أصول الدينونة الصافية لعمروس موافق للمطبوع - مكتبة أهل الحق والإستقامة

أحدث المشاركات

Post Top Ad

Post Top Ad

الثلاثاء، 14 ديسمبر 2021

أصول الدينونة الصافية لعمروس موافق للمطبوع

 





عنونا الكتاب: أصول الجمع وكليات الوفاق بين المذهبين الإباضي والمالكي مع تخريج بعض الفروع الخلافية
المؤلف: الشيخ محمد بن بابا الشيخ بالحاج
الناشر: جمعية التراث
البلد: الجزائر
تاريخ النشر: جمادى الأولى 1437هـ - فيفري 2016م
الطبعة: الثانية
[ترقيم الصفحات موافق للمطبوع]
أصول الجمع
وكليات الوفاق
بين المذهبين الإباضي والمالكي
مع تخريج بعض الفروع الخلافية
تأليف:
الشيخ محمد بن بابا الشيخ بالحاج
عضو المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر
أستاذ الشريعة والتاريخ الإسلامي بمعهد الحياة القرارة
(1/1)
/
نشر جمعية التراث
القرارة ـ غرداية ـ الجزائر
صندوق بريد 19 – القرارة- غرداية
هاتف فاكس: 29262258) 213) +
Tourath@gmail.com
الإيداع القانوني:4872 - 2014
ردمك ( ISBN):
9 - 06 - 533 - 9931 - 978
((((((
(1/2)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(1/3)
https://encrypted-tbn1.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRVbTrOqiFpbcUCev4UQNjIACLboy3VC4M8iVaDD6ELhPmHgAgy
(1/6)
المؤلف في سطور
الشيخ محمد بن بابه الشيخ بالحاج المعروف بـ "الشيخ ابن الشيخ" من مواليد القرارة جنوب الجزائر سنة 1350هـ /1931م
• زاول تعليمه ا?بتدائي في مسقط رأسه بين المدرسة القرآنية والمدرسة العامة، استظهر القرآن سنة 1946 والتحق بمعهد الحياة الثانوي و تخرج منه سنة 1953 وقد عرَف في مراحل تعليمه هذه النبوغَ والتفوُّق والذكاء والحفظ.
• ارتحل إلى تونس ليواصل تحصيله العلمي على مشايخ الزيتونة فمكث فيها تسع سنوات وعاد سنة 1962 متحصلا على شهادتين عالميتين في الشريعة والحقوق، كما تولى رئاسة البعثة البيوضية بتونس لعدَّة سنوات إلى غاية عودتها إلى الجزائر.
• التحق بمعهد الحياة أستاذًا يدرِّس العلوم الشرعية والتاريخ ا?سلامي إلى أن أقعده المرض سنة 2006 وكان من أبرز ا?ساتذة كفاءة وأداء وانضباطا.
• عيِّن عضوا في حلقة العزابة بالقرارة سنة 1971 وتولى فيها مسؤولية الوعظ وا?فتاء، كما رشَّحَته كفاءته العلمية لتُعيِّنه عضوا في مجلس عمي سعيد ـ الهيئة الدينية العليا
(1/7)
لقرى ميزاب ـ وكذا مجلس باعبد الرحمن الكرثي ـ المجلس ا?على ?عيان بني ميزاب ـ و? يزال كذلك إلى حين مرضه.
• اختارته السلطة الجزائرية عضوا في المجلس ا?سلامي ا?على فكان فيه فعَّا? بإسهاماته العلمية ونشاطه المعرفي.
• للشيخ مشاركات كثيرة في ملتقيات الفكر ا?سلامي والندوات العلمية المحلية والوطنية والدولية، تميَّز بالتحقيقات العلمية والمناظرات الكلامية الدقيقة.
• له عشر كتب ضمن سلسلة "وقل رب زدني علما" وعشرات من الرسائل والمؤلَّفات المخطوطة التي تنتظر الطبع والنشر. كما كوَّن آلاف الطلبة الذين انخرطوا في دورة الحياة فكانوا نجومًا.
• كان يصل الليل بالنهار من غير كلل و? ملل؛ فلا تراه إ? قارئا أو كاتبا أو في موعد اجتماعي في سفر أو حضر؛ مما أثَّر على صحَّته فأقعده المرض في شهر سبتمبر 2006 فتوقَّف نشاطه كُلِّيًا. نسأل الله تعالى أن يشفيَه ويتقبَّل منه ما قدَّم ويوفِّيَه أجر ما صبر.
بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير:
(1/8)
الحمد لله الذي اصطفانا من بين خلْقه فجعلَنا من عباده المؤمنين، وكلأنا بعين رحمته فأنزل علينا كتابه المبين، واجتبانا من بين أُمَمِه فأرسل إلينا رسوله الأمين، سبحانه القائل في محكم تنزيله: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}) الأنبياء: 92) والصلاة والسلام على النبيء الأميِّ الأمين محمَّد بن عبد الله، الذي بعثه ربُّه الكريم جامعا شتات الأمم، ورافعًا لواء القِيَم، القائل في جوامع كلمه: لا تَحَاسَدُوا، ولا تَنَاجَشوا، ولا تَبَاغَضُوا، ولا تَدَابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعضُكُمْ على بَيعِ بَعضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إِخْواناً، المُسلِمُ أَخُو المُسلم، لا يَظلِمُهُ ولا يَخذُلُهُ، ولا يَكذِبُهُ، ولا يَحقِرُهُ، التَّقوى هاهُنا - ويُشيرُ إلى صدرِهِ ثلاثَ مرَّاتٍ - بِحَسْبِ امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحقِرَ أخَاهُ المُسلِمَ، كُلُّ المُسلمِ على المُسلِمِ حرامٌ، دَمُهُ ومَالُهُ وعِرضُهُ. فاللهمَّ صلِّ على عبدك المختار ما تعاقب الليل والنهار، وعلى آل بيته الأطهار، وجلَّة صحبِه الأخيار، وعلى من اسْتنَّ بسنَّته راشدًا إلى يوم تشخص فيه الأبصار.
أيُّها القارئ الكريم: نعرض بين يديك هذا الكتيِّب في طبعته الثانية، في ظرف عصيب يمرُّ عليه العالم الإسلامي
(1/9)
بما يشهده في مختلف دُوَله، من فتن وشتيمة، وحروب وقطيعة أثارتها نزاعات عرقية، وخلافات مذهبية، وصراعات فكرية، تغذِّيها أياد خفية خبيثة، وتؤجِّج أوارها ألسنة سليطة لئيمة، تبتغي تقويض أواصر المودَّة التي أقامها كتاب الله بين المسلمين، وتدمير ركائز الوفاق التي بناها رسول الله بين المؤمنين، وإنَّه لخطر كبير يهدِّد كيان الإسلام في جذوره، ويزلزل بناء الأمة في أصوله، فكان لِزَاما على علماء الإسلام الربَّانيين الذين اصطفاهم ربُّ الخلائق زوارق نجاة للمؤمنين، وحرَّاس أمان للمسلمين، بما يحملونه من معدَّات إيمانية، ويتمتعون به من معارف علمية، أن يواجهوا الخطر الذي يتهدَّد، والفتنة التي تتمدَّد، فيرصدوا قواهم المعرفية، ويرفعوا أصواتهم المنبرية في وجه دعاة التفريق، وبغاة التمزيق، ويوجهوا أفكار أبناء الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، يبصِّرونهم بالداهية التي تتهدَّدهم من قِبَل أعدائهم الذين {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ}) التوبة: 47) ويخلِّصوهم من شُؤْم التفرقة التي تذهب بريحهم {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}) الأنفال: 46) ويوجهوهم إلى أن
(1/10)
يثوبوا إلى رشدهم، وينيبوا إلى ربِّهم الذي أرادهم أمَّة واحدة {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}) الأنبياء:92) ولقد انتهج هذا المسلك القويم علماء كثيرون باعوا أنفسهم لله، وشروا ضمائرهم دفاعا عن خلق الله، فألَّفوا الكتب الجليلة، ودوَّنوا الخُطَب المثيلة، التي كانت بلسمًا لكثير من الجراحات، إذ لولاها لكان الخطْب أخطر، والرتق أكبر، ومن بين أولئك العلماء المنصفين الذين ساهموا في هذا المسلك النبيل والدي الكريم محمَّد بن بابه الشيخ بالحاج أستاذ الشريعة والتاريخ الإسلامي بمعهد الحياة، شفاه الله، بما خلَّده في هذا الكتيب الصغير حجمه، والكبير نفعه الذي أسماه: أصول الجمع وكليات الوفاق بين المذهبين الإباضي والمالكي مع تخريج بعض الفروع الخلافية، وقد حرص كلَّ الحرص بما أوتي من حكمة إيمانية، وحنكة علمية على عرض أصول الجمع التي تجمع بين المذهبين باعتبارها اللحمة التي تصل جميع المسلمين، وعرض كليات الوفاق التي ترتقُهما باعتبارها العروة التي يستعصمون، أمَّا الخلافات الفرعية التي تميِّزهما فإن هي إلاَّ اجتهادات تمخَّضت عن آراء الأئمة الفقهاء، وكلُّهم يصدر عن كتاب
(1/11)
الله، وينطلق من سنَّة رسول الله، باعتبار المذاهب الإسلامية مدارس فقهيَّة عليها علماء نبلاء أجلَّة، ولكلٍّ فهمه وإدراكه، وتلك سنَّة الله، واختلاف العلماء رحمة على خلق الله، فما الإثم واقعًا على اختلاف العلماء في شتات الأمَّة وتمزيق أواصرها، وإنَّما على السفهاء الذين يشحذون عزائم الفتنة تبعا لشياطين الإنس والجن الذين لا يرقُبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمَّة، وإنَّما خصَّ المؤلف المذهب الإباضي والمالكي بالذكر لأنَّهما المذهبان الَّلذان يسودان الجزائر منذ قرون، ويتعايش أتباعهما بينهم في وئام عبر السنين، وإلاَّ فإنَّ نظرة المؤلف واحدة إلى جميع المذاهب الإسلامية التي يدين بها المسلمون حيثما كانوا من المعمورة، وهو الذي يقول في مؤلفه هذا: "إنَّه لا يوجد خلاف معتبر بين مذاهب الأمة وطوائفها ممَّا من شأنه أن يؤدي فيه إلى التفرقة والتنازع والتباغض والتدابر، وحتى إلى التقاتل فيما بينهم بضرب بعضهم رقاب بعض، مهما كانت دواعي تلك وأسبابه، إذ لا يعدو أن يكون خلاف تنوُّع وتعدُّد المصالح والمنافع حرصًا على جلبها، أو تنوُّع وتعدُّد الشرور والمفاسد والحرص على درئها، تطهيرا للمجتمع الإسلامي، وتزكية للنفس المؤمنة حتى تطمئن
(1/12)
فتلقى ربَّها راضية مرضية ... " وتلكم هي النظرة التي يؤمن بها المؤلف، والفكرة التي ينطلق منها، كيف لا وهو الطالب الذي نهل العلم صافيا من معين معهد الحياة على أساتذة كرام بررة، واقتبس من معين الزيتونة نورًا مبينا على يد مشايخ أفاضل نقرة، فالتقى المصدران على أمر قد قُدر، فكانت أثباج التسامح والتحابب ترتفع عالية لتحطِّم كل شوائب التفرقة والتجاذب، هذا الذي يجب على كلِّ مسلم أن يؤمن به ويجسِّده واقعًا معيشا في حياته وسلوكه امتثالا لأمر ربِّه، وانطلاقا من سنَّة رسوله. هذا وقد صدر هذا الكتيب في طبعته الأولى سنة 1413 هـ 1993 م بناء على مداخلة للمؤلف في ندوة الفقه المالكي، أثارت في الحاضرين الإعجاب، وفي المؤلف الشجن فرأى أن يفرغ شجنه في كتاب يعمُّ نفعه ويدوم أثره، ثم كانت الطبعة الثانية بعد نفاذ الأولى وقد أضفى عليها الطالب الوفي عمر بن باحمد الشيخ أحمد تخريجات وتعليقات، جزاه الله خيرا، فغدا الكتاب في هذا الثوب القشيب الذي أسأل الله تعالى أن يلبسه عباده المؤمنين حُللا للمودَّة والسلام، ويسبله على أوليائه الصالحين ذُررًا للمحبَّة والوئام. فعلى كل قارئ أن يولي وجهه شطر هذا
(1/13)
الكتاب قراءة متأنية، ليشيع في نفسه روح التفاؤل، ويذيع على لسانه صوت التعاون، امتثالا لقوله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة:2) كما نشكر جمعية التراث التي تكفَّلت بطباعة هذا الكتاب سننًا منها في نشر المعرفة التي تودي إلى التعارف والاعتراف، وتلك الغاية النُّبلى، والنية المثلى لمن رام إلى ربِّه القصد، وران على عزمه الجهد، فالله تعالى نسأله أن يحوط الجمعية بلطفه، ويكلأها بعونه، فتزداد مع مرِّ الأيام رونقا وعلى الدوام تفوُّقًا. {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} (الصافات:60 - 61)، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (المطففين:26) {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (الحشر:10)
القرارة: يوم الخميس 12 ربيع الأوَّل 1437 هـ
(1/14)
24 ديسمبر 2015 م
عيسى بن محمَّد بن بابا الشيخ بالحاج
(1/15)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله
توطئة:
بسم الله الرحمن الرحيم {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} (الأعراف:43)
نحمد الله ونشكره ونستزيده كما قال {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (إبراهيم:7)
فشكرا لله أوَّلا وأخيرًا، ثمَّ شكرا لوزارة الشؤون الدينية بجميع مصالحها خاصة مديرية الثقافة الإسلامية، وشكرًا للمعهد الوطني العالي لأصول الدين بجامعة الجزائر مديرًا ومجلسًا علميّا وطلبة وإدارةً؛ أن أتاحوا لنا هذه الفرصة فرصة المشاركة في هذه النّدوة المباركة ندوة المذهب المالكي مذهب الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة ـ المدينة المنورة ـ على دَفِين روضتها أفضل الصلاة والسلام.
وإنَّ هذه الندوة لتُعتبر أيَّامًا دراسية ثريَّة بالفكر المالكي. كما تعتبر تكاملا مع الأيام الدراسية للفكر الإباضي التي انعقدت أيام 1 ـ
(1/16)
2 ـ 3 من شهر ماي من هذه السنة الجارية تحت الشعار الخالد الذي رسمه وخلَّفه العلاَّمة الراحل الشيخ علي يحي معمر ـ رحمه الله ـ كوسيلة للتواصل بين جميع المسلمين أينما كانوا من مشارق البلاد الإسلامية ومغاربها، شمالها وجنوبها، وهو "المعرفة ـ التعارف ـ الاعتراف" وأرجو أن لا يكون هذا التقارب الزمني بين هذه الأيام الدراسية لهذين المذهبين من باب الصدفة، وإنما نرجو أن يكون ذلك مدروسًا ومبرمجا ومخططا أن تتكامل هذه الدراسات لهذين المذهبين المتكاملين المتعايشين جنبا إلى جنبٍ، متآزرين متسامحين في تنظيم شؤون المسلمين في مختلف جوانب حياتهمْ في هذا المغرب الإسلامي بأقطاره الأربع أو الخمس ليبيا تونس الجزائر والمغرب ولعلَّ حتَّى موريطانيا والأندلس في بعض فترات تاريخهما. وأخصُّ تمركز المذهبين في الجزائر وتونس وليبيا منذ ما يزيد على ألفٍ وثلاثمائة عام.
أيُّها الإخوة المؤمنون أستسمح سادتي المشايخ الأجلاَّء والأساتذة المحاضرين المعقِّبين أن أهمس في أذنهم همسة خفيفة لطيفة: إنه لَيُؤْسفني أن تنقضي ثلاثة أيام كاملة، عامرة بالدراسات والتعقيبات
(1/17)
والتدخّلات ولا يُذكر فيها المذهب الإباضي كمذهب عاش وانتشر ومازال عائشًا ومزدهرًا كأحسن عصور ازدهاره عبر عصور تاريخه بالجزائر، ومتكاملاً مع المذهب المالكي ومتسامحا معه، بل متعاونا وإيَّاه ضدَّ كل التيارات المناهضة للإسلام كإسلام بقطع النظر عن الانتماءات المذهبية في ظلِّ الكتاب والسنَّة الصحيحة، خاصة في معرض الحديث عن المذاهب التي زامنت المذهب المالكي واحتكَّت به عبر التاريخ كالمعتزلة والشيعة والظاهرية الذين لم يُكتب لهم الدوام والاستقرار في هذه الأقطار المغاربية إلا فترات قصيرة لم تعد شيئًا مذكورًا.
وأستثني من هذه الهمسة، أو هذا العَتْب الجميل السيد معالي الوزير محمد رضوان وزير الشؤون الدينية ـ أبقاه الله ووفقه لما فيه خدمة هذا الدين وصلاح هذه الأمة ـ إذ سجَّل في كلامه أثناء كلمته الافتتاحية الطيِّبة تلك الحقيقة الثابتة حقيقة تعايش وتسامح هذين المذهبين الإباضي والمالكي بضميمة المذهب الحنفي في هذه الأقطار.
كما أستثني فضيلة الشيخ عبد الرحمن شيبان ـ وزير الشؤون الدينية سابقًا ـ إذ ذكر بصدد حديثه عن تأسيس ونشأة ونجاح جمعية العلماء المسلمين
(1/18)
الجزائريين في مهمَّتها ورسالتها التي أنْشِئت لها من المحافظة على الأصالة الإسلامية العربية الجزائرية لهذه الأمة. قال إن الجمعية قد قامت محتضنة كل علماء الجزائر المسلمين لا فرق بين العلماء المالكيِّين والعلماء الإباضيين. والذي أريد أن أقوله أيها الإخوة المؤمنون ـ وأرجو أن نتَّفق عليه ـ أن هذا التهميش أو هذه الغفلة أو التغافل إن كان عن سهو وخطأ فما كان ينبغي ولا يُستحسن، ونرجو أن لا يتكرر، ونسأل الله أن لا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، كما قال {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (البقرة:286) أمَّا إن كان عن قصد أو عمد ـ وإن كنت لا أظنه ـ فهذا لا يجوز في حق الأخُوَّة الإسلامية.
أولاً:
إذ حكم الله بها من فوق سبع سماوات إذ قال {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات:10).
ثانيا:
لا يجوز في حقِّ العِشْرة وحُسن الجوار طيلة ما يقرب من أربعة عشر قرنا وللجار ـ مهما كان ـ حقّه في المنظور الإسلامي. إذ ما زال جبريل - عليه السلام - ـ وبأمر من ربه ـ يوصي بالجار خيرًا ـ كما قال
(1/19)
الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما زال حبيبي جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورِّثه (1).
ثالثًا:
لا يجوز في حقِّ الوطنية ووحدة الأمة وقد قال الله عز وجل {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} (المؤمنون:52)
وما انتصرت الجزائر في جميع معاركها التاريخية المصيرية خاصة حربها التحريرية الأخيرة في ثورتها المباركة الكبرى إلا بفضل الله أوَّلاً، ثم بفضل وحدتها ثانيا.
أما إن كانت هذه الغفلة وهذا التهميش ناتجًا عن جهل وعدم معرفة واطِّلاع على ما يوجد عندنا معشر المغاربة من تراث ديني أصيل فهذا لا يجوز في حقِّ البحث العلمي والدراسات المعمَّقة عن التراث، خاصة الإسلامي منه.
أمَّا الملاحظة التي أريد أن أنبِّه إليها وألفت إليها أنظار الباحثين الدارسين في هذه الندوة أو غيرها فهي الإغراق في المبالغات في إصدار الأحكام على بعض أو في بعض التحقيقات
__________
(1) البخاري: ج:8، ص: 10، رقم: 6015. مسلم: الصحيح، ج:4، ص:2025، رقم: 2526.
(1/20)
أو التقريرات العلمية ـ إيجابًا أو سلبًا ـ كقول القائل: هذا أوَّل ما ألِّف، أو أحسن ما ألِّف، أو أوَّل ما ألِّف وأحسن ما صُنِّف، أو أن يقول القائل: لم يؤلِّف أحد في موضوع كذا، أو لم يصنَّف مصنَّف في موضوع كذا غير فلان أو مصنَّف فلان، وهذا ما سمعناه في هذه الندوة مرارًا وتكرارًا في حقِّ بعض المؤلِّفين أو بعض المصنَّفات. وإذا بالمناقشين المتدخِّلين ينقضون الحكم في نفس الزمان والمكان من الندوة ـ وبدون مراجعة ـ أنَّ هناك من كتب وألَّف، أو هناك كتب ومصنَّفات. والاعتدال في كل شيء مطلوب خاصَّة في مجال التحقيق العلمي، ولتكن الأحكام نسبيَّة على الأقل بالنسبة لعلم الدارس والكاتب والمُحاضر حتى يبقى مجال لقوله تعالى {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (يوسف:76) وقوله {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (الإسراء:85) وقول بعض الحكماء: علمتَ شيئًا وغابت عنك أشياء، وبذلك يُبقي الكاتب لنفسه مجالاً لما علَّمنا ربّنا أن ندعوه به بقوله لنبيئه - صلى الله عليه وسلم - {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه:114) وبذلك يكون في منجاة من الاعتراض والنقد.
(1/21)
أمَّا محاضرتي ـ إن استرخصت لنفسي أن أُسمّيها محاضرة ـ أو حديثي معكم أيها الإخوة المؤمنون فقد اختير لي وارتضيت ما خيِّر لها من عنوان.
أصول الوفاق ومسائل الخلاف بين المذهبين الإباضي والمالكي
وإني قد ارتضيت لنفسي الخوض في هذا الموضوع الذي أرجو أن ينال بعض إعجابكم ورضاكم، لا أدَّعي لنفسي أنَّني جدير به ومقتدر عليه، إذ يوجد في المذهب الإباضي علماء أعلام أجلاَّء أرسخ مني علما بالمذهب الإباضي ـ أصوله وفروعه ـ فضلا عن المذهب المالكي وما يوجد من علماء أعلام أرسخ علما وأدرى مني بكثير بالمذهب المالكي ممَّن أراه وأسمعه بين يدي هذا الملتقى في هذه الندوة، فضلا عن من لم يشهدوه وأخصّ بالذكر هنا فضيلة الشيخ أحمد حماني مربِّي الأجيال المالكية ومرجع الفتوى ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى سابقا بالجزائر، وأمثال الشيخ عبد الرحمن الجيلالي، والشيخ عبد الرحمن شيبان، والشيخ علي المغربي، وغيرهم ممَّن لا يسعهم العدّ اليوم، غير أني من جهة أخرى استسمحت لنفسي أن أطرق وأتناول هذا الموضوع باعتبار أنني إباضي أصيل مكين في المذهب الإباضي ومعتزّ وفخور به كما أنني ـ والحمد لله ـ قد تفتَّحْت على بعض المذاهب الأخرى غير
(1/22)
المذهب الإباضي خاصة المذهب المالكي الذي منَّ الله عليَّ أن تعرَّفت عليه بشيء من العمق في الدراسة على أيدي مشايخي الأجلاَّء الذين تشرَّفت بالتتلمُذ عليهم، والجلوس أمامهم في حلقاتهم الدراسية بجامع الزيتونة، وفي مدرَّجات المدرسة العليا للحقوق بالجامعة التونسية فتخرَّجْت على أيديهم بعد عدة سنوات من الدراسة المركَّزة. وانتشاءً بالذكريات أذكر بعضا منهم على سبيل التبرّك بهم أمثال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، عبد العزيز جعيط، في مجالس تفسيرهما، على قلَّة ما أدركت من ذلك. وأمثال الشيخ محمد الزغواني في التفسير والحديث، والشيخ العربي الماجري في الفقه والأصول والإجراءات القضائية، والشيخ مصطفى القمودي ومحمد اللقَّاني في تقريرهما العميق للأصول، والشيخ البشير النيفر في حجة الله البالغة للدهلوي، والشيخ محمد الشاذلي ابن القاضي في المقاصد الشرعية، وأختم هذه السلسلة الطيِّبة بالأستاذ الدكتور الحبيب بن الخوجة، وفضيلة الشيخ الإمام الفاضل بن عاشور الذي أعتبره أستاذي بحقٍّ، إذ قد تأثرت به بالغ التأثّر، جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا.
(1/23)
من أجل كل ذلك أرجو أن أوفَّق فيما أقوم به من مقارنة بين المذهبين الإباضي ـ باعتباري أصيلا فيه ـ والمالكي باعتباري متفتِّحا عليه بعض التفتح، ومعجبًا بكثير من فحول علمائه وأمهات تراثه ومصنَّفاته خاصة الموافقات للشاطبي، وأحكام القرآن للإمام القرطبي، وبداية المجتهد لابن رشد، وبذلك أرجو أن تكون المقارنة أقرب ما تكون من الحقِّ والصواب والوضوح والشفافية، تستوعب جانبًا معتبرًا من وجوه المقارنة، وإن لم أستوعب كل ذلك، وما كنت لأزعم استطاعة استيعاب كل ذلك لقصوري وتقصيري، ومعذرة أيها الأساتذة الأفاضل من مشايخ ودكاترة وأساتذة وطلبة وطالبات فالعذر عند كرام الناس مقبول.
أيها الإخوة المؤمنون إليكم المحاضرة، كما قُدِّر لها أن تُكتب في ضيق من الوقت، واختُصرت ارتجاليا عند الإلقاء كما قُدِّر لها أن تُختَصر تقيّدًا بالتوقيت المقدَّر لها ضمن برنامج الندوة.
عنوان المحاضرة:
أصول الوفاق ومسائل الخلاف بين المذهبين المالكي والإباضي
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله أن هدانا للإيمان وما كنا لنهتدي لولا أن
(1/24)
هدانا الله، فله المنَّة والفضل، ولا يجوز لعبد أن يمُنَّ باستقامته على ربه ولا على رسوله، وقد أنكر الله ذلك على قوم فمنُّوه، فقال فيهم {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (الحجرات:17) والصلاة والسلام على صفوة أنبيائه ورسله الهادين، وخيرة عباده المهتدين، وقد قال الله عزَّ وجلَّ في حقِّه {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} (سبأ:50) فصلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ومن اهتدى بهديهم من ربَّانيين وحواريين وأنصار ومهاجرين ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فيا أيها الإخوة المؤمنون لو أنصفنا أنفسنا معشر المسلمين وأنصفنا التاريخ من أنفسنا ـ بعيدين كل البعد عن كل رواسب كيد الكائدين الماكرين بالإسلام والمسلمين ـ لوجدنا أنفسنا حقًّا أمَّة واحدة كما قال الله جل جلاله {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء:92) وقد قالها في
(1/25)
حق الأنبياء والرسل أوَّلاً، ثم قالها في حقِّ المِلل السماوية والأمم التي استجابت لها بصفة عامة وفي حق هذه الأمة الإسلامية خاصة {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (المؤمنون:52) كيف لا وقد جمعتنا أوسع مظلَّة يستظلُّ بها عباد الله يوم القيامة ـ يوم لا ظل إلا ظله ـ إنها مظلة أفضل كلمة قالها رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - كما قالها جميع الأنبياء والرسل مِن قبله، وما زلنا جميعنا نقولها ونردِّدها عشرات المرَّات في اليوم آناء الليل وأطراف النهار، إنها كلمة لا إله إلاَّ الله. وفي ذلك إقرار منَّا ومن جميع الخلائق بعبوديَّتنا المُطلقة لله عز وجل، وبربوبيَّة الله عز وجلَّ وألوهيته المُطلقة الكاملة والوحيدة علينا وعلى جميع الكائنات في العالمين.
ومن المفروض المقرَّر عندنا في كتاب ربنا أن تكون هذه العقيدة الأصيلة المكينة في القلب قدرا كافيا، وعاملا مشتركا يجمع كلمة المسلمين وغير المسلمين ممن يدينون بمبدأ الإيمان بربوبية الله عز وجل للكون كله، وبمبدأ صِلَة العباد بربهم وصِلة المولى عز وجل بعباده عن طريق الوحي والكتب المنزلة بواسطة أنبيائه ورسله المصطفين الأخيار،
(1/26)
وبمبدأ الإيمان بالمصير وبالوعد والوعيد بالثواب أو العقاب في الحياة الأخرى {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} (الأعلى:17ـ19) وذلك جماع عقيدة الملل السماوية لا تناسخ بينها في ذلك ولذلك قال الله سبحانه وتعالى {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران:64)
أيها الإخوة المؤمنون إذا كان هذا الذي سمعناه حقًّا، وعلمنا ذلك واعتقدناه عقيدة راسخة أنَّه عين الحق والصواب المقرَّر في تنزيل رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد؛ فما بال البعض يطرح اليوم جدلية أو إشكالية التوافق أو التخالف بين المذاهب الإسلامية على جهة التشكيك والتفرقة بين المسلمين، وتوهين الصلة والتواصل بينهم؛ بَيْدَ أنَّه تجْمَع بينهم إلى قوَّة تلك الأصول العقائدية آنفة الذكر أصول عقائدية أخرى أخصُّ من سابقتها ولا تتنافى أو
(1/27)
تتناقض معها، إذ هي من قبيل التنصيص لا من باب التخصيص كالإيمان بالرسول النبيء الأمِّي محمد - صلى الله عليه وسلم - على سبيل التنصيص، وأنه خاتم النبيئين وسيِّد المرسلين، مبعوث للناس كافة ومعشر الثقلين من إنس وجان، بل رحمة للعالمين، وذلك صريح قول الله عز وجل {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سبأ:28) وقال تعالى أيضا {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107) كما قال سبحانه وتعالى {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40).
والإيمان بالقرآن إمامًا يهدي للتي هي أقوم، مصدِّقا لِما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، قد تكفَّل الله عز وجل بحفظه منذ أنزله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، وإنَّه لقرآن مجيد في لوح محفوظ، وفي كتاب مكنون لا يمسُّه إلا المطهرون، تنزيل من رب العالمين. وكل ذلك مصرَّح به ومنصوص عليه بنصوص قطعيَّة المتن والدلالة في آيات مُحكَمات، من مثل
(1/28)
قوله تعالى {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (الإسراء:9) وقال {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} (الكهف:2 - 3) وقال عز وجل {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (المائدة:48) وقال {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (فصلت:41 - 42) وقال {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر:9).
كما يجمع المسلمين أهل الإيمان بالكعبة، أوَّل بيت وُضع للناس بمكة. مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بيِّنات مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنا، وقد غدا قِبلة واحدة وموحِّدة للناس جميعا في صلاتهم، ومآوَي أفئدتهم في حجِّهم وذلك قول الله عز وجل {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل
(1/29)
عمران:96 - 97) كما قال الله تعالى {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} (البقرة:144).
أفَبعْد كل هذه الأصول الجامعة الثابتة بين جميع طوائف وفئات ومذاهب الأمة الإسلامية تُطرح جدليَّة أو إشكالية وحدة المذاهب الإسلامية، أو اختلافها وافتراقها؟ إنَّ هذا أمر عجيب في غمط التاريخ ومغالطة المسلمين وتضليل أبناء الإسلام عن أصالتهم وملَّتهم التي أُمِروا أن لا يموتوا إلا عليها بقوله تعالى {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (البقرة: 130ـ132) كما قال تعالى أيضا خطابا لهذه الأمة الإسلامية وعباده المؤمنين {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
(1/30)
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} (آل عمران:102 - 109) وذلك الجامع الأول بين المسلمين المؤمنين جامع أصول الدين وكليَّات الاعتقاد.
أما ثانيا فلو أنصفنا أنفسنا أيضا معشر المسلمين وأنصفنا التاريخ من أنفسنا وأنصفنا التاريخ بواقعه لوجدنا التراث الفكري في الفقه الإسلامي في مجال الفروع العلمية التطبيقية ـ خاصة في عصر ما سمي في اصطلاح تاريخ التشريع بعصر التأصيل
(1/31)
والتأسيس للمذاهب، من تزاور أئمة المذاهب فيما بينهم، ورواية العلم بعضهم عن بعض، وتكامل بعضهم ببعض، وتسامح بعضهم مع البعض، واعتراف بعضهم للبعض. وكذلك الأمر في عصر الاستبحار والتفريع ـ إذن لرأينا في ذلك تكريما من الله لهذه الأمَّة في علمائها وفطرتهم. وتعظيما لهذه الملَّة في شمولها وسماحتها.
أما تكريم هذه الأمة في علمائها وفطرتهم فذلك أن الله جل جلاله قد أقرَّ في محكم كتابه العزيز فطرة الخلاف والاختلاف بين خلقه، وتلك سنَّته وإرادته ومشيئته: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} (فاطر:43) وقد قال عز وجل {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود:118).
وأزاء هذه الفطرة فقد كرَّم الله هذه الأمة في علمائها، فتفضل عليهم بقبول الخلاف في المسائل الفرعية، وآجرهم على قدر اجتهادهم فيها رغم اختلاف نتائجهم التي توصَّلوا ـ أو يتوصَّلون ـ إليها على أنَّها كلَّها حقٌّ وصواب على قول من يقول بتعدُّد الحق والصواب في المسائل
(1/32)
الفرعية، فيكون الشيء ونقيضه معا حقًّا وصوابا باعتبار تغيُّر الزمان أو المكان أو الشخص المحكوم له أو عليه.
أو على أنَّ بعض نتائج الاجتهاد حقٌّ وصواب مأجور عليه صاحبه أجرين، أجر الاجتهاد وأجر إصابة الحق، وبعضها الآخر خطأ ولكنه معفوٌّ عن صاحبه إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ومأجور عليه صاحبه أجرًا واحدًا أجر الاجتهاد وإن لم يصِب الحقَّ فلا يؤاخذ على ذلك، وهذا صريح قوله تعالى {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (البقرة:286) أمَّا منح الأجر على الاجتهاد رغم خطأ صاحبه فذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد" (1). وقد يوحي بذلك قول الله عز وجلَّ في قصة داود وسليمان وحكمهما في خصومة أصحاب الحرث وأصحاب الغنم إذ نفشت في الحرث ـ رعته ليلاً ـ (2) قال الله عز وجل {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ
__________
(1) صحيح البخاري: بلفظ: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" ج9 ص 108 رقم 7352. المحقق: محمد زهير الناصر. الناشر: دار طوق النجاة الطبعة: الأولى، 1422هـ. صحيح مسلم: ج3 ص 1342. رقم 1716. المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي. الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت.
(2) *- لقد اتبعت في تخريج الأحاديث الواردة في الكتاب منهج التخريج من مصدرين وأكثر، بدءًا من مسند الإمام الربيع بن حبيب والموطأ للإمام مالك لأنهما المعتمدان عند المذهبين الإباضي والمالكي اللذين هما قيد الدراسة، فإن لم أجد الرواية فيهما أو في أحدهما بحثت في صحيح البخاري وصحيح مسلم، ثم في كتب الرواة الآخرين على سبيل التسوية. (مُعِدّ الطبعة الثانية ومخرِّجها)
() ابن منظور: لسان العرب: يقال نفشت الإبل إذا تفرقت فرعت بالليل من غير علم راعيها.
(1/33)
إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} (الأنبياء: 78ـ79).
هذا فضل الله على هذه الأمة يتجلى في تكريم علمائها ورثة الأنبياء فيها، ومن ثَمَّ قال من قال ـ وكأني بقوله حق وصواب ـ إذ قال رحمة الأمَّة في اختلاف الأئمَّة.
أما تعظيم هذه الملَّة ـ ملَّة الإسلام ـ فمن حيث سماحتها وشموليَّتها وصلوحيَّتها لكل زمان ومكان بما يناسبه، وذلك سرُّ عظمة هذه الشريعة، في يُسرِها ومرونتها وقابلية النصوص القطعية المتن الظنيَّة الدلالة في كثير من مواردها أن تُفهم وتُفسَّر وتُؤوَّل بحسب كل زمان وكل مكان، بل وبحسب كل شخص أحيانًا بما يناسبه مع المحافظة على الثوابت والأصول القطعية وفي العقائد والعبادات والمعاملات على اختلاف مجالاتها.
(1/34)
وبهذا المنظور يستطيع كل منصف ـ منا ومن غيرنا إذا أنصفنا أنفسنا أو أنصفنا التاريخ ـ أن يقول إنه لا يوجد خلاف معتبر بين مذاهب هذه الأمة وطوائفها مما من شأنه أن يؤدِّي بها إلى التفرقة والتنازع والتباغض والتدابر وحتى إلى التقاتل فيما بينهم، يضرب بعضهم رقاب بعض مهما كانت دواعي ذلك وأسبابه، إذ لا يعدو أن يكون خلاف تنوُّع وتعدُّد المصالح والمنافع حرصًا على جلبها وتحقيقها، أو تنوُّع وتعدُّد الشرور والمفاسد والمضارِّ حرصًا على درئها ودفعها وتلافيها تطهيرًا للمجتمع الإسلامي منها، وتزكية لنفس المؤمن حتى تطمئنَّ وتلقى ربها راضية مرضية فيُدخلها في عباده ويدخلها جنَّتَه. (الفجر: 28 - 30).
تلك عوامل الوحدة والجمع والتأليف بين عموم الأمة الإسلامية ـ على اختلاف ـ بل تعدُّد ـ مذاهبها العقائدية أو الفقهية أو السياسية دون اختلاف حقيقي بينها. أما بالنسبة لنا معشر الجزائريين إباضيين ومالكيين وأحنافا فالتوافق بين جميع المنتمين لهذه المذاهب أظهر وأقوى وأمتن؛ إذا ما استقرأنا التاريخ قبل أن نستقرئ المسائل والأحكام الجزئية، فضلا عن الأصول والأحكام الكلية، عمليةً
(1/35)
كانت أو عقائدية، فالتعايش مدى التاريخ الطويل والأمد البعيد طيلة ما يزيد على ألف سنة أو تزيد عددَ مِئِين بين المذاهب الثلاثة. خاصة بين الإباضية والمالكية في شمال أفريقيا بمعظم الأقطار الأربعة أو الخمس وخارج شمال أفريقيا في الأندلس وما جاورها من بعض الجزر المحيطة بها، وفي جنوب الجزيرة العربية في اليمن وحضرموت وعُمان وما جاورها من بعض الإمارات العربية. ووحدة هذه المذاهب منشَأه أو منبته إمَّا في العراق بالبصرة والكوفة، وما وراء بلاد العراق إلى خراسان أو في جنوب البلاد الإسلامية أو غربها، كلُّ هذا التعايش والتجاور في البيئات يدلُّ على مدى التقارب والتكامل إلى حدِّ ما يقرب من التوافق والتوحُّد في معظم ما يحكم علاقة المسلم بربه أوَّلا، ثم ما ينظم علاقته بمن يعايشه ويساكنه ويجاوره من قريب أو بعيد، ويشاطره السرَّاء والضرَّاء، إذ يستحيل عادة أن يحصل ذلك التعايش والتجاور لو كانت هناك فوارق جوهرية تباعد هذا عن ذاك أو تنفِّره منه أو تُوقِع بينهما عداوة وبغضاء دينية، كما شوهد في بعض فترات التاريخ في بعض الأقطار الإسلامية قديمًا، كفترة وجود العُبيديِّين الفاطميين بشمال أفريقيا، وكما يشاهد اليوم في بعض
(1/36)
أنحاء العالم الإسلامي ـ عربية وغير عربية ـ حيث يتنازع فيها دينان أو أديان، أو مذهبان أو مذاهب شتى متنافرة غاية النُّفرة، متباعدة غاية التباعد؛ مما يجعل التعايش بينهما أمرًا قريبًا من المستحيل ولا يقام إلا على أساس من النزاع والصراع الدائم لا يفتُر حتى يهيج ولا يخمد حتى يثور كأشدَّ مِن ذي قبل، ولو شئنا لضربنا لذلك أمثلة عبر التاريخ قديمِهِ وحديثه، من البلاد الإسلامية وغير الإسلامية.
من هذا المنطلق أو من هذا المنظور نُدرك مدى التقارب ـ بل مدى التوافق ـ بين المذاهب المتعايشة في هذه الأقطار المتجاورة من المغرب العربي، وخاصة الجزائر الحبيبة منذ ما يزيد على ألف سنة ممَّا يعدُّون. وكم شهدت هذه الحقبة التاريخية الطويلة من تآزر وتعاون وتآخ بين الإباضيين والمالكيين خاصة في جنوب الجزائر ـ وادي ميزاب ـ إذ تجاوروا وما زالوا متجاورين في البيوت، وتشاركوا في شركات للزرع والحرث والمساقاة والمغارسة وتربية المواشي والأنعام في البوادي والحضر، وتآجروا في مختلف ميادين التشغيل الفلاحي والصناعي والتجاري وورشات الأشغال
(1/37)
ومقاولات البناء وما أكثرها حتى اليوم.
وقولنا إن ذلك ما يثبته التاريخ فليس معنى ذلك أننا لا نجد أي خلاف يُذكر بين إباضي ومالكي في بعض التصورات الأيديولوجية العقائدية، أو بعض التصرُّفات العملية التطبيقية، فإن ذلك ما لا يكاد يسلم منه حتى أتباع المذهب الواحد كالإباضية فيما بينهم والمالكية فيما بينهم والأحناف فيما بينهم، بل وحتى بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بينهم، وبين الأشقَّاء ذوي الأخوَّة من صلب واحد ورحم واحدة.
أخي المسلم إذا أردنا أو نوجد أو نحرِّر مواقع أو مسائل الوفاق بين الإباضية والمالكية ـ وما أكثرها ـ أو مسائل الخلاف بينهم ـ وما أقلَّها ـ فلنوجز ذلك فيما يلي مصنِّفين إياها إلى محاور محدودة مُعَنْوَنة بفصول:
الفصل الأول: 1 ـ الأصول الدينية العقائدية.
الفصل الثاني 2 ـ الأصول الفقهية ومصادر التشريع.
الفصل الثالث 3 ـ الأحكام العملية في السياسة الشرعية.
(1/38)
الفصل الرابع 4 ـ الأحكام العملية في المسائل الفرعية في العبادات.
الفصل الخامس 5 ـ الأحكام العملية في المسائل الفرعية في المعاملات البدنية.
الفصل السادس 6 ـ الأحكام العملية في المسائل الفرعية في المعاملات المالية.
وسنحاول بسط ذلك وبيانه بضرب أمثلة على سبيل الإيضاح لا على سبيل الحصر، بعيدين كل البعد عن الجدليات الكلامية الفلسفية العقيمة ـ في معظمها ـ مكتفين بمخاطبة العقل السليم والفطرة الإلهية التي فطر الله الناس عليها، إذ الإسلام دين الفطرة كما قال الله تعالى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الروم:30).
(1/39)
الفصل الأول:
أصول الوفاق ومسائل الخلاف في الأصول الدينية العقائدية:
إن الإباضية والمالكية يتَّفقون في معظم ـ إن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

تواصل معنا

أكثر من 600,000+ يتابعون موقعنا عبر وسائل التواصل الإجتماعي إنظم إلينا الآن

عن الموقع

author مكتبة أهل الحق والإستقامة <<   مكتبة أهل الحق والإستقامة..موقع يهتم بنشر الكتب القيمة في مختلف الجوانب (فقه..عقيدة..تاريخ...الخ) عند المذهب الإباضية من نتاج فكري.

أعرف أكثر ←

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *