يتجرَّعُه} يشربه جُرعةً جُرعةً لِمَرارتِه وحَرارتِه {وَلاَ يكادُ يُسيغُه} ولا يُقارِب أَن يُسيغَه، فكيف تَكون الإساغَةُ؟! كقوله: {لم يكد يَراهَا} (1) أي: لم يقرُب مِن رُؤيَتِها، فكيف يَراهَا؟!؛ {ويأتيه الموتُ مِن كُلِّ مَكانٍ} أي: أسبابُ الموت من كلِّ جهة، أو من كُلِّ مكَانَ من جسده، حتَّى أُصول شعره وإبهام رِجليه؛ وقيل: يأتيه الموت من قُدَّامه وورائه ويمينه وشماله؛ وهذا تفظيع لِمَا يُصيبُه مِنَ الآلام، أي: لو كَانَ ثَمَّة مَوتٌ لكَانَ منها مُهلَكا؛ {وَمَا هُوَ بمَيِّت} فيَستريح، لأَنَّهُ لو كَانَ هُنالك مَوْت لكَانَ نعمةً لأهلِ النار، لأَنَّهُ أسرعُ انقضاءً مِنَ العذاب المُؤبَّد، {ومِن وَرائِه} ومِن بَين يَدَيهِ {عذابٌ غليظٌ (17)}، أي: فيِ كلِّ وقتٍ يستقبلُه يَتلقَّى عذابا أشدَّ مِمَّا قبلَه وأغلظَ؛ وقيل: هُوَ قطعُ الأنفاس وحبسُها فيِ الأجساد؛ وقيل «العذاب الغليظ»: الخلود فيِ النار.
{مَثلُ الذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهم} والمثَل مُستَعار للصِّفة التِي فِيهَا غَرابَة؛ {أعمالُهم كَرمَادٍ اشتدَّت بِهِ الريح فيِ يوم عاصِف} أعمالُ الكفرة، المكارمُ التِي كَانَت لَهُم من صلة الأرحام، وعتقِ الرقاب، وفداءِ الأسارى، وعقرِ الإبل للأضياف، وأداءِ الفرائض، والتوسُّلِ بالوسَائِل وحُسنِ (لعلَّه) الأخلاق للناس، شبَّهها فيِ حُبوطِها لِبنائِها عَلَى غير أساسٍ، وَهُوَ استكمال الطاعة بِرمادٍ طيَّرَته الريح العاصف؛ {لاَ يَقدِرون} يَوم القيامة {مِمَّا كسبوا} من أعمالهم {عَلَى شَيء} أي: لاَ يَرون لَهُ أثرًا (2) مِن ثَواب، كَمَا لاَ يُقدَرُ مِنَ الرماد المُطيَّر فيِ الجوِّ بالرِّيح عَلَى شيءٍ؛ {ذَلِكَ هُوَ الضلالُ البعِيدُ (18)} إشارةٌ إِلىَ بُعدِ ضلالهم عَن طَريق الثوابِ.
{__________
(1) - ... سورة النور: 40.
(2) - ... في الأصل: «أثر»، وَهُوَ خطأ.
Post Top Ad
الأحد، 4 يوليو 2021
289 كتاب التفسير الميسر لسعيد الكندي الصفحة
التصنيف:
# التفسير الميسر لسعيد الكندي
عن Qurankariim
التفسير الميسر لسعيد الكندي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
Post Top Ad
عن المحرر
مرحبا! أنا أسمي محمد أعمل هنا في مدونتي وأشارك معكم كل جديد على الانترنت لتعم الفائدة على الجميع وإثراء المحتوى العربي، يسرني دائمًا تلقي ملاحظاتكم وإستفساراتكم من خلال نموذج الأتصال :)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق