أمر اض القلوب وعلاجها لأحمد الخليلي - مكتبة أهل الحق والإستقامة

أحدث المشاركات

Post Top Ad

Post Top Ad

الثلاثاء، 14 ديسمبر 2021

أمر اض القلوب وعلاجها لأحمد الخليلي

 





الكتاب: أعمالي في الثورة للشيخ إبراهيم بيوض - موافق للمطبوع
عنوان الكتاب: الإمام الشيخ إبراهيم بن عمر بيوض أعمالي في الثورة ووثائق وطنية أخرى
جمع وإعداد وتعليق: محمد صالح ناصر
الناشر: جمعية التراث
البلد: الجزائر
الطبعة: الثانية
تاريخ النشر: شعبان 1437هـ/ ماي 2016م
[ترقيم الصفحات موافق للمطبوع]
الإمام الشيخ إبراهيم بن عمر بيوض
أعمالي في الثورة
ووثائق وطنية أخرى
[ترقيم الصفحات موافق للمطبوع]
جمع وإعداد وتعليق
الدكتور محمد صالح ناصر
الطبعة الثانية مزيدة ومنقحة
شعبان 1437هـ/ ماي 2016م
(1/1)
نشر جمعية التراث
القرارة ـ غرداية ـ الجزائر
صندوق بريد 19 - القرارة - غرداية
هاتف فاكس:29262258 (213) +
Tourath@gmail.com
جمعية التراث، 2016
ردمك:8 - 03 - 553 - 9931 - 978
الإيداع القانوني: السداسي الأول، 2016
- - - - - -
المؤسسة الوطنية للفنون المطبيعة
الهاتف: 0021323965611
فاكس: 0021323965618
عنوانالكتاب
أعمالي في الثورة
- - -
تأليف
فضيلة الإمام الشيخ
إبراهيم بن عمر بيوض
- - -
جمع وإعداد وتعليق
الدكتور محمد صالح ناصر
- - -
الطبعة الثانية مزيدة ومنقحة
شعبان 1437هـ
ماي 2016م
إعداد ومتابعة
عبدالرحمن بن عيسى الشيخ بالحاج
- - - - - -
?
- - - - - -
موقع الناشر على الأنترنت www.Tourath.org
(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
(1/3)
*/*
(1/4)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثانية
غير خاف على كل متتبع للحركة السياسية والثقافية والاجتماعية بوادي ميزاب-ولاسيما هذه السنوات الأخيرة - هذا التحول المخيف في العلاقة بين المتساكنين الجزائريين بوادي ميزاب، فقد أشعل بعض المغرضين من زبانية الحزب العتيد نار الفتنة من جديد، وقد حاولوا ذلك مرارًا وتكرارًا منذ الاستقلال إلى يومنا هذا. ولم تكن القرارة بحكم موقعها الاجتماعي والثقافي والإصلاحي بمنأى عن هذه الفتنة التي اندلع لهيبها حرقًا ونهبًا وقتلًا سنة 2015، وهي فتنة لم تعهدها القرارة المشهورة بأمنها وسكونها وعافيتها من قبل قط، ولولا لطف الله، ويقظة رجال مخلصين وطنيين، ولولا يقظة رجال الأمن، وأعيان البلدة؛ من مثقفين وشباب متحمس غيور على وطنه لآلت الأمور إلى ما لا تحمد عقباه.
في هذا الإطار الحريص على إبداء الحقائق التاريخية بالوثائق الشاهدة التي لا ترد ولا تنقض، تجيء هذه الطبعة الثانية من كتاب الإمام الشَّيخ بيُّوض "أعمالي في الثورة"، وقد حرصنا على أنْ ننشر بعض التحقيقات والتقارير التي كتبها وطنيون مخلصون، وهي كلها تلقي الضوء على ما خفي أو تُنوسِي عمدًا من تلك الأحداث المؤلمة التي شهدتها القرارة وما تزال، فإنَّ مَنْ يرغب في فهم جذور الفتنة الأخيرة بوادي ميزاب
(1/5)
عليه أنْ يعود إلى ما بعد الاستقلال، حين كان الحكم المطلق بيد ثلة من المفتنين من مسؤولي قسمات الحزب "المجاهدين".
والكتاب موجه أساسًا إلى كل جزائري صميم مخلص يسعى إلى معرفة الحقيقة دون تعصب أو انحياز، ودون تزييف أو تحريف، أتعلَّق ذلك بمرحلة النضال السياسي الجزائري في الثلاثينات أم تعلق بمرحلة الثورة التحريرية في الخمسينات، فإنَّ تاريخ الأعلام جزء أصيل من تاريخ الأوطان، فإنَّ الذاكرة التاريخية واعية حافظة، ولأبنائنا الشباب من الجيل الذي لم يعايش تلك الحقبة أنْ يعود إلى تلك الوثائق تأملًا ودراسةً، حتى لا يُستلَب ولا يُزوَّر تاريخ آبائه وأجداده، وحتى يعتزَّ بماضيه ليكون له دافعًا قويًّا لبناء حاضره الوطني في ظلال الأمن والاستقرار، والعمل الجري لمصلحة الجزائر أبدًا، والله ولي التوفيق.
الجزائر، الأبيار في: 05/ 01/2016
محمد صالح ناصر
(1/7)
مقدمة الطبعة الأولى
في يوم 14 جانفي 1989م حلَّت الذكرى التاسعة لوفاة الإمام الشَّيخ بيُّوض إبراهيم (رحمه الله)، ومرَّت مثل سابقاتها دون احتفاء أو تذكُّر، ولم يكن هذا الموقف التنكري تجاه الإمام الشَّيخ بيُّوض غريبًا أو عجيبًا، فقد تعودنا ذلك وأكثر منه. ولكن الذي يحز في النفس حقّاً أنْ يتطاول بعض الأقزام - الذين ما زالت عقد العنصرية والعصبية القبلية والطائفية مترسبة في أعماقهم - إلى سمعة الشَّيخ استنقاصًا من جهاده، وتشكيكًا في وطنيته وابتلائه. هذا الإمام الذي أفنى حياته ليجسد على أرض الواقع اليومي الشعار الخالد: الإسلام دينًا، العربية لغةً، الجزائر وطنًا. فكان يناور السلطات الاستعمارية حيناً ويجابهها أحيانا أخرى حين كان الجنوب يخضع لحكم عسكري غاشم. فلُوحِق هو وتلامذته وأنصاره، وفرضَت عليه الإقامة الجبرية، وحُوصِر بالمراقبة الشديدة، وهان ذلك كله لأنَّ هدفه في الحياة أنْ يبني للجزائر من أبنائها من يحمي شخصيتها وأصالتها من الذوبان والانحلال. وبفضل جهاده الطويل، وتفانيه القاسي المرير، زرع أبناءه في طول الجزائر وعرضها يبثُّون في المدارس والجامعات اليوم أهدافه ومبادئه، وينشرون في الأجيال الصاعدة آراءه وأفكاره.
(1/8)
وكبر على الحاسدين أنْ يروا هذا العملاق يملأ عليهم سمع الزمان وبصره، فراحوا ينبشون الماضي علَّهم يجدون فيه ما يؤيِّد نواياهم السيئة، ويخدم أغراضهم السلطوية المتعفنة انتقامًا منه لأنَّه وقف أمام مساعيهم العنصرية التي حاولوا فرضها على وادي ميزاب من جويلية 1962م حتى أكتوبر 1988م، مستغلين كرسي الحزب أسوأ استغلال، مطبقين على أهالي المنطقة أبشع صور الإرهاب الفكري، مستعينين بمن على شاكلتهم من الشرطة والدرك، وحوادث 1964م، و1975م، و1989م بالقرارة، و1985م بغرداية لن ينساها التاريخ، وستبقى في ذاكرة الشعب أخاديد حمراء عن أبشع صور الإهانة والتعذيب، والتفرقة العنصرية.
والواقع أنَّ ظاهرة النيل من الزعماء والقادة والعظماء معروفة في تاريخ البشرية يوم عصى إبليس ربه بدافع الحقد والحسد من آدم أب البشرية، وما لنا نذهب بعيدًا وتاريخنا الجزائري مليء بمثل هذه الصور البشعة، إذ طالما قرأنا مثل هذه الافتراءات في حق الأمير عبد القادر، والشَّيخ ابن باديس، والطيِّب العقبي، وتوفيق المدني، ومفدي زكرياء، ولم يسلم من هذه الافتراءات حتى الشهداء الذين سقطوا في ميدان الشرف والجهاد، ولا داعي لذكر الأمثلة فإنَّ القائمة طويلة وما تزال مفتوحة!!
(1/9)
وها هم اليوم وبعد تسع سنوات من انتقال الشَّيخ إلى رحمة الله، يسوِّدون تقاريرهم تحت ستار منظمة المجاهدين، ويتحركون في الظلام ينسجون المؤامرات، ويفتعلون الصراع بين المتساكنين في منطقة وادي ميزاب لأنَّهم ألفوا الاصطياد في الماء العكر، ولأنَّ الإصلاحات الرشيدة التي تشهدها البلاد اليوم ستقضي لا محالة على مصالحهم وامتيازاتهم - ولكنَّهم لم يعدموا متنفَّسًا - وهكذا راحوا يستغلون عهد الديموقراطيَّة والشفافيَّة ليطلقوا العنان لمقاريض ألسنتهم وأقلامهم وقد كانت بالأمسخرساء عجماء، فقادوا حملة مغرضة حاقدة للنيْل من سمعة الإمام الشَّيخ بيُّوض يترأسهم بعض العصاة من تلامذته الذين بحثوا عن الزعامة بكل وسيلة فلم يصلوا إليها، وخاطبوا وُدَّ الكرسي في كل انتخاب فجفاهم الشعب وازورَّ عنهم، وعندما أوحشتهم الطريق اصطحبوا مَنْ يماثلهم حقدًا وحسدًا من بعض أدعياء الجهاد والنضال، فراحوا يسوِّدون تقاريرهمولم يتفطَّنوا وهم يكتبون - لأنَّ الحقد أعمى أبصارهم وبصائرهم-إلى أنَّتقريرهم الولائي المنسوب إلى منظمة المجاهدين بولاية غرداية يحمل تناقضات مريعة. فقد ورد في هذا التقرير وثيقة استندوا إليها وهي عبارة عن تقرير عن الوضع السياسي لمنطقة غرداية سنة 1950م، وقد صدر عن الحاكم الفرنسي للمنطقة آنذاك وجاء فيه ما يلي بالحرف الواحد: "إنَّ نشاط الحكومة والإدارة
(1/10)
(الفرنسيّة) وجد نفسه مرة أخرى مُعرْقلًا، وهذا بسبب المعارضة السياسيَّة لحزب الانتصار للحريات الديمقراطيَّة، ولكن بصفة أخص بسبب النشاط المكثف الذي يقوم به الحزب الوطني الإصلاحي بزعامة الشَّيخ بيُّوض ".
ونحن نتساءل هنا كيف غابت هذه الشهادة الوطنيَّة في حقالشَّيخ بيُّوض عن أولئك، وهم يعرفون أنَّ الوطنيَّة الحقيقيَّة هي تلك التي كانت تجابه الاستعمار بقوة في كل الميادين حين كان شبح مجزرة ماي 1945م ماثلًا بين أعين الجزائريّين؟
ما الذي يدفع الشَّيخ بيُّوض إلى التخلي عن دوره الوطني القيادي الذي قام به سنة 1950م وهو يرى أفكاره تتحقَّق - تلك التي طالما صدع بها خطابة وكتابة - في ظلالثورةالتحريريَّة المسلحة سنة 1954م؟
ما الذي يدفعهم إلى نكران شهادة الرئيس يوسف بن خدَّه التي أقرَّ فيها بالدور العظيم الذي قام به الشَّيخ بيُّوض في جمع كلمة الميزابيِّين حول العمل الثوري؟ تُراهم هل سينكرون أيضا شهادة جريدة المجاهد الناطق الرَّسمي للثَّورة التحريريَّة في مقالها الذي نشرناه في هذا الكتاب، وقد جاء دليلًا قاطعًا مؤيدًا لما جاء من معلومات في مذكرات الشَّيخ بيُّوض عن دوره المشرف في فضح مؤامرة فصل الصحراء عن الشمال؟ قد يُقال إنَّ
(1/11)
ذلك المقال لم يذكر الشَّيخ بيُّوض بالاسم، ونحن نقول: ومن كان الزَّعيم الرُّوحي والسِّياسي آنذاك للميزابيِّين غير الشَّيخ بيُّوض؟ وشهادة ابن خدَّه مؤيدة لذلك، والدرس الذي ألقاه الشَّيخ بيُّوض سنة 1962م بالقرارة عن فتنة وارجلان في الجموع الشعبيَّة الغفيرة، وأرسِل إلى كل جهات القطر لفضح المؤامرة الاستعماريَّة التي تبغي إشعال الفتنة بين الإباضيَّة والمالكيَّة ما يزال موجودًا وكأنّه يلقى في حينه؟!
والعجيب في الأمر حقًّا أنَّ بعض المتزعِّمين لهذه الحملة اليوم كانوا بالأمس - والشعب الجزائري، وأهالي منطقة ميزاب يتعرَّضون لحملات التَّفتيش، والقهر، والسجن، والتعذيب - كانوا هم في ذلك الوقت بالذَّات يختبئون في ضايات (المحيقن)، و (حاسي لفحل)، أو كانوا متوارين عن الأنظار يَحمِيهم الشعب الأعزل في غابات غرداية، والعطف، والقرارة، وبريان ودورها.
هؤلاء الأدعياء اليوم لم يملكوا الشجاعة لنشر أكاذيبهم عندما كان الشَّيخ بيُّوض حيَّا يرزق بينهم، اللَّهم إلَّا إنْ كانت تقارير سرِّيَّة في جنح الظَّلام، بل إنَّ مِنْ بين هؤلاء مَنْ كان يتبرَّك بزيارة الشيخ الإمام، ويتشرَّف بدعوته إلى حفلات الزَّواج تشريفًا وتعظيمًا، ومنهم مَنْ كان يُشيد به أمام الملأ في المناسبات والاحتفالات، ولكنَّ النفاق لا وجه
(1/12)
له، والحسد لا منطق له، فمن ساءت نواياه كثرت خطاياه، ولا دواء له إلَّا أنْ نكِل أمرَه لله فهو الذي يحاسبه ويتولاه.
وجمعيَّة التُّراث إيمانًا منها بأنَّ التَّاريخ لا يُغيِّره تقرير أو مقال، وحرصًا منها على وضع الوثائق التاريخيَّة بين أيدي المواطنين ليطَّلعوا عليها بأنفسهم، وليحكموا بعد ذلك لها أو عليها، نظرًا لكل ذلك فإنَّها رأت بمناسبة الذكرى التاسعة لوفاة الإمام الشَّيخ بيُّوض أنْ تنشر هذا الكتاب الذي يحتوي على الوثائق التالية:
1 ــ أعمالي في الثورة بالصحراء والتلِّ، وقد كتبه الشَّيخ بيُّوض سنة 1964م بعد مضايقات تعرَّض لها في نفسه، وماله، وعرضه، مِنْ بعض خربي الذمَّة من عشَّاق الزَّعامة والرِّئاسة، ونحن نُقدِّمها هنا لأوَّل مرة خدمةً للتَّاريخ حتى لا يعبث به العابثون، ويشوِّهه المتزعمون، وقد ظلَّت طوال حياة الشَّيخ ضمن أوراقه الخاصَّة؛ لأنَّه لم ينو أنْ يستظهر بها شهادةً عن جهاده كما فعل الكثيرون غيره، إذ لم يكن يخطر بباله قط وهو يناور غلاة الاستعمار في دسيستهم لفصل الصحراء عن الشمال، أو هو يترأس خلايا العمل الثَّوري في القرارة، والوادي، والعاصمة، أنْ يكون عمله ذاك مطيَّة لمنصب، أو جاه، أو نفوذ، وقد آمن فيكل مراحل حياته أنَّ الجهاد الحقيقي هو إعداد الأجيال المسلمة للوطن
(1/13)
المفدى، ذلك هو العمل الخالد الذي لا يزول بزوال الرجال، ولا يحتاج إلى شهادة جهاد أو نضال.
لقد كان ذلك إيمانه الذي لا يتزعزع حتى وهو يتعرض لأبشع أنواع الإهانة، والعذاب، والنفي، فقد كان (رحمه الله) يعمل تحت ظل راية الإسلام، ولغة القرآن، والوحدة الوطنيَّة، مسترخصا في سبيل ذلك النَّفس والنَّفيس، معرِّضًا نفسه للسجن والعذاب، وفقد كل ما يملك من متاع الدنيا حتى الدار التي يملكها لسكناه، والنخيْلات التي ورثها أو اشتراها لم تسلم من سطو اللصوص الرسميين تحت ستار التأميم، والثورة الزراعيَّة، وما أشبه من قرارات عهد الارتجال والاستغلال.
2 ــ مقال مهم صدر بجريدة المجاهد؛ اللسان الرسمي للثَّورة التحريريَّة في جانفي 1962م عن مناورات الاستعمار في فصل الصحراء عن الشمال، ومع المقال الأصل الذي صدر به وهو بالفرنسيَّةحتى يقارن القارئ الكريم بين ما جاء من حقائق رسميَّة في هذا المقال وما جاء من معلومات في مذكِّرات الشَّيخ بيُّوض.
3 ــ تحليل وتعليق بعض المجاهدين لما جاء من تهم في حقالشَّيخ بيُّوض في التقرير الصادر عن منظمة المجاهدين حول أحداث الثورةالتحريريَّة بولاية غرداية، لفترة ما بين 1959م - 1962م.
(1/14)
4 ــ تقرير الوفد الرسمي الموفد من وزارة الأوقاف لرد الاعتبار للشَّيخ بيُّوض إثر ما تعرَّض له من اضطهاد تحت تأثير مساعي منسق قسمة الحزب بالقرارة، وبه شهادة العلماء الموفدين بالمكانة الاجتماعيَّة، والعلميَّة، والسياسيَّة للشَّيخ في سبتمبر 1967م.
5 ــ شهادة الرَّئيس يوسف بن خدَّه عن جهاد الشَّيخ بيُّوض، ومشاركته الفعَّالة في العمل الثَّوري ولاسيما في الشمال.
6 ــ رسالة بخط يد الإمام الشَّيخ عبد الحميد بن باديس مؤرَّخة بـ 28 محرَّم 1350هـ، موافق 14 جوان 1931م، تُوضِّح مكانة الشَّيخ بيُّوض رائد الحركة الإصلاحيَّة بالجنوب لدى إمام الحركة الإصلاحيَّة الجزائريَّة، ودوره الريادي في توحيد الأمة الجزائريَّة.
7 ــقرار وزارة التَّربية والتَّكوين المتضمن تسمية مؤسَّسة التعليم الثانوي الجديدة بالقرارة باسم الشَّيخ بيُّوض تقديرًا وتشريفًا وتكريمًا، هذه التسمية التي أزعجت بعض الزعانف، واتخذها بعض النكرات-وقوفا أمامها -طريقًا للشهرة ولو على حساب قيم الجهاد والدين.
(1/15)
وبعد فهل يكون في هذه الحقائق التاريخيَّة رادع لأولئك المغرضين الحاقدين الذين ما فتئوا يعملون دون هوادة لتلطيخ سمعة الشَّيخ التي يأبى الله إلَّا أنْ تخلد ناصعةً بيضاء؟
هل يتذكرون أنَّ الجزائر في صراعها من أجل حياة أفضل أشدَّ ما تكون إلى تضافر الجهود من أجل وحدة الهدف، وتراص الصفوف، والبرهنة بالأعمال الجادَّة في ميادين الاجتماع، والاقتصاد، والسمو بالفرد الجزائري في مجالات الدين، والتربية، والثقافة؟
أولا يكفيهم خزيًا أنْ يقدِّم الناس أمام الله أعمالهم الصَّالحة ويحاسبهم هم على أقوالهم السيِّئة، ألا فليعلم هؤلاء (المخربشون) في هذه الجريدة أو تلك، وهؤلاء الناعقون في هذه الدمنة أو تلك أنَّ عصر الأصنام قد انهار مع انهيار الشيوعيَّة والإلحاد، وأنَّ عصر الحزب الواحد، والرأي الواحد، والكرسي الواحد، قد طوَّحت به الصحوة الإسلاميَّة في مهب الريح العاصف، وأنَّ الدسائس، والمؤامرات لتمزيق وحدة الشعب لن تنطلي على الشعب الجزائري الذي ظلَّ أبدا يُؤمِن بأنَّ خَلاصَه الوحيد في التمسك بالثوابت التي ضحى من أجلها الملايين من الشهداء عبر تاريخ كفاحه الطويل.
(1/16)
أما الشَّيخ بيُّوض فقد مضى وترك من ورائه البراهين الصادقة، والدلائل الحية الناطقة على تفانيه وجهاده، فعليهم هم -إنْ كانوا يعقلون- أنْ يلتمسوا الجهاد والنضال في غير شمس المقاهي، وفخفخة النياشين، والكراسي.
والله ولي العاملين المخلصين
الجزائر في 21/ 1 / 1990م
د / محمد ناصر
(1/17)
نبذة مختصرةعنحياةفضيلةالأستاذالإمام:
الشَّيخ بيُّوض إبراهيمبنعمر
ــ ولد رحمه الله يوم 11 ذي الحجة 1313هـ، 21 أفريل 1899م بمدينة القرارة من وادي ميزاب جنوب الجزائر، وكان والده من أعيان الإصلاح في البلد.
ــ دخل المدرسة القرآنيَّة في سنٍّ مبكِّرة، فاستظهر القرآن سنة 1911م وعمره 12سنة، ودخل حلقة (إيروان)؛ أي حفَّاظ القرآن.
ــ أخذ مبادئ الفقه، والعربية عن مشايخه؛ الحاج إبراهيم البريكي، أبو العلا عبد الله بن إبراهيم، والشيخ الحاج عمر بن يحيى.
ــ كان محضيًّا عند شيخه الحاج عمر، فلازمه باعتباره رأس النَّهضة الإصلاحيَّة، فكان يخدمه ويحضر جلسات أعيان البلدة عنده، فكان ذلك المدرسة الاجتماعيَّة التي تكوَّن فيها.
ــ نبغ بذكائه وحافظته، وذلاقة لسانه العربي الفصيح، فناب شيخه في تدريس البلاغة والمنطق خاصَّة في بعض رحلاته العلميَّة إلى وارجلان.
ــ بعد الحرب العالميَّة الأولى أُخِذَ غصبا للخدمة العسكريَّة الإجباريَّة، فانتشل من براثن فرنسا انتشالًا بمساعي مضنيةٍ شاقَّةٍ، وفور رجوعه مباشرة بدأ مصارعته للاستعمار بكتابة رسائل احتجاج عن إرغام
(1/18)
النّاس على التّجنيد الإجباري، فقاوم هذا التَّجنيد الإجباري مع بعض الوطنيِّين، حتى استصدروا قانونًا جديدًا بإلغاء الحكم والتَّجنيد العسكريِّ على وادي ميزاب.
ــ في سنة 1921م بعد وباءٍ كبيرٍ ذهب بمعظم أعيان البلد منهم والده، وشيخه، خلَف شيخه الحاج عمر بن يحيى في رئاسةِ وتبنِّي الحركة العلميَّة، ثم النهضة الإصلاحيَّة بالتبع.
ــ في سنة 1922م دخل عضوًا؛ وهو أصغر عضو يدخل حلقة العزَّابة الهيئة العليا بالمسجد المشرفة على الشؤون الدينيَّة، والاجتماعيَّة في البلد، وما فتئ أنْ عُيِّن شيخًا للتَّدريس والوعظ بالمسجد، ثم انتخِب حوالي سنة 1940م رئيسًا لمجلس العزَّابة.
ــ في يوم 18 شوال 1343هـ، 21 ماي 1925م أسَّس مع رجال الإصلاح بالقرارة معهد الحياة للتعليم الثانوي، مركِّزًا على الثقافة الإسلاميَّة والعربيَّة، والعلوم المعاصرة، وسمَّاه (معهد الشباب)، شعاره "الدِّين والخلق قبل الثقافة، ومصلحة الوطن قبل مصلحة الفرد".
ــ في سنة 1931 م افتتح درس الحديث من "فتح الباري، شرح صحيح البخاري"، واختتمه بحفلٍ علميٍّ بهيجٍ سنة 1945م، وكانت تحضره كل الطبقات بالمسجد.
(1/19)
ــ في غرة محرم سنة 1353هـ، ماي 1935م بعد أنْ أتم تفسير جزء عمَّ افتتح درس تفسير القرآن الكريم من فاتحته، واختتمه يوم 25 ربيع الثاني سنة 1400هـ، 12 فيفري 1980م. وأقيم له مهرجان عظيم شهده مختلف السلطات الإداريَّة، والحزبيَّة من مختلف المستويات، كما حضره حشدٌ كبيرٌ من الأئمَّة والعلماء من كافَّة أنحاء القطر.
ــ في سنة 1931م شارك في تأسيس جمعيَّة العلماء المسلمين الجزائريين وصياغة قانونها الأساسي، وانتخِب عضوًا في إدارتها الأولى، فأسندَت إليه أمانة نيابة أمين مالها.
ــ في سنة 1937م أسَّس مع رجال الإصلاح بالقرارة جمعيَّة الحياة؛ رائدة النهضة العلميَّة الإصلاحيَّة بالجنوب.
ــ كانت له مشاركةٌ فعَّالة بمقالات ناريَّة في الصحافة الوطنيَّة اليقظانيَّة، وخلاصة أفكاره: دعوة إلى الوحدة الوطنيَّة، وتمسك بالمقومات الشخصية، واستنفار عام من أجل مستقبلٍ أفضلٍ في إطار الدين الإسلامي، واللغة العربيَّة لغة القرآن الكريم، كما كانت له كذلك اهتمامات بأحداث العالم الإسلاميِّ، والعربيِّ.
(1/20)
ــ في سنة 1940م حكِم عليه بالإقامة الجبريَّة داخل القرارة لا يغادرها لمدة أربع سنوات، كوَّن خلالها أجيالًا من رجالات الأمة الحاليِّين، فأصبح منهم العلماء، والأدباء في كامل القطر الجزائري.
ــ في سنة 1948م كان من بين الأربعة الممضين على برقيَّات ورسائل التأييد باسم اللجنة الجزائريَّة الفلسطينيَّة لقضيَّة فلسطين في الجامعة العربية، وكان عضوًا في لجنة إغاثة فلسطين.
ــ دخل معترك الحياة السياسيَّة الحاسمة بعد خروجه من الإقامة الجبرية، وبعد نهاية الحرب العالميَّة الثَّانية، فطالب بإلحاق الصحراء بالجزائر مناهضًا مشروع الدستور المزعوم الذي منحته السلطات الفرنسيَّة للجزائر سنة 1947م.
ــ تحت تأثير الإلحاح الشعبي بوادي ميزاب قبِل أنْ يكون ممثله في المجلس الجزائري، فانتخب بالأغلبيَّة الساحقة يوم 20 أفريل 1948م، وأُعيدَ انتخابه في سنة 1951م، وكان الصوت المدوي الذي طالما قاوم الحكم العسكري، ودافع عن المؤسسات العربيَّة والإسلاميَّة في الجزائر لاسيما في الجنوب.
ــ من فاتح نوفمبر 1954م إلى 19 مارس 1962م كان محور جميع النَّشاط الثوري بميزاب عامَّة والقرارة خاصَّة، يديره مباشرة بنفسه
(1/21)
وبواسطة أبنائه الشباب من تلاميذه، بما في ذلك استقبال وإيواء جنود وضبَّاط جيش التحرير، وجمع السلاح والتموين، وإيصال ذلك إلى مختلف مراكز الثورة في الجبال الشرقيَّة، والشماليَّة.
ــ كان خلال الثورة الجزائريَّة على اتصال وثيقٍ بالمراسلات السريَّة بينه وبين جبهة التحرير الوطني، والحكومة المؤقتة للجمهوريَّة الجزائريَّة في المهجر.
ــ وقد أصرَّ على البقاء داخل القطر الجزائري رغم التهديد الاستعماري، إيمانًا منه بأنَّ الكفاح لا يقتصر على رفع السلاح وحده، وإنَّما يتكامل ببناء النفوس وإعدادها لتحمل الرسالة في المستقبل.
وموقفه التاريخي إبَّان مؤامرة فصل الصحراء عن الشمال يعرفه المتتبِّعون لتطورات الأحداث آنذاك، ولعل الأمانة التاريخيَّة والوفاء للعاملين ستدفع بعض النزهاء ذات يوم لإظهار هذه الجوانب التي يجهلها الكثيرون (1).
ــ في 19 مارس 1962م بعد إيقاف القتال نتيجة مفاوضات إيفيان عيِّن عضوًا في اللجنة التنفيذيَّة المؤقتة تقديرًا لكفاءته ووظيفته،
__________
(1) - ينظر كتابنا: الشيح بيُّوض مصلحًا وزعيمًا الطبعة الثالثة، ففيه وثائق مهمة تُنْشر لأول مرة.
(1/22)
وأُسنِدت إليه مهمَّة الشؤون الثقافيَّة إلى يوم تسليم السلطة لأوَّل حكومة جزائريَّة في سبتمبر 1962م.
ــ في سنة 1963م بعث مجلس عمي سعيد الهيئة العليا لعزابة مساجد وادي ميزاب، فانتخب رئيسًا له إلى يوم وفاته.
ــ في غرة محرم 1391هـ، 1971م أحْيى فريضة صلاة الجمعة في ظل الحكومة والدولة الجزائريَّة، وقد تُرِكَتْ هذه الفريضة بميزاب إبَّان الاستعمار الفرنسي.
ــ في السبعينيات اعتمدته وزارة الشؤون الدينيَّة في إصدار الفتوى بالعمل بالحساب الفلكي في إثبات المواسم الدينيَّة، وفي اعتبار ميقات الحجاج بالطائرة باعتبار المطار الذي ينزلون فيه في الحجاز.
ــ من تراثه الأدبي والفكري: تفسيرٌ مسجَّلٌ لأكثر من نصف القرآن، ومئات من الأشرطة لدروسٍ قيِّمة لمناسبات دينيَّة، واجتماعيَّة، وسياسيَّة، وفتاوى على أسئلة فقهيَّة، وعلميَّة، ورسائل، ومقالات.
ــ من ثمار جهاده الإصلاحي: أجيالٌ من الرجال؛ على رأسهم خلفه رائد النهضة الإصلاحيَّة حاليا شريفي سعيد (الشَّيخ عدُّون)، وأضرابه من مئات المشايخ، والأساتذة، والدكاترة، وكبار الموظفين من مختلف المستويات في مصالح الدَّولة الجزائريَّة، من إدارة، وحزب،
(1/23)
وجيش، وتعليم بجميع مراحله، وإنشاء عشرات المدارس للتعليم الديني داخل البلاد وخارجها، على مستوى العالم العربيِّ والإسلاميِّ.
ــ دعائم نهضته الإصلاحية: القرآن والسنة، وسيرة الخلفاء الراشدين، والسلف الصالحين من بعدهم.
ــ منابر نشر رسالته: المسجد أولًا، ثم التعليم بالمعهد ثانيًا، ثم المجتمع الخارجي العام ثالثًا.
ــ ختمت أنفاسه الطيبة، وحياته الحافلة بالجهاد على الساعة السادسة مساء من يوم الأربعاء 8 ربيع الأول 1401هـ، 14 جانفي 1981م، عن عمر يناهز 83 سنة، وشيِّع جثمانه في موكبٍ حاشدٍ خاشعٍ حضره نخبة من مسؤولي الدَّولة؛ من بينهم خمسة من الوزراء العاملين آنذاك، وذلك صبيحة يوم الجمعة 10 ربيع الأوّل 1401هـ، 16 جانفي 1981م. كما أُبِّن بحفلٍ عظيمٍيوم الجمعة 21 جمادى الأولى 1401هـ، 27 مارس 1981م.
تغمَّد الله الفقيد برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جنانه.
ــ وإبرازًا لمكانة الشيخ العلميَّة والوطنيَّة نُورِد فقرةً من برقيَّة رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد في مناسبة حفل مهرجان القرآن، يوم 22/ 5 / 1980م.
(1/24)
" ... وإنَّ الجهاد الكبير الذي بذله فضيلة الإمام الشَّيخ بيُّوض خلال خمسين عامًا في تفسير كتاب الله لهو جهد يعتزُّ به كل جزائري يؤمن بالإسلام دينا ودولة، ومقوِّمًا رئيسيا من المقومات الشخصيَّة الجزائريَّة، أما مآثر الإمام الشَّيخ بيُّوض فكثيرة، وجهوده في سبيل الدين والوطن جديرة بكل تقدير ... ".
(1/25)
أعمالي في الثورة
باختصار في الجزائر والتل
1 ــ نشبت الثورة وأنا بالجزائر، فمنذ ظهرت وخرجت إلى الشعب وأنا على اتصال دائم بإخواني جماعة بني ميزاب، نعمل جميعا على جمع المال، وإيجاد أماكن الإيواء، ومراكز البريد والاتصال، وشراء قماش الكاكي، والنعال، والألبسة العسكريَّة، وغير ذلك من أول الثورة إلى الاستقلال كلما سنحت لي فرصة الإقامة بالعاصمة.
2 ــ لي اتصالٌ وثيقٌ بالسيد الحاج أيوب إبراهيم بن بلحاج من أول الثورة إلى يوم أُلقِيَ القبض عليه، وكنت أُعِينُه وأؤيده في كل ما قام به من أعمال جليلة، وفي داره اجتمعت وتعرَّفت بالأخ رباح الأخضر، وعرض علينا إبراهيم يومئذ ما هيأه من لباس.
3 ــ كنت على اتصالٍ وتأييدٍ وإعانةٍ ومشورةٍ للسيد اسماوي الحاج اسماعيل في كل ما قام به هو وإخوته في دكانهم نهج (دكتور ترولار) من أعمالٍ عظيمة الأهميَّة، وكنت لهم المحرض الأكبر، لكنهم كانوا كغيرهم من الإخوان يحرصون على كتم اسمي محافظةً عليَّ، ولم أتخل عنهم لحظة إلى آخر يوم.
(1/26)
4 ــ شهدت مع بعض إخواني فيهم الشَّيخ ابن يوسف، ومفدي زكرياء عرض أوَّل شريط تلحين للنشيد الوطني لاختباره أمام المرحوم عبَّان رمضان، والسيد بن خدَّه، وربَّاح الأخضر، وكان الشريط قد سجِّل بدار طلبتنا بتونس، كما سجِّل معه في نفس الشريط نشيد بعثتنا، وأظن في أوائل سنة 1956م.
5 ــ في أيام "سالي ببيليك" التي نقلت إليها جوًّا على طائرةٍ عسكريَّةٍ كنت على اتصالٍ دائمٍ وعملٍ مستمرٍّ مع إخواني المناضلين ليل نهار، وممَّن اتصلت بهم يومئذ وديغول في الجزائر الأخ المناضل أحمد فخار نائب العامل في شرشال، وكان من العاملين المخلصين.
6 ــ شاركت في وضع عدَّة تقارير في شرح الحالة بالجزائر كانت تُرسَل إلى الحكومة بتونس، وكان الرد يأتينا بالشكر والامتنان.
7 ــ كنت أمرُّ ببعض البلاد التي فيها أقارب، أو مصالح في التل، فأُحرِّض أهلها على العمل الجدِّي لإنجاح الثورة، وكان أكثر العاملين فيها من تلامذتي الذين عرفت فيهم روح الوطنيَّة، ومن إخواني الذين ربَّتهم على الوطنيَّة دروسي العامة، وخاصة البليدة، والعلمة، وباتنة التي شاركت في كثير من أعمالها في مناسبات، واتخذنا مراكز للإيواء، وأخرى للبريد، وأحكمت الصلة بين أبنائنا وبين مسؤول الجبهة الذي
(1/27)
يدفع له المال ... إلخ، وكانوا كلهم يصدرون عن رأيي، ومَنْ تقاعس منهم عن دفع واجبه الثَّوري رفعوا أمره إليَّ لأعزِّره وأجبره.
8 ــ جاءني وفد من بريكة يشكون تلدد أحد التجَّار، وقد كانوا قد دفعوا عنه أقسامًا عديدةً إبقاءً عليه، فناديته وعزَّرته وأرغمته على الدفع، ومثل ذلك وفود أخرى تستشير وتستعين فيما عسر عليها، فلا أبخل عليها بكل ما أستطيع من رأيٍ ومعرفةٍ لإنجاح الثورة.
9 ــ كان أحد تجارنا بسطيف وهو بوسحابة عمر عنده كاميون نقل، وكان يعمل مع المناضل محمد الطاهر قائد الثورة في نقل المؤونة، والجند والسلع وغير ذلك، وكان يأتيني في كل شهرٍ مرة أو مرتين يشكو متابعة الجند الفرنسيِّين له، فأحرِّضه على التمادي في عمله، وأدعو الله له بالحفظ، وكلما جاء أبلغني سلام محمَّد الطَّاهر فأرد عليه مثله حتى استشهد محمد الطاهر، وانتقل الأخ إلى ميزاب في الأيام الأخيرة للثَّورة.
10 ــ عملت كثيرا أيام الثورة الأولى مع الريحاني، وكان يُحدِّثنا عن ذهابه إلى الأوراس ورجوعه واجتماعه بالمجاهدين، وأنَّكل ما جمعناه يوصله إلى أوراس وكنا نصدِّقه، ولم يكن في أيام الثورة الأولى فرق بين حزب وحزب، العمل لإنجاح الثورة وكفى، وما ندري بنيَّته والله يتولى أمره إنْ كان قد خدعنا.
11 ــ كنت على اتصالٍ وثيقٍ بالمناضل الأخ داودي محمد الذي يعمل في إحدى ضواحي الجزائر، ويسكن بديار جمعة، وبالأخ المناضل يعفو إبراهيم الساكن بالقليعة، يأتياني بكتب وأردُّ عليهما عن الولاية الرابعة، وأُحرِّضهم على العمل إلى النصر.
(1/28)
أعمالي في الثورة بالصحراء
وميزاب على الخصوص
1 ــبدأ العمل الثوري في جهتنا بميزاب في أواخر 55 بصورة بسيطة تتلخص في قدوم بعض التجَّار من الذين اعتادوا التجارة في الحبوب، والكسوة، والحيوانات بهذه الجهة، يشترون الأسلحة سرًّا وينقلونها إلى بسكرة على طريق تقرت، أو طريق أولاد جلال، فلم يكن عملنا يومئذ إلا تيسير عملهم؛ بتحريض مَنْ عرفنا عنده سلاحًا ليبيعه لهم إعانة للثَّورة - ولم يكونوا يومئذ يطلبون السلاح تبرُّعًا - وخرج بهذه الطّريقة أكثر ما كان في جهتنا من سلاح.
2 ــ في أواسط السنة قدم علينا جغابة محمد بواسطة أولاد الخبزي من بسكرة فاتصلت به، كما اتصل به إخوان آخرون، وتعاهدنا على العمل معا، وذهب ليستقر في متليلي التي يتَّخذها مركزًا، كما قال ولم يلفت قدومه الأنظار لأنَّه أتى في زيٍّ مدنيٍّ كأعرابيٍّ من البادية.
3 ــ أرسلت معه يوم سفره أحد قدماء تلامذتي فأراه مركزًا في الصحراء بوسط الطريق بين غرداية والقرارة فيه برج حكومي، وحارس بعائلته، وبئر ماء، وعرَّفه بالحارس وقال هذا أصلح مركزللاتصالات
(1/29)
فسرَّ به غاية السرور، وتعهَّد الحارس بالعمل وأنْ يكون صندوق بريد تشد الحاجة إليه في وسط الصحراء، وعندما ينظم العمل.
4 ــ كنا نرسل الإعانات إليه في متليلي فتصله، ولم نكن نتسلم وصلا لقوة الثقة.
5 ــ في هذه الأثناء جاءنا السيد الغزال الحاج سليمان بن عبد القادر الساكن بالدَّلَّاعة بين الأغواط والقرارة من طرف السيد زيَّان قائد الثورة بالصحراء، وكلفنا بتنظيم خليَّة للعمل لبني ميزاب، وأخرى لإخواننا العرب، وجعلني أنا المسؤول عن خليِّة بني ميزاب، والسيد الحاج سلامة مسؤول عن خليَّة العرب، وقد رأينا في هذا إصلاحًا لضمان كتم السر.
6 ــ قام كل منَّا بما وجب عليه، فأسَّست أنا جماعة من إخوان الصَّفاء جلُّهم من قدماء تلامذتي، فقاموا بما عهد إليهم به من أعمالٍ إلى ما بعد الاستقلال، فمنهم مَنْ قضى نحبه ومنهم مَنْ ينتظر وما بدَّلوا تبديلًا.
7 ــ جمع السيد الحاج سليمان ذخيرة ومؤونة وأعطيته منظارًا مكبّرًا عندي من أحسن المناظر ألماني الصنع، وقلت هذا هديَّة إلى سي زيَّاني ولم أكن أملك سلاحًا، وكان الجنود يومئذ يفضُّلون المنظار على قطعة سلاح أو عدَّة قطع. وكان عازمًا على حمل السلاح في (كاميون)
(1/30)
تمرٍ اشتراه، لكنَّه أحسَّ بأنَّ رجال الدّرك الفرنسي ارتابوا في أمره، فترك السلاح والمنظار عند صديق له ثقة، وخرج بالتَّمر فقط، وما سار قليلًا حتى لحقه الدرك وأفرغوا (الكاميون) فلم يجدوا غير التمر فخلُّوا سبيله، ثم أخرج السلاح بعد سكون الطَّلب.
8 ــ بعد مدُّة قليلة مات السيد زيَّان واعتُقِل الحاج سليمان، فوقع شيء من الارتباك في العمل معها، كل يدَّعي أنَّ ميزاب ملحق بولايتها، وكان إخواننا من مناضلي الأغواط يطلبون العمل معهم، وكان بعض من الولاية الخامسة جاءوا على طريق أفلو يطلبون الاتصال بهم والعمل معهم.
مرَّت على ميزاب فترة عصيبة يعمل فيها لجهات مختلفة فتفرَّقت جهوده، هو يقوم بواجبه مع كل جهةٍ حسب استطاعته، ولم تستقر الأوضاع إلَّا بعد جهودٍوكتاباتٍ واتصالاتٍ يطول شرحها، وأكثر أخبارها عند الشَّيخ بن يوسف سليمان بن الحاج داود.
9 ــ كذلك نظمت خلايا في برَّيان، وغرداية، والعطف، وكنَّا على اتصال دائم بالهاتف الرَّمزي، وبالاجتماعات هنا وهناكمرةكل أسبوع، وكان العمل منظَّمًا في ميزاب تحت إشرافي، وكنَّا على اتصال بإخوان الأغواط بواسطة الأخ البليدي صالح وكان بيننا انسجام تام.
(1/31)
10 ــ في خريف 56 بعد أنْ تبلورت الجبهة وتولَّى الحرَّاس الولاية استقرَّ جيش نظامي للجبهة تابع للحرَّاس في برَّيان تحت قيادة (قَنْتَار) وكان تحته سائر منطقة ميزاب، فأرسل إلى كل جهة نائبًا عنه، وأرسل إلى القرارة الجندي عثمان.
11 ــ جاء الجندي عثمان إلى القرارة في أواخر أكتوبر 1956م ومعه كتاب من محمَّد قنتار، فآويته وأسكنته ومعه الجندي السيد رابح الأبيض، فأحكمت الصِّلة بينه وبين أعيان خليَّتنا، فكنَّا نأتيه ونسهر معه وكان اثنان من خليَّة إخواننا العرب يأتيانه عندنا، فيشرع في جمع الأسلحة والذَّخيرة وهو التقاط في الحقيقة لأنَّ أكثر السلاح خرج قبل قدومه كما أشير إليه من قبل.
12 ــ كنت أنقله من دار إلى دار كلما قضى أياما في دار وخفنا الافتضاح نقلناه إلى دار أخرى، ولم يكن إيجاد سكن للجند أمرًا ميسورًا بل كان من أشدِّ ما لقيناه من العنت، فإنَّكل مَنْ طلبته أنْيُسكِن جنودًا في داره جفَّ ريقه في فمه خوفًا، ويُفضِّل أنْ يعطيك ولو قيمة الدار تبرعًا على أنْ تعفيه من السكن والأمر جد خطير، ومع ذلك كنت أُلِحّ وأُرغِّب وأُلزِم وأَضمَن وأَتحمَّل كل شيء حتى أحصل على منزل، وهكذا سكن نحو خمس ديار من يوم نزوله إلى يوم 31 جانفي 1957م يوم الكارثة.
(1/32)
13 ــ جَنَّدْت جماعة من قدماء تلامذتي لخدمة عثمان وصاحبه والوجوه التي تأتيهم خفية من الخارج، كما قامت نساؤنا بما يجب من إعداد الطعام، وأبناؤنا بنقله من مكان إلى مكان.
14 ــ كان أوَّل عمل قُمْت به بعد نزول عثمان بأربعة أو خمسة أيام أنْ آتيه بقائد البلدة ليدخل في النظام، ويتعهَّد بالعمل، ويكتم السِّرَّ، ويُضلِّل الفرنسيِّين إنْ اشتمَّ منهم رائحةً. قلت لعثمان إنَّني لا أظن أنَّ هناك مَنْ يتَّصل برجال الدَّرك أو الجند مباشرة، وإذا كان شيء فربَّما يكون بواسطة القائد، فالرأي أنْ أتصل به وأخبره صراحة بوجودك ونأخذ عليه العهد، وهكذا نعمل مطمئنِّين لأنَّ عملنا مستمر وليس عمل يوم أو أسبوع، تردَّد أولًا خوف أنْ يشي به فضمنت له وطمأنته، فذَهبْت إلى القائد أفاتحه لأوَّل مرة في قضيَّة الثورة، وأفهمته وجوب العمل عليه كوطني، وأقنعته بوجوب الاجتماع بالجندي الممثل للجيش والجبهة ومعاهدته، فقبل، فجمعتهم في بيتي حول مكتبي ونحن أربعة عثمان، رابح، القائد، أنا، فقطع العهد على نفسه بيمين مغلَّظة أنْ يعمل مخلصًا للثَّورة، وأنْ يكون لنا عينًا، وأنْ يُضلِّل رؤساءه ما استطاع، فشربنا الشّاي وأكلنا الحلوى ثم أخرج القائد من جيبه تفَّاحة فقسَّمها، ثم تبادلنا أطرافها فأكلناها توكيدًا للعهد فخرجنا نعمل مطمئنِّين.
(1/33)
15 ــ كان جندي الاتصال بين المركز في بريان والفرع في القرارة هو عمر بن علي بن العابد من سكَّان القرارة، وقد اتفقْت معه على طريقة محكمة للاتصال لأنَّه قد يترك الجند في دار ولا يعود إلَّا وهم قدانتقلوا إلى أخرى، والطريقة هي: أنني أجلس مرتين في اليوم في السوق صباحًا وعشية، فإذا جاء برسالة مر بي كسائر الناس وقال صباح الخير الشَّيخ، فأردُّ عليه ردا بسيطا كغيره، ثم يتنحَّى جانبًا بعيدًا يرقبني، وبعد نحو ربع ساعة أقوم فيتبعني من بعيد حتى أدخل الدار التي بها الحاجة فيدخلها بعدي بدون توقّف ولا استئذان، فيُبلِّغ ما أتى به ثم يُهيَّأ له ما يرده، وهكذا طوال مدة إقامتهم حتى استشهد رحمه الله.
16 ــ كنَّا نسعى بحكمة في التقاط الأسلحة والذخيرة وجمعها، وكان عثمان شابًّا عصبيًّا خفيفًا جدًّا، كان يحب الإسراع في العمل لغرضٍ في نفسه صرَّح لي به؛ وهو أنَّ هيأة الأمم ستجتمع قريبا وتقر استقلال الجزائر حالًا، وهو يطمع أنْ يكون ضابطًا ويتولَّى القيادة في ميزاب وطريقتنا البطيئة تعرضه ... إلخ وكان -وهو نازل عندنا- يخرج في بعض الليالي ويقول إنِّي لا أعود إلى غد أو ربما إلى بعد غد، فعلمنا أنَّه اتصل ببعض شباب صغار لا يستطيعون تحمل المسؤوليات ونخاف الافتضاح من جهتهم، فعاتَبتُه بمحضر بعض أعضاء الخليتين، وقلت له والله إنَّ الذين اتصلت بهم وكشفت لهم أمرك لو بقيت الثورة عامين
(1/34)
آخرين لبقينا متردِّدين في أنْ نُطلِعهم على شيء أو نطلب منهم شيئالأنَّنا أعلم منك بالناس، منهم مَنْ يُقرَض بالمقاريض ولا ينطق بكلمة، ومنهم مَنْ يُصفَع بصفعة واحدة وربما بنظرة شزراء فقط فينشر كل ما في قلبه، وقد عرَّضتنا وعرَّضت نفسك للبلاء نسأل الله أنْ يلطف بنا.
17 ــ في أواخر جانفي 57 ابتدأ أسبوع الإضراب فاشتدَّ كلب الفرنسيِّين، فكسروا أبواب الدكانين المغلقة، وسبُّوا وشتموا وهدَّدوا وتوعَّدوا فرأينا الحالة خطيرة، وفي دار من دورنا جنود وأربعة عشر سلاحا ناريًّا، ونحو 5000 (كرتوشة) من مختلف الأنواع، ونحو نصف قنطار بارود (نملي)، وقليل منه (عربي)، ففي صبيحة الثَّلاثين جانفي جَمعْت أعضاء الخليَّة وحرضتهم على التقاط أي سلاح من أي مكان، وقلت لهم نظرًا لخطورة الحالة لا ينبغي أنْ نترك ما حصلنا عليه من سلاح وذخيرة عندنا، بل يجب تحميله وإخراجه فرارًا به، فإذا جمعت كمية أخرى أخرجناها كذلك كما سبق، فقالوا كهم صواب، وفي الليل بعد صلاة العشاء أرسلت أربعة من الشباب قدماء التلاميذ إلى الدار فقاموا بالمهمة خير قيام ومعهم عثمان، ورابح وبعض الإخوان، فضبطوا كل شيء وجعلوه طرودا محكمة يسهل حملها بكل طريقة، ثم وضعوه جانبا ننظر في طريقة إخراجه، وخرج الشباب وتركوا الجنود والسلاح في الدار والكل آمن مطمئن حوالي الساعة 12 ليلا. وما كادت تدقُّ
(1/35)
الساعة الثالثة حتى كانت الطرقات كلها تسيل بالدبَّابات وحاملات الجنود و (الجيب) وغيرها، وما كاد الفجر يبزغ حتى تم تطويق المدينة ووضعت المصفَّحات، والمرايا المكبرة حتى على الجبال المطلة على البلدة، ثم شرعوا في جر المتهمين من ديارهم إلى السجن والتعذيب.
وكان من لطف الله أنْ أعمى أبصارهم عن الدارالتي بها الحاجة مع أنَّ مركزًا من مراكز المراقبة لا يبعد عن الدار إلَّا بنحو مائة متر أو تزيد. مرت بنا ساعات من أحلك ما مر بنا ولم نستطع الاقتراب من الدار لحمل الفطور والغذاء إلى الجنديين، وحوالي منتصف النهار علمنا أنَّ الجنديين خرجا متسلِّلين عند الفجر قبل أنْ يشعر بهما أحد ففرحنا لسلامتهما. بقيت قضيَّة الأسلحة تقضُّ مضجعي وكان اليوم يوم خميس 31 جانفي 57، وعند أذان المغرب من ليلة الجمعة دعوت أربعة من الشباب الجريء المخلص إلى المسجد وقلت لهم أرجو منكم الآن بعد صلاة المغرب بقليل بعد أنْ يعتكر الظَّلام أنْ تتسلَّلوا إلى الدار واحدًا واحدًا، يفتحها أولكم بلطف يترك الباب مفتوحا كأنَّه مغلق حتى يدرك أصحابه فتُخرِجوا السلاح إلى كثيب هناك في المقبرة غير بعيد عن الدار فتردموه فيه جيدا، أمَّا أنا فأدخل المسجد وأصلِّي وأدعو لكم بالستر والحفظ في هذه الليلة المباركة، وأريد منكم أنْ تلقوني عند خروجي من صلاة العشاء فتخبروني بأنَّكل شيء قد تمَّ، قوموا والله معكم.
(1/36)
تمَّ كل شيء والحمد لله، فما خرجت من صلاة العشاء حتى وجدتهم في انتظاري بباب المسجد فبشَّروني بنجاح العمليَّة والحمد لله، فدعوت لهم بالخير وسُرِرت وفَرَحت لأنَّالسلاح لو ضبط بالداروهي دار عشيرة ورؤساؤها طلبة ومعلِّمون لكانت كارثة على البلد كله، وعلى المدرسة والمسجد والمعهد والطلبة وهم دائما محلَّ تهمة، أمَّا إنْ ضبط في كثيبِ رمل فإنَّ الأمر هيِّن بل لا خطر فيه. ثم أُخرِج هذا السلاح بعد أيام حين سكن كل شيء، وأُرسِل إلى (وادي الرّطم) حيث توجد كوكبة من الجند والحمد لله.
18 ــ وقعت فترة ركود بعد سجن خليَّة إخواننا العرب بالقرارة وخليَّة بني ميزاب بغرداية، ثم تجدَّد النشاط بعد خروجهم من السجن، وتوالى ورود الجنود على البلد إلى يوم الاستقلال، وكانوا تارة ينزلون علينا وتارة ينزلون على إخواننا العرب، بَيْدَ أنَّ الانسجام تام بيننا، وكانت المهمَّة جمع الاشتراكات والتبرُّعات، وتكوين مجالس وأمور شكليَّة أخرى، وكانوا ينتقلون من دار إلى دار تارة في وسط البلد وتارة وسط الأجنَّة، وكنت أنا المشرف على كل شيء والمدير والمسيِّر لكل شيء، وكنت أجتمع بهم مرة بعد أخرى، أمَّا كثرة الاتصال بواسطة تلامذتي العاملين منهم المعلِّمون، ومنهم نوَّاب في البلدية، إلَّا إذا دعت حاجة ملحِّة فيدعوني للتفاهم فيها، وما نزلوا دارا إلَّا وأنا الذي قام بطلبها من صاحبها بإلحاح
(1/37)
وضمان، فإذا كانت دارا مسكونة طبخَتْ لهم ربَّة المنزل، وإنْ كانت غير مسكونة جعل لهم طبَّاخ خاص بهم في المحلِّ، وتارة ينقل الطَّعام من بعيد، وكل هذا بتدبيري ومشاركتي مع إخواني العاملين إلى يوم غادرت القرارة إلى الهيأة التَّنفيذيَّة في بومرداس بعد وقف إطلاق النار، وكان المناضلون الميزابيُّون في القرارة لا يحرِّكون ساكنا إلَّا بإذني واستشارتي.
19 ــ لما

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

تواصل معنا

أكثر من 600,000+ يتابعون موقعنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي إنظم إلينا الآن

عن الموقع

author مكتبة أهل الحق والإستقامة <<   مكتبة أهل الحق والإستقامة..موقع يهتم بنشر الكتب القيمة في مختلف الجوانب (فقه..عقيدة..تاريخ...الخ) عند المذهب الإباضية من نتاج فكري.

أعرف أكثر ←

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *