكون رباط شخصين ، فلعل والدك اطلع على ما لم تطلع عليه ، فأحب لك أن لا ترتبط بهذه الأسرة.
ولا شك بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى ، فإن كانت المرأة على ما وصفتها من التدين والخُلق ، فلا مانع من الزواج بها ولكن أنصحك بأن تستخير الله ، بأن تصلي ركعتين وتدعو بدعاء الاستخارة ، فإذا انشرح صدرك للزواج ، فعليك بمناصحة والدك بالحسنى والحكمة ، وتقنعه بآراك ومشاعرك تجاه هذه المرأة الصالحة.
ولا أظن أن والداً سيقف حجرة عثرة في طريق سعادة فلذة كبدة ، ولكن عليك بالكلام الطيب ولين الحديث مع التبجيل والتقدير والاحترام ، وادعُ الله ، وسيتيسر أمرك بمشيئة الله.
ولا أنصحك باللجوء إلى المحاكم لما في ذلك من عواقب تخشى من القطيعة والبغضاء ، والله يوفقك لكل خير.
حكم الحديث مع المخطوبة بالهاتف:
1. هل يجوز التحدث مع الخطيبة بالهاتف في نهار شهر رمضان ؟ علما بأنه لم يتم عقد القران بعد و إنما خطبة بين الأهل فقط
الجواب / بما أنه لم يعقد عليها العقد الشرعي فهي امرأة أجنبية عليه ، يعاملها معاملة الأجنبية ، وقد سئل سماحة الشيخ عامة عن محادثة المرأة الأجنبية بالهاتف إن كان بقصد النصح والإرشاد فأجاب سماحته:
" مع امن الفتنة ، وكون الحديث بريئاً ، حديث حق ، لا يمنع من ذلك ، فأمهات المؤمنين رضي الله عنهن مع ما فرض الله سبحانه وتعالى عليهن من مضاعفة القيود في معاملتهن مع الناس ، كن يتحدثن إلى المؤمنين من وراء حجاب ، ويتلقون عنهن العلم" اهـ.
إذن يُفهم من ذلك بأن الحديث البريء لا بأس به مع:
التزام الحشمة والعفة والتصون عند الحديث.
وكذا إن أدَّى إلى مشاكل بين الأسرتين ، كعدم رضاهم بمحادثة ابنتهم في الهاتف ولو كان خطيبها ، ولا شك بأن الإنسان مأمور بأن يدفع عن نفسه الريب والتهم.
(1/16)
ولا يصح بحال من الأحوال أن يفكر فيها تفكيراً جنسياً ، فضلاً أن يأتي بالعبارات التي تصرّح بذلك. وشهر الصيام له حرمته ، فمن كان يتأثر بكلام مخطوبته أثناء صيامه ويخشى على نفسه شيئاً من المحظور كالانزال.
سؤال الأخت الزهراء:
يشتكي كثيرا من طلبة العلم من سوء تنظيم الوقت وكذلك من عدم وجود آلية صحيحة وناجحة لطلب العلم فما هي نصيحتكم واقتراحاتكم في الأتي:
كيفية تنظيم الوقت واستغلاله مع وضع خطة عملية لهذا الأمر وكذلك ما هي أفضل وأحسن طريقة لطلب العلم الشريف؟
ملاحظة: سؤالي أعلاه يشمل العلوم الشرعية والتخصصات العلمية والأدبية كذلك.
الجواب /
العلم للانسان كالروح للجسد ، فلا حياة للجسد بلا روح ، ومن هنا يأتي دور العلم الذي يرسم المسار الصحيح للانسان الناجح ، وإلا كان احدنا كحاطب ليل ، يسير في عمى ، ويدعو بغير هدى . فالعلم واجب على كل احد ، وقد اثنى الله على العلم والعلماء بنصوص كثيرة معلومة .
* أما الآداب التي ينبغي لطالب العلم - سواء العلم الديني او الدنيوي -أن يتحلى بها ، فنكتفي بقول الشاعر حيث جمعها في قوله :
يا طالب العلم باشر الورعا *** وجانب النوم ، واترك الشبعا
واظب على الدرس لا تفارقه *** فالعلم بالدرس قام وارتفعا
1. الإخلاص والورع : وهما سر نجاح العباد وخاصة طالب العلم ، فما ايسر العلم إذا جيء من هذا الطريق ، وما أعسره إذا لم يحقق طالب العلم هذا الشرط
يقول العلامة أبو مسلم :
فيا طالب الله ائته من طريقه *** وإلا فبالحرمان أنت جدير
ويقول :
فاطلبه لله يفتحه بلا تعب *** لا تحتجز غير ما يرضى به طمعا
فما كان لله فهو لله ، وما كان لغيره فلا خير فيه وهو وبال عليه .
يقول أبو مسلم رحمه الله :
كأيَّ رأينا عالما ضل سعيه *** وضل به جم هناك غفير
معارفه بحر ويصرف وجهه *** إلى الباطل الخذلان وهو بصير
(1/17)
فلا عبرة بكثرة العلوم ما لم تقترن بمخافة الله والإخلاص له ، لذلك ينبغي أن يُطلب العلم لا لآجل الشهادة ( ماجستير- دكتوراه ) وهو خلو من العلم أو أن يطلب بعلمه منصبا أو جاها ،وإلا كان حاله كعالم بني إسرائيل الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين .
وعلى طالب العلم أن يحذر الشبهات وأن يتورع عن اّلريب ، وأن يعلي نفسه ويتلبس بمعالي الأمور ،فإن حامل القرآن والعلم هو حامل لراية الإسلام لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو ولا أن يسهو مع من يسهو .
2. التواضع : فطالب العلم إن لم يزده علمه تواضعا لله ولعباد الله فلا خير فيه ولا خير في علمه ، وبهذه الخصلة ارتفع العلماء المخلصون ،فهم أنوار الحقيقة وبدور الحق رغم خفاء أسمائهم عن الناس .
عليها خدور من غبار غباوة *** ولكنها تحت الخدور بدور
3. المواظبة على الدروس ليل نهار ، فليس ينال العلم بالتمني وإنما بالجد والاجتهاد ، وبقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى :
وإذا كانت النفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجسام
والأيام يومان يوم راحة ويوم عناء، فمن استحب الراحة في دنياه تعب في أخراه ،ومن تعب هنا نال المنى في عقباه،فالمسلم لم يخلق للنوم والدعة والكسل ، وقضاء شهواته ونزواته ، بل هو يسعى لأمر خطير وخطب جليل :
دعيت لأمر ليس بالسهل فاجتهد *** وسدد وقارب والطريق منير
وأسس على تقوى من الله توبة *** نصوحا على قطب الكمال تدور
** أما بداية تحصيل العلوم :
فإنه يراعي جوانبه العقلية من حفظ وفهم وذكاء ،وينظم وقته ،فإذا حدد وجهته ، واختطّ له نظاما يسير عليه ، فليراع ِ الآتي :
1. ان يبدأ فيما كان يحتاج الى الحفظ كالقرآن الكريم وغيره من النصوص الادبية وما شاكلها، مستعينا بشتى الوسائل المساعدة على الحفظ ،ككثرة القراءة والسماع والتكرار.
ويكون ذلك في وقت نشاطه وحيوته وخاصة بعد صلاة الفجر، او بعد صلاة العصر بعد ان تكون النفس قد اخذت قسطا من الراحة .
(1/18)
ويخصص له وقتين : وقتا للحفظ ووقتا للاستذكار مع المواظبة والهمة العالية .
2. لا ينبغي له أن يدخل في علم جديد حتى ينتهي من الذي قبله ، فمثلا اذا بدأ بحفظ القرآن الكريم فانتهى منه انتقل إلى غيره من العلوم كمبادئ النحو ثم علم العقيدة فالفقه إلى غيره من الفنون المتنوعة، وكذا يتعامل مع التخصاصات الأخرى .
3. أن يتخصص في فن واحد أو اثنين على قدر استطاعته وميوله ،فيكون فيه مرجعيا متبحرا .
4. يجعل وقت المساء للقراءة والاطلاع ،وعليه أثناء القراءة بالتركيز مع القراءة والفهم الجيد والاستنباط السليم ،وأن لا ينتقل إلى كتاب آخر حتى ينتهي مما سبقه ، مع الاستعانة بالتلخيص ووضع العناصر ليسهل الرجوع اليها .
5. مدارسة ما تعلمه عند أقرانه ،فإن العلم يلقح العقول وبالمدارسة والمناقشة والحوار مع إخوانه يفيد ويستفيد ،ويعرف أخطاءه ،ولن يعرف أخطاءه حتى يجالس غيره .
6. الاطلاع على كل جديد ،وقراءة الصغير والكبير من الكتب ،فإنه ربما يجد في كتاب صغير الحجم ما لا يجده في الكتاب الكبير، مع مطالعة المجلات الهادفة والصحف النافعة والدوريات والنشرات المفيدة .
7. التردد على العلماء وسؤالهم والجلوس في حلقاتهم لأنهم هم أوسع اطلاعا يكشفون الغامض ،ويشرحون المبهم .
8. لا شك بأن العلوم التي تحتاج الى بحث وتجربة ، لا بد ان تقرن بالجانب العملي، فلا بد ان يتوافر على الوسائل التي تعينه على ذلك ، وان يهيأ لها عدتها حتى ينطلق في تخصصه من منطلق عملي واضح ، كما هو الحال في علم الطب والهندسة والفيزياء والميكانيكا والكهرباء وما اشابهها من العلوم .
9. لا بد ان تربط جميع العلوم بالقرآن الكريم لأنه هو منبعها وأساسه، وكثيرا ما اشار القرآن الى جملة من الاعجاز العلمي الذي بهر العقول ، واخبر عن بعض المكتشفات منذ اربعة عشرقرنا .
(1/19)
10.لا بد ان يكون طالب العلم متفتحا على وقائع مجتمعه، ومطلعا على مجريات عصره، من اخبارها واحوالها وتغيراتها، وافراز احداثها، حتى يستطيع ان يستفيد من كل الخبرات، وان يصحح المسار في بعض المبادئ التي لا تتفق مع الدين الحنيف.
اما عن تنظيم الوقت فيكون كالآتي :
1. تقديم الأهم على المهم، فإن العمر قصير، والعلم بحره واسع، فعليه بالعلم الواجب ثم المندوب وهكذا .
2. تنظيم الوقت من قيام بحقوق الله ثم حقوق النفس والأهل والناس ، فلا يجحف بجانب مراعاة لجوانب اخرى، والانسان السوي يكون منهجه وسطا بين الافراط والتفريط ، وهكذا كان فعله صلى الله عليه وسلم .
3. استغلال اوقات نشاط النفس، وترويحها عند كلالها، مع الدأب والاجتهاد ،
فإن للنفس اقبالا وادبارا .
4. استغلال الوقت في تنمية المواهب، فإن الانسان يحمل مواهب كثيرة ، واسرارا عجيبة اودعها الباري فيه، فعليه ان ينمي تلك المواهب، وان يفجر تلك الطاقات، وان لا يهدر طاقاته سدى ، من حسن صوت بالقرآن ، او بالانشاد، او جمال خط، او ابداع جمالي، او موهبة شعريه وادبية، او حفظ وذكاء، او حسن تصرف وسرعة بديهة ، الى غير ذلك من مواهب الله الجمة .
هذا ما استطعتُ كتابته هنا في عجالة، وهو لا يعدو ان يكون رأياً شخصيا، والموضوع يحتاج الى دراسة متأنية لا املكها في هذا الوقت لكثرة الانشغال بأمور اخرى، وارجو من الجميع المعذرة .
........ يتبع بقية اجابة الشطر الثاني من السؤال في وقت لاحق بمشيئة الله .
السؤال الثاني للأخت الزهراء:
كيف تنظرون إلى الأسلوب التحفيظي/التلقيني المنتشر في بلادنا عمان وغيرها من بلدان المسلمين ؟ وهل له مضار خصوصا مع تكاثر المعلومات بشكل هائل في هذا العصر -عصر الإبداع والابتكار في شتى ميادين الحياة-؟ وإذا كنتم ترون مضار لهذا الأمر فما هي الحلول التي تقترحونها لهذا الأمر ؟
الجواب /
(1/20)
الأسلوب التلقيني له مميزات كثيرة ، وفوائد جمة ، وقد مضى عليه السابقون ، ومما يمتاز به :
1. ترسيخ المعلومات في ذهن الناشئة من خلال الحفظ الجيد .
2- التلقي المباشر من الأساتذة ، فما يعين على ضبط النص الذي يلقن على الوجه الصحيح
3- الأسلوب التلقيني خير وسيلة ناجحة لحفظ القرآن الكريم واستظهاره
وما من شك بأني أتفق مع الأخت السائلة بأن هذا النظام وحده في هذا العصر لا يكفي ، ولكن ليس معنى ذلك بأنه نظام أصبح باليا عتيقاً.
لأن الكثير من التعليم النظامي الحديث لا يتيح الفرصة الكافية لزيادة المحفوظ عند هؤلاء الطلاب ، بينما يجدون نهمتهم في أمثال هذه المراكز التلقينية التي تحتل في نفوس الكبار والصغار حيزا واسعا .
ذلك مع مراعاة كون هؤلاء الناشئة في مقتبل حياتهم لا يدركون ما يسمى بالتعليم الذاتي الذي يزخر بشتى المعلومات المختلفة ، ذلك أنه يعتمد على الفهم والإدراك بالدرجة الأولى .
ولكن قضية الحفظ سهلة عليهم خاصة إذا علمنا بأن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر فينبغي مراعاة تلقين الأبناء في هذه المرحلة بقدر كبير من المحفوظ ولو لم يفهموا معناه ، وذلك لأن الفهم سهل أمره ولو في مقتبل العمر ، وصدق من قال :
أراني أنسى ما تعلمت في الكبر *** ولست بناسٍ ما تعلمت في الصغر
وبمقارنة –كما قلنا بالمحصول الذي يخلص إليه طلبة التعليم النظامي مع ما يحفظونه من هذه المراكز يكون البون شاسعا ، وذلك لأن التعليم العام المقيد بفترة قصيرة –أي لما يحفظ- بينما تركز هذه المدارس التحفيظية على كم الحفظ بالدرجة الأولى .
ومن جانب آخر ومع تطور الحياة وكثرة المعلومات فلا بد من الجمع بين الطريقتين ، وذلك حتى تخدم الوسائل الحديثة الطريقة التعليمية ، وما تقوم به مدارس تحفيظ القرآن الكريم الحديثة هو الجمع بين الطريقتين .
(1/21)
وذلك بتسخير الوسائل المختلفة كبرامج الحاسب الآلي .، واللوائح التعليمية والوسائل الحائطية وما شاكلها ، كلها تسخر لأجل ترسيخ المعلومات ، مع التركيز أيضا في نفس الوقت على التلقين والحفظ .
والذي أراه أنه ينبغي أن تسير المراكز الصيفية أو التلقينية على هذا المنوال مع الإمكان ، حتى لا يقتصر على جانب التلقين وحده ، بدون وعي مما يدور في تيارنا المعاصر
وكذلك فإنه من الخطورة بمكان إهمال الجانب التلقيني تماما أو قصره وحده ، فذلك مما يبني أجيالا هشة ، ليس لها من العلم إلا معلومات عامة من هنا وهناك ، أو تجارب اعتمدت على التعليم الذاتي التي تحتمل الخطأ والصواب .
فكيف يكون حال هؤلاء الناشئة إذا ركنت فقط على التعليم الذاتي وحده ، على أن التعليم الذاتي لا يمكن إلا بعد رصيد من المحفوظ حتى يمكن أن يسير عليه ويبني تجاربه وخبراته .
مع عدم إغفالنا للجانب التخصصي في شتى المجالات ، وذلك لا بد أن يقوم على ركيزتين هامتين هما :
1. كمية المحفوظ .
2. التجربة والبحث والإبداع والاختراع
وخلاصة القول لا بد أن يسير التعليم في أي مكان على هاتين الركيزتين ، وإلا لو اقتصر على جانب دون جانب لظهرت سلبياته من أول وهلة .
هذا ما استطعت كتابته هنا ، وهو يعبر عن وجهة رأي فردي لا غير ، فلا يؤخذ إلا بصوابه فقط لا غير
والسلام ..........
أسئلة بو سليمة:-
س1 :- كيف يدعو الإنسان نفسه ويخضعها لأوامر الله ، وخاصة أننا في شهر عظيم؟
الجواب /
يقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) ويقول ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم).
فيبدأ بنفسه أولاً من خلال منهج الله عز وجل، ويراعي في ذلك أربعة أمور:
الواجبات: لابد أن يأتي بها كاهرا بدون استثناء.
المحرمات: لابد أن يتركها جميعًا بدون استثناء وللضرورات مواضعها.
المستحبات: يأتي منها ما استطاع.
المكروهات: يتجنب منها ما استطاع.
(1/22)
ويسمع بعضهم قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه ، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ).
يفهم أنه يأتي من الواجبات ما استطاع ، ويترك الباقي ، وليس الأمر كذلك وإنما ذلك في المستحبات.
إذن الاستمساك بحبل الله هو أول ما ينبغي ، وتكميل النفس بالفضائل هو الأمر الأهم ، وكذلك تجنيبها للرذائل.
وعليه أن لا يستهين بالنوافل، فإن أداء النوافل سبب محبة ال له، كما جاء في الحديث القدسي ( وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمعه به، وبصره الذ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

تواصل معنا

أكثر من 600,000+ يتابعون موقعنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي إنظم إلينا الآن

عن الموقع

author مكتبة أهل الحق والإستقامة <<   مكتبة أهل الحق والإستقامة..موقع يهتم بنشر الكتب القيمة في مختلف الجوانب (فقه..عقيدة..تاريخ...الخ) عند المذهب الإباضية من نتاج فكري.

أعرف أكثر ←

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *