الكتاب : أحكام العيد في الإسلام لعبد الله القنوبي - ب تخرج
ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع
بسم الله الرحمن الرحيم
سلطنة عمان.
وزارة الأوقاف والشّؤون الدّينيّة.
معهد العلوم الشّرعيّة.
بحث التخرج بعنوان:
أحكام العيد في الإسلام
إشراف الدكتور :
راشد ين علي الدغيشي
إعداد الطّالب:
عبد الله بن سالم القنوبي
السنة الجامعية الرابعة: 1427هـ/2006م.
بسم الله الرحمن الرحيم
بحث بعنوان : أحكام العيد في الإسلام
خطة البحث
- تمهيد:-
- المبحث الأول: التعريف بألفاظ العنوان:-
- المطلب الأول: التعريف بالحكم لغة واصطلاحا.
- المطلب الثاني: التعريف بالعيد لغة واصطلاحا.
- المبحث الثاني: أعمال يوم العيد:
- المطلب الأول : سنن يوم العيد( الاغتسال والتزين- التكبير مخالفة الطريق- صلة الأرحام وغيرها).
- المطلب الثاني: زكاة الفطر( حكمها- وقت إخراجها- مقدارها- مستحقيها- حكم إخراجها بعد صلاة العيد)
- المطلب الثالث: صلاة العيد( وقتها- حكمها- مكانها- كيفيتها- على من تجب- الخطبة).
- المطلب الرابع: الأضاحي( وقت الأضحية- السن- كيفية تقسيم الأضحية- هل على الحاج أضحية).
- المطلب الخامس: تحذير من بعض البدع يوم العيد.
- الخاتمة.
- مقدم الخطة: عبدالله بن سالم بن مبروك القنوبي(7\أ)
- المشرف الشيخ راشد بن علي الدغيشي
بسم الله الرحمن الرحيم
الإهداء
إلى والديّ العزيزين اللذين ربياني صغيرا على حبّ العلم
والإقدام عليه كثيرا، ًًومن لا يفتأ القلب يذكرهما حباً ودعاء.
إلى كل من علّمني حرفا فصرت له عبدا.
إلى مشايخي الأعزاء الذين بذلوا الوقت والجهد في سبيل الرقي بالطلاب إلى الخير والفلاح.
إلى كل من قدم لي يد العون و الإرشاد.
إلى كل مسلم غيور يسعى إلى خدمة هذا الدين، وإلى وحدة المسلمين.
وإلى أمتي الإسلامية التي أرغب أن تسير وفق سنن ربها.
إلى كل هؤلاء
أهدي ثمرة جهدي
عبد الله القنوبي
شكر وعرفان
(1/1)
لا يسعني في البداية إلاّ أن أتقدّم بالشكر الجزيل إلى الشيخ راشد بن علي الحارثي، الذي أشرف على بحثي، والذي تحملني بقلبه المنشرح، فقد كان خير مرشد لي في كيفية كتابة البحث.
وأشكر أيضا كل من ساهم في إخراج هذا العمل المتواضع، وأخصّ منهم: سالم بن علي الرزيقي، وسعيد بن سالم الهنائي، وسعيد بن سليم الصبحي، وعلي النوفلي الذين قاموا بمساعدتي في طباعة وتنسيق البحث فجزاهم الله خيرا.
وكذلك لا أنسى شكر قيّمي مكتبة معهد العلوم الشرعية الذين خدموا جميع الطلاب بلا استثناء وهم الإخوة كمال بن مرهون السيابي، ورضوان بن عاشور، وزكي المبسلي، وهيثم بن سليمان الشامسي.
وأشكر كل من وقف بجانبي ولو بالتشجيع على البحث والكتابة فبارك الله فيهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
... الحمد لله الذي خلق الإنسان وشرع له من الأحكام ما فيها بر ومودّة وإحسان، وجعلها من ركائز الإيمان ومن ضمنها أحكام العيد في الإسلام حتّى يسعد الأنام، وتعمّ بينهم الفرحة والوئام والحبّ والانسجام وفق شرع العزيز العلام إلى يوم القيام.
أمّا بعد:
... فقد اقتضى النظام الدراسي بمعهد العلوم الشرعية أن يكون من ضمن مساقاته الدراسية بحث يقدّمه كل طالب في السنة الأخيرة في أيّ موضوع من المواضيع الفقهية أو الدعوية أو طرح مشكلة معاصرة وعرضها وفق الشرع الإسلامي لإيجاد ما يناسبها من حلول شرعية لخدمة الإنسانية في كلّ زمان ومكان، ولمّا كان ذلك من ضمن الدراسة.
... فقد لفت نظري موضوع اجتماعي في غاية الأهمية، ألا وهو أحكام يوم العيد، وما يجب على الناس أن يأتوه في ذلك اليوم السعيد، وما يجب عليهم أن يذروه، ولهذا الموضوع أهميّة كبيرة وتتمثّل في:
1- جهل كثير من المسلمين بالأحكام التي ينبغي الإتيان بها في أيام العيد.
2- معالجة كثير من المخالفات التي تقع أيام الأعياد وفق المنهج الرباني.
... وسبب اختياري لهذا البحث:
(1/2)
1- الرغبة في معرفة ما كتبه فقهاء المذاهب الإسلامية في هذا الموضوع، وخاصة فقهاء المذهب الإباضي، لأنّ العمل عليه.
2- خدمة الفقه الإسلامي، وبذلا ولو كان بسيطا في سبيل هذا الدين المتين.
3- أنّ هذا الموضوع لم يبحث من قبل، وخاصة على المذاهب الخمسة.
... والصعوبات التي واجهتني في الموضوع:
1- تشعب الموضوع وكثرة مسائله، وكثرة الاختلاف فيه.
2- عدم وجود مراجع اختصت بذكر المخالفات التي تقع يوم العيد، والعلاج لها.
3- عدم وجود أقوال بعض المذاهب في كثير من المسائل مما جعلني أن أعاني في الحصول على المعلومة.
... فقد بحثت هذا الموضوع وأحكامه من كتب الفقه الإسلامي على المذاهب الخمسة وهي الإباضية والشافعية والمالكية والحنابلة والحنفية، وكذلك من استقراء الواقع الذي يعيشه الناس، وما يقومون به أيام العيد من أفعال سواء أكانت موافقة للشرع أو مخالفة له،وكذلك ما عليه عادات الناس وتقاليدهم في المجتمع العماني أيام العيد. وقد استفدت استفادة بسيطة من كتاب: فلسفة العيد وفقهه لخميس بن راشد العدوي في تعريف العيد اصطلاحا؛ لأنّي لم أجد له تعريفا عند فقهاء المذاهب، وكذلك سنة زيارة الأرحام يوم العيد.
... لذا فقد قسمت البحث إلى أربعة فصول:
الفصل الأول: التعريف بالمصطلح (أحكام العيد).
المبحث الأول: التعريف بالحكم لغة واصطلاحا.
المبحث الثاني: التعريف بالعيد لغة واصطلاحا.
الفصل الثاني: سنن العيد وزكاة الفطر.
المبحث الأول: سنن يوم العيد.
المبحث الثاني: زكاة الفطر (حكمها، على من تجب، وعمّن تجب، وممّا تخرج زكاة الفطر، وقت إخراجها، حكم تقديم زكاة الفطر وتأخيرها، مقدارها، مستحقيها).
الفصل الثالث: صلاة العيد والأضحية.
المبحث الأول: صلاة العيد (حكمها، وقتها، مكانها، كيفيتها، اجتماع العيدين، الخطبة فيها).
(1/3)
المبحث الثاني: الأضحية (حكمها، وقتها، أسنان الأضاحي، أفضل الأضاحي، سلامة الأضاحي، الاشتراك في الأضحية، تقديم الأضحية، هل على الحاج أضحية).
الفصل الرابع: بعض المخالفات التي يقع الناس فيها يوم العيد.
خاتمة جمعت فيها خلاصة هذه المطالب.
... وأسأل الله أن يوفقنا لما يحبّ ويرضى، وأن ينفع به المسلمين، والحمد لله ربّ العالمين.
- - - - - - -
الفصل الأول: التعريف بالمصطلح (أحكام العيد)
تمهيد:
التعريف مدخل إلى كل شيء، وهو المفتاح الذي يدخل به إلى الموضوع، حيث إنّه يعطي التصور الصحيح للموضوع، ولأنّ الحكم على الشيء بدون علم وتصور يؤدي إلى عدم الاهتداء إلى الحكم الصحيح، ومن هنا جاءت أهمية هذا المبحث.
المبحث الأول: الحكم لغة واصطلاحا
المطلب الأول: الحكم لغة
مصدر حكم يحكم، (واسم الفاعل حاكم واسم المفعول محكوم).
وهو بمعنى العلم والفقه: يقول الله تعالى: {وآتيناه الحكم صبيا} (1) أي علما وفقها.
وهو بمعنى الرجوع والمنع: تقول العرب: حَكَمْتُ وأحْكَمْتُ وحَكَّمْتُ بمعنى منعت, ورددت, ومن هذا قيل للحاكم بين الناس: حاكم لأنه يمنع الظالم من الظلم, والحاكم: منفذ الحكم, والجمع حكَّام وهو الحَكَم وحاكَمَهُ إلى الحَكَم: دعاه (2) .
ويأتي بمعنى القضاء: يقال: حكم عليه بالأمر حكما وحكومة وبينهم كذلك (3) .
يتبين من خلال التعريف اللغوي, أن الحكم يأتي بعدة معان وهي: العلم، والفقه، والقضاء، والرجوع, والمنع.
والمنع هو الأصل اللغوي للحكم, تقول: حكمت عليه بكذا أي منعته عن كذا. فالحكم يمنع الإنسان من ارتكاب ما نهى الشرع عنه.
المطلب الثاني: الحكم اصطلاحا
الحكم عند الأصوليين:
__________
(1) - سوره مريم: 12.
(2) - لسان العرب, ابن منظور (ط1، 2000م، دار صادر، بيروت لبنان) 4/184. بتصرف.
(3) - القاموس المحيط, مجد الدين محمد الفيروز أبادي (د.ط،ت، دار الجبل)، 4/99.
(1/4)
أثر خطاب الله كالوضع, والتخيير, والإيجاب (1) .
وقال الزركشي:الحكم خطاب الشرع, المتعلق بفعل المكلف بالاقتضاء أو التخيير (2) .
وعرفه عبد الوهاب خلاف بأنه: خطاب الشارع, المتعلق بأفعال المكلفين, طلبا, أو تخييرا, أو وضعا (3)
من خلال هذه التعاريف, يتبين أن التعريف الأول, أقوى في الدلالة على الحكم لأنه:
قيد الحكم بأثر الخطاب. وخطاب الشارع يشتمل على أخبار, وأمثال, وقصص, وغير ذلك, بينما أطلق الحكم في التعاريف الأخرى.
الحكم عند الفقهاء:
عرفه ابن عابدين: بأنه ما ثبت بالخطاب كالوجوب, والحرمة (4) .
مثل قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} (5) , فهذا خطاب من الشارع, وأثره وجوب الصلاة, وقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} (6) . فهذا خطاب من الشارع, وأثره حرمة الزنا.
وهناك علاقة بين التعريف الأصولي, والتعريف الفقهي؛ حيث إنّ الأثر ناتج عن الخطاب؛ فالآيات في الأمثلة السابقة خطاب من الشارع, نتج عنه أثر وهو وجوب الصلاة في الآية الأولى, وحرمة الزنا في الآية الثانية, وهكذا.
المبحث الثاني: العيد لغة واصطلاحا
تمهيد:
امتن الله تعالى على عباده بتشريع الأعياد، راحة للنفوس، وتهدئة للقلوب، بحصول الفرحة، والألفة بين أفراد المجتمع الإسلامي، وفي هذا المطلب نقف على تعريفٍ للعيد الإسلامي.
__________
(1) - طلعة الشمس شرح ألفية الأصول: نور الدين السالمي (وزارة التراث القومي والثقافة، دط، 1401هـ -1981م)، 2/213.
(2) - البحر المحيط في أصول الفقه, الزركشي (ط1، 1413ه- 1992م، دار الصفوة، الكويت)، 1/ 118.
(3) - علم أصول الفقه, عبد الوهاب خلاف(ط17، 1408ه- 1988م، دار القلم، الكويت)، ص106.
(4) - نقلا عن القاموس الفقهي لغة واصطلاحا, سعدي أبو جيب، ( ط2؛ 1408هـ - 1988م, دار الفكر)، ص96.
(5) - البقرة: 43.
(6) - الإسراء: 32.
(1/5)
المطلب الأول: العيد لغة
هو ما اعتادك, من مرض, أو حزن, أو هم (1) .
أو هو كل يوم يحتفل فيه بتذكار أحد الصالحين, أو أحد الأبطال, أو حدث وطني, أو حادثة هامة, كعيدي الأضحى والفطر (2) .
أصله: عِوْد قلبت الواو ياء لسكونها بعد كسرة, وتصغيره عُوَيد, وجمعه أعياد (3) .
واشتقاق كلمة عيد: من عاد يعود كأنهم عادوا إليه.
وقيل: اشتقاقه من العادة؛ لأنهم اعتادوه, والجمع أعياد لزم البدل, ولو لم يلزم لقيل أعواد كريح وأرواح, لأنه من عاد يعود.
ويظهر أن اشتقاق العيد: من عاد هو الأقرب إلى معنى هذه الكلمة؛ وذلك لأن العيد عبادة جاء بها الشارع, وليس عادة موروثة.
وعيّد المسلمون: شهدوا عيدهم.
وقيل: قلبت الواو ياء؛ ليفرقوا بين الاسم الحقيقي, وبين المصدر.
وسمي العيد عيدا؛ لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد (4) .
المطلب الثاني: العيد اصطلاحا
يومان يوم الفطر، الذي يعقب شهر رمضان المبارك, ويوم الأضحى, الذي يأتي في خضم مناسك الحج, بعد يوم الحج الأكبر يوم عرفة (5) . ويلتقي التعريف اللغوي مع التعريف الاصطلاحي في أن كلا منهما بمعنى العود والرجوع في كل سنة.
المبحث الأول: سنن يوم العيد
تمهيد:
__________
(1) - المنجد في اللغة والأعلام, (د.ط،ت، دار المشرق، بيروت – لبنان)، ص136.
(2) - رائد الطلاب, جبران مسعود (ط7، 1981م، دار العلم، بيروت- لبنان)، ص661. بتصرف.
(3) - محيط المحيط: بطرس البستاني، (د.ت، 1983م، مكتبة لبنان، بيروت، لبنان)، ص642.
(4) - لسان العرب: ابن منظور، مرجع سابق، 10/326- 327، بتصرف.
(5) - فلسفة العيد وفقهه, خميس بن راشد العدوي (ط1، 1425هـ- 2005م، مكتبة الغبيراء، عمان)، ص5.
(1/6)
... العيد فرحة جعلها الله تعالى لعباده المؤمنين، يحتفلون بها في كلّ عام مرّتين، فيعظمون ما عظّم الله ورسوله، ويقومون بتأدية السنن والواجبات التي أمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكي يطبقوا هذه الشعيرة على أكمل وجه، وللعيد سنن وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ينبغي العمل بها، وعدم التهاون في تأديتها، يقول الله تعالى:{وما ينطق عن الهوى} (1) ، ويقول: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (2) . وهي كما يأتي:
السنة الأولى: الغسل والتطيّب
... يسنّ الغسل والتزيّن يوم العيد، والتطيّب بأحسن الطيب، والتزيّن بأفضل الثياب؛ كما يراه جمهور العلماء (3) ، وزاد الشافعية التنظيف بحلق الشعر، وقلم الظفر، وقطع الرائحة الكريهة (4) ، ولا ينبغي ترك الزينة والتطيب تقشّفا مع القدرة عليه.
الأدلة من السنة:
1- عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى (5) .
__________
(1) - النجم: 3.
(2) - الحشر: 7.
(3) - معارج الآمال على مدارج الكمال نظم مختصر الخصال: عبد الله بن حميد السالمي، (سلطنة عمان، وزارة التراث القومي والثقافة، دط، 1404هـ- 1983م)، 11/124؛ روضة الطالبين وعمدة المفتين: النووي، (ط2، 1412هـ- 1991م، المكتب الإسلامي)، 2/76؛ المغني: ابن قدامة أبو محمد بن أحمد، (دط، 1401هـ- 1981م، مكتبة الرياض الحديثة)، 2/370؛ الفقه الحنفي وأدلته: أسعد بن محمد الصاغزجي، (ط1، 1420هـ- 2000م، دار الكلم الطيب، دمشق)، 1/264-265؛ بلغة السالك لأقرب المسالك: أحمد محمد الصاوي، بهامشه: الشرح الصغير على متن أقرب المسالك: أحمد محمد الدردير، (د.ط،ت، دار الفكر)، 1/176-177.
(4) - روضة الطالبين وعمدة المفتين: النووي، مرجع سابق، 2/76.
(5) - أخرجه ابن ماجه: باب ما جاء في الاغتسال في العيدين، 1/417، رقم حـ: 1315، استدل به الحنابلة.
(1/7)
2- روي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلبس بردة حبرة كل عيد (1) .
3- ما روي عن عبد الله بن عمر قال: أخذ عمر جبّة من استبرق تباع في السوق فأخذها فأتى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، ابتع هذه، تجمل بها للعيد والوفود. فقال له رسول الله: "إنّما هذه لباس من لا خلاق له" (2) .
4- عن جعفر بن محمد قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتمّ في كلّ عيد (3) .
وزاد الحنفية والحنابلة والشافعية (4) ، الاستياك في يوم العيد، واستدلّ له الحنابلة بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إنّ هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل، وإن كان طيب فيمسّ منه، وعليكم بالسواك" (5) .
أمّا النساء فلا ينبغي أن يظهرن الزينة، ويكفي تطهرهنّ بالماء (6)
ويخرج الجميع في أحسن ما أمكنهم من اللباس فاعلما
والطيب والسواك للرجال أما النسا بأشعث الأحوال (7)
وقت الغسل:
__________
(1) - أخرجه البيهقي، كتاب صلاة العيدين، باب الزينة للعيد، 3/396، رقم حـ: 6137.
(2) - أخرجه البخاري، كتاب العيدين، باب في العيدين والتجمل فيه، ص109، رقم حـ: 948.
(3) - أخرجه البيهقي، كتاب صلاة العيدين، باب الزينة للعيد، 3/396، رقم حـ: 6138.
(4) - الفقه الحنفي وأدلته: أسعد محمد، مرجع سابق، 1/264؛ المغني لابن قدامة، مرجع سابق، 2/370؛ روضة الطالبين وعمدة المفتين: النووي، مرجع سابق، 2/76.
(5) - أخرجه ابن ماجه، 1/349، رقم حـ: 1097.
(6) - المهذب في فقه الإمام الشافعي: أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزأبادي، (دط، ت، دار الفكر)، 1/199.
(7) - كتاب إرشاد الأنام في الأديان والأحكام: الشيخ سالم بن حمود بن شامس السيابي، (دط، 1408هـ- 1988م، سلطنة عمان، وزارة التراث القومي والثقافة)، 2/81.
(1/8)
... اتفق الفقهاء على استحباب الغسل (1) ، واعتباره موافقا للسنة بعد الفجر، وذهب المالكية
وقول عند الشافعية (2) إلى أنّ دخول وقت الغسل يكون بأول السدس الأخير من الليل، ولكن الندب عندهم يكون بعد صلاة الصبح.
... والصحيح أنّ وقت الاغتسال، بعد الفجر للدليل السابق وما روي عن نافع عن ابن عمر أنه كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو (3) ولقوّة الأدلة على ذلك، واتفاق العلماء جميعا على استحبابه بعد الفجر.
السنة الثانية: الأكل قبل الخروج يوم الفطر وتأخيره يوم النحر
__________
(1) - كتاب قواعد الإسلام: الإمام أبي طاهر إسماعيل بن موسى الجيطالي، علق عليه وصححه: بكلي عبد الرحمن بن عمر، (دط، ت، المطابع العالمية، سلطنة عمان)، 1/324؛ كشف المخدرات والرياض المزهرات لشرح أخصر المختصرات: العلامة عبد الرحمن بن عبد الله البعلي، قابله بأصل مصنفه وبثلاثة أصول أخرى: محمد بن ناصر العجمي، (ط1، 1423هـ- 2002م، دار البشائر الإسلامية)، 1/202؛ شرح فتح القدير: كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي، على الهداية شرح بداية المبتدي: برهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني، (ط2، دت، دار الفكر، بيروت، لبنان)، 2/71؛ جواهر الإكليل شرح مختصر العلامة الشيخ خليل في مذهب الإمام مالك: الشيخ صالح عبد السميع الأبي الأزهري، ضبطه وصححه: الشيخ محمد عبد العزيز الخالدي، (ط1، 1418هـ- 1997م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان)، 1/144.
(2) - المجموع شرح المهذب: الإمام أبي زكرياء محيي الدين شرف النووي، (ط1، 1417هـ- 1996م، دار الفكر)، 5/10؛ جواهر الإكليل شرح مختصر العلامة الشيخ خليل في مذهب الإمام مالك: الشيخ صالح عبد السميع الأبي الأزهري، مرجع سابق، 1/144.
(3) - أخرجه البيهقي، كتاب صلاة العيدين، باب غسل للعيدين، 3/393، رقم حـ: 6125.
(1/9)
... أجمع الفقهاء (1) على استحباب الأكل في يوم الفطر، قبل الخروج إلى الصلاة، وإلى عدم استحباب الأكل في يوم الأضحى، إلاّ بعد الرجوع من الصلاة، فيأكل من أضحيته، والدليل ما روي عن عبد الله بن بريدة –رضي الله عنه- أنّه قال: "إنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يخرج يوم الفطر حتّى يطعم، وكان لا يأكل يوم النحر شيئاً حتّى يرجع فيأكل من أضحيته" (2) ويستحبّ أن يأكل التمر، ويكون وتراً، لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - (3) ، فقد روي عن أنس قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج يوم الفطر حتّى يأكل تمرات، ويأكلهن وتراً" (4) .
__________
(1) - كتاب الإيضاح: الشيخ عامر بن علي الشماخي، (دط، 1403هـ- 1983م، سلطنة عمان، وزارة التراث القومي والثقافة)، 2/328؛ الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل: أبي محمد موفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي، تحـ: زهير الشاوش، (ط4، 1405هـ- 1985م، المكتب الإسلامي)، 1/231؛ المجموع شرح المهذب: أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي، مرجع سابق، 5/5؛ جواهر الإكليل شرح مختصر العلامة خليل في مذهب مالك: صالح عبد السميع، مرجع سابق، 1/144؛ شرح فتح القدير: عماد الدين محمد بن عبد الواحد السيوطي، مرجع سابق، 2/71.
(2) - أخرجه الدارقطني، كتاب العيدين، 1/30، رقم حـ: 1699.
(3) - المجموع شرح المهذب: محي الدين بن شرف النووي، مرجع سابق، 5/5؛ الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل: ابن قدامة، مرجع سابق، 1/231؛ الفواكه الدواني شرح أحمد بن غانم بن سالم بن مهنا النفزاوي لرسالة ابن أبي زيد القيرواني، (د.ط،ت، المكتبة الثقافية، بيروت)، 1/332؛ بلغة السالك لأهذب المسالك: أحمد الصاوي، مرجع سابق، 1/176.
(4) - أخرجه الدارقطني، كتاب العيدين، 1/30، رقم حـ: 1701.
(1/10)
... ولعلّ الحكمة من ذلك أنّ يوم الفطر حرّم فيه الصيام، فالذي جاء بعد فرضه فعجل الفطر لإظهار الطاعة لأمر الله، أمّا في الأضحى فإنّه شرع فيه ذبح الأضاحي فيكون منه الأكل.
السنة الثالثة: الذهاب في طريق والرجوع من طريق آخر
... اتفق جمهور العلماء على استحباب الذهاب من طريق والرجوع من طريق آخر (1) ، لأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك فقد روي عن جابر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج إلى العيد رجع من غير الطريق الذي ذهب فيه (2) .
وعن عبد الرحمن بن سور مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: حدّثني أبي عن آبائه: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج إلى العيد سلك على دار سعد بن أبي وقاص، وعلى أصحاب الفساطيط (3) ، ثمّ بدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم انصرف من الطريق الأخرى –طريق بني زريق- (4)
__________
(1) - نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر: أبو مسلم ناصر بن سالم بن عديم البهلاني، (ط1، 1421هـ- 2001م، مكتبة مسقط، سلطنة عمان، مسقط)، 4/255- 256؛ التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح: أحمد بن محمد بن أحمد الشويكي، (دط، 1418هـ- 1998م، المكتبة المكية)، 1/322؛ الأم: محمد بن إدريس الشافعي، (ط1، 1413هـ- 1993م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان)، 1/388؛ الفقه الحنفي وأدلته: أسعد محمد، مرجع سابق، 1/266؛ المدونة الكبرى: مالك بن أنس، (دط، 1411هـ- 1991م، دار الفكر، بيروت)، 1/154.
(2) - أخرجه البيهقي، كتاب العيدين، باب الإتيان من طريق غير الطريق التي غدا منها، 3/431، رقم حـ: 6248.
(3) - جمع مفرده: الفسطاط، بضم الفاء وكسرها، وهو بيت من الشعر. (انظر: المصباح المنير: أحمد محمد، (دط، 1424هـ- 2002م، دار الحديث، القاهرة)، ص281).
(4) - أخرجه البيهقي، كتاب صلاة العيدين، باب الإتيان من طريق غير الطريق التي غدا منها، 3/432، رقم حـ: 6253.
(1/11)
... وقد اختلفت الآراء في حكمته –عليه السلام- في ذلك فقيل: ليتبرك به أهل الطريق. وقيل: ليستفتي فيهما. وقيل: ليتصدق على فقرائهما. وقيل: ليزور قبور أقاربه فيهما. وقيل: لتشهد له الطريقان. وقيل: ليزداد غيظ المنافقين. وقيل: لئلا تكثر الزحمة. وقيل: يقصد أطول الطريقين في الذهاب، وأقصرهما في الرجوع. وقيل: لإظهار شعار الإسلام فيهما، أو ليغيظ اليهود، أو ليرهبهم بكثرة من معه وإذا لم تعلم الحكمة يستحبّ للناس القيام بها لفعله - صلى الله عليه وسلم - . (1)
... ويظهر لي أنّه لقصد إظهار شعائر الله وغيظ اليهود والمشركين فيرهبون محمداً - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه، وكل هذه الاحتمالات واردة.
السنة الرابعة: الخروج إلى المصلى
... يسنّ الخروج إلى المصلى في الصحراء يوم العيد عند جمهور العلماء، إلاّ في حالة الضرورة، كالمطر والرياح، وغير ذلك من الضرورات. واستدلّوا على ذلك بحديث أبي سعيد قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى..." (2) إلاّ مكة المكرمة، فإنه يصلّى في الحرم المكي لفضل المكان وشرفه (3) .
__________
(1) - نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر: أبي مسلم البهلاني، مرجع سابق، 4/255- 256. بتصرف.
(2) - أخرجه البخاري، كتاب العيدين، باب الخروج إلى المصلى بغير منبر، 1/109، رقم حـ: 956، فقد ورد الحديث مطولا.
(3) - التاج المنظوم من دور المنهاج المعلوم: عبد العزيز بن الحاج بن إبراهيم الثميني، ضبط النص: محمد بن موسى بابا عمي، مصطفى بن محمد شريفي، (ط1، 1421هـ- 2000م، دن)، 2/ 199؛ شرح منتهى الإرادات المسمى دقائق أولي النهى لشرح المنتهى: منصور بن يونس بن إدريس، (ط2، 1416هـ- 1996م، عالم الكتب)، 1/324؛ كتاب بلغة السالك لأقرب المسالك: أحمد محمد الصاوي، مرجع سابق، 1/177؛ شرح فتح القدير: محمد عبد الواحد، مرجع سابق، 2/72.
(1/12)
وذهب الشافعية إلى استحباب الصلاة في المسجد في حال اتساعه، وإن خرجوا إلى المصلى فلا شيء عليهم، أمّا إذا كان المسجد ضيقا فالأفضل عندهم الخروج إلى الصحراء. واستدلوا بالدليل السابق (حديث أبي سعيد) (1) .
... والحكمة من ذلك لأجل المباعدة بين الرجال والنساء؛ لأنّ المساجد وإن كبرت يقع فيها الازدحام، عند أبوابها بين الرجال والنساء، دخولا وخروجا، فتتوقع الفتنة في محلّ العبادة (2) ، ولأنّه أوقع هيبة وأظهر شعاراً، ولا يشق لعدم تكراره (3) .
... والقول بالخروج إلى المصلّى هو أقوى الأدلة، لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - .
السنة الخامسة: خروج النساء إلى صلاة العيد
... صلاة العيد لا تلزم النساء عند قول أكثر العلماء (4) ، واستحبّ جمهور الإباضية خروج النساء إلى صلاة العيد جميعا، لشهودهنّ الخير، وحضورهنّ دعوة المسلمين ورجاء بركة ذلك اليوم، وقيل بوجوب الخروج إلى صلاة العيد لظاهر الأمر، واستحبّ الشافعية والحنابلة حضور النساء غير ذوات الهيئات الجميلة، وإذا أردن الحضور تنظّفن بالماء فقط، ولا يتطيّبن ولا يلبسن الشهرة من الثياب، ويعتزلن الرجال، فلا يختلطن بهم.
... وكره الشافعية حضور ذوات الهيئة الجميلة من النساء.
__________
(1) - الأم: محمد بن إدريس الشافعي، مرجع سابق، 1/389.
(2) - كتاب بلغة السالك لأقرب المسالك: أحمد محمد الصاوي، مرجع سابق، 1/177.
(3) - شرح منتهى الإرادات: منصور بن يونس بن إدريس، مرجع سابق، 1/324.
(4) - معارج الآمال على مدارج الكمال نظم مختصر الخصال: عبد الله بن حميد السالمي، مرجع سابق، 11/71- 72؛ كشاف القناع عن متن الإقناع: منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، (دط، 1402هـ- 1982م، دار الفكر)، 2/52؛ المذهب في فقه الإمام الشافعي: أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزأبادي الشيرازي، 1/119؛ كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: أبي عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن المقري، (ط3، 1412هـ- 1992م، دار الفكر)، 2/197.
(1/13)
... واستدلّ الجميع بما روي عن أم عطية قالت: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرجهنّ في الفطر والأضحى العوائق والحيض وذوات الخدور" (1)
... وفي رواية عنها قالت: "أمرنا أن نخرج الحيض، وذوات الخدر يوم العيد فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم، وتعتزلن الحيض عن مصلاهن" (2) .
... وأجمع الحنفية على أنّه لا يرخص للشواب منهن الخروج لقوله تعالى: {وقرن في بيوتكن} (3) ، والأمر بالقرار نهي عن الانتقال، ولأنّ خروجهن سبب الفتنة بلا شكّ، والفتنة حرام، وما أدّى إلى حرام فهو حرام. وأمّا العجائز فلا خلاف بينهم في جواز خروجهنّ (4) .
السنة السادسة: تقديم صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر
__________
(1) - أخرجه مسلم، كتاب العيدين، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات الرجال، الحديث مطول، ص209، رقم حـ: 890.
(2) - أخرجه البخاري، كتاب العيدين، باب اعتزال الحيض المصلى، ص112، رقم حـ: 981، بلفظ مقارب.
(3) - الأحزاب: 33.
(4) - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: الإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكساني، (ط2، 1402هـ- 1982م، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان)، 1/275. بتصرف.
(1/14)
... يسنّ تقديم صلاة الأضحى ليتّسع وقت التضحية؛ لأنّ وظيفة عيد الأضحى التضحية، ووقتها بعد الصلاة؛ لكي يتسارع الناس في الامتثال لما أمر الله من التضحية، ويسنّ تأخير صلاة الفطر؛ ليتّسع وقت إخراج صدقة الفطر، إلى الفقراء؛ لأنّ وظيفة عيد الفطر إخراج زكاة الفطر، ووقتها قبل الصلاة؛ فلكي يسع الناس إخراج زكاة الفطر، استحبّ تأخير صلاة العيد يوم الفطر (1) .
... واستدلوا على ذلك بما روي أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى عمرو بن حزم (2) أن أخّر صلاة الفطر وعجّل صلاة الأضحى (3) .
السنة السابعة: التكبير
__________
(1) - كتاب الجامع: العالم العلامة الشيخ أبي محمد عبد الله بن محمد بن بركة البهلوي العماني، حققه وعلق عليه: عيسى يحي الباروني، (د.ط،ت، المطبعة الشرقية، مطرح، سلطنة عمان، وزارة التراث القومي والثقافة)، 1/591؛ المغني: لابن قدامة، مرجع سابق، 2/377- 378؛ المهذب في فقه الإمام الشافعي: الفيروزي أبادي، مرجع سابق، 1/ 118؛ كتاب بلغة السالك لأقرب المسالك: أحمد محمد الصاوي، مرجع سابق، 1/176.
(2) - هو الصحابي عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان الأنصاري، يكنى أبا الضحاك شهد الخندق، واستعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - على نجران، توفي في خلافة عمر، وقيل: معاوية. (انظر: الإصابة في تمييز الصحابة: أحمد بن علي بم حجر، (ط2، 1423هـ- 2002م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان)، 4/511-512).
(3) - أخرجه البيهقي، كتاب صلاة العيدين، باب الغدو إلى العيدين، 3/366، رقم حـ: 6149.
(1/15)
... يسنّ التكبير في أيّام العيد، على رأي جمهور العلماء (1) . بينما يرى الحنفية، وقول عند الإباضية إلى وجوب التكبير (2) .
... واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى: {واذكروا الله في أيّام معدودات} (3) ، وقوله تعالى: {ولتكملوا العدّة ولتكبّروا الله على ما هداكم} (4) .
... فقد حمل جمهور العلماء الأدلة على الندب. بينما حملها الحنفية وبعض الإباضية على الوجوب. وقسم العلماء التكبير إلى قسمين: قسم مرسل وقسم مقيّد.
__________
(1) - معارج الآمال على مدارج الكمال نظم مختصر الخصال: عبد الله بن حميد السالمي، مرجع سابق، 11/131؛ التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح: أحمد بن محمد بن أحمد الشويكي، مرجع سابق، 1/363- 365؛ مغني المحتاج إلى معرفة معاني المنهاج: الشيخ شمس الدين محمد بن محمد الشربني، تحقيق وتعليق: الشيخ علي محمد معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، (ط1، 1415هـ- 1994م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان)، 1/593؛ المدونة الكبرى: مالك بن أنس، مرجع سابق، 1/156، 157.
(2) - تحفة الفقهاء لعلاء الدين السمرقندي، (ط1، 1405هـ- 1984م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان)، 2/173- 174؛ معارج الآمال على مدارج الكمال نظم مختصر الخصال: عبد الله بن حميد السالمي، مرجع سابق، 11/131.
(3) - البقرة: 203.
(4) - البقرة: 185.
(1/16)
أ- القسم المرسل: لا يقيّد بحال أو وقت بل يؤتى به في المساجد والمنازل، والطريق ليلا ونهاراً، لكن اختلفوا متى ينتهي. فالإباضية إلى الوصول إلى المصلى. والحنابلة إلى الفراغ من الخطبة. والشافعية حتّى يحرم الإمام بصلاة العيد. المالكية إلى خروج الإمام (1) . ويرجح سماحة الشيخ الخليلي أنّ التكبير يكون من غروب الشمس ليلة العيد إلى خروج الإمام للصلاة (2) .
ب- القسم المقيّد: يكون بأعقاب الصلوات المكتوبة، فيشرع في الأضحى، ولا يشرع في الفطر، واختلفوا في ابتداء التكبير وانتهائه، وفي صيغة التكبير، فعند الإباضية في ابتداء التكبير وانتهائه عدّة أقوال، نكتفي بذكر القولين المشهورين:
القول الأول: وهو الذي عليه أهل عمان، أنّ أوّله بعد صلاة الظهر يوم النحر، وآخره بعد التسليم من صلاة العصر، من آخر أيام التشريق، وهو اليوم الثالث.
الدليل: إنّ الأمر بهذه التكبيرات، إنّما ورد في حقّ الحاج، قال تعالى: {فاذكروا الله كذكركم آباءكم} (3) ، وقال: {واذكروا الله في أيام معدودات، فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه} (4) ، وهذا يحصل في حقّ الحاج وسائر الناس تبع لهم في ذلك، ثمّ إنّ صلاة الظهر، هي أول صلاة يكبّر فيها الحاج بمنى، وآخر صلاة يصلونها من أيّام التشريق، هي صلاة العصر؛ فوجب أن تكون هذه التكبيرات في حقّ غير الحاج مقيّدة بهذا الزمان؛ لأنّ الثلاث كلّها أيّام منى.
__________
(1) - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: محمد الشربني، مرجع سابق، 1/593؛ نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر: أبي مسلم البهلاني، مرجع سابق، 2/242؛ التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح: أحمد محمد الشويكي، مرجع سابق، 1/363- 365؛ المدونة الكبرى: مالك بن أنس، مرجع سابق، 1/154.
(2) - مقابلة بتاريخ: 14 ذي القعدة الموافق 16 ديسمبر 2005م.
(3) - البقرة: 200.
(4) - البقرة: 203.
(1/17)
القول الثاني: أنّ أوله بعد صلاة الظهر من يوم النحر، وآخره إلى ما بعد صلاة الصبح من أيّام التشريق (1) . ويرجح سماحة الشيخ الخليلي القول الأول (2) .
صيغة التكبير:
... (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له).
... وقيل بعد قوله: (إلاّ الله)، يقول: "ولا نعبد إلاّ إيّاه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلاّ الله وحده صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلاّ الله والله أكبر".
... وقيل: يقول بعد التكبيرات الثلاث: (الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أبلانا وأولانا).
... وقيل: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله، والله أكبر، ولله الحمد.
... وقيل: إنّ السنّة أن يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله، والله أكبر، وللّه الحمد (3) .
الحنابلة:
- ابتداؤه: لمحلٍّ من فجر عرفة، ومُحْرِم من ظهر يوم النحر.
- وانتهاؤه: عصر آخر أيّام التشريق.
- صيغة التكبير: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله، والله أكبر، وللّه الحمد (4) .
الشافعية:
__________
(1) - معارج الآمال على مدارج الكمال: عبد الله بن حميد السالمي، مرجع سابق، 11/133.
(2) - مقابلة بتاريخ: 13 ذي القعدة الموافق 15 ديسمبر 2005م.
(3) - نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر: أبي مسلم البهلاني، مرجع سابق، 4/243.
(4) - التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح: أحمد بن محمد الشويكي، مرجع سابق، 1/364- 365.
(1/18)
- ابتداؤه وانتهاؤه: اختلفوا في ابتداء التكبير وانتهائه فقيل: يكبّر الحاج من ظهر النحر، ويختم بصبح آخر أيام التشريق. وغير الحاج مثله؛ لأنّ الظهر أول صلاة بمنى، والفجر آخر صلاة يصلّيها بمنى، لإطلاق حديث مسلم: "أيام من أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى" (1) .
وفي قول: من مغرب ليلة النحر. وفي قول: من صبح عرفة، ويختم بعصر آخر أيام التشريق، والعمل على القول الأخير (2) .
- صيغة التكبير: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله، والله أكبر، الله أكبر وللّه الحمد). ويستحبّ أن يزيد: (كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً) (3) .
الحنفية:
- ابتداؤه وانتهاؤه: يبدأ التكبير بعد صلاة الفجر، من يوم عرفة، واختلفوا متى ينتهي:
قال أبو حنيفة: ينتهي وقت الظهر، من آخر أيام التشريق.
وقال أبو يوسف ومحمد: ينتهي وقت العصر، من آخر أيام التشريق (4) .
- صيغة التكبير: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله، والله أكبر وللّه الحمد) (5) .
المالكية:
- ابتداؤه وانتهائه: يبدأ بعد صلاة العصر، من يوم النحر، وينتهي بعد صلاة الصبح، في آخر أيام التشريق (6) .
- صيغة التكبير: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله، والله أكبر وللّه الحمد) (7) .
__________
(1) - أخرجه مسلم، كتاب الصيام، باب تحريم صوم أيام التشريق، ص273، رقم حـ: 1141.
(2) - زاد المحتاج بشرح المنهاج: عبد الله بن الشيخ حسن الحسن الكوهجي، (ط2، 1407هـ- 1987م، المكتبة العصرية)، 1/362.
(3) - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: محمد الشربني، مرجع سابق، 1/594.
(4) - شرح فتح القدير: محمد عبد الواحد، مرجع سابق، 2/80- 81.
(5) - تحفة الفقهاء: السمرقندي، مرجع سابق، 2/173.
(6) - المدونة الكبرى: مالك بن أنس، مرجع سابق، 1/157.
(7) - حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني، (ط1، 1417هـ- 1997م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان)، 1/499.
(1/19)
السنة الثامنة: التهنئة
... يستحبّ التهنئة يوم العيد بعد الانتهاء من الصلاة، وتكون بلفظ: "تقبل الله منّا ومنك". وقولهم: "عيدك مبارك" من فعل أهل التملق، وإنّه يكره (1) .
والدليل: كان الصحابة يقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا انصرفوا من صلاة العيد، "تقبل الله منا ومنك يا رسول الله"، فيقول: "نعم، تقبّل الله منا ومنكم" (2) .
وقال الإمام أحمد: لا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد: تقبل الله منا ومنك (3) .
والدليل: أنّ محمد بن زياد قال: كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك (4) .
واختلف الشافعية في التهنئة، هل هي سنة أم مباح؟ فالحافظ المقدسي قال: مباحة لا سنة ولا بدعة. والشهاب ابن حجر: سنة مشروعة، وتكون بلفظ: تقبل الله منا ومنك (5) .
السنة التاسعة: صلة الرحم والجار والصديق
__________
(1) - الذهب الخالص المنوه بالعلم القالص: الشيخ محمد بن يوسف اطفيش، علق عليه: أبو إسحاق إبراهيم اطفيش، (د.ط،ت، المطابع العالمية، سلطنة عمان)، ص203- 204.
(2) - أخرجه البيهقي، كتاب صلاة العيدين، باب ما روي في قول الناس يوم العيد بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنكم، 3/446، رقم حـ: 6295. من طريق واثلة.
(3) - المغني لابن قدامة، مرجع سابق، 2/399.
(4) - أخرجه البيهقي، كتاب صلاة العيدين، باب ما روي في قول الناس يوم العيد بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنكم، 3/446. ذكره ابن التركماني في الهامش.
(5) - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: محمد الشربني، مرجع سابق، 1/596.
(1/20)
... «وفي العيد -كما هو معلوم- صلة الرحم، فكثيرا ما تتقطّع الأرحام، فعليهم في يوم العيد أن يعملوا على صلة الرحم، والتئام ذات البين، وتتوثّق هذه الصلة بالزيارة، واللقاء بين الأسر، فالأسرة أساس المجتمع الإسلامي، إذا كان الفؤاد الذي بين جوانحنا يصفه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "ألا أنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب" (1) ، فإنّ الأسرة هي قلب المجتمع المسلم إذا فسدت فسد المجتمع كلّه، وإذا صلحت صلح المجتمع كلّه، لذلك من واجبنا الشرعي أن نعمل على صلة الرحم، وعلى نسيان القطيعة وتجاوزها، وأن نبني أنفسنا بناء صحيحاً؛ لأنّ الأسرة في الحقيقة يراد الكيد بها، فهي الآن تواجه حملة شرسة من قبل المتفلّتين عن القيم الربّانية، إنّهم يحاولون أن يطعنوا في الأسرة ويهدّموها...» (2) .
... ومن صلاح المجتمع أيضا صلة الجوار والأقارب والجيران؛ حتّى تكون فرحة عامرة في ذلك اليوم، وينسى ما كان بين الناس من ضغائن وأحقاد، فيتصافحون ويتسامحون ويُكوّنون صفحة بيضاء فيما بينهم، فيحدث التواؤم والتواصل فيما بينهم، وهذه من الحكمة الربانية التي أرادها الله أن تتحقّق في هذا اليوم السعيد.
المبحث الثاني: زكاة الفطر.
تمهيد:
... تعتبر زكاة الفطر من النعم التي أنعم الله تعالى بها على الناس؛ لأنّها مكملة لنواقص الصوم التي يقع الناس فيها، وهي في نفس الوقت إعانة للفقير المحتاج، حتّى يتعفّف في يوم العيد عن السؤال، ويشارك الناس في الفرح والسرور.
... وسأحاول في هذا المطلب أن أبيّن: حكم زكاة الفطر، وعلى من تجب، وعمّن يخرج المكلّف، ومما تخرج زكاة الفطر، ووقت إخراجها، ومقدارها، ومستحقّيها.
حكمها:
__________
(1) - أخرجه مسلم: كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، ص408، رقم حـ: 1599، من طريق النعمان بن بشير0
(2) - فلسفة العيد وفقهه: خميس بن راشد العدوي، مرجع سابق، ص49- 50.
(1/21)
... ذهب جمهور العلماء إلى وجوب إخراج زكاة الفطر يوم العيد (1) . وذهب بعض من الإباضية إلى أنّ زكاة الفطر نفل مرغوب فيه (2) .
... واستدلّ جمهور العلماء بعدة أدلة، وهي كما يأتي:
1) روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: "ليس على المسلم صدقة في عبده، ولا في فرسه إلاّ صدقة الفطر من رمضان" (3) .
2) ما روي من طريق ابن عمر: "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر من رمضان صاعا من بر أو صاعا من شعير، على كلّ حرّ أو عبد، ذكراً كان أو أنثى، صغيرا كان أو كبيرا" (4) .
__________
(1) - جامع أبي الحسن البسيوي: أبي الحسن علي بن محمد بن علي البسيوي، (د.ط، 1404هـ- 1984م، سلطنة عمان، وزارة التراث القومي والثقافة)، 2/207؛ كتاب الإرشاد إلى سبيل الرشاد: محمد بن أحمد بن محمد بن أبي موسى الهاشمي، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، (ط1، 1416هـ- 1998م، مؤسسة الرسالة)، ص139؛ الحاوي الكبير في فقه مذهب الشافعي وهو شرح مختصر المزي: أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، تحقيق وتعليق: علي محمد معوض، وعادل أحمد عبد الموجود، (ط1، 1414هـ- 1994م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان)، 3/348؛ بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: الإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني، مرجع سابق، 2/69؛ الفواكه: الدواني، شرح أحمد بن غانم بن سالم بن مهنى النفزاوي لرسالة ابن أبي زيد القيرواني، مرجع سابق، 1/403.
(2) - كتاب النيل وشفاء العليل: عبد العزيز الثميني، (ط2، 1387هـ- 1997م)، 1/161.
(3) - أخرجه البيهقي، كتاب الزكاة، باب إخراج زكاة الفطر عن نفسه وعن غيره، 4/270، رقم حـ: 7674، من طريق أبي هريرة.
(4) - أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر من التمر والشعير، ص233، رقم حـ: 984، بلفظ قريب، وعدم ذكر البر في الحديث.
(1/22)
3) روى ابن عباس –رضي الله عنهما-: "أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من الرفث واللغو وطعمة للمساكين" (1) .
4) عن ابن عمر قال: "فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر على الذكر والأنثى والحرّ والعبد صاعا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق