أ شراط الساعة النص والتاريخ لخالد الوهيبي - مكتبة أهل الحق والإستقامة

أحدث المشاركات

Post Top Ad

Post Top Ad

الثلاثاء، 14 ديسمبر 2021

أ شراط الساعة النص والتاريخ لخالد الوهيبي

 





عنوان الكتاب: أخبار الأئمة الرستميين
المؤلف: ابن الصغير القرن الثالث الهجري
تحقيق وتعليق: محمّد ناصرْ و إبراهيم بحّاز
الناشر: [د. ن]
طبع: المطبوعات الجميلة.
البلد: الجزائر
سنة الطبع: 1986
[ترقيم الصفحات موافق للمطبوع]
تراثنا
أخبار الأئمة الرستميين
[ترقيم الصفحات موافق للمطبوع]
ابن الصغير
القرن الثالث الهجري
تحقيق وتعليق
دكتور محمّد ناصرْ
الأستاذ إبراهيم بحّاز
(1/1)
[صفحة بيضاء]
(1/2)
أخبار الأئمة الرستميين
ابن الصغير
القرن الثالث الهجري
تحقيق وتعليق
دكتور محمّد ناصرْ
الأستاذ إبراهيم بحّاز
(1/3)
[صفحة بيضاء]
(1/4)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
من أهم البواعث التي حفزتنا على تحقيق هذا المؤلَّف القيم ونشره، ما رأيناه من فراغ في المكتبة العربية الاسلامية في مجال تاريخ المغرب الاسلامي عامة، وتاريخ الدولة الرستمية خاصة. وقد ساعد على احداث هذا الفراغ الهائل عدة عوامل، قد يكون من أهمها عدم اهتمام الدارسين والباحثين بهذا النوع من الدراسات التي تعتمد البحث والتقصي، وميل أغلب الناشرين الى هذا الانتاج الخفيف الذي يقبل عليه القارئ المعاصر غالبا مثل القصص والروايات والشعر وما إليها.
والحق قد يكون مما ساعد على الوصول الى هذا التراث المتعلق بالدولة الرستمية، انصراف المؤرخين القدامى أنفسهم عنها، وزهدهم في الكتابة في تاريخها، لا لشيء إلا لكون مؤسسيها يتمذهبون بالمذهب الإباضي الذي يصر أغلب اولئك المؤرخون على اعتباره مذهبا من مذاهب الخوارج.
وقد لفت نظرنا كما لفت نظر العديد من الباحثين المعاصرين النزهاء هذا التجني في حق أول دولة مستقلة في المغرب الاسلامي، استطاعت أن تطبق بحق الدمقراطية والعدالة بين أهلها رغم اختلاف المذاهب والديانات، ويمكن ان نذكر من بين اولئك المؤرخين ابن عبد الحكم (ت257ه) صاحب كتاب فتوح مصر والمغرب والاندلس، والبلاذري (ت 279ه) صاحب الكتاب المشهور فتوح البلدان، فعلى الرغم من معاصرتهما للدولة
(1/5)
الرستمية فانهما لم يذكرا من اخبارها النزر القليل.
والأعجب من هذا ان ينزلق الى هذا التجني مؤرخ مغربي شهد له بالموضوعية، وسعة العلم وهو ابن خلدون، (1) ان هذا الانحياز المؤسف جعل باحثا معاصرا يقرر بأن إهمال التاريخ للدولة الرستمية من شأن المؤرخين في المشرق الاسلامي ايضا، (2) ونجد من بين الباحثين المعاصرين الاكاديميين من ضرب صفحا عن الدولة الرستمية، فلم يرد لها ذكر في مؤلفه وكأنها لم تخلق قط بينما يذكر دويلات أقل أهمية ويدعى التاريخ "للثقافة والادب في المشرق والمغرب" واذا التمسنا عذرا للمؤرخين القدامى الذين كانوا يعيشون ظروفا اجتماعية وسياسية ونفسية صعبة بحكم قربهم من هذه الصراعات الفكرية والمذهبية، فأي عذر نلتمسه لدكتور جامعي يدعي الاستقلال الفكري، والنزاهة الموضوعية، وينشر كتابه بعد الاستقلال الجزائر بثلاثين سنة (3)؟!
على أن الذين يتحملون المسؤولية الكبرى في هذا الإهمال هم المعنيون بهذا التراث قبل غيرهم من الإباضية، لأنهم لم يبذلوا أي جهد في إزالة التراب عن هذا التراث الذي ما يزال أغلبه في رفوف الخزائن الخاصة، وقد عبثت السنون والارضة بالكثير منه، وسوف يأتي يوم يدرك فيه أصحاب هذه الخزائن أنهم اساؤوا في حق المعرفة الانسانية كما اساؤوا في حق تاريخهم وحضارتهم.
__________
(1) / أنظر، المدني أحمد تو فيق، مدخل لدراسة الدولة الرستمية، واسهامها في التطور الفكري والحضاري الملتقى الحادي عشر للفكر الاسلامي، صفر 1397ه/فبراير 1977 م. ق
(2) / أنظر تفاصيل اكثر في جودت عبد الكريم يوسف، العلاقات الخارجية للدولة الرستمية، م. و. ك. الجزائر، 1984، المقدمة.
(3) / أنظر عبد الله شريط، تاريخ الثقافة والأدب في المشرق والمغرب م. و. ك. ط3، الجزائر 1983م.
(1/6)
ونحن، اذا ذكرنا هذا هنا فإننا نذكره بألم شديد، خاصة إذا علمنا أن كتاب مثل كتاب ابن الصغير في تاريخ الأئمة الرستميين أول دولة إسلامية مستقلة في الجزائر، نفتقد اليوم مخطوطه في المكتبات الخاصة الاباضية وفي المكتبات العامة الجزائرية وغيرها، وقد كان موجوداً ... ) A de C. Motylinski في إحدى خزائن وادي ميزاب في بداية هذا القرن، حيث اطلع عليه الأستاذ المستشرق (موتيلانسكي وذكر أنه، في علمه، لا توجد لذلك الكتاب أية نسخة خطية أخرى في مكان آخر، فهل استولى عليها المستشرقون قبله، كما استولوا على كثير من تراثنا، فافتقدتها خزائن ميزاب بطريقة إن دلت على شيء فإنما تدل على تهاون أصحابها وذكاء وحيلة المستولى عليها، وبعد هذا الاهمال الذي أدى الى اختفاء المخطوط وضياعه، استمررنا في الإهمال والغفلة، ولولا أن الكتاب طبع من ضمن أعمال مؤتمر المستشرقين الرابع عشر الذي انعقد في الجزائر سنة 1905م (1) لكان مصير الكتاب، ولاشك، الضياع والاختفاء، فتلك إذن من جهة أخرى حسنة من حسنات الاستشراق الذي بالقدر الذي سطا به على تراثنا وحمله إلى بلاده وراء البحار، بالقدر نفسه احتفظ على ذلك التراث وعمل على نشره، وتصنيف مخطوطاته في مكتباته التي فتحها لجميع الدارسين، من هنا يجب أن نلوم أنفسنا قبل أي أحد آخر على إهمالنا وغفوتنا.
وظل الباحثون يرجعون إلى يومنا هذا إلى ذلك النص المطبوع ضمن أعمال المؤتمر المذكور، أصبح الحصول عليه عسيراً جداًّ، وفي سنة 1975ــ1976م طبع نفس النص العربي في مجلة العلوم الإنسانية لكلية
__________
(1) / Actes du 14e Congrès international des orientalistes a’ Alger 1905 3eme partie imp. Orientale paris 1908 _Texte arabe aves la traduction de motylinski et préface,
(1/7)
الآداب بتونس وهي المجلة المعروفة بكراسات تونس (1)، وذكر في سطور مدير المجلة الأستاذ طالبي محمد، بأن إعادة طبع الكتاب تماما مثلما فعله موتيلانسكي هو بعيد من أن يأخذ مكانه اللائق به، وقال بأنه ليس في الإمكان إلا إعادته كما هو، باستثناء تصحيح بعض الأخطاء الظاهرة البينة. وتفاءل أن تكون إعادة طبعه لهذا الكتاب سبباً وحافزاً لطبعة أجود. ثم ختم قائلاً " ولكن كيف الحصول على المخطوط! " (2).
وفي سنة1976م أي في نفس السنة، أستل َّما كتب في تلك المجلة عن ابن الصغير: النص العربي وتقديم موتيلا نسكي وكلمة مدير المجلة فأعيد طبع ذلك دون زيادة أو نقصان (ربما بالأوفست) لأن الصفحات هنا تتناسب مع الصفحات هناك والذي تغير هو ترقيم
الصفحات فقط، وقامت بهذا الطبع كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس منشورات جامعة تونس ضمن سلسلة "معرفة المغرب". (3) XI وتحت رقم
وذكر على غلاف هذا الكتاب أن كراسات تونس رأت ضرورة إعادة طبع بعض النصوص التي نشرت في المجلة والتي أصبحت صعبة المنال بالنسبة للباحثين في تاريخ إفريقيا الشمالية.
هذا ما قامت به تونس، وذاك ما قامت به فرنسا، أما الجزائر التي يعتبر الكتاب كتاباً لتاريخها المباشر ومؤلفه جزائري تيهرتي سكن تيهرت في عهد الرستميين وكتب مشاهداته أو ما قيل له عن قرب فإنها لم تعمل
__________
(1) / Les cahiers de Tunisie, Revue des sciences Humains faculté des lettres de Tunisie. Tome XXIII N0 91 - 92 3e et 4e trimestre 1975, pp. 315 - 368
(2) / Ibid p. 313
(3) / Faculté des lettres et sciences humaines de Tunis, Connaissance du Maghreb XI Publications de l’Université de Tunis 1976.
(1/8)
شيئا من هذا القبيل، ومن هنا كان إهمالها لتراثها، ومن هنا كان تسرب تراثها شرقاً وغربا، فسبقت في هذا المجال، فهلا من نهوض ويقظة؟
إننا نقدم ابن الصغير في حلة جديدة معتمدين على النسخ المطبوعة المذكورة وعلى نسخة مخطوطة بحوزتنا للشيخ أبي اليقظان ابراهيم، قام باستنساخها بنفسه من مطبوعة أعمال مؤتمر المستشرقين الآنفة الذكر.
ولقد عملنا قصارى جهدنا في تحقيق النص من جميع جوانبه، فلم نترك حسب اعتقادنا، أي مبهم يحتاج إلى فك، أو أية كلمة غامضة تحتاج إلى تفسير أو أي خطأ لغوي يحتاج إلى تصحيح، فرجّحنا ما وجدنا سياق الكلام يحتمه من ذكر النص الأصلي أو الكلمة الأصلية كما وردت في الأصل، مخافة أن يكون اجتهادنا خاطئا، ولقد ترجمنا للأعلام الواردة في النص بالقدر الذي وجدناه في المصادر الإباضية أو غيرها من المصادر المعتمدة، وبينا بعض الأماكن الواردة في النص مهملين الأماكن المعلومة، أما بعض المواضع التي لم نجدها في المصادر الجغرافية فقد ذكرنا ذلك. وأثبتنا الروايات التي تتفق أو تختلف مع الروايات في المصادر الإباضية، وما سكتنا عنه من ذلك فهو ينفرد به ابن الصغير، وسوف يجد القارئ والباحث توضيحات أخري في محلها من الهوامش أو المتن.
وقد رأينا اعادة نشر الخلاصة الفرنسية التي كتبها موتيلا نسكي حين نشره هذه الرسالة كاملة لأول مرة سنة (1905) في المجلة الإفريقية فعلنا ذلك حتى يستفيد الذين لا يحسنون اللغة العربية بالقدر الذي يمكنهم من فهم أمثال هذه البحوث و لعل ذلك خير، كما قمنا بتعريبه تعميما للفائدة و مساعدة لأولئك الذين لا يحسنون الفرنسية، و نود الإشارة هنا إلى أننا قد لا نوافق موتيلانسكي في كثير من الآراء التي ذهب إليها في
(1/9)
خلاصة تلك، وقد اكتفينا بإبداء رأينا في التعليق على الهوامش رسالة ابن الصغير.
كما قمنا بوضع عناوين صغيرة للرسالة الى جانب النص الاصلي اجتهدنا في أن تكون دالة على محتوياتها تسهيلاً للقارئ العادي والباحث المتخصص، واعتمدنا عليها في وضع فهرس موضوعات الكتاب وهو لم يكن موضوعا من قبل في النسخة الأصلية.
وإننا إذ نقوم بهذا العمل، نرجو أن نكون موفقين فيه أوّلاً، وأن يلبي طلبات الباحثين في التاريخ الإسلامي ثانياً، إننا نقدم هذا الكتاب إلى كل القراء والباحثين عامة وفي الجزائر خاصة لأنه كما ذكرنا سابقاً، لم يسبق أن طبع في الجزائر أو بيع في مكتباتها رغم أنه طبع عدة مرّات، والله من وراء القصد.
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.
الجزائر في يوم 04 رجب 1405ه/26 مارس 1985م.
محمد ناصر
ابراهيم بحاّز
(1/10)
ترجمة ابن الصغير والتعريف بكتابه
ابن الصغير هو مؤرخ الدولة الرستمية، كما تسميه الدكتورة وداد لقاضي (1) لانعرف عنه شيئا كثيراً، إلا ما ذكره هو بنفسه في كتابه. عاصر ابن الصغير أواخر أيام الرستميين، وذكر أنه رأى الإمام أبا اليقظان بن أفلح (261_281 ه) الذي يقول عنه "وقد لحقت بعض أيامه وإمارته وحضرت مجلسه" (2) فابن الصغير إذن من سكان تيهرت الرستمية ومن رعايا الرستميين، ولا نعرف بالضبط هل هو من مواليد تيهرت أم أنه هاجر إليها من مدينة أخرى أو من بلد آخر، ولعل ّ هذا الاحتمال الثاني أرجح، يرجحه قوله "ولقد لحقت أنا بعض أيامه "،فالظاهر من هذا الكلام أنه جاء غريباً إلى تيهرت في أواخر أيام أبي اليقظان واستوطنها، واستقرّ فيها كما استقرّ غيره قبله وفي هذا يقول ابن الصغير "ليس أحد ينزل من الغرباء إلا استوطن معهم وابتنى بين أظهرهم ....... حتى لا ترى داراً إلا قيل هذه لفلان الكوفي، وهذه لفلان البصري وهذه لفلان القروي .......... " (3)، فهو هنا ينسب المدينة للإباضية أو للرستميين " ينزل بهم" ولا يعتبر نفسه واحداً من أهلها، ويبدو لنا أنه إما
__________
(1) / وداد القاضي: ابن الصغير مؤرخ الدولة الرستمية، مجلة الأصالة، عدد45، مطبعة البعث قسنطينة، الجزائر 1387ه/1977م.
(2) / ابن الصغير: أخبار الأئمة الرستميين ص34.
(3) / نفسه ص6.
(1/11)
أن يكون كوفياً أو بصرياً أو قروياًّ، يتضح لنا هذا من قوله أيضاً مناظرة جرت بينه وبين أحد الإباضية، فقال له هذا الإباضي" من أين زعمتَ وزعم أصحابك وغيرهم من الحجازيين و العراق .... " (1)، فابن الصغير على يبدوا لم يكن من مواليد تيهرت وإنما استوطن تيهرت ابتداءً من أواخر دولة أبي اليقظان بن أفلح الذي توفى سنة 281ه حسبما ذكره ابن الصغير نفسه (2)
أما إذا تساءلنا عن مذهب مترجمنا، فالذي نراه إما أن يكون مالكياًّ أو شافعياًّ، ولعل الاحتمال الثاني أقرب إلى الصواب، فالنص الذي ذكرناه قبل قليل عن مناظرة مؤرخنا مع أحد وجوه الإباضية الذي قال له "من أين زعمتَ وزعم أصحابك وغيرهم من الحجازيين و العراق .... " إن هذا النص يشير إلى كون ابن الصغير حجازي المذهب أي مالكياً أو عراقي المذهب، فالعراق في هذه الفترة يعج بالفرق والمذاهب ولكننا نحتمل أن يكون القصد به هنا المذهب الشيعي.
إن ابن الصغير كثيراً ما أشار إلى ميوله العلوية ولعل ّأبرز ذلك إيراده لحديث "من كنت مولاه فعلي مولاه " فهذا الحديث الذي استشهد به ابن الصغير على خصومه اعتقاداً بصحته في ذلك الوقت بذات، دليل على علوته، لأن هذا الحديث ظل مدار مناقشة المحدِّثين إلى يومنا هذا تقريباً بين معترف بصحته ورافض لذلك (3) فالشيعة العلويون بطبيعة الحال مؤمنون بصحة الحديث لأنه يخدم معتقداتهم وبالتالي فابن الصغير لم
__________
(1) / نفسه ص45.
(2) / نفسه ص38.
(3) / الألباني محمد ناصر الدين: سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها و فوائدها ج4، ط2، المكتبة الإسلامية عمان 1404ه/1983م، ص330 وما بعدها.
(1/12)
يستشهد بهذا الحديث إلا لكونه علوياًّ شيعياًّ، معتدلاً في نظرنا، هذا بالإضافة إلى ذكره بأن خطيب الجمعة في تيهرت كانت خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (1).
إننا نرجّح هذا وهذه الأدلّة ونحن نشعر يقينا أن المسألة ما زالت بحاجة إلى أقلام و بحوث، فلعل اجتهادنا يكون حافزا لغيرنا للتدقيق في الأمر أكثر.
ونختم إجمالاً بالقول أنّ ابن الصغير لم يكن من مواليد تيهرت، وإنما قصدها في أواخر أيام أبي اليقظان، فاستوطنها كما استوطنها الغرباء الذين تحدث عنهم، لذلك كان الشطر الأول من كتابه إخباراً وروايات استقاها ممن يثق بهم من الإباضية والشطر الثاني منه مشاهدته الخاصة. وبالنسبة لمذهبه فهو شيعي معتدل غالبا.
أما إذا جئنا إلى كتابه، فإننا نفاجأ بداية بتعدد عناوينه، مثل "أخبار الأئمة الرستميين "، "تاريخ ابن الصغير "،"سيرة ابن الصغير"، وقد استعملت هذه التعابير كلها في الكتابات الحديثة، إلا أن أول نشر له من قبل الأستاذ موتيلانسكي يحمل هذه العبارة "ذكر بعض الأخبار في الأئمة الرستميين منقول من ابن الصغير" (2)، فلعل الكتاب الذي بين أيدينا اليوم ناقص، وهو ما يمكن فهمه من شبه عنوانه أو افتتاحيته المذكورة، فذكر بعض الأخبار المنقولة من ابن الصغير لا تعني إلا انتقاء أخبار دون أخرى، وإلى هذا تشير الدكتورة وداد القاضي فتقول بأن كتاب ابن الصغير وصلنا ناقصاً إذ يسكت فجأة في إمامة أبي حاتم يوسف دون أن يشير إلى
__________
(1) / ابن الصغير ص47،32.
(2) / Actes du 14e congres internationl opcit,p. 9
(1/13)
نهاية الرستميين، وتعلل هذا بقولها إن ابن الصغير لما تحدث عن فرص يعقوب بن أفلح الأشقر قال "لم يكن بالمغرب مثله قبله ولا بعده به يضرب المثل إلى اليوم " (9). وتقول الدكتورة علماً بأن الإمام يعقوب تولى الإمامة مباشرة قبل أبي حاتم فقوله "إلى اليوم" تعني بعد مدة ليست بالقصيرة .... (10).
ويعتبر كتاب ابن الصغير المرجع الأول، وربما الوحيد لتاريخ الأسرة الرستمية، ويتهم الشيخ محمد مبارك الميلي لغته بالعامية (11)، فهي إن كانت في بعض الألفاظ كذلك، فالكتاب ككل لا يمكن وصف أسلوبه بالعامية في نظري، الدكتور محمود إسماعيل إن "أسلوبه
ومنهجه كما يتضح في تاريخه للدولة الرستمية ينم عن طول باع في ميدان التاريخ " (12).
ويبدو أنّ ابن الصغير ألّف كتابه حوالي سنة 290ه حسبما يرى ذلك مترجم الكتاب وناشره الأستاذ موتيلا نسكي (13)، ويؤكد كل من الأستاذ ليفسكي (14) ووداد القاضي (15)، إذ تنتهي أحداث الكتاب في حكم أبي حاتم
__________________
(9) ابن الصغير ص 43.
(10) وداد القاضي: ابن الصغير مجلة الأصالة عدد45، ص40، من المعلوم أن الإباضية لا يعترفون بإمامة يعقوب بن أفلح، وكذا إمامة اليقظان بن اليقظان وكلاهما قفز إلى الإمامة دون مساندة من الإباضية فهم يتوقفون عند الإمام أبي حاتم "قتل سنة 294ه"فلعل هذا هو السبب في إهمال الأحداث الأخيرة للدولة الرستمية وذلك بعدم استنساخ الإباضية لها، خاصة وأن المخطوط الذي وجده موتيلانسكي إنما وجده ميزاب ومن هنا كانت العبارة "ذكر بعض الأخبار".
(11) الميلي محمد مبارك: تاريخ الجزائر القديم والحديث، ج2، الجزائر 1350ه/ص69.
(12) محمود إسماعيل: الخوارج في المغرب الإسلامي، بيروت، 1976، ص.9.
Actes du 14é Congrès, op cit p .4 ... (13)
Lewicki T. :l’Etat nord – africain de Tahert et ses relations avec le soudan occidental cahiers. ... (14)
(15) وداد القاضي: مجلة الأصالة عدد45، م40.
(1/14)
الذي امتد إلى سنة 294ه، ولم يشر إطلاقاً إلى اليقظان بن أبي اليقظان، هذا إذا اعتبرنا الكتاب الذي بين أيدينا كاملاً لم يسقط منه آخره.
أما إذا تحدثنا عن محتويات الكتاب فالحقيقة أن ابن الصغير جمع أخبار الأئمة الواحد تلو الآخر بالترتيب، وأطنب في الحديث عن بعض الفتن، كفتنة ابن عرفة أو المنافسة التي جرت بين الإمامين أبي حاتم وعمّه يعقوب على السلطة (16)، حتى ليخيل للقارئ أن ابن الصغير إنما ألف تأليفه لذكر الفتن والثورات التي مرت بها تيهرت، ابتداء من الإمام الثاني عبد الوهاب إلى الإمام أبي حاتم يوسف. واعتمد ابن الصغير في كتابة تاريخه على مصدرين: الرواية الشفوية وهي تسيطر على الجزء الأكبر من كتابه، والمشاهدة التي لا تبدأ قبل فترة أبي اليقظان الذي عاصر ابن الصغير أيامه الأخيرة، وفي الرواية الشفوية يذكر ابن الصغير أحد رواته وهو أحمد بن بشير (17) الذي يبدو ابن أحد المقرّبين من الإمام أبي اليقظان، مما يضفي أهمية على أخباره ومما يجعل مصادره قريبة من الأحداث التي يؤرخ لها.
إن الأمانة العلمية التي التزم بها ابن الصغير لم تمنعه، كما تقول وداد القاضي من ممارسة حسه النقدي للروايات بصفته مؤرخا. وهذا ما يمكن ملاحظته في الروايات التي رواها، وتدور حول موضوع خطير في ذاته، خطير في نتائجه وجدته، إذ يشعر ابن الصغير بالتحرّج الشديد "وقد ظهر منه ذلك مرتين: الأولى عندما جاء في الرواية أن أفلح بن عبد
--------------------
(16) ابن الصغير: ص 31 وما بعدها، 53 وما بعدها.
(17) ابن الصغير: ص48، و أنظر قبلها ص 45.
(1/15)
الوهاب عمد إلى سياسة فرق تسد ..... والمرة الثانية في قصة تأليب وجوه الرستميين لأبي بكر بن أفلح ضد ابن عرفة .... فالرواية هنا ذهبت إلى أن أبا اليقظان بالذات هو الذي قام بتحريض أبي بكر علي بن عرفة وباقتراح منه .... " (18).
ويكاد يخلو كتاب ابن الصغير من ذكر التواريخ، أو ذكر أخبار الدولة الرستمية خارج تيهرت، وكأنه خصّصه لتاريخ تيهرت لا غير. وإذا أردنا ختاماً تقيم المؤلف على ضوء كتابه، وقيمته التاريخية، فإنه لا يسعنا إلا إعادة تكرار ما قالته الدكتورة وداد القاضي من أن "القراءة الدقيقة لتاريخ ابن الصغير تدل على أن ابن الصغير لم يكن مجرد رواية للتاريخ وإنما كان مؤرخا حقاًّ " (19). لهذه الأسباب كلها وللأهمية المذكورة للكاتب والكتاب نقوم اليوم بتقديمها رغم عدم عثورنا على المخطوط. ونشير الى أننا أمام اختلاف وتعدد عناوين الكتاب رأينا ترجيح هذا العنوان:
* أخبار الأئمة الرستميين *
لأنه الأقرب إلى نص الكتاب، وهو الأقرب إلى شبه العنوان الذي ظهر به أولاًّ.
__________________
(18) وداد القاضي: الأصالة عدد45، ص44
(19) نفس المرجع ص49 وأنظر كذلك الدكتور محمود إسماعيل: الخوارج، حيث يقول إن ابن الصغير ن مؤرخ دقيقا نابها ص 9.
(1/16)
تاريخ *ابن الصغير*
عن أئمة تاهرت الرستميين
تأليف: موتيلانسكي
ترجمة د/ محمد ناصر
في دراسة منشورة سنة 1885 تحت مدرسة الآداب بالجزائر، قدمت معلومات موجزة عن أئمة تاهرت الرستميين منسوبة إلى مؤرخ يدعى " ابن الصغير".
وسأقدم هنا ترجمة للنص الكامل لهذا المخطوط الذي لا يوجد منه -حسب علمي- سوى نسخة وحيدة بوادي ميزاب، وكان المفروض أن تصحب (الترجمة) معلومات وافية عن الاصول العقائدية والتاريخية للإباضية .... عن بداية وتطور المذهب في المغرب (الإسلامي) .... معلومات عن الاحداث التي سبقت أو ساعدت على تأسيس تاهرت، ولكن هذا العمل كما يبدو في إطاره المحدود الضيق ان هو سوى مساهمة متواضعة في تاريخ الخوارج بإفريقيا وهو يحتاج الى دراسات أعمق مما دفعنا الى الإلحاح على بعض التساؤلات التي عولج بعضها بطريقة مجزأة، ولأهميتها فإني سأحيل (القارئ) الى سير أبي زكرياء المترجمة و الموثقة من طرف الفقيد (ماسكاري) (1).
وليسمح لي أن أذكر من بين المراجع، الدراسات المتواضعة التي قمت بها
__________________
(1) يشير هنا إلى كتاب "سير الأئمة وأخبارهم " المعروف بتاريخ ابي زكرياء وقد نشر مؤخرا بتحقيق إسماعيل العربي عن المكتبة الوطنية بالجزائر وكان قد ترجم
Emile masquery la chronique d’ Abou Zakaria Alger 1878 . " ماسكاري"، أنظر
(1/17)
عن اباضية الشمال الإفريقي وهي: القرارة منذ تأسيسها (2)، جبل نفوسة (3)، العقيدة الاباضية (4) وقد نشرت هذه الدراسة الاخيرة بالمجلد الذي صدر عن مدرسة الآداب بمناسبة انعقاد هذا المؤتمر الذي يجمعنا (5).
إنّ تاريخ ابن الصغير يعد من أقدم الوثائق المتعلقة بتاريخ اباضية المغرب ولا يمكن إدراجها ضمن تاريخ هاته السير المؤلفة من طرف المؤرخين الإباضيين، مثل سيرابي زكرياء، وطبقات الدرجيني، وجوهر البرادي، والسير للشماخي، وغيرها من الدراسات الثانوية التي تكون في مجموعها الأسس الحقيقية لتاريخ اباضية ميزاب، وإخوانهم بجربة، وجبل نفوسة، ذلك لأن عمل ابن الصغير هو عمل مؤرخ أجنبي عن المذهب يسكن تاهرت الرستمية تحت حكم آخر حاكمها، إن عمل ابن الصغير هو عمل مسلم لا ينتمي إلى المذهب الإباضي عاش تحت حكم الدولة الرستمية في آخر أيامها، دفعة حب الاطلاع الى جمع معلوماته عن عبد الرحمان بن رستم وخلفائه من أفواه إباضية تاهرت انفسهم.
إن تاريخ ابن الصغير يتوقف عند حكم أبي حاتم يوسف الذي خلف أباه أبا اليقظان سنة (281ه) وقد خلع أبو حاتم من الحكم وخلفه يعقوب بن أفلح ثم عاد الى الحكم مرة ثانية، وابن الصغير لا يخبرنا عن الحوادث العنيفة المأساوية التي سبقت بسنة أو بسنتين تدمير تاهرت من طرف الداعية أبي عبد الله (الشيعي) سنة (296ه) مما يدل على أن ابن الصغير كتب تاريخه سنة (290ه).
--------------
Guerrara .depuis sa fondation(2) يشير الى كتابه:
Le Djebel Nefousa(3) أنظر مؤلفه:
L’ aquida des Ibadhites, receui de memoires et de textes pudlie’ en l’ honneur du xlv conge’ internationa(4) أنظر:
des oirentalistes,Alger1905 . Paris, 1908
(5) يعني به المؤتمر العالمي للمستشرقين المنعقد بالجزائر في سنة1905م.
(1/18)
وإذا نظرنا إلى قيمة هذا العمل من حيث هو تاريخ عام للإباضية فإنه لا يكتسب هذه القيمة التي يكتسبها تاريخ أبي زكرياء، بل هو أشبه ما يكون بحكاية موجزة عن أمراء الرستميين كما هو وصف لمدينة تاهرت الاباضية، ووصف لحياتها ونزاعاتها الداخلية والخارجية هذه النزاعات التي أدت الى سلسلة حروب طويلة بين الإخوة، ومع ذلك فإن هذه السيرة تبقى ذات أهمية لمن يريد معرفة بعض الحوادث والأخبار الفي مرّ عليها المؤرخون الإباضيون مرور الكرام أو أنهم أغفلوها محافظة على دور الزعامة الدينية تنزيهاً وحرصا على عدم الاضرار بسمعة المذهب (6).
أسست تاهرت سنة 144ه من طرف عبد الرحمن بن رستم في الظروف التي يعرفها الجميع، وسرعان ما ازدهرت وكثر سكانها المتكونون أساسا من جماعة قادمة من نفوسة تابعة إمامها (عبد الرحمن) ومن بعض المهجرين من إفريقيا، غير أن الإباضية المتجمعين في المدينة الجديدة لم يسندوا الإمامة الى عبد الرحمن إلا حولي سنة 160ه أو 162ه حسب أبي زكرياء.
فورنيل ( Fournel) يظن أنه من المنطقي اعتبار حكم عبد الرحمن يبدأ من السنة نفسها التي أسست فيه تاهرت (البربر. ص: 90.91) (7) (،انه على العكس تماما اذ من الطبيعي اعتبار بداية إمامته سنة 160ه، والواقع أنه ينبغي ألا ننسى أن أبا حاتم الملزوزي- الذي يعتبره المؤرخون السنيون مجرد زعيم لثورة البربر- قد عينه الإباضية (امام للدفاع) سنة 145ه واستطاع بذلك أن يتزعمهم ويجمع حوله كل قوى الخوارج حتى
__________________
(6) يبدو موتيلانسكي هنا مبالغا لأن ما ورد في تاريخ ابن الصغير عن الفتن الداخلية لا يختلف عما ذكره أبي زكرياء مثلا.
(7) لم نهتد إلى هذا المصدر المشار إليه هنا.
(1/19)
سنة 155ه السنة التي قتل فيها أبو حاتم بمكان يدعى (جنبي) وذلك من طرف جنود يزيد بن حاتم.
هذه الكارثة التي أدت -حسب النويري- إلى إفناء ثلاثين ألفاً من البربر وهي ضربة موجعة للخوارج إذا كانت السبب، غالباً في حركة الهجرة من نفوسة و من هوارة ومن القبائل الأخرى نحو المغرب الأوسط فرار من سلطة يزيد بن حاتم، وهكذا تجمّع الإباضية حول عبد الرحمن بن رستم، وذبلك تزايدت جماعاتهم وارتفع سكان مدينة تاهرت مما سمح بسكان المدينة والبادية الإباضيين بمنح اسم (الامام) لزعيمهم عبد الرحمن بن رستم، وهكذا تأسست في قلب المغرب مملكة بربرية يحكمها أمراء إباضيون من أصل فارسي، ويتتابعون في الحكم حتى سنة (296ه).
المؤرخون يذهبون الى أن إمامة عبد الرحمن دامت ست أو ثماني سنوات، ولكن المؤرخ ابن الصغير يخبرنا ببساطة و بحسن النية، ويالأسف بأنه نسي عدد سنوات حكم عبد الرحمن، وبشهادة الجميع فإن عبد الرحمن كان مثالاً للبساطة والزهد والنزاهة، ويخلفه ابنه عبد الوهاب الذي حكم مدة طويلة دامت أربعين سنة وكان السنوات الأولى لحكمه هادئة سعيدة، ولكن سرعان ما كثرت النزاعات، والصراعات المتسترة بنظريات دينية حول الامامة وأحقيتها ــــ وهي التي طالما حللّها أبو زكرياء- كما راح عنصر البدو يطمحون ــــ كما كانوا يفعلون ذلك في النجود والصحراء ــــ إلى القيام بدور بارز في تسيير شؤون المدينة والتأثير مباشرة في الإمامة، وهنا نرى أول انشقاق داخل المدينة ويتولد عنه ظهور فرقة (النكار) وهكذا سال الدم من هنا وهناك، مما أدى إلى قتل ميمون بن عبد الوهاب من طرف المنشقين، وحسب رواية أبي زكرياء فإن الإمام نفسه لم يفلت من ضرباتهم إلا بفضل حزمه، ويقظته، إن المدينة البربرية حيث كان الاتحاد
(1/20)
والوفاق سائدا أصبحت لها صفوفها وقد أخذ التفرق والتحزب يعمل حتما على انهيار المملكة.
وخلف أبو سعيد أفلح أباه عبد الوهاب، وكان حكمه أطول حكم عرفته الدولة الرستمية إذ دام خمسين أو ستين سنة، كان متصفا بالحزم والشجاعة، وقد تهيأ للزعامة بفضل الحروب التي لعب فيها دوراً ملحوظاً، وقد تخول للتسيير قبل وفاة أبيه واستطاع أن يحكم بكل جدارة واستطاعت تاهرت أن تشهد في عهده تحولا هاما، وبفضل حنكته السياسية استطاع أن يجمع حوله القبائل ويحصل على هيبتها مع المحافظة على السلم والاستقرار بين الإباضية وغيرهم من سكان المدينة أما أبو بكر ابن أفلح فلم يصل الى الحكم، بعد وفاة أبيه إلا بفضل غياب أخيه ابي اليقظان الذي سجنه العباسيون حين ذهابه لأداء فريضة الحجّ (8)، وكان أبو بكر فارسا وسيما يحب الآداب واللهو، ولا يملك صرامة أسلافه مما جعل صهره محمد بن عرفة يسيره كما يشاء.
وبعد عودة أبي اليقظان من المشرق أخذ يتهيأ في سرية تامة للوصول الى الحكم متظاهرا بالاحترام التام لأخيه، وكان يعمل جاهدا لاكتساب الشعبية، واستطاع بذلك أن يجمع حوله جماعة نفوسة ذات الأهمية فهي معروفة بمساندتها الدائمة للأسرة المالكية الرستمية، وأغرى أبو اليقظان أخاه ليتخلص من محمد بن عرفة الذي بدأ يقلقه، ولكن اغتيال هذه الشخصية التي كان لها تأثير معتبر في المدينة أدى إلى حرب أهلية طويلة.
وهكذا اضطر ابو بكر الى مغادرة المدينة حيث أصبحت الفوضى ضاربة أطنابها لعدة سنوات.
__________________
(8) سجنه الواثق مع أخيه المتوكل ببغداد ثم أطلق سراحه هذا الأخير لعد توليته للحكم
(1/21)
أما ابو اليقظان فقد أوى قبيلة (لوته) مع نصرائه الذين استطاع أن يكسبهم الى جانبه وهنا نصب إماما، ووجد نفسه ملزما بالعودة الى المدينة والاستعانة بقوات نفوسة وطرابلس، وبمساعدتهم استطاع أن ينتصر على آخر المقاومين، ويأخذ السلطة نهائيا.
إن كتاب السير أغفلوا الحديث عن نهاية أبي بكر كيف كانت، وابن الصغير يقرر أن مدة حكم أبي اليقظان دامت أربعين سنة، ويحدد سنة موته بعام (281ه).
ويخلف أبا اليقظان ابنه حاتم يوسف الذي جاءت به الى الحكم إحدى الفرق بالمدينة دون موافقة القبائل الأخرى وهو ما جعل مدة حكمه –التي يقول المؤرخون أنها دامت إحدى عشر سنة – مليئة بالحروب الأهلية الدامية.
إن موقعة (مانوا) (9) (283ه) كانت الضربة القاضية للخوارج في المغرب الشرقي وهزت سلطة بني رستم في جميع الأنحاء.
إن أسرة بني رستم أصبحت متعددة منقسمة على نفسها بسبب الإحن والحروب وهو ما ساعد ولا شك، على إضعاف سلطة الحكام الرستميين وأصبحت القبائل تملك سلطة مصير الحكام الذين أصبحت تعنيهم كما تشاء وتهوى، وبهذه الصفة رأينا طرد أبي حاتم من المدينة والتجاءه إلى قبيلة هوارة المتحالفين معه لحرب عمه يعقوب بن أفلح الذي عين إماما خلفا له، استطاع عزله بدوره وبمساعدة القبائل دائما استطاع استرجاع الحكم.
وهنا يتوقف تاريخ ابن الصغير، ونستطيع عن طريق أبي زكرياء أن
__________________
(9) أنظر تفاصيل هذه الواقعة بتاريخ أبي زكرياء. ت. اسماعيل العربي الجزائر 1979. ص 103.
(1/22)
نعرف أن يعقوب بن أفلح استطاع الفرار من تاهرت ابان سقوطها في شوال من سنة (296ه) ويلجأ إلى المدينة ورجلان مع ولده أبو سليمان.
أما بنسبة لأبي حاتم الذي يذكره أبو زكرياء في الصفحات (217 - 218) (10) فإن حكمه انتهى بعد قتله من طرف أخيه اليقظان أو من طرف أبناء هذا الأخير ونعلم أن اليقظان –الذي لم يستطع الحفاظ على الحكم الا مدة قليلة – قتله الداعي أبو عبد الله الشيعي مع عدد كبير من عائلة بني رستم.
وهكذا تزول تاهرت الإباضية بعد (152سنة) من الوجود وتخمد دولة بني رستم التي طبقت الإمامة مدة (134 أو 136سنة).
إن تسلسل الأحداث التاريخية لهذه الأسرة ما يزال غير ثابت، ولا يمكن الاطمئنان الى التواريخ التي يقدمها ابن الصغير أو آخرون عن مدد حكم الأمراء الرستميين إن هذه المدد ثلاثون .... أربعون ..... أو خمسون سنة إن هي إلا أرقام عشرية تقريبية، والواقع أن المرء يستطيع بعد جمع هذه الأرقام التي تؤرخ مدة حكم الرستميين ــــ دون عدّ مدة أبي بكر ويعقوب ــــ أن يدرك أنّ مجموعها يتجاوز المدة التي عاشتها الدولة الرستمية نفسها، وفي هذا الشأن يمكن الرجوع إلى الجدول التاريخي الذي أعده
(رينيه باسية Rene Basse ) بعد مقدمة بحثه القيم مزارات جبل نفوسة (11).
__________________
(10) لم يوضح موتلانسكي هنا النسخة التي اعتمدها، وهي ولا شك مخطوطة لكن يمكن الرجوع إلى تحقيق إسماعيل العربي لكتاب سير الأئمة لأبي زكرياء ص99.
Basset R. les sanctuaires du djebel neffoussa, paris, 1889 (11) يشير هنا إلى كتاب
(1/23)
[صفحة بيضاء]
(1/24)
ذكر بعض الأخبار في الأئمة الرستميين
منقول من ابن الصغير.
ولاية عبد الرحمان بن رستم
أخبرني غير واحد من الإباضية عن من تقدم من آبائهم قالو لما نزلت الاباضية (1) مدينة تاهرت (2) وأرادوا عمارتها اجتمع رؤساؤهم فقالو قد علمتم أنه لا يقيم أمرنا إلا إمام (3)
__________________
(1) الإباضية فرقة من الفرق الإسلامية، يرجع بروزها إلى النصف الثاني من القرن الأول الهجري، ونسبت إلى عبد الله بن إباضي التميمي الذي كان في الحقيقة لا يصدر في أمره إلا عن الإمام جابر بن زيد الأزدي التابعي، إذ يعتبر هذا الأخير عند الإباضية أس المذهب وإمامه. واشتهرت الإباضية ضمن فرق الخوارج، فهي وإن كان ظهورها مرتبط بتلك الحركة، إلا أنها انشقت عنها لما ظهر غلو بعض المتطرفين من الخوارج، فبرزت فرقة مستقلة منفصلة عن الخوارج منذ بداية النصف الثاني من القرن الأول الهجري. أنظر الدرجيني: طبقات المشائخ، ج2 ص205، الشماخيى: سير، ص77، عوض خلفيات: نشأة الحركة الإباضية، ص44 وما بعدها، مهدي هاشم طالب: الحركة الاباضية في المشرق، (رسالة ماجستير غير مطبوعة) بغداد، 1977. بحّاز ابراهيم: الدولة الرستمية (رسالة ماجستير نوقشت في بغداد سنة 1983م)، ص73 - 80.
(2) من المعلوم أن الإباضية نزلوا موضع تاهرت، وهم الذين بنوا المدينة فيما بعد، وليس كما يمكن أن يفهم من نص ابن الصغير الذي جعل تاهرت مدينة مبنية نزلها الإباضية. ولا بد من الاشارة إلى أن لفظ تيهرت أضبط من تاهرت، كما أن تيهرت أو تاهرت مدينتان قديمة وحديثة، وتقع تيهرت (العاصمة الرستمية) على بعد 9كيلو مترات من تيهرت اليوم، وتبعد عن مدينة الجزائر العاصمة في الشمال الشرقي منها بحوالي 430كلم وتفصلها مسافة 240كلم عن مدينة وهران في الشمال الغربي منها. أنظر البكري: المغرب في ذكر بلاد إفريقية و المغرب، ص67 - 68،أبو الفداء: تقويم البلدان، ص138 أبو زكرياء: سير، ص53،أطفيش: الرد على العقبي، ص70 وأنظر خاصة بحاّز ابراهيم: الدولة الرستمية، الفصل الثاني م الباب الأول ص81 وما بعدها.
(3) تنقسم الإمامة عند الإباضية إلى أربعة أقسام تعرف بمسالك الدين وهي إمامة الظهور والدفاع والشراء والكتمان. أنظر شروح هذه الأنواع من الإمامة في مقدمة التوحيد لأبي حفص عمر بن جميع، ص69 - 72،عوض خلفيات: النظم الاجتماعية والتربوية عند الإباضية في شمال إفريقية في مرحلة الكتمان، ص109 - 113،بحاز ابراهيم: الدولة الرستمية، ص79 - 80. والجدير بالذكر أن نص ابن الصغير يشير إلى إمامة الظهور.
(1/25)
نرجع اليه في أحكامنا وينصف مظلومنا من ظالمنا ويقيم لنا صلاتنا ونؤدي إليه زكاتنا ويقسم فينا، فقلبوا أمرهم فيما بينهم فوجدوا كل قبيل منهم فيه راس أو راسان أو أكثر يدبر أمر القبيل ويستحق أمر الإمامة فقال بعهم لبعض أنتم رؤساء ولا نأمن أن يتقدم واحد على صاحبه فتفسد نيته ولعل المقدم أن يرفع أهل بيته وعشيرته على غيرهم فتفسد النيات ويكثر الاختلاف ويقل الائتلاف ولكن هذا عبد الرحمان بن رستم (4) لا قبيلة له يشرف بها ولا عشيرة له تحميه وقد كان الإمام أبو الخطاب (5) رضي لكم عبد الرحمن قاضيا وناظرا فقلدوه أموركم فان عدل فذلك الذي أردتم وإن سار فيكم بغير عدل عزلتموه ولم تكن له قبيلة تمنعه ولا عشيرة تدفع عنه. فأجمعوا رايهم على ذلك ثم نهضوا إليه .............. مبايعته إمام،
------------------
(4) عبد الرحمن بن رستم (160ه-171ه) مؤسس الدولة الرستمية، تكاد المصادر جميعا تتفق على أن عبد الرحمن فارسي الأصل حتى الذين عاصروا الرستميين مثل اليعقوبي تجعلهم من الفرس إلا أن ابن الصغير لا يشير صراحة إلى هذا النسب وإنما يذكر أنّ عبد الرحمن لا قبيلة له يشرف بها ولا عشيرة تحميه. أما المسعودي فيرى أن الرستميين من الأشبان الذين أختلف في نسبهم فمنهم من يقول أنهم من ملوك فارس الأولى، ومنهم من يذهب إلى أنهم من ملوك الأندلس اللذارقة (جمع لذريق) والمسعودي من هذا الرأي الأخير، حول نسب عبد الرحمن بن رستم أنظر بحاّز ابراهيم: الدولة الرستمية، الفصل الثاني من الباب الأول (عبد الرحمن بن رستم حياته ونسبه) ص92وما بعدها. وارجع إلى اليعقوبي: البلدان، ص104، المسعودي: مروج الذهب، ج1،ص186، 357 - 358
(5) أبوا الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري اليمني، أحد حملة العلم من الإباضية إلى المغرب أخذ العلم عن أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة إمام الكتمان في البصرة بعد جابر بن زيد الأزدي. التقى أبو الخطاب اليمني ببعثة المغرب في مدرسة البصرة وتتكون تلك البعثة من عبد الرحمن بن رستم وعاصم السدراتي وأبي داود القبلي النفزاوي وإسماعيل بن درار الغدامسي. مكث الجميع في البصرة عند أبي عبيدة مدة خمس سنوات (135ه-140ه) فتكونت بذلك، ما يعرف عند إباضية المغرب، بحملة العلم الخمسة. ولما همت البعثة بالرحيل والعودة إلى المغرب لنشر المذهب الإباضي اقترح عليها شيخها أبو عبيدة إن آنسوا من أنفسهم قوة أو أرادوا إعلان إمامة إباضية، أن يعقدوها لأبي الخطاب وكان كما اقترح إذا بويع أبو الخطاب بالإمامة سنة 140ه واستطاع أن يدخل القيروان سنة 141ه، فعين عبد الرحمن بن رستم والياً عليها أو قاضيا وناظراً بتعبير ابن الصغير. أنظر: أبو زكرياء: سير، ص37، الدرجين: طبقات، ج1،ص 19 - 23 - 29. محمد إسماعيل: الخوارج في المغرب الإسلامي، ص64 - 65، بحاّز ابراهيم: الدولة الرستمية، ص65.
(1/26)
بأجمعهم وقالوا يا عبد الرحمن رضيك الإمام في ابتدائنا (6) ونحن الآن نرضى بك ونقدمك على أنفسنا فقد علمت أنه لا يصلح امرنا إلا إمام نلجأ إليه في أمورنا ونحكم عنده فيما ينوب من اسبابنا. فقال لهم إن أعطيتموني عهد الله وميثاقه لتستطيبوا لي ولتطيعوني فيما وافق الحق وطابقه قبلت ذلك منكم فعطوه عهد الله وميثاقه على ذلك وشرطوا عليه مثل ما شرط عليهم وقدموه على أنفسهم والقوا إليه بأيديهم. فسار بهم بسيرة جميلة حميدة أولهم وآخرهم ولم ينقموا عليه في أحكامه حكما ولا في سيره سيرة، (7) وسارت بذلك الركبان إلى كل البلدان، وكانت له قصص حاكوها لا يمكن ذكرها إلا على وجه، وإن أتم الصدق فيها ولا أحرفها على معانيها ولا أزيد فيها ولا أنقص منها، إذ النقص في الخبر والزيادة فيه ليس من شيم ذوي المروؤات ولا من أخلاق ذوي الديانات، وإن كنا للقوم مبغضين ولسيرهم كارهين ولمذاهبهم مستقلين، فنحن وإن ذكرنا سيرهم على ما اتصل
__________________
(6) يشير هنا إلى تعيين أبي الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري عبد الرحمن بن رستم والياً على القيروان سنة 141ه.
(7) تكاد رواية ابن الصغير توافق الرواية الإباضية فيما يخص تولية عبد الرحمن بن رستم أنظر: أبو زكرياء: سير، ص53 - 54، الدرجيني: طبقات ج1 ص41.
(1/27)
بنا وعدلهم فيما ولوه فلسنا ممن تعجبه طلاوة أفعالهم، ولا حسن سيرهم، لما نعلمه من براءتهم ممن والاه رسوا الله صلى الله عليه وسلم وقال (من كنت مولاه فعلي مولاه) (8).
أخبرني غير واحد من وجوه الإباضية سلفهم، لما ولي عبد الرحمن بن رستم ما ولي من أمور الناس شمر ميزره ............... عدل عبد الرحمن واحسن سيرته وجلس في مسجده للأرملة والضعيف، ولا يخاف في الله لومة لائم، فطار ذلك في أطراف الأرض مشارقها ومغاربها حتى اتصل ذلك من إخوانهم من أهل البصرة (9) وغيرها من البلدان، فلما علموا ذلك من أمره جمعوا أموالاً عظيمة وبعثوا بها مع نفر من ثقاتهم، .................. معونة إباضية المشرق لعبد الرحمن وقال بعضهم لبعض: قد ظهر بالمغرب إمام ملأه عدلا، وسوف يملك المشرق ويملأه عدلا، فانهضوا إليه بما معكم من هذه الأموال حتى تردوا المدينة التي سكنها فإن كان على ما نقل لنا من حسن طريقته وصحة سيرته فادفعوها إليه، وإن كان على غير ذلك فانظروا إلى أفعاله وما يتولاه من الاحكام بين رعيته ثم آتونا بذلك كله، فمضى القوم حتى اتوا
__________________
(8) حديث {من كنت مولاه فعلي مولاي، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه} حديث صحيح أخرجه الترمذي، المجلد الرابع صفحة 327، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ويذكر ناصر الدين الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة هذا الحديث تحت رقم 1750.وبعد ذكره عدة طرق للحديث قال {وللحديث طرق أخرى كثيرة، جمع طائفة كبيرة منها الهيثمي في المجمع، وقد ذكرت وخرجت ما تيسر لي منها مما يقطع الواقف عليها بعد تحقيق الكلام على أسانيدها بصحو الحديث يقيناً، وإلا فهي كثيرة جداً ... قال الحافظ ابن حجر منها صحاح ومنها حسان} الألباني: سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، ط2، م4، المكتبة الإسلامية عمان، الدار السلفية الكويت 1404ه/1983م. ص330 - 343.
(9) يقصد هنا إباضية البصرة، إذ من المعلوم أن البصرة هي مهد الإباضية ومنها انطلق المذهب الإباضي نحو مختلف الآفاق.
(1/28)
المدينة ونزلوا المصلى الذي به اليوم قبر (10) مسالة، فأناخوا جمالهم ووضعوا أحمالهم وتقدموا مع القادمين معهم حتى دخلوا من الباب المعروف بباب الصفا (11). يسألون كل من لقوه من الناس عن دار الإمام عبد الرحمن، حتى وقفوا عليها وأصابوا عند بابها غلاما يعجن طينا ورجلا على سطح يصلح شقاقا فيه، والغلام يناوله ما يصلح به فسلموا على الغلام فرد السلام ثم قالوا هذه دار الإمام؟ فقال نعم، فقالوا له استأذن ل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

تواصل معنا

أكثر من 600,000+ يتابعون موقعنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي إنظم إلينا الآن

عن الموقع

author مكتبة أهل الحق والإستقامة <<   مكتبة أهل الحق والإستقامة..موقع يهتم بنشر الكتب القيمة في مختلف الجوانب (فقه..عقيدة..تاريخ...الخ) عند المذهب الإباضية من نتاج فكري.

أعرف أكثر ←

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *