الكتاب : أسباب النهوض بالأمة لأحمد الخليلي
ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع
أسباب النهوض بالأمة
جميع حقوق الطبع محفوظة للناشر
الطبعة الأولى
1423 هـ – 2003 م
مكتبة الضامري للنشر والتوزيع
هاتف : 9330027
ص ب 2 السيب الرمز البريدي 121 سلطنة عمان
سلسلة محاضرات من أجل فهمٍ صحيح للإسلام
-20
- أسباب النهوض بالأمة -
تأليف
سماحة الشيخ أحمد بن حمد بن سليمان الخليلي
مفتي عام السلطنة
مكتبة الضامري للنشر والتوزيع
السيب / سلطنة عمان
الحمد لله الذي له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، سبحانه يولج النهار في الليل ويولج الليل في النهار وهو العليم الخبير ، أحمده كما هو له أهل من الحمد وأثني عليه وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه وأمن به وأتوكل عليه ، من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا ورسولنا محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عليه تسليماً وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى تابيعهم بأحسان إلى يوم الدين أما بعد ......
(1/1)
فإن الكثير منكم يدرك أن في العام الدراسي الماضي في هذه المؤسسة العلمية الناهضة المباركة القينا مجموعة من المحاضرات استهللناها ما كان في محاضرتين ألقاهما رجلان من الولايات المتحدة الأمريكية انتقلا من ديانتهما السابقة إلى ديانة الإسلام وقالا في محاضرتيهما أن المستقبل للإسلام وقد كان عنوان إحدى المحاضرتين القيادة الإسلامية في القرن الحادي والعشرين والرجل الذي ألقى هذه المحاضرة ليس برجل هامشي لا عرق له في الأوضاع السياسية العالمية وإنما كان رجلاً ذا مكانة سياسية مرموقة بحيث تدرج في العديد من المناصب السياسية حتى كان في وقت من الأوقات كبير مستشاري رئيس الولايات المتحده الأمريكية السابق وهو ما يدل على اطلاعه بالدراسات السياسية وخبرته في قضايا العصر الهامة بما يدور وقد نَقل بعض ما نُقل عن كبار السياسة الأمريكية وأنهم كانوا جميعاً ينظرون إلى الأوضاع في الولايات المتحده الأمريكية والأوضاع في بقية العالم إنها تنذر بشؤوم وخطر إن لم يتداركه الله تعالى بهداية الإسلام دين الفطرة الذي يلم الشتات ويجمع الشعث ويرأب الصدع ويسوس الناس سياسة عدلة مطمئنة فيما بينهم وهذا بطبيعة الحال يدعو إلى أن نفهم الإسلام الذي أكرمنا الله تعالى به .
وقد تحدثنا في الدروس السابقة عن بعض الخصائص التي في ديننا الحنيف والتي تدل على عالمية هذا الدين وعظمة الله سبحانه وتعالى وأنه ليس هناك ما يمكن أن يكون استقراراً للأوضاع البشرية حياتها إلا من خلال هذا الدين .
ولقد كان غير المسلمين يتفائلون بالإسلام أن يكون سائداً يحمي الأوضاع البشرية في العالم بسبب ما فيه من خير وبركه فإن على الأمة أن تكون أحرص على إسلامها وأن تكون أكثر تطبيقاً للمناهج والقيم وقد ذكرنا بعض الخصائص التي في العقيدة الإسلامية وبعض الخصائص التي يمكن للأمه أن تستفيدها من خلال عبادتها لربها سبحانه وتعالى .
(1/2)
فإن العبادات بأسرها تدعو إلى لم الشعث وجمع الشتات وتوحيد الكلمه ورأب الصدع والقضاء على أسباب الفرقه والخلاف، وقد تعرضنا في بعض الدروس السابقة التي ألقيناها في العام الماضي في هذا المكان للصلاة وخصائصها وما ينتج عنها من آثار إجابية في جمع كلمة الأمة وتوحيد صفها والقضاء على أسباب الخلاف بينها ثم انتقلنا إلى الزكاة وتحدثنا عن الزكاة والنظام المالي في الإسلام وكيف هي نظرة الإسلام إلى المال وأن المال الذي بيد الإنسان إنما هو مال الله تعالى والعبد ما هو إلا مؤتمن عليه ومستخلف فيه فبجانب كون هذا المال نعمة ، هو أيضاً مسؤولية لأنه مسؤول عنه يوم القيامة ، يسأل عنه من أين اكتسبه فيما أنفقه فهو مسؤول عن كسبه بحيث لا يؤذن له أن يكتسب هذا المال إلا من الطرق النظيفه المشروعة المباحة ولا يسمح له بحال من الأحوال أن يكسبه بغير هذه الطرق وكذلك هو أيضاً مسؤول عن إنفاقه فهو مسؤول عن وضعه المال أن وضعه لأن المال هو مال الله والعبد مستخلف فيه وليس للمستخلف أن يتصرف فيما استخلف فيه إلا بأمر من استخلفه بالنظام الذي وضعه له فيه .
(1/3)
وقد كنت الليلة الماضية أصغي لآخر درس من هذه الدروس وكان فيما سمعته الحديث الذي يتعلق بالترف وكيف أن الترف مفضي إلى التلف وأن التقارب اللفظي ما بين هاتين الكلمتين دليل على الترابط السيي والتآخي المعنوي وهذا يدعونا أن نقف وقفه مختصرة مع التاريخ ومع السلف الصالح الذين أكرمهم الله تعالى بهداية الإسلام فكانوا خير أمه أخرجت للناس انطلقوا في فسيح الأرض يحملون إلى البشرية بأسرها الهداية الربانية ويرسمون للإنسانية كلها الطريق الصحيح الذي ينتهي بها إلى السلام والاستقرار في هذه الحياة الدنيا وإلى الفوز والسعادة في الدار العقبى ، إن السلف الصالح أدركوا تمام الإدراك أن هذه الحياه ما هي إلا قنطرة يعبر بها الإنسان إلى ما بعدها وأن ما يتزوده منها هو الذخر الذي يلقاه يوم القيامة عندما يلقى ربه ، { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } ولذلك كانوا حريصين كل الحرص أن يجعلوا هذه الدنيا لمصلحة العقبى التي يرجونها والتي يعيشون ويضحون بحياتهم من أجلها ويضحون بحياتهم من أجلها فعيشهم إنما هو من أجل تلك المصلحة ومماتهم من أجل تحقيقها والانتقال إليها عندما خرجوا من هذه الأرض خرجوا حاملين في أكفهم مشاعل الهداية للإنسانية وكانت هذه الغاية التي يسعون لها ما كانوا ينظرون لشيء من حطام هذه الدنيا وما كان يبهر عقولهم أو أبصارهم فما كانوا يروا عليه أبناء هذه الدنيا من النعيم الذي يتقلبون في أعطافه .
(1/4)
ومن الأمثله الحية ذلك الموقف الذي وقفه أحد رجال الإسلام في مواجهة الجاهلية العاتية (( جاهلية ذلك العصر وهو لؤي بن عامر - رضي الله عنه - الذي خرج في الجيش الإسلامي إلى بلاد فارس من أجل القضاء على سلطات الجبارين الذين كانوا يتحكمون في الشعب الفارسي والشعوب الواقعه تحت يد استعبادهم وتحرير النفوس البشرية من التعبد إلى غير الله ، ذلك الجيش خرج بتوجيه من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وأمر عليهم القائد المعروف سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وقد زود ذلك الجيش وقائده نصيحة يوجهها إلى سعد - رضي الله عنه - قائلاً له :
(( أوصيك ومن معك بتقوى الله في كل حال فإن تقوى الله أفضل عدة في الحرب وأفضل مكيدة في الحرب وأوصيك ومن معك أشد احتراساً للمعاصي من عدوك فإن ذنوب الجيش أخبث عليهم من عدوهم إنما ينصر المسلمون بمعصية العدو لله فإن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم فإن استوينا في المعصيه كان لهم الفضل علينا في القوه وإذا لم ننتصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا ، واعلم أن في سيركم عليكم من الله حفظه يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم ولا تعملوا بمعاصي الله ولا تقولوا أن عدونا شر منا فلن يسلط علينا فرب قوم سلط عليهم من هم شر منهم كما سلط على بني إسرائيل كفار المجوس فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا وأسألوا الله النصر على أنفسكم تسألونه النصر على عدوكم ، اسأل الله ذلك لي ولكم )) .
(1/5)
اخطلطت هذه الوصيه بدمائهم وعظامهم وأعصابهم وأرواحهم وأجسادهم وعقولهم وأفكارهم وقلوبهم ووجدانهم فكانت قلوبهم تثبت بمقتظاها لأنهم أدركوا أبعادهم فعمر - رضي الله عنهم - يذكرهم بالله ويأمرهم بالاستحياء منه وملائكته الذين يراقبون تحركاتهم وسكناتهم لئلايعملوا المعاصي وهم في سبيل الله وأن هذه المعاصي أشد عليهم من عدوهم وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله فإن عدد المسلمين ليس كعددهم بل عدد العدو مضاعف وعدة أعدائهم أكثر من عدتهم بكثير ولكن قوة إيمانهم بالله وصلتهم به فإن قطعوا هذه الصلة لم يكونوا أولى بالنصر من عدوهم ويسن لهم انهم ينصرون بمعصية عدوهم لله تعالى فالعدو يستحق الدمار والمهانة وإن تساوو مع أعدائهم في المعصية كان لأعدائهم عليهم النصر بالقوة ، قوة العدد والعدة ويذكرهم بحال من قبلهم لأنه من شأن اللبيب أن يتعظ بحال غيره فمن يتعظ بغيره أتعظ به غيره ، فبنو إسرائيل لما عملوا بمعاصي الله سلط عليهم كفار المجوس فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا فلهذا أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - أمرهم أن يسألوا الله النصر على أنفسهم كما يسألونه على عدوهم هذه وصية اختلطت بنفسية أولئك المؤمنين الذين خرجوا في سبيل الله وكان عمر - رضي الله عنه - اختار رجلاً من أصحاب الرسول ليكون مستشاراً في قائد الجنود هو سلمان الفارسي وأمر سعد بن أبي وقاص أن لا يقدم على حرب ولاسلم وأن لا يصنع السلاح أو يرفعه إلا بمشوره من سلمان - رضي الله عنه - وعندما أراد سعد الإقدام استشار سلمان فطلب منه الإهمال تلك الليله وعندما أصبح قال له أقدم فإني طفت بهم الليله فوجدتهم بين راكع وساجد هكذا أثرت هذه الوصية في نفوس المسلمين لذلك اطمئن مستشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى حالهم فأمر القائد بالإقدام لأنه وجدهم موصولين بالله عندما طاف بهم في منازلهم إذ لقيهم بين راكع وساجد في الليل فهم بحق رهبان بالليل وفرسان بالنهار
(1/6)
هذه صلة بالله تعالى ولقد زودتهم هذه الصلة القوه وأخذ الجيش يزحف للأمام والجيش الساساني المجوسي المدجج بالسلاح المزود بأنواع وسائل القوة أخذ يتقهقر إلى الخلف بسرعه والمسلمون يزحفون بسرعه وعندما أحس قائد الجيش الفارسي رستم من بني عوف ويزدجرد وهو آخر أباطرة الدولة الساسانية الفارسية عندما أحس بالهزيمه المتلاحقة ، طلب التفاوض مع المسلمين ، طلب من سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أن يأتي له من يفاوضه من المسلمين فأرسل إليه ربعي بن عامر وهو أحد الناس الذين تحلوا قبل كل شيء بمعالم القرآن وبهدي النبوة على صاحبها وتغذى أيضاً بهذه الوصية البالغة Fوصية أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - التي هي مستوحاه من كتاب الله وسنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
(1/7)
أرسل القائد سعد ربعي بن عامر بعشرين راكباً ليتفاوض مع رستم ورستم رجل من رجال الدوله الساسانيه الفارسية وينحدر من تلك السلاطنة التي ينحدر منها الأمبراطور نفسه وهو أحد الرجال الذين نصبوا هذا الأمبراطور وهو من الذين يعدون أنهم خلاصة الشرف في بيت الحاكم الفارسي فهو قد أجتمع فيه حسب المقاييس عناصر الشرف ولذلك كانت قلنوسوته بمئة ألف دينار وهذا رمز الشرف فيما عندهم حيث لا يسمح لأحد أن يلبس هذه القلنسوة إلا إذا أجتمعت فيه عناصر الشرف وكان قد هيأ في ذلك اللقاء ما يدعوا الناس السخفاء الى الإعجاب هيأ من مظاهر الترف ما يكفي لخداع الذين لا ألباب لهم وفرش الأرض بالبسط المزينة والمطرزة بالذهب والمحلاة بالجواهر الكريمه وصفف الكراسي المحلاة بالأحجار الكريمة والنمارق المطرزة بالذهب وجاء ربعي بن عامر وما منه إلا نهب بيعروبه إلى البساط واقفاً بقوائمه ثم ربط فرسه في بعض تلك النمارق وأقبل على رستم حتى جلس بجانبه وسأله رستم ما الذي جاء بك فأجابه أن الله استغنانا لمن شاء لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة هذه الكلمات كما يقول أحد المفكرين الإسلاميين المعاهدين هو السيد أبو الحسن لو وضعت على جبل لتهدم ، ولو وضعت على بحر لتبخر ، هذه الكلمات تدل على عمق إيمان قائدها وتدل على معرفته في تصور الحقيقة ، إنها التربيه النبوية التي ربى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - سلف هذه الأمة ، كانوا مدركين تمام الأدراك للواقع مما كانت تغرهم الحياة الدنيا ببهجتها وزينتها وزخرفتها وإنما كانوا ينظرون إليها كجيفة بالية متعفنة فلو كان هذا من ينظر إلى الحياة الدنيا ويغتر بزخرفها لكن حديا كما بقول العلامة أبو الحسن أن يتجلب لسانة وهو يشاهد هذه المشاهد وأن يسيل لعابه من ذلك ولكنه أجابه بهذه الكلمات وهذه الحقيقة يجب أن تكون نافذه في نفس كل مسلم يسعى
(1/8)
إلى إعزاز هذه الأمة ويسعى إلى اظهار دين الله في الأرض ويسعى إلى إنقاذ هذه الإنسانية الحائرة التي غرقت الآن في مستنقع الجاهلية الحديثه إنما يكون بهذا التصور الصحيح للحقيقة والواقع .
التصور الصحيح لهذه الحياة وقيمتها ، الأدراك التام لوضع البشرية فإن الذين يعبدون غير الله تعالى إنما بهم أرقاء لهذه الأوهام التي نزلت تهم إلى هذا الحضيض الى عبادة غير الله والذين اتخذوا أدياناً من دون الإسلام دين الله الحق إنما هم أيضاً أرقاء لهذه الأوهام التي اتخذوها فالمسلم مطالب بأن يسعى لإخراج البشرية من عبادة الأصنام إلى عبادة الله ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، الإنسان مطالب بهذا ولا يمكن للإنسانية الآن التي تتخبط في ظلماتها والتي غرقت في مستنقع مشكلاتها المتنوعة إلى إنقاذها ولا يمكن لهذه البشرية أن تخرج من وضعها الحالي إلا أن يكون المسلمون على هذا النحو وأن يسعوا لإنقاذها وإخراجها مما هي فيه وعليه من عبادة غير الله إلى عبادة الله تعالى ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الحياة الدنيا إلى سعة الدنيا والأخره .
تلك الدنيا البعيدة عن هدايه القرآن وعن هدي النبوة على صاحبها Fوالانتقال إلى دنيا غير هذه الدنيا دينا يحكمها القرآن ، ويحكمها هدي النبوة على صاحبها F، ويحكمها الإيمان ويسوسها الإسلام لدنيا تكون موصله بالآخرة ، ولذلك تكون سعتها مقرونه بسعة الأخره لأن سعتها يتبواها الإنسان المسلم الصالح الموصول بالله تعالى .
(1/9)
نعم إن أولئك كانوا يعبدون غير الله فقد كانوا يعبدون آله شتى ومن الآلهه التي يعبدونها من الشر وكسرى هو أحد آبا طرتهم من فارس الذي ولد في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقاوم الأمبراطوريه الرومانية حتى حاصرها في قاعدتها وعاصمتها (( قسطنطين )) وكان هذا من تمجيد الأمه الفارسية له أنهم كانوا يريدون في وصفه نشيداً بلغتهم ومعنى هذا الوصف بالعربيه في الآله أنس غير فان (( أي لا يفنى )) وفي الناس آله ليس لها فان وأرتفع أسمه وتعالى مجدة ، يطلع مع الشمس في ضياه ويضيء الليالي المظلمه بنوره وهذه من عبادة غير الله التي كانوا عليها كذلك عندما يقول جور الأديان وعدل الإسلام كان هناك جور. وأتى جور من قبل الساسة الساسين حتى الذين اشتهروا بين الناس أنهم كانوا على شيء من العدل إلا أن جانب من الظلم والطغيان والتسلط يغلب على العدل بكثير فمن الذين أشتهروا بالعدل من الساسين كسرى أخو شروان الذي سمي الملك العادل وهو مع ما كان معروفاً به بالتحلي بشيء من العدل والحلم أو من الرويه كان يرتكب من الموبقات ما تشيب له الولدان .
(1/10)
لقد ذكر ابن جرير الطبري في تاريخه أن كسرى أبو شروان جمع الفرس على أخلاف طبقاتهم أي يمثلون الشعب الفارسي من الوزراء والكتاب والعاملين وغيرهم وتحدث عليهم عارضاً أمراً هو بأن يرى مجموعة من الناس يمسح الأراضي الإمبراطورية الفارسية التي هي واقعة تحت سلطته ، من أجل حظر ما للناس من أموال من عيون وأشجار ونخيل ويحل ما يدر عليهم من فائدة لدفع ضريبه وتدوينه عندهم وتلك من أجل الاحتياط فيما لو جاءهم عدو بعد ما عرض عليهم ، طلب منهم المشوره فلم يقم أحد بالرد عليه ، فكرر طلب المشوره ، فلم يجبه أحد ، فكرر ذلك ثالثه ، فقام إليه أحد من الناس وناداه ثم قال : أتفرض ذلك في نخل يموت وزرع يذبل ونهر ينقطع ، وتبقى الناس تتحمل شدة هذا الأمر على مر السنين فرد عليه يا ذا الكلفة المشؤوم من أي طبقات الناس أنت ؟ قال : من الكتاب . قال له : أكنت أجرأ الناس علي فأمر الكتاب بأن يضربوه إلى أن يموت ولوكان هذا التصرف ممن يوصف بينهم بالعدل فكيف يتصرف من شهر بينهم بالظلم ، هذه الأوضاع التي كانت في بلادفارس ، ولم تكن الأوضاع في بلاد الروم بأحس منها إنما الأوضاع متشابه وكانت القيمه الإنسانية مهدرة وكانت حياة الإنسان معرضة للتلف وأنفسهم معرضة وأموالهم معرضة للإضاعة وهم مع ذلك كله مستسلمون فلا غرابه أن يقول ربيعة لرستم من جور الأديان إلى عدل الإسلام أن هؤلاء ينقلون إلى عدالة الإسلام التي تسمح لكل أحد أن يواجه أي إنسان يريد أن يأخذ شيئاً من حقه ولو كان من الذين أوتوا النفوذ .
(1/11)
وقد كان الحاكم المسلم يعدل بين أضعف الناس وأقواهم فالقوي عندهم ضعيف حتى يأخذ الحق منه والضعيف قوي حتى يأخذ الحق له وقد روي عن أحد العمال للخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على بلاد فارس أنه إجترأ على ارض لجيرانه من الفرس فضم ذلك الجزء الذي إجترأ عليه إلى ارضه فقال ذلك الفارسي من يمكن أن يرسل إلى هذا الرجل فأرسل إلى أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - فذهب إليه حتى أتاه في المدينه المنوره فوجده في ظل شجره فتعجب لأمره أن وجده في ذلك المكان ولم يجده في قصر منيف بين عسكر مدجج بالسلاح وأنما وجده كوضع أقل الناس في رعيته فشكى إليه ما شكاه فما كان منه إلا أن كتب رسالة إلى عامله يقول (( إنصف الدهقان من نفسك وإلا فأقبل والسلام )) ولم يجد خيطاً يشد به الورقه الصغيره التي كتبها فأخذ خيطا ًمن عمامته وشد بها الورقه وسلمها الى الفارسي وتعجب الفارسي كيف يمكن أن تكون سبباً للإنصاف ولكن ما كان يصل الرسالة إلى عامة ارتعش جسمه وتغير لونه من هول الأمر وطلب منه أن يأخذ أرضه وما يشاء لأجل أن يرضى ولا يعاقبه أمير المؤمنين هكذا كانت العدالة التي انتقلوا إليها أولئك الذين يرزءون تحت نير الظلم والطغيان بفضل تلك الدعوه وبفضل ذلك الجهاد فكان ذلك الجهاد من أجل اخراج الناس من عبادة غير الله إلى عبادة الله ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام .
وقد القى السيد أبو الحسن البدوي محاضرة في إحدى المدن العربية هذه المحاضرة كلها تدور حول هذه الجملة من ضيق الدنيا إلى سعتها كما جاء في الروايات أو سعة الدنيا ثم بعد ذلك الآخرة وقال في محاضرته وقد ألقاها قبل عشرين عاماً من الآن ما معناه من قوله أن الله إبتعثنا لنخرج ما شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله .
(1/12)
فإن أولئك الفرس كانوا يعبدوا غير الله والإسلام جاء ليعبدوا الله وحده الذي لم يلد ولم يولد ولا غرابة في قوله ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام فإنهم كانوا يقاسون ما يقاسون من جور أولئك الحكام بسبب تسليط هؤلاء الحكام عليهم من قبل دياناتهم والإسلام جاء بالعدالة الحق ولا غرابة أيضاً أن قالوا من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ولكن الغرابة قوله من ضيق الدنيا إلى سعتها فقال سعة الدنيا قبل سعة الآخرة لأن أولئك الفرس الذين كانوا يعيشون في بحبوحة النعيم كانوا يعيشون في القصور الشامخة والحدائق الغناء بين الأنهار المضطربة مع الجواري الحسان وأي سعة عند العرب الذين لفحتهم شمس الجزيرة العربية وكانوا يتضورون جوعاً في هذه الجزيرة العربية الجرداء وكان أحدهم يتوسد الحجر ويفترش المدر ويأكل لقمة العيش وهو سريعاً في طريقة كادحاً مهتماً بمعاناة شؤون الحياه . أي ضيق كان عند أولئك الفرس وأي سعة كان عند هؤلاء .
(1/13)
وقال من المنتظر من ربيعه من المشاهد التي تنم عن الحضارة وتنم عن مقاييس الناس أن يتحلب لسانه ويسيل لعابه بما شاهده ولكن بخلاف ذلك بل قال له إن الله إبتعثنا لنخرج من يشاء من الضيق إلى السعة التي نحن فيها وأجاب عن ذلك بما معناه أن ربيعه بن عامر - رضي الله عنه - ما كان ينظر لرستم ومن هو على شاكلته وما كان على النحو الذي عليه إلا كما كان ينظر أحدنا لكلب عند عند رجل أوربي يربطه بسلسلة ذهبية ويطعمه بآنية من ذهب وفضة، يقدم له الوجبات الشهية المتنوعة فإن أحدنا كان يحسده لأنه غير محسوب لأنه كلب مهين لا قيمة له عند الناس أصحاب الفطرة السليمة فلا يمكن أن تبقى قيمته كالبشر بأي حال من الأحوال ثم إلى جانب ذلك هو أسير محبوس في قفصه ويعني ذلك أن أولئك الفرس كانوا أسارى لعاداتهم ، أسارى لشهولتهم وضرب مثلاً لذلك أن يزدجرد عندما هرب خائفا ًمن سيوف المسلمين مولياً وجهه نحو الشرق ، كان حاملاً معه من الخدم نحو أربعة آلاف ، كان عنده ألف طباخ وألف مغني وألف مقيد على الحيوانات وألف خدم آخرين ومع ذلك يقول أنني في حالة يرثى لها بحيث لم أخرج إلا بهذا العدد اليسير من الخدم وعندما مر بإمرأه كان عطشان فسقته تلك المرأه توسمت فيه الترف ، قال ما شربت في حياتي شربة قط إلا مع أغنية . يتسائل المحاضر أو ليس هذا ضيق وأعظم ضيق بحيث يكون الإنسان في شدة العطش ويحس أن شربة الماء لا يمكن أن يسيغها في حلقه إلا بأغنية يسمعها . هذا هو الضيق وهذه هي المهانة .
(1/14)
أما العربي الذي يعيش تحت وهج الشمس وكان يلتحف الخضراء ويفترش الغبراء وكسرة التمر بيده ويشرب عليها جرعة الماء بكفيه هذا كان في سعه لأنه ما كان يشرب في مثل هذه العادات التافهة فإذاً المسلمون جاءوا يحررونهم مما هم فيه وعليه ويخرجونهم من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والأخره وقال أنه لا يتعجب قط من قوله والأخره لأن الأخره من المعلوم أن الدنيا لا تساوي شيئاً بجنبها فالله تعالى يقول { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدِّتْ لِلْمُتَّقِين } ( آل عمران :133 ) وجاء في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - (( لموضع صوت أحدكم في الجنه خير من الدنيا وما فيها )) إذ أن سعة الآخره لا يمكن أن تضاهي بها سعة الدنيا ولا يمكن أن تنظر إلى الدنيا بأنها واسعه بجانب هذه السعة التي في الأخره بجانب السعة الحسية في الآخره والسعة المعنوية فيها واللذه النفسية التي يجدها المؤمن من اكنافها فالدنيا لا تساوي شيئاً بالنسبة للآخرة فهذه هي السعة التي يعنيها .
(1/15)
قد زاد هذه السعة إن المسلمين الأولين كانت دنياهم محكومه بكتاب الله تعالى وتحرروا بسبب ذلك من استغلال استعباد الظالمين وتبوؤا منازل الكرامة والشرف في الدنيا والآخرة لأنها كانت محكومة بهدي القرآن وهدي النبوة على صاحبها أفضل السلام والآخرة التي أعدت لهم كانت عرضها السماوات والأرض للمتقين وبعد ذلك تسائل أمام عدد كبير من الذين حضروا على مختلف طبقاتهم من يستطيع منكم أن يقف أمام أوربي ويقول أن الله ابتعثنا لنخرجكم مما أنتم فيه وعليه من الضيق إلى ما نحن فيه من السعة من الذي يستطيع أن يعمل ذلك ، تحدث عن وضع المدينة التي يحاضر فيها ، أنها تحولت من صحراء إلى مدينة تشبه أوربا في شوارعها وبناياتها وحدائقها ، كيف كان ذلك وأشار إنه إلى الضيق الذي وقع فيه المسلمون اليوم فإنهم استسلموا للشهوات وحنوا روؤسهم أمام خطط غيرهم فأصبحوا يطبقون هذه الخطط الواحدة تلو الآخرى وأصبحوا يتسابقون في البذل حيث أن الواحد منهم بين شيء إن لم يركبوا أفخم أنواع السيارات وليسوا على شيء إن لم يسكنوا المنزل الفخم المؤثث بأحدث أنواع الأثاث ويستكين من أجل تحقيق هذه الرغبه .
(1/16)
إن العالم أصبح يتطلع إلى الإسلام وأصبحت الجاهلية الحديثة تترنح في مضاربات القدر الإلهي وكما وقعت الماركسية الشيوعيه فسوف تسقط الرأسماليه إن شاء الله ولن يبقى هناك إلا الإسلام دين الله تعالى الحق مع أن العالم مع هذه الأوضاع يتطلع إلى الإسلام دين الله الحق لينقذه من ما هو فيه وعليه وعلى المسلمين أن يهيأوا أنفسهم لهذه المهمة الألهية ليخرجوا الإنسانية من الظلمات إلى النور ومن التشتت إلى الاجتماع ومن الضيق إلى السعة ومن الفقر إلى الرخاء ومن الأزمات النفسية إلى سعة الصدور ورحابتها فالإيمان بالله والانقطاع إليه - عز وجل - وهذا إينما يتحقق حينما يحاسب المسلمون أنفسهم حساباً دقيقاً فالمال في أيديهم هو مال الله تعالى وإنما هم مؤتمنون عليه ومستخلفون فيه ومأمورون بالإنفاق منه في الوجوه المشروعة .
(1/17)
وقد ذكر الله تعالى هذا الإنفاق مقروناً بالتذكير ليوم القيامة وأهوله وتخلى كل أحد عن غيره في ذلك اليوم. فإن الله تعالى يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ } ( البقرة : 254 ) ويقول تعالى أيضاً: { وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ } ( المنافقون : 10 ) ، وهذا الأنفاق فيما يرضي الله تعالى فالبذخ والإسراف وعدم المبالاه إنما ذلك كله يحاسب عليه العبد يوم القيامة. حتى أن هذه الضيافات التي تكون للإسراف والمباهاة والمراءة والتي تخرج عن حدود الأعتدال ، مما يسأل عنه العبد يوم القيامة ، فإن الإنفاق في محل هذه الأشياء إنما يكون إنفاقاً معتدلاً دون إسراف ولا مخيله. كما جاء في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأعظم من ذلك نظرة الناس بعضهم لبعض في شؤون حياتهم والترفية عن أنفسهم فكثير من الناس مع الأسف الشديد يقضون جانب من أوقاتهم في الضياع .
فهذه الإنفاقات الباهضة لو أنفقت في سبيل الخير لإعطت بحراً طيباً كالأسفار التي لا راعي ليها من كسب علم أو خبره أو سعياً الى رزق أو سعياً إلى صحة أو دعوة إلى الله ولا سيما تلك الأسفار التي تكون إلى بلاد الكفر ولا يشاهد إلا الإنسان إلا المناظر الشائنة مع إنفاقه الأموال الطائلة التي يتقى بها أعداء الله تعالى فتظهر بها شوكتهم على دين الله فإذا على هؤلاء أن يحاسبوا على ذلك كله وأن يجعلوا هذه النفقات تصب في المصب الذي جعل الله تصب فيه النفقات وهو سبيل الله .
(1/18)
وقد أمر الله تعالى بالإنفاق في سبيله يقول تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَّشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } ( البقرة : 261 ) { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } ( البقرة : 262 ) .
فعلى الإنسان أن يتحرى أن يكون أنفاقه في سبيل الله لا في سبيل الطاغوت ويسأل الله أن يلهمنا السلام وأن يرزقنا العافيه في الدين والدنيا أنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير نعم المولى ونعم النصير - صلى الله عليه وسلم - على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
الأسئلة
س1: كيف توفق بين النصوص التي تبيح للإنسان أن يكتسب الحلال الطيب ويؤدي حق الله في ذلك المال ومن يعمل للمال الصالح يرد له الصالح وبين الترف المذموم في كثير من آيات الله وعلى هذا متى يكون الانسان مترفاً ؟ وهل يمكن أن يكون الإنسان غنياً ولا يصل إلى الترف ؟
(1/19)
ج1: الله تعالى أباح الكسب الطيب ، أباح الحلال من الرزق ومنع الكسب الخبيث لذلك حرم أنواع للكسب التي لا طيب فيها كالربا والغش وحلوان الكهان وثمن الكلب وجميع أنواع المحارم والرشا لان جميعه خبيث وفيه ضرر والطيب لا ضرر فيه ليس فيه ضرر خلقي ولا مالي ولا نفسي ، الطيب جنبه جميع المضار ولكن للخبيث لابد أن تكون فيه مضره إما مضره خلقيه أو ضرر مالي كأخذ الرشوه والربا ، وضرر نفسي فهو حاصل في الربا والرشا وأما الترف المذموم هو أن يتعدى حدود الله تعالى في الاخذ بأسباب الراحة في هذه الحياة بحيث يتجاوز الحدود في راحة نفسه من المحدود إلى المذموم ذلك هو الترف المذموم كما حصل في أولئك حين أنغمسوا في الملذات والشهوات وأشتغلوا في هذه الدنيا حتى ألهتهم عن ذكر الله وعن الصلاه فلذلك أستحقوا عقاب الله الذي جعله جزاء المترفين ويمكن أن يكون الإنسان غنياً ولا يكون مترفاً عندما لا ينفق من مال الله في سبيل الله الذي يرضيه فهو غني ولكن غير مترف ومن أنواع الترف يقال أن أحد أغنياء بلد الخليج ذهب للصيف (قصه ذكرت أكثر من عشرين سنة، ذهب للصيف لاحدى بلاد أوروبا وعندما كان هناك أشترى سياره روزرايز هذه السياره ثمينة فعندما جاء السائق الكافر عندما أنتهى الصيف وأراد أن يعود لأهله قال كيف تأخذ السيارة ؟ قال هي لك هذا هو الترف حتى أولئك الغرب يستخفون منهم هذه المبالغ الباهضة التي في دور القمار والبغاء وفي الرقص والغناء والفساد هذا هو الترف المذموم فالغني الذي يؤدي حق الله كأن يبني المساجد والمدارس وما يفعل من أمور كالعطف على الفقراء والمساكين ويشجع على دراسة الدين والانفاق في سبيل الله هذا هو المال المحبوب عند الرجل الصالح لانهم ينفقونه في وخوة الخير ويجزيهم الله جنة عرضها السماوات والارض اعدت اعدت للمتقين .
(1/20)
س2 : يقول السائل متأثراً لحال المسلمين اليوم بما وقعوا فيه من ترف وفساد وفرقه وتشتت يستبعد أن يسود المسلمين هذا العالم بعد انهيار الرأسماليه المنتظره بأذن الله ؟
ج2 : لا يستبعد ذلك فإن الامور بيد الله وجعل لكل شىء قدراً والله تعالى يهيىء من الاسباب تؤدي إلى ما يكون في حسبان أحد.
ويفضي بما يشاء والأسباب جامدة ... ... ويحكم الامر والافكار عميان
إن الذي يتعاطاه الذكاء لذا ... ... الحكم المقدر تضليل وبهتان
ما حيله الظن والأوهام في قدر ... ... أن لا فصور وعجز ثم أذعان
(1/21)
فالإنسان لا يمكن أن يحسب حسابه للمستقبل الحساب الصحيح وإنما ينظر إلى وعد الله للمسلمين بالنصر والتمكين والله تعالى قادر أن يهيأ للمسلمين من أمرهم رشد أو يحولهم من الفساد إلى الصلاح ومن الضياع إلى عكسه ومن الليونة إلى الخشونة ومن الحبن إلى الشجاعة إلى الأقدام فالله قادر على أن يجمع شتاتهم بعد تفرقهم وأن يجعل كلمتهم واحدة ورايتهم واحدة ويجعل سعيهم اليه تعالى سعياً واحداً ووعدهم الله أن يتحقق الى ما تحقق في غابر العصور فالله تعالى يقول : { وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } ( النور : 55 ) ويقول تعالى : { وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ } ( الحج : 40 ، 41 ) ويقول تعالى : { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } ( الروم : 47 ) جعل الله ذلك حقاً عليه ، أذ لا بد أن ينجز الله هذا الحق ، هذا الأمر الذي يصبون اليه وعد المسلمين أن يأخذوا بأسباب هذا النصر من أسباب حسيه ومعنويه وعليهم قبل كل شيء أن يقووا صلتهم بالله في ثقتهم وفي توجههم إلى الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاه والاستعلاء على أسباب التفرق وعليهم أن يأخذوا بأسباب القوة الحسية فعليهم أن يكونوا أقوياء في مواجهة عدوهم ويتعلموا الصناعات المختلفة ويأخذوا الأسلحة المتنوعة وأن لايكونوا عالة على أعدائهم بل عليهم أن
(1/22)
يحققوا إلى ما يتطلعون عليه من خير والله تعالى هو الذي يتولى نصر عباده .
س3 : يقول السائل أن هناك بعض الناس فيمن أخذ بظاهر تلك الأحاديث للدنيا ودعوة إلى الفرقه وجمع المال فما أثر تلك الفكرة على المجتمع الإسلامي فكيف توفق بين تلك الأحاديث والإسلام يدعوا إلى جمع المال ؟
ج3 : إن الإسلام لا يدعوا إلى بند الدنيا تماماً وإنما الدنيا وسيله للآخره وأحقر من أن تكون غاية وهي أغلى من أن تكون منبوذه نهائياً لأن الإنسان لا يتوصل إلى للآخره إلا عن طريق الدنيا فالدنيا التي يعمل فيها الصالحات ويجمع فيها المال الطيب وعمل الخيرات ويتنافس فيها لتحقيق الجير ، إذاً فالدنيا وسيله للآخره وتكون الدنيا بأيدي المؤمنين وأيدي المؤمنين هي التي تصافحها .
س4 : أيهما أصح أن تقول أن الفتوحات الإسلامية سبب في نشر الإسلام أو هي نتيجة لنشرها ؟
ج4 : الإسلام إنتشر عندما انتشرت الدعوة ثم جاء الانصار ليحتضنوا الإسلام بتأثير الدعوة التي هيأت الرعيل الأول من المسلمين ، هي التي هيأت للمهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم - ثم الفتوحات من أجل تمكين هذه الدعوة من سيرها في طريقها الصحيح من غير عرقله ذات في إنتشار الإسلام وهي نتيجة لإنتشار الإسلام أولأً ، انما للفاتحين الأولين تكونوا بالدعوة إلى الله ، فالمهاجرين والأنصار ذكروا في الدعوة وهم أهل الفتوحات .
س5 : يقول السائل (( سمعت محاضره في أنه يحث في الزيادة الربوية في سبيل الخير وقال أنه أنه ذهب به إلى البنك ومن البنك بعثها لأحد القسيسين لأحدى الدول الأوربية ثم جاءت رسالة تشكر الرجل لتبرعه بالمال على الكنيسة فما رأيكم في هذه المسأله أما أولى أن يأخذ المسلمون هذه الزياده وهي في سبيل الخير كما قال ؟
(1/23)
ج5 : لا يقبل الله صدقاتهم وهكذا لايقبل الله صدقه بالربا وأمر الله أن يكون إنفاق من الطيب يقول تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ } ( البقرة : 267 ) والربا خبيث وعليه أن يتجنب الربا من أول الأمر وعلى المسلمين أن يقيموا المؤسسات المصرفيه الإسلاميه الخاليه من الربا ليكون تحريراً لهم من التعلق بالأنظمه الأجنبيه التي تفرض عليهم الربا وعليهم أن يبتعدوا عن الربا ولا يتخذوا هذه الوسائل والتغليات من أجل الربا .
س6 : يضطر الكثير في معملاتهم مع الكفرة سواء قي العمل أو الدراسة ومجاهلتهم بمعاملتهم معاملة حسنه في الظاهرة ، لا يعاملهم فيها بكثير من الأحيان كأخاه المسلم وقد يتعثر بأن السلطة بأيديهم وتحت إمرتهم فهل في ذلك حرج ؟
(1/24)
ج6 : نعم في ذلك حرج وأي حرج والمداراة مأمور بها وأما المداهنة فلا والمداراة لاتمس الدين أما المداهنة فهي تمس الدين ولا يجوز لاحد أن يداهن الكفار ولا يعاملهم مجامله يظهر لهم ولا يته والله تعالى يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِن كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ } ( الممتحنة : 1 ) ثم بين العاقبه أنتهم يكونوا لكم أعداءويشطون لهم أيديكم وودوا لو تكفرون ويقول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ } ( المائدة : 51 ،52 ) وقدوقع كثير من الناس في هذا العصر في كثير من المداهنه التي تجاوزت جميع الحدود حتى أنه من بلغ القول مع أنه من العلماء المسلمين أنه لا فرق بين الإسلام واليهودية والنصرانية وأنما كلها يتعلق بمشكاه واحده فالمسلم كاليهودي أو النصراني هذه نصوص
(1/25)
قاطعه من القرآن الكريم حتى أن بعضهم قال أن قتل المرتد هو قرار سياسي وليس قرار عالي ولا عت الى الدين بصله كل ذلك تقرباً الىاليهود وذلك ناتج عن مرض القلوب في قوله تعال .
س7 : كيف يمكن أن يكون المسلمون في هذا العصر الى تلك النظره التي كان عليها الصحابي الجليل ربيعه بن عامر نحو هذه الدنيا وهي تكاد تستحيل في هذا العصر ؟
ج7 : ليس ذلك أستحاله بل هو قريب عندما يعود المسلم الى الله ويواجه المؤمن الطغيان برباطه الجاش وثبات المؤمن وأنه يخاف الله وقد كانت حاله العرب قبل الإسلام كان ملكهم النعمان بن المنذر عندما يذكر عند كسرى يقال عبدك النعمان يذكر بلفظ العبوديه وغضب عليه فرماه للفيله تحت أقدامها وهشمته هكذا فعل كسرى بملك العرب وانما يريد الإسلام لرفع المستوى بصلته بالله تعالى فعندما تتحقق الصله بقوة الإيمان كل ذلك يكون لقوتها والله ولي التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
(1/26)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق